رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٤

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٤

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-092-7
الصفحات: ٤٢٥

وضعف هذا الاستدلال ظاهر.

( ويعيد ) الصلاة ( لو زاد ) فيها ( ركوعا أو سجدتين ) مطلقا ( عمدا ) كانت الزيادة ( أو سهوا ) وكذا غيرهما من الأركان إلاّ ما استثني ، بلا خلاف أجده ، وبه صرّح جماعة (١) ؛ لكونها كالنقيصة مغيّرة لهيئة العبادة التوقيفية موجبة لبقاء الذمة تحت العهدة ؛ ومع ذلك المعتبرة به مستفيضة ، منها الصحيح : « إذا استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد بها واستقبل الصلاة استقبالا » (٢) وبمعناه الموثق وغيره (٣).

وفي الموثقين القريب أحدهما من الصحيح ، بل صحيح : « لا يعيد الصلاة من سجدة ويعيدها من ركعة » (٤).

ومقابلة الركعة فيهما بالسجدة قرينة على أنّ المراد بالركعة الركوع ، ولا قائل بالفرق بينه وبين السجدتين.

وخروج كثير من الأفراد من إطلاق الصحيح الأول وما في معناه غير قادح ولو كانت أكثر ؛ إذ ليس كالعموم اللغوي لا يقبل التخصيص إلى أن يبقى الأقل.

فما يقال في الجواب عنهما من حملهما على زيادة ركعة حذرا عن ارتكاب التخصيص البعيد ضعيف.

وأضعف منه التأمل في الدليل الأول مع عدم ظهور وجهه (٥) ، سيما وأنّ‌

__________________

(١) منهم السبزواري في الكفاية : ٢٥ ، وصاحب الحدائق ٩ : ١١٩.

(٢) الكافي ٣ : ٣٥٤ / ٢ ، التهذيب ٢ : ١٩٤ / ٧٦٣ ، الاستبصار ١ : ٣٧٦ / ١٤٢٨ ، الوسائل ٨ : ٢٣١ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ١.

(٣) التهذيب ٢ : ١٩٤ / ٧٦٤ ، الاستبصار ١ : ٣٧٦ / ١٤٢٩ ، الوسائل ٨ : ٢٣١ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ٢ وذيله.

(٤) الفقيه ١ : ٢٢٨ / ١٠٠٩ ، التهذيب ٢ : ١٥٦ / ٦١٠ ، ٦١١ ، الوسائل ٦ : ٣١٩ أبواب الركوع ب ١٤ ح ٢ ، ٣.

(٥) انظر الحدائق ٩ : ١١٩.

١٠١

دأب العلماء حتى المتأمل التمسك به في إثبات كثير من الواجبات في العبادات ، وبطلانها بالإخلال بها مطلقا.

وكما تبطل بزيادة أحد الركنين كذا تبطل بزيادة ركعة مطلقا على الأشهر الأقوى ؛ لما مضى من الأدلة حتى القاعدة ، بناء على المختار من وجوب التسليم وجزئيته مطلقا ، وكذا على غيره لكن في الجملة.

مضافا إلى بعض الأخبار المنجبر ضعفها بالشهرة والمخالفة للعامة : في رجل صلّى العصر ست ركعات أو خمس ركعات ، قال : « إن استيقن أنه صلّى خمسا أو ستا فليعد » (١).

خلافا للإسكافي فلا إعادة في الرابعة إن جلس بعدها بقدر التشهد (٢) ، واختاره الفاضلان في المعتبر والتحرير والمختلف (٣) ؛ للصحيحين (٤) ؛ ولأن نسيان التشهد غير مبطل فإذا جلس بقدره فقد فصل بين الفرض والزيادة.

وفيهما نظر ؛ لضعف الثاني بأن تحقّق الفصل بالجلوس لا يقتضي عدم وقوع الزيادة في أثناء الصلاة.

والخبرين : بأنّ الظاهر أنّ المراد من الجلوس فيهما بقدر التشهد : التشهد ؛ لشيوع مثل هذا الإطلاق ، وندور تحقق الجلوس بقدره من دون الإتيان به. ولو سلّم ففي مكافاتهما لما مرّ من الأدلة مناقشة واضحة ، سيّما بعد احتمالهما الحمل على التقية كما صرّح به جماعة (٥) حاكين القول بمضمونهما‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٥٢ / ١٤٦١ ، الوسائل ٨ : ٢٣٢ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ٣.

(٢) نقله عنه في المختلف : ١٣٥.

(٣) المعتبر ٢ : ٣٨٠ ، التحرير ١ : ٤٩ ، المختلف : ١٣٥.

(٤) الفقيه ١ : ٢٢٩ / ١٠١٦ ، التهذيب ٢ : ١٩٤ / ٧٦٦ ، الاستبصار ١ : ٣٧٧ / ١٤٣١ ، الوسائل ٨ : ٢٣٢ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ٤ ، ٦.

(٥) منهم الشيخ في الخلاف ١ : ٤٥١ ، وصاحب الحدائق ٩ : ١١٧.

١٠٢

عن أبي حنيفة المشهور رأيه في جميع الأزمنة وعليه أكثر العامة.

وقيل : إنّ تشهّد قبل الزيادة فلا إعادة (١) ؛ عملا بظاهر الصحيحين بالتقريب الذي عرفته ، ولذا جعلا من أدلة استحباب التسليم لا التشهد.

وفيه ما عرفته من عدم المكافأة للأدلة المشهورة هنا ؛ مضافا إلى أدلة وجوب التسليم المتقدمة في بحثه.

وعلى هذا القول لا فرق في وقوع الزيادة بعد تشهد الرباعية أو الثلاثية أو الثنائية إن علّل زيادة على الصحيحين باستحباب التسليم والخروج بالتشهد عن الصلاة ، فتكون الزيادة بعدها.

