رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٢

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٢

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-090-0
الصفحات: ٤١٠

استحباب نحو التكة له ، ولكنه غير قيامه مقام الرداء حيث يكون مستحبّا.

(وأن يصحب معه حديدا ظاهرا) على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامة من تأخّر ، وفي الخلاف الإجماع عليه في الجملة (١).

وهو الحجة ، لا النصوص المستفيضة وإن كان فيها الموثق وغيره (٢) ، لأن ظاهرها التحريم مطلقا ، كما عن المقنع مستثنيا منه السلاح (٣) ، والنهاية والمهذب مستثنيين ما إذا كان مستورا (٤) ، لأنها شاذّة لا يوافق إطلاقها شيئا من الأقوال المزبورة ، فلتكن مطرحة ، ويكون المستند في الكراهة هو الشبهة الناشئة من الفتوى بالحرمة ، مع احتمال الاستناد إليها لإثباتها بعد تقييدها بما إذا كان بارزا ، جمعا بينها وبين ما دلّ على نفي البأس عن الصلاة فيه ، إما مطلقا كما في المروي في الاحتجاج للطبرسي عن الحميري : أنه كتب إلى الناحية المقدسة يسأله عليه‌السلام عن الرجل يصلّي وفي كمه أو سراويله سكين أو مفتاح حديد ، هل يجوز ذلك؟ فوقّع عليه‌السلام : « جائز » (٥).

أو إذا كان مستورا ، كما في المروي في الكافي مرسلا ، قال : وروي : « إذا كان المفتاح في غلاف فلا بأس » (٦).

وفي التهذيب : وقد قدمنا في رواية عمار أنّ الحديد إذا كان في غلافه فلا بأس بالصلاة فيه (٧).

لكن تعليل المنع في جملة من المستفيضة بكونه من لباس أهل النار كما‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٥٠٧ ـ ٥٠٨.

(٢) الوسائل ٤ : ٤١٧ أبواب لباس المصلي ب ٣٢.

(٣) المقنع : ٢٥.

(٤) النهاية : ٩٩ ، المهذّب ١ : ٧٥.

(٥) الاحتجاج : ٤٨٤ ، الوسائل ٤ : ٤٢٠ أبواب لباس المصلي ب ٣٢ ح ١١.

(٦) الكافي ٣ : ٤٠٤ / ٣٥ ، الوسائل ٤ : ٤١٨ أبواب لباس المصلي ب ٣٢ ح ٣.

(٧) التهذيب ٢ : ٢٢٧.

٣٦١

في بعضها (١) ، أو الجن والشياطين كما في آخر منها (٢) ، أو أنه نجس ممسوخ كما في غيرهما (٣) ، ربما يشعر بالعموم ـ كما عليه المقنع (٤) ـ لكن من دون استثناء السلاح. لكن لا بعد في التقييد بعد وجود ما يدل عليه صريحا (٥) ، سيّما مع كونه ـ ولو في الجملة ـ متفقا عليه. هذا.

وربما يستشعر من التعليل الكراهة ، قال الماتن في المعتبر : وقد بيّنا أنّ الحديد ليس بنجس بإجماع الطوائف ، فإذا ورد التنجيس حملناه على كراهية استصحابه ، فإن النجاسة تطلق على ما يستحب أن يجتنب ويسقط الكراهة مع ستره وقوفا في الكراهة على موضع الوفاق (٦).

وهو حسن ، إلّا ما يستشعر منه من لزوم الاقتصار في الكراهة على محل الوفاق ، فإنّ فيه نظرا ، لما عرفت مرارا : من جواز التسامح فيها والاكتفاء في إثباتها بقول فقيه واحد ، فضلا عن إطلاق روايات بالمنع ، كما فيما نحن فيه ، فإطلاق الكراهة لا بعد فيه ، لو لا الاتفاق على الظاهر ممن عدا المقنع على عدمها إذا كان مستورا.

(و) أن يصلّي (في ثوب يتهم صاحبه) بعدم التوقي من النجاسة ، أو بمساورته له وهو نجس ، بلا خلاف أجده إلّا من المبسوط ، فمنع عن الصلاة في ثوب عمله كافر أو أخذ ممن يستحلّ شيئا من النجاسات أو المسكرات ،

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٦٤ / ٧٧٣ ، التهذيب ٢ : ٣٧٢ / ١٥٤٨ ، علل الشرائع : ٣٤٨ / ١ ، الوسائل ٤ : ٤١٨ أبواب لباس المصلي ب ٣٢ ح ٥.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٢٧ / ٨٩٤ ، الوسائل ٤ : ٤١٩ أبواب لباس المصلي ب ٣٢ ح ٦.

(٣) الكافي ٣ : ٤٠٠ / ١٣ ، التهذيب ٢ : ٢٢٧ / ٨٩٤ ، الوسائل ٤ : ٤١٩ أبواب لباس المصلي ب ٣٢ ح ٦.

(٤) راجع ص : ٣٥٦.

(٥) انظر الوسائل ٤ : ٤٥٨ أبواب لباس المصلّي ب ٥٧.

(٦) المعتبر ٢ : ٩٨.

٣٦٢

معلّلا بأن الكافر نجس (١). وتبعه الحلّي للتعليل ، قائلا : إن إجماع أصحابنا منعقد على أن أسآر جميع الكفار نجسة بلا خلاف بينهم (٢). وهو خيرة الإسكافي (٣) لكن مع اضطراب لكلامه فيه.

وما ذكروه من المنع حسن مع العلم بالمباشرة برطوبة ، كما يفهم من تعليلهما ، بناء على أن نجاسة الكفّار عينيّة لا تؤثّر في الملاقي إلّا بالمباشرة له برطوبة قطعا لا مطلقا ، ولعله لذا لم ينقل الخلاف هنا كثير من الأصحاب ، معربين عن عدم خلاف فيه.

ومحل نظر مع عدم العلم بذلك ، بل يجوز الصلاة حينئذ مطلقا ولو كان حصول النجاسة بالمباشرة رطبا مظنونا ، بناء على الأقوى من اشتراط العلم أو ما يقوم مقامه شرعا ـ إن قلنا به ـ في الحكم بالنجاسة ، وأن مع عدمهما فالأقوى الطهارة ، لعموم قولهم عليهم‌السلام : « كل شي‌ء طاهر حتى تعلم أنه قذر » (٤).

