ديوان الإمام علي

المؤلف:


المحقق: الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي
الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار ابن زيدون
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٦٠

قافية الغين

ـ ٢٠٩ ـ

وينسب اليه من بحر الطويل :

أرى المرء والدنيا كمال وحاسب

يضُمُّ علَيه الكفَّ والكف فارغُ

قافية الفاء

ـ ٢١٠ ـ

وينسب اليه انه قال من بحر المتقارب :

عَرَفتُ ومن يعتدل يَعرِف

وأيقنتُ حقاً فلم أصدِفِ

عن الحكَم الصدْقِ آياتُها

من الله ذي الرأفة الأرأَفِ

رسائلُ تدْرَسَ في المؤمنين

بهنَّ اصطفَى أَحمدُ المصطفى

فأصبح أحمدَ فينا عزيزاً

عزيز المقامةِ والموقفِ

فيا أيها الموعِدوهُ سِفَاهاً

ولم يأت جَوْراً ولم يَعْنُفِ

الستم تخافون أَمر العذاب ؟

وما آمن الله كالأخوف

وان تصْرَعُوا تحت أَسيافنا

كمصرع كعب أبي الأشرفِ

غداة تَرَاءى لطُغْيانِه

وأعرض كالجمل الأجنفِ (١)

فانزل جبريلَ في قتلهِ

بوحي الى عبدِه المُلْطفِ

فدس الرسول رسولا له

بأبيض ذي ظُبَةٍ مرهف

فباتت عيون له مُعْولاتٌ

متى يُنعَ كعبُ لها تذرف

__________________

(١) الاحنف الذي يقلب خف يده في السير إلى جانبه الأيمن.

١٠١

فقالوا لأحمدَ ذرْنا قليلاً

فانا من النوح لم نشتَف

فأجلاهم ثم قال اظعنوا

فتوحاً على رغمةِ الأنفِ

وأجلى النضيرَ الى غربة

وكانوا بدارةِ ذي زخرفِ

إلى أذرعاتَ رادفاً هم

على كل ذي دبر عجفِ

ـ ٢١١ ـ

وكان اذا أشرف على الكوفة قال من بحر الرجز :

يا حبذا مقامنا بالكوفةْ

أرضٌ سواءٌ سهلةٌ معروفةْ

تطرقها جمالُنا المعلوفةْ

عمى صباحاً واسلمي مألوفةْ

ـ ٢١٢ ـ

وينسب اليه من بحر المتقارب :

ألا صاحب الذنب لا تقنطنْ

فانَّ الالهَ رؤوف رؤوف

ولا ترحلنَّ بلا عدةٍ

فانَّ الطريق مخوف مخوف

ـ ٢١٣ ـ

وينسب اليه من بحر الطويل

جزى الله عنا الموت خيراً فانه

أبرُّ بنا من كل شيء وأرأَف

يعجِّل تخليصَ النفوس من الأذى

ويدني من الدار التي هي أشرف

١٠٢

ـ ٢١٤ ـ

وينسب اليه من بحر المنسرح :

ما لي على فوت فائت أسفُ

ولا تراني عليه ألتهف

ما قدَّر الله لي فليس له

عن إلى سواي منصرف

فالحمد لله لا شريك له

ما لي قوت وهمي الشرفُ

أنا راض بالعسر واليسار فما

بدحاني ذلة ولا صلفُ

ـ ٢١٤ ـ

وينسب اليه من بحر البسيط :

لا تبخلن بدنيا وهي مقبلة

فلن ينقصها التبذير والسرف

وان تولَّت فأحرى أن تجودَ بها

فالجود فيها إذا ما أَدبرتْ خلَف

قافية القاف

ـ ٢١٥ ـ

وقال الإمام من بحر السريع

اغْنَ عن المخلوق بالخالقِ

واغْنَ عن الكاذب بالصادق

واسترزِق الرحمنَ من فضله

فليس غير الله من رازقِ

١٠٣

من ظنَّ أن الرزقَ في كفِّه

فليس بالرحمن بالواثق

أو ظنَّ أنَّ الناس يغنونه

زلَّت به النعلان من حالق (١)

ـ ٢١٦ ـ

وقال الامام من بحر المتقارب

رضيت بما قسم الله لي

وفوَّضت أمري الى خالقي

كما أحسن الله فيما مضى

كذلك يُحسنُ فيما بقى

ـ ٢١٧ ـ

وينسب اليه من بحر الوافر :

أرى الدنيا ستؤذن بانطلاق

مشمِّرةً على قدم وساق

فلا الدنيا بباقيةٍ لحيٍّ

ولا حيٌّ على الدنيا بباق

ـ ٢١٨ ـ

وقال من بحر السريع :

أفٍّ على الدنيا وأسبابها

فانها للحزن مخلوقةْ

همومها ما تنقضي ساعة

عن ملك فيها وعن سوقة

__________________

(١) من الأعلى.

