ديوان الإمام علي

المؤلف:


المحقق: الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي
الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار ابن زيدون
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٦٠

خسرتُمْ بتكذيبكم للرسولِ

تعيبون ما ليس بالعائبِ

وكذَّبتموه بوحي السماءِ

أَلا لعنةُ الله للكاذبِ

ـ ٤٨ ـ

وقال الإمام عند قتل الوليد بن عتبة يوم بدر من الرجز :

تبَّا وتعساً لك يا ابن عُتبهْ

أسقيك من كأس المنايا شربَهْ

ولا أُبالي بعد ذلك غِبَّة

ـ ٤٩ ـ

وقال الإمام :

يا رب ثبِّت لي قدمي وقلبي

سبحانك اللهمَّ أَنت حسبي

ـ ٥٠ ـ

وقال الإمام في يوم خيبر هو من بحر الطويل :

ستشهد لي بالكر والطعن راية

حباني بها الطهرُ النبيُّ المهذبُ

وتعلمُ أَني في الحروب إِذا الْتَظَى

بنيرانها الليث الهموسُ (١) المرجَّب (٢)

ومثلي لاقى الهَوْلَ في مُفْظعاتِه

وفُلَّ له الجيشُ العَطَبْطبُ (٣)

وقد علم الأحباء أني زعيمها

وأني لدى الحرب العُذَيْق المرجَبُ (٤)

ـ ٥١ ـ

وفي يوم خيبر قال الشاعر اليهودي مرحب مخاطباً الإمام عليا :

قد علمتْ خيبرُ أَني مَرْحَبُ

شاكي السلاح بطلٌ مُجرَّبُ

إذا الليوثُ أَقبلتْ تلتهبُ

أَطعن أَحياناً وحيناً أَضرِبُ

__________________

(١) اهموس الخفي الوطء.

(٢) المرجب : المعظم.

(٣) العطبطب : أي الشديد

(٤) العذيق : ذو العز والفخر. المرجب : السيد المعظم.

٤١

فأجابه الإمام علي بقوله ( من الرجز ) :

أَنا علي بن عبد المطَّلبْ

مهذَّبٌ ذو سطوةٍ وذُو غَضَبْ

غُذِّيتُ في الحرب وعصيانِ النُّوَبْ

من بيتِ عزٍّ ليس فيه مُنشعَبْ

وفي يميني صارمٌ يجلو الكُربْ

من يلقَني يَلْقَ المنايا والعطبْ

وقال الإمام يوم الخيبر مخاطباً ياسراً وأهل خيبر ( من الرجز ) :

هذا لكم من الغلامِ الغالبي

من ضَرْبِ صدقٍ وقضاءِ الواجبِ

وفالقِ الهاماتِ والمناكبِ

أَجْمِي به قمَاقِمَ (١) الكتائبِ

وقال الإِمام يوم خيبر يخاطب الربيع بن أبي الحقيق الخيبري من الرجز :

أنا عليٌّ وابنُ عبد المطلبْ

أحمِي ذمارِي وأَذبُّ عن حَسَبْ

والموتُ خيرٌ للفتى من الهَرَبْ

وقال الإِمام يوم خيبر من الرجز أيضاً :

أنا عليٌّ وابنُ عبدِ المطلبْ

مهذّبٌ ذو سطوةٍ وذو حَسَبْ

قِرْنٌ إذا لاقيتُ قِرناً لم أَهَبْ

من يلقني يلقَى المنايا والكُرَبْ

ـ ٥٢ ـ

وقال الإِمام يوم صفين من الطويل :

أَبَى اللهُ إلا أنَّ ( صِفِّينَ ) دارُنا

ودارُكُم ما لاحَ في الأفْق كوكبُ

إِلى أَن تموتوا أو نموتَ وما لَنَا

وما لَكُمُ عن حومةِ الحَرْبِ مَهْرَبُ

__________________

(١) جمع قمقم ، وهو جملة الشيء وكثرته.

٤٢

ـ ٥٣ ـ

وقال الإِمام في يوم بئر ذات العلم من الرجز :

الليلُ هول يرهبُ المَهِيبَا

ويُذهِلُ المُشَجَّعَ اللبيبَا

فإنّني أهْوَلُ منه ذِيباً

ولستُ أخشى الروعَ والخطوبَا

إذا هززت الصارمَ القضيبا (١)

أبصرتُ منه عَجَباً عجيبَا

ـ ٥٤ ـ

وينسب إلى الإِمام يذكر قبيلة الأزد من بحر البسيط :

الأزدُ سيفي على الأعداء كلِّهمُ

وسيفُ أحمد (٢) من دانتْ له العربُ

قومٌ إذا فاجأوا أبلَواْ وإن غُلبوا

لا يحجمون ، ولا يدرون ما الهربُ

قوم لَبُوسُهمُ في كلِّ مُعتَرَكٍ

بيضٌ (٣) رقاق وداوديةٌ (٤) سَلَبُ

البيضُ فوق رؤوسٍ تحتها اليَلبُ (٥)