وخصوص الصحاح في مفروض المسألة ، منها : إني أعير الذمي ثوبي وأنا أعلم أنه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير ، فيردّه عليّ ، أفأغسله قبل أن أصلّي فيه؟ فقال عليه‌السلام : « صلّ فيه ولا تغسله من أجل ذلك ، فإنك أعرته إيّاه وهو طاهر ، ولم تستيقن أنه نجّسه ، فلا بأس أن تصلّي فيه حتى تستيقن أنه نجّسه » (٥).

__________________

(١) المبسوط ١ : ٨٤.

(٢) السرائر ١ : ٢٦٩.

(٣) كما نقله عنه في المختلف : ٨٢.

(٤) راجع الوسائل ٣ : ٤٦٦ أبواب النجاسات ب ٣٧ ، المستدرك ٢ : ٥٨٢ أبواب النجاسات ب ٣٠.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٦١ / ١٤٩٥ ، الاستبصار ١ : ٣٩٢ / ١٤٩٧ ، الوسائل ٣ : ٥٢١ أبواب النجاسات ب ٧٤ ح ١.

٣٦٣

ومنها : عن الثياب السابريّة يعملها المجوس وهم أخباث وهم يشربون الخمر ونساؤهم على تلك الحال ، ألبسها ولا أغسلها وأصلّي فيها؟ قال : « نعم » (١) الحديث.

ومنها : عن الصلاة في ثوب المجوس ، قال : « يرشّ بالماء » (٢). إلى غير ذلك من الأخبار.

نعم ، في الصحيح : عن الذي يعير ثوبه لمن يعلم أنه يأكل الجرّيّ (٣) ويشرب الخمر فيردّه ، أيصلي فيه قبل أن يغسله؟ قال : « لا يصلّي فيه حتى يغسله » (٤).

وهو وإن دلّ على المنع إلّا أنه قاصر عن المقاومة لما مرّ جدّا من وجوه شتّى ، فليحمل على الكراهة جمعا. ولأجله قالوا بها ، مضافا إلى الشبهة الناشئة من القول بالمنع ، ولخصوص الصحيح : في الرجل يصلّي في إزار المرأة وفي ثوبها ويعتمّ بخمارها قال : « نعم إذا كانت مأمونة » (٥) وأقلّ النفي المفهوم منه الكراهة.

وليس فيه ـ كالعبارة ونحوها كما ترى ـ بيان المأمومنية عن أيّ شي‌ء ، فيشمل عن كلّ محذور ولو غير النجاسة من نحو الغصب ، واستصحاب فضلات ما لا يؤكل لحمه ، كما عليه جماعة ومنهم الشهيدان (٦) ، قال ثانيهما :

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٦٢ / ١٤٩٧ ، الوسائل ٣ : ٥١٨ أبواب النجاسات ب ٧٣ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٦٢ / ١٤٩٨ ، الوسائل ٣ : ٥١٩ أبواب النجاسات ب ٧٣ ح ٣.

(٣) الجرّيّ : ضرب من السمك عديم الفلس ، ويقال له : الجرّيث بالثاء المثلّثة. مجمع البحرين ٣ : ٢٤٤.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٦١ / ١٤٩٤ ، الاستبصار ١ : ٣٩٣ / ١٤٩٨ ، الوسائل ٣ : ٥٢١ أبواب النجاسات ب ٧٤ ح ٢.

(٥) الكافي ٣ : ٤٠٢ / ١٩ ، الفقيه ١ : ١٦٦ / ٧٨١ ، التهذيب ٢ : ٣٦٤ / ١٥١١ ، الوسائل ٤ : ٤٤٧ أبواب لباس المصلي ب ٤٩ ح ١.

(٦) الذكرى : ١٤٨ ، روض الجنان : ٢١٢.

٣٦٤

وينبّه عليه كراهة معاملة الظالم وأخذ عطائه.

وظاهر كثير من العبارات تقييد نحو العبارة بمن لا يتوقى النجاسة خاصة ، والأوّل أقرب بالاحتياط ، وأنسب بحال الكراهة ، كما مرّ غير مرّة.

(و) أن يصلّي (في قباء) بل مطلق الثوب الذي يكون (عليه تماثيل ، أو خاتم فيه صورة) بلا خلاف في المرجوحية على الظاهر ، المصرّح به في كلام بعض الأجلة (١) ، بل عليه الإجماع في شرح القواعد للمحقق الثاني (٢) ، وهو الحجة.

مضافا إلى المعتبرة المعبّر بعضها عنها بلفظ الكراهة ، كالصحيحين المتضمن أحدهما لقوله : كره أن يصلي وعليه ثوب فيه تماثيل (٣) وثانيهما لقوله : فكره ما فيه التماثيل بعد أن سئل عن الصلاة في الثوب المعلم (٤).

وآخر منها ب‍ « لا » و « لا يجوز » كالموثق : عن الثوب يكون في علمه مثال طير أو غير ذلك ، أيصلّي فيه؟ قال : « لا » وعن الرجل يلبس الخاتم فيه نقش مثال الطير أو غير ذلك ، قال : « لا يجوز الصلاة فيه » (٥).

وظاهره وإن أفاد التحريم ـ كما عليه الشيخ في النهاية والمبسوط في الثوب والخاتم (٦) ، والقاضي في المهذب والصدوق في المقنع في الأخير خاصة (٧) ـ إلّا أنه محمول على الكراهة ، لا للأصل وضعف الموثق مع تصريح‌

__________________

(١) الذخيرة : ٢٣١ ، وانظر البحار ٨٠ : ٢٤٣.

(٢) جامع المقاصد ٢ : ١١٤.

(٣) الكافي ٣ : ٤٠١ / ١٧ ، الوسائل ٤ : ٤٣٧ أبواب لباس المصلي ب ٤٥ ح ٢.

(٤) الفقيه ١ : ١٧٢ / ٨١٠ ، عيون الأخبار ٢ : ١٧ / ٤٤ ، الوسائل ٤ : ٤٣٧ أبواب لباس المصلي ب ٤٥ ح ٤.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٧٢ / ١٥٤٨ ، الوسائل ٤ : ٤٤٠ أبواب لباس المصلي ب ٤٥ ح ١٥.

(٦) النهاية : ٩٩ ، المبسوط ١ : ٨٤.

(٧) المهذّب ١ : ٧٥ ، المقنع : ٢٥.

