رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٢

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٢

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-090-0
الصفحات: ٤١٠

رواية النهي في الثلاثة الأول ـ : إلّا أنه روى جماعة من مشايخنا ، عن الحسين ابن محمد بن جعفر الأسدي رضي‌الله‌عنه أنه ورد عليه فيما ورد من جواب مسائله عن محمد بن عثمان العمري ـ قدس الله روحه ـ : « وأمّا ما سألت عنه من الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها فلئن كان كما يقول الناس : إن الشمس تطلع بين قرني الشيطان وتغرب بين قرني الشيطان ، فما أرغم أنف الشيطان بشي‌ء أفضل من الصلاة ، فصلّها وأرغم أنف الشيطان » (١).

وقال في الخصال ـ بعد أن روى عن عائشة وغيرها نصوصا مستفيضة متضمنة لفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ركعتين بعد العصر وركعتين بعد الفجر ، كما في جملة منها ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من صلّى البردين دخل الجنة » يعني بعد الغداة وبعد العصر ، كما في بعضها ، ما لفظه ـ : كان مرادي بإيراد هذه الأخبار الردّ على المخالفين ، لأنّهم لا يرون بعد الغداة وبعد العصر صلاة ، فأحببت أن أبيّن لهم أنهم قد خالفوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في قوله وفعله (٢).

ونحوه المفيد رحمه‌الله في كتابه المسمى ب‍ « افعل لا تفعل » حيث شنع على العامة في روايتهم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك (٣). ومال إليه جماعة من محققي متأخّري المتأخّرين (٤).

وهو غير بعيد ، سيّما مع إطلاق بعض النصوص بفعل النوافل في الأخيرين ، ففي الخبر : « صلّ بعد العصر من النوافل ما شئت ، وبعد صلاة‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣١٥ / ١٤٣١ ، الوسائل ٤ : ٢٣٦ أبواب المواقيت ب ٣٨ ح ٨.

(٢) الخصال : ٦٩ ـ ٧١ / ١٠٥ ـ ١٠٧ ، الوسائل ٤ : ٢٣٧ أبواب المواقيت ب ٣٨ ح ١٠ ـ ١٢.

(٣) لم نعثر في المصادر الرجالية على من نسب هذا الكتاب إلى المفيد رحمه‌الله ، وإنما الموجود فيها نسبته إلى أبي جعفر محمد بن علي بن النعمان الأحول الملقب بمؤمن الطاق ، انظر رجال النجاشي : ٣٢٥ ، الفهرست : ١٣١ ، معالم العلماء : ٩٥ ، الذريعة ٢ : ٢٦١.

(٤) منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٤٦ ، ٤٧ ، صاحب المدارك ٣ : ١٠٨ ـ ١٠٩.

٢٤١

الغداة ما شئت » (١).

ولكن كان الأولى عدم الخروج عمّا عليه الأصحاب من الكراهة ، نظرا إلى التسامح في أدلّتها ، كما هو الأشهر الأقوى.

واعلم أنّ قوله (عدا) قضاء (النوافل المرتّبة ، وماله سبب) كصلاة الطواف ، والإحرام ، والزيارة ، والحاجة ، والاستخارة ، والاستسقاء ، والتحيّة ، والشكر ، ونحو ذلك ، استثناء متصل إن أريد بابتداء النوافل الشروع فيها ، وإلّا فمنقطع.

وكيف كان فهذا الاستثناء مشهور بين الأصحاب ، بل عليه عامّة متأخّريهم ، وفي الناصرية الإجماع عليه (٢) ، وهو الحجّة المخصّصة لعموم النصوص المانعة.

مضافا إلى عموم المستفيضة بقضاء النافلة في أيّ وقت شاء ، بل ظاهر جملة منها ، المترجحة بذلك وبالشهرة على الأخبار المانعة ، ففي الصحيح : عن قضاء النوافل ، قال : « ما بين طلوع الشمس إلى غروبها » (٣).

وفي المرسل كالصحيح : عن القضاء قبل طلوع الشمس وبعد العصر ، فقال : « نعم ، فاقضه فإنه من سرّ آل محمد المخزون » (٤). ونحوه الخبران (٥).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٧٣ / ٦٨٨ ، الاستبصار ١ : ٢٨٩ / ١٠٥٩ ، الوسائل ٤ : ٢٣٥ أبواب المواقيت ب ٣٨ ح ٥.

(٢) الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٤.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٧٢ / ١٠٨٤ ، الاستبصار ١ : ٢٩٠ / ١٠٦٤ ، الوسائل ٤ : ٢٤٢ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ٩.

(٤) التهذيب ٢ : ١٧٤ / ٦٩٣ ، الوسائل ٤ : ٢٤٤ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ١٧.

(٥) الأول :

التهذيب ٢ : ١٧١ / ٦٨٠ ، الوسائل ٤ : ٢٤٤ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ١٦.

الثاني :

الفقيه ١ : ٢٣٥ / ١٠٣٢ ، الوسائل ٤ : ٢٤٠ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ٢.

٢٤٢

وفي آخرين أحدهما الحسن : « اقض صلاة الليل أيّ ساعة شئت من ليل أو نهار ، كل ذلك سواء » (١) ونحوهما الصحيح (٢).

وفي آخر : كتبت إليه في قضاء النافلة من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، ومن بعد العصر إلى أن تغيب الشمس ، فكتب إلىّ : « لا يجوز ذلك إلّا للمقتضي » (٣) فتدبر.

وفي الخبر : في قضاء صلاة الليل والوتر تفوت الرجل ، أيقضيها بعد صلاة الفجر وبعد صلاة العصر؟ قال : « لا بأس بذلك » (٤).