وفي الأنامل سُمر لخُطِّ (٦) والقُضَب

وأيّ يومٍ من الأيام ليس لهم

فيه من الفعل ما مِنْ دونه العجَبُ

الأزد أَزْيَدُ من يمشي على قدمٍ

فضلاً وأعلاهمُ قدراً إذا ركبوا

يا معشر الأزد أنتم معشرٌ انف

لا يضعفون إِذا ما اشتدت الحِقبُ

وفيتُم ووفاءُ العهدِ شيمتكم

ولم يخالطْ قديماً صدقَكمْ كذب

إذا غضبتمْ يهابُ الخلقُ سطوتكم

وقد يهونُ عليكم منهم الغضَبُ

يا معشر الأزد إني من جَميعكُمُ

راضٍ وأنتم رؤوسُ الأمر لا الذَّنَبُ

لن ييأس الأزد من روحٍ ومغفرةٍ

والله يكلؤُهُمْ من حيثُ ما ذهبوا

طبتُم حديثاً كما طاب أوَّلُكُمْ

والشوكُ لا يجتنى مِنْ فرْعِهِ العنبُ

والازد جرثومة (٧) إن سوبقوا سبَقوا

او فُخِروا فخروا او غولبوا غلبوا

__________________

(١) الصارم القضيب : السيف القاطع.

(٢) رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

(٣) أي سيوف.

(٤) أي درع سابغة نسبة إلى داود عليه‌السلام.

(٥) اليلب : الترسة أو الدروع اليمانية.

(٦) أن الرماح والقضب جمع قصيب وهو السيف.

٤٣

أو كوثروا كثروا صوبروا صبروا

أو سوهِمُوا أسهموا أو سولبوا سلبوا

صفواْ فأصفاهمُ الباري ولايته

فلم يشب صفوَهُمْ لهوٌ ولا لعبُ

من حُسن أخلاقهم طابت مجالسُهم

لا الجهل يعروهُم فيها ولا الصخَبُ

الغيثُ إمَّا رُوَّضُوا من دون نائلهم

والأسدُ ترهبُهم يوماً إِذ غضبوا

أندى الأنام أكفا حين تسألهم

وأربط الناس جأشاً إن هم نُدبوا

وأيُّ جمعٍ كثير لا تفرَقُهُ

إذا تدانت لهم غَسَّانُ والندب

فالله يجزيهمُ عما أتوا وحَبَوْا

به الرسولَ وما من صالحٍ كسبوا

ـ ٥٥ ـ

وقال الإمام في أيام صفين من الرجز :

يا أيها السائل عن أصحابي

أن كنتَ تبغي بن خيرَ الصوابِ

أنبئك عنهمْ غير ما تَكْذاب

بأنَّهمْ أوعية الكتابِ

صبرٌ لدى الهيجاءِ والضِّرابِ

فسلْ بذاكَ معشر الأحزاب

ـ ٥٦ ـ

وقال الإِمام ينصح ابنه الحسين من بحر الكامل :

أحُسيْنُ إنِّي واعظ ومُؤدِّبٌ

فافهمْ فأنت العاقلِ المتأدِّبُ

واحفظ وصية والدٍ متحنِّنٍ

يغدوك بالآداب كيلا تعطَبُ

أَبُنيَّ إن الرزقَ مكفولٌ به

فعليكَ بالإِجمال فيما تطلبُ

لا تجعلنَّ المالَ كسبكَ مُفرَداً

وتُقى إلهكَ فَاجعلنْ ما تكسِبُ

كَفَلَ إلإِله برزق كلِّ بريَّةٍ

والمالُ عاريةٌ تجيءُ وتذهبُ

والرزقُ أسرعُ من تلفُّتِ ناظرٍ

سبباً إلى الإِنسانِ حين يُسبِّبُ

ومن السيولِ إلى مقرِّ قرارها

والطيرُ للأوكارِ حين تُصَوّبُ

أبُنيَّ إن الذكرَ فيه مواعظ

فمَنِ الّذي بعظاتِهِ يتأدَّبُ

فاقرأ كتاب الله جهدَك واتْلُهُ

فيمنْ يقومُ به هناكَ وينصِبُ

بتفكُّرٍ وتخشُّعٍ وتقرُّب

إن المقرَّبُ عنده المتقرِّبُ

٤٤

واعبدْ إلهك ذا المعارجِ مُخْلِصاً

وانصتْ الى الأمثالِ فيما تُضْرِبُ

وإذا مررتَ بآيةٍ وعظيَّةٍ

تصفُ العذابَ فقفْ ودمعُك يُسْكَبُ

يا من يُعذِّبُ من يشاءُ بعدْلِهِ

لا تجعلنِّي في الذينَ تُعذِّبُ

إني أبوءُ بعثْرتي وخطيئتي

هرَباً إليك وليس دونك مَهْرَبُ

واذا مررتَ بآيةٍ في ذكْرها

وصْفُ الوسيلةِ والنعيمِ المُعجِبُ

فاسأل إلهكَ بالإِنابةِ مُخلصاً

دارَ الخلودِ سؤال من يتقرَّبُ

واجهدْ لعلَّكَ أَن تحلَّ بأرْضِها

وتنالَ روحَ مساكنِ لا تخرُبُ

وتنالُ عيشاً لاانقطاع لوقْتِه

وتنالُ مُلْكَ كرامةٍ لا تُسْلَبُ

بادرْ هواكَ إذا هممتَ بصالحٍ

خوفَ الغوايةِ إذ نجيءُ وتُغْلَبُ

وإذا هممتَ بسيِّءٍ فاغمضْ له

وتَجنَّب الأمرَ الذي يُتَجَنَّبُ

واخفضْ جناحكَ للصديقِ وكُنْ له

كأبٍ على أولادِه يتحدَّبُ (١)

