ديوان الإمام علي

المؤلف:


المحقق: الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي
الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار ابن زيدون
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٦٠

صرمت حبالك بعد وصلك زينب

والدهر فيه تصرم وتقلب

ومما ينسب إلى الإمام قوله يرثى النبي صلّى الله عليه وسلّم :

أمن بعد تكفيني النبي ودفنه

باثوابه آسى على هالك ثوى

رزئنا رسول الله فينا فلن نرى

بذاك عديلا ما حيينا من الورى

لقد غشيتنا ظلمة بعد موته

نهارا فقد زادت على ظلمة الدجى

وكنا برؤياه نرى النور والهدى

صباحا مساء راح فينا أو اغتدى

فيا خير من ضم الجوانح والحشا

ويا خير ميت ضمه الترب والثرى

كأن أمور الناس بعدك ضمنت

سفينة نوح حين في البحر قد سما

وضاق فضاء الارض عنا برحبه

لفقد رسول الله إذ قيل قد مضى

فقد نزلت بالمسلمين مصيبة

كصدع الصفالا شعب للصدع في الصفا

فلن يستقل الناس تلك مصيبة

ولن يجبر العظم الذي منهم وهى

وفي كل وقت للصلاة يهيجها

بلال ويدعو باسمه كلما دعا

ويطلب أقوام مواريث هالك

وفينا مواريث النبوة والهدى

وبعد فهذا هو ديوان الإمام ، قد حققناه وشرحناه وراجعناه مراجعة دقيقة. ليخرج في صورة رائعة تليق بمقام الإمام كرم الله وجهه.

وندعو الله أن ينفع به ، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم ، وفقنا الله عز وجل الى مرضاته وحسن مثبوته.

وما توفيقي الا بالله ، عليه توكلت واليه أنيب.

المحقق

د. محمد عبد المنعم خفاجي

٢١
٢٢

الديوان

٢٣
٢٤

ـ ١ ـ

قال الإمام علي كرم الله وجهه في فضل العلم من بحر البسيط :

الناسُ من جِهَة الأباء أكفاءُ

أبوهُم آدمٌ والأُمُّ حوّاءُ

وإنما أمهاتُ الناسِ أوعيةٌ

مستودعات وللأحساب آباءُ

فإن يكن لهمُ من أصلهم شرفٌ

يفاخرونَ به فالطينُ والماءُ

ما الفضلُ إلا لأَهلِ العلمِ إنهُمُ

على الهدى لمن استهدى أدِلاَّءُ

وقيمةُ المرءِ ما قد كان يحسنُهُ

والجاهلون لأهلِ العلم أعداءُ

فَقُمْ بعلمٍ ولا تطلبْ به بدلاً ؟

فالناسُ موتى وأهلُ العلم أحياءُ

ـ ٢ ـ

* * *

وقال الإِمام في الأصدقاء والزمن من البحر الوافر

تغيَّرت المودَّةُ والاخاءُ

وقلَّ الصدقُ وانقطَعَ الرجاءُ

وأسلَمني الزمانُ إلى صديقٍ

كثيرِ الغدرِ ليس لهُ رِعاءُ (١)

ورُبَّ أخٍ وَفيْتُ له بحقٍّ

ولكن لا يَدُومُ له وَفَاءُ

أخلاءٌ إذا استغنيتَ عنهمْ

وأعْداءٌ إذا نَزَلَ البَلاءُ

يُديمُونَ المودَّةَ ما رأوْني

ويبقى الوُدُّ ما بَقِيَ اللِّقاءُ

وإِنْ أُغنِيتُ عن أحدٍ قلاني (٢)

وعاقَبَني بما فيه اكتفاءُ

سيُغْنِيني الذي أغناهُ عني

فلا فقرٌ يدومُ ولا ثراءُ

__________________

(١) أي رعاية للحقوق وأداء للواجبات.

(٢) من القلى ، وهو البغضاء.