١٠٤

ـ ٢١٩ ـ

وقال الامام من بحر الرجز :

دونكها مترعة دهاقا

كأساً فارغاً (١) مزجت زعاقاً (٢)

انّا لقومُ ما نرى ما لاقي

أقدَّ هاماً وأقط ساقا

ـ ٢٢٠ ـ

وينسب اليه كرم الله وجهه بحر الرجز :

ما تركتْ بدرٌ لنا صديقاً

ولا لنا من خلفنا طريقا

ـ ٢٢١ ـ

أتاه رجل فقال أريد أن أبني مسجداً فقال : من حلالك ؟ فسكت ، ثم انه مضى فبنى مسجداً فقال من بحر الطويل :

سمعتُك تبني مسجداً من خيانةٍ

وأنت بحمد الله غيرُ موفَّق

كمطعمة الزهَّادِ من كدِّ فرجِها

لها الويل لا تزني ولا تتصدَّقُ

__________________

(١) كأس دهاق ككتاب ممتلئة.

(٢) سم زعاف كغراب بالزاي والعين المهملة والفاء أي قاتل ومثله ذعاف بالذال المعجمة.

(٣) الزعاق كغراب بالزي والعين المهملة.

١٠٥

ـ ٢٢٢ ـ

وينسب اليه من بحر الكامل :

لو كان بالحِيلِ الغنى لوجدتُني

بنجوم أقطار السماء تعلُّقي

لكن مَنْ رزق الغنى حُرِمَ الحجى

ضدَّان مُفترقان أَي تفرُّقِ

ـ ٢٢٣ ـ

وينسب اليه من بحر الوافر

أرى حرباً مغَيَّبة وسِلْما

وعهداً ليس بالعهد الوثيق

أرى أمراً تُنقَّضُ عروتاه

وحبلاً ليس بالحبل الوثيق

ـ ٢٢٤ ـ

وينسب اليه من بحر المتقارب

تغربتُ أَسأَلُ من عنَّ لي

من الناس هل من صديق صدوق

فقالوا عزيزان لا يوجدان

صديق صدوق وبيض الأنوق

١٠٦

قافية الكاف

ـ ٢٢٥ ـ

روي أن علياً لما هاجر المدينة ومعه الفواطم جعل أبو واقد الليثيّ يسوق بالرواحل سوقاً عنيفاً فقال له : ارفق بالنسوة فإنهن من الضعايف قال أخاف أن يدركنا الطلب فقال : أرجع عليك وجعل يسوق بهن سوقاً رفيقاً وهو يقول من بحر الرجز :

لا شيء إلا اللهَ فارفع ظنكَا

يكفيك ربُّ الناس ما أهمَّكا

ـ ٢٢٦ ـ

وحمل يوم بدر وزعزع الكتيبة وهو يقول من بحر الرجز :

لن يأكل التمر بظهر مكة

من بعدها حتى تكون البركة

ـ ٢٢٧ ـ

وينسب اليه انه قال في الليلة التي ضرب فيها :

اشدُد حيازيمك للموت

فانَّ الموت لاقيكا

ولا تجزعْ من الموت

اذا حلَّ بواديكا

فانَّ الدرع والبيضَ

‍ة يوم الرَّوْعِ يكفيكا

كما أضحكك الدهرُ

كذاك الدهرَ يبكيكا

فقد أَعرف أَقواماً

وإن كانوا صعاليكا

مساريعٌ الى النجد

‍ة للغيِّ متاريكا

ـ ٢٢٨ ـ

وقال من بحر الرمل المجزوء :

أيها الكاتب ما تك‍

‍تب مكتوب عليك

فاجعل المكتوب خيرا

فهو مردود إليك

١٠٧

ـ ٢٢٩ ـ

وينسب إليه من بحر الكامل المجزوء :