والضيفُ أكرمْ ما استطعتَ جوارَهُ

حتى يعدَّك وارثاً يَتَنَسَّبُ

واجعلْ صديقكَ مَنْ إِذا آخيتَهُ

حفظ الإخَاء وكانَ دونَك يَضْربُ

واطلبْهمُ طلبَ المرِيض شفاءَهُ

ودعِ الكذوبَ فلَيس ممنْ يُصْحَبُ

واحفظْ صديقَكَ في المواطنِ كلِّها

وعليكَ بالمرءِ الذي لا يَكْذِبُ

وَاقْلُ الكذوبَ وقُرْبَهُ وجِوَارَه

إنَّ الكذوبَ ملطِّخٌ من يَصْحَبُ

يُعْطيك ما فوقَ المنى بلسانِه

ويروغُ منك كما يروغُ الثعلبُ

واحذرْ ذوي الملُقِ اللئامَ فإنَّهم

في النائباتِ عليكَ ممن يَخطبُ

يَسْعَوْنَ حَولَ المرءِ ما طمِعُوا به

واذا نَبا دهرٌ جَفَوْا وتغيَّبوا (٢)

ولقد نصحتُكَ إنْ قبلتَ تصيحتي

والنصحُ أرخصُ ما يباع ويوهَبُ

__________________

(١) من الحدب وهو العطف والحنان.

(٢) من الغيبة وهي الذم في المغيب.

٤٥

ـ ٥٧ ـ

وقال الإِمام من بحر الطويل :

إذا جادَت الدنيا عليكَ فجُدْ بها

على الناسِ طُرّاً إنها تتقلَّبُ

فلا الجودُ يفنيها إذا هي اقبلت

ولا البخلُ يبقيها إذا هي تذهبُ

ـ ٥٨ ـ

وقال الإمام من الوافر :

عجبتُ لجازعٍ بك مصابٍ

بأهلٍ أَو حميمٍ ذي اكتئابِ

يَشُقُّ الجيبَ يدعو الويلَ جهلاً

كأنَّ الموتَ بالشيءِ العجابِ

وساوى الله فيه الخلق حتَّى

نبيُّ الله منهُ لم يحابِ

له ملِكٌ ينادي كلَّ يومٍ

لِدُوا للموت (١) وابنوا للخرابِ

ـ ٥٩ ـ

وقال الإِمام وهو ينصح ابنه الحسين من المتقارب :

حسينُ إذا كنت في بلدةٍ

غريباً فعاشرْ بآدابها

ولا تَفْخَرَنْ بينهم بالنهى

فكلُّ قبيلٍ بألبابها

ولو عمل ابنُ أبي طالبٍ

بهذي الأمور لفُزْنا بها

ولكنَّهُ اعتامَ (٢) أمرَ الإلهِ

فأخرقَ فيهمْ بأنيابها

عذيرك من ثقةٍ بالذي

يُنيلُكَ دنياكَ من طابِها (٣)

فلا تمرحنْ لأوزارِها

ولا تضجَرَنَّ لأوصابها (٤)

قِسِ الغَدَ بالامسِ كي تستريحَ

ولا تَرْمِ نفسك في نابها

__________________

(١) لدوا من ولد ، اي خلفوا.

(٢) اعتام : اختار واصطفى.

(٣) أي طيبها.

(٤) الأوصاب جمع وصب وهو المرض والسقام.

٤٦

ـ ٦٠ ـ

وقال الإِمام فيما ينسب إليه من الوافر :

قريح (١) القلبِ من وجَعِ الذنوب

نحيلُ الجسم يَشْهَقُ بالنحيب

أضرَّ بجسمه سَهَرُ الليالي

فصارَ الجسمُ منه كالقضيبِ (٢)

وَغيِّرَ لونَهُ خوفٌ شديدٌ

لِمَا يلقاهُ من طول الكروبِ

ينادِي بالتضرعِ يا إِلهي

أقِلْني عثرتي واسْتُرْ عُيوبي

فزعتُ إلى الخلائقِ مستغيثاً

فلم أَرَ في الخلائقِ من مجيبِ

وأنتَ تجيبُ من يدعوكَ ربِّي

وتكشفُ ضرَّ عبدِكَ يا حبيبي

ودائي باطنٌ ولديك طِبٌّ

ومَنْ لي مثلَ طبِّكَ يا طبيبي

ـ ٦١ ـ

وقال عند قبر فاطمة الزهراء ابنة رسول الله وزوج الإِمام علي من بحر الوافر :

حبيب ليس غيرك لي حبيب

وما لسواه في قلبي نصيبُ

حبيب غاب عن عيني وجسمي

وعن قلبي حبيبي لا يغيبُ

ـ ٦٢ ـ

وقال الإِمام من الطويل :

فلم أَرَ كالدنيا بها اغترَّ أهلها

ولا كاليقين استأنس الدهرَ صاحبُه

أمرُّ على رمس القريب كأنما

أَمُرُّ على رمس امرىءٍ مات صاحبُه

اذا ما اعتريت الدَّهر عنه بحيلةٍ

تُجدِّدُ حزناً كلّ يوم نوادبُه

__________________

(١) أي جريح.