٢٥

وكل مودةٍ لله تصفو

ولا يصفُو مع الفسق الإِخاء

وكل جِرَاحَةٍ فَلَها دواء

وَسُوءُ الخُلْقِ ليس له دواءُ

وليسَ بدائمٍ أبداً نعيمٌ

كذَاك البؤسُ ليس له بقاءُ

إذا أنكرت عهداً من حميمٍ

ففي نفسِي التكرمُ والحياءُ

إذا ما رأس أهل البيت ولَّى

بد لهُمُ من الناس الجفاءُ

ـ ٣ ـ

وقال في النساء من بحر الكامل :

دعْ ذكرهُنَّ فها لهن وفاءُ

ريحُ الصبا وعهودُهُنَّ سواءُ

يكسِرْن قلبكَ ثم لا يجبُرْنَه

وقُلوبهنَّ من الوفاء خلاءُ

ـ ٤ ـ

وقال في جمع المال من بحر الوافرِ :

وكم ساع لِيثْريَ لم يَنَلْهُ

وآخرُ ما سعى جَمَعَ الثراءَ (١)

وساعٍ يجمعُ الأموالَ جمْعاً

لِيُورِثَها أعاديهِ شقاءَ

وما سيانِ (٢) ذوخُبْرٍ (٣) بصيرٌ

وآخرُ جاهلٌ ليسا سواءَ

ومن يستعتبِ الحَدَثان (٤) يوماً

يكنْ ذاك العتابُ له عَناءَ

ويُزري بالفَتى الإِعدام (٥) حتى

متى يُصِب المقالَ يُقَلْ أساءَ

__________________

(١) الثراء : الغنى والمال.

(٢) أي ليس سواء.

(٣) ذو خبر بضم الخاء : ذو تجربة.

(٤) الحدثان : أحدث الزمان.

(٥) الاعدام : الفقر.

٢٦

ـ ٥ ـ

وقال في الدنيا من بحر الطويل :

تحرَّزْ من الدنيا فإنَّ فناءَها (١)

محلُّ فَناء لا محلُّ بقاءِ

فَصفْوَتُها ممزوجةٌ بكَدَارَة (٢)

وراحتُها مقرونةٌ بعناءِ

ـ ٦ ـ

وقال في الصمود في مواجهة أحداث الزمان من بحر الخفيف :

هي حالان شدةٌ ورخاءُ

وسِجالانِ نعمةٌ وبَلاءُ

والفتى الحاذق الأديب إذا ما

خانه الدهر لم يَخُنْهُ عزاء

إن ألمَّت ملمةٌ (٣) بي فإنِّي

في الملمَّات صخرةٌ صمَّاءُ

عالمٌ بالبلاءِ عِلْماً بأنْ لي‍

‍س يدومُ النعيمُ أو الرخاءُ

ـ ٧ ـ

وقال في القضاء من بحر الوافر :

إذا عقدَ القضاءُ عليكَ أمراً

فليس يحله إلا القضاءُ

فما لكَ قد أقمتَ بدار ذلٍّ

وأرضُ الله واسعةٌ فَضَاءُ

تبلَّغْ باليسيرِ فكلُّ شيءٍ

من الدنيا يكون له انتهاءُ

__________________

(١) الفناء بكسر الفاء : الساحة أمام البيت ، والفناء يفتح الفاء : الموت والهلاك.

(٢) الكدارة الكدارة والحزن.

(٣) الملمة : حادثات الزمان ومصائبه.