وعموم أدلّة شرعية ذوات الأسباب عند حصولها ، بل ظاهر جملة منها في ركعتي الإحرام ، وفيها الصحيح وغيره : « خمس صلوات لا تترك على حال ، إذا طفت بالبيت ، وإذا أردت أن تحرم ، وصلاة الكسوف ، وإذا نسيت فصلّ إذا ذكرت ، وصلاة الجنازة » (٥) كما في الأوّل ، ونحوه الثاني بزيادة : « وصلاة الطواف من الفجر إلى طلوع الشمس ، وبعد العصر إلى الليل » (٦).

والتعارض بينه وبين عموم الأخبار المانعة أو إطلاقها وإن كان تعارض‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٧٣ / ٦٩٠ ، ٦٩١ الاستبصار ١ : ٢٩٠ / ١٠٦١ ، ١٠٦٢ ، الوسائل ٤ : ٢٤٣ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ١١ ، ١٣.

(٢) التهذيب ٢ : ١٧٤ / ٦٩٢ ، الاستبصار ١ : ٢٩٠ / ١٠٦٣ ، الوسائل ٤ : ٢٤٣ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ١٢.

(٣) التهذيب ٢ : ١٧٥ / ٦٩٦ ، الاستبصار ١ : ٢٩١ / ١٠٦٨ ، الوسائل ٤ : ٢٣٥ أبواب المواقيت ب ٣٨ ح ٣.

(٤) التهذيب ٢ : ١٧٣ / ٦٨٧ ، الاستبصار ١ : ٢٨٩ / ١٠٥٨ ، الوسائل ٤ : ٢٤٢ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ١٠.

(٥) الكافي ٣ : ٢٨٧ / ٢ ، التهذيب ٢ : ١٧٢ / ٦٨٣ ، الوسائل ٤ : ٢٤١ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ٤.

(٦) الكافي ٣ : ٢٨٧ / ١ ، التهذيب ٢ : ١٧١ / ٦٨٢ ، الوسائل ٤ : ٢٤١ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ٥.

٢٤٣

العموم من وجه يمكن تخصيص كل منهما بالآخر ، إلّا أن الأصل والشهرة العظيمة وحكاية الإجماع المتقدمة أوجب ترجيح هذا العموم وتخصيصه لعموم المنع ، سيّما مع وهنه بتخصيص قضاء النوافل عنه كما مر.

وكذا الفرائض مطلقا كما هو المشهور ، لفحوى ما دلّ على استثناء قضاء النوافل ، وللإجماع المحكي عليه في صريح الناصرية والمنتهى والتحرير ، وظاهر التذكرة (١).

وللنصوص المستفيضة ، منها النصوص الآمرة بقضاء الفرائض متى ذكرها (٢) ، كما سيأتي في بحثه إن شاء الله تعالى.

وأوامر المسارعة إلى المغفرة (٣) ، وإلى نقل الموتى إلى مضاجعهم (٤) ، واحتمال فوات الوقت إذا أخّرت نحو صلاة الكسوف.

وخصوص نصوص صلاة طواف الفريصة ، وهي كثيرة ، منها : عن رجل طاف طواف الفريضة وفرغ من طوافه حين غربت الشمس ، قال : « وجبت عليه تلك الساعة الركعتان ، فليصلّهما قبل المغرب » (٥).

ومنها : عن الرجل يطوف الطواف الواجب بعد العصر ، أيصلي الركعتين حين يفرغ من طوافه؟ قال : « نعم ، أما بلغك قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا بني عبد المطلب لا تمنعوا الناس عن الصلاة بعد العصر فتمنعوهم من الطواف » (٦).

__________________

(١) الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٤ ، المنتهى ١ : ٢١٥ ، التحرير ١ : ٢٧ ، التذكرة ١ : ٨٠.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٥٦ أبواب قضاء الصلوات ب ٢.

(٣) آل عمران : ١٣٣.

(٤) الكافي ٣ : ١٣٧ / ١ ، التهذيب ١ : ٤٢٧ / ١٣٥٩ ، ورواها في الفقيه ١ : ٨٥ / ٣٨٩ مرسلا ، الوسائل ٢ : ٤٧١ أبواب الاحتضار ب ٤٧ ح ١.

(٥) الكافي ٤ : ٤٢٣ / ٣ ، الوسائل ١٣ : ٤٣٤ أبواب الطواف ب ٧٦ ح ١.

(٦) الكافي ٤ : ٤٢٤ / ٧ ، الوسائل ١٣ : ٤٣٤ أبواب الطواف ب ٧٦ ح ٢.

٢٤٤

وخصوص الصحيحة المتقدمة في صلاة الجنازة (١) ، ونحوها اخرى : « لا بأس بصلاة الجنازة حين تغيب الشمس وحين تطلع ، إنما هو استغفار » (٢).

وقريب منهما بعض الأخبار : هل يمنعك شي‌ء من هذه الساعات عن الصلاة على الجنازة؟ قال : « لا » (٣).

وخصوص ما ورد في صلاة الكسوف ، كالصحيح : « وقت صلاة الكسوف في الساعة التي تنكسف عند طلوع الشمس وعند غروبها » (٤).