(٢) أي كالعود.

٤٧

ـ ٦٣ ـ

وقال الإِمام من البسيط :

لو صيغ من فضة نفسٌ على قدَرٍ

لعادَ من فضله لمَّا صفَا ذهبا

مالفتىً حسبٌ إلا إذا كملَتْ

أخلاقُه وحوَى الآدابَ والحسَبا

فاطلبْ فديتُكَ علماً واكتسبْ أَدبا

تظفرْ يداك به واستعجل الطلبا

لله درُّ فتىً أنسابُهُ كرَمٌ

يا حبذا كَرَمٌ أضحَى له نسبا

هل المروءة إلا ما تقومُ به

من الذِّمامِ وحفْظِ الجارِ إِن عَتَبا

من لم يؤدِّبْه دين المصطفى أدَباً

محضاً تحيَّرَ في الأحوالِ واضطربا

ـ ٦٤ ـ

وقال الإِمام من الوافر :

سيكفيني المليكُ وحَدُّ سيفٍ

لَدَى الهيجاءِ يحسبه شهابا

وأسمرُ من رماحٍ الخطِّ لَدْنٌ (١)

شددتُ غرابَهُ أن لا يحابى

أذودُ به الكتيبةَ كل يومٍ

إذا ما الحربُ تضطرمُ التهابا

وحولي معشرٌ كرمُوا وطابوا

يُرَجُّون الغنيمةَ النِّهابَا

ولا يَنْجُونَ من حذَرِ المنايا

سؤال المال فيها والإِيابا

فدعْ عنك التهدُّدَ واصل ناراً

اذا خمدتْ صَلَيْتَ لها شهابا

__________________

(١) لدن : لين : الخط : بلدة بالبحرين تصنع الرماح.

٤٨

القصيدة الزينبية

تنسب القصيدة الزينبية إلى الإِمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وهي من أبلغ المدائح والمواعظ والنصائح من الكامل :

صرَمتْ حبَالَكَ بعد وصلكَ زينبُ

والدهرُ فيه تصرُّمٌ وتقلُّبُ

نشرت ذوائبَها (١) التي تُزْهَى بها

سوداً ورأسك كالثغامةِ (٢) أَشيب

واستنفرَتْ لمَّا رأَتكَ وطالما

كانت تحِنُّ إلى لقاكَ وتَرْهب

وكذاكَ وصلُ الغانياتِ فإنَّهُ

آلٌ (٣) ببلقعةٍ وبرق خُلَّبُ (٤)

فدع الصِّبَا فلقد عَداكَ زَمانُه

وازهدْ فهمرُك منه ولَّى الأطيبُ

ذهب الشبابُ فما له من عودةٍ

وأَتى المشيبُ فأين منه المهربُ

ضيفٌ أَلمَّ إليك لم تحفِلْ به

فترى له أَسفاً ودمعاً يَسكبُ

دَع عنك ما قد فاتَ في زمنِ الصِّبا

واذكُرْ ذنوبَكَ وابكِها يا مذنبُ

واخشَ مناقشة الحسابِ فإنه

لا بدَّ يُحصَى ما جنيتَ ويكتب

لم ينسَه الملَكانِ حين نسيتَه

بل أَثبتاه وأَنتَ لاهٍ تلعب

والروحُ فيكَ وديعةٌ أُودِعْتَها

ستردُّها بالرغمِ منك وتُسلَبُ

وغرورُ دنياكَ التي تسعَى لها

دار حقيقتُها متاعٌ يُذْهَبُ

والليلُ فاعلم والنهارُ كلاهما

أَنفاسُنا فيها تُعَدُّ وتُحْسَبُ

وجميعُ ما حصَّلتَهُ وجمعتَه

حقّا يقيناً بعد موتِكَ يُنهَب

__________________

(١) الذوائب :جدائل الشعر المضفور.

(٢) الثغامة : شجرة زهرها وثمرها أبيض.

(٣) الآل : السراب.

(٤) خلب : أي كاذب.