( ولو نقص من عدد ) ركعات ( الصلاة ) سهوا ( ثمَّ ذكر ) النقصان بعد التسليم ( أتم ) مطلقا ( ولو تكلّم على الأشهر ) الأظهر ؛ للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة المتقدمة جملة منها (٢) ، مضافا إلى الإجماعات المنقولة على عدم بطلان الصلاة بالتكلّم ناسيا في بحث قواطع الصلاة ، وتقدّم ثمة خلاف النهاية وقوله فيه بوجوب الإعادة مع ذكر ما يصلح له دليلا والجواب عنه (٣).

ويحكى هذا القول هنا عن جماعة من القدماء كالعماني والحلبي (٤).

وحكى الشيخ عن بعض الأصحاب قولا بوجوب الإعادة في غير الرباعية (٥) ، ولم نعرف مستنده.

وإطلاق العبارة ـ كغيرها وجملة من النصوص الصحيحة وغيرها ـ يقتضي عدم الفرق بين ما إذا طال الزمان أو الكلام كثيرا بحيث يخرج عن كونه مصلّيا‌

__________________

(١) قال به الشيخ في الاستبصار ١ : ٣٧٧ ؛ وانظر الذكرى : ٢١٩.

(٢) راجع ج ٣ ص : ٢٨٠.

(٣) راجع ض ١٨١٦.

(٤) نقله عن العماني في المختلف : ١٣٦ ، الحلبي في الكافي : ١٢٠.

(٥) انظر المبسوط ١ : ١٢١.

١٠٣

أم لا ، وعزاه في التذكرة إلى ظاهر علمائنا (١).

خلافا لبعضهم ففرّق بينهما ، فوافق الشيخ في الأول ، والمشهور في الثاني (٢).

ووجهه غير واضح ، عدا الجمع بين النصوص وما دلّ على البطلان بالفعل الكثير. وفيه نظر ؛ لاختصاص ما دلّ على البطلان بصورة العمد كما مرّ في بحثه (٣) ؛ مع نقل الإجماع على عدمه فيما نحن فيه (٤).

ومع ذلك يردّه ظاهر الحسن ـ لو لم نقل صريحه ـ : قلت : أجي‌ء إلى الإمام وقد سبقني بركعة في الفجر ، فلمّا سلّم وقع في قلبي أني أتممت ، فلم أزل أذكر الله تعالى حتى طلعت الشمس ، نهضت فذكرت أنّ الإمام قد سبقني بركعة ، قال : « فإن كنت في مقامك فأتم بركعة ، وإن كنت قد انصرفت فعليك الإعادة » (٥) فتدبّر.

نعم ، الأحوط الإعادة كما ذكره (٦) ، بل مطلقا كما عليه الشيخ في النهاية ومن تبعه ، لكن بعد إتمام الصلاة (٧) كما ذكرنا وتدارك ما يلزم السهو من سجدتيه.

( ويعيد لو استدبر القبلة ) أو فعل ما ينافي الصلاة عمدا وسهوا كالحدث ، على الأشهر الأقوى ؛ للمعتبرة المستفيضة في استدبار القبلة ومنها‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ١٣٥.

(٢) انظر التنقيح ١ : ٢٥٩.

(٣) راجع ج ٣ ص : ٢٨٥.

(٤) وهو صورة السهو والنسيان. منه رحمه الله.

(٥) التهذيب ٢ : ١٨٣ / ٧٣١ ، الاستبصار ١ : ٣٦٧ / ١٤٠٠ ، الوسائل ٨ : ٢٠٩ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٦ ح ١.

(٦) أي : في صورة تخلّل الفعل الكثير.

(٧) أي : الاحتياط المذكور يجب أن يكون بعد الإتمام. منه رحمه الله.

١٠٤

الصحيح والموثقان (١) ، وغيرها الواردة في خصوص المسألة (٢) ، مضافا إلى الصحاح المستفيضة وغيرها المتقدمة في كونه قاطعا للصلاة مطلقا (٣). وقد مرّ ثمة نقل خلاف جماعة في ذلك بتخصيصهم له بصورة العمد خاصة مع مستندهم والجواب عنه (٤).

وأما هنا فلم ينقل الخلاف إلاّ من المقنع خاصة حيث قال : يتم صلاته ولو بلغ الصين (٥) ، ووافقه بعض متأخري المتأخرين (٦) ؛ للصحاح المستفيضة إطلاقا في بعضها وتصريحا في جملة منها (٧).

وهي غير مكافئة لما مرّ من الأدلة ؛ مع احتمالها الحمل على التقية كما صرّح به بعض الأجلة (٨). ومع ذلك فقول الصدوق رحمه‌الله بها غير معلوم وإن اشتهرت حكايته عنه ، لما ذكره خالي العلاّمة المجلسي رحمه‌الله بأنّه لم يجده فيما عنده من نسخة المقنع (٩) ، وقد مرّ في بحث القواطع موافقة إطلاق كلامه لما عليه الأكثر من كون الاستدبار من القواطع مطلقا ، وبالجملة فالقول المزبور ضعيف.

وأضعف منه القول بالتخيير بينه وبين المختار مع أفضليته ، كما اتّفق‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٣١٢ أبواب القبلة ب ٩.

(٢) الوسائل ٨ : ١٩٨ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣.

(٣) راجع ج ٣ ص : ٢٧٦ و٢٧٧.

(٤) راجع ج ٣ ص : ٢٧٨.

(٥) نقله عنه في المختلف : ١٣٦ ، والموجود في المقنع : ٣١ : وإن صلّيت ركعتين ثمَّ قمت فذهبت في حاجة لك فأعد الصلاة ولا تبن على ركعتين.

(٦) كالفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع ١ : ١٧٥.

(٧) الوسائل ٨ : ٢٠٤ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ١٩ ، ٢٠ ؛ وص ٢١٠ ب ٦ ح ٣.

(٨) العلامة المجلسي في البحار ٨٨ : ٢٠٠ ، وصاحب الحدائق ٩ : ١٣٠.