٢٧

ـ ٨ ـ

قال الإمام كرم الله وجهه في رثاء الرسول الأعظم صلوات الله عليه من بحر الطويل :

أمنْ بعدِ تكفينِ النبيِّ ودفْنِهِ

نعيشُ بآلاءِ ونجنحُ للسلوى

رُزئْنا رَسولَ الله حقّاً فلن نَرى

بِذاك عديلاً ما حيينا من الورى

وكنتَ لنا كالحصنِ منْ دونِ أهلهِ

له معقلٌ حِرْزٌ حريزٌ من العدى

وكنَّا بمرآه نرى النورَ والهدى

صباحَ مساءٍ راح فينا أو اغتدى

لقد غشِيْتَنا ظلمةٌ بعدَ موته

نهاراً وقد زادتْ على ظلمة الدجى

فيا خير من ضُمَّ الجوانحَ والحشَا

ويا خير مَيْتٍ ضمَّهُ التُّرْبُ والثرى

كأنَّ أُمورَ الناسِ بعدَكَ ضُمِّنتْ

سفينةَ موجٍ حينَ في البحرِ قد سما

وضاقَ فضاءُ الأرضِ عنَّا بِرحْبهِ

لفقدِ رسول الله إذْ قيلَ قد مضى

فقد نَزَلَت بالمسلمينَ مُصيبةُ

كصدع الصفا(١)لاَشعبَ(٢)للصدْع في الصفا

فلن يستقلَّ الناسُ ما حلَّ فيهمُ

ولن يُجبَرَ العظمُ الذي منهُم وهَيَ (٣)

وفي كل وقتٍ للصلاة يَهيجُها

بلالٌ ويدْعُو باسمه كلَّما دَعا

ويَطلبُ أقوامٌ مواريثَ هالكٍ

وفينا مواريثُ النبوةِ والهُدى

ـ ٩ ـ

وقال الإمام يوم بدر من بحر الطويل :

نَصَرْنا رسول الله لما تدابروا

وثابَ إليه المسلمون ذوو الحِجى

__________________

(١) الصدع : الشق : الصفا : حجارة ملساء قوية.

(٢) الشعب : الالتحام والضم والجمع.

(٣) وهي العظم : ضعف.

٢٨

ضربنا غُوَاةَ الناسِ عنه تكرُّماً

ولمَّا يَروْا قصدَ السبيل ولا الهُدى

ولما أتانَا بالهُدى كان كلُّنا

على طاعةِ الرحمنِ والحقّ والتُّقَى

ـ ١٠ ـ

وقال الإمام في الدنيا من بحر الطويل :

حياتُكَ أَنفاسٌ تُعَدُّ فكلَّما

مضَى نَفَسٌ أنقصتْ به جزءا

ويحييكَ ما يُفنيكَ في كل حالةٍ

ويحدُوك حادٍ (١) ما يريدُ بك الهُزْءا

فتصبحُ في نفْسٍ وتمشي بغيرِها

ومالكَ من عقْلٍ تُحسُّ به رزءا

ـ ١١ ـ

وقال في الحث على العمل وطلب المعاش من بحر الوافرِ :

وما طلبُ المعيشةِ بالتمنيَّ

ولكن ألْقِ دَلوَكَ في الدِّلاءِ (٢)

تجئْكَ بملْئِها يوْماً ويَوْماً

تجئكَ بحمْأَةٍ وقليلِ ماءِ

قافية الباء

ـ ١٢ ـ

قال الإِمام في الخالفة من بحر الطويل :

فان كنت بالشورى ملكتَ أُمورَهُمْ

فكيف بهذا والمشيرون غُيَّبُ

وإن كنتَ بالقرْبَى حججتَ خصيمَهُمْ

فغيرُكَ أولى بالنّبيِّ وأقربُ

__________________

(١) الحادي : السائق. حداه : ساقه.

(٢) الدلاء : جمع دلو.

٢٩

ـ ١٣ ـ

وقال الإمام لما نزل معاوية بصفين من الرجز :

لقد أتاكمْ كاشراً عن نابهِ

ويهمطُ (١) الناس على اغترابهِ

فلْيأتِنا الدهرُ بما أتى بهِ

* * *

وقال الإمام وهو بصفين من بحر الطويل :