وما ورد بكراهة قضاء الفرائض (٥) وصلاة الجنازة في بعض هذه الأوقات (٦) فلا تكافئ هذه النصوص من وجوه شتى ، وإن تضمنت الصحاح وغيرها ، وينبغي حملها على التقية جدّا ، كما أنّه ينبغي أن يحمل عليها مطلق الأخبار المانعة ، لما عرفته ، لكن الشهرة ربما أبعدته فيها ، أو أوجبت هي الكراهة بنفسها ، وينبغي حينئذ أن ندور مدارها ، وحيث لا شهرة على الكراهة في المستثنيات والفرائض ، بل الشهرة على خلافها ، نفيناها بالأصل السليم عن المعارض ، بعد ما عرفت من حمل الأخبار المانعة على التقية.

ومن هنا ظهر ضعف قول الشيخين بعدم استثناء ما استثنى في المتن في‌

__________________

(١) راجع ص : ٢٣٧.

(٢) التهذيب ٣ : ٣٢١ / ٩٩٩ ، الاستبصار ١ : ٤٧٠ / ١٨١٥ ، الوسائل ٣ : ١٠٨ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٠ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ١٨٠ / ١ ، التهذيب ٣ : ٣٢١ / ٩٩٧ ، الاستبصار ١ : ٤٦٩ / ١٨١٣ ، الوسائل ٣ : ١٠٩ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٠ ح ٣.

(٤) الكافي ٣ : ٤٦٤ / ٤ ، التهذيب ٣ : ٢٩٣ / ٨٨٦ ، الوسائل ٧ : ٤٨٨ أبواب صلاة الكسوف ب ٤ ح ٢.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٧٠ / ١٠٧٦ ، الاستبصار ١ : ٢٨٨ / ١٠٥٣ ، الوسائل ٤ : ٢٨٨ أبواب المواقيت ب ٦٢ ح ٤.

(٦) التهذيب ٣ : ٣٢١ / ١٠٠٠ ، الاستبصار ١ : ٤٧٠ / ١٨١٦ ، الوسائل ٣ : ١٠٩ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٠ ح ٥.

٢٤٥

الأوّلين (١) ، وزاد في الخلاف الثالث (٢).

واعلم أن الصحيحة الثانية من النصوص الماضية في صدر المسألة تضمنت استثناء نوافل يوم الجمعة (٣). وهو المشهور بين الأصحاب ، بل عليه الإجماع في المنتهى والناصرية (٤) ، ولا خلاف فيه أيضا أجده إلّا من إطلاق العبارة ونحوها بكراهة ابتداء النوافل من دون استثنائها ، وليس ذلك نصّا ، بل ولا ظاهرا في المخالفة ، سيّما مع إمكان إدراجها في النوافل الراتبة المستثناة ، فإنّها منها ، لكونها النوافل النهارية قدّمت على الجمعة ، وزيادة أربع ركعات فيها لا تخرجها عن كونها راتبة.

(الثامنة)

(الأفضل في كلّ صلاة تقديمها في أول وقتها) لعموم أدلّة استحباب المسارعة إلى الطاعة ، وخروجا عن شبهة الخلاف فتوى ورواية في الفرائض ، ما عدا

العشاء فيستحب تأخيرها إلى ذهاب الشفق المغربي ، بل قيل بوجوبه كما مضى (٥).

وللصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة التي كادت تبلغ التواتر ، بل لعلها متواترة ، ففي الصحيح : « أول الوقت أفضل ، فعجّل الخير ما استطعت » (٦) وبمعناه كثير.

وفيه : « الصلوات المفروضات في أول وقتها ـ إذا أقيم حدودها ـ أطيب‌

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٢١٢ ، الطوسي في النهاية : ٦٢.

(٢) الخلاف ١ : ٥٢٠.

(٣) راجع ص : ٢٣٣.

(٤) المنتهى ١ : ٢١٧ ، الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٤.

(٥) راجع ص : ١٨٤.

(٦) الكافي ٣ : ٢٧٤ / ٨ ، التهذيب ٢ : ٤١ / ١٣٠ ، مستطرفات السرائر : ٧٢ / ٦ بتفاوت يسير ، الوسائل ٤ : ١٢١ أبواب المواقيت ب ٣ ح ١٠.

٢٤٦

ريحا من قضيب الآس حين يؤخذ من شجره في طيبه وريحه وطراوته ، فعليكم بالوقت الأوّل » (١).

(إلّا) ما مرّ من تأخير المستحاضة الظهر والمغرب إلى آخر وقت فضيلتهما ، وتأخير المتيمم التيمّم إلى آخر الوقت بقدر ما يصلي الفريضة ، إن قلنا بجواز تقديمه في أوّل وقتها في الجملة أو مطلقا ، وإلّا فيجب التأخير ، وتأخير المربّية للصبي ذات الثوب الواحد الظهرين إلى آخر الوقت لتغسل الثوب قبلهما ويحصل فيه أربع صلوات بغير نجاسة ، وتأخير صلاة الليل إلى الثلث الأخير وما يقرب من الفجر ، وتأخير ركعتيها إلى الفجر الأوّل ، وتأخير فريضة الصبح لمن أدرك من صلاة الليل أربع ركعات إلى أن يتمّها والوتر وصلاة الفجر ، وتأخير العشاء إلى الشفق ـ كما مر ـ بل إلى ثلث الليل أو نصفه كما في النصوص المتقدمة جملة منها .. إلى غير ذلك من المواضع المستثناة.

ومنها (ما نستثنيه في مواضعه إن شاء الله تعالى) ومن تأخير دافع الأخبثين إلى أن يخرجهما ، وتأخير الصائم المغرب إلى بعد الإفطار لرفع منازعة النفس أو الانتظار ، وتأخير المفيض من عرفة العشاءين إلى جمع (٢) ، وتأخير مريد الإحرام الفريضة الحاضرة حتى يصلي نافلة الإحرام.

