رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٢

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٢

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-090-0
الصفحات: ٤١٠

والمغرب » (١).

ونحوها المروي عن نوادر الراوندي : « من صلّى على غير القبلة فكان إلى غير المشرق والمغرب فلا يعيد الصلاة » (٢).

وربما تنافي هذه النصوص الصحاح الآتية بلزوم الإعادة في الوقت ما صلّى إلى غير القبلة ، ونحوها عبائر كثير من قدماء الطائفة كالشيخين والمرتضى والحلي وابن زهرة (٣).

لكن الإجماعات المنقولة أوجبت تقييد إطلاق فتاويهم بالصورة الآتية (٤) ، كما أوجبت هي ـ مضافا إلى المعتبرة المستفيضة المتقدمة ـ تقييد النصوص المطلقة بها.

(ويعيد الظانّ) بل كلّ من مرّ (ما صلّاه إلى المشرق والمغرب) إذا كان (في وقته) و (لا) يعيد (ما خرج وقته) بإجماعنا الظاهر المحكي في جملة من العبائر ، كالخلاف والناصرية والسرائر والمختلف والتنقيح والمدارك (٥) ، وغيرها من كتب الجماعة (٦).

وهو الحجّة مضافا إلى الأصول والصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة ، ففي الصحيح والموثق : قال : الرجل يكون في قفر من الأرض في‌

__________________

(١) قرب الإسناد : ١١٣ / ٣٩٤ ، الوسائل ٤ : ٣١٥ أبواب القبلة ب ١٠ ح ٥.

(٢) لم نعثر عليه في نوادر الراوندي المطبوع ، وقد نقله عنه في المستدرك ٣ : ١٨٤ أبواب القبلة ب ٧ ح ١.

(٣) المفيد في المقنعة : ٩٧ ، الطوسي في المبسوط ١ : ٨٠ ، « رسائل السيد ٣ » : ٢٩ ، الحلي في السرائر ١ : ٢٠٦ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٦.

(٤) وهي ما إذا صلّى منحرفا عن القبلة إلى اليمين واليسار. منه رحمه الله.

(٥) الخلاف ١ : ٣٠٢ ، الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٤ ، السرائر ١ : ٢٠٥ ، المختلف : ٧٨ ، التنقيح الرائع ١ : ١٧٧ ، المدارك ٣ : ١٥١.

(٦) كالمبسوط ١ : ٨٠ ، والمهذّب البارع ١ : ٣١٠.

٢٨١

يوم غيم فيصلي لغير القبلة ، ثمَّ يصحى فيعلم أنه قد صلّى لغير القبلة ، كيف يصنع؟ قال : « إن كان في وقت فليعد صلاته ، وإن كان مضى الوقت فحسبه اجتهاده » (١).

وفيهما : « إذا صلّيت وأنت على غير القبلة واستبان لك أنّك صلّيت وأنت على غير القبلة وأنت في وقت فأعد ، وإن فاتك الوقت فلا تعد » (٢).

(وكذا لو استدبر القبلة) فيعيد في الوقت دون خارجه ، إجماعا في الأوّل.

وعلى الأصح في الثاني ، وفاقا للمرتضى والحلي (٣) ، وهو الأشهر بين من تأخّر ، بل عليه عامتهم ، إلّا من ندر كالفاضل في جملة من كتبه والمقداد في الشرح والمحقق الثاني في شرح القواعد (٤) ، مع أن الأوّل قد رجع عنه في المختلف (٥) ، والأخيرين لم يصرّحا بهذا القول ، بل الأوّل قد احتاط به ، والثاني قال : والعمل عليه ، بعد أن قوّى المختار ، فلا خلاف منهم أيضا حقيقة.

لإطلاق الأدلّة المتقدمة السليمة عما يصلح للمعارضة عدا ما يأتي ، وستعرف جوابه.

(وقيل) والقائل الشيخان (٦) وجماعة (٧) : إنّه (يعيد) مطلقا (وإن خرج

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٨٥ / ٩ ، التهذيب ٢ : ٤٧ / ١٥٢ و١٥٣ ، الاستبصار ١ : ٢٩٦ / ١٠٩١ و١٠٩٢ ، الوسائل ٤ : ٣١٧ أبواب القبلة ب ١١ ح ٦.

(٢) الكافي ٣ : ٢٨٤ / ٣ ، التهذيب ٢ : ٤٧ / ١٥١ ، الاستبصار ١ : ٢٩٦ / ١٠٩٠ ، الوسائل ٤ : ٣١٥ أبواب القبلة ب ١١ ح ١.

(٣) المرتضى جمل العلم والعمل « رسائل السيد ٣ » : ٢٩ ، الحلي في السرائر ١ : ٢٠٥.

(٤) الفاضل في نهاية الإحكام ١ : ٣٩٩ والقواعد ١ : ٢٧ ، والإرشاد ١ : ٢٤٥ ، المقداد في التنقيح الرائع ١ : ١٧٨ ، جامع المقاصد ٢ : ٧٥.

(٥) المختلف : ٧٨.

(٦) المفيد في المقنعة : ٩٧ ، الطوسي في المبسوط ١ : ٨٠ ، والخلاف ١ : ٣٠٣.

(٧) منهم الديلمي في المراسم : ٦١ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٦ ، والقاضي

٢٨٢

الوقت) لموثقة عمار المتقدمة. وفيه قصور سندا وضعف دلالة ، كما نبّه عليه جماعة (١) ، قالوا : فإنّ مقتضاها أنه علم وهو في الصلاة ، وهو دالّ على بقاء الوقت ، ونحن نقول بموجبة ، إذ النزاع إنما هو فيما إذا علم بعد خروجه.

أقول : مع أن ظاهرها بقرينة السياق كون المراد بالاستدبار ما يعم التشريق والتغريب ، وقضاء الصلاة معه خلاف الإجماع.

وبالجملة فالاستدلال بها ضعيف ، سيّما في مقابلة الأدلّة المتقدّمة.

كالاستدلال باشتراط الصلاة بالقبلة بالنص والإجماع ، والمشروط منتف عند انتفاء شرطه ، فهي إلى غير القبلة فائتة ، ومن فاتته صلاة وجب عليه القضاء إجماعا ، نصّا وفتوى ، وإنما لم يجب إعادة ما بين المشرق والمغرب ولا قضاء ما صلّى إليهما للاتفاق عليهما نصّا وفتوى ، كما مضى.