٣٦٥

الصحيحين بالكراهة ، لأعمّيتها في الأخبار من المعنى المصطلح عليه الآن ومن الحرمة ، وحجّية الموثق فلا يعارضه الأصل.

بل للجمع بينه وبين ما نصّ على الجواز من الأخبار ، كالمروي في قرب الإسناد عن علي بن جعفر : أنه سأل أخاه عليه‌السلام عن الخاتم يكون فيه نقش سبع أو طير أيصلّى فيه؟ قال : « لا بأس » (١).

وقصور السند مجبور بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا ، بل هي من المتأخّرين إجماع في الحقيقة. مع أنّ في المنتهى احتمل حمل « لا يجوز » في كلام الشيخ على الكراهة (٢) ، لشيوع استعماله فيها في عبارته ، بل مطلق القدماء والأخبار كما لا يخفى ، وعليه فلا خلاف.

واختصاصه بالخاتم مجبور بعدم القائل بالفرق ، إذ كل من جوّز الصلاة فيه جوّز في الثوب أيضا ، وإن لم يكن بحسب المنع كذلك (٣). مع ظهور الموثقة المانعة ـ كفتوى الأصحاب كافة ـ في كون المنع إنما هو من حيث المثال خاصة ، لا الثوبية مع الصورة ، ولذا ورد كراهة الصلاة في الدراهم السود التي فيها التماثيل ، كما في الصحيح : « ما أشتهي أن يصلّي ومعه هذه الدراهم التي فيها التماثيل » (٤) ونحوه غيره (٥) ، وفي البسط التي فيها المثال ونحو ذلك (٦).

وبتتبّع جميع ذلك يظهر كون وجه المنع ما ذكرناه ، وعليه فتدل هذه الصحيحة الواردة في الدراهم على الكراهة والجواز في مطلق ما فيه المثال ولو‌

__________________

(١) قرب الإسناد : ٢١١ / ٨٢٧ ، الوسائل ٤ : ٤٤٢ أبواب لباس المصلي ب ٤٥ ح ٢٣.

(٢) المنتهى ١ : ٢٣٤.

(٣) فإن الصدوق والقاضي منعا عن الخاتم دون الثوب. منه رحمه الله.

(٤) الفقيه ١ : ١٦٦ / ٧٧٩ ، الوسائل ٤ : ٤٣٧ أبواب لباس المصلي ب ٤٥ ح ٣.

(٥) الخصال : ٦٢٧ ( حديث الأربعمائة ) ، الوسائل ٤ : ٤٣٨ أبواب لباس المصلي ب ٤٥ ح ٥.

(٦) الوسائل ٤ : أبواب لباس المصلي ب ٤٥ الأحاديث ٥ ، ٧ ، ١١ ، ١٤.

٣٦٦

كان الثوب والخاتم ، لظهور لفظ : « ما أشتهي » فيها ، مضافا إلى الصحيح الصريح في الجواز لكن فيما إذا كانت الدراهم مواراة ، وفيه : عن الدراهم السود فيها التماثيل أيصلّي الرجل وهي معه؟ فقال : « لا بأس إذا كانت مواراة » (١).

وهل المثال والصورة يعمّان ما كان منهما للحيوان وغيره ، أم يختصّان بالأوّل؟

ظاهر الأكثر ـ على الظاهر ، المصرح به في كلام جمع (٢) ـ الأوّل ، بل نسبه في المختلف إلى باقي الأصحاب من عدا الحلي ، واختاره للإطلاق (٣).

وفيه نظر ، لاختصاصه ـ بحكم التبادر ، وشهادة جملة من النصوص ، وبها اعترف جملة من الفحول (٤) ـ بالأوّل ، مع أن عن المغرب اختصاص التمثال بصور أولي الأرواح وعموم الصور حقيقة ، قال : وأمّا تمثال شجر فمجاز (٥) وعن المصباح المنير في تفسير قوله : وفي ثوبه تماثيل ، أي صور حيوانات مصوّرة (٦).

وكلامهما ـ سيما الأوّل ـ ظاهر في اختصاص التمثال بصور الحيوان حقيقة ، وكون إطلاقه على غيرها مجازا ، نعم كلام الأوّل ظاهر في عموم الصور ، ولكنه غير ضائر بعد اختصاص مورد النصوص المانعة مطلقا بالتمثال‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٠٢ / ٢٠ ، التهذيب ٢ : ٣٦٤ / ١٥٠٨ ، الوسائل ٤ : ٤٣٩ أبواب لباس المصلي ب ٤٥ ح ٨.

(٢) منهم : المحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ١١٤ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٤ ، وصاحب الحدائق ٧ : ١٤٩.

(٣) المختلف : ٨١ ، وانظر السرائر ١ : ٢٦٣.

(٤) منهم : الشهيد في الذكرى : ١٤٧ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ١١٤ ، وصاحب الحدائق ٧ : ١٥٦.

(٥) المغرب ٢ : ١٧٧.

(٦) المصباح المنير : ٥٦٤.

٣٦٧

دون الصور ، ولعله لذا اختار الحلّي التخصيص بالحيوان ، وقوّاه جماعة من المحققين (١) ، مضافا إلى الأصل.

وهو حسن لو لا اشتهار إطلاق الكراهة ، وشبهة دعوى الاتفاق عليه في المختلف (٢) ، مع المسامحة في أدلّتها ، كما سبق غير مرة.

وترتفع الكراهة بتغيير الصورة والضرورة ، كما صرّح به جماعة (٣) ، للصحيح (٤) في الأول ، وفحوى ما دلّ على سقوط التكليف الحتمي في الثاني (٥) ، مضافا إلى الموثّق : عن لباس الحرير والديباج ، فقال : « أما في الحرب فلا بأس وإن كان فيه تماثيل » (٦). وقريب منه ظواهر جملة من النصوص (٧).

(ويكره للمرأة أن تصلّي في خلخال له صوت ، أو متنقّبة) على وجهها (و) كذا (يكره للرجال اللثام).

بلا خلاف إلّا من القاضي في الأول فحرّمه (٨). ولا دلالة للصحيح (٩)

__________________

(١) كالمجلسي في بحار الأنوار ٨٠ : ٢٤٦ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ١٩٣.

(٢) المختلف : ٨١.