ومنها : تأخير صاحب العذر الراجي للزوال ليقع صلاته على الوجه الأكمل ، بل أوجبه السيد وجماعة (٣). ولا يخلو عن قوة ، وإن اشتهر بين المتأخرين خلافه.

ومنها : ما إذا كان التأخير مشتملا على صفة كمال كاستيفاء الأفعال ، وتطويل الصلاة ، واجتماع البال ، ومزيد الإقبال ، وإدراك فضيلة الجماعة ،

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٤٠ / ١٢٨ ، ثواب الأعمال : ٣٦ ، الوسائل ٤ : ١١٨ أبواب المواقيت ب ٣ ح ١.

(٢) يقال للمزدلفة : جمع لاجتماع الناس فيها. الصحاح ٣ : ١١٩٨.

(٣) حكاه عن السيد في المختلف : ١٤٩ ، وعنه وعن ابن الجنيد وسلّار في الذكرى : ١٣٠.

٢٤٧

والسعي إلى مكان شريف ، ونحو ذلك ، على المشهور. قيل : ويستفاد من النصوص ، ولم أقف عليها ، نعم ربما دلّ بعضها على استحباب التأخير لانتظار الإمام ، وقد تقدم (١).

وفي الخبر الوارد في المغرب : « إذا كان أرفق بك وأمكن لك في صلاتك وكنت في حوائجك ، فلك أن تؤخّرها إلى ربع الليل » (٢).

وغاية ما يستفاد منه جواز التأخير لا استحبابه ، كما يفهم منهم.

نعم في الصحيح : أكون في جانب المصر فتحضر المغرب وأنا أريد المنزل ، فإن أخّرت الصلاة حتى أصلّي في المنزل كان أمكن لي ، وأدركني المساء ، فأصلّي في بعض المساجد؟ فقال : « صلّ في منزلك » (٣).

ونحوه خبر آخر : « ائت منزلك وانزع ثيابك » (٤).

وربما كان فيهما دلالة على الاستحباب الذي هو أقلّ مراتب الأمر الذي تضمناه. ولكن يمكن وروده لمطلق الرخصة باحتمال وروده مورد توهم المنع ، كما يستفاد من السؤال فيهما ، إلّا أن الشهرة ربما ترجّح إرادة الاستحباب.

وهنا مواضع أخر مستثناة في كلام الأصحاب لا فائدة مهمة في ذكرها مع تأمّل في بعضها.

(التاسعة :)

لا يجوز صلاة الفريضة قبل وقتها إجماعا ، والنصوص به مع ذلك ـ مضافا إلى الأصول ـ مستفيضة جدّا ، وفيها الصحاح وغيرها (٥).

__________________

(١) في ص : ٢٢٨ ـ ٢٢٩.

(٢) التهذيب ٢ : ٣١ / ٩٤ ، الاستبصار ١ : ٢٦٧ / ٩٦٤ ، الوسائل ٤ : ١٩٥ أبواب المواقيت ب ١٩ ح ٨.

(٣) التهذيب ٢ : ٣١ / ٩٢ ، الوسائل ٤ : ١٩٧ أبواب المواقيت ب ١٩ ح ١٤.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٠ / ٩١ ، الوسائل ٤ : ١٩٦ أبواب المواقيت ب ١٩ ح ١١.

(٥) الوسائل ٤ : ١٦٦ أبواب المواقيت ب ١٣.

٢٤٨

وأما الصحيح : « إذا صلّيت في السفر شيئا من الصلوات في غير وقتها فلا يضرك » (١) فمحمول على خارج الوقت ، أو النافلة ، أو وقت الفضيلة ، ويحتمل التقية ، فقد حكي عن الحسن والشعبي وابن عباس أنهم قالوا في مسافر صلّى قبل الزوال : يجزيه (٢).

وحيث ثبت ذلك وجب تحصيل العلم بالوقت ، ولا يجوز التعويل على الظن. وهو مع التمكن من العلم إجماعي ، كما صرّح به جماعة (٣). ولا ينافيه إطلاق كلام الشيخين (٤) بكفاية المظنّة ، لعدم معلومية شموله لنحو الصورة المفروضة ، بل الظاهر بحكم التبادر عدمه.

وبنحو ذلك يجاب عن النصوص المعتبرة للمظنة الحاصلة من أذان المؤذّنين وصياح الديكة ، وفيها الصحيح وغيره (٥).

مع أنه قضية الجمع بينها وبين النص المانع عن الاعتماد على الأذان (٦) ، بحمله على صورة التمكن من العلم والسابقة على صورة عدم التمكن إلّا من المظنة ، وإن أمكن الجمع بحمل الأولة على أذان الثقة والثاني على غيره ، لكون الجمع الأول أوفق بالأصول والشهرة ، بل الإجماع ، كما حكاه الفحول.

ويجوز التعويل مع عدمه على الأمارات المفيدة للظن على المشهور ، بل في التنقيح دعوى الاتّفاق عليه (٧) ، لما مر من الروايات ، مضافا إلى‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٤١ / ٥٥١ ، الوسائل ٤ : ١٦٨ أبواب المواقيت ب ١٣ ح ٩.

(٢) حكاه عنهم في المنتهى ١ : ٢١٢ ، وانظر المغني والشرح الكبير ١ : ٣٩٦.

(٣) منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٥٢ ، الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ١٦٣.

(٤) المفيد في المقنعة : ٩٤ ، الطوسي في النهاية : ٦٢.

(٥) الوسائل ٤ : ١٧٠ أبواب المواقيت ب ١٤.