٤٩

تباً لدارٍ لا يدوم نعيمُها

ومُشيدُها عما قليلٍ يُخْربُ

فاسمعْ هُدِيتَ نصائحاً أولاكها

بَرٌّ لبيبٌ عاقلٌ متأدِّب

صحبَ الزمان وأهله مستبصراً

ورأى الأمور بما تؤوبُ وتُعْقِبُ

أُهدِي النصيحةَ فاتعظْ بمقالةٍ

فهو التقيُّ اللوذعيّ الأدرب

لا تأمن الدهرَ الصُّرُوفَ فإنَّهُ

لا زالَ قِدْماً للرجال يُهذّب

وكذلكَ الأيامُ في غدواتِها

مَرَّتْ يُذلُّ لها الأَعزُّ الأنجب

فعليكَ تقوى الله فلزمها تفُزْ

إنَّ التقي هو البهى الأهيب

واعمل لطاعته تنلْ منه الرِّضا

إنَّ المطيعَ لربه لمُقرَّب

فاقنعْ ففي بعض القناعةِ راحةٌ

واليأسُ ممَّا فات فهو المطلب

وإِذا طمعتَ كُسيت ثوب مذلةٍ

فلقد كُسِي ثوبَ المذلة أَشعبُ

وتوقَّ (١) من غدْرِ النساءِ خيانةً

فجميعُهنَّ مكائدٌ لكَ تُنصَب

لا تأمن الأنثى حياتَكَ إنَّها

كالأفعُوانِ يُراعُ منه الأنيب (٢)

لا تأمنِ الأنثى زمانَكَ كلَّه

يوماً ولو حلَفتْ يميناً تكذِبُ

تُغْري بطيب حديثِها وكلامِها

وإِذا سطتْ فهي الثقيلُ الأشطبُ (٣)

واجهْ عدوَّكَ بالتحيةِ لا تكنْ

منه زمانَكَ خائفاً تترقبُ

واحذرْهُ يوماً إن أَتَى لك باسماً

فالليثُ يبدو نابُه إذْ يَغْضَبُ

إِن الحَقُودَ وإِن تقادمَ عهدُه

فالحقدُ باقٍ في الصدورِ مُغَيَّبُ

وإذا الصديقُ رأَيتَهُ متعلِّقاً

فهو العدوُّ وحقُّه يُتجنّبُ

لا خيرَ في ودِّ امرئٍ متملِّق

حلوِ اللسانِ وقلبُه يتلهَّبُ

يلقاكَ يحلفُ أَنه بكَ واثقٌ

وإذا توارى عنك فهْو العقربُ

__________________

(١) من الوقاية.

(٢) صاحب الأنياب.

(٣) أي فهي السيف الحاد القاطع.

٥٠

يعطيكَ من طرفِ اللسانِ حلاوة

ويروغُ منك كما يروغُ الثعلبُ

واخترْ قرينَكَ واصطفيهِ تفاخراً

إن القرينَ إلى المقارنِ يُنسَبُ

إنَّ الغنِيَّ من الرجال مكرَّمٌ

وتراه يُرْجَى ما لديه ويُرْهَبُ

ويُبَشُّ بالترحيب عند قدومهِ

ويُقامُ عند سلامهِ ويُقرَّبُ

والفقرُ شَيْنٌ للرجال فإنَّه

يُزْرى به الشهمُ الاديب الأنسبُ

واخفِضْ جناحك للأقاربِ كلِّهمْ

بتذلُّل واسمحْ لهم إِن أَذنبوا

ودع الكَذُوبَ فلا يكنْ لك صاحباً

إن الكذوبَ لبئسَ خِلا (١) يُصْحَبُ

وذرِ الحسودَ ولو صفا لك مرَّةً

أَبعدْهُ عن رؤياك لا يُسْتَجْلَبُ

وزنِ الكلامَ إِذا نطقتَ ولا تكنْ

ثرثاؤةً (٢) في كل نادٍ تخطُبُ

واحفظْ لسانَكَ واحترِزْ من لفظِهِ

فالمرءُ يَسْلَمُ باللسان ويُعطَبُ

والسرَّ فاكتمْهْ ولا تنطِقْ به

فهو الأسيرُ لديك إذْ لا يُنشَبُ

واحرصْ على حفظ القلوبِ من الأذى

فرجوعها بعد التنافرِ يَصعُبُ

إن القلوبَ اذا تنافر ودُّها

شبهُ الزجاجة كسرُها لا يُشْعَبُ (٣)

وكذاك سرُّ المرءِ إن لم يَطْوِه

نشرتْه ألسنةٌ تزيدُ وتكْذِبُ

لا تحرِصنْ فالرحصُ ليس بزائدٍ

في الرزق بل يُشْقى الحريص ويُتعِبُ

ويظلُّ ملهوفاً يرومُ تحيُّلاً

والرزقُ ليس بحيلةٍ يستجلَبُ

كم عاجزٍ في الناس يُؤْتَى رزقُهُ

رَغِداً ويُحرَم كيس ويخيَّب

أدِّى الامانةَ ، والخيانةَ فاجتنبْ

واعدِلْ ولا تظلم فيطيبُ المكسب

واذا بُليتَ بنكبة فاصبرْ لها

أوقد رأَيتَ مسلِّماً لا يُنْكَبُ (٤)

__________________

(١) أي صديقا.

(٢) أي كثير الثرثرة وهي لغو الكلام وباطله.

(٣) أي لا يمكن التحام الكسر.

(٤) الاستفهام هنا للانكار.