(٩) بحار الأنوار ٨٨ : ١٩٩.

١٠٥

لصاحبي المدارك والذخيرة (١) ؛ للجمع بين الأخبار.

لفقد التكافؤ ، مع عدم وضوح الشاهد عليه ، وقوة احتمال كونه إحداث قول غير جائز.

وحيث ثبت الإعادة بالاستدبار ثبت بغيره ؛ لعدم قائل بالفرق ، مضافا إلى عموم أدلة كونه من القواطع.

( وإن كان السهو عن غير ركن فمنه ما لا يوجب تداركا ) وهو الإتيان به بعد فواته ( ومنه ما يقتصر معه على التدارك ) خاصة ( ومنه ما يتدارك مع سجود السهو ) بعد التسليم.

( فالأول كمن نسي القراءة ) كلا أو بعضا حتى ركع ، بلا خلاف أجده إلاّ من ابن حمزة القائل بركنيتها (٢). وهو شاذّ كالصحيح الدالّ عليه (٣) ؛ ولعلّه لذا نفى الخلاف عن خلافه هنا جماعة (٤) ، معربين عن دعوى الإجماع عليه ، كما تقدّم نقله عن الشيخ رحمه‌الله في بحث القراءة مع تزييف هذا القول (٥). ونقول هنا : إن المعتبرة على ردّه زيادة على ما مرّ مستفيضة (٦) ، وفيها الصحاح والموثّقات وغيرها ، معتضدة بالأصل وعمل الأصحاب.

( أو الجهر أو الإخفات ) في مواضعهما مطلقا ؛ لإطلاق الصحيحين الماضيين في بحثهما بأنه لا شي‌ء عليه إن أخلّ بهما ساهيا ، من دون تقييد له بالتذكر لهما في الركوع كما قيد به في القراءة على ما عرفته وستعرفه.

__________________

(١) المدارك ٤ : ٢٢٨ ، الذخيرة : ٣٦٠.

(٢) نقله عنه الفاضل المقداد في التنقيح ١ : ١٩٧ ، ولكنه قال في الوسيلة : ٩٣ بعدم ركنيتها.

(٣) التهذيب ٢ : ١٤٦ / ٥٧٣ ، الاستبصار ١ : ٣٥٤ / ١٣٣٩ ، الوسائل ٦ : ٨٨ أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٧ ح ٤.

(٤) منهم : صاحب المدارك ٤ : ٢٣١ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٣٦٨.

(٥) انظر الخلاف ١ : ٣٣٥ ، ٤٠٩.

(٦) الوسائل ٦ : ٩٠ أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٩.

١٠٦

( أو الذكر في الركوع ، أو الطمأنينة فيه ) حتى رفع الرأس ( أو رفع الرأس منه ، أو الطمأنينة في الرفع ) بلا خلاف أجده إلاّ من الشيخ رحمه‌الله في الطمأنينتين فقال بركنيتهما مدّعيا عليها الإجماع (١). وهو شاذ ، ولعله لذا نفى عن خلافه الخلاف هنا جماعة (٢) معربين عن دعوى الإجماع ؛ وهو الحجة.

مضافا إلى الخبر : عن رجل ركع ولم يسبح ناسيا ، قال : « تمّت صلاته » (٣) ونحوه آخر سيذكر.

وهما دالاّن على الحكم في الذكر ، ففي طمأنينته أولى ، ولا قائل بالفرق بينه وبين الطمأنينة الأخرى ، وكذا الرفع أيضا.

وضعف السند مجبور بالعمل ؛ مضافا إلى التأيّد بالصحيح : « لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة : الطهور ، والوقت ، والقبلة ، الركوع ، والسجود » (٤).

( والذكر في السجود ، أو السجود على ) أحد ( الأعضاء السبعة ) ما عدا الجبهة ، فإنّ نسيانها في السجدتين معا يوجب فوات الركن المبطل ، وفي الواحدة يقتضي فواتها الموجب لإلحاقه بالقسم الثالث.

وإنما لم يستثنها الماتن لدلالة السياق عليه ، بناء على أنّ السجود لا يتحقق بدون وضعها وإن وضعت باقي الأعضاء ، وعليه فيدخل عدم وضعها في كلية ترك السجدة التي سيتعرض لها في القسم الثالث.

( أو الطمأنينة فيه ) أي في السجود ( أو ) إكمال ( رفع الرأس منه ، أو الطمأنينة في الرفع من الأولى ، أو الطمأنينة في الجلوس للتشهد ) بلا خلاف في شي‌ء من ذلك.

__________________

(١) الخلاف ١ : ٣٤٨.

(٢) منهم : صاحب المدارك ٤ : ٢٣٢ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٣٦٨.

(٣) التهذيب ٢ : ١٥٧ / ٦١٢ ، الوسائل ٦ : ٣٢٠ أبواب الركوع ب ١٥ ح ١.

(٤) الفقيه ١ : ٢٢٥ / ٩٩١ ، التهذيب ٢ : ١٥٢ / ٥٩٧ ، الوسائل ٦ : ٣١٣ أبواب الركوع ب ١٠ ح ٥.

١٠٧

للخبر : عن رجل نسي تسبيحه في ركوعه وسجوده ، قال : « لا بأس بذلك » (١).

والتقريب ما مرّ حتى في التأيّد بالصحيح والجواب عن ضعف السند.

( الثاني : من ذكر أنه لم يقرأ الحمد وهو ) أخذ ( في السورة ) أو تممها ولم يركع ( قرأ الحمد وأعادها ) أي تلك السورة ( أو غيرها ) من السور وجوبا إن قلنا بوجوبها ، وإلاّ فاستحبابا ؛ بلا خلاف يظهر ، بل بالإجماع صرّح بعض من تأخر (٢).