(٦) الذكرى : ١٢٩ ، الوسائل ٤ : ٢٨٠ أبواب المواقيت ب ٥٨ ح ٤.

(٧) التنقيح الرائع ١ : ١٧١.

٢٤٩

خصوص ما سيأتي من الخبر.

خلافا للإسكافي وغيره (١) ، فيصبر حتى يتيقن. وهو الأوفق بالأصول ، لو لا ما مرّ من النصوص المعتضدة بالشهرة ، والإجماع المنقول ، والنصوص المستفيضة ، وفيها الصحيح وغيره : بجواز الإفطار عند ظن الغروب (٢) ، ولا قائل بالفرق بينه وبين جواز الصلاة بعده ، فهي أيضا أدلّة مستقلة ، كالموثقة : إني ربما صلّيت الظهر في يوم الغيم فانجلت ، فوجدتني صليت حين زوال النهار ، قال ، فقال : « لا تعد ولا تعد » (٣).

وعلى المختار فـ (إذا صلّى ظانّا دخول الوقت ، ثمَّ تبيّن الوهم ، أعاد) الصلاة إجماعا ، فتوى ونصّا (إلّا أن يدخل الوقت) وهو متلبّس بشي‌ء منها ولو كان تشهّدا أو تسليما (ولما يتم) فيتمّها ، ولا قضاء على الأشهر الأظهر.

للخبر : « إذا صلّيت وأنت ترى أنك في وقت ، فدخل الوقت وأنت في الصلاة فقد أجزأت عنك » (٤).

وقوله : « وأنت ترى » ظاهر في الظن. وقصور السند أو ضعفه منجبر بالشهرة الظاهرة ، والمحكية في عبائر جماعة حدّ الاستفاضة (٥) ، ومؤيّد بالاعتبار ، فإنه امتثل بناء على أنه مأمور باتباع ظنه فتجزي ، خرج ما إذا وقعت الصلاة كلها خارج الوقت بالإجماع والنص ، فيبقى الباقي.

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف : ٧٣ ، وقوّاه في المدارك ٣ : ٩٩.

(٢) الوسائل ١٠ : ١٢٢ ، ١٢٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٥١ ، ٥٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٤٦ / ٩٧٩ ، الاستبصار ١ : ٢٥٢ / ٩٠٣ ، الوسائل ٤ : ١٢٩ أبواب المواقيت ب ٤ ح ١٦.

(٤) الكافي ٣ : ٢٨٦ / ١١ ، الفقيه ١ : ١٤٣ / ٦٦٦ ، التهذيب ٢ : ١٤١ / ٥٥٠ ، الوسائل ٤ : ٢٠٦ أبواب المواقيت ب ٢٥ ح ١.

(٥) انظر التنقيح ١ : ١٧١ ، وجامع المقاصد ٢ : ٢٩ ، والمسالك ١ : ٢١.

٢٥٠

(وفيه قول آخر) للمرتضى وجماعة (١) ، فأوجبوا الإعادة.

لوجوب تحصيل يقين الخروج عن العهدة وإنما يحصل إذا وقعت بتمامها في الوقت.

ولعدم الامتثال للأمر بإيقاعها في الوقت.

وللنهي عنها قبله فتفسد.

وللزوم تبعية الوقت للأفعال ، فإنها قد تكون إذا اختصرت وقعت كلّها قبل الوقت فيخرج الوقت عن كونه مضروبا لها.

ولعموم الموثّق : « من صلّى في غير وقت فلا صلاة له » (٢).

مع ضعف الخبر المتقدم بجهالة الراوي. وفيه : أنه منجبر بما مرّ.

وأما باقي الوجوه ، فمع أنها اجتهادات في مقابلة النص مضعّفة.

فالثلاثة الأول : بمنعها أجمع إن أريد بالوقت فيها الوقت النفس الأمري ، كيف لا والمفروض كفاية الظن ، ولزوم الإعادة ينفيه أصالة البراءة. وإن أريد به ما هو وقت في ظن المكلف ، فقد خرج عن العهدة ، وامتثل بإيقاعها في الوقت ، ولم يوقعها قبله حتى يتعلق بها النهي فتفسد.

وبنحوه يجاب عن الرابع ، وزيادة هي المنع عنه بشهادة الصحة إذا أدرك في الآخر ركعة. ودعوى خروجها بالأدلّة معكوسة ، لخروج ما نحن فيه أيضا بما مرّ من الأصول والرواية المعتبرة ، ولا يعارضها الموثقة ، مع أنها عامة لصورتي وقوع تمام الصلاة قبل الوقت أو بعضها ، والمعتبرة خاصة بالأخيرة ، فليخصّص بها الموثقة ، أو يحمل الوقت فيها على الوقت الظاهري الذي يظنه المكلف ،

__________________

(١) المرتضى في المسائل الرسّية ( رسائل السيد ) ٢ : ٣٥٠ ، واختاره العلامة في المختلف : ٧٤ وحكاه فيه عن ابن أبي عقيل وابن الجنيد ، واستجوده في المدارك ٣ : ١٠١.

(٢) الكافي ٣ : ٢٨٥ / ٦ ، التهذيب ٢ : ١٤٠ / ٥٤٧ ، الاستبصار ١ : ٢٤٤ / ٨٦٨ ، الوسائل ٤ : ١٠٩ أبواب المواقيت ب ١ ح ٦.

٢٥١

وعليه فلا صلاة قبل الوقت.

وبالجملة : خيرة الأكثر أظهر ، وإن كان القول الثاني أحوط.

