رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٢

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٢

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-090-0
الصفحات: ٤١٠

الصلاة فيها » (١).

ونحوه الخبر المروي في التهذيب والاستبصار بسند محتمل الصحة في الأخير (٢).

هذا مضافا إلى إطلاق النصوص بالمنع عن الصلاة في نحو الوبر والشعر (٣).

وتوهم اختصاصه بالملابس بملاحظة لفظة « في » المقتضية لذلك.

مدفوع بعدم جريانه في الموثق كالصحيح المتقدم (٤) ، لدخولها عليهما وعلى البول والروث أيضا ، وليست بالنسبة إليهما للظرفية قطعا ، بل لمطلق الملابسة. ومثله حجّة ، سيّما بعد اعتضاده بالشهرة بين الطائفة عموما في أصل المسألة ، وخصوصا في نحو التكّة ، على الظاهر ، المصرّح به في كلام جماعة ومنهم صاحبا المدارك والذخيرة (٥) ، بل صرّح الأخير بالشهرة على الإطلاق حتى في نحو الشعرات الملقاة ، كخالي العلامة المجلسي فيما حكي عنه (٦).

مع مخالفته العامّة ، كما صرّح به جماعة (٧) ، واعتضاده بالصحيحين وما قبلهما من الرواية.

خلافا للمبسوط وابن حمزة ، فيجوز مع الكراهة (٨) ، وحجّتهما غير واضحة عدا ما في المختلف من وجه اعتباري ضعيف (٩) ، ومكاتبة أخرى‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٩٩ / ٩ ، التهذيب ٢ : ٢٠٦ / ٨٠٦ ، الوسائل ٤ : ٣٥٦ أبواب لباس المصلي ب ٧ ح ٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٠٦ / ٨٠٥ ، الاستبصار ١ : ٣٨٣ / ١٤٥٢ ، الوسائل ٤ : ٣٥٦ أبواب لباس المصلي ب ٧ ح ٥.

(٣) الوسائل ٤ : ٣٤٥ أبواب لباس المصلي ب ٢.

(٤) في ص : ٢٩٤.

(٥) المدارك ٣ : ١٦٧ ، الذخيرة : ٢٣٤.

(٦) بحار الأنوار ٨٠ : ٢٢١.

(٧) منهم صاحبا الذخيرة : ٢٣٤ ، والحدائق ٧ : ٧٩.

(٨) المبسوط ١ : ٨٤ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٨٨.

(٩) وهو : إنه قد ثبت للتكّة والقلنسوة حكم مغاير لحكم الثوب من جواز الصلاة فيهما وإن كانا

٣٠١

صحيحة : هل يصلّى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه ، أو تكة حرير محض ، أو تكة من وبر الأرانب؟ فكتب : لا تحلّ الصلاة في الحرير المحض ، وإن كان الوبر ذكيّا حلّت الصلاة فيه » (١).

وفيها ـ بعد الإغماض من كونها مكاتبة تضعف عن مقاومة الرواية مشافهة وإن قصرت عن الصحة ، لانجبارها كما عرفت بالشهرة المرجّحة لها على الصحيح ، بل الصحاح ، مع اعتضادها بالمكاتبات الثلاث التي جملة منها كما عرفت صحيحة لا يعارضها هذه المكاتبة للشهرة ـ : أنها قاصرة الدلالة بما ذكره الماتن في المعتبر ـ وحكاه عنه في الذكرى ساكتا عليه ـ : من أن غايتها أنها تضمنت قلنسوة عليها وبر ، فلا يلزم جوازها من الوبر (٢).

وما يقال : من أنها مصرّحة بجواز الصلاة في الوبر المسؤول عنه ، ومن جملة ما وقع السؤال عنه التكّة المعمولة من وبر الأرانب ، فكيف يدّعى أنها تضمنت ما على القلنسوة من الوبر لا غير؟ (٣).

يمكن الجواب عنه : بأن ما ذكره حسن لو عطف قوله : « أو تكة » على قوله : « قلنسوة » مع أنه يحتمل العطف على قوله : « وبر » بعد قوله : « عليها » ولا ترجيح للأول (٤) ، بل قرب المرجع يرجّح الثاني وإن بعد عن الاعتبار ، لكن غايته التوقف في الترجيح (٥).

ولو سلّم ترجيح الأوّل لكان المتعين حملها على التقية ، لكون الجواز مذهب العامة كما صرّح به جماعة (٦) ، ويشير إليه كونها مكاتبة.

مع أنّها متضمنة لاشتراط كون الوبر مذكّى في حلّ الصلاة فيه ، وهو‌

__________________

نجسين أو من حرير محض ، فكذا يجوز لو كانا من وبر الأرانب وغيرها. المختلف : ٨٠.

(١) التهذيب ٢ : ٢٠٧ / ٨١٠ ، الاستبصار ١ : ٣٨٣ / ١٤٥٣ ، الوسائل ٤ : ٣٧٧ أبواب لباس المصلي ب ١٤ ح ٤.

(٢) المعتبر ٢ : ٨٣ ، الذكرى : ١٤٤.

(٣) قال به الشهيد الثاني في روض الجنان : ٢١٤.

(٤) في « ح » زيادة : على الثاني.

(٥) في « ح » زيادة : فتأمل.

(٦) راجع ص ٢٩٦ الهامش (٧).

٣٠٢

خلاف الإجماع نصّا وفتوى بأيّ معنى اعتبر التذكية فيها : بمعنى الطهارة أو قبول الحيوان ذي الوبر التذكية ، إذ الطهارة غير مشترطة في نحو التكة التي هي مورد السؤال مما لا يتم فيه الصلاة اتفاقا. وكذا قبول الحيوان التذكية ، لعدم اشتراطها في الوبر من طاهر العين منه الذي هو مورد البحث في المسألة إجماعاً.

قيل : ولعل المراد من التذكية فيها كونه مما يؤكل لحمه ، ويشير إلى ذلك بعض الأخبار : في الصلاة في الفراء ، فقال : « لا تصلّ فيها إلّا ما كان ذكيّا » قال ، قلت : أليس الذكي ما ذكّي بالحديد؟ فقال : « بلى إذا كان مما يؤكل لحمه » (١).