قومي إذا اشتبك القنا

جعلوا الصدور لها مسالكْ

اللابسون دروعتهم

فوق الصدور لأَجْل ذلكْ

ـ ٢٣٠ ـ

وينسب اليه من بحر المنسرح :

من لم يكن جده مساعده

فحتفه أَن يجد في الحركة

فقل لمن حاله موليَّة

لا تعرضنَّ بالحراك للهلكة

ـ ٢٣١ ـ

وينسب إليه :

إليك ربي لا الى سواكا

أقبلت عمداً أبتغي رضاكا

أسأَلُكَ اليوم بما دعاكا

أيوب اذا حلَّ به بلاكا

أنْ يكُ منى قد دنا قضاكا

ربِّ فبارك لي في لقاكا

ـ ٢٣٢ ـ

وينسب اليه من بحر البسيط :

العجزُ عن دَركِ الإِدراك ادراك

والبحث عن سرِّ ذات السر إشراك

في سرائر همّات الورى همَمٌ

عن دركِها عجزت جن وأملاك

١٠٨

قافية اللام

ـ ٢٣٣ ـ

روي ان الامام أمر يوم صفين رجلا من أصحابه يقال له عبد العزيز بن الحارث أن يذهب إلى جماعة من أصحابه اقتطعهم أهل الشام ويبلغهم رسالة أمير المؤمنين فأجاب أمره فقال من بحر الطويل :

سمحت بأمر لا يطاق حفيظة

وصدقاً وإخوان الحفاظ قليلُ

جزاك إله الناس خيراً فقد وفتْ

يداكَ بفضل ما هناك جزيلُ

ـ ٢٣٤ ـ

وروي أن معاوية لما بلغه مسير علي الى صفين قال من الرجز :

لا تحسبني يا علي غافلاً

لأوردنَّ الكوفة القنابلا

بجمعي العامَ وجمعي قابلاً

فكتب امير المؤمنين كرم الله وجهه إلى معاوية من الرجز أيضا :

أصبحت مني يا ابن حربِ جاهلاً

إن لم نرامِ منكم الكواهلا

بالحقِّ والحقُّ يزيلُ الباطلا

هذا لك العامَ وعامٌ قابلا

ـ ٢٣٥ ـ

ولما صدر الإمام من صفين أنشأ يقول من بحر الطويل :

وكم قد تركنا في دمشق وأهلها

من أشمط موتور وسمطاء ثاكل

١٠٩

وغانية صادَ الرماح حليلَها (١)

فأضحت تُعَدُّ اليوم بعض الأرامل

وتبكي على بعل لها راح غادياً

وليس الى يوم الحساب بقافل

وإنّا أناس لا تصيبُ رماحُنا

اذا ما طعنّا القومَ غيرَ المقاتل

ـ ٢٣٦ ـ

وقال رضي‌الله‌عنه من بحر الوافر :

رضينا قسمة الجبار فينا

لنا عِلْمٌ وللجُهَّال مالُ

فانَّ المال يفني عن قريب

وانَّ العلم باقٍ لا يَزَالُ

ـ ٢٣٧ ـ

وقال عمرو بن العاص في بعض أيام صفين من بحر الرجز :

شدوا على شكَّتي (٢) لا تنكشفْ

بعد طليحٍ والزبيرِ فالتلفْ

ويوم همدانٍ ويوم للصدف (٣)

وفي تميم نخوةٌ لا تنحرفْ

أضرَّ بها بالسيف حتى تنصرفْ

إِذا مشيتُ مشيةَ العَوْدِ (٤) الصَّلِفْ

ومثلُها لحمَيرٍ أو تنحرفْ

والربعيُونَ لهم يوم عَصِفْ

فاعترضه علي وهو يقول من الرجز أيضا :

قد علمتْ ذا القرونِ الميلِ

والخصْرِ والاناملِ الطُّفُول (٥)

أنِّي بنصل السيف خنشليل (٦)

أحمي وأرمي أول الرعيلِ

بضارم (٧) ليس بذي فُلول

__________________

(١) الحليل : الزوج.

(٢) الشكة بالضم السلاح.

(٣) بطن من كندة.

(٤) العود : البعير المسن.

(٥) الطفول الناعمة ، وهذا البيت مع شطر ثلاث قاله بعض التوابين.

(٦) الخنشليل : الماضي. الرعيل : جماعة الجيش.

(٧) الصارم : السيف القاطع.