وللخبرين أحدهما الموثق : عن الرجل يقوم فينسى فاتحة الكتاب ، قال : « فليقل : أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم إنّ الله هو السميع العليم ثمَّ ليقرأها ما دام لم يركع » (٣).

وإنما يجب إعادة السورة محافظة على الترتيب بينها وبين الفاتحة ، الواجب اتفاقا فتوى ورواية.

( ومن ذكر قبل السجود أنه لم يركع قام ) منتصبا مطلقا ، وقيل : إن نسيه حال القيام ، وإلاّ فمنحنيا إلى حدّ الراكع إن نسيه بعد الوصول إليه (٤) ، وفيه نظر ( فركع ) بلا خلاف ، بل بالإجماع صرّح جمع (٥) ؛ لإطلاق الأمر وبقاء المحل ؛ مضافا إلى فحوى ما دلّ عليه في صورة الشك.

وفي الصحيح : « إذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٥٧ / ٦١٤ ، الوسائل ٦ : ٣٢٠ أبواب الركوع ب ١٥ ح ٢.

(٢) المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٣ : ١٣١.

(٣) التهذيب ٢ : ١٤٧ / ٥٧٤ ، الاستبصار ١ : ٣٥٤ / ١٣٤٠ ، الوسائل ٦ : ٨٩ أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٨ ح ٢.

والخبر الثاني : الكافي ٣ : ٣٤٧ / ٢ ، الوسائل ٦ : ٨٨ أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٨ ح ١.

(٤) قال به صاحب المدارك ٤ : ٢٣٤.

(٥) منهم : صاحب المدارك ٤ : ٢٣٤ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ١٣٨.

١٠٨

فاقض الذي فاتك » (١) وحمل على صورة التذكر قبل فوات المحل بقرينة الإجماع على عدم قضاء الأركان بعده مطلقا.

( وكذا من ترك السجود أو التشهد وذكر ) ذلك ( قبل ركوعه قعد فتداركه ) بلا خلاف في التشهد والسجدة الواحدة ، بل بالإجماع فيهما صرّح جماعة (٢) ؛ وهو الحجة.

مضافا إلى الصحاح المستفيضة ، منها : عن رجل نسي أن يسجد واحدة فذكرها وهو قائم ، قال : « يسجدها إذا ذكرها ولم يركع ، وإن كان قد ركع فليمض على صلاته ، فإذا انصرف قضاها وحدها وليس عليه سهو » (٣).

ومنها : عن الرجل يصلّي ركعتين من المكتوبة فلا يجلس فيهما ، فقال : « إذا ذكر وهو قائم في الثالثة فليجلس ، وإن لم يذكر حتى ركع فليتم صلاته ثمَّ يسجد سجدتين وهو جالس قبل أن يتكلم » (٤).

وأما نسيان السجدتين فكذلك أيضا على الأظهر الأشهر كما صرّح به جمع (٥) ، بل عليه عامة من تأخر كما صرّح به بعض (٦) ؛ لبقاء المحل بدلالة تدارك السجدة الواحدة ؛ مضافا إلى أصالة بقاء الصحة المؤيدة ـ زيادة على الشهرة العظيمة ـ بالصحيحة السابقة المتضمنة لأنه لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٢٨ / ١٠٠٧ ، التهذيب ٢ : ٣٥٠ / ١٤٥٠ ، الوسائل ٨ : ٢٣٨ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٣ ح ٧.

(٢) منهم : الشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٤٥٤ ، وصاحب المدارك ٤ : ٢٣٥.

(٣) الفقيه ١ : ٢٢٨ / ١٠٠٨ ، التهذيب ٢ : ١٥٢ / ٥٩٨ ، الوسائل ٦ : ٣٦٥ أبواب السجود ب ١٤ ح ٤.

(٤) الفقيه ١ : ٢٣١ / ١٠٢٦ ، الوسائل ٦ : ٤٠٢ أبواب التشهد ب ٧ ح ٤.

(٥) لم نعثر عليه ، وقد نسب إلى الشهرة في الروض : ٣٤٤ ، والحدائق ٩ : ١٣٦.

(٦) المحقق السبزواري في الذخيرة : ٣٧١.

١٠٩

وقيل : وبالصحيحة المتضمنة لتدارك الركوع بعد السجدتين (١) ، فإنه إذا جاز تداركه مع تخلل السجدتين اللتين هما ركن في الصلاة جاز تدارك السجود مع تخلل القيام خاصة بطريق أولى (٢).

وهو حسن إن قلنا بحكم الأصل ، وإلاّ ـ كما هو الأقوى وقد مضى ـ فلا.

خلافا لجماعة من القدماء فأبطلوا الصلاة بنسيانهما مطلقا (٣) ، ولم نعرف لهم مستندا.

وعلى المختار لو عاد إليهما لم يجب الجلوس قبلهما. أما لو كان المنسي إحداهما فإن كان قد جلس عقيب السجدة الأولى واطمأنّ ( سواء كان ) (٤) بنية الجلوس الواجب للفصل أو لا بنيته ، لم يجب الجلوس قبلها أيضا ، لحصوله من قبل ، وإن لم يكن جلس كذلك أو لم يطمئن وجب ، لأنه من أفعال الصلاة ولم يأت به مع إمكان تداركه.

خلافا للمحكي عن المبسوط فجوّز تركه ؛ لتحقق الفصل بين السجدتين بالقيام (٥).

ويضعف بأن الواجب هو الجلوس على الوجه المخصوص الغير الحاصل لا مطلق الفصل.

ولو شك هل جلس أم لا بنى على الأصل وجلس وإن كان حالة الشك قد انتقل عن المحل ؛ لأنه بالعود إلى السجدة مع استمرار الشك يصير في‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٢٨ / ١٠٠٦ ، التهذيب ٢ : ١٤٩ / ٥٨٥ ، الاستبصار ١ : ٣٥٦ / ١٣٤٨ ، الوسائل ٦ : ٣١٤ أبواب الركوع ب ١١ ح ٢.