(٣) منهم الشهيد الثاني في روض الجنان : ٢١٢ ، وصاحب المدارك ٣ : ٢١٤ ، والسبزواري في الذخيرة : ٢٣٢.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٦٣ / ١٥٠٣ ، الوسائل ٤ : ٤٤٠ أبواب لباس المصلي ب ٤٥ ح ١٣.

(٥) مثل قولهم عليهم‌السلام : « ليس شي‌ء ممّا حرّم الله إلّا وقد أحلّه لمن اضطرّ إليه ». الوسائل ٥ : ٤٨٢ أبواب القيام ب ١ ح ٦ ، ٧.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٠٨ / ٨١٦ ، الاستبصار ١ : ٣٨٦ / ١٤٦٦ ، الوسائل ٤ : ٣٧٢ أبواب لباس المصلي ب ١٢ ح ٣.

(٧) الوسائل ٤ : ٣٧١ أبواب لباس المصلي ب ١٢.

(٨) المهذّب ١ : ٧٥.

(٩) الكافي ٣ : ٤٠٤ / ٣٣ ، الفقيه ١ : ٦٥ / ذيل حديث ٧٧٥ ، قرب الإسناد : ٢٢٦ / ٨٨١ ، الوسائل ٤ : ٤٦٣ أبواب لباس المصلي ب ٦٢ ح ١.

٣٦٨

عليه ، لتضمّنه : « لا يصلح » الظاهر في الكراهة ، أو الأعمّ منها ومن الحرمة ، فتدفع بالأصل ، مع عمومه لحال الصلاة وغيرها ، ولا يقول به. فتأمّل (١).

ومن الشيخين في المقنعة والمبسوط والنهاية فيما عداه ، فأطلقا المنع عن اللثام والنقاب حتى يكشف عن الفم وموضع السجود (٢).

وهو حسن إن أرادا المنع إذا منعا عن القراءة وغيرها من الواجبات ، وإلّا فمحل نظر. بل ظاهر المعتبرة المستفيضة ـ ومنها الصحيحان (٣) والموثقان (٤) ـ نفي البأس عنهما على الإطلاق ، إلّا أن في أحد الموثقين التصريح بأفضليّة عدمهما ، ولعلّه لذا حكموا بالكراهة ، وفيه نظر. ويحتمل كون الوجه فيها الخروج عن شبهة إطلاق القول بالمنع.

ويحتمل اختصاصه بصورة ما إذا منع القراءة مثلا ، والمنع حينئذ متّفق عليه ظاهرا ، وإن اختلفوا في انسحابه فيما إذا منع سماعها دونها ، فقيل : نعم (٥). وهو الأظهر ، وعليه الفاضلان وغيرهما (٦) ، لما في بعض المعتبرة « لا يحسب لك من القراءة والدعاء إلّا ما أسمعت نفسك » (٧) مؤيّدا بالصحيح‌

__________________

(١) وجهه ما قيل من ظهور سياق الصحيح في الاختصاص بحال الصلاة. منه رحمه الله.

(٢) المقنعة : ١٥٢ ، المبسوط ١ : ٨٣ ، النهاية : ٩٨.

(٣) الأول : الفقيه ١ : ١٧٣ / ٨١٨ ، الوسائل ٤ : ٤٢٣ أبواب لباس المصلي ب ٣٥ ح ٢.

الثاني : الكافي ٣ : ٣١٥ / ١٥ ، الفقيه ١ : ١٧٣ / ذيل الحديث ٨١٨ ، التهذيب ٢ : ٢٢٩ / ٩٠٣ ، الاستبصار ١ : ٣٩٨ / ١٥١٩ ، الوسائل ٤ : ٤٢٣ أبواب لباس المصلي ب ٣٥ ح ٣.

(٤) الأول : التهذيب ٢ : ٢٢٩ / ٩٠١ ، الاستبصار ١ : ٣٩٧ / ١٥١٧ ، الوسائل ٤ : ٤٢٣ أبواب لباس المصلي ب ٣٥ ح ٥.

الثاني : التهذيب ٢ : ٢٣٠ / ٩٠٤ ، الوسائل ٤ : ٤٢٤ أبواب لباس المصلي ب ٣٥ ح ٦.

(٥) قال به الشهيد الثاني في روض الجنان : ٢١٠.

(٦) المحقق في المعتبر ٢ : ٩٩ ، العلامة في المنتهى ١ : ٢٣٤ ، والتذكرة ١ : ٩٨ ، وانظر التهذيب ٢ : ٢٢٩ ، والمدارك ٣ : ٢٠٨.

(٧) الكافي ٣ : ٣١٣ / ٦ بتفاوت يسير ، التهذيب ٢ : ٩٧ / ٣٦٣ ، الاستبصار ١ :

٣٦٩

النافي للبأس عن اللثام إذا سمع الهمهمة (١).

وفي الخلاف الإجماع على كراهة اللثام ، قال : بل ينبغي أن يكشف عن جبهته موضع السجود (٢).

(وقيل : يكره) الصلاة (في قباء مشدود إلّا في) حال (الحرب) قال في التهذيب ـ بعد ذكر عبارة المقنعة المتضمنة للفظة « لا يجوز » الظاهرة في التحريم ـ : ذكر ذلك علي بن الحسين بن بابويه ، وسمعناه من الشيوخ مذاكرة ، ولم أعرف خبرا مسندا (٣).

وظاهره التردد كالماتن هنا ، والفاضل في التحرير والمنتهى ، والشهيدين في روض الجنان والروضة والذكرى (٤) ، وغيرهم من متأخّري أصحابنا ، حيث اقتصروا على نقل الكراهة عن الشيخين والمرتضى كما في جملة من العبارات (٥) ، أو مع زيادة كثير من الأصحاب كما في غيرها (٦) ، أو عن المشهور كما في الروضة والمدارك والذخيرة وغيرها (٧).

وهو حسن إن لم نتسامح في أدلّة الكراهة ، وإلّا فالكراهة أولى ، ولذا صرّح الماتن بها في الشرائع والفاضل في الإرشاد والقواعد والشهيد في اللمعة‌

__________________

٣٢٠ / ١١٩٤ ، الوسائل ٦ : ٩٦ أبواب القراءة في الصلاة ب ٣٣ ح ١.

(١) راجع الرقم ص : ٣٦٤ ، الرقم (٤) الصحيح الثاني.

(٢) الخلاف ١ : ٥٠٨.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٣٢.