١١٠

ـ ٢٣٨ ـ

وروي أنه لما أراد الهجرة إلى المدينة قال له العباس إن محمداً ما خرج إلا خفية وقد طلبته قريش أشد طلب وأنت تخرج جهاراً في أثاث وهوادج ومال ورجال ونساء تقطع بهم السباسب والشعاب بين قبائل قريش ما أدري لك ذلك وأرى لك أن تمضي في خفارة خزاعة فقال علي من بحر الكامل :

إنَّ المنيَّة شربةٌ مورودةٌ

لا تجزعنَّ وشُدَّ للترحيلِ

إنَّ ابن آمنةَ النبيَّ محمداً

رجلٌ صدوقٌ قال عن جبريلِ

ارخِ الزمانَ ولا تخفْ من عائقٍ

فالله يرديهمْ عن التنكيلِ

إني بربِّي واثقٌ وبأحمدٍ

وسبيلُه متلاحقٌ بسبيلي

ـ ٢٣٩ ـ

ولما قتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب حيي بن أخطب قال لمن جاء به ما كان يقول حيي وهو يقاد الى الموت ؟ قالوا كان يقول من بحر الطويل :

لعمركَ ما لامَ ابن أخطبَ نفسَهُ

ولكنَّه من يخذلِ الله يُخذلِ

جاهد حتى بلغ النفس جهدها

وحاول يبغي العز كل مقلقل

فقال أمير المؤمنين رضي‌الله‌عنه من بحر الطويل :

لقد كان ذا جِدٍّ وجدِّ بكفرهِ

فقد اليناء في مجامع يَعْتَلِ

فقلدته بالسيف ضربةَ محْفَظ

فسار الى قعر الجحيمِ يكبل

فداكَ مآبُ الكافرين ومن يُطعْ

لأمرِ إله الخلقِ في الخُلْدِ ينزل

١١١

وقد برز طلحة بن أبي طلحة البدري من بني عبد الدار يوم أحدُ ونادى يا محمد تزعمون أنكم تجهزوننا بأسيافكم الى النار ونجهزكم بأسيافنا الى الجنة فمن شاء أن يلحق بجنته فليبرز إلي فبرز اليه أمير المؤمنين وهو يقول من الرجز :

يا طلحَ إن كنتَ كما تقولُ

لكم خيولٌ ولنا نُصولُ (١)

فاثبُتْ لننظر أينا المقتولُ

وأيُّنا أَولى بما تقولُ

فقد أتاكَ الأسد الصَّؤولُ

بصارم ليس له فُلُول

ينصره القاهر والرسولُ

ـ ٢٤١ ـ

ومن شعره بعد موت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من بحر الرجز المجزوء :

غرَّ جهولٌ أملُهُ

يموتُ من جَا أَجلُهْ

ومن دَنَا من حتفِه

لم تغن عنه حَيلُهْ

وما بقاءُ آخرٍ

قد غابَ عنه أوَّلُهْ

فالمرء لا يصحبُه

في القبر إلا عَمَلُهْ

ـ ٢٤٢ ـ

وقال في بئر ذات العلم في خبر سبق ذكره من بحر الرجز :

أعوذ بالرحمنِ أَن أَميلا

من عزفِ جن أَظهرُوا تهويلا

وأوقَدتْ نيرانَها تغويلا

وقرَّعتْ مع عزفها الطُّبولا

__________________

(١) جمع نصل ، وهو السيف.

١١٢

ـ ٢٤٣ ـ

وقال من بحر الطويل :

إذا ما عرى خطبٌ من الدهر فاصطبر

فانَّ الليالي بالخطوب حوامل

وكلُّ الذي يأتي به الدهرُ زائلٌ

سريعاً فلا تجزعْ لما هو زائلُ

ـ ٢٤٤ ـ

وقال في شكوى الزمان وقيل انه في رثاء الزهراء رضي الله عنهما :

أرى علَل الدنيا عليَّ كثيرةً

وصاحبُها حتى المماتِ عليلُ

لكل اجتماع من خليلين فرقةٌ

وكلُّ الذي دون الممات قليلُ

وانَّ افتقادي واحداً بعدَ واحدٍ

دليلٌ على أن لا يدومَ خليلُ

ـ ٢٤٥ ـ

وينسب اليه بعضهم هذه الابيات من بحر الوافر :