ولا بأس به ـ وإن بعد ـ جمعا. ولكن الأولى حملها على التقية ، لما مرّ ؛ مضافا إلى مناسبة اشتراط التذكية فيها لما يحكى عن الشافعي وأحمد : من اشتراطهما كون الشعر ونحوه مأخوذا من الحي ، أو بعد التذكية ، وأنه إذا أخذ من الميت فهو نجس لا تصح الصلاة فيه (٢).

ومما ذكر ظهر ضعف الاستناد إلى هذه الرواية للحكم بجواز الصلاة في الشعرات الملقاة خاصة دون التكة ، نظرا إلى صحتها وضعف الرواية السابقة المصرحة بالمنع فيها بالخصوص.

لأن الضعف كما عرفت بما مرّ مجبور ، والصحيحة قد عرفت وجوه القدح فيها ، سيّما التقية.

وأضعف منه الاستناد لذلك بأن فيه الجمع بين الأخبار المانعة بحملها‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٩٧ / ٣ ، التهذيب ٢ : ٢٠٣ / ٧٩٧ ، الوسائل ٤ : ٣٤٥ أبواب لباس المصلي ب ٢ ح ٢.

(٢) نقله عن الشافعي في صحيح مسلم بشروح النووي ( إرشاد الساري ٢ ) : ٤٣٢ ، وحكاه عن أحمد في المغني والشرح الكبير ١ : ١٠٥.

٣٠٣

على الثوب المعمول من ذلك ، والمجوّزة بحملها على الشعرات الملقاة على الثوب (١).

لعدم الشاهد عليه أوّلا ، وفقد التكافؤ ثانيا ، مع تصريح المكاتبة الصحيحة أخيرا ـ بزعمه ـ بجواز الصلاة في التكة والمكاتبة الأولى بالمنع من الشعرات الملقاة ، وقريب منها الموثقة كالصحيحة المتقدمة (٢) كما عرفته ، فكيف يتم له الجمع بما ذكره؟

وقريب منه في الضعف ما ذكره الشيخ : من الجمع بينهما بحمل المجوّزة على ما يعمل منها ما لا يتم الصلاة فيه وحده كالتكة ونحوها ، والمانعة على غيره (٣).

إذ فيه إطراح للمكاتبتين المصرّحتين بالمنع عن التكة والقلنسوة (٤).

وأضعف من الجميع الاستناد للجواز في الشعر الملقى بالمعتبرة الدالة على جواز الصلاة في شعر الإنسان وأظفاره كما في الصحيحين (٥) ، وبزاقه كما في المروي عن قرب الإسناد (٦).

فإنّ الظاهر خروج ذلك ـ كفضلات ما لا يؤكل لحمه غير ذي النفس مما لا يمكن التحرز عنه كالقمل والبرغوث والبق ونحوه ـ عن محل النزاع ، كما صرّح به جماعة من الأصحاب (٧) ، لاختصاص أدلّة المنع نصا وفتوى بحكم التبادر وغيره‌

__________________

(١) انظر روض الجنان : ٢١٤.

(٢) في ص : ٢٩٣.

(٣) كما في التهذيب ٢ : ٢٠٧.

(٤) المتقدمتين في ص : ٢٩٤.

(٥) الفقيه ١ : ١٧٢ / ٨١٢ ، التهذيب ٢ : ٣٦٧ / ١٥٢٦ ، الوسائل ٤ : ٣٨٢ أبواب لباس المصلي ب ١٨ ح ١ ، ٢.

(٦) قرب الاسناد : ٨٦ / ٢٨٢ ، الوسائل ٣ : ٤٢٧ أبواب النجاسات ب ١٧ ح ٦.

(٧) منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ١٨٤ ، وصاحب الحدائق ٧ : ٨٤ ، وانظر روض

٣٠٤

بغير ذلك جدّا ، مع لزوم العسر الحرج والضيق في التجنب عن نحو ذلك قطعا ، ومخالفته لإجماع المسلمين ، بل الضرورة أيضا.

ويعضد المختار ما سيأتي من الأخبار المانعة عن الصلاة في الخزّ المغشوش بوبر الأرانب (١) ، فتأمّل ، والمانعة عن الصلاة في الثياب الملاصقة لوبر الأرانب والثعالب (٢) ، بناء على أنّ الظاهر أنّ وجه المنع فيها إنما هو احتمال تساقط الشعرات منهما عليها ، ولا يتمّ إلّا بتقدير المنع عن الصلاة معها مطلقا.

(ويجوز استعماله) أي كلّ من جلد ما لا يؤكل لحمه وصوفه وشعره ووبره (لا في الصلاة) مطلقا ولو أخذ من ميتة إلّا إذا كانت نجسة العين أو كان المأخوذ منها جلدا.

(ولو كان) كل من المذكورات (مما يؤكل لحمه) شرعا (جاز) استعماله (في الصلاة وغيرها) مطلقا فيما عدا الجلد ، ويشترط التذكية فيه وإلّا فهو ميتة. بلا خلاف في الجواز في شي‌ء من ذلك أجده ، بل عليه في المتخذ من مأكول اللحم إجماع الإمامية في عبائر جماعة (٣).

والنصوص به مع ذلك بعد الأصل مستفيضة ، منها الصحيح : « عن لباس الفراء والفنك والسمور والثعالب وجميع الجلود ، قال : لا بأس » (٤).

وفي الصحيح : عن لبس فراء السمور والسنجاب والحواصل وما أشبهها ، والمناطيق والكيمخت والمحشوّ بالقزّ والخفاف من أصناف الجلود ،

__________________

الجنان : ٢١٤.

(١) انظر ص : ١٢٣٢.

(٢) في ص : ٣٤٢.

(٣) منهم الصدوق في أماليه : ٥١٠ ، ٥١٣ ، وانظر المعتبر ٢ : ٨٣ ، والمنتهى ١ : ٢٣٠ ، وجامع المقاصد ٢ : ٧٧.

(٤) التهذيب ٢ : ٢١١ / ٨٢٦ ، الاستبصار ١ : ٣٨٥ / ١٥٦٠ ، الوسائل ٤ : ٣٥٢ أبواب لباس المصلي ب ٥ ح ١.

٣٠٥

فقال : « لا بأس بهذا كله إلّا بالثعالب » (١).