(٤) التحرير ١ : ٣١ ، المنتهى ١ : ٢٣٥ ، روض الجنان : ٢١٠ ، الروضة ١ : ٢٠٩ ، الذكرى : ١٤٨.

(٥) كالمعتبر ١ : ٩٩ ، والمنتهى ١ : ٢٣٥ ، والتحرير ١ : ٣١.

(٦) كروض الجنان : ٢١٠ ، وجامع المقاصد ٢ : ١٠٩.

(٧) الروضة ١ : ٢٠٩ ، المدارك ٣ : ٢٠٨ ، الذخيرة : ٢٣٠ ، وانظر البيان : ١٢٣ ، وبحار الأنوار ٨٠ : ٢٠٧.

٣٧٠

والدروس (١) ، مع أن ظاهر المقنعة وصريح الوسيلة التحريم (٢) ، كما عن ظاهر المبسوط والنهاية (٣) ، فتقوّى الكراهة بالاحتياط في العبادة ، وإن كان ظاهر الجماعة ـ عدا الفاضل في المختلف (٤) ـ أنهم فهموا من العبارات المانعة الكراهة ، حيث لم ينقلوا عنهم الحرمة ، بل صرّحوا بنقل الكراهة.

وذكر الشهيد في الذكرى ـ بعد نقل الكراهة عنهم وذكر كلام التهذيب ـ أنه روت العامة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لا يصلّي أحدكم وهو متحزّم » (٥) وهو كناية عن شدّ الوسط ، وكرهه في المبسوط (٦).

واعترضه كثير منهم شيخنا الشهيد الثاني ، فقال : وظاهر استدراكه لذكر الحديث جعله دليلا على كراهة القباء المشدود ، وهو بعيد (٧).

وفيه نظر ، فإن ظاهر الاستدراك وإن أوهم ذلك ، إلّا أن نسبته بعد ذلك وفي البيان (٨) كراهة شدّ الوسط ـ الذي جعل الرواية كناية عنه ـ إلى المبسوط خاصة دون الجماعة ظاهرة في المغايرة بينه وبين القباء المشدود ، ولذا جعلهما مكروهين ـ مؤذنا بتغايرهما ـ في الدروس ، فقال : ويكره في قباء مشدود في غير‌

__________________

(١) الشرائع ١ : ٧٠ ، الإرشاد ١ : ٢٤٧ ، القواعد ١ : ٢٨ ، اللمعة ( الروضة البهية ١ ) : ٢٠٩ ، الدروس ١ : ١٤٨.

(٢) المقنعة : ١٥٢ ، الوسيلة : ٨٨.

(٣) المبسوط ١ : ٨٣ ، النهاية : ٩٨.

(٤) المختلف : ٨٢.

(٥) لم نعثر عليه فيما بأيدينا من كتب العامّة ، نعم في مسند أحمد ٢ : ٤٥٨ : « لا يصلي الرجل إلّا وهو محتزم » ، وفي سنن البيهقي ٢ : ٢٤٠ ، ونهاية ابن الأثير ١ : ٤٧٩ : نهى أن يصلي الرجل حتى يحتزم.

(٦) الذكرى : ١٤٨.

(٧) روض الجنان : ٢١١.

(٨) البيان : ١٢٣.

٣٧١

الحرب ومشدود الوسط (١).

أقول : وما عزاه إلى المبسوط هو خيرته أيضا في الخلاف ، قال : ويكره أن يصلّي وهو مشدود الوسط ، ولم يكره ذلك أحد من الفقهاء ، دليلنا إجماع الفرقة ، وطريقة الاحتياط (٢).

وهو ظاهر شيخنا أيضا في الروضة ، فقال : ويمكن الاكتفاء في دليل الكراهة بمثل هذه الرواية (٣) ، مشيرا بها إلى ما في الذكرى من الرواية النبوية.

وهو حسن.

قيل : وبكراهته يمكن أن يستدل على كراهية القباء المشدود بالفحوى ، لأن كراهة الصلاة مع التحزّم الذي ليس فيه إلّا قليل شدّ تستلزم كراهيتها في القباء المشدود الذي هو أكثر شدّا بطريق أولى. إلّا أن يقال : إن الفقهاء لم يفتوا بكراهة التحزّم ، والقياس بطريق أولى حجّة إذا كان الحكم في المقيس عليه مقبولا (٤).

وفيه نظر ، لعدم وضوح الأولوية بعد احتمال كون القباء له مدخلية في الكراهة ، كما هو ظاهر الجماعة ، وليس كل متحزم عليه من نحو القميص والرداء وغيرهما قباء ، بل هو ثوب خاص ، وعن نظام الغريب : أنه قميص ضيّق الكمين مفرج المقدّم والمؤخّر (٥).

ثمَّ دعوى عدم مصير الفقهاء إلى كراهة الصلاة مع التحزّم قد عرفت ما فيها ، لكونها مذهب الشيخ في جملة من كتبه ، مدّعيا في بعضها إجماعنا (٦).

__________________

(١) الدروس : ١ : ١٤٨.

(٢) الخلاف ١ : ٥٠٩.

(٣) الروضة ١ : ٢١٠.

(٤) حاشية المدارك للبهبهاني ( المدارك بالطبع الحجري : ١٤٣ ).

(٥) حكى عنه الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ١٩٢.

(٦) لم نعثر في كتب الشيخ على ما نسب إليه من كراهة شدّ الوسط ، إلّا ما في الخلاف من ادّعاء

٣٧٢

نعم ، لا يمكن أن يكون الأولوية سندا لجميع الفقهاء ، بل لمن قال بكراهة الأصل من الفقهاء.

وفي الذخيرة : أن الشيخ أورد في زيادات التهذيب خبرين دالّين على كراهيّة حلّ الأزرار في الصلاة (١) ، فيمكن تخصيص كراهية الشدّ بما عدا الأزرار ، أو تخصّ كراهية حلّ الأزرار بما إذا كان واسع الجيب (٢).

ولعلّه فهم من القباء المشدود ما يعمّ المشدود بالأزرار ، ولذا فهم التعارض بين الخبرين ، وما ذكروه من كراهة الصلاة في القباء المشدود.

وفيه نظر ، لعدم صدق الشدّ على الزرّ بالإزار ، وعليه فلا تعارض بين الحكمين ليحتاج في الجمع بينهما إلى ما ذكره من أحد التخصيصين.

وهنا‌ (مسائل ثلاث) :

(الأولى : ما يصح فيه الصلاة يشترط فيه الطهارة) من النجاسة على تفصيل تقدم ذكره في كتابها ، من أراده فليراجعه ثمة (٣).

(وأن يكون مملوكا) للمصلّي عينا ومنفعة ، أو منفعة خاصّة (أو مأذونا فيه) للصلاة فيه ، أو مطلقا بحيث يشملها ، كالإذن صريحا ، أو فحوى ، أو بشاهد الحال إذا أفاد علما بالرضا المباح معه التصرف في مال الغير المنهي عنه من دونه شرعا ، فلا يجوز الصلاة في الثوب المغصوب كما مضى بيانه مفصّلا (٤).

__________________

الإجماع على ذلك ، كما مرّ في ص ٣٦٦. والناسب إلى الشيخ هو الشهيد في البيان : ١٢٣.

(١) التهذيب ٢ : ٣٢٦ / ١٣٣٤ ، ٣٥٧ / ١٤٧٦ ، ٣٦٩ / ١٥٣٥ ، الوسائل ٤ : ٣٩٤ أبواب لباس المصلي ب ٢٣ ح ٣ ، ٥.

(٢) الذخيرة : ٢٣٠.

(٣) راجع ص : ٩٠.

(٤) راجع ص : ٣٢٨.

٣٧٣

(الثانية : يجب) ستر العورة في الصلاة مطلقا ، وفي غيرها إذا كان هناك ناظر محترم ، بإجماع العلماء كافّة ، كما حكاه جماعة حدّ الاستفاضة (١) ، والنصوص به مع ذلك مستفيضة ، بل متواترة ، منها : « عورة المؤمن على المؤمن حرام » (٢).

وهو شرط في الصلاة عند علمائنا وأكثر العامة ، كما صرّح به جماعة حدّ الاستفاضة (٣) ، وهو ظاهر جملة من المستفيضة الآتية في صلاة العراة منفردين وجماعة (٤) ، حيث أسقطت معظم الأركان من الركوع والسجود والقيام بفقد الساتر ، ولو لا كونه شرطا للصحة لما ثبت ذلك.

وهل شرطيته ثابتة مع المكنة على الإطلاق ، أو مقيّدة بالعمد؟

الأصح الثاني ، وفاقا للأكثر على الظاهر ، المصرّح به في كلام بعض (٥) ، للأصل ، وعدم دليل على الشرطية على الإطلاق ، وخصوص الصحيح : عن الرجل يصلّي وفرجه خارج لا يعلم به ، هل عليه الإعادة؟ قال : « لا إعادة عليه وقد تمت صلاته » (٦).

خلافا للإسكافي ، فيعيد في الوقت (٧). ولا دليل عليه ، مع أن الشرطية إن ثبتت على الإطلاق وجب الإعادة مع تركه على الإطلاق.

__________________

(١) منهم : المحقق في المعتبر ٢ : ٩٩ ، والعلامة في التحرير ١ : ٣١ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٩٢ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ١٨٦.

(٢) انظر الوسائل ٢ : ٣٧ أبواب آداب الحمام ب ٨.

(٣) منهم : المحقق في المعتبر ٢ : ٩٩ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٢٣٥ ، والتذكرة ١ : ٩٢.

(٤) راجع ص : ٣٨٦ ـ ٣٩٠.

(٥) كالمحدّث البحراني في الحدائق ٧ : ٥.

(٦) التهذيب ٢ : ٢١٦ / ٨٥١ ، الوسائل ٤ : ٤٠٤ أبواب لباس المصلي ب ٢٧ ح ١.

(٧) كما حكاه عنه في المختلف : ٨٣.

٣٧٤

وللشهيد قول آخر (١) لا أعرف وجهه ، وإن استحسنه في المدارك بعد اختياره المختار (٢) ، وهو الفرق بين نسيان الستر ابتداء فيشترط ، وعروض التكشّف في الأثناء فلا.

ويجب الستر بعد العلم بعدمه في الأثناء قولا واحداً.

ويجزي (للرجل ستر قبله ودبره) على الأشهر الأقوى ، بل عليه عامة متأخّري أصحابنا ، بل ومتقدميهم أيضا ، كما يفهم من الأصحاب ، حيث لم ينقلوا الخلاف إلّا عمن يأتي ، مؤذنين بندورهما وشذوذهما ، كما صرّح به الشهيدان في روض الجنان والذكرى (٣) ، وفي الخلاف والغنية أن عليه إجماع الفرقة (٤) ، وفي السرائر أن عليه إجماع فقهاء أهل البيت (٥) ، وهو الحجة.

مضافا إلى الأصل ، وظواهر النصوص المستفيضة ، منها : « العورة عورتان : القبل والدبر ، والدبر مستور بالأليتين ، فإذا سترت القضيب والبيضتين فقد سترت العورة » (٦).

ومنها : عن الرجل بفخذه أو أليتيه الجرح ، هل يصلح للمرأة أن تنظر إليه وتداويه؟ قال : « إذا لم يكن عورة فلا بأس » (٧).

ومنها : « الفخذ ليس من العورة » (٨).

__________________

(١) انظر الذكرى : ١٤١ ، والبيان : ١٢٥.

(٢) المدارك ٣ : ١٩١.

(٣) روض الجنان : ٢١٥ ، الذكرى : ١٣٩.

(٤) الخلاف ١ : ٢٩٣ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٥.

(٥) السرائر ١ : ٢٦٠.

(٦) الكافي ٦ : ٥٠١ / ٢٦ ، التهذيب ١ : ٣٧٤ / ١١٥١ ، الوسائل ٢ : ٣٤ أبواب آداب الحمام ب ٤ ح ٢.

(٧) مسائل علي بن جعفر : ١٦٦ / ٢٦٩ ، الوسائل ٢٠ : ٢٣٣ أبواب مقدمات النكاح وآدابه ب ١٣٠ ح ٤.

(٨) الفقيه ١ : ٦٧ / ٢٥٣ ، الوسائل ٢ : ٣٤ أبواب آداب الحمام ب ٤ ح ٤.

٣٧٥

وفي آخر : « أن الركبة ليست من العورة » (١).

وقصور الأسناد والدلالة في بعضها مجبور بالشهرة ، وعدم قائل بالفرق بين الطائفة.

(وستر ما بين السرة والركبة أفضل) كما هو المشهور ، بل في الخلاف الإجماع عليه (٢).