٥١

وإذا أصابكَ في زمانك شدَّةٌ

وأصابكَ الخطبُ الكريةُ الأَصعبُ

فالْجأْ لربّك إنه أَدنى لمنْ

يدعوه من حبل الوريد وأقربُ

كنْ ما استطعتَ عن الأنام بمعزل

ان الكثيرَ من الورى لا يُصْحَبُ

واجعلْ جليسكَ سيِّداً تحظى به

حبرٌ لبيبٌ عاقلٌ متأدِّبُ

واحذرْ من المظلومِ سهماً صائباً

واعلمْ بأن دعاءَه لا يحُجَبُ

وإذا رأيتَ الرزقَ ضاق ببلدةٍ

وخشيتَ فيها أَن يضيقَ المكسبُ

فارحَلْ فأرضُ الله واسعةُ الفضَا

طولاً وعرْضاً شرقُها والمغربُ

فلقد نصحتكَ إن قبلتَ نصيحتي

فالنصحُ أَغلى ما يباع ويوهَبُ

خُذها إليك قصيدةً منظومةً

جاءتْ كنظم الدر بل هي أعجبُ

حِكَمٌ وآدابٌ وجُلُّ مواعِظٍ

أَمثالُها لذوي الصائل تُكتَبُ

فأصِخْ لوعظِ قصيدةٍ أولاكَها

طودُ العلوم الشامخاتِ الأهيبُ

أعني عليّاً وابنَ عمِّ محمدٍ

من ناله الشرفُ الرفيعُ الأنسبُ

يا ربِّ صَلِّ على النبيِّ وآلِهِ

عددَ الخلائقِ حصرُها لا يحسبُ

٥٢

قافية التاء

ـ ٦٦ ـ

قال الإِمام في بعض أيام صفين حين ندب أصحابه فانتدب له عشرة آلاف فتقدمهم الإِمام وهو يقول من بحر الرجز:

دُبُّو دبيبَ النمل لا تفوتوا

وأَصبِحوا بحرْبِكم وبِيتُوا

حتى تنالُوا الثأر أو تموتُوا

أَوْ لا فإنِّي طالَمَا عُصيتُ

قد قلتمُ لو جئتَنا فجِيتُ

ليس لكمْ ما شئتمُ وَشِيتُ (١)

بل مَا يريدُ المحْيي والمُميتُ

ـ ٦٧ ـ

وللإِمام علي ما يروي من بحر الوافر :

حقيقٌ بالتواضعِ من يموتُ

ويكفي المرءَ من دنياهُ قُوتُ

فما للمرءِ يُصبحُ ذا همومٍ

وحرصٍ ليس تُدركه النُّعوتُ

صنيعُ مليكِنا حَسَنٌ جميلٌ

وما أَرزاقُنا عنَّا تَفُوتُ

فيا هذا سترحلُ عن قريبٍ

إلى قوم كلامهُم سُكُوتُ

ـ ٦٨ ـ

وقال الإِمام من مخلع البسيط :

قد كُنتَ ميتاً فصرتَ حيّاً

وعنْ قليلٍ تصيرُ مَيْتاً

تبني بدارِ الفناءِ بيتاً

فابْنِ لدار البقاءِ بَيتاً

__________________

(١) أي وشئت بتخفيف الهمزة.

٥٣

ـ ٦٩ ـ

وقال الإِمام من بحر الطويل :

صبرتُ عن اللذَّاتِ لما تولَّتِ

وألزمت نفسِي صبرَها فاستمرَّتِ

وما المرءُ إلا حيثُ يجعلُ نفسَهُ

فإن طَمَعَتْ تاقتْ وإِلاَّ تسلَّتِ

ـ ٧٠ ـ

وقال الإِمام من بحر الطويل :

خليليَّ لا واللهِ ما مِنْ مُلمَّة

تدومُ على حيٍّ وإنْ هيَ جَلَّتِ

فإن نزلتْ يوماً فلا تخْضعَنْ لها

ولا تكثِر الشكوى إذا النَّعْلُ زُلَّتِ

فكم من كريمٍ يُبتلَى بنوائبٍ

فصَابرَهَا حتى مضتْ واضمحلَّتِ

ـ ٧١ ـ

وقال الإِمام من بحر الطويل :

إن القليلَ من الكلامِ بأهلهِ

حَسنٌ وإنَّ كثيرَهُ ممقوتُ

ما زلَّ ذو صمْتٍ وما مِنْ مُكثرٍ

إلا يَزلُّ وما يُعَابُ صَمُوتُ

إنْ كانَ ينطقُ ناطقاً من فضةٍ

فالصمتُ درٌّ زانَهُ ياقوتُ

ـ ٧٢ ـ

وقال الإِمام من بحر الخفيف :

قد رأَيتَ القرون كيفَ تفانَتْ

دُرِسَتْ ثمَّ قيل كانَ وكانتْ

هي دنيا كحيَّةٍ تنفُثُ السُّمَّ

وان كانت المجسة (١) لانَتْ

كم أُمورٍ لقد تشددتُ فيها

ثم هوَّنْتُها عليَّ فهانَتْ

__________________

(١) المجسة : أي الاختيار والامتحان.