(٢) قال به صاحب المدارك ٤ : ٢٣٦.

(٣) منهم الشيخ في النهاية : ٨٨ ، الحلبي في الكافي : ١١٩. وابن إدريس في السرائر ١ : ٢٤٥.

(٤) أثبتناه من « ح ».

(٥) المبسوط ١ : ١٢٠.

١١٠

المحل.

ومتى تدارك المنسي قام وأتى بالأذكار الواجبة بعده ، ولا يعتدّ بما أتى به قبله ؛ لوقوعه في غير محلّه ، فيكون كالعدم ، ولا يضر زيادته ، لعدم كونه ركنا.

واعلم : أنّه لم يتعرض الماتن لحكم نسيان السجود في الركعة الأخيرة والتشهد الأخير. والأجود تدارك الجميع مع الذكر قبل التسليم وإن قلنا باستحبابه ؛ لإطلاق الأمر بفعلهما وبقاء محلّهما ، كذا قيل (١) ، وفيه نظر. نعم ، هو على القول بوجوب التسليم ودخوله في الصلاة كما هو المختار حسن.

وينبغي إعادة التشهد بعد تدارك السجدة المنسية مراعاة للترتيب ، وبه صرّح في الذكرى (٢).

ولو لم يذكر إلاّ بعد التسليم فإن كان المنسي التشهد قضاه بعده ؛ لعدم الفرق بينه وبين التشهد الأول الذي حكمه ذلك ـ كما يأتي ـ عند الجماعة فيما أجده ، وبه صرّح جماعة ومنهم الشهيد في الذكرى (٣).

ولإطلاق الصحيح بل ظاهره كما قيل (٤) : في الرجل يفرغ من صلاته وقد نسي التشهد حتى ينصرف من صلاته ، فقال : « إن كان قريبا رجع إلى مكانه فتشهّد ، وإلاّ طلب مكانا نظيفا فتشهّد فيه » (٥).

ويعضده إطلاق غيره من الأخبار ، منها الصحيح على الظاهر : في رجل نسي ركعة أو سجدة أو الشي‌ء منها ثمَّ يذكر بعد ذلك ، قال : « يقضي ذلك‌

__________________

(١) المدارك ٤ : ٢٣٧.

(٢) الذكرى : ٢٢١.

(٣) الذكرى : ٢٢١ ، المدارك ٤ : ٢٣٧ ، والحدائق ٩ : ١٤١.

(٤) الحدائق ٩ : ١٤١.

(٥) التهذيب ٢ : ١٥٧ / ٦١٧ ، الوسائل ٦ : ٤٠١ أبواب التشهد ب ٧ ح ٢.

١١١

بعينه » ، قلت : أيعيد الصلاة؟ قال : « لا » (١) ونحوه آخر (٢).

وإطلاقها كالصحيح يقتضي عدم الفرق بين ما لو تخلّل الحدث بينه وبين الصلاة أم لا ، وبه صرّح جماعة (٣).

خلافا للحلّي في الأول فيعيد الصلاة ؛ لأنه أحدث فيها ، لوقوع التسليم في غير محلّه (٤).

وهو حسن على أصله من استحباب التسليم وانحصار المخرج عن الصلاة في التشهد ولم يقع ، فيكون قد أحدث قبل خروجه منها ، فتبطل صلاته.

ولا يتوجه ذلك على المختار فيه من وجوبه ؛ لوقوعه مقصودا به الخروج من الصلاة فيكون كافيا ، والتشهد ليس بركن حتى يكون نسيانه قادحا في صحة الصلاة ؛ مضافا إلى إطلاق ما مرّ من الأخبار ، ولذا قال بالمختار هنا من لا يوافقنا في التسليم ويقول باستحبابه (٥) كما عليه الحلّي (٦) ، فتأمل.

وإن كان السجدة الواحدة قضاها خاصة على الأقوى ، وفاقا للذكرى (٧) ، أو مع التشهد مرتبا بينهما على احتمال ضعيف ذكر فيها ؛ لإطلاق الخبرين‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٥٠ / ٥٨٨ ، الاستبصار ١ : ٣٥٧ / ١٣٥٠ ، الوسائل ٦ : ٣١٤ أبواب الركوع ب ١١ ح ١.

(٢) الظاهر هو رواية الحلبي المنقولة في الذكرى : ٢٢٠ ، ولم نعثر عليها في المجامع الحديثيّة ومتنها : « إذا نسيت من صلاتك فذكرت قبل أن تسلّم أو بعد ما تسلّم أو تكلّمت فانظر الذي كان نقص من صلاتك فأتمه ».

(٣) منهم : المحقق في المعتبر ٢ : ٣٨٦ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٤٦ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٣٧٤.

(٤) السرائر ١ : ٢٥٩.

(٥) كصاحب المدارك ٣ : ٤٣٠ ، ٤ : ٢٣٨ ، والمحقق السبزواري في الذّخيرة : ٢٨٩ ، ٣٧٤.

(٦) السرائر ١ : ٢٤١.

(٧) الذكرى : ٢٢٢.

١١٢

المتقدمين ونحوهما ، والصحيح : « إذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا فاقض الذي فاتك سهوا » (١).

وشموله الأركان وغيرها ممّا لا يجب قضاؤه مع خروجها بالإجماع وغيره غير قادح ؛ إذ غايته كونه مقيدا للإطلاق ، وهو لا يوجب خروج الباقي عن الحجية ، فتأمل.

هذا مع أني لم أجد في الحكم خلافا ، وبه صرّح بعض الأصحاب أيضا (٢).

وإن كان السجدتين بطل الصلاة ؛ لفوات الركن ، مع عدم التدارك ، للخروج من الصلاة بالتسليم.