ألم ترَ قومي إذ دعاهم أخوهُمُ

أجابوا وإن أغضبْ على القوم يغضَبُوا

هم حفظُوا غيْبي كما كنتُ حافظاً

لقوميَ أُخرى مثلَها إذ تغيَّبُوا

بنوا الحرب لَم تعقدْ بهم أُمهاتُهم

وآباؤهم آباءُ صدقٍ فأنجبوا

ـ ١٤ ـ

وقال الإِمام في حرب صفين وهو يبارز حريث قبل أن يقتله من بحر الرجز :

أنا عليٌّ وابنُ عبد المطلبْ

نحن لعمرُ الله أَولى بالكتبْ

منا النبيُّ المصطفى غير كذِبْ

أهلُ اللواءِ والمقامِ والحجُبْ

نحن نصرناهُ على جلِّ العرب

يا أَيها العبدُ الغريرُ المنتدبْ

أَثبتْ لنا يا أيها الكلب الكِلبْ

ـ ١٥ ـ

وقال الإمام لحريث أيضاً قبل أن يقتله من بحر الرجز :

أَنا الغلامُ العربيُّ المنتسِب

من خير عُودٍ في مُصاص (٢) المطَّلِبْ

يا أَيها العبد اللئيمُ المنتدبْ

ان كنتَ للموت محبّاً فاقتربْ

واثبت رويداً أيها الكلبُ الكِلبْ

أَوْ لا فولِّ هارباً ثم انقلبْ

__________________

(١) يهمط الناس : ظلمهم حقهم.

(٢) المصاص بضم الميم خالص كل شيء.

٣٠

ـ ١٦ ـ

وقال الإمام من بحر الطويل :

لعُمركَ ما الإِنسانُ إلا بدينه

فلا تترك التقوى اتكالاً على النسبْ

فقد رَفَع الإسلامُ سلمانَ فارسٍ

وقد وضع الشركُ الشريفَ أَبا لهبْ

ـ ١٧ ـ

وقال الإمام في الفرج بعد الشدة من بحر الوافر :

إذا اشْتَمَلتْ على اليأسِ القلوبُ

وضاقَ لما به الصدرُ الرحيبُ

وأوطنَتِ المكارهُ واستقرَّتْ

وأَرسَتْ في أمكانها الخطوب

ولم ترَ لانكشاف الضُّرِّ وجْهاً

ولا أَغْنى بحيلتهِ الأريبُ

أَتاكَ على قُنوطٍ منك غوْثٌ

يمُنُّ به اللطيفُ المستجيبُ

وكل الحادثاتِ إذا تناهتْ

فموصولٌ بها فَرَجٌ قريبُ

ـ ١٨ ـ

وقال الإِمام من بحر البسيط :

إنِي أَقولُ لنفسي وَهي ضيقةٌ

وقَد أَناخَ عليه الدهر بالعجب

صبراً على شدَّة الأيام إنَّ لها

عُقبى وما الصبر إلا عند ذي الحسب

سيفتح الله عن قربٍ بنافعةٍ

فيما لمثلِكَ راحاتٌ من التعب

٣١

ـ ١٩ ـ

وبعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان علي بن أبي طالب يغدو ويروح الى قبر نبي الله بعد وفاته ويبكي تفجعاً ثم يقول : يا رسول الله ما أحسن الصبر إلا عنك وأقبح البكاء إلا عليك ثم قال من الكامل :

ما غاض دمعي عند نازلةٍ

إلا جعلتك للبكا سببا

وإذا ذكرتُكَ ميِّتاً سَفَحَتْ

عيني الدموعَ فَفَاضَ وانسكبا

إني أجَلَ ثري حللت بِهِ

عن أَن أَرى لسواهُ منقلبا (١)

ـ ٢٠ ـ

ولما قتل الإمامُ عمرو بن عبد ود وانكشف تنحى عنه وقال من بحر الكامل :