وأوجبه القاضي (٣) ، ولعله للخبر المروي في قرب الإسناد للحميري : « إذا زوّج الرجل أمته فلا ينظر إلى عورتها ، والعورة ما بين السرة والركبة » (٤).

وفيه ـ مع عدم وضوح السند ، وعدم المقاومة لما مرّ ـ ظهوره في عورة الأمة لا الرجل ، أو العورة المطلقة على بعد ، فهو على التقديرين مخالف للإجماع فتوى ونصا.

على أن المرأة مطلقا جميع جسدها عورة إلّا الوجه وما شابهه مما سيأتي إليه الإشارة (٥).

وتقييده بالرجل بعيد عن سياقه ، ولو سلّم فلا يبعد حمله على التقية ، فإن القول بذلك نسبه في المنتهى إلى مالك والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين ، وأصحاب الرأي وأكثر الفقهاء (٦) ، ويعضده أن الراوي حسين بن علوان وهو عامي.

وفي الخبر : أن أبا جعفر عليه‌السلام اتّزر بإزار وغطّى ركبتيه وسرّته ، ثمَّ‌

__________________

(١) لم نعثر عليه في كتب الحديث ، ورواه بهذا المتن في الذكرى : ١٣٩ عن محمد بن حكيم ، ولكن ما روي عنه في التهذيب ١ : ٣٧٤ / ١١٥٠ هكذا : « إن الفخذ ليست من العورة ». انظر الوسائل ٢ : ٣٤ أبواب آداب الحمّام ب ٤ ح ١.

(٢) الخلاف ١ : ٣٩٤.

(٣) المهذّب ١ : ٨٣.

(٤) قرب الإسناد : ١٠٣ / ٣٤٥ ، الوسائل ٢١ : ١٤٨ أبواب نكاح العبيد ب ٤٤ ح ٧.

(٥) في ص ٣٧٣.

(٦) المنتهى ١ : ٢٣٦.

٣٧٦

أمر صاحب الحمام فطلى ما كان خارجا من الإزار ، ثمَّ قال : « اخرج عنّي » ثمَّ طلى هو ما تحته بيده ، ثمَّ قال : « هكذا فافعل » (١).

وفيه دلالة على استحباب ستر الركبة أيضا ، كما عن ابن حمزة (٢).

وإنما حمل على الفضيلة لما مرّ من الأدلّة ؛ مضافا إلى أنه روي ـ في مثل هذه الحكاية التي تضمنها ـ : أنه عليه‌السلام كان يطلي عانته وما يليها ، ثمَّ يلفّ إزاره على طرف إحليله ويدعو قيّم الحمّام فيطلي سائر بدنه (٣).

وربما يحكى عن الحلبي أنه جعل العورة من السرة إلى نصف الساق (٤).

وفيه نظر ، فإن المحكي عنه في المختلف موافقته للقاضي ، إلّا أنه قال : ولا يمكن ذلك إلّا بساتر من السرة إلى نصف الساق ليصح سترها في حال الركوع والسجود (٥).

وهو ـ كما ترى ـ ظاهر في موافقته القاضي. وإيجابه الستر إلى نصف الساق لا ينافيه ، لظهور عبارته في أنه من باب المقدمة لا من حيث كون الركبة فما دونها من العورة ، ولعلّه لذا ادعى الفاضلان الإجماع على أن الركبة ليست من العورة في المعتبر والمنتهى والتحرير والتذكرة (٦) ، فلا وجه لتلك الحكاية.

والمراد بالقبل هو : القضيب والبيضتان دون العانة ، وبالدبر : نفس المخرج دون الأليين ـ بفتح الهمزة والياء بغير تاء ، كما قيل (٧) ، تثنية الألية بالفتح أيضا ـ كما صرح به جماعة (٨) ، من غير خلاف بينهم أجده إلّا من الفاضل في‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٥٠١ / ٢٢ ، الوسائل ٢ : ٦٧ أبواب آداب الحمام ب ٣١ ح ١.

(٢) الوسيلة : ٨٩.

(٣) الكافي ٦ : ٤٩٧ / ٧ ، الفقيه ١ : ٦٥ / ٢٥٠ ، الوسائل ٢ : ٦٨ أبواب آداب الحمام ب ٣١ ح ٢.

(٤) حكاه عنه الشهيد في الذكرى : ١٤٠.

(٥) المختلف : ٨٣ ، وانظر الكافي في الفقه : ١٣٩.

(٦) المعتبر ٢ : ١٠٠ ، المنتهى ١ : ٢٣٦ ، التحرير ١ : ٣١ ، التذكرة ١ : ٩٢.

(٧) مجمع البحرين ١ : ٢٩.

(٨) منهم ابن سعيد في الجامع للشرائع : ٦٥ ، والشهيد الأول في الذكرى : ١٣٩ ، والسبزواري في الكفاية : ١٦.

٣٧٧

التحرير ، فظاهره التردد في جعل البيضتين من القبل (١) ، وهو شاذّ يردّه أول المستفيضة (٢) ، مع شهادة العرف بأنهما من العورة.

(وستر جسده كله مع الرداء) أو ما يقوم مقامه مما يجعل على الكتفين (أكمل) كما مر في النصوص في بحث كراهة الإمامة من غير رداء (٣).

(ولا تصلّي الحرة إلّا في درع وخمار ساترة) بهما (جميع جسدها عدا الوجه والكفّين) بلا خلاف في كل من حكمي المستثنى منه والمستثنى إلّا من الإسكافي في الأول ، فلم يوجب عليها إلّا ستر سوأتيها القبل والدبر كالرجل (٤). وهو شاذّ مخالف لإجماع العلماء على كون جميع جسدها عورة من غير استثناء ، كما في المنتهى (٥) ، أو مع استثناء الوجه خاصّة كما عن المعتبر والتذكرة (٦) ، أو مع الكفّين والقدمين ، كما في الذكرى ، قال : اقتصارا على المتّفق عليه فيما بين جميع العلماء (٧).

وحيث ثبت كونها بجميعها أو ما عدا المستثنى عورة وجب عليها سترها ، لإجماع العلماء على وجوب ستر العورة مطلقا ، كما مضى ، مع النصوص الدالة على ذلك أيضا (٨).

هذا مضافا إلى الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة ، ففي الصحيح : عن أدنى ما تصلّي فيه المرأة ، قال : « درع وملحفة تنشرها على رأسها وتجلل بها » (٩).