ويستفاد من العبارة بطلان الصلاة لو فعلت قبل الوقت في غير صورة الظن مطلقا (١) ، وبه صرح في الشرائع (٢).

وهو موضع وفاق لو لم تصادف الصلاة شيئا من الوقت ، ونفى عنه الخلاف المحقق الثاني وغيره (٣).

ويشكل فيما لو صادفت شيئا منه ، أو وقعت فيه بتمامها. والمشهور البطلان في الأول أيضا مطلقا ، وعن التذكرة الإجماع عليه فيه كذلك (٤) ، لعدم صدق الامتثال المقتضي لبقاء المكلف تحت العهدة ، سيّما مع العمد ، لوقوع النهي فيه عن الشروع في العبادة فتفسد.

خلافا للمحكي عن النهاية والمهذب والكافي والبيان (٥) فتصح ، لكن الأخيرين قالا بها في الناسي ، وزاد أوّلهما الجاهل أيضا.

لرفع النسيان. وفيه : أن معناه رفع الإثم.

ولتنزيل إدراك الوقت في البعض منزلته في الكل. وهو ممنوع على إطلاقه.

وللخبر المتقدم في الظان (٦). وهو ـ مع ضعف سنده وعدم جابر له في المقام ـ مخصوص بالظان ، فإنّ « ترى » بمعنى : « تظن » كما عرفت ، والقياس‌

__________________

(١) أي في صورة العمد أو الجهل أو النسيان. منه رحمه الله.

(٢) الشرائع ١ : ٦٤.

(٣) جامع المقاصد ٢ : ٢٨ ، وانظر الحدائق ٦ : ٢٨٧.

(٤) التذكرة ١ : ٨٥.

(٥) النهاية : ٦٢ ، المهذّب ١ : ٧٢ ، الكافي في الفقه : ١٣٨ ، البيان : ١١٢.

(٦) راجع ص : ٢٤٤.

٢٥٢

حرام.

وللدروس وغيره (١) ، فقالوا بالصحة فيما لو صادفت الوقت بتمامها ناسيا أو جاهلا.

وهو قويّ في الناسي مطلقا ، سواء فسّر بناسي مراعاة الوقت ، كما هو المتبادر منه ، أو من جرت منه الصلاة حال عدم خطور الوقت بالبال ، كما أطلقه عليه في الذكرى (٢) ، لوقوع الصلاة في الوقت ، غاية ما في الباب انتفاء علم المكلف به ، وهو غير قادح ، لعدم دليل على الشرطية ، مع أن الأصل ينفيه.

ويشكل في الجاهل بأيّ معنى فسّر ، بجاهل الحكم أو جاهل دخول الوقت ، لأنه بالمعنى الثاني بحكم الشاك ، بل هو عينه ، فيتعلق به النهي عن الدخول الوارد في النصوص بالعموم ، كما مر من الموثق (٣) ، ونحوه آخر : « إيّاك أن تصلي قبل أن تزول ، فإنك تصلّي في وقت العصر خير لك من أن تصلّي قبل أن تزول » (٤).

وبالخصوص ، كالحسن المروي عن مستطرفات السرائر : « إذا كنت شاكّا في الزوال فصلّ ركعتين ، فإذا استيقنت أنها زالت بدأت بالفريضة » (٥).

وبالمعنى الأوّل في حكم العامد ، لم يتأتّ منه قصد التقرب ، كما تقرّر في محله.

__________________

(١) الدروس ١ : ١٤٣ ، وانظر مجمع الفائدة ٢ : ٥٤ ، والمدارك ٣ : ١٠٢.

(٢) الذكرى : ١٢٨.

(٣) في ص : ٢٤٥.

(٤) التهذيب ٢ : ١٤١ / ٥٤ ، الوسائل ٤ : ١٦ أبواب ، المواقيت ب ١٣ ح ٦.

(٥) مستطرفات السرائر ٣٠ / ٢٢ ، الوسائل ٤ : ٢٧٩ أبواب المواقيت ب ٥٨ ح ١.

٢٥٣

(الثالثة : في القبلة)

(وهي)‌ في اللغة ـ على ما قيل (١) ـ حالة المستقبل ، أو الاستقبال على هيئة.

وفي الاصطلاح ما يستقبل.

واختلف الأصحاب في تعيينه بعد اتفاقهم على أنه (الكعبة) في الجملة فأكثر المتأخّرين (٢) على أنها القبلة مطلقا (مع الإمكان) من مشاهدتها ، كمن كان في مكة متمكنا منها ولو بمشقة يمكن تحمّلها عادة.

وإلّا يتمكن ـ بالبعد عنها ، أو تعذّر مشاهدتها لمرض أو حبس أو نحوهما فجهتها وإن بعد.

وفاقا منهم للمحكي عن كثير من القدماء ، كالمرتضى ، والحلبي ، والحلي ، والإسكافي (٣).

ولعله الأقوى ، استنادا في الشق الأوّل إلى الإجماع المحكي عن المعتبر والتذكرة (٤).

والنصوص المستفيضة ، بل المتواترة ، المتضمنة للصحيح والموثق وغيرهما (٥) على أنها القبلة.

__________________

(١) كشف اللثام ١ : ١٧١.

(٢) منهم الشهيدان في البيان : ١١٤ ، وروض الجنان : ١٨٩ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٤٨ ، وصاحب المدارك ٣ : ١١٩ ، والسبزواري في الذخيرة : ٢١٣.

(٣) المرتضى في الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٥ ، الحلبي في الكافي : ١٣٨ ، الحلي في السرائر ١ : ٢٠٤ ، وحكاه عن الإسكافي في المختلف : ٧٦.