ويستفاد منه البأس في الثعالب ولعلّه للكراهة ، وإلّا فقد صرّحت الصحيحة السابقة بالجواز ، ونحوها غيرها : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : الثعالب يصلى فيها؟ قال : لا ، ولكن تلبس بعد الصلاة » (٢) إلى غير ذلك من النصوص الآتية.

وفي الصحيح : « لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة ، لأن الصوف ليس فيه روح » (٣).

وفيه : « اللبن واللبأ (٤) والبيضة والشعر والصوف والقرن والناب والحافر وكل شي‌ء ينفصل من الشاة والدابة فهو ذكي ، وإن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله وصلّ فيه » (٥).

وفي الموثق كالصحيح السابق : « فإن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكل شي‌ء منه جائز إذا علمت أنه ذكي قد ذكّاه الذبح (٦).

وفي الخبر : عن لباس الفراء والصلاة فيها ، فقال : لا تصلّ فيها إلّا ما كان ذكيّا » إلى آخر ما مرّ قريبا (٧).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٦٩ / ١٥٣٣ ، الوسائل ٤ : ٣٥٢ أبواب لباس المصلي ب ٥ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٤٠٠ / ١٤ ، التهذيب ٢ : ٢١٠ / ٨٢٢ ، الاستبصار ١ : ٣٨٤ / ١٤٥٧ ، الوسائل ٤ : ٣٥٦ أبواب لباس المصلي ب ٧ ح ٤.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٦٨ / ١٥٣٠ ، الوسائل ٤ : ٤٥٧ أبواب لباس المصلي ب ٥٦ ح ١.

(٤) اللبأ على فعل بكسر الفاء وفتح العين : أوّل اللبن في النتاج. الصحاح ١ : ٧٠.

(٥) الكافي ٦ : ٢٥٨ / ٤ ، التهذيب ٩ : ٧٥ / ٣٢١ ، الوسائل ٢٤ : ١٨٠ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٣٣ ح ٣.

(٦) تقدم مصدره في ص : ٢٩٤.

(٧) في ص : ٢٩٨.

٣٠٦

وفي آخر : إنّ بلادنا بلاد باردة فما تقول في لبس هذا الوبر؟ فقال : « البس منها ما أكل وضمن » (١).

وعن تحف العقول في حديث : « وكل شي‌ء يؤكل لحمه فلا بأس بلبس جلده الذكيّ منه وصوفه وشعره ووبره ، وإن كان الصوف والشعر والوبر والريش من الميتة وغير الميتة ذكيّا فلا بأس بلبس ذلك والصلاة فيه » (٢) إلى غير ذلك من النصوص.

وإطلاقها بل صريح بعضها كما ترى يقتضي جواز استعمال نحو الصوف والشعر مطلقا (وإن أخذ من ميتة جزّا) وقرضا (أو قلعا) ونتفا.

ولا خلاف فيه في الأوّل ، وهو في الثاني مشهور بين الأصحاب ، على الظاهر ، المصرّح به في كلام بعض (٣) ، للإطلاق. وهو وإن عمّ صورتي كون القلع (مع غسل موضع الاتصال) (٤) وعدمه ، إلّا أنه يجب تقييده بالصحيح المتقدم المتضمن لقوله : « وإن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله ».

وظاهر أنّ المأمور بغسله هو موضع الاتّصال خاصة ، أو المجموع بعد امتزاج بعضها مع بعض ـ كما هو الغالب ـ فيلزم غسله أجمع من باب المقدمة.

وعلّل ـ زيادة عليه ـ بأنّ باطن الجلد لا يخلو عن رطوبة ، مع أنّ بعضهم نجّس الملاقي للميتة مطلقا (٥).

خلافا للمحكي عن ابن حمزة (٦) ، والصيد والذبائح من النهاية‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٥٠ / ٣ ، الوسائل ٤ : ٣٤٦ أبواب لباس المصلي ب ٢ ح ٣.

(٢) تحف العقول : ٢٥٢ ، الوسائل ٤ : ٣٤٧ أبواب لباس المصلي ب ٢ ح ٨.

(٣) الحدائق ٥ : ٨٢.

(٤) في المختصر المطبوع زيادة : نتفا.

(٥) انظر نهاية الإحكام ١ : ٢٩٢ ، وروض الجنان : ١٦٨ ، والمعالم : ٢٧٦. وقد تقدّم البحث فيه في ص ١٤٣ ـ ١٤٤.

(٦) الوسيلة : ٨٨.

٣٠٧

والمهذّب (١) ، وكتاب المأكول والمشروب من الإصباح (٢) ، فقالوا : لا يحل الصوف والشعر والوبر من الميتة إذا كان مقلوعا.

وحمل في السرائر والمعتبر والمنتهى (٣) على أن لا يزال ما يستصحبه ولا يغسل موضع الاتصال.

قيل : وقد يقال : إنّ ما في باطن الجلد لم يتكوّن صوفا أو شعرا أو وبرا (٤). وضعفه ظاهر.

وعن الوسيلة اشتراط أن لا ينتف من حي أيضا (٥).

وهو مبنيّ على استصحابها شيئا من الأجزاء ، والأجزاء المبانة من الحي كالمبانة من الميت ، ولذا اشترط في المنتهى ونهاية الإحكام في المنتوف منه‌

__________________

(١) النهاية : ٥٨٥ ، المهذّب ٢ : ٤٤١.