عبَدَ الحجارَةَ مِن سفاهةِ رأيه

وعبدتُ ربَّ محمدٍ بصوابِ

فصدَدْتُ حيت تركتُهُ متجدِّلاً

كالجِذْع بين دكادك (٢) وروابي

وعففت عن أثوابه ولو انني

كنتُ المقطر (٣) بَزَّني (٤) اثوابي

لا تحسَبنَّ الله خاذلَ دينهِ

ونبيه يا معشرَ الأحزاب

أعليَّ تقتحم الفوارسُ هكذا

عنِّي وعنهم خبِّروا أَصحابي

فاليوم تمنعُني الفرارَ حفيظَتي

ومصمَّمٌ في الرأسِ ليسَ بنابي

أدَّى عميرٌ حين أخلصَ صَقْلَهُ

صافيِ الحديدةِ يستفيضُ ثوابي

فغدوتُ ألتمس القراعَ (٥) بمرهَف

عَضْبٍ مع البتراءِ في أقرابِ

آلى (٦) ابنُ عبدِ حين جاءَ محارباً

وحلفتُ فاستمِعُوا من الكذَّابِ

__________________

(١) متقلبا. أي مقراً وقبراً.

(٢) الدكادك : الصخور.

(٣) المقطر : الملقي على القَطْر اي الجانب.

(٤) بزني : سلبني.

(٥) القراع : المقارعة والنزال.

(٦) آلى : حلف.

٣٢

ان لا يفِر ولا يهلِّلُ فالتَقَى

رجلان يلتقيانِ كلَّ ضِرَابِ

وغدوتُ ألتمس القِراعَ وصارمي (١)

عضب كلون المِلْحَ ليس بكابي

عرفَ ابنُ عبدٍ حينَ أَبصر صارماً

يهتزُّ أَنَّ الأمرِ غيرُ لِعابِ

ـ ٢١ ـ

وقال الإمام حين بدت له عورة عمرو بن العاص لما برز اليه يوم صفين فصرف وجهه عنه من بحرِ الرجز :

ضربٌ ثَنى الأبطال في المشاعبِ

ضرْبَ الغلامِ البَطلِ المَلاعِبِ

أين الضرابُ في العجاج (٢) الثائبِ

حين احمرارِ الحدَقِ الثواقبِ

بالسيفِ في نهنهةِ الكتائبِ

والصبرُ فيه الحمد للعواقبِ

ـ ٢٢ ـ

وقال الإمام من مخلعَ البسيط :

فرضٌ على الناسِ أن يَتُوبُوا

لكنَّ تركَ الذنوبِ أَوجبْ

والدهرُ في صَرْفِهِ عجيبُ

وغفلةُ الناسِ فيهِ أَعجَبْ

والصبرُ في النائِبات صعبٌ

لكنَّ فوت الثوابِ أَصعبْ

وكلُّ ما يُرتَجَى قريب

والموت من كل ذاك أَقربْ

ـ ٢٣ ـ

وقال الإمام في يوم أحد حي خرج طلحة العبدري صحب لواءِ قريش وهو المسمى كبش الكتيبة ونادى إنكم تزعمون ان الله يعجلنا بسيوفكم إلى

__________________

(١) الصارم : السيف القاطع.

(٢) العجاج : الغبار.

٣٣

النار ويعجلكم بسوفنا الى الجنة فهل منكم من يبارزني ، فخرج إليه علي وهو يقول : من بحر الرجز :

انا ابن الحَوْضيْن (١) عبدِ المطلبْ

وهاشمِ المُطْعِمِ في العام السَّغب (٢)

أُوفي بميعادي وأَحمي عن حَسبْ

ـ ٢٤ ـ

وقال الإمام في أبي لهب من بحر الطويل

أَبا لهبٍ تبتْ يداك أبا لهبْ

وتبَّت (٣) يدها تلكَ حمالةُ الحطَبْ

خذلْتَ نبيّاً خيرَ من وطِئَ الحصَى

فكنتَ كمن باعَ السلامةَ بالعطَبْ (٤)

وخِفْتَ أَبا جهلٍ فأصبحتَ تابعاً

له ، وكذلك الرأسُ يتبعُهُ الذَّنَبْ

فأصبحَ ذاك الأمرُ عاراً يَهيلُهُ

عليك حجيجُ البيت في موسم العربْ

ولو كان من بعض الأعادي محمدٌ

لحاميتَ عنهُ بالرماحِ وبالقُضُبْ (٥)