__________________

(١) التحرير ١ : ٣١.

(٢) تقدّمت في ص : ٣٧٠.

(٣) راجع ص : ٣٥٤.

(٤) كما حكاه عنه في المختلف : ٨٣.

(٥) المنتهى ١ : ٢٣٦.

(٦) المعتبر ٢ : ١٠١ ، التذكرة ١ : ٩٢.

(٧) الذكرى : ١٣٩.

(٨) راجع ص : ٣٦٩.

(٩) التهذيب ٢ : ٢١٧ / ٨٥٣ ، الاستبصار ١ : ٣٨٨ / ١٤٧٨ ، الوسائل ٤ : ٤٠٧ أبواب لباس المصلي ب ٢٨ ح ٩.

٣٧٨

وفيه : « المرأة تصلّي في الدرع والمقنعة إذا كان كثيفا » يعني ستيرا (١).

بل يستفاد من جملة منها الأمر بملحفة تضمّها عليها زيادة على الدرع والخمار ، كما في الصحيح (٢) ، ونحوه الموثق : « تصلّي المرأة في ثلاثة أثواب : إزار ودرع وخمار ، ولا يضرّها بأن تقنّع بالخمار ، فإن لم تجد فثوبين تتّزر بأحدهما وتقنّع بالآخر » (٣) الخبر.

وحمله الشيخ على الفضل أو على كون الدرع والخمار لا يواريان شيئا (٤).

ولا بأس به ، جمعا بينهما وبين الصحيحين الظاهرين في كفاية الخمار والدرع إذا كان ستيرا (٥) ، ونحوهما غيرهما ، كالخبر : عن المرأة تصلي في درع وملحفة ليس عليها إزار ولا مقنعة ، قال : « لا بأس إذا التفّت بها ، وإن لم تكن تكفيها عرضا جعلتها طولا » (٦).

ومن (٧) صريح الاقتصاد وظاهر الجمل والعقود والغنية (٨) ـ فيما حكي ـ في استثناء الكفين ، فأوجبوا سترهما ، ولعلّه للمعتبرين السابقين الدالّين على‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٤٣ / ١٠٨١ ، الوسائل ٤ : ٤٠٥ أبواب لباس المصلي ب ٢٨ ح ٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٢١٨ / ٨٦٠ ، الاستبصار ١ : ٣٩٠ / ١٤٨٤ ، الوسائل ٤ : ٤٠٧ أبواب لباس المصلي ب ٢٨ ح ١١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٩٥ / ١١ ، التهذيب ٢ : ٢١٧ / ٨٥٦ ، الاستبصار ١ : ٣٨٩ / ١٤٨٠ ، الوسائل ٤ : ٤٠٦ أبواب لباس المصلي ب ٢٨ ح ٨.

(٤) كما في التهذيب ٢ : ٢١٩.

(٥) الأول : المتقدم في نفس الصفحة الرقم (١).

الثاني :

الكافي ٣ : ٣٩٤ / ٢ ، التهذيب ٢ : ٢١٧ / ٨٥٥ ، الوسائل ٤ : ٤٠٦ أبواب لباس المصلي ب ٢٨ ح ٧.

(٦) الفقيه ١ : ٢٤٤ / ١٠٨٤ ، الوسائل ٤ : ٤٠٥ أبواب لباس المصلي ب ٢٨ ح ٥.

(٧) عطف على قوله : الإسكافي ، في ص ٣٧٣.

(٨) الاقتصاد : ٢٥٨ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٧٦ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٥.

٣٧٩

لزوم ملحفة تضمّها عليها زيادة على الثوبين ، وضمّها عليها يستلزم سترهما.

وقد عرفت ما فيهما ، مضافا إلى الإجماع المحكي في المختلف والمنتهى وشرح القواعد للمحقق الثاني والذكرى (١) على عدم وجوب سترهما ، بل ظاهر الأخيرين كونه مجمعا عليه بين العلماء إلّا نادرا من العامة العمياء.

فإيجاب سترهما ضعيف ، سيّما مع مخالفته الأصل ، وعدم معلومية كونهما عورة ليجب سترهما ، لعدم دليل عليه إلّا الإجماع المحكي في المنتهى وغيره (٢) على كونها جملة عورة ، وهو عام مخصّص بما مرّ من الإجماع المحكي فيها أيضا على عدم وجوب سترهما.

مع ما عرفت من الذكرى من جعل العورة فيها ما عدا المستثنيات خاصّة ، مؤذنا بعدم كونها عورة ، كما صرّح به الفاضل في المختلف وغيره (٣) ، بل هو المشهور فتوى ورواية لكن في الوجه والكفين خاصة ، حيث جوّزوا النظر إليهما للأجنبي في الجملة أو مطلقا ، كما سيأتي بيانه في كتاب النكاح مفصّلا إن شاء الله تعالى ، ولذا لا يتأتّى لنا القطع بكون المرأة بجملتها عورة من جهة الإجماع ، لمكان الخلاف.

نعم ، في جملة من النصوص العامية والخاصية ما يدل عليه (٤) ، لكنها بحسب السند قاصرة. ودعوى جبرها بفتوى العلماء غير ممكنة على سبيل الكلّية ، بل هي جابرة في الجملة.

وأضعف منه ما يستفاد من إطلاق الكتب الثلاثة بعد الاقتصاد (٥) : من‌

__________________

(١) المختلف : ٨٣ ، المنتهى ١ : ٢٣٦ ، جامع المقاصد ٢ : ٩٦ ، الذكرى : ١٣٩.

(٢) المنتهى ١ : ٢٣٦ ، وانظر جامع المقاصد ٢ : ٩٦.

(٣) المختلف : ٨٣ ، وانظر المعتبر ٢ : ١٠١ ، وجامع المقاصد ٢ : ٩٦ ، والبحار ٨٠ : ١٧٩.

(٤) سنن الترمذي ٢ : ٣١٩ / ١١٨٣ ، وانظر الوسائل ٢٠ : ٦٦ أبواب مقدمات النكاح وآدابه ب ٢٤ ح ٤ ، ٦ ، وص ٢٣٤ ب ١٣١ من تلك الأبواب ح ١.

(٥) راجع ص : ٣٧٤ ، والكتب التي بعد الاقتصاد ليست ثلاثة ، بل اثنان وهما : الجمل والعقود ،

٣٨٠