(٢) الإصباح في فقه الإمامية ، لأبي الحسن محمد بن الحسين بن الحسن البيهقي النيسابوري ، المشتهر بقطب الدين الكيدري ( بالدال المهملة ، وكيدر قرية من قرى بيهق ) أو الكيذري ( بالذال المعجمة ، كما ضبطه السيد علي خان في طراز اللغة ) أو الكندري ( بالنون ، كما ضبطه الفاضل الهندي في كشف اللثام ). وكان فقيها متبحّرا فاضلا أديبا من أكمل علماء زمانه في أكثر الفنون ، وأقواله في الفقه مشهورة ، منقولة في المختلف وغاية المراد والمسالك وكشف اللثام وغيرها ، وله كتب منها : حدائق الحقائق ، في شرح نهج البلاغة ، فرغ منه في شعبان سنة ٥٧٦ ، وكفاية البرايا في معرفة الأنبياء والأولياء ، ومباهج المنهج في مناهج الحجج ، ولبّ الألباب في الكلام ، والدرر في دقائق النحو ، وكتاب أنوار العقول ، ولا يبعد كونه بعينه هو الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام. انظر طراز اللغة ( كذر ) ، أمل الآمل ٢ : ٢٢٠ ، أعيان الشيعة ٨ : ٤٥١ ، روضات الجنّات ٦ : ٢٩٥ ـ ٣٠٠ ، فوائد الرضوية : ٤٩٣ ، رجال السيد بحر العلوم ٣ : ٢٤٠ ـ ٢٤٨ ، الكنى والألقاب ٣ : ٦٠ ، الذريعة ٢ : ١١٨. وغير بعيد اتحاده مع قطب الدين محمد بن الحسين بن أبي الحسين القزويني ، الذي ذكره منتجب الدين في فهرسته : ١٨٧ / ٤٨٩.

(٣) السرائر ٣ : ١١١ ، المعتبر ٢ : ٨٤ ، المنتهى ١ : ٢٣١.

(٤) كما في كشف اللثام ١ : ١٨٢.

(٥) الوسيلة : ٨٧.

٣٠٨

أيضا الإزالة والغسل ، وذكر أنه لا بد فيه من استصحاب شي‌ء من مادته (١).

قلت : نعم ، ولكن في كون مادته جزاء له نظر ، بل الظاهر كونه فضلة ، إلّا أن يحسّ بانفصال شي‌ء من الجلد أو اللحم معه. كيف ولو صحّ ذلك لم يصح الوضوء غالبا ، خصوصا في الأهوية اليابسة ، لأنها لا تخلو عن انفصال شي‌ء من الحواجب واللحى.

(ويجوز) الصلاة (في) وبر (الخزّ الخالص) من الامتزاج بوبر الأرانب والثعالب وغيرهما مما لا تصح الصلاة فيه ، لا مطلق الخلوص. فلو كان ممتزجا بالحرير مثلا بحيث لا يكون الخزّ مستهلكا به لم يضرّ ، وبه وقع التصريح في بعض الأخبار (٢).

والأصل فيه ـ بعد الإجماع ، على الظاهر ، المصرّح به في كثير من العبائر (٣) حدّ الاستفاضة بل فصاعدا ـ المعتبرة المستفيضة ، وفيها الصحاح والموثق وغيرها (٤).

وكذلك جلده عند الأكثر ، على الظاهر ، المصرّح به في كلام بعض (٥) ، للصحيح : عن جلود الخزّ ، فقال : « هو ذا نحن نلبس » فقلت : ذاك الوبر ،

__________________

(١) المنتهى ١ : ٢٣١ ، نهاية الإحكام ١ : ٣٧٤.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٦٧ / ١٥٢٤ ، الاستبصار ١ : ٣٨٦ / ١٤٦٨ ، الوسائل ٤ : ٣٧٤ أبواب لباس المصلي ب ١٣ ح ٥.

(٣) كالغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٥ ، والسرائر ١ : ٢٦١ ـ ٢٦٢ ، والمعتبر ٢ : ٨٤ ، والمنتهى ١ : ٢٣١ ، والتذكرة ١ : ٩٥ ، ونهاية الإحكام ١ : ٣٧٤. والذكرى : ١٤٤ ، وشرح القواعد للمحقق الثاني ( جامع المقاصد ٢ : ٧٨ ) ، وروض الجنان للشهيد الثاني : ٢٠٦ ، وشرح الشرائع للصيمري ، ونفى عنه الخلاف في التنقيح ١ : ١٧٨ ، وغيره. منه رحمه الله.

(٤) انظر الوسائل ٤ : أبواب لباس المصلي ب ٨ ، ٩.

(٥) لم نعثر على من نسب الجواز إلى الأكثر ، نعم نقل في مفتاح الكرامة ٢ : ١٣٣ عن كشف الالتباس للصيمري أنه المشهور.

٣٠٩

فقال : « إذا حلّ وبره حلّ جلده » (١).

والموثق : عن الصلاة في الخزّ ، فقال : « صلّ فيه » (٢).

وفيهما نظر ، لعدم تصريح في الأوّل بجواز الصلاة ، فيحتمل حلّ اللبس كما يشعر به سياقه.

نعم قوله : « إذا حلّ وبره » إلى آخره ، ربما أشعر بتلازمهما في الحلّ مطلقا حتى في الصلاة. لكنّه ليس بصريح ، بل ولا ظاهر ، لقوّة احتمال اختصاص التلازم في حلّ اللبس ـ المستفاد من السياق ـ خاصة ، فيشكل الخروج بمجرّده عن عموم ما دلّ على المنع عن الصلاة في جلد كل ما لا يؤكل لحمه.

وبنحوه يجاب عن الموثق ، وإن صرّح فيه بجواز الصلاة ، لإطلاقه أو عمومه من وجه آخر ، وهو عدم التصريح فيه بالمراد من الخزّ المطلق فيه أ هو الجلد ، أو الوبر ، أو هما معا؟ فيحتمل إرادة الوبر منه خاصة ، كما هو المتبادر منه حيثما يطلق ، سيّما في الأخبار ، كما لا يخفى على الناظر فيها بعين الإنصاف.

وأضعف منهما الاستدلال له بالصحيح : عن جلود الخز ، فقال : « ليس بها بأس » (٣).

لعدم التصريح فيه بالصلاة ، مع عدم تضمنه ما في الصحيح الأوّل مما يشعر بالتلازم بين حكم الجلد والوبر على الإطلاق.

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٥٢ / ٧ ، التهذيب ٢ : ٣٧٢ / ١٥٤٧ ، الوسائل ٤ : ٣٦٦ أبواب لباس المصلي ب ١٠ ح ١٤.

(٢) التهذيب ٢ : ٢١٢ / ٨٢٩ ، الوسائل ٤ : ٣٦٠ أبواب لباس المصلي ب ٨ ح ٥.

(٣) الكافي ٦ : ٤٥١ / ٣ ، علل الشرائع : ٣٥٧ / ١ الوسائل ٤ : ٣٦٢ أبواب لباس المصلي ب ١٠ ح ١.