ألا فاصْبر على الحدَث الجليلِ

وداو جواكَ بالصبر الجميلِ

ولا تجزع وان أعسرتَ يوماً

فقد أيسرت في الزمن الطويلِ

ولا تيأسْ فانَّ اليأسَ كفرٌ

لعلَّ الله يُغني من قليلِ

ولا تظنُن بربك غيرَ خَيْرٍ

فانَّ الله أولى بالجميلِ

وإنَّ العُسرَ يتبعُه يسارٌ

وقولُ اللهِ أصدقُ كلِّ قيلِ

فلو أَن العقولَ تجرُّ رزقاً

لكان الرزقُ عند ذوي العقولِ

وكم من مؤمنٍ قد جاعَ يوماً

سيرْوي من رحيقٍ سلسبيلِ

١١٣

ـ ٢٤٦ ـ

لما آخى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين الصحابة وترك علياً قال له في ذلك فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم إنما أخترتك لنفسي أنت أخي وأنا أخوك في الدنيا والآخرة فبكى علي عند ذلك وقال من بحر الطويل :

أَقيكَ بنفسي أيها المصطفى الذي

هدانا به الرحمنُ من غُمةِ الجهلِ

وأفديكَ حَوْبائي (١) وما قَدْر مُهجتي

لمن أنتمي فيه الى الفزع والأَصلِ

ومن ضمَّني مذ كنتُ طفلاً ويافعاً

وأنعشني بالعَلِّ منه وبالنَّهْلِ

ومَنْ جده جَدِّي ومن عَمه أبي

ومن نجلُه نجلي ومن بنتُه أهلي

ومن حين آخى بين من كانَ حاضراً

هنالك آخاني وبيَّنَ مِنْ فضلي

لك الفضل إنِّي ما حييتُ لشاكرٌ

لإِتمام ما أوليتَ يا خاتمَ الرسلِ

ـ ٢٤٧ ـ

وقال الإِمام من بحر الطويل :

ألم ترَ أن الله أبلى رسوله

بلاء عزيز ذي اقتدارٍ وذي فضلِ

بما أنزل الكفارَ دار مذلة

فذاقُوا هواناً من إسار ومن قَتْلِ

وأمسَى رسولُ الله قد عَزّ نصرُهُ

وكان رسولُ الله أُرْسِلَ بالعدل

فجاء بفرقان من الله مُنزلٍ

مُبينةٍ آياتُه لذوي العقلِ

فآمنَ أقوام بذاكَ وأيقنوا

وأمسَوْا بحمد الله مجتمعي الشَّمْلِ

وأنكَر أقوامُ فزاغتْ قلوبُهم

فزادهُم في العرش خبْلاً على خَبْلِ

وامكن منهم يوم بدر رسولُه

وقوماً غضاباً فعلُهم أحسن الفعلِ

__________________

(١) الحوياء : النفس.

١١٤

بأيديهمُ بيضٌ (١) خفافٌ قواطعٌ

وقد حادثوها بالجلاء وبالصَّقلِ

فكم تركوا من ناشئ ذو حميَّة

صريعاً ومن ذي نجدة منهم كهلِ

تبيتُ عيونُ النائحات عليهمُ

تجود باسباب الرشاش (٢) وبالويل

نوائح تنعى ( عتبة ) الغيِّ وابنه

وشيبةُ تنعاه وتنعي أبا جهل

وذا الذحل تنعى وابن جدْعان منهم

مُسَلبَة حرى مبيَّنةُ الثَّكل

ثوى منهمُ من دعا فأجابهُ

ذوونجدات في الحروب وفي المحْلِ

دعا الغيِّ منهم من دعا فأجابهُ

وللغيِّ أسباب مقطعة الوصل

فأضحوا لدى دار الجحيم بمنزل

عن البغي والعُدْوان في أشْغلِ الشغلِ

ـ ٢٤٨ ـ

وقال الإمام من بحر الرمل :

إنما الدنيا كظل زائلِ

أو كضيفٍ بات ليلاً فارتحل

او كطيف يراه نائم

أو كبرق لاح في أفق الأملْ

ـ ٢٤٩ ـ

وقال الامام من بحر السريع :

من جاور النعمة بالشكر لمْ

يجسر على النعمة مغتالُها

لو شكروا النعمة زادتهمُ

مقالةً لله قد قالَها

لئن شكرتم لازيدنكم

لكنما كفرُهم غالَها

والكفرُ بالنعمة يدعو إلى

زوالها والشكر ابقى لها

__________________

(١) البيض : السيوف.