٥٤

ـ ٧٣ ـ

وقال الإِمام من مجزوء الرمل :

إنما الدنيا فناء

ليسَ للدنيا ثبوتُ

إنما الدنيا كبيْتٍ

نسجَتْهُ العنكبوتُ

ولقد يكفيكَ منها

أيُّها الطالبُ قُوتُ

ولعمري عن قليلٍ

كلُّ مَنْ فيها يموتُ

ـ ٧٤ ـ

وقال الإِمام من البحر الطويل :

ألم ترَ أَن الدهرَ يومٌ وليلةٌ

يكرَّان من سبْتِ جديدٍ إلى سَبْتِ

فقلْ لجديدِ الثوْب لا بدَّ من بِلىً

وقُلْ لاجتماعِ الشملِ لا بُدَّ من شَتِّ (١)

ـ ٧٥ ـ

وقال الإِمام في رثاء النبي صلّى الله عليه وسلّم من بحر الكامل :

نفسي على زفراتِها محبوسةٌ

يا ليتها خرجتْ مع الزفراتِ

لا خيرَ بعدكَ في الحياةِ وإنما

أَبكِي مخافةَ أن تطولَ حياتي

ـ ٧٦ ـ

وقال الإِمام من بحر الطويل :

أقولُ لعيني احبسي اللحظاتِ

ولا تنظرِي يا عينُ بالسرقاتِ

فكم نظرةٍ قادتْ إلى القلبِ شهوةً

فأُصبحَ منها القلبُ في حسراتِ

__________________

(١) أي شتات : وتفرق.

٥٥

قافية الجيم

ـ ٧٧ ـ

وقال الإِمام من بحر المتقارب :

إذا النائباتُ بلغْنَ المَدى

وكادتْ تذوبُ لهنَّ المَهَجْ

وحلَّ البلاءُ وبانَ العزاءُ

فعند التناهِي يكونُ الفرَجْ

قافية الحاء

ـ ٧٨ ـ

وقال الإِمام في الصديق من بحر السريع :

فكم خليل لك خاللتَهُ

لا تركَ الله له واضحهْ

فكلهمْ أروغُ من ثعلبٍ

ما أشبهَ الليلةَ بالبارحهْ

ـ ٧٩ ـ

وقال الإِمام في التأني من بحر الكامل :

الرفقُ يمنٌ والأناةُ سعادةٌ

فتأنَّ في أَمرِ تُلاقِ نجاحا

ـ ٨٠ ـ

وقال الإِمام من بحر الرجز :

الليلُ داج والكِباشُ تنطحُ

نطاحُ أَسدٍ ما أراها تَصْلُح

أسدُ عرينٍ في اللقاءِ قد مرَحْ

منها نيامٌ وفريق منبطِحْ

فمن نجا برأسه فقد ربح

٥٦

ـ ٨١ ـ

ويقول الإِمام في كتمان السر وعدم افشائه من بحر المتقارب :

فلا تُفشِ سرَّكَ إلاَّ اليكَ

فانَّ لكل نصيحٍ نصيحاً

واني رأيتُ غُواة الرجال

لا يتركون أَديماً صحيحاً

ـ ٨٢ ـ

وقال أبو جرول وهو رجل من هوازن كان من المشركين يوم حنين :

أَنا أبو جرول لابراح

حتتى نُبيحَ القومَ أو نُباحْ

فقتله أمير المؤمنين علي وقال من بحر الرجز :

قد عَلِمَ القومُ لدى الصياحْ

أَني في الهيجاءِ ذو نِطَاحْ

قافية الدال

ـ ٨٣ ـ

وأنشد الإِمام أمام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من بحر البسيط :

أنا أخو المصطفَى لا شكَّ في نسَبي

معهُ رُبيتُ وسِبطاهُ هما ولدي

جَدِّي وجَدُّ رسول الله مُتَّحِدٌ

وفاطمٌ زوجتي لا قول ذي فنَدِ (١)

صدَّقتُهُ وجميع الناسِ في ظُلَمٍ

من الضلالةِ والإِشراكِ والنكدِ

فالحمدُ لله فرداً لا شريكَ له

البَرُّ بالعبدِ والباقي بلا أَمدِ

__________________

(١) الفند بالفتح : الزور والباطل.

٥٧

ـ ٨٤ ـ

ولما سام الخوارج الإمام علي ان يقر بالكفر ويتوب حتى يسير الى الشام قال : أبعدَ صحبة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والتفقه في الدين أرجع كافراً ؟ وقال من بحر الرجز :

يا شاهد اللهِ عليَّ فاشهد

أَني على دينِ النبيِّ احمدِ

من شكَّ في الدين فاني مهتدِي

يا ربِّ فاجعل في الجنانِ موردي

ـ ٨٥ ـ

ولما هاجر الإِمام من مكة الى المدينة ومعه الفواطم وادركه الطلب وهم ثمانية فوارس فشد عليهم بسيفه شدة ضيغم وقال من بحر الرجز :

خَلوا سبيل المؤمنِ المجاهدِ

آليت لا أَعبد غيرَ الواحدِ

ـ ٨٦ ـ

ورأى علي أمير المؤمنين رجلا يمشي ويخطر بيديه ويختال فقال من بحر السريع :