٣١٠

ومن هنا ظهر عدم نص في الجلد يطمئن إليه في تخصيص عموم المنع.

ولعله لذا أفتى الفاضل في التحرير والمنتهى (١) بالمنع ، قائلا إنّ الرخصة وردت في وبر الخز لا في جلده ، فيبقى على المنع المستفاد من العموم ، وهو خيرة الحلي نافيا الخلاف عنه كما حكي (٢).

ولا ريب أنه الأحوط للعبادة ، تحصيلا للبراءة اليقينية. وإن كان الجواز لا يخلو عن قرب ، لقوة الإشعار السابق المعتضد بعموم الموثق المتقدم.

مضافا إلى ظاهر الخبر المنجبر ضعفه بعمل الأكثر : ما تقول في الصلاة في الخز؟ فقال : « لا بأس بالصلاة فيه » إلى أن قال عليه‌السلام : « فإنّ الله تعالى أحلّه وجعل ذكاته موته كما أحلّ الحيتان وجعل ذكاتها موتها » (٣).

والتقريب وروده في الصلاة مع التصريح فيه بالذكاة ، وهي إنما تعتبر في نحو الجلد لا الوبر مما لا تحلّه الحياة.

لكنه ينافيه الخبر المروي في الاحتجاج عن مولانا صاحب الزمان عليه‌السلام أنه سئل : روي لنا عن صاحب العسكر عليه‌السلام أنه سئل عن الصلاة في الخز الذي يغشّ بوبر الأرانب ، فوقّع عليه‌السلام : « يجوز » وروي عنه أيضا : « لا يجوز » فأيّ الخبرين نعمل به؟ فأجاب عليه‌السلام : « إنما حرم في هذه الأوبار والجلود ، فأما الأوبار وحدها فكل حلال » (٤).

وكيف كان ، فالاحتياط لا يترك ، بل عن أمالي الصدوق أن الأولى ترك الصلاة في الخز من أصله (٥).

__________________

(١) التحرير ١ : ٣٠ ، المنتهى ١ : ٢٣١.

(٢) السرائر ١ : ٢٦٢.

(٣) الكافي ٣ : ٣٩٩ / ١١ ، التهذيب ٢ : ٢١١ / ٨٢٨ ، الوسائل ٤ : ٣٥٩ أبواب لباس المصلي ب ٨ ح ٤.

(٤) الاحتجاج : ٤٩٢ ، الوسائل ٤ : ٣٦٦ أبواب لباس المصلي ب ١٠ ح ١٥.

(٥) أمالي الصدوق : ٥١٣.

٣١١

قيل : ولم يذكر جواز الصلاة فيه الحلبي ولا الصدوق في الهداية بل اقتصر فيها على رواية ، ولا الشيخ في عمل يوم وليلة بل اقتصر فيه على حرمة الصلاة فيما لا يؤكل لحمه من الأرنب والثعلب وأشباههما ، وكذا العلامة في التبصرة (١).

و (لا) يجوز الصلاة في (المغشوش) منه (بوبر الأرانب والثعالب) على الأظهر الأشهر ، بل لا خلاف فيه يظهر إلّا من الصدوق في الفقيه ، حيث قال ـ بعد نقل رواية الجواز (٢) ـ : هذه رخصة ، الآخذ بها مأجور والرادّ لها مأثوم ، والأصل ما ذكره أبي رحمه‌الله في رسالته إليّ : وصلّ في الخزّ ما لم يكن مغشوشا بوبر الأرانب (٣).

وهو شاذ كروايته ، مع ضعف سندها ، وبشذوذها صرّح الشيخ في التهذيبين ، حاملا لها على التقية (٤) ، مؤذنا بدعوى إجماعنا عليه ، كما صرّح به في الخلاف في المغشوش بوبر الأرانب (٥) ، وكذا ابن زهرة فيه وفي المغشوش بوبر الثعالب (٦) ، كما حكي عنهما (٧) ، وبه صرّح فيهما أيضا في المنتهى ، حاكيا نقله عن كثير من أصحابنا (٨) ، كالماتن في المعتبر (٩).

__________________

(١) قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ١٨١.

(٢) الفقيه ١ : ١٧٠ / ٨٠٥ ، التهذيب ٢ : ٢١٢ / ٨٣٤ ، الاستبصار ١ : ٣٨٧ / ١٤٧١ ، الوسائل ٤ : ٣٦٢ أبواب لباس المصلّي ب ٩ ح ٢.

(٣) الفقيه ١ : ١٧١.

(٤) التهذيب ٢ : ٢١٣ ، الاستبصار ١ : ٣٨٧.

(٥) الخلاف ١ : ٥١٢.

(٦) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٥.

(٧) حكاه عنهما في كشف اللثام ١ : ١٨١.

(٨) المنتهى ١ : ٢٣١.

(٩) المعتبر ٢ : ٨٤.

٣١٢

وهو الحجة على المنع ، مضافا إلى النصوص ، منها الخبران : « الصلاة في الخزّ الخالص ليس به بأس ، وأما الذي يخلط فيه [ وبر ] الأرانب أو غيرها هذا فلا تصلّ فيه » (١).

ومنها الرضوي : « وصلّ في الخزّ إذا لم يكن مغشوشا بوبر الأرانب » (٢).

وقصور السند أو ضعفه مجبور بالعمل ، والمخالفة لما عليه العامة العمياء ، مضافا إلى عموم أدلّة المنع عمّا لا يؤكل لحمه ، خرج منه الخزّ الخالص بالنص والإجماع المختصين به بحكم التبادر وغيره ، فيبقى الباقي تحت العموم مندرجا.

ويستفاد منه ـ مضافا إلى قوله : « مما يشبه هذا » في الخبرين ـ المنع عن الخزّ المغشوش بوبر ما لا يؤكل لحمه وشعره وصوفه مطلقا ، كما استقربه في التحرير (٣) ، واحتاط به في المنتهى (٤) ، ويظهر أيضا من جماعة من أصحابنا (٥).