(٤) المعتبر ٢ : ٦٥ ، التذكرة ١ : ١٠٠.

(٥) الوسائل ٤ : ٢٩٧ أبواب القبلة ب ٢.

٢٥٤

والاحتياط ، للإجماع على صحة الصلاة إليها ، والخلاف في الصلاة إلى المسجد والحرم ، مع اختلاف المسجد صغرا وكبرا في الأزمان ، وعدم انضباط ما كان مسجدا عند نزول الآية (١) بيقين.

وخصوص المروي في الاحتجاج عن مولانا العسكري عليه‌السلام في احتجاج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على المشركين ، قال : « إنّا عباد الله تعالى .. إلى أن قال : فلما أمرنا أن نعبده بالتوجه إلى الكعبة أطعنا ، ثمَّ أمرنا بعبادته بالتوجه نحوها في سائر البلدان التي تكون بها » (٢).

نقله في الوسائل ، وهو نص في المدّعى كملا حتى في الشق الثاني.

والحجة فيه بعده أيضا : النصوص المتقدمة بأنّ القبلة هي الكعبة ، بناء على أنّ تعذّر عينها للبعيد يوجب إرادة الجهة.

مضافا إلى ظهور جملة منها في كونها مرادة ، وهي ما دلّ على أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله حوّل إليها ، وهي أيضا مستفيضة ، متضمنّة للصحيح وغيره (٣).

مضافا إلى الصحيحين وغيرهما : « ما بين المشرق والمغرب قبلة » (٤).

وهو وإن اختصّ بالمضطرّ ، إلّا أنه صريح في تعيّن الجهة ولو في الجملة ، كما صرّح به الشهيد رحمه‌الله (٥). ويندفع به القول بتعيّن العين للقبلة المشار إليه بقوله (وقيل :) والقائل الشيخ في أكثر كتبه (٦) ، والقاضي وابن حمزة والديلمي (٧) ، بل ذكر الشهيدان انه أكثر الأصحاب (٨) ، وزاد أوّلهما‌

__________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى ( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ .. * ) ـ البقرة : ١٤٤ ، ١٥٠.

(٢) الاحتجاج : ٢٧ ، الوسائل ٤ : ٣٠٢ أبواب القبلة ب ٢ ح ١٤.

(٣) الوسائل ٤ : ٢٩٧ أبواب القبلة ب ٢.

(٤) الوسائل ٤ : ٣١٤ أبواب القبلة ب ١٠ الأحاديث ١ ، ٢ ، ٣.

(٥) الذكرى : ١٦٢.

(٦) انظر النهاية : ٦٢ ، المبسوط ١ : ٧٧ ، الخلاف ١ : ٢٩٥.

(٧) القاضي في المهذّب ١ : ٨٤ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٨٥ ، الديلمي في المراسم : ٦٠.

(٨) الشهيد الأول في الذكرى : ١٦٢ ، الشهيد الثاني في روض الجنان : ١٨٩.

٢٥٥

وغيره (١) فادعيا أنه هو المشهور (هي) أي الكعبة (قبلة لأهل المسجد ، والمسجد قبلة من صلّى في الحرم ، والحرم قبلة أهل الدنيا).

لنصوص ضعيفة (٢) لا تصلح من أصلها للحجيّة ، فضلا عن أن تقاوم ما قدّمناه من الأدلّة.

والشهرة المحكية على تقدير تسليمها معارضة بالشهرة المتأخّرة المحققة ، والمحكيّة أيضا في كلام جماعة (٣) ، فلا تصلح للضعف جابرة.

وظاهر النصوص كالعبارة ، والمحكي عن الخلاف والاقتصاد والمصباح ومختصره والمراسم والنهاية (٤) : جواز صلاة من خرج من المسجد إليه منحرفا عن الكعبة وإن شاهدها أو تمكن من المشاهدة ، ومن خرج من الحرم إليه منحرفا عن الكعبة والمسجد.

ولكن عن المبسوط والجمل والعقود والمهذب والوسيلة والإصباح (٥) أنهم اشترطوا في استقبال المسجد أن لا يشاهد الكعبة ولا يكون بحكمه ، وفي استقبال الحرم أن لا يشاهد المسجد ولا يكون بحكمه.

وهو صريح في الموافقة للمختار في الشق الأوّل. ويمكن تنزيل إطلاق ما مرّ من العبائر عليه ، فيرتفع فيه الخلاف ، كما صرّح به بعض الأصحاب وحكاه عن ابن زهرة (٦) ، ولعلّه لذا صرّح الماتن بالإجماع في المعتبر (٧) ،

__________________

(١) السبزواري في الذخيرة : ٢١٤.

(٢) الوسائل ٤ : ٣٠٣ أبواب القبلة ب ٣.

(٣) منهم الأردبيلي في أحكام القرآن : ٦٣ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ١١٢.

(٤) الخلاف ١ : ٢٩٥ ، الاقتصاد : ٢٥٧ ، مصباح المتهجد : ٢٤ ، المراسم : ٦٠ ، النهاية : ٦٢.

(٥) المبسوط ١ : ٧٧ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٤٤ ، المهذب ١ : ٨٤ ، الوسيلة : ٨٥.

(٦) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٦ ، وانظر الذخيرة : ٢١٣.

(٧) المعتبر ٢ : ٦٥.

٢٥٦

كالفاضل المقداد في كنز العرفان (١).