(٢) البكاء.

١١٥

وقال الإِمام من بحر المتقارب :

يمثلُ ذو العقلِ في نفسِهِ

مصائبه قبل أَن تنزلا

فان نزلتْ بغتةً لم يُرَعْ

لما كان في نفسه مَثَّلا

رأى الأمر يفضي الى آخر

فصيَّر آخِرَهُ اولا

وذو الجهل يأمنُ أيامهُ

وينسى مصارعَ من قد خَلا

فان بدهَتْه صروفُ الزمانِ

ببعضِ مصائبهِ أعْوَلا

ولو قدَّمَ الحزمَ في نفسه

لعلَّمه الصبر عند البلَى

ـ ٢٥١ ـ

وقال الإِمام من بحر الكامل :

ما اعتاض باذل وجهه بسؤاله

عوضا ولو نال المنى بسؤال

واذا السؤالُ مع النَّوال وزنْتَه

رجَحَ السؤال وخف كلُّ نوال

واذا ابتُليتَ ببذل وجهكَ سائلاً

فابذله للمتكرِّم المفضال

إن الكريم اذا حبَاكَ بموعدٍ

أعطاكَه سلساً بغير مطالِ

ـ ٢٥٢ ـ

وقال الإِمام من بحر الوافر :

رأيتُ المشركين بغوا عليها

ولجُّوا في الغواية والضلالِ

وقالوا نحنُ اكثرُ إذ نفرنا

غداةَ الرَّوْع بالأسَلِ الطوالَ

فان يبغوا ويفتخروا علينا

بحمزة وهو في الغُرف العوالي

١١٦

فقد أوْدَى بعتبةَ يومَ بدرٍ

وقد ابلى وجاهد غير آلي (١)

وقد فَللتُ خيلهم ببدر

وأتبعت الهزيمةَ بالرجال

وقد غادرتُ كبشهم (٢) جهاراً

بحمد الله طلحة في الضلال (٢)

فتل لوجهه (٣) فرفعتْ عنه

رقيق الحد حودِث بالصِّقَال

كأنَّ الملح خالطه اذا ما

تلظى كالعقيقة في الظلال (٤)

ـ ٢٥٣ ـ

دخل جابر بن عبد الله الانصاري على أمير المؤمنين علي فقال له يا جابر قوام الدنيا بأربعة : عالم يستعمل علمه وجاهل لا يستنكف أن يتعلم وغني جواد بمعروفه وفقير لا يبيع دينه بدنيا غيره. فاذا كتم العالم العلم لأهله وزهد الجاهل في تعلم ما لا بد منه وبخل الغني بمعروفه وباع الفقير آخرته بدنيا غيره حل البلاء وعظم العقاب ، يا جابر من كثرت حوائج الناس اليه فان فعل ما يجب لله عليه عرضها للدوام والبقاء وان قصر فيما يجب لله عليه عرضها للزوال والفناء وانشا يقول من بحر السريع :

ما أحسن الدنيا واقبالها

اذا أطاعَ اللهَ من نالها

من لم يواسِ الناسَ من فضْله

عرَّضَ للإِدبارِ إقبالهَا

فاحذرْ زوالَ الفضل يا جابرُ

وأعْط من دنياكَ من سالَهَا (٥)

فإنَّ ذا العرش جزيلُ العطا

يضعِّفُ بالحبةِ أمثالَها

__________________

(١) غير مقصر.

(٢) أي زعيمهم.

(٣) أي صرع وألقى وفي نسخة فخر.

(٤) العقيقة من البرق ما يبقى في السحاب من شماعه والظلال السحاب.

(٥) أي سألها.