وبالخبرين : عن رجل صلّى على غير القبلة ثمَّ تبيّن القبلة وقد دخل وقت صلاة أخرى ، قال : « يصلّيها قبل أن يصلّي هذه التي قد دخل وقتها ، إلّا أن يخاف فوت التي دخل فيها » (٢).

لمنع الأوّل بمنع الاشتراط بالقبلة ، بل بظنها ، فلا فوت ، للامتثال ، ولذا قال الفاضل في النهاية : والأصل أنه إن كلف بالاجتهاد لم يجب القضاء ، وإن كلّف بالاستقبال وجب (٣). انتهى.

ولا يرد أنه لو كفى الاجتهاد لم تجب الإعادة في الوقت ، للخروج بالنص والإجماع.

__________________

في المهذّب ١ : ٨٧ ، والشهيد في اللمعة ( الروضة البهية ١ ) : ٢٠٢.

(١) انظر المدارك ٣ : ١٥٣ ، والذخيرة : ٢٢٢.

(٢) التهذيب ٢ : ٤٦ / ١٤٩ ، ١٥٠ ، الاستبصار ١ : ٢٩٧ / ١٠٩٨ ، ١٠٩٩ ، الوسائل ٤ : ٣١٣ أبواب القبلة ب ٩ ح ٥ بتفاوت يسير.

(٣) نهاية الإحكام ١ : ٣٩٩.

٢٨٣

ولضعف الخبرين وقصورهما سندا ومكافاة لما مضى ، بل ودلالة أيضا ، لعدم تقييدهما بالاستدبار ، بل هما عامّان له وللتشريق والتغريب وما دونهما ، وهو خلاف الإجماع.

وتقييدهما بالأوّل جمعا بينهما وبين الأخبار المتقدمة فرع الشاهد عليه ، وليس ، مضافا إلى استلزامه حمل المطلق على الفرد النادر ، إذ الاستدبار الحقيقي قلّما يتفق ، سيّما للمجتهد ، كما هو بعض أفراد محلّ البحث.

ولا يرد مثله على النصوص السابقة ، لعموم بعضها من حيث التعليل بقوله : « فحسبه اجتهاده ».

مضافا إلى اعتضادها أجمع بالأصول العامّة ، مثل أصالة البراءة ، بناء على أن القضاء بفرض جديد ، ولا يثبت إلّا حيثما يصدق الفوت حقيقة ، ولا يصدق هنا كذلك ، بناء على أن الامتثال يقتضي الإجزاء ومعه لا يصدق الفوت قطعاً. ومع التنزّل فلا أقل من التردّد في الصدق وعدمه ، وبمجرده لا يخرج عن الأصل القطعي.

ومن هنا يصح إلحاق الناسي بالظان في عدم وجوب القضاء ، كما عليه جماعة من أصحابنا كالشيخين (١) ، وغيرهما ، وكثير من المتأخّرين (٢).

وزادوا فألحقوه به في جميع الأحكام ، حتى في عدم الإعادة ولو صلّى منحرفا إلى ما بين المشرق والمغرب ، كما صرّح الماتن هنا (٣).

وهو حسن ، لعموم النصوص المتقدمة في هذه الصورة له (٤) ، كعموم‌

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٩٧ ، الطوسي في النهاية : ٦٤.

(٢) كالعلّامة في التبصرة : ٢٢ ، والشهيدين في الذكرى : ١٦٦ ، والروض : ٢٠٣ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ٢ : ٧٦.

(٣) حيث أفرد الظانّ بالذكر غير الناسي في الصورتين الأخيرتين. منه رحمه الله.

(٤) راجع ص ٢٧٤.

٢٨٤

بعض الصحاح النافية للقضاء خارج الوقت له أيضا (١) ، بل وللجاهل مطلقا.

ولولاه لأشكل الإلحاق كليّا ، لاقتضاء الأصل إعادة ما صلّى إلى غير القبلة ولو لم يصل إلى حدّ التشريق والتغريب ، كما ستعرفه.

خلافا لآخرين ، منهم الماتن في ظاهر عبارته هنا (٢) ، فمنعوا عن إلحاقهما مطلقا ، عملا بالأصول ، وتنزيلا للنصوص على الظان ، بدعوى اختصاصها به بحكم التبادر وغيره دونهما.

وفيهما نظر ، لاختصاص الأصول بمنع الإلحاق في صورة عدم الإعادة في الوقت لا غيرها ، بل مقتضاها فيه الإلحاق جدّا ، أما صورة عدم القضاء فلما مضى ، وأما صورة الإعادة في الوقت ـ كما إذا صلّى مشرّقا ومغرّبا ـ فلبقاء وقت الأمر بالأداء فيجب امتثاله بعد ظهور المخالفة والخطاء ، مضافا إلى فحوى ما دلّ على لزومها على الظان ، فهاهنا أولى.

وأما دعوى اختصاص النصوص به فممنوعة في بعضها ، لعمومه له وللناسي بل الجاهل أيضا ، بترك الاستفصال في مقام جواب السؤال مع قيام الاحتمال ، المقتضي للعموم في المقال. لكن الحكم بشموله للجاهل بالحكم ـ نظرا إلى قطعيّة ما دلّ على كونه كالعامد ـ لا يخلو عن إشكال. والاحتياط فيه لا يترك على حال.

ثمَّ إن هذا كله إذا تبين الخطأ بعد الفراغ من الصلاة كما قدّمناه.

وإذا تبيّن في أثنائها فكما بعد الفراغ في الصور الثلاث ، إلّا أنه يستدير إلى القبلة في الصورة الأولى منها (٣) بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في صريح‌

__________________

(١) راجع ص ٢٧٦ الرقم ٢.

(٢) ومنهم : الفاضل الآبي في كشف الرموز ١ : ١٣٥ ، والعلامة في المختلف : ٧٩ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ١٨٠.

(٣) وهي الصلاة إلى ما بين المشرق والمغرب. منه رحمه الله.

٢٨٥

المدارك وعن ظاهر المعتبر (١) ، وعن المبسوط وفي غيره نفي الخلاف عنه (٢).

وهو الحجّة ، مضافا إلى صريح موثقة عمار السابقة (٣) ، وفيها الدلالة على الاستيناف في الصورة الثالثة ، ولا خلاف فيها أيضا على الظاهر المحكي عن المبسوط (٤).

ويحتمل شمولها للصورة الثانية أيضا إن عمّمنا الاستدبار فيها للتشريق والتغريب ، كما هو ظاهر سياقها ، وتقدم الإشارة إليه سابقا (٥). وفيها الحجة حينئذ على المبسوط فيما حكي عنه : من إلحاقه الصورة الثانية بالأولى في لزوم الاستدارة إلى القبلة نافيا الخلاف عنه (٦). مضافا إلى تطرّق الوهن إلى قوله ونفيه الخلاف بندرته وشذوذه ، مع عدم صراحة عبارته في المخالفة ، واحتمالها الموافقة لما عليه الجماعة والموثقة.

وإطلاقها في صورة الاستيناف يقتضي عدم الفرق بين بقاء الوقت بعد القطع وعدمه.

ويشكل في الثاني ، بناء على أن الظاهر أن مراعاة الوقت مقدّمة على مراعاة القبلة ، ولذا يجب على الجاهل بها الغير المتمكن من الاجتهاد فيها أن يصلّي إلى حيث شاء في الجملة أو مطلقا ، بل مقدمة على جلّ واجبات الصلاة من الشرائط والأجزاء.

واستشكل فيه الشهيدان أيضا (٧) ، بل رجّح الإلحاق بالصورة الأولى ثانيهما‌

__________________

(١) المدارك ٣ : ١٥٤ ، المعتبر ٢ : ٧٢.

(٢) المبسوط ١ : ٨١ ، وانظر الحدائق ٦ : ٤٣٠.

(٣) في ص : ٢٧٤.

(٤) انظر المبسوط ١ : ٨١.

(٥) في ص : ٢٧٧.

(٦) المبسوط ١ : ٨١.

(٧) الذكرى : ١٦٦ ، المسالك ١ : ٢٣.

٢٨٦

وسبطه في المدارك (١) ، وغيرهما (٢) وهو الأقوى.

(ولا) يجوز أن (يصلّي الفريضة على الراحلة اختيارا) إجماعا من العلماء ، كما في المعتبر والمنتهى والذكرى (٣) ، لكنّه قال : إجماعا ، وأطلق.

ولا شبهة فيه إذا استلزم فوات الاستقبال ، أو غيره من الشرائط والأجزاء ، للأصول المعتضدة بالنصوص ، منها الصحيح : « لا يصلّي على الدابة الفريضة إلّا مريض يستقبل به القبلة » (٤) ونحوه الموثق (٥) وغيره (٦).

ويشكل إذا لم يستلزم الفوات ، كالصلاة على الدواب المعقولة بحيث يؤمن عن الاضطراب والحركة :

من إطلاق الفتوى والنصوص ـ بل عموم الصحيح منها من حيث الاستثناء ـ بالمنع.

ومن انصرافه بحكم التبادر والغلبة إلى الصورة الأولى خاصة. والاستثناء في الصحيح يفيد عموما في حالات المصلّي لا المركوب ، كما هو واضح. وبه صرّح جماعة (٧) مختارين الجواز في هذه الصورة ، وفاقا للفاضل في النهاية (٨) ، ولا يخلو من قوة. خلافا للأكثر ، فاختاروا المنع. وهو أحوط ، تحصيلا للبراءة القطعية.

وهل الفريضة تشمل كل واجب حتى نحو الصلاة المنذورة ، أم تختصّ‌

__________________

(١) المدارك ٣ : ١٥٤.

(٢) كالسبزواري في الذخيرة : ٢٢٢.

(٣) المعتبر ٢ : ٧٥ ، المنتهى ١ : ٢٢٢ ، الذكرى : ١٦٧.

(٤) التهذيب ٣ : ٣٠٨ / ٩٥٢ ، الوسائل ٤ : ٣٢٥ أبواب القبلة ب ١٤ ح ١.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٣١ / ٥٩٨ ، الوسائل ٤ : ٣٢٦ أبواب القبلة ب ١٤ ح ٧.

(٦) التهذيب ٣ : ٣٠٨ / ٩٥٤ ، الوسائل ٤ : ٣٢٦ أبواب القبلة ب ١٤ ح ٤.

(٧) منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة ٢ : ٦٤ ، وصاحبا المدارك ٣ : ١٤٣ ، والحدائق ٦ : ٤١٤.

(٨) نهاية الإحكام ١ : ٤٠٤.

٢٨٧

بالصلوات الخمس اليومية؟

مقتضى الإطلاق الأوّل ، وصرّح به الفاضل في المنتهى والتحرير (١) ، وفاقا للمحكيّ عن المبسوط (٢) ، وتبعهما الشهيد في الذكرى. قال : ولا فرق في ذلك بين أن ينذرها راكبا أو مستقرّا على الأرض ، لأنّها بالنذر أعطيت حكم الواجب (٣).

وتنظّر فيه جمع (٤) ، قالوا : عملا بالأصل ، وعموم ما دلّ على وجوب الوفاء بالنذر ، مضافا إلى الخبر : عن رجل جعل لله تعالى [ عليه ] أن يصلّي كذا وكذا ، هل يجزيه أن يصلّي ذلك على دابته وهو مسافر؟ قال : « نعم » (٥).

وفيه نظر ، لاندفاع الأوّلين بعموم أدلّة المنع ، فإنه بالنظر إليهما أخصّ فليقدّم.

والخبر غير معلوم الصحة ، ومع ذلك غير صريح الدلالة ، بل ولا ظاهرة إلّا من حيث العموم لحالتي الاختيار والضرورة ، ويمكن تخصيصه بالأخيرة جمعا بين الأدلّة.

إلّا أن يمنع عموم المانعة منها ، باختصاصها ـ بحكم التبادر والغلبة ، والتعبير بلفظ الفريضة المستعمل كثيرا في النصوص فيما استفيد وجوبه من الكتاب لا السنة ـ بالصلوات الخمس اليومية.

ولا يخلو عن قوة. وإن كان الأحوط عموم المنع ، تحصيلا للبراءة اليقينيّة ،

__________________

(١) المنتهى ١ : ٢٢٣ ، التحرير ١ : ٢٩.

(٢) المبسوط ١ : ٨٠.

(٣) الذكرى : ١٦٧.

(٤) منهم : صاحب المدارك ٣ : ١٣٩ ، والسبزواري في الذخيرة : ٢١٧ ، وصاحب الحدائق ٦ : ٤١٠.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٣١ / ٥٩٦ ، الوسائل ٤ : ٣٢٦ أبواب القبلة ب ١٤ ح ٦. وما بين المعقوفين من المصدر.

٢٨٨

سيّما مع مقابلة الفريضة بالنافلة في بعض النصوص : أصلّي في محملي وأنا مريض؟ قال ، فقال : « أمّا النافلة فنعم ، وأما الفريضة فلا » (١).

وهو مشعر بعموم الفريضة لكل صلاة واجبة ولو بالسنّة ، إلّا أن الإشعار لا يصلح الاستناد إليه للمنع ، مع ضعف السند بالإضمار والجهالة ، وتضمن الذيل الذي لم نذكره عدم جواز الفريضة على الراحلة ولو حال الضرورة ، ولم يقل به أحد من الطائفة ، كما عرفته.

واحترز بقوله : اختيارا ، عن الصلاة عليها اضطرارا ، لجوازها حينئذ إجماعا ظاهرا ، ومصرّحا به في المعتبر والمنتهى وغيرهما (٢).

والنصوص به ـ مع ذلك ، بعد الأصول ـ مستفيضة جدّا ، منها ، زيادة على المعتبرين السابقين (٣) ، الصحاح ، منها : يصيبنا المطر ونحن في محاملنا والأرض مبتلّة والمطر يؤذي ، فهل يجوز لنا يا سيّدي أن نصلّي في هذه الحالة في محاملنا أو على دوابّنا الفريضة؟ فوقّع عليه‌السلام : « يجوز ذلك مع الضرورة الشديدة » (٤).

ومنها : « إن كنت في أرض مخافة فخشيت لصّا أو سبعا فصلّ الفريضة وأنت على دابّتك » (٥).

وفي النصوص الكثيرة ـ وفيها الصحيح وغيره ـ : « أنه صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الفريضة في المحمل في يوم وحل ومطر » (٦).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٣٠٨ / ٩٥٣ ، الوسائل ٤ : ٣٢٧ أبواب القبلة ب ١٤ ح ١٠.

(٢) المعتبر ٢ : ٧٥ ، المنتهى ١ : ٢٢٢ ، وانظر كشف اللثام ١ : ١٧٦.

(٣) في ص : ٢٨١.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٣١ / ٦٠٠ ، الوسائل ٤ : ٣٢٦ أبواب القبلة ب ١٤ ح ٥.

(٥) الكافي ٣ : ٤٥٦ / ٣ ، الفقيه ١ : ٢٩٥ / ١٣٤٥ ، التهذيب ٣ : ١٧٢ / ٣٨١ ، الوسائل ٨ : ٤٤٢ أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب ٣ ح ١٠.

(٦) الوسائل ٤ : ٣٢٦ ـ ٣٢٧ أبواب القبلة ب ١٤ الأحاديث ٥ ، ٨ ، ٩.

٢٨٩

وكما تجوز على الراحلة للضرورة كذا تجوز ماشيا ، كما صرّح به جماعة (١) ، وحكي عن الأصحاب كافة (٢) ، وبإجماعهم صرّح في المنتهى (٣) ، للأصول ، وخصوص النصوص الدالّة عليه بالعموم والخصوص.

ففي الصحيح : عن الرجل يخاف من سبع أو لصّ كيف يصلّي؟ قال : « يكبّر ويومئ برأسه » (٤) ونحوه آخر (٥).

وفي ثالث : عن الصلاة في السفر وأنا أمشي؟ قال : « نعم يومئ إيماء ، وليجعل السجود أخفض من الركوع » (٦).

ونحوها غيرها من الصحاح الدالّة عليه عموما من حيث الشمول للفريضة (٧).

ومن الدالّة عليه بالخصوص الرضوي ، ففيه ـ بعد ما ذكر صلاة الراكب الفريضة على ظهر الدابة ، وأنه يستقبل القبلة بالتكبيرة ثمَّ يمضي حيث توجّهت دابّته ، وأنه وقت الركوع والسجود يستقبل القبلة ويركع ويسجد ، إلى أن قال ـ : « وتفعل فيها مثله إذا صلّيت ماشيا ، إلّا أنك إذا أردت السجود سجدت على الأرض » (٨).

وقريب منه بعض النصوص المرخصة للفريضة على الراحلة حال‌

__________________

(١) منهم المحقق في المعتبر ٢ : ٧٧ ، والعلامة في نهاية الإحكام ١ : ٤٠٧ ، وصاحب المدارك ٣ : ١٤١.

(٢) انظر الحدائق ٦ : ٤١٢.

(٣) المنتهى ١ : ٢٢٣.

(٤) التهذيب ٣ : ١٧٣ / ٣٨٢ ، الوسائل ٨ : ٤٤٢ أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب ٣ ح ٩.

(٥) الكافي ٣ : ٤٥٧ / ٦ ، التهذيب ٣ : ٢٩٩ / ٩١٢ ، الوسائل ٨ : ٤٣٩ أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب ٣ ح ١.

(٦) الكافي ٣ : ٤٤٠ / ٧ ، الوسائل ٤ : ٣٣٥ أبواب القبلة ب ١٦ ح ٤.

(٧) الوسائل ٤ : ٣٣٤ أبواب القبلة ب ١٦.

(٨) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٦٣ ، المستدرك ٣ : ١٨٩ أبواب القبلة ب ١٠ ح ٢.

٢٩٠

الضرورة من حيث التعليل فيه بقوله عليه‌السلام : « فالله تعالى أولى بالعذر » (١) وهو كالصريح في العموم.

مضافا إلى الاعتبار ، والأصول ، وقوله سبحانه (فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً) (٢).

وهل يجب الاستقبال بقدر الإمكان ، كما ذكره جماعة (٣) ، اقتصارا في الضرورة المرخّصة على قدرها؟.

أم يكفي الاستقبال بتكبيرة الإحرام خاصّة ، كما في ظاهر الصحيح وغيره ، معتضدا بإطلاقات الأخبار؟.

وجهان ، أحوطهما الأوّل ، بل لعلّه أظهرهما ، لقوّة دليله ، وضعف معارضه من الإطلاق وظاهر الخبرين ، لاحتمال ورودهما مورد الغالب من عدم التمكن من الاستقبال فيما عدا التكبيرة للراكب.

وإذا لم يتمكن من الاستقبال مطلقا حتى في التكبيرة سقط قولا واحدا ، للضرورة. كما أنه يجب الاستقبال فيها مع الإمكان قولا واحدا ، وبالإجماع صرّح الفاضل في المنتهى هنا وسابقا (٤) ، وغيره هنا (٥).

وهل يجب التأخير إلى ضيق الوقت ، أم يجوز مع السعة؟

مقتضى الإطلاقات نصّا وفتوى الثاني ، وصريح الرضوي (٦) الأول ، وبه صرح الماتن في الشرائع في الماشي (٧). وهو أحوط ، سيّما مع أوفقيته بمقتضى‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٣٢ / ٦٠٣ ، الوسائل ٤ : ٣٢٥ أبواب القبلة ب ١٤ ح ٢.

(٢) البقرة : ٢٣٩.

(٣) منهم العلامة في المنتهى ١ : ٢٢٣ ، والشهيد الأول في الذكرى : ١٦٨ ، وصاحب المدارك ٣ : ١٤١.

(٤) المنتهى ١ : ٢٢٣.

(٥) انظر كشف اللثام ١ : ١٧٦.

(٦) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٤٨.

(٧) الشرائع ١ : ٦٧.

٢٩١

الأصول الدالة على اعتبار القبلة وسائر الشروط ، فيجب تحصيلها ولو بالتأخير من باب المقدمة.

(ورخّص في النافلة سفرا) أن تصلّي على الراحلة (حيثما توجهت الراحلة) ولو إلى غير القبلة ، إجماعا ظاهرا ، ومصرّحا به في المعتبر والمنتهى والذكرى (١) وغيرها (٢) ، وللصحاح المستفيضة وغيرها.

ويستفاد من جملة منها صحيحة عدم الاختصاص بالسفر وجوازها في الحضر ، بل وماشيا أيضا مطلقا ، ففي الصحيح في الرجل يصلي النافلة وهو على دابته في الأمصار ، قال : « لا بأس » (٣). ونحوه آخر (٤).

وفيه : عن صلاة النافلة في الحضر على ظهر الدابة إذا خرجت قريبا من أبيات الكوفة أو كنت مستعجلا بالكوفة ، فقال : « إن كنت مستعجلا لا تقدر على النزول وتخوّفت فوت ذلك إن تركته وأنت راكب فنعم ، وإلّا فإنّ صلاتك على الأرض أحبّ إليّ » (٥).

وفيه : « ولا بأس بأن يصلّي الرجل صلاة الليل بالسفر وهو يمشي ، ولا بأس إن فاتته صلاة الليل أن يقضيها بالنهار وهو يمشي ، يتوجه إلى القبلة ويقرأ ، فإذا أراد أن يركع حوّل وجهه إلى القبلة وركع وسجد ثمَّ مشى » (٦).

إلى غير ذلك من النصوص.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٧٥ ، المنتهى ١ : ٢٢٢ ، الذكرى : ١٦٨.

(٢) كالخلاف ١ : ٢٩٩.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٢٩ / ٥٨٩ ، الوسائل ٤ : ٣٣٠ أبواب القبلة ب ١٥ ح ١٠.

(٤) الكافي ٣ : ٤٤٠ / ٨ ، الفقيه ١ : ٢٨٥ / ١٢٩٨ ، التهذيب ٣ : ٢٣٠ / ٥٩١ ، الوسائل ٤ : ٣٢٨ أبواب القبلة ب ١٥ ح ١.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٣٢ / ٦٠٥ ، الوسائل ٤ : ٣٣١ أبواب القبلة ب ١٥ ح ١٢.

(٦) التهذيب ٣ : ٢٢٩ / ٥٨٥ ، الوسائل ٤ : ٣٣٤ أبواب القبلة ب ١٦ ح ١.

٢٩٢

وهو خيرة الشيخ في الخلاف (١) ، لكن في خصوص الجواز على الراحلة في الحضر مدعيا هو عليه ، وكذا الفاضل في ظاهر المنتهى في الماشي مطلقا (٢) ، إجماع الأصحاب ، وتبعهما عامة متأخّري الأصحاب.

والنصوص المتقدمة وإن لم يستفد منها جواز الصلاة ماشيا في الحضر ، لكنه مستفاد من إطلاق الإجماع المنقول ، مضافا إلى إطلاق الخبرين ، في أحدهما : « إن صلّيت وأنت تمشي كبّرت ثمَّ مشيت ثمَّ قرأت ، فإذا أردت أن تركع أومأت بالركوع ثمَّ أومأت بالسجود ، وليس في السفر تطوع » (٣).

وفي الثاني : أنه لم يكن يرى بأسا أن يصلّي الماشي وهو يمشي ولكن لا يسوق الإبل (٤).

كذا قيل.

وفيه نظر ، بل العمدة في التعميم للماشي في الحضر هو الإجماع المنقول ، بل المحقق ، لعدم قائل بالمنع عن صلاته فيه مع تجويز صلاة الراكب فيه ، فكل من صحّحها صحّح صلاة الماشي حضرا ، وكل من أبطلها أبطلها ، وهو العماني (٥) ، والحلي في ظاهر كلامه ، حيث خصّ صلاة النافلة على الراحلة بالسفر خاصة (٦).

ولعل مستندهما إمّا الاقتصار فيما خالف الأصل ـ الدال على لزوم الصلاة إلى القبلة مطلقا ولو نافلة من العموم وتوقيفية العبادة ـ على المجمع‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٢٩٨.

(٢) المنتهى ١ : ٢٢٢.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٢٩ / ٥٨٧ ، الوسائل ٤ : ٣٣٤ أبواب القبلة ب ١٦ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٤٤١ / ٩ ، الفقيه ١ : ٢٨٩ / ١٣١٨ ، التهذيب ٣ : ٢٣٠ / ٥٩٢ ، الوسائل ٤ : ٣٣٥ ، أبواب القبلة ب ١٦ ح ٥.

(٥) كما نقله عنه في المختلف : ٧٩.

(٦) انظر السرائر ١ : ٢٠٨.

٢٩٣

عليه ، وهو في السفر خاصة.

أو ظهور بعض الصحاح المتقدمة المرخّصة لها فيه في التقييد به ، مؤيّدا بجملة من النصوص الواردة في تفسير قوله سبحانه (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) (١) أنه ورد في النوافل في السفر خاصة (٢).

وفي الجميع نظر ، لضعف النصوص المفسّرة سندا ، بل ودلالة ، إذ غايتها بيان ورود الآية فيه خاصّة ، وهو لا يستلزم عدم المشروعية في غيره.

والصحيح غير صريح ، بل ولا ظاهر في التقييد إلّا بالمفهوم الضعيف بورود القيد فيه مورد الغالب.

والاقتصار على المتيقّن غير لازم حيث يوجد ما يقوم مقامه ، وهو النصوص الصحيحة المتقدّمة الظاهرة في الجواز حضرا على الراحلة ، ولا قائل بالفرق كما عرفته.

وبها يذبّ عن النصوص المفسّرة والصحيحة المقيّدة على تقدير تسليم صحة السند ووضوح الدلالة ، فإنّ هذه النصوص أقوى دلالة منها بلا شبهة ، سيّما بعد الاعتضاد بالشهرة العظيمة والإجماعات المنقولة.

وهل يتعيّن هنا الاستقبال بتكبيرة الإحرام كما في الصحيح (٣) ، وعن الحلي حاكيا له عن جماعة (٤)؟ أم لا ، بل يستحب كما عليه آخرون (٥) ، لإطلاق النصوص ، وصريح الصحيح الآخر (٦)؟.

__________________

(١) البقرة : ١١٥.

(٢) الوسائل ٤ : ٣٣٢ ، ٣٣٣ أبواب القبلة ب ١٥ الأحاديث ١٨ ، ١٩ ، ٢٣.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٣٣ / ٦٠٦ ، الوسائل ٤ : ٣٣١ أبواب القبلة ب ١٥ ح ١٣.

(٤) السرائر ١ : ٣٣٦.

(٥) انظر مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٦٢ ، والمدارك ٣ : ١٤٨ ، والحدائق ٦ : ٤٢٨.

(٦) التهذيب ٣ : ٢٢٨ / ٥٨١ ، الوسائل ٤ : ٣٢٩ أبواب القبلة ب ١٥ ح ٧.

٢٩٤

قولان ، ولعل الثاني أظهر وإن كان الأوّل أحوط.

ويكفي في الركوع والسجود هنا الإيماء. وليكن السجود أخفض من الركوع ، كما في النصوص (١).

ولا يجب في الإيماء للسجود وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه ، للصحيح : « يضع بوجهه في الفريضة على ما أمكنه من شي‌ء ويومئ في النافلة إيماء » (٢).

ولو ركع وسجد مع الإمكان كان أولى ، للصحيح. وأولى منه أن يصلّي على الأرض مستقرّا ، للصحيح الآخر الماضي كسابقه (٣).

(الرابعة :)

(في) بيان ما يجوز الصلاة فيه من (لباس المصلي).

اعلم أنه‌ (لا يجوز الصلاة في جلد الميتة ولو دبغ) إجماعا على الظاهر ، المصرّح به في كثير من العبائر (٤) :

وللنصوص المستفيضة التي كادت تكون متواترة ، بل قيل : متواترة (٥) ، ففي الصحيح : عن جلد الميتة أيلبس في الصلاة إذا دبغ؟ قال : « لا ، ولو دبغ سبعين مرّة » (٦).

وفي القريب منه سندا : في الميتة ، قال : « لا تصلّ في شي‌ء منه‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٣٣٥ أبواب القبلة ب ١٦ ح ٣ ، ٤.

(٢) التهذيب ٤ : ٣٠٨ / ٩٥٢ ، الوسائل ٤ : ٣٢٥ أبواب القبلة ب ١٤ ح ١.

(٣) راجع ص ٢٨٨.

(٤) كالذكرى : ١٤٢ ، والمدارك ٣ : ١٥٧ ، وكشف اللثام ١ : ١٨٣.

(٥) قال به المحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٨٠ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٢١٢.

(٦) الفقيه ١ : ١٦٠ / ٧٥٠ ، التهذيب ٢ : ٢٠٣ / ٧٩٤ بتفاوت يسير ، الوسائل ٣ : ٥٠١ أبواب النجاسات ب ٦١ ح ١.

٢٩٥

ولا شسع » (١) (٢).

وظاهره عموم المنع لما ليس بساتر أيضا ، وبه صرّح جماعة من أصحابنا (٣) ، ويستفاد من أخبار أخر أيضا ، منها الموثق وغيره : « لا بأس بتقليد السيف في الصلاة فيه الغراء (٤) والكيمخت (٥) ما لم يعلم أنه ميتة » (٦).

وفي الخبر (٧) : كتبت إلى أبي محمد عليه‌السلام : يجوز للرجل أن يصلّي ومعه فارة المسك؟ فكتب : « لا بأس به إذا كان ذكيّا » (٨).

وإطلاق النص والفتوى يقتضي عدم الفرق بين ذات النفس وغيرها ، وبه صرّح بعض أصحابنا (٩). خلافا لآخرين (١٠) ، فقيّدوها بالأولى ، لكونها المتبادر من الإطلاق جدّاً. وهذا أقوى ، وإن كان الأوّل أحوط وأولى (١١).

__________________

(١) الشسع ـ بالكسر ـ واحد شسوع النعل ، وهو ما يدخل بين الإصبعين في النعل العربي ممتد إلى الشراك. مجمع البحرين ٤ : ٣٥٢.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٠٣ / ٧٩٣ ، الوسائل ٤ : ٣٤٣ أبواب لباس المصلي ب ١ ح ٢.

(٣) منهم العلامة في المنتهى ١ : ٢٢٥ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٢١٢ ، وصاحب المدارك ١ : ١٦١ ، والفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع ١ : ١٠٨.

(٤) ما أثبتناه موافق للفقيه ونسخة الوافي من التهذيب و « ل » و « م » ، وهو بالمدّ والقصر : الذي يلصق به الأشياء ويتّخذ من أطراف الجلود والسمك ( النهاية ٣ : ٣٦٤ ). وفي التهذيب المطبوع والوسائل و « ش » و « ح » : الفراء ـ بالفاء ـ جمع الفرو ، وهو الذي يلبس من الجلود التي صوفها معها ( مجمع البحرين ١ : ٣٢٩ ).

(٥) الكيمخت ـ بالفتح فالسكون ـ فسّر بجلد الميتة المملوح ، وقيل هو الصاغري المشهور ( مجمع البحرين ٢ : ٤٤١ ).

(٦) الفقيه ١ : ١٧٢ / ٨١١ ، التهذيب ٢ : ٢٠٥ / ٨٠٠ ، الوسائل ٣ : ٤٩٣ أبواب النجاسات ب ٥٠ ح ١٢.

(٧) في « ح » زيادة : الصحيح.

(٨) التهذيب ٢ : ٣٦٢ / ١٥٠٠ ، الوسائل ٤ : ٤٣٣ أبواب لباس المصلي ب ٤١ ح ٢.

(٩) كالشيخ البهائي في الحبل المتين : ١٨٠ ، ونقله عن والده أيضا.

(١٠) منهم صاحب المدارك ٣ : ١٦١ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ١٠٨ ، وصاحب الحدائق ٧ : ٥٦.

(١١) وقد ادعى الفاضل في المنتهى ١ : ٢٢٦ ، إجماعنا على فساد الصلاة في جلد ما لا يؤكل ، وعدّ

٢٩٦

وينبغي عليه تقييد غير ذي النفس بنحو السمك ممّا له الجلد الذي هو مورد النص ، دون نحو القمل والبق والبرغوث ، للقطع بعدم البأس فيها.

ثمَّ إن هذا إذا علم كونه ميتة ، أو وجد في يد كافر. أما مع الشك في التذكية فقد مضى في أواخر كتاب الطهارة المنع عنه أيضا (١). وفاقا لجماعة (٢).

خلافا لنادر (٣) ، وقد عرفت مستنده ، وضعفه بمعارضته بالمعتبرة المستفيضة المعتضدة بالشهرة واستصحاب بقاء شغل الذمة.

نعم لو أخذ من بلاد الإسلام حكم بذكاته ، وكذا لو أخذ من يد مسلم ، للنصوص المستفيضة المتقدمة ثمة (٤). ومقتضاها إطلاقا عدم الفرق بين كون المسلم المأخوذ منه ممّن يستحل الميتة بالدبغ وعدمه. وبه صرح جماعة (٥) ، مستندين إلى إطلاق المستفيضة ، بل عمومها الناشئ عن ترك الاستفصال في جملة منها.

خلافا للتذكرة والتحرير والمنتهى (٦) ، فمنع عمّا يؤخذ عن يد مستحلّ الميتة بالدبغ مطلقا وإن أخبر بالتذكية ، لأصالة العدم.

وفيه ـ بعد ما عرفت من إطلاق النص أو عمومه ـ نظر.

وأما الخبران : « كان علي بن الحسين عليه‌السلام رجلا صردا (٧) لا يدفئه‌

__________________

منه القنفذ واليربوع والحشرات ، والظاهر أن نحو القنفذ وكثير من الحشرات ليس لها نفس ، لكن علل المنع فيه بما يدل على اختصاص المنع فيها بما له نفس سائلة. منه رحمه الله.

(١) راجع ص : ١٤٦ ـ ١٤٧.

(٢) منهم الشهيدان في الدروس : ١ ـ ١٥٠ وروض الجنان : ٢١٢.

(٣) كصاحبي المدارك ٣ : ١٥٨ ، والحدائق ٧ : ٥٥.

(٤) في ص : ١٤٣ ـ ١٤٤.

(٥) منهم : صاحب المدارك ٣ : ١٥٨ ، والفيض في المفاتيح ١ : ١٠٨ ، وصاحب الحدائق ٧ : ٥٣.

(٦) التذكرة ١ : ٩٤ ، التحرير ١ : ٣٠ ، المنتهى ١ : ٢٢٦.

(٧) الصرد بفتح الصاد وكسر الراء المهملة : من يجد البرد سريعا ـ مجمع البحرين ٣ : ٨٥.

٢٩٧

فراء الحجاز ، فإن دباغها بالقرظ (١) ، فكان يبعث إلى العراق فيؤتى من قبلكم بالفراء فيلبسه ، فإذا حضرت الصلاة ألقاه وألقى القميص الذي يليه ، وكان يسأل عن ذلك ، فيقول : إن أهل العراق يستحلّون لباس الجلود الميتة ، ويزعمون أن دباغه ذكاته » (٢). كما في أحدهما.

وفي الثاني : إني أدخل سوق المسلمين فأشتري منهم الفراء للتجارة ، فأقول لصاحبها : أليست ذكية؟ فيقول : بلى ، فهل يصلح لي أن أبيعها على أنها ذكية؟ فقال : « لا ، ولكن لا بأس أن تبيعها وتقول : قد شرط الذي اشتريتها منه أنّها ذكية » قلت : وما أفسد ذلك؟ قال : « استحلال أهل العراق للميتة ، وزعمهم أن دباغ جلد الميتة ذكاته » (٣) الحديث.

فلا يعارضان ما قدّمنا ، لضعف سندهما ، بل ودلالتهما أيضا ، فإنّ غاية ما يستفاد من الأوّل أنه عليه‌السلام كان ينزع منه فرو العراق حال الصلاة ، ومن الجائز أن يكون ذلك على جهة الأفضلية. وفي لبسها في غير حال الصلاة إشعار بعدم كونه ميتة.

ومن الثاني المنع عن بيع ما أخبر بذكاته على أنه مذكّى ، وهو غير دالّ على تحريم استعماله. بل نفي البأس عن بيعه أخيرا يشعر بل يدل على عدم كونه ميتة ، لعدم جواز بيعها إجماعاً.

(وكذا) لا تجوز الصلاة في جلد (ما لا يؤكل لحمه) شرعا مطلقا (ولو ذكّي ودبغ ، ولا في صوفه وشعره ووبره) بإجماعنا الظاهر ، المصرّح به في كثير‌

__________________

(١) القرظ بالتحريك : ورق السلم يدبغ به الأديم ـ مجمع البحرين ٤ : ٢٨٩.

(٢) الكافي ٣ : ٣٩٧ / ٢ ، التهذيب ٢ : ٢٠٣ / ٧٩٦ ، الوسائل ٤ : ٤٦٢ أبواب لباس المصلي ب ٦١ ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٣٩٨ / ٥ ، التهذيب ٢ : ٢٠٤ / ٧٩٨ ، الوسائل ٣ : ٥٠٣ أبواب النجاسات ب ٦١ ح ٤.

٢٩٨

من العبائر ، كالخلاف والغنية والمعتبر والمنتهى والتذكرة ونهاية الإحكام ، وشرح القواعد للمحقق الثاني ، وروض الجنان (١) ، ونفى عنه الخلاف في السرائر (٢) ، وادعاه في الانتصار في وبر الثعالب والأرانب وجلودهما ، قال : وإن ذبحت ودبغت (٣).

والنصوص به مع ذلك مستفيضة ، وفيها الصحاح والموثّقات وغيرها ، منها الصحيح : عن الصلاة في جلود السباع ، فقال : « لا تصلّ فيها » (٤).

والموثّق المرويّ بعدّة طرق : عن جلود السباع ، فقال : « اركبوها ولا تلبسوا شيئا منها تصلّون فيه » (٥) كما في طريقين ، وفي آخرين : عن لحوم السباع وجلودها ، فقال : « أما لحوم السباع فمن الطير والدواب فإنّا نكرهه ، وأما الجلود فاركبوا عليها ولا تلبسوا شيئا منها تصلّون فيه » (٦).

واختصاصها بالسباع غير ضائر بعد عدم قول بالفرق بين الأصحاب ، مستندا إلى عموم كثير من النصوص في الباب ، منها الموثق كالصحيح ـ بل قيل صحيح ـ « إن الصلاة في وبر كل شي‌ء حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكل شي‌ء منه فاسد ، لا تقبل تلك الصلاة حتّى تصلّي في غيره مما أحلّ الله تعالى أكله » ثمَّ قال : « يا زرارة ، فإن كان ممّا يؤكل‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٥١١ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٥ ، المعتبر ٢ : ٧٨ ، المنتهى ١ : ٢٢٦ ، التذكرة ١ : ٩٤ ، نهاية الإحكام ١ : ٣٧٣ ، جامع المقاصد ٢ : ٨٠ ، روض الجنان : ٢١٣.

(٢) السرائر ١ : ٢٦٢.

(٣) الانتصار : ٣٨.

(٤) الكافي ٣ : ٤٠٠ / ١٢ ، التهذيب ٢ : ٢٠٥ / ٨٠١ ، الوسائل ٤ : ٣٥٤ أبواب لباس المصلي ب ٦ ح ١.

(٥) الكافي ٦ : ٥٤١ / ٢ ، المحاسن : ٦٢٩ / ١٠٦ ، الوسائل ٤ : ٣٥٣ أبواب لباس المصلي ب ٥ ح ٤ وذيله.

(٦) الفقيه ١ : ١٦٩ / ٨٠١ ، التهذيب ٢ : ٢٠٥ / ٨٠٢ ، الوسائل ٤ : ٣٥٣ أبواب لباس المصلي ب ٥ ح ٣ وذيله.

٢٩٩

لحمه فالصلاة في وبره وبوله [ وشعره ] وروثه وألبانه وكلّ شي‌ء منه جائز إذا علمت أنه ذكي قد ذكّاه الذبح ، وإن كان غير ذلك ممّا قد نهيت عن أكله أو حرم عليك أكله فالصلاة في كل شي‌ء منه فاسد ، ذكّاه الذبح أو لم يذكّه » (١).

ومنها المروي في الفقيه في وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام : « يا علي لا تصلّ في جلد ما لا يشرب لبنه ولا يؤكل لحمه » (٢).

والمروي عن العلل : « لا تجوز الصلاة في شعر ووبر ما لا يؤكل لحمه ، لأن أكثره مسوخ » (٣).

والمرسل في التهذيب ، المروي عن العلل صحيحا. كان أبو عبد الله عليه‌السلام يكره الصلاة في وبر كل شي‌ء لا يؤكل لحمه (٤) والمراد بالكراهة فيهما التحريم ، كما يستفاد من تتبّع نصوص الباب.

والخبر : كتبت إليه : يسقط على ثوبي الوبر والشعر مما لا يؤكل لحمه من غير تقية ولا ضرورة ، فكتب : « لا تجوز الصلاة فيه » (٥).

وظاهره إطلاق المنع (ولو كان) شعرات ملقاة على الثوب ، فضلا عن أن يكون (قلنسوة أو تكة) مضافا إلى وقوع التصريح بالمنع فيهما على الخصوص في الصحيح المروي في الكافي والتهذيب عن علي بن مهزيار : قال : كتب إليه إبراهيم بن عقبة : عندنا جوارب وتكك تعمل من وبر الأرانب ، فهل تجوز الصلاة فيه من غير ضرورة ولا تقية؟ فكتب عليه‌السلام : « لا تجوز‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٩٧ / ١ ، التهذيب ٢ : ٢٠٩ / ٨١٨ ، الاستبصار ١ : ٣٨٣ / ١٤٥٤ ، الوسائل ٤ : ٣٤٥ أبواب لباس المصلي ب ٢ ح ١. وما بين المعقوفين من المصادر.

(٢) الفقيه ٤ : ٢٦٥ ، الوسائل ٤ : ٣٤٦ أبواب لباس المصلي ب ٢ ح ٦.

(٣) علل الشرائع : ٣٤٢ / ١ ، الوسائل ٤ : ٣٤٧ أبواب لباس المصلي ب ٢ ح ٧.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٠٩ / ٨٢٠ ، علل الشرائع : ٣٤٢ / ٢ ، الوسائل ٤ : ٣٤٦ أبواب لباس المصلي ب ٢ ح ٥.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٠٩ / ٨١٩ ، الاستبصار ١ : ٣٨٤ / ١٤٥٥ ، الوسائل ٤ : ٣٤٦ أبواب لباس المصلي ب ٢ ح ٤.

٣٠٠