وربما يفهم أيضا من شيخنا الشهيد في الذكرى وجملة ممن تبعه (٢) ، حيث فهموا من كلام القائلين بهذا القول تعيّن استقبال عين المسجد والحرم لمن كان خارجهما وعدم اعتبار جهتهما ، وحملوا كلامهم والروايات على الجهة ، وأن ذلك ذكر على سبيل التقريب إلى الأفهام إظهارا لسعة الجهة ، وزعموا بذلك الجمع بين القولين ، ولو لا اتفاقهما على تعيّن الكعبة للمشاهد ومن بحكمه لما ارتفع بمجرد ذلك الخلاف بينهما ، فإن ثمرة الاختلاف بينهما تظهر في شيئين :

أحدهما : تعيّن الكعبة للمشاهد ومن بحكمه ولو كانا خارج المسجد مثلا ، كما هو مقتضى القول الأوّل ، وعدمه وجواز استقبال جزء من المسجد والحرم ولو منحرفا عنها ، كما هو مقتضى القول الثاني.

وثانيهما : تعيّن استقبال عين المسجد أو الحرم للنائي دون الجهة ، كما هو مقتضى القول الثاني ، وكفاية الجهة دون عينهما ، كما هو مقتضى القول الأوّل.

وحيث إنّ الشهيد ومن بعده لم يتعرضوا إلّا للثمرة الأخيرة وجمعوا بين القولين بما مر ، ظهر منهم انحصار ثمرة الخلاف فيها خاصة ، دون السابقة ، وليس ذلك إلّا لتعيّن الكعبة للمشاهد ومن بحكمه كما عرفته.

واعلم إن الجمع الذي ذكروه حسن ، إلّا أنه ربما يأبى عنه عبارة الخلاف المحكية ، حيث استدل على مختاره ـ بعد النصوص المتقدمة وما ادّعاه من إجماع الإمامية ـ بأنّ المحذور في استقبال عين الكعبة لازم لمن أوجب استقبال‌

__________________

(١) كنز العرفان ١ : ٨٥.

(٢) الذكرى : ١٦٢ ، وانظر كشف اللثام ١ : ١٧١ ، والحدائق ٦ : ٣٧٥.

٢٥٧

جهتها ، فإن لكل مصلّ جهة ، والكعبة لا تكون في الجهات كلها. ولا كذلك التوجّه إلى الحرم ، لأنه طويل يمكن أن يكون كل واحد متوجّها إلى جزء منه (١).

وهو كما ترى صريح في نفي الجهة وتعيّن استقبال عين الحرم خاصة ، فلا يقبل الجمع المتقدم إليه الإشارة.

(و) لكن (فيه ضعف) لا يخفى وجهه ، لاتّفاق الفريقين ـ كما ذكره جماعة (٢) ـ على أن فرض النائي هو التعويل على الأمارات المتفق عليها بينهم لأهل كلّ إقليم ، وعليه فلا ثمرة لهذا الاختلاف ، إلّا بالنسبة إلى الثمرة الاولى ، وقد عرفت ارتفاع الخلاف فيها أيضا.

ولو سلّم وجوده لمنع كل ما في الخلاف من الدليل :

فالنصوص بما مرّ.

والإجماع المحكي بالمعارضة بما يحكى من ابني زهرة وشهرآشوب (٣) من نفي الخلاف عن وجوب استقبال جهة المسجد لمن نأى عنه ، كما هو ظاهر الآية. ولو سلّم فغايته أنه خبر صحيح لا يعارض ما قدّمناه من الأدلّة.

وأما الاعتبار فبما ذكره جماعة : من أنا نعني بالجهة السمت الذي فيه الكعبة لا نفس البنيّة (٤) ، وذلك متّسع يمكن أن يوازي جهة كلّ مصلّ ، على أن الإلزام في الكعبة لازم في الحرم وإن كان طويلاً.

واعلم أن للأصحاب اختلافا كثيرا في تعريف الجهة ، لكنه قليل الفائدة‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٢٩٥.

(٢) منهم صاحبا المدارك ٣ : ١٢١ ، والحدائق ٦ : ٣٧٥.

(٣) ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٦ ، حكاه عن ابن شهرآشوب في كشف اللثام ١ : ١٧٣.

(٤) منهم المحقق في المعتبر ٢ : ٦٦ ، الشهيد الثاني في روض الجنان : ١٩٠ ، صاحب المدارك ٣ : ١٢١.

٢٥٨

بعد اتفاق الكلّ على أن فرض النائي رعاية العلامات المقررة ، والتوجّه إلى السمت الذي عيّنته رعاية تلك العلامة ، فالأولى إناطة تعريفها بذلك ، كما ذكره بعض الأجلّة (١).

(ولو صلّى في وسطها) حيث جازت له الصلاة فيه (استقبل أيّ جدرانها شاء) مخيّرا بينها ، وإن كان الأفضل استقبال الركن الذي فيه الحجر ، على ما ذكره الصدوق (٢). بلا خلاف في أصل الحكم على الظاهر ، المصرح به في بعض العبائر (٣) ، بل في المنتهى أنه قول كل أهل العلم (٤).

وهو الحجّة ، لا ما ذكروه من حصول استقبال القبلة بناء على أنها ليست مجموع البنيّة ، بل نفس العرصة وكل جزء من أجزائها ، إذ لا يمكن محاذاة المصلّي بإزائها منه إلّا قدر بدنه والباقي خارج عن مقابلته ، وهذا المعنى يتحقق مع الصلاة فيها كما يتحقق مع الصلاة في خارجها.

لقوة احتمال تطرّق الوهن إليه بأن الثابت من الأدلّة كون جملة البنيّة قبلة ، وأمّا كون أيّ بعض منها قبلة فلم يثبت ، لاختصