الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]

الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة

المؤلف:

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]


المحقق: مشتاق المظفّر
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دليل ما
الطبعة: ١
ISBN: 964-397-280-1
الصفحات: ٥١٣

أقول : فهذا يدلّ على أنّ القول بالرجعة من خواصّ الشيعة وعلامات التشيّع مثل إباحة المتعة ونحوها من الضروريّات ، وتقرير المهدي عليه‌السلام له على ذلك يدلّ على صحّته.

وروى الطبرسي في « الاحتجاج » قال : قد كانت لأبي جعفر مؤمن الطاق مقامات مع أبي حنيفة ، فمن ذلك : ما روي أنّه قال يوماً لمؤمن الطاق : إنّكم تقولون بالرجعة؟ قال : نعم ، قال أبو حنيفة : فأعطني الآن ألف درهم حتّى اُعطيك ألف دينار إذا رجعنا ، قال الطاقي (١) لأبي حنيفة : فأعطني كفيلاً أنّك ترجع إنساناً ولا ترجع خنزيراً (٢).

أقول : هذا كما ترى أيضاً (٣) يدلّ على أنّ القول بالرجعة أمر معلوم من مذهب الإماميّة يعرفه المؤالف والمخالف ، وهذا معنى ضروري (٤) المذهب ، وهذا أعلى مرتبة من الإجماع ، وفيه دلالة واضحة على بطلان تأويل الرجعة برجوع الدولة وقت خروج المهدي عليه‌السلام ، مضافاً إلى التصريحات الباقية الآتية.

وقد قال النجاشي أيضاً في « كتاب الرجال » : محمّد بن علي بن النعمان مؤمن الطاق ، روى عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما‌السلام فأمّا منزلته في العلم وحسن الخاطر فأشهر من أن يذكر ـ ثمّ ذكر جملة من كتبه إلى أن قال ـ : وكان له مع أبي حنيفة حكايات منها أنّه قال له : يا أبا جعفر أتقول بالرجعة؟ فقال : نعم ، قال : أقرضني من كيسك هذا خمسمائة دينار ، فإذا عدت أنا وأنت رددتها إليك ، فقال له في الحال :

__________________

١٧ / ٣ ، عن الاحتجاج ولم يُشر إلى كتب الشيخ الصدوق ، كتاب الغيبة : ٣٨٣ ، الاحتجاج ٢ : ٥٧٢ ـ ٥٧٣.

١ ـ في « ك » : مؤمن الطاق.

٢ ـ الاحتجاج ٢ : ٣١٣ ـ ٣١٤.

٣ ـ ( أيضاً ) لم ترد في « ط ».

٤ ـ في « ط » : ضرورة.

١٠١

أريد ضميناً يضمن لي أنّك تعود إنساناً ، فإنّي (١) أخاف أن تعود قرداً فلا أتمكَّن من استرجاع ما أخذت منّي (٢) « انتهى ».

وممّا يدلّ على أنّ صحّة الرجعة قد صارت ضروريّة عند كلّ من تتبّع الأحاديث ، إنّك لا تجد في الضروريّات كوجوب الصلاة وتحريم الزنا أكثر من الأحاديث الدالّة على صحّة الرجعة.

وممّا يدلّ على ذلك أنّ العامّة قد نقلوا في كتبهم عن الإماميّة أنّهم قائلون بالرجعة وأنكروا عليهم ذلك ، فمنهم الرازي ، والنيشابوري ، والزمخشري ، والشهرستاني ، وابن أبي الحديد وغيرهم ، فقد ذكروا أنّ الشيعة تعتقد صحّة الرجعة ، وأنكروا عليهم ذلك (٣) ، وهو دالّ على صحّتها وأنّها من خواصّ الشيعة وضروريّات مذهبهم.

قال محمّد بن عبد الكريم الشهرستاني في كتاب « الملل والنحل » في بحث الجعفريّة القائلين بإمامة جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام ما هذا لفظه : وهو ذو علم غزير في الدين ، وأدب كامل في الحكمة ، وزهد بالغ في الدنيا ، وقد أقام بالمدينة مدّة يفيد المنتمين (٤) إليه من الشيعة أسرار العلوم ـ إلى أن قال ـ : وقد تبرّأ (٥) من خصائص مذاهب الرافضة وحماقاتهم من القول بالغيبة والرجعة والبداء ، ثمّ قال : لكنّ الشيعة بعده افترقوا وانتحل كلّ واحد منهم مذهباً ، وأراد أن يروّج على أصحابه فنسبه إليه وربطه به ، والسيِّد بريء من ذلك (٦) « انتهى ».

__________________

١ ـ من قوله : ( اُريد ضميناً ) إلى هنا لم يرد في « ط ».

٢ ـ رجال النجاشي : ٣٢٥ / ٨٨٦.

٣ ـ من قوله : ( فمنهم الرازي ) إلى هنا لم يرد في « ك ».

٤ ـ في « ش ، ك » : المنتهين.

٥ ـ في « ح » : يرى.

٦ ـ الملل والنحل ١ : ١٦٦.

١٠٢

السادس : إنّ الرجعة قد وقعت في بني إسرائيل والاُمم السالفة في الرعية وفي الأنبياء والأوصياء ، وكلّ ما وقع في (١) الاُمم السالفة يقع مثله في هذه الاُمّة حذو النعل بالنعل ، والقذّة بالقذّة ، والرجعة تقع في هذه الاُمّة (٢) البتة ، والمقدّمتان ثابتتان بالكتاب والسنّة والإجماع ، فتكون النتيجة حقّاً وهو المطلوب.

ويأتي إثبات المقدّمتين إن شاء الله تعالى.

السابع : إنّ صحّة الرجعة وثبوتها ووقوعها من اعتقادات أهل العصمة عليهم‌السلام ، وكلّ ما كان من اعتقاداتهم فهو حقّ بل قد أجمعوا على صحّتها ، وإجماعهم حجّة ، وقد صرّح الطبرسي (٣) فيما تقدّم بنقل إجماعهم ، وروى الحديث الدالّ على حجّيته ، ولها أدلّة اُخرى كثيرة ، أمّا الصغرى فثابتة بالأحاديث المتواترة الآتية ، وأمّا الكبرى فثابتة بالأدلّة العقليّة والنقليّة فتكون الرجعة حقّاً.

الثامن : إنّا مأمورون بالإقرار بالرجعة واعتقادها وتجديد الاعتراف بها في الأدعية والزيارات ويوم الجمعة ، وكلّ وقت كما أنّا مأمورون بالإقرار في كثير من الأوقات بالتوحيد والنبوّة والإمامة والقيامة ، وكلّ ما كان كذلك فهو حقّ ، والصغرى ثابتة بالنقل المتواتر الآتي ، والكبرى بديهيّة فالرجعة حقّ.

التاسع : إنّ الرجعة أمر لم يقل بصحّته أحد من العامّة على ما يظهر ، وقد قالت بها الشيعة ، وكلّ ما كان كذلك فهو حقّ ، أمّا الصغرى فظاهرة ، وأمّا الكبرى فالأدلّة عليها كثيرة تقدّم بعضها في المقدّمة السادسة ، وقد روي عن الأئمّة عليهم‌السلام أنّهم قالوا في حقّ العامّة : « والله ما هم على شيء ممّا أنتم عليه ، ولا أنتم على شيء ممّا هم

__________________

١ ـ في « ط » زيادة : بني اسرائيل و.

٢ ـ من قوله : ( خذو النعل ) إلى هنا لم يرد في « ك ».

٣ ـ في نسخة « ش » : الطوسي.

١٠٣

عليه ، فخالفوهم فما هم من الحنيفيّة على شيء » (١).

وروى الشيخ في كتاب القضاء من « التهذيب » وابن بابويه في « عيون الأخبار » حديثاً مضمونه أنّ الإنسان إذا كان في بلد ليس فيه أحد من علماء الشيعة يسأله عن مسألة خاصّة ينبغي أن يسأل عنها قاضي البلد ، فما أفتاه بشيء فليأخذ بخلافه فإنّ الحقّ في خلافه (٢).

والأحاديث في مثل هذا كثيرة جدّاً وإذا خرج بعض الأفراد بنصّ بقي الباقي.

وقد قال بعض المحقّقين من علمائنا المتأخِّرين : إنّ من جملة نعماء الله على هذه الطائفة المحقّة (٣) أنّه خلّى بين العامّة وبين الشيطان فأضلّهم في جميع المسائل النظرية حتّى يكون الأخذ بخلافهم ضابطة لنا ، ونظيره ما ورد في حقّ النساء : شاوروهنّ وخالفوهنّ (٤) « انتهى ».

العاشر : إنّ الإمام يجب أن يكون مستجاب الدعوة ، فإذا دعا الله بإحياء الموتى وقع ذلك بإذن الله ، والمقدّمة الاُولى ثابتة بالنصوص الكثيرة المذكورة في محلّها ، والثانية بديهيّة ، فهذا دليل على الإمكان واضح قريب ، إذ لا دليل على استحالة دعاء الإمام بذلك ، وعدم قيام دليل الاستحالة كاف.

الحادي عشر : إنّ الله ما أعطى أحداً من الأنبياء فضيلة (٥) ولا علماً إلا وقد

__________________

١ ـ أورده المصنّف في وسائل الشيعة ٢٧ : ١١٩ / ٣٢ ، والفصول المهمّة في اُصول الأئمّة ١ : ٥٧٧ / ٨٨٠.

٢ ـ التهذيب ٦ : ٢٩٥ / ٢٧ ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢٧٥ ، وعلل الشرائع : ٥٣١ / ٤ ، وعنهم في الوسائل ٢٧ : ١١٥ / ٢٣.

٣ ـ في « ط » : الحقّة.

٤ ـ وسائل الشيعة ٢٧ : ١١٦ / هامش رقم ١. تعليقة الحرّ العاملي ، نقلاً عن بعض أصحابنا.

٥ ـ في « ك » : فضلا.

١٠٤

أعطى نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله مثله بل أعظم منه ، ومعلوم أنّ كثيراً من الأنبياء السابقين أحيا الله لهم الموتى ، ولا ريب أنّ الإمام يرث علم الرسول وفضله ، والمقدّمات كلّها ثابتة بالأحاديث الآتية وغيرها ، بل وقد وقع إحياء الله الموتى لغير المعصومين (١) من أهل العلم والعبادة ، كما يأتي إن شاء الله تعالى ، فيثبت مثله (٢) هنا بطريق الأولويّة.

الثاني عشر : إنّ الإمام عليه‌السلام عالم بالاسم الأعظم الذي إذا دُعي الله به لإحياء الموتى أحياهم ، والتقريب ما تقدّم ، فهذا ممّا يدلّ على الإمكان بل الوقوع ، وهذه الأدلّة وإن كان فيها بعض التداخل ، وأنّ بعضها يدلّ على الإمكان وبعضها على الوقوع ويمكن الزيادة فيها ، لكن اقتصرنا عليها لأجل العدد الشريف ، وأمّا ما يتخيّل فيها من المفاسد فلا وجه له.

ويأتي الكلام في ذلك في آخر هذه الرسالة إن شاء الله.

__________________

١ ـ في « ح ، ش ، ك » : المعصوم.

٢ ـ ( مثله ) لم يرد في « ح ».

١٠٥

الباب الثالث

في جملة من الآيات القرآنية الدالّة على صحّة الرجعة ولو

بانضمام الأحاديث في تفسيرها

إعلم أنّ مذهب قدمائنا وجميع الإخباريّين أنّه لا يجوز العمل والاعتماد في تفسير القرآن وغيره من الاُمور الشرعيّة إلا على كلام أهل العصمة عليهم‌السلام ، وفعلهم وتقريرهم ، والأحاديث في ذلك متواترة ، والآيات المذكورة قد وردت الأحاديث في تفسيرها ، وأنّ المراد بها الرجعة ، فيجب الاعتماد عليها واعتقاد مضمونها ، ثمّ إنّه إذا ورد حديثان في تفسير آية بمعنيين مختلفين أحدهما في الرجعة مثلاً ، والآخر في غيرها ، فلا يجوز إنكار أحد الحديثين فإنّه قد ورد : « إنّ للقرآن ظاهراً وباطناً » (١) ، وإنّه قد يراد بآية واحدة معنيان فصاعداً.

والأحاديث الواردة في تفسير الآيات تأتي في بابها إن شاء الله تعالى.

إذا تقرّر هذا فالذي يدلّ على الرجعة ووقوعها والإخبار بها آيات كثيرة ، وأنا أذكر ما تيسّر ذكره ، وما وصل إليّ في تفسيره (٢) حديث أو أحاديث ، وذلك آيات :

__________________

١ ـ الكافي ٤ : ٥٤٩ / ذيل حديث ٤ ، علل الشرائع : ٦٠٩ ، معاني الأخبار : ٣٤٠ / ذيل حديث ١٠.

٢ ـ في المطبوع زيادة : من.

١٠٦

الاُولى : قوله تعالى ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّة فَوْجاً مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ ) (١).

قد وردت الأحاديث الكثيرة في تفسيرها بالرجعة ، على أنّها نصّ واضح الدلالة ظاهر بل (٢) صريح في الرجعة ؛ لأنّه ليس في القيامة قطعاً ، وليس بعد القيامة رجعة إجماعاً ، فتعيّن كون هذه الرجعة قبلها (٣) ، وإنّما آية القيامة ( وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً ) (٤) وإذا ثبت أنّه يحشر من كلّ اُمّة فوجاً ممّن يكذّب بآيات الله ، ثبت باقي أقسام الرجعة وإلا لزم إحداث قول ثالث ، مع أنّه لا قائل بالفرق ، فإنّ الإماميّة تقرّ بالجميع ، والعامّة تنكر الجميع ، فالفارق خارق للإجماع.

الثانية : قوله تعالى ( وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُـمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) (٥).

قد وردت الأحاديث الكثيرة بتفسيرها في الرجعة ، على أنّها نصّ في ذلك لا تحتمل سواه إلا أن تصرف عن ظاهرها ، وتخرج عن حقيقتها ، ولا ريب في وجوب الحمل على الحقيقة عند عدم القرينة ، وليس هنا قرينة كما ترى.

وقد تقدّم نقل الطبرسي إجماع العترة الطاهرة على تفسير هذه الآية بالرجعة ،

____________

١ ـ سورة النمل ٢٧ : ٨٣.

٢ ـ ( بل ) لم ترد في « ح ، ط ».

٣ ـ في « ك » : كونه هو الرجعة. بدل من : كون هذه الرجعة قبلها.

٤ ـ سورة الكهف ١٨ : ٤٧.

٥ ـ سورة النور ٢٤ : ٥٥.

١٠٧

ومعلوم أنّ الأفعال المستقبلة الكثيرة وضمائر الجمع المتعدّدة ولفظ الاستخلاف والتمكين والخوف والأمن والعبادة وغير ذلك من التصريحات والتلويحات ، لاتستقيم إلا في الرجعة ، وأيّ خوف وأمن واستخلاف وتمكين وعبادة يمكن نسبتها إلى الميّت بسبب تملّك شخص من أولاد أولاده بعد أحد عشر بطناً ، والتصريحات في الأحاديث الآتية تزيل كلّ شكّ وشبهة.

الثالثة : قوله تعالى ( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ ) (١).

وهذه أوضح ممّا قبلها ؛ لأنّها تدلّ على أنّ المنّ على الجماعة المذكورين وجعلهم أئمّة وارثين ، والتمكين لهم في الأرض وحذر أعدائهم منهم ، كلّه بعد ما استضعفوا في الأرض ، وهل يتصوّر لذلك مصداق إلا الرجعة ، وهل يجوز التصدّي لتأويلها وصرفها عن ظاهرها ودليلها بغير قرينة ، وضمائر الجمع وألفاظه في المواضع الثمانية يتعيّن حملها على الحقيقة ، ولا يجوز صرفها إلى تأويل بعيد ولا قريب ، إلا أن يخرج الناظر فيها عن الإنصاف ، ويكذّب الأحاديث الكثيرة المتواترة التي يأتي بعضها في تفسير الآية (٢) والإخبار بالرجعة.

الرابعة : قوله تعالى ( وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ ) (٣).

فإنّ ظاهرها أنّ تلك الدابّة تخرج من الأرض ؛ لأنّ الأصل عدم التقدير والإضمار ، وأنّها تكلِّم الناس وأنّها حجّة عليهم ، وإلا لكان كلامها لهم عبثاً لا يجب قبوله ، خصوصاً مع ملاحظة قوله تعالى ( وَإذَا وَقَعَ القَوَلُ عَلَيْهِم ) ويؤيّد

__________________

١ ـ سورة القصص ٢٨ : ٥ ـ ٦.

٢ ـ في « ك » : تفسيرها. بدل من : تفسير الآية.

٣ ـ سورة النمل ٢٧ : ٨٢.

١٠٨

هذا الظاهر الأحاديث الآتية الدالّة على أنّ المراد بها أمير المؤمنين عليه‌السلام.

الخامسة : قوله تعالى ( وَأَقْسَمُوا بِالله جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ * لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فيه ) (١).

روى الكليني والصدوق وعلي بن إبراهيم (٢) وغيرهم (٣) أنّها نزلت في الرجعة ، ولا يخفى أنّها لا تستقيم في إنكار البعث ؛ لأنّهم ما كانوا يقسمون بالله بل كانوا يقسمون باللاّت والعزّى ، ولأنّ (٤) التبيّن (٥) إنّما يكون في الدنيا كما تقدّم.

ويأتي التصريح بما قلناه في الأحاديث إن شاء الله.

السادسة : قوله تعالى ( إِنَّ الله عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ ) (٦).

وهي تدلّ على إمكان الرجعة ، وقد تكرّرت هذه الآية في القرآن في مواضع كثيرة في مقام الردّ على من ينكر إحياء الموتى وغير ذلك (٧) ، وفيها مبالغات كثيرة تستفاد من لفظ قدير ، والتأكيد بـ « إنّ » والجملة الإسميّة والتنوين في « شيء » و « قدير » والتصريح بالعموم وغير ذلك.

وقد ورد في بعض الأحاديث أنّهم عليهم‌السلام سئلوا عن الرجعة ، فقالوا : « تلك القدرة ولا ينكرها إلا كافر ».

السابعة : قوله تعالى ( أَلَيْسَ ذلِكَ بِقَادِر عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى ) (٨).

__________________

١ ـ سورة النحل ١٦ : ٣٨ ـ ٣٩.

٢ ـ الكافي ٨ : ٥٠ / ١٤ ، اعتقادات الصدوق : ٦٣ ( ضمن مصنّفات المفيد ج ٥ ) تفسير القمّي ١ : ٣٨٥.

٣ ـ تفسير العيّاشي ٢ : ٢٥٩ / ٢٦.

٤ ـ في « ط » : وإنّ.

٥ ـ في « ش ، ك » : التبيين.

٦ ـ سورة فاطر ٣٥ : ١ ، سورة الطلاق ٦٥ : ١٢.

٧ ـ ( وغير ذلك ) لم يرد في « ك ».

٨ ـ سورة القيامة ٧٥ : ٤٠.

١٠٩

وهي دالّة على إمكان الرجعة ، فإنّها من قسم إحياء الموتى لا تزيد على ذلك ، ولا شكّ في تساوي نسبة قدرة الله إلى جميع الممكنات.

الثامنة : قوله تعالى ( أَوَ لَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالأرْضَ بِقَادِر عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ ) (١).

وهي دالّة كما ترى على إمكان الرجعة ولو مع ما دلّ على وقوعها في الاُمم السابقة من الآيات والروايات.

التاسعة : قوله تعالى ( وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّة وَهُوَ بِكُلِّ خَلْق عَلِيمٌ ) (٢).

وهي دالّة على إمكان الرجعة دلالة واضحة ظاهرة.

العاشرة : قوله تعالى ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ الله مُوتُوْا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ) (٣).

دلّت (٤) على وقوع الرجعة وهو يستلزم إمكانها وعدم جواز إنكارها ، وفيها دلالة على وقوعها أيضاً ، بضميمة الأحاديث الدالّة على أنّ ما وقع في الاُمم السابقة يقع مثله في هذه الاُمّة.

وقد روي في الأحاديث الآتية وغيرها أنّ المذكورين في هذه الآية كانوا سبعين ألفاً ، فأماتهم الله مدّة طويلة ثمّ أحياهم ، فرجعوا إلى الدنيا وعاشوا أيضاً مدّة طويلة.

الحادية عشرة : قوله تعالى ( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَة وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِيْ هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللهُ مِاْئَةَ عَام ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ

__________________

١ ـ سورة يس ٣٦ : ٨١.

٢ ـ سورة يس ٣٦ : ٧٨ ـ ٧٩.

٣ ـ سورة البقرة ٢ : ٢٤٣.

٤ ـ في « ط » : دلّ.

١١٠

لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْم قَالَ بَل لَبِثْتَ مِاْئَةَ عَام فَانْظُرْ إِلَى طَعَامَكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ ) (١).

فهذه الآية الشريفة صريحة في أنّ المذكور فيها مات مائة سنة ثمّ أحياه الله وبعثه إلى الدنيا وأحيا حماره ، وظاهر القرآن يدلّ على أنّه من الأنبياء لما تضمّنه من الوحي والخطاب له.

وقد وقع التصريح في الأحاديث الآتية بأنّه كان نبيّاً ، ففي بعض الروايات أنّه ارميا النبي ، وفي بعضها أنّه عزير النبي عليهما‌السلام ، وقد روى ذلك العامّة والخاصّة (٢) ، وبملاحظة الأحاديث المشار إليها سابقاً يجب أن يثبت مثله في هذه الاُمّة.

الثانية عشرة : قوله تعالى ( إِذْ قَالَ الله يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ ـ إلى قوله ـ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونَ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئ الأكْمَهَ وَالأبْرَصَ بِإِذْنِي ) (٣) الآية.

وهي دالّة على إمكان الرجعة ووقوعها في الاُمم السابقة ، وبملاحظة الأحاديث المشار إليها المذكورة في الباب الآتي يجب أن يثبت في هذه الاُمّة.

الثالثة عشر : قوله تعالى ( إِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَة مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ـ إلى قوله ـ وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَة مِن رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً

__________________

١ ـ سورة البقرة ٢ : ٢٥٩.

٢ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٤١ / ٤٦٨ ، وفيه : عزير ، تفسير القمّي ١ : ٩٠ ، وفيه : ارميا ، الاحتجاج ٢ : ٢٣٠ ، وفيه : ارميا ، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ١ : ٦٨٧ ، ذكر القولين وقال : المشهور هو عزير ، الدرّ المنثور ٢ : ٢٦ ، وفيه : عزير وص ٢٩ ، وفيه : ارميا.

٣ ـ سورة المائدة ٥ : ١١٠.

١١١

بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ وَالأبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ الله ) (١).

وهذه الآية دالّة على المقصود كما تقدّم.

الرابعة عشر : قوله تعالى ( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ ـ إلى قوله ـ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ) (٢). ووجه الإستدلال بها ما تقدّم وهي أوضح من السابقة.

وقد ورد في الأحاديث الآتية أنّ المذكورين كانوا سبعين رجلاً وأنّ الله أحياهم وبعثهم أنبياء ، فهذه رجعة عظيمة ينبغي أن لا ينكر الإخبار بوقوع مثلها في هذه الاُمّة ، لما يأتي من الإخبار برجعة جماعة من الأنبياء والأئمّة عليهم‌السلام.

الخامسة عشر : قوله تعالى ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلكِن لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَل مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً ) (٣).

وهذه تدلّ على إحياء الموتى في الاُمم السابقة ، وذلك يدلّ على الإمكان والوقوع لما أشرنا إليه سابقاً (٤).

السادسة عشر : قوله تعالى ( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً ـ إلى قوله ـ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذلِكَ يُحْيِي اللهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) (٥).

__________________

١ ـ سورة آل عمران ٣ : ٤٥ ـ ٤٩.

٢ ـ سورة البقرة ٢ : ٤٠ ـ ٥٧.

٣ ـ سورة البقرة ٢ : ٢٦٠.

٤ ـ ( سابقاً ) لم يرد في « ح ».

٥ ـ سورة البقرة ٢ : ٦٧ ـ ٧٣.

١١٢

وجه الاستدلال بها ما تقدّم سابقاً.

السابعة عشر : قوله تعالى ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ الله الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِيْ وَيُمِيتُ ) (١).

وفيها دلالة على إمكان الرجعة ، بل على وقوعها لما يأتي من الحديث في أنّ الله أحيا بدعائه الموتى ، وأنّ ما كان في تلك الاُمم يقع مثله في هذه الاُمّة.

الثامنة عشر : قوله تعالى ( وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاَثَ مِائَة سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً ـ إلى قوله ـ وَكَذَلِك بَعَثْنَاهُمْ ليِتَسَاءَلُوا بَيْنَهُم ) (٢).

روى ابن بابويه في « اعتقاداته » (٣) وغيره أنّهم ماتوا ثمّ أحياهم الله ، وقد تقدّمت عبارته فارجع إليها.

التاسعة عشر : قوله تعالى ( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ ) (٤).

وردت الأحاديث المتعدّدة (٥) الآتية في أنّ المراد بها الرجعة ، ويؤيّد تلك التصريحات ظاهر الآية ، فإنّ كثيراً من الرسل والأئمّة والذين آمنوا لم ينصروا ، والفعل (٦) مستقبل والله لا يخلف الميعاد ، والحمل على إرادة خروج المهدي عليه‌السلام فيه :

أوّلاً : إنّه خروج عن الحقيقة إلى المجاز بغير قرينة وهو باطل إجماعاً.

وثانياً : إنّه خلاف التصريحات المشار إليها.

__________________

١ ـ سورة البقرة ٢ : ٢٥٨.

٢ ـ سورة الكهف ١٨ : ٢٥ و ١٨.

٣ ـ اعتقادات الصدوق : ٦٢ ( ضمن مصنّفات الشيخ المفيد ج ٥ ).

٤ ـ سورة غافر ٤٠ : ٥١.

٥ ـ في « ح » : المعتمدة.

٦ ـ في « ك » : والعقل.

١١٣

العشرون : قوله تعالى ( وَاسئلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُسُلِنَا ) (١).

وردت الأحاديث الكثيرة إنّ الله جمع له الأنبياء ليلة المعراج ، وإنّهم اقتدوا به وصلّوا خلفه (٢). ورجوع الأنبياء السابقين مراراً متعدّدة لا شكّ في وقوعه وثبوته ، فيقع مثله في هذه الاُمّة لما يأتي إن شاء الله تعالى.

الحادية والعشرون : قوله تعالى ( وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِن كِتَاب وَحِكْمَة ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ ) (٣).

ومعلوم أنّ ذلك لم يقع بعد ، فلابدّ من وقوعه فإنّ الله لا يخلف الميعاد ، فظاهر الآية نصّ في الرجعة ، ويدلّ على ذلك أيضاً أحاديث صريحة ، يأتي بعضها إن شاء الله تعالى فيها تفسير الآية بذلك.

الثانية والعشرون : قوله تعالى ( رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ) (٤).

وردت الأحاديث بأنّ المراد بإحدى الحياتين والموتين : الرجعة (٥) ، ومعلوم أنّ ذلك لا يمتنع (٦) إرادته من الآية ، وإنّها ليست (٧) بطريق الحصر ، ولا يدلّ على نفي الزيادة وأنّ الحياة في القبر ليست (٨) حياة تامّة ، كما يفهم من بعض الأحاديث.

الثالثة والعشرون : قوله تعالى ( كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِالله وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ

__________________

١ ـ سورة الزخرف ٤٣ : ٤٥.

٢ ـ الكافي ٣ : ٣٠٢ / ١.

٣ ـ سورة آل عمران ٣ : ٨١.

٤ ـ سورة غافر ٤٠ : ١١.

٥ ـ ذكره القمّي في تفسيره ٢ : ٢٥٦ ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام.

٦ ـ في « ط » : لا يمنع.

٧ ـ في « ك » : وليست. بدل من : وإنّها ليست.

٨ ـ ( ليست ) لم ترد في « ط ».

١١٤

يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) (١).

وجه الاستدلال أنّه أثبت الإحياء مرّتين ، ثمّ قال بعدهما : ( ثُمَّ إلَيهِ تُرْجَعُونَ ) والمراد به القيامة قطعاً ، والعطف خصوصاً بـ « ثمّ » ظاهر في المغايرة ، فالإحياء الثاني إمّا الرجعة أو نظير لها ، وبالجملة ففيها دلالة على وقوع الإحياء قبل القيامة بعد الموت في الجملة.

الرابعة والعشرون : قوله تعالى في حقّ عيسى عليه‌السلام : ( إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ) (٢).

نقل الطبرسي عن ابن عبّاس : إنّ المراد ( إنّي مُتَوَفِّيكَ ) وفاة موت (٣).

وقد تقدّم (٤) مثله عن رئيس المحدِّثين محمّد بن علي بن بابويه (٥).

والآية ظاهرة واضحة في ذلك ، وهي تدلّ على أنّ نزول عيسى عليه‌السلام في آخر الزمان إلى الأرض من قسم الرجعة ، وقد أجمع على نقل ذلك جميع المسلمين ، ونقل (٦) إجماعهم عليه جماعة من العلماء.

ونقل الطبرسي عن بعض العامّة : أنّ عيسى عليه‌السلام لم يمت ، وأنّه رفع إلى السماء من غير وفاة ، وتعرّضوا لتأويل الآية تارةً بالحمل على وفاة النوم ، وتارةً بما هو أبعد من ذلك (٧). وظاهر أنّ ذلك كلّه باطل وغلوّ عظيم في إنكار الرجعة ، والإماميّة لا يقبلون ذلك التأويل ولا يلزمهم العمل به.

__________________

١ ـ سورة البقرة ٢ : ٢٨.

٢ ـ سورة آل عمران ٣ : ٥٥.

٣ ـ مجمع البيان ٢ : ٣٧٣ ، وفيه : وفاة نوم.

٤ ـ في « ط » : وتقدّم. بدل من : وقد تقدّم.

٥ ـ الاعتقادات : ٦٢ ( ضمن مصنّفات المفيد ج ٥ ).

٦ ـ في « ح » : وقد نقل.

٧ ـ مجمع البيان ٢ : ٣٧٣.

١١٥

الخامسة والعشرون : قوله تعالى حكاية عن عيسى عليه‌السلام ( وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ) (١).

وهي ظاهرة واضحة في وفاة عيسى عليه‌السلام لأنّه يقول ذلك يوم القيامة بل لفظ : ( تَوَفَّيَتِني ) والعطف بالفاء الدالّة على التعقيب من غير تراخ ، ولفظ ( مَا دُمْتُ فِيهِمْ ) وغير ذلك صريح في أنّ نزول عيسى عليه‌السلام في آخر الزمان من قسم الرجعة.

السادسة والعشرون : قوله تعالى ( وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِن قَبْلُ وَإِيَّايَ ) (٢) الآية.

وروى (٣) ابن بابويه والطبرسي وعلي بن إبراهيم وغيرهم : أنّ الله أحياهم بعد موتهم ، بل بعثهم أنبياء (٤).

كما مضى ويأتي إن شاء الله.

السابعة والعشرون : قوله تعالى ( وَلَوْ أَنَّ قُرآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى ) (٥).

ذكر جماعة من المفسِّرين والنحويّين أنّ جواب « لو » (٦) محذوف أي لكان هذا القرآن.

وروى الكليني في حديث أنّهم قالوا عليهم‌السلام : « عندنا هذا القرآن الذي تسير به

__________________

١ ـ سورة المائدة ٥ : ١١٧.

٢ ـ سورة الأعراف ٧ : ١٥٥.

٣ ـ في « ك ، ش ، ح » : روى.

٤ ـ اعتقادات الصدوق : ٦١ ( ضمن مصنّفات المفيد ج ٥ ) مجمع البيان ٤ : ٣٩٩ ـ ٤٠٠ ، تفسير القمّي ١ : ٢٤١.

٥ ـ سورة الرعد ١٣ : ٣١.

٦ ـ في « ك » : أو.

١١٦

الجبال وتقطّع به الأرض ويكلّم به الموتى » (١) ويأتي إن شاء الله تعالى.

وقال الطبرسي : ( أو كلّم به الموتى ) أي أحيا به الموتى (٢) حتّى يعيشوا ويتكلّموا (٣) « انتهى ».

وفيه دلالة واضحة (٤) على إمكان الرجعة بل على وقوعها عند التأمّل.

الثامنة والعشرون : قوله تعالى ( وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاَهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْس شَدِيد فَجَاسُوا خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوال وَبَنِينَ ) (٥).

روى الكليني وعلي بن إبراهيم وغيرهما : أنّها في الرجعة (٦).

ويأتي توجيه ذلك إن شاء الله تعالى.

التاسعة والعشرون : قوله تعالى ( وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُم مِنْهُ ذِكْراً * إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْء سَبَباً ) (٧) الآية.

روى علي بن إبراهيم وغيره : أنّ قومه ضربوه على قرنه فمات خمسمائة سنة ، ثمّ أحياه الله وبعثه إليهم ، فضربوه على قرنه الآخر فأماته الله خمسمائة عام ، ثمّ أحياه وبعثه إليهم فملّكه الأرض (٨).

__________________

١ ـ الكافي ١ : ٢٢٦ / ضمن حديث ٧ باختلاف.

٢ ـ قوله : ( أي أحيا به الموتى ) لم يرد في « ط ».

٣ ـ مجمع البيان ٦ : ٤٤.

٤ ـ قوله : ( واضحة ) لم يرد في « ط ».

٥ ـ سورة الاسراء ١٧ : ٤ ـ ٦.

٦ ـ الكافي ٨ : ٢٠٦ / ٢٥٠ ، تفسير القمّي ٢ : ١٤.

٧ ـ سورة الكهف ١٨ : ٨٣ ـ ٨٤.

٨ ـ تفسير القمّي ٢ : ٤٠.

١١٧

وقد روي (١) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه نقل حديث ذي القرنين ثمّ قال : « وفيكم مثله » يعني نفسه ، ويأتي ذلك إن شاء الله.

وقال الطبرسي : قيل (٢) : إنّ ذا القرنين نبيّ مبعوث فتح الله على يديه الأرض (٣).

ثمّ قال : في قوله تعالى ( قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ ) (٤) استدلّ من ذهب إلى أنّ ذا القرنين كان نبيّاً بهذا ؛ لأنّ قول الله لا يكون إلا بالوحي ، والوحي لا يجوز إلا على الأنبياء (٥) ، وقيل : إنّ الله ألهمه ولم يوح إليه (٦) « انتهى ».

أقول : ومع ضميمة الأحاديث الدالّة على أنّ ما كان في الاُمم السابقة يكون مثله في هذه الاُمّة ، يتمّ الاستدلال على صحّة الرجعة بقصّة ذي القرنين وأمثالها.

الثلاثون : قوله تعالى ( وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ ) (٧) الآية.

روى الطبرسي وعلي بن إبراهيم وغيرهما : أنّ الله أحيا له من أهله من مات وقت البلاء ( وَمِثْلَهُم مَّعَهُم ) (٨) ممّن مات من قبل (٩).

كما يأتي إن شاء الله تعالى ، فينبغي أن يقع مثله في هذه الاُمّة بدلالة الأحاديث المشار إليها.

__________________

١ ـ في « ط » : وروي.

٢ ـ ( قيل ) لم يرد في « ط ».

٣ ـ مجمع البيان ٦ : ٤٣٥.

٤ ـ سورة الكهف ١٨ : ٨٦.

٥ ـ في « ط » : لايكون إلا بالأنبياء. بدل من : لايجوز إلا على الأنبياء.

٦ ـ مجمع البيان ٦ : ٤٣٧.

٧ ـ سورة الأنبياء ٢١ : ٨٣ ـ ٨٤.

٨ ـ قوله تعالى ( معهم ) لم يرد في « ش ، ح ، ك ».

٩ ـ مجمع البيان ٧ : ١١٣ ، تفسير القمّي ٢ : ٧٤ ، التبيان ٧ : ٢٧١.

١١٨

الحادية والثلاثون : قوله تعالى ( وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَة أَهْلَكْنَاها أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ ) (١).

روى الطبرسي وعلي بن إبراهيم وغيرهما : أنّها في الرجعة ، وأنّ كلّ قرية هلكت بعذاب لا يرجع أهلها في الرجعة ، وأمّا في القيامة فيرجعون (٢).

الثانية والثلاثون : قوله تعالى ( إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَاد ) (٣).

روي في عدّة أحاديث تأتي إن شاء الله تعالى : أنّ المراد بها الرجعة ، ومعلوم أنّها خطاب للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله .

الثالثة والثلاثون : قوله تعالى ( وَإِن مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ) (٤).

روى علي بن إبراهيم وغيره في تفسيرها : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا رجع آمن به الناس كلّهم (٥).

الرابعة والثلاثون : قوله تعالى ( إِنَّ اللهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلَ آيَةً ) (٦).

روى علي بن إبراهيم في « تفسيره » : عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه تلا هذه الآية ثمّ قال : « سيريك في آخر الزمان آيات ، منها : دابّة الأرض ، والدجّال ، ونزول

__________________

١ ـ سورة الأنبياء ٢١ : ٩٥.

٢ ـ مجمع البيان ٧ : ١١٩ ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، تفسير القمّي ٢ : ٧٦ ، التبيان ٧ : ٢٧٨ ، عن الجبائي.

٣ ـ سورة القصص ٢٨ : ٨٥.

٤ ـ سورة النساء ٤ : ١٥٩.

٥ ـ تفسير القمّي ١ : ١٥٨.

٦ ـ سورة الأنعام ٦ : ٣٧.

١١٩

عيسى بن مريم ، وطلوع الشمس من مغربها » (١).

الخامسة والثلاثون : قوله تعالى ( وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ ) (٢).

روى علي بن إبراهيم وغيره : أنّ من جملته الرجعة (٣) ، ويأتي إن شاء الله تعالى.

السادسة والثلاثون : قوله تعالى ( أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنتُم بِهِ ) (٤).

روى علي بن إبراهيم : أنّ معناه صدّقتم به في الرجعة ، فيقال : الآن تؤمنون به يعني أمير المؤمنين عليه‌السلام (٥).

السابعة والثلاثون : قوله تعالى ( وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْس ظَلَمَتْ مَا فِي الأرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ ) (٦).

روى علي بن إبراهيم : أنّها نزلت في الرجعة (٧).

الثامنة والثلاثون : قوله تعالى ( فَإِن كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ ) (٨).

روى علي بن إبراهيم وغيره : أنّ الله جمع الأنبياء لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأحياهم ورجعوا وصلّوا خلفه (٩). وأنّ هذا معنى الآية ، وهذه الآية دالّة على الرجعة

__________________

١ ـ تفسير القمّي ١ : ١٩٨.

٢ ـ سورة يونس ١٠ : ٤٦.

٣ ـ تفسير القمّي ١ : ٣١٢.

٤ ـ سورة يونس ١٠ : ٥١.

٥ ـ تفسير القمّي ١ : ٣١٢.

٦ ـ سورة يونس ١٠ : ٥٤.

٧ ـ تفسير القمّي ١ : ٣١٣.

٨ ـ سورة يونس ١٠ : ٩٤.

٩ ـ تفسير القمّي ١ : ٣١٦ ـ ٣١٧.

١٢٠