ولم يسلموه أَو يُصَرَّعَ حولَهُ

رجالُ بلاءٍ بالحروبِ ذوو حَسَبْ

ـ ٢٥ ـ

وقال الإِمام في الوفاء بين الناسِ من بحر الكامل :

ذهبَ ذهابِ الوفاءُ أَمسِ الذاهب

فالناسُ بينَ مُخاتل (٦) ومُوارٍ (٧)

يُفشُون بينهم المودَّةَ والصَّفا

وقلوبُه محشوَّةٌ بعقارِبِ

__________________

(١) هما حوضا زمزم.

(٢) أي الشديد السّغب وهو الجوع.

(٣) التباب : الخسران والهلاك.

(٤) العطب : الفساد والهلاك.

(٥) جمع قضيبِ وهو السيف.

(٦) أي مخادع.

(٧) أي منافق.

٣٤

ـ ٢٦ـ

وقال الإمام مخاطباً ولده الحسن رضي‌الله‌عنه وذلك من بحر الطويل :

تردَّ رداءَ الصبرِ عند النوائبِ

تَنَلْ من جميلِ الصبر حُسْنَ العواقبِ

وكُنْ صاحباً للحلم في كل مشهدٍ

فما الحلمُ إلاَّ خيرُ خِدْنٍ (١) وصاحبِ

وكُنْ حافظاً عهد الصديق وراعياً

تذق من كمال الحفظ صَفْو المَشَاربِ

وكُنْ شاكراً لله في كلِّ نعمةٍ

يُثِبْك على النعمى جزيلَ المواهبِ

وما المرء إلا حيث يجعلُ نفْسَهُ

فكن طالباً في الناس أَعلى المراتبِ

وكُنْ طالباً للرزق من باب حِلَّةٍ

يُضاعَفْ عليك الرزق من كل جانب

وصُن منك ماءَ الوجه لا تبذِلنَّهُ

ولا تسأل الأرذال (٢) فضل الرغائب

وكن موجباً حَقَّ الصديق إذا أتى

اليك ببِرٍّ صادقٍ منك واجبِ

وكُنْ حافظاً للوالدين وناصراً

لجاركَ ذي التقوى وأهْلِ التقارُبِ

ـ ٢٧ ـ

وقال الإِمام في الدهر من بحر البسيط :

الدهرُ يخنق أحياناً قلادتَهُ

عليك لا تضطرب فيه ولا تَثِبِ

حتى يفرِّجها في حال مدَّتها

فقد يزيدُ اختناقاً كلَّ مضطرب

فليرجعنَّ إليك رزقُك كلَّه

لو كان أبعد من مقام الكوكب

ـ ٢٨ ـ

وقال الإمام في عزة النفس من بحر الكامل :

لا تطلُبنَّ معيشةً بمذلةٍ

واربأ بنفسك عن دنيِّ المطلَب

واذا افتقرتَ فداوِ فقرَك بالغنى

عن كل ذي دنِسٍ كجِلْدِ الأجرب

__________________

(١) الخدن : الصاحب.

(٢) الأرذال : هم رعاع القوم وغوغاؤهم.

٣٥

ـ ٢٩ ـ

وقال الإِمام في الصبر من بحر الطويل :

فإن تسأَلنِّي كيف أنتَ فإنني

صبورٌ على ريب الزمان صعيِبُ

حريصٌ على أن لا يُرى بي كآبةٌ

فيشمتَ عادٍ أو يُساءَ حبيبُ

ـ ٣٠ ـ

وقال الإمام في المال من الطويل :

يُغطِّي عيوبَ المرء كثرةُ ماله

يُصدَّقُ فيما قاله وهو كذوبُ

ويُزرِي بعقل المرءِ قِلةُ ماله

يحمِّقهُ الأقوام وهو لبيب

ـ ٣١ ـ

وقال الإمام والفقر من بحر الكامل :