يا مؤثر الدنيا على دينهِ

والتائهَ الحيرانَ عنْ قصدهِ

أصبحتَ ترجو الخلدَ فيها وقدْ

أَبرز ناب الموتِ عن حدِّه

هيهاتَ إن الموْتَ ذو أَسهمٍ

من يَرْمِهِ يوماً بها يُرْدِهِ (١)

لا يُصلحُ الواعظُ قلبَ امرىءٍ

لم يعزمِ اللهُ على رُشْدِه

ـ ٨٧ ـ

ويروى عن الإِمام من بحر السريع :

نحن بنو الأرض وسكانها

منها خُلقْنا وإليْها نعودْ

والسعدُ لا يَبْقى لأصحابِهِ

والنحسُ تمحوه ليالي السُعودْ

__________________

(١) أي يهلكه : من أرداه : أهلكه وقتله.

٥٨

ـ ٨٨ ـ

وينسب الى الإِمام من بحر الوافر :

أعاذلتي عَلى إِتعابِ نفسي

ورعْيي في السُّرى رَوْضَ السهادِ

إذا شامَ الفتى بَرْقَ المعالي

فأهونُ فائتٍ طيِبُ الرُّقادِ

ـ ٨٩ ـ

وقال الإمام فيمن قتل يوم أحد من بحر البسيط :

اللهُ حي قديمٌ قادرٌ صمَدُ

فليس يُشْرِكُهُ في مُلكهِ أحَدُ

هو الذي عرَّفَ الكفارَ منزلَهُمْ

والمؤمنون سيجزيهمْ بما وُعِدُوا

فا تكنْ دولة كانت لنا عظةٌ

فهل عسى أَن يُرى في غيّها رشَدُ

وينصرُ الله من والاه إنَّ له

نصراً يمثِّلُ بالكفارِ إِنْ عنِدُوا

فان نطقتم بفخرٍ لا أبَالكُم

فيمن تضمَّنَ من اخواننا الَّلحدُ (١)

فانَّ طلحةَ غادرناهُ منجدِلا

وللصفايح نارٌ بيننا تَقِدُ

والمرءُ عثمانُ أَرْدَتْهُ أسنَّتنا

فجيبُ زوجتِه إذ أُخبِرتْ قِدَدُ (٢)

في تسعةٍ ولواءٌ بين أَظهُرِهم

لم ينكُلُوا عن حياض الموت إذْ وَرَدُوا

كانوا الذوائبَ من فهرٍ وأكرمَها

حيث الانوفُ وحيث الفَرْعُ والعَدَدُ

وأَحمدُ الخيرِ قد أَرْدَى على عَجَل

تحتَ العجاجِ أَبيّا وَهْوَ مجتهِدُ

فظَلَّتْ الطيرُ والضُّبعانُ تركبه

فحاملٌ قطعةً منه ومُقْتعِدُ

ومن قتلتم على ما كان من عجبٍ

منَّا فقد صادفوا خَيْراً وقد سَعِدُوا

لهم جنانٌ من الفِردوسِ طيّبةٌ

لا يعتريهمْ بها حرُّ ولا صَرَدُ (٣)

__________________

(١) بتحريك الحاء بالفتح لضرورة الوزن ، واللحد هو القبر.

(٢) قدد : قطع ممزقة. جيب القميص : فتحته التي تدخل الرأس منها.

أي فزوجته حزينة لما بلغها موته.

(٣) الصرد : البرد.

٥٩

صلّى الإلهُ عليهمْ كلّما ذُكِروا

فرُبَّ مشهدِ صدقٍ قبلَهُ شَهِدُوا

قومٌ وفوْا لرسول الله واحتَسِبُوا

شمَّ العرانينِ منهمْ حمزةُ الأَسدُ

ومُصْعبٌ كان ليثاً دونهُ حَرِداً (١)

حتى تزمَّلَ منه ثعلبٌ حَسَدُ

ليسوا كقتلى من الكفارِ أَدخلَهُمْ

نارَ الجحيمِ على أَبوابِها الرَّصَدُ

ـ ٩٠ ـ

وقال الإمام من بحر الطويل :

تغرَبْ عن الاوطان في طلب العُلى

وسافرْ ففي الأسفارِ خمسُ فوائدِ

تفرُّجُ همٍ واكتسابُ معيشةٍ

وعلمُ وآدابٌ وصُحبةُ ماجدِ

فان قيل في الاسفارِ ذل ومحنةٌ

وقطعُ الفيافي وارتكابُ الشدائدِ

فموتُ الفتى خيرٌ له من قيامِهِ

بدارِ هوان بين واشٍ وحاسدِ

ـ ٩١ ـ

وقال الإمام من بحر الطويل :

اذا لم يكنْ عونُ من الله للفتى

فأكثرُ ما يجنى عليه اجتهادُهُ

ـ ٩٢ ـ

وقال الإمام حينما كان النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه يعملون في بناء مسجد بالمدينة : وذلك من بحر الرجز :

لا يستوِي من يَعْمُرُ المساجدا

ومن يبيت راكعاً وساجداً

__________________

(١) الحرد : القصد والمنع والدفاع.

٦٠