واعلم أن ذكر حكم السهو عن الركن هنا استطرادي وإلا فلا يرتبط بمفروض العبادة ( ومن ذكر أنه لم يصلّ على النبي وآله عليهم‌السلام ) في التشهد ( بعد أن سلّم قضاهما ) على المشهور على الظاهر ، المصرّح به في بعض العبائر (٣).

خلافا للحلّي فردّ شرعية القضاء ؛ لعدم النص (٤).

وردّ بأن التشهد يقضى بالنص فكذا أبعاضه ؛ تسوية بين الجزء والكل (٥).

ومنع التسوية جماعة (٦) ، معللين بأن الصلاة تقضى ولا يقتضي جميع أجزائها ، وكذا مجموع السجدة الواحدة وواجباتها من الذكر والطمأنينة تقضى ولا تقضى واجباتها منفردة.

ويمكن أن يقال : إنّ الأصل يقتضي التسوية ؛ فإنّ فوات الجزء يستلزم‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٥٠ / ١٤٥٠ ، الوسائل ٨ : ٢٣٨ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٣ ح ٧.

(٢) كصاحب الحدائق ٩ : ١٤٢.

(٣) روض الجنان : ٣٤٦.

(٤) السرائر ١ : ٢٥٧.

(٥) انظر المختلف : ١٣٩ ، والذكرى : ٢٢١.

(٦) منهم : الشهيد في الروضة ١ : ٣٢٥ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٣٧٢ ، وصاحب الحدائق ٩ : ١٤٥.

١١٣

فوات الكل الموجب للقضاء بالنص ؛ مضافا إلى أن الإخلال بالجزء يستلزم الإخلال بالأمور به على وجهه ، فيبقى إطلاق الأمر به بحاله ، وفوات المحل لا يقتضي الصحة ، بل مقتضاه الفساد كما في كل جزء ، وثبوت الصحة في موارد من دون تدارك لا يستلزم ثبوتها في غيرها كذلك إلاّ بدليل ، وليس هنا إلاّ الإجماع ، ولا يستفاد منه سوى الصحة بمعنى الخروج عن شغل الذمة مع التدارك خاصة ، وأمّا من دونه فلا ، فقاعدة وجوب تحصيل البراءة اليقينية تقتضي لزوم التدارك كما ذكره الجماعة.

هذا مضافا إلى إطلاق الأخبار المتقدمة بقضاء ما أخلّ به في الصلاة من سجدة أو ركعة أو نحوها من الأجزاء المنسية. وخروج كثير من الأفراد منها غير قادح كما عرفته ولو كان الخارج أكثر ؛ لأن منعه عن حجية الباقي يختص بالعموم اللغوي دون الإطلاقي ، لاختصاص وجه المنع به دونه ، للاتفاق على قبوله التقييد إلى واحد.

هذا إن ذكرها بعد التسليم ، ولو ذكرها قبله وكانت من التشهد الأخير أتى بها قبله ثمَّ به.

وإن كانت من التشهد الأول وذكرها بعد الركوع فكما لو ذكرها بعد التسليم بلا خلاف كما في المنتهى (١) ، قال : وهل يجب سجود السهو؟ فيه تردّد أقربه الوجوب.

وإن ذكرها قبل الركوع قال فيه : فالوجه وجوب العود والجلوس للصلاة ، وهل تجب إعادة التشهد؟ الوجه : لا (٢). انتهى. وهو حسن.

واعلم : أنّ عدم وجوب سجدتي السهو في هذه المسائل ـ كما يقتضيه درجها في هذا القسم ـ ليس متفقا عليه ؛ لوقوع الخلاف فيه كما يأتي.

__________________

(١) المنتهى ١ : ٤١٥.

(٢) المنتهى ١ : ٤١٥.

١١٤

( الثالث : من ذكر بعد الركوع أنه لم يتشهد أو ترك سجدة قضى ذلك بعد التسليم وسجد ) سجدتين ( للسهو ) على الأظهر الأشهر ، بل على وجوب قضاء التشهد ولزوم الإتيان بسجدتي السهو له بعده الإجماع في الخلاف (١) ؛ وهو الحجّة فيهما ؛ مضافا إلى الصحاح الصحاح المستفيضة وغيرها في الثاني وفي وجوب قضاء السجدة المنسية أيضا ، وقد تقدّم إلى جملة منها الإشارة.

وفيها الحجّة على من أفسد الصلاة بترك السجدة مطلقا كما عن العماني (٢) ؛ للخبر (٣).

أو إذا كانت من الركعتين الأوليين خاصة كما عن المفيد والتهذيب (٤) ؛ للصحيح (٥).

وعلى من أوجب قضاء السجدة قبل التسليم بعد ركوع الثانية إذا كانت من الأولى ، وإذا كانت من الثانية فبعد ركوع الثالثة ، وإذا كانت منها فبعد الرابعة ، وإذا كانت منها فبعد التسليم ، كما عن والد الصدوق (٦) ؛ للرضوي (٧).

وقريب منه عن المفيد في العزّية والإسكافي (٨).

وعلى من لم يوجب سجدتي السهو للتشهد كما عن العماني والشيخ في‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٤٥٣.

(٢) نقله عنه في المختلف : ١٣١.

(٣) التهذيب ٢ : ١٥٤ / ٦٠٦ ، الاستبصار ١ : ٣٥٩ / ١٣٦٣ ، الوسائل ٦ : ٣٦٦ أبواب السجود ب ١٤ ح ٥.

(٤) المفيد في المقنعة : ١٤٥ ، التهذيب ٢ : ١٥٤.

(٥) الكافي ٣ : ٣٤٩ / ٣ ، التهذيب ٢ : ١٥٤ / ٦٠٥ ، الاستبصار ١ : ٣٦٠ / ١٣٦٤ ، الوسائل ٦ : ٣٦٥ أبواب السجود ب ١٤ ح ٣.

(٦) نقله عنه في المختلف : ١٣١.

(٧) فقه الرضا عليه‌السلام : ١١٦ ، ١١٧ ، المستدرك ٤ : ٤٦١ أبواب السجود ب ١٢ ح ١.