غالبت كل شديدة فغلبتها

والفقر غالبني فأصبح غالبي

إن أُبْدِهِ يصفَحْ وإِن لم أُبْدِهِ

يَقْتُل فقُبّح وجهُه من صاحب

ـ ٣٢ ـ

وقال الإمام في العقل من الطويل :

فلو كانت الدنيا تُنالُ بفطنة

وفضلٍ وعقلٍ نلتُ أعلى المراتبِ

ولكنما الأرزاقُ حظ وقسمةٌ

بفضل مليكٍ لا بحيلة طالب

ـ ٣٣ ـ

وينسب إلى الإِمام في العقل أيضاً من بحر الطويل :

وأفضلُ قَسْم الله للمرءِ عقلُه

فليس من الخيراتِ شيءٌ يقاربُهْ

إذا أكملَ الرحمنُ للمرءِ عقلَهُ

فقد كمُلَتْ أخلاقُه ومآربُهْ

٣٦

يعيش الفتى في الناس بالعقل إِنه

على العقل يَجْري علمُه وتجاربه

يزينُ الفتى في الناس صحَّةُ عقْله

وإن كان محظوراً عليه مكاسبُه

يشينُ الفتى في الناسِ قلةُ عقله

وإن كرُمتْ أعراقُه ومناصبهْ

ومن كان غلاباً بعقلٍ ونجدةٍ

فذو الجدِّ في أمر المعيشة غالبُهُ

ـ ٣٤ ـ

وقال الإمام في العقل والحسب من بحر البسيط :

ليس البليَّةُ في أيَّامِنا عجباً

بل السلامةُ فيها أعجب العجبِ

ليس الجمال بأثواب تزيِّنُنَا

إن الجمالَ جمالُ العقلِ والأدبِ

ليس اليتيم الذي قد مات والده

إن اليتيمَ يتيمُ العلمِ والأدبِ

ـ ٣٥ ـ

وقال الإمام في الحسب من المنسرح :

كن ابن من شئت واكتسب أدباً

يغنيك محموده عن النسب

فليس يُغْنِي الحسيبَ نسبتهُ

بلا لسانٍ له ولا أدبِ

إن الفتى من يقول ها أَنا ذا

ليس الفتى من يقول : كان أبي

ـ ٣٦ ـ

وقال الإمام في الحسب أيضاً من الرمل :

أيها الفاجر جهلاً بالنسبْ

إنما الناس لأمِّ ولأبْ

هل تراهم خلقوا من فضة

أَم حديد أَم نحاس أم ذهبْ

بل تراهم خلقوا من طينةٍ

هل سوى لحمٍ وعظم وعَصَبْ

إنما الفخر لعقلٍ ثابتٍ

وحياءٍ وعفافٍ وأَدبْ

٣٧

ـ ٣٧ ـ

وقال الإِمام من بحر البسيط :

إني أَقول لنفسي وهي ضيقةٌ

وقد أناخ عليها الدهر بالعجبِ

صبراً على شدة الأيام أنَّ لها

عُقبى وما الصبر إلا عند ذي الحسبِ

سيفتح الله عن قُرْبٍ بنافعةٍ

فيها لمثلكَ راحاتٌ من التعبِ

ـ ٣٨ ـ

وقال الإمام في فضل السكوت من المنسرح :

أَدبت نفسي فما وجدت لها

بغير تقوى الإله من أدبِِ

في كل حالاتها وإن قَصُرتْ

أَفضَل من صمتها على الكُرَبِِ

وغيبةُ الناس إنَّ غَيْبتَهم

حرَّمها ذو الجلال في الكُتُبِِ

إن كان من فضة كلامك يا نف‍

‍س فإن السكوت من ذهبِِ (١)