(وفي) جواز الصلاة في (فرو السنجاب قولان ، أظهرهما الجواز) وفاقا للمقنع والشيخ في المبسوط وموضع من النهاية والخلاف (٦) ، نافيا عنه في الأوّل الخلاف ، مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ، كالصدوق في الأمالي ، حيث جعله من دين الإمامية الذي يجب الإقرار به (٧) ، ونسبه في المنتهى إلى أكثر‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٠٣ / ٢٦ ، التهذيب ٢ : ٢١٢ / ٨٣٠ و٨٣١ ، الاستبصار ١ : ٣٨٧ / ١٤٦٩ و١٤٧٠ ، الوسائل ٤ : ٣٦١ أبواب لباس المصلي ب ٩ ح ١. وما بين المعقوفين من المصادر.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٥٧ ، المستدرك ٣ : ٢٠٢ أبواب لباس المصلي ب ٨ ح ١.

(٣) التحرير ١ : ٣٠.

(٤) المنتهى ١ : ٢٣١.

(٥) انظر جامع المقاصد ٢ : ٧٨ ، وروض الجنان : ٢٠٦ ، والحدائق ٧ : ٦٠.

(٦) المقنع : ٢٤ ، المبسوط ١ : ٨٢ ، النهاية : ٩٧ ، الخلاف ١ : ٥١١.

(٧) أمالي الصدوق : ٥١٣ ، ٥١٠.

٣١٣

الأصحاب (١) ، وفي شرح القواعد للمحقق الثاني إلى جمع من كبرائهم (٢) ، وفي الذخيرة وغيرها إلى المشهور بين المتأخرين (٣).

وهو كذلك ، بل لعلّه عليه عامّتهم عدا الفاضل في التحرير والقواعد وفخر الدين في شرحه والصيمري (٤) ، وظاهرهم التردد ، لاقتصارهم على نقل القولين من غير ترجيح.

ولعله في محله. وإن كان القول بالجواز ليس بذلك البعيد ، للإجماع المحكي المعتضد بالشهرة العظيمة الظاهرة والمحكية في كلام جماعة ، مضافا إلى النصوص المستفيضة : ففي الصحيح : « صلّ في الفنك والسنجاب ، وأما السمور فلا تصلّ فيه » قلت : والثعالب يصلى فيها؟ قال : « لا » (٥) الحديث.

وفيه : عن الفراء (٦) والسمور والسنجاب والثعالب وأشباهه ، قال : « لا بأس بالصلاة فيه » (٧).

وفي الخبر : « صلّ في السنجاب والحواصل الخوارزمية ، ولا تصلّ في الثعالب ولا السمور » (٨).

__________________

(١) المنتهى ١ : ٢٢٨.

(٢) جامع المقاصد ٢ : ٧٩.

(٣) الذخيرة : ٢٢٦ ، وانظر الحدائق ٧ : ٦٨.

(٤) التحرير ١ : ٣٠ ، قواعد الأحكام ١ : ٢٧ ، إيضاح الفوائد ١ : ٨٣.

(٥) التهذيب ٢ : ٢١٠ / ٨٢٢ ، الاستبصار ١ : ٣٨٤ / ١٤٥٧ ، الوسائل ٤ : ٣٤٩ أبواب لباس المصلي ب ٣ ح ٥.

(٦) الفرا : الحمار الوحشي ، والجمع : الفراء ، مثل الجبل والجبال. حياة الحيوان ٢ : ١٤٨.

(٧) التهذيب ٢ : ٢١٠ / ٨٢٥ ، الاستبصار ١ : ٣٨٤ / ١٤٥٩ ، الوسائل ٤ : ٣٥٠ أبواب لباس المصلي ب ٤ ح ٢.

(٨) التهذيب ٢ : ٢١٠ / ٨٢٣ ، الاستبصار ١ : ٣٨٤ / ١٤٥٨ ، الوسائل ٤ : ٣٤٨ أبواب لباس المصلي ب ٣ ح ٤.

٣١٤

وفي آخر : أصلّي في الفنك والسنجاب؟ قال : « نعم » قلت : تصلّى في الثعالب إذا كانت ذكية؟ قال : « لا تصلّ فيها » (١).

وفي آخرين : عن الصلاة في السمور والسنجاب والثعالب ، فقال : « لا خير في ذا كلّه ما خلا السنجاب ، فإنه دابّة لا تأكل اللحم » (٢) كما في أحدهما ، ونحوه الثاني (٣).

وضعف الأسانيد والتضمن لما لا يقولون به غير ضائر ، لانجبار الأوّل بالشهرة والإجماع المحكي ، وعدم الخروج عن الحجية بالثاني ، كما قرر في محله ، وإن أوجب الوهن في مقام التعارض ، لانجباره بالكثرة والشهرة ، وبالصراحة بالإضافة إلى المعارض ، إذ ليس إلّا العمومات المانعة حتى الموثق كالصحيح (٤) الذي هو الأصل والعمدة من أدلّة المنع.

ودعوى صراحته في المنع عن السنجاب ، لابتناء الجواب العام فيه عليه ، لسبق السؤال عنه الذي يصيّره كالنص في المسؤول عنه.

غير مفهومة ، وإن صرّح بها جماعة (٥) ، لإمكان تخصيص السنجاب في الجواب بأن يقال : كل شي‌ء حرام أكله فالصلاة في وبره مثلا حرام إلّا وبر السنجاب الذي سألت عنه ، وحيث جاز التخصيص متصلا جاز منفصلا ، لعدم الفرق بينهما جدّاً.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٠٧ / ٨١١ ، الاستبصار ١ : ٣٨٢ / ١٤٥٠ ، الوسائل ٤ : ٣٤٩ أبواب لباس المصلي ب ٣ ح ٧.

(٢) الكافي ٣ : ٤٠١ / ١٦ ، التهذيب ٢ : ٢١٠ / ٨٢١ ، الاستبصار ١ : ٣٨٤ / ١٤٥٦ ، الوسائل ٤ : ٣٤٨ أبواب لباس المصلي ب ٣ ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٣٩٧ / ٣ ، التهذيب ٢ : ٢٠٣ / ٧٩٧ ، الوسائل ٤ : ٣٤٨ أبواب لباس المصلي ب ٣ ح ٣.

(٤) تقدّم في ص ٢٩٤.

(٥) انظر روض الجنان : ٢١٤ ، والذخيرة : ٢٢٦.

٣١٥

وبالجملة : لم أجد من المعارض ما يدل على المنع بالخصوص ، بل ما وقفت عليه منه دلالته كله من جهة العموم ، وهو لا يعارض الخصوص وإن اشتمل على ما لا يقول به أحد.

نعم ، في الرضوي : « ولا يجوز الصلاة في سنجاب ولا سمور وفنك ..

وإيّاك إيّاك أن تصلّي في الثعالب » (١). كما عن موضع منه ، وعن موضع آخر منه : « وإن كان عليك غيره من سنجاب أو سمور أو فنك وأردت الصلاة فيه فانزعه » (٢).

وهو نص في المنع ، كما هو خيرة المختلف ، وعن صريح والد الصدوق ، والشيخ في قوله الآخر ، والحلي والقاضي (٣) ، وظاهر الإسكافي والحلبي والمرتضى وابن زهرة (٤) ، حيث منعوا عن كل ما لا يؤكل لحمه من دون استثناء ما نحن فيه ، ونسبه الشهيدان في الذكرى والروض والمحقق الثاني في شرح القواعد إلى أكثر الأصحاب (٥) ، وعن ابن زهرة دعوى الإجماع عليه (٦) ، وفي السرائر : جلد ما لا يؤكل لحمه لا يجوز الصلاة فيه بغير خلاف من غير استثناء (٧).

ولذا يشكل الحكم بالجواز في المسألة ؛ لنفي الخلاف في كلام الحلي ودعوى الإجماع في كلام ابن زهرة ، المعتضدين بالشهرة المنقولة في كلام‌

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٥٧ ، المستدرك ٣ : ١٩٩ أبواب لباس المصلي ب ٤ ح ٢.

(٢) لم نعثر عليه في فقه الرضا عليه‌السلام ووجدناه في الفقيه ١ : ١٧٠ حاكيا عن رسالة والده.

(٣) المختلف : ٧٩ ، نقله فيه عن والد الصدوق ، الشيخ في النهاية : ٥٨٧ ، الحلي في السرائر ١ : ٢٦٢ ، القاضي في المهذب ١ : ٧٤.

(٤) حكاه عن ظاهر الإسكافي في المختلف : ٧٩ ، الحلبي في الكافي : ١٤٠ ، المرتضى في الانتصار : ١٣ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٥.

(٥) الذكرى : ١٤٤ ، روض الجنان : ٢٠٧ ، جامع المقاصد ٢ : ٧٩.

(٦) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٥.

(٧) السرائر ١ : ٢٦٢.

٣١٦

هؤلاء الجماعة ، وصريح الرضوي المعتضد بعموم الأخبار المانعة ، مع خلوصها عن التضمّن لما لا يقول به أحد من الطائفة ، وبعدها عن طريقة العامة.

ولكن يمكن الذبّ عن جميع ذلك : فنفي الخلاف والإجماع بالمعارضة بالمثل ، مع كون الثاني مدّعى على المنع عموما. ولا كذلك معارضه ، لدعواه على الجواز في السنجاب بالخصوص.

وكذا الشهرة المحكية معارضة بمثلها كما عرفت ، مع قوّته وأرجحيّته عليها بالتحقق والقطع به من غير جهة النقل ، دون الشهرة المحكية في كلام هؤلاء ، لعدم تحققها ، بل ظهور استناد حكايتهم إلى إطلاق المنع من غير استثناء : في عبائر جملة من القدماء.

والرضوي ـ مع قصور سنده وعدم اشتهاره وعدم مكافأته للمستفيضة المتضمنة للصحيح وغيره ـ مصرّح بعد المنع بورود رواية بالرخصة ، مشعرا بأن الأصل المنع والجواز رخصة ، كما هو ظاهر الصدوق وجماعة كالشيخ في الخلاف والتهذيبين والديلمي والجامع (١) كما حكي ، فهو أيضا مؤيد للجواز ولو رخصة ، وعموم الأخبار مخصّص بخصوص الأخبار المرخّصة ، وهي أقوى دلالة ، وبعيدة أيضا عن مذهب العامة ، لتضمن أكثرها المنع عما ظاهرهم الإطباق على الجواز فيه ، كما حكاه جماعة (٢) ، فالتفصيل لا يوافق مذهبهم بلا شبهة.

وبالجملة : فالجواز لعله لا يخلو عن قوة ، ولكن مع الكراهة كما عن ابن حمزة (٣). وإن كان الأحوط الترك بلا شبهة ، تحصيلا للبراءة اليقينية ، وخروجا عن‌

__________________

(١) الصدوق في المقنع : ٢٤ ، الخلاف ١ : ٥١١ ، التهذيب ٢ : ٢١١ ، الاستبصار ١ : ٣٨٥ ، الديلمي في المراسم : ٦٤ ، الجامع للشرائع : ٦٦.

(٢) منهم السبزواري في الذخيرة : ٢٢٧ ، والبحراني في الحدائق ٧ : ٧٧.

(٣) الوسيلة : ٨٧.

٣١٧

شبهة الخلاف في المسألة فتوى وأدلّة.

(وفي) جواز الصلاة في (الثعالب والأرانب روايتان) كل منهما مستفيضة ، وفيها الصحاح وغيرها ، وقد تقدّم الإشارة إلى جملة من كل منهما (١).

إلّا أن أكثرهما و (أشهرهما) ما دلّ على (المنع) واستفاض نقل الشهرة في كلام جماعة من الأصحاب ، كالمعتبر والمنتهى والذكرى والتنقيح والمدارك (٢) ، بل زاد هو كسابقه ، فادعى الإجماع بحسب الظاهر كما في كلام الأخير ، أو نفي الخلاف كما في الأوّل ، والمحكي عن الخلاف (٣) ، ويشعر به عبارة الدروس والبيان (٤) ، حيث جعل رواية الجواز مهجورة متروكة ، مشعرا بدعوى الإجماع عليه ، كما هو ظاهر المحقق الثاني والشهيد الثاني (٥) وغيرهما (٦) ، حيث ادعوا الإجماع على المنع عن كل ما لا يؤكل لحمه من غير استثناء لما نحن فيه أصلا ، وبالإجماع هنا صرح في الانتصار (٧) ، وهو حجّة أخرى زيادة على ما مضى من الإجماعات المحكية في خصوص المغشوش بوبر الأرانب والثعالب عن الخلاف والمنتهى وابن زهرة (٨).

وعلى هذا فلا ريب في ضعف رواية الجواز وشذوذها فلتطرح ، أو تحمل‌

__________________

(١) راجع ص ٢٩٥ ـ ٣٠٥.

(٢) المعتبر ٢ : ٨٦ ، المنتهى ١ : ٢٢٧ ، الذكرى : ١٤٤ ، التنقيح الرائع ١ : ١٨٠ ، المدارك ٣ : ١٧٣.

(٣) الخلاف ١ : ٥١١.

(٤) الدروس ١ : ١٥٠ ، البيان : ١٢٠.

(٥) جامع المقاصد ٢ : ٨١ ، روض الجنان : ٢١٣.

(٦) كالعلامة في التذكرة ١ : ٩٤ ، ونهاية الإحكام ١ : ٣٧٣.

(٧) الانتصار : ٣٨.

(٨) راجع ص ٣٠٧.

٣١٨

على التقيّة ، سيّما وأن أمارتها في صحيحين منها لائحة (١) ، لتضمنهما الرخصة في الفراء والسمور والفنك والثعالب وجميع الجلود ، كما في أحدهما ، وفيما ذكر وأشباهه ، كما في الثاني ، ولا يقول به الأصحاب على الظاهر المصرح به في الذكرى ، فإنه قال ـ بعد نقل إذعان المحقق بهما لوضوح سندهما ـ قلت : هذان الخبران مصرّحان بالتقية لقوله في الأول : « وأشباهه » وفي الثاني : « في جميع الجلود » وهذا العموم لا يقول به الأصحاب (٢).

ومنه يظهر ضعف إذعان المحقق وإن تبعه في المدارك ، سيّما مع اعترافهما باتفاق الأصحاب على المنع. (٣). ووضوح السند بمجرده لا يبلغ قوة المعارضة لذلك ، سيما مع موافقته للعامة ، واشتمال المعارض على متّضح السند أيضا كما عرفته. فلا إشكال في المسألة بحمد الله سبحانه.

(ولا تجوز الصلاة) ولا تصح (في الحرير المحض) أو الممتزج على وجه يستهلك الخليط لقلته (للرجال) بإجماعنا الظاهر ، المصرّح به في كثير من العبائر ، كالانتصار والخلاف والمنتهى والمدارك والذكرى وغيرها (٤) ، لكن فيهما (٥) : عندنا ، وهو وإن لم يكن صريحا في الإجماع ، لكنه ظاهر فيه جدّاً.

وهو الحجة ، مضافا إلى النهي عن استعماله مطلقا الثابت بإجماع علماء الإسلام على الظاهر ، المحكي في ظاهر الانتصار والخلاف ، وصريح المعتبر والمنتهى والتذكرة والذكرى وشرح القواعد للمحقق الثاني والتحرير وروض‌

__________________

(١) راجع ص ٢٩٤ ـ ٣٠٩.

(٢) الذكرى : ١٤٤.

(٣) المحقق في المعتبر ٢ : ٨٤ ، المدارك ٣ : ١٦٩.

(٤) الانتصار : ٢٠٥ ، الخلاف ١ : ٥٠٤ ، المنتهى ١ : ٢٢٨ ، المدارك ٣ : ١٧٣ ، الذكرى : ١٤٥ ، وانظر كشف اللثام ١ : ١٨٥.

(٥) أي : في الذكرى وكشف اللثام.

٣١٩

الجنان (١) وغيرها (٢) ، وفي الأخير وشرح القواعد للمحقق الثاني : أن به أخبارا متواترة.

وهو كذلك بعد ضمّ بعضها إلى بعض من طرق العامة والخاصة (٣). وهي ما بين عامة للنهي عن لبسه مطلقاً ، ومصرّحة بعدم حلّ الصلاة فيها الظاهر في فسادها بنفسه ، أو بضميمة اقتضاء النهي في العبادة الفساد ، كما عليه علماؤنا.

ولا فرق في إطلاق النص والفتوى بين كونه ساترا للعورة أم لا ، وبه صرّح جماعة ومنهم الفاضلان في المعتبر والمنتهى (٤) ، وعزاه في الأخير إلى علمائنا بعد أن نسبه ـ وفاقا للأوّل ـ إلى الشيخين وأتباعهما.

وكثير من النص والفتوى وإن دلّ على المنع مطلقا (إلّا) أنه مقيد بحالة الاختيار وغير الحرب ، إذ يجوز استعماله مطلقا ولو في الصلاة (مع الضرورة أو في) حال (الحرب) المرخص فيه مطلقا ولو من غير ضرورة ، بإجماعنا الظاهر ، المحكي في كثير من العبائر كالمنتهى وروض الجنان والذكرى (٥) وغيرها (٦) ، لكن في الأوّل حكاه في الضرورة خاصّة.

وهو الحجّة ، مضافا إلى العمومات بأن : الضرورات تبيح المحظورات.

وقولهم عليهم‌السلام : « كلّ ما غلب الله تعالى فالله تعالى أولى بالعذر » (٧).

__________________

(١) الانتصار : ٢٠٥ ، الخلاف ١ : ٥٠٤ ، المعتبر ٢ : ٨٧ ، المنتهى ١ : ٢٢٨ ، التذكرة ١ : ٩٥ ، الذكرى : ١٤٥ ، جامع المقاصد ٢ : ٨٣ ، التحرير ١ : ٣٠ ، روض الجنان : ٢٠٧.

(٢) راجع المدارك ٣ : ١٧٣.

(٣) انظر الوسائل ٤ : ٣٦٧ أبواب لباس المصلي ب ١١ ، وكنز العمال ١٥ : ٣١٨.

(٤) المعتبر ٢ : ٨٧ ، المنتهى ١ : ٢٢٨.

(٥) المنتهى ١ : ٢٢٨ ، روض الجنان : ٢٠٧ ، الذكرى : ١٤٥.

(٦) انظر المدارك ٣ : ١٧٤ ، وكشف اللثام ١ : ١٨٥.

(٧) الوسائل ٨ : ٢٥٩ ـ ٢٦١ أبواب قضاء الصلوات ب ٣ الأحاديث ٣ ، ٧ ، ٨ ، ١٣ ، ١٦.

٣٢٠