١١٧

وكم رأينا من ذوي ثروةٍ

لم يقيلُوا بالشكر أقبالهَا

تاهُوا على الدنيا بأموالهم

وقيَّدوا بالبخل أقفالهَا

لو شكروا النعمةَ جازاهمُ

مقالة الشكر التي قالها

لئن شكرتمْ لأزيدنَّكم

لكنما كفرهم غالها

ـ ٢٥٤ ـ

وقال الإِمام من بحر الطويل :

صُن النفسَ وأحملْها على ما يزينها

تعش سالماً والقول فيك جميلُ

ولا تريَنَّ الناس إلا تجمَّلاً

نبابكَ دهر أو جفاكَ خليلُ

وإن ضاق رزقُ اليوم فاصبرْ إلى غد

عَسى نكباتُ الدهر عنكَ تزولُ

يعزَّ غنيُّ النفسِ إِن قلَّ مالهُ

ويَغْنى غَني المالِ وهو ذليلٌ

ولا خيرَ في وُدِّ امرئ متلوّن

إذا الريح مالتْ مالَ حيثُ تميلُ

جواد إذا استغنيتَ عن أخْذِ مالِهِ

وعندَ احتمالِ الفقر عنك بخيلُ

فما اكثر الاخوان حين تعدُّهم

ولكنَّهم في النائباتِ قليل

ـ ٢٥٥ ـ

وينسب اليه من بحر الوافر :

هب الدنيا تُسَاقُ اليكَ عفواً

أليسَ مصير ذاك إِلى الزوال

وما ترجُو لشيءٍ ليسَ يبقَى

وشيكاً ما تغَيِّرهُ الليالي

١١٨

ـ ٢٥٦ ـ

وقال من بحر الطويل :

لقد خابَ من غرته دنيا دنيةٌ

وما هي إنْ غرَّتْ قروناً بطائلِ

وقلتُ لها غرِّي سوايَ فانني

عزوفٌ عن الدنيا ولستُ بجاهلِ

وما أنا والدنيا فان محمداً

رهينٌ بقفر بين تلك الجنادل (١)

وهبها أتتنا بالكنوز ودُرِّها

وأموالِ قارونَ ومُلكِ القبائلِ

أليس جيمعاً للفناء مصيرها

وتطلبُ من خُزانها بالطوائلِ

فغري سواي انني غيرُ راغبٍ

لما فيك من عزٍّ وملك ونائل

وقد قنعت نفسي بما قد رزقْتهُ

فشأنكِ يا دنيا وأهل الغوائِل

فاني أخاف الله يوم لقائه

وأخشَى عقاباً دائما غيرَ زائِل

ـ ٢٥٧ ـ

وقال كرم الله وجهه من بحر الطويل :

اذا اجتمع الآفاتُ فالبخلُ شرُّها

وشرُّ من البخل المواعيدُ والمطلُ

ولا خيرَ في وعْدٍ اذا كان كاذباً

ولا خيرَ في قولٍ اذا لم يكن فِعْلُ

اذا كنتَ ذا علمٍ ولم تكُ عاقلاً

فأنتَ كذِي نعلٍ وليس له رجلُ

وإن كنتَ ذا عقل ولم تكُ عالماً

فأنت كذي رجْلٍ وليس له نعلُ

أَلا انما الانسان غمد لعقلِهِ

ولا خيرَ في غِمدٍ اذا لم يكن نَصْلُ

__________________

(١) الجنادل : الصخور.

١١٩

ـ ٢٥٨ ـ

وينسب اليه من بحر مجزوء الكامل أو مجزوء الرجز :

يا من بدنياه اشتغلْ

وغرَّه طول الأمل

الموت يأتي بغتة

والقبر صندوق العمل

ـ ٢٥٩ ـ

وينسب اليه من بحر الوافر :

فلا تجزع اذا أُعسرتَ يوماً

فقد ايسرت في دهرٍ طويلِ

ولا تيأسْ فأن اليأسَ كفر

لعلَّ الله يُغني من قليلِ

ولا تطننْ بربِّك ظنَّ سوء

فانَّ الله أوْلَى بالجميلِ

رأيتُ العُسرَ يَتبعُهُ يَسارٌ

وقولُ الله اصدقُ كلِّ قيلِ

ـ ٢٦٠ ـ

وينسب اليه من بحر الوافر :

لَنَقْل الضخرِ من قُلَل (١) الجبالِ

أحبُّ اليَّ من منَنِ الرجالِ

يقول الناس لي في الكسبَ عارٌ

فقلت العارُ في ذل السؤالِ

بلوتُ الناسَ قِرناً بعد قرَنٍ

ولم أر مثل مختالٍ بمال

وذقتُ مرارةَ الأشياء طراً

فما طعمٌ أمرُّ من السؤال

ولم أرَ في خطوب أشدَّ هولاً

وأصعبَ من مقالاتِ الرجالِ

__________________

(١) القلل جمع قلة ، وهي قمة الجبل.

١٢٠