ـ ٣٩ ـ

وقال الإمام لبنيه : يا بني إياك ومعاداة الرجال فإنهم لا يخلون من ضربين : عاقل يمكر بكم ، أو جاهل يعجل عليكم ، والكلام أنثى والجواب ذكر ، فإذا اجتمع الزوجان فلا بد من النتاج ثم قال من بحر الوافر :

سليم العِرْضِ مَنْ حَذِرَ الجوابا

ومن دارى الرجالَ فقد أَصابا

ومن هابَ الرجالَ تهيَّبُوه

ومن يُهِنِ الرجالَ فلن يُهابا

ـ ٤٠ ـ

وقال الإِمام من الوافر :

وذي سفهٍ يواجهني بجهلٍ

وأكره أَن أَكون له مجيبا

يزيد سفاهةً وأزيد حلماً

كعُودٍ زاد بالإِحراق طيبا

__________________

(١) وفي معناه الحمة المأثورة : إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب.

٣٨

ـ ٤١ ـ

وقال الإمام في الحكمة من مجزوء بحر الكامل :

البس أَخاك على عيوبهْ

واستر وغطِّ على ذنوبهْ

واصبرْ على ظلْمِ السفيهِ

وللزمانِ على خطوبهْ

ودعِ الجوابَ تفضُّلاً

وكِلِ الظَّلومَ إلى حسيبهْ

ـ ٤٢ ـ

وينسب إلى الإمام وهو من بحر البسيط :

وذي سفهٍ يواجهني بجهلٍ

وأكره أَن أَكون له مجيبا

يزيد سفاهةً وأزيد حلماً

كعُودٍ زاد بالإِحراق طيبا

ـ ٤٣ ـ

وقال الإمام من الطويل :

إذا رمتَ ان تُعْلَى فزر متوتراً

وإن شئت ان تزداد حباً فزر غِباً

منادمة الانسان تحسُنُ مرَّةً

وان أكثرُوا إدمانها أفسدوا الحبا

ـ ٤٤ ـ

وقال الإِمام في فرقة الشباب والأحباب :

شيئان لو بكت الدماء عليهما

عينايَ حتى تأذنا بذهابِ

لم تبلغ المعشار من حقَّيْهما

فَقْد الشباب وفرقة الأحباب

__________________

(١) الغب في الزيارة يوم ويوم وفي المثل : زر غبَا تزود حبا.

٣٩

ـ ٤٥ ـ

وقال الإِمام في الدهر من بحر الطويل :

وما الدهر والأيام إِلا كما ترى

رزيَّةُ مالٍ أو فِراقُ حبيبِ

وإنَّ امرءاً قد جرَّب الدهرَ لم يخفْ

تقلُّبَ حاليْه لغيرِ لبيبِ

ـ ٤٦ ـ

ووقف الإمام على قبر فاطمة الزهراء بعد دفنها وقال من بحر الكامل :

ما لي وقفتُ على القبورِ مسلِّماً

قبرَ الحبيب فلم يردَّ جوابي

أحبيبُ مالك لا تردُّ جوابَنا

أنَسيتَ بعدي خُلَّةَ الأحباب

قال الحبيبُ وكيفَ لي بجوابكمْ

وأنا رهينُ جنادلٍ وترابِ

أكل الترابُ محاسني فنسيتُكم

وحُجبتُ عن أهلي وعن أترابي

فعليكُم مني السلام تقطَّعت

مني ومنكم خُلَّةُ الأحباب

ـ ٤٧ ـ

وقال الإمام يخاطب الوليد بن المغيرة من بحر المتقارب :

يهددني بالعظيمِ الوليدُ

فقل : أنا ابن أبي طالبِ

أنا ابن المبجَّل بالأبطَحيْنِ

وبالبيت من سلفَيْ غالبِ

فلا تحسبنِّي أخَاف الوليد

ولا أنني منه بالهائب

فيا ابن المغيرة إنِّي امرء

سَمُوحُ الأنامل بالقاضب (١)

طويل اللسان على الشائنينَ

قصيرُ اللِّسانِ على الصاحبِ

__________________

(١) القاضب : السيف القاطع.

٤٠