(٨) كما نقله عنهما في المختلف : ١٣١.

١١٥

جملة من كتبه (١) ؛ للخبر (٢).

لضعف هذه الأخبار عن المقاومة لتلك من وجوه عديدة ، مع ضعف ما عدا الصحيح منها أو قصوره سندا ، وضعفه دلالة بل الأخير أيضا كما لا يخفى على من راجعهما ، لتضمن الأول ما يدل على وروده في صورة الشك لا السهو فلا ينطبق على المدّعى ، وكذا الخبر ، لتضمنه لفظ الرجوع الظاهر في تدارك التشهد قبل الركوع.

هذا ، ويعارض الصحيح خصوص بعض النصوص : عن الذي ينسى السجدة الثانية من الركعة الثانية أو شك فيها ، فقال : « إذا خفت أن لا تكون وضعت جبهتك إلاّ مرّة واحدة فإذا سلمت سجدت سجدة واحدة وتضع وجهك مرة واحدة وليس عليك سهو » (٣) ونحوه آخر (٤) ، فتأمّل.

وأما الصحيح : « إذا نسي الرجل سجدة وأيقن أنه قد تركها فليسجدها بعد ما يقعد قبل أن يسلّم » (٥).

فليس فيه دلالة على ما ذهب إليه والد الصدوق ومتابعاه كما زعم في المختلف (٦) ، بل هو على القول بوجوب التسليم ودخوله في الصلاة ـ كما هو‌

__________________

(١) نقله عن العماني في المختلف : ١٤٠ ، الشيخ في الاقتصاد : ٢٦٧ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٨٩.

(٢) التهذيب ٢ : ١٥٨ / ٦٢٢ ، الاستبصار ١ : ٣٦٣ / ١٣٧٦ ، الوسائل ٤ : ٤٠٦ أبواب التشهد ب ٩ ح ٤.

(٣) التهذيب ٢ : ١٥٥ / ٦٠٧ ، الاستبصار ١ : ٣٦٠ / ١٣٦٥ ، الوسائل ٦ : ٣٦٦ أبواب السجود ب ١٤ ح ٦.

(٤) الفقيه ١ : ٢٢٨ / ١٠٠٨ ، التهذيب ٢ : ١٥٢ / ٥٩٨ ، الوسائل ٦ : ٣٦٥ أبواب السجود ب ١٤ ح ٤.

(٥) التهذيب ٢ : ١٥٦ / ٦٠٩ ، الاستبصار ١ : ٣٦٠ / ١٣٦٦ ، الوسائل ٦ : ٣٧٠ أبواب السجود ب ١٦ ح ١.

(٦) المختلف : ١٣١.

١١٦

المختار ـ شاذّ مطروح ، أو محمول على كون المراد من التسليم فيه التسليم المستحب بعد الواجب وهو : السلام عليكم ، وإطلاقه عليه شائع في الأخبار.

وأما على القول باستحبابه فليس فيه منافاة لأخبار المسألة ، وبه صرّح جماعة كصاحبي المدارك والذخيرة (١).

ويدل على قضاء التشهد ـ مضافا إلى ما مرّ (٢) ـ ما مرّ من عموم الأخبار بقضاء ما أخلّ به في الصلاة ، وخصوص الصحيح الوارد فيه مطلقا (٣) ، والخبر في التشهد الأول : « إذا قمت في الركعتين الأوليين ولم تتشهد فذكرت قبل أن تركع فاقعد فتشهّد ، وإن لم تذكر حتى تركع فامض في صلاتك كما أنت ، فإذا انصرفت سجدت سجدتين لا ركوع فيهما ، ثمَّ تشهد التشهد الذي فاتك » (٤).

والقدح في الأوّل بما مرّ ، ضعفه قد ظهر.

وفي الصحيح بظهوره في التشهد الأخير ، وجهه غير معلوم بعد إطلاقه بل عمومه الناشئ عن ترك الاستفصال ، مع عدم ظهور قائل بهذا التفصيل كما قيل (٥).

وفي الأخير بضعف السند ، بل الدلالة ، لاحتمال التشهد فيه التشهد الذي في سجدتي السهو كما يشعر به العطف بثمّ ، ويفهم من أخبار اُخر ومنها‌

__________________

(١) المدارك ٤ : ٢٤٣ ، الذخيرة : ٣٧٤.

(٢) من الإجماع المنقول في الخلاف. ( منه رحمه الله ).

(٣) المتقدم في ص ١١١ الهامش ٥.

(٤) الكافي ٣ : ٣٥٧ / ٧ ، التهذيب ٢ : ٣٤٤ / ١٤٣٠ ، الوسائل ٨ : ٢٤٤ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٦ ح ٢.

(٥) قال به السبزواري في الذخيرة : ٣٧٣.

١١٧

الموثقان (١) والرضوي (٢).

ضعيف ، لانجبار الضعف بموافقة الأكثر.

وضعف الإشعار ، سيّما مع معارضته بتقييد التشهد بالذي فات ، والتشهد في سجدتي السجود خفيف ـ كما يأتي ـ وهو خلاف التشهد المنسي.

وظهور الموثقين غير واضح.

والرضوي لما قدّمناه غير مقاوم ، فترجيحه ـ سيّما مع اشتهار خلافه واعتضاده بالاحتياط اللازم المراعاة ـ مشكل وإن اعتضد بظواهر الصحاح الواردة بسجدتي السهو من دون بيان لقضاء التشهد فيها ولا إشارة ؛ فإنّ الظاهر لا يعارض النص ، ولا سيّما الإجماع المنقول ، مع ندرة القول بالرضوي ، إذ لم يحك إلاّ عن الصدوقين والمفيد في بعض فتاويه ، مع أنه وافق في المقنعة المشهور (٣) ، فانحصر المخالف في الأولين وهما نادران ، فتأمل.

وعلى وجوب سجدتي السهو : الإجماع المحكي في الخلاف والغنية والمنتهى والتذكرة (٤) ؛ مضافا إلى عموم بعض المعتبرة : « تسجد سجدتي السهو في كل زيادة تدخل عليك أو نقصان » (٥).

__________________

(١) الأول :

التهذيب ٢ : ١٥٨ / ٦٢١ ، الوسائل ٦ : ٤٠٣ أبواب التشهد ب ٧ ح ٦.

الثاني :

الكافي ٣ : ٤٤٨ / ٢٢ ، التهذيب ٢ : ٣٣٦ / ١٣٨٧ ، الوسائل ٦ : ٤٠٤ أبواب التشهد ب ٨ ح ١.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ١١٨ ، المستدرك ٥ : ١٢ أبواب التشهد ب ٥ ح ١.

(٣) المقنعة : ١٤٧.

(٤) الخلاف ١ : ٤٥٩ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٦ ، المنتهى ١ : ٤١٧ ، التذكرة ١ : ١٣٨.

(٥) التهذيب ٢ : ١٥٥ / ٦٠٨ ، الاستبصار ١ : ٣٦١ / ١٣٦٧ ، الوسائل ٨ : ٢٥١ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٢ ح ٣.

١١٨

لكنه ـ مع قصور سنده بل ضعفه بالجهالة ـ معارض بظواهر الصحاح الواردة في مقام البيان الآمرة بقضاء السجدة خاصة من دون بيان لسجدتي السهو ولا إشارة (١) ؛ مضافا إلى تصريح جملة من النصوص بنفيهما فيها (٢) ، وفيها الصحيح وغيره ، وقد تقدّما (٣).

فانحصر الدليل في الإجماع. وفي التمسك به في مقابلة هذه النصوص إشكال ، سيّما مع احتمال وهنه بنقل الماتن في المعتبر الخلاف في ذلك عن رؤساء الأصحاب كالصدوقين والمفيد في الرسالة والعماني (٤) ، ومال إليه جماعة من متأخري المتأخرين (٥) ، ولا يخلو عن قوة ، ولكن العمل على المشهور.

( وأما الشك : ) اعلم أنّ ( من شك في عدد ) ركعات الفريضة ( الثنائية ) كالصبح والجمعة والعيدين والكسوف ( أو الثلاثية ) كالمغرب ( أعاد ) الصلاة.

( وكذا ) يعيدها ( من لم يدر كم صلّى ) ركعة أم ركعتين أم ثلاثا أم أربعا وهكذا ( أو لم يحصّل الأوليين من الرباعيّة ) ولم يتيقنهما بأن شك فيما فيه أنه الثانية أم الأولى ؛ إجماعا ممّن عدا الصدوق مطلقا كما في المنتهى (٦) ، وكذا في الذكرى لكن في الصورة الأخيرة خاصة (٧) ، وبالإجماع مطلقا من غير استثناء صرّح جماعة من القدماء كالشيخ والحلّي والمرتضى (٨) رحمهم‌الله.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٦٤ أبواب السجود ب ١٤.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٦٨ أبواب السجود ب ١٥.

(٣) في ص ١١٦.

(٤) لم نعثر عليه في المعتبر ، وقد حكاه عنهم في المختلف : ١٤٠.

(٥) منهم : صاحب المدارك ٤ : ٢٤١ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٣٧٣ ، وصاحب الحدائق ٩ : ١٥١.

(٦) المنتهى ١ : ٤١٠.

(٧) الذكرى : ٢٢٤.

(٨) الشيخ في الخلاف ١ : ٤٤٤ ، الحلّي في السرائر ١ : ٢٤٨ ، المرتضى في الانتصار : ٤٨.

١١٩

وهم كالفاضل في المنتهى وإن لم يصرّحوا به في الصورة الثالثة ، لكن تصريحهم به في الأخيرة يستلزمه فيها ؛ لدخولها في الأخيرة.

وعدم استثناء الصدوق هو الأقوى وإن اشتهر الاستثناء بين أصحابنا ؛ لما بيّنته في الشرح مستوفى ، ومن جملته أنه وافق الأصحاب فيما وصل إلينا من كتبه كالفقيه والمقنع والأمالي (١) مدّعيا في الأخير كونه من دين الإمامية الذي يجب الإقرار به ، مؤذنا بدعوى الإجماع عليه وعلى فساد ما نسبوا إليه من التخيير بينه وبين البناء على الأقل.

وعلى تقدير تسليم مخالفته فلا ريب في شذوذه ، كبعض ما يحكى عن والده في بعض الصور (٢) ، مع معلومية نسبهما ، فلا يقدح في الإجماع خروجهما ؛ وهو الأصل في المسألة.

مضافا إلى الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة في كل من الصور الثلاث المزبورة (٣) ، مع سلامتها عن المعارض بالكلية ، عدا أخبار نادرة دالّة على البناء على الأقل (٤) ـ لا التخيير بينه وبين الإعادة ـ وهو ليس مذهب أحد حتى الصدوقين.

وتنزيلها على التخيير جمعا بين النصوص ـ كما قيل (٥) في تقوية الصدوق ـ فرع التكافؤ المفقود هنا ؛ لرجحان أخبار المشهور بمرجحات شتّى كالاستفاضة والموافقة لطريقة الخاصة والمخالفة للعامة ، بخلاف تلك ، فإنها في طرف الضد من المرجحات المزبورة.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٢٥ ، المقنع : ٣٠ ، الأمالي : ٥١٣.

(٢) نقله عن والد الصدوق في المختلف : ١٣٣.

(٣) الوسائل ٨ : ١٨٧ ، ١٩٣ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ و٢.

(٤) الوسائل ٨ : ١٩٢ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ الأحاديث ٢٠ ، ٢٢ ، ٢٣.

(٥) قال به المحقق السبزواري في الذخيرة : ٣٦٢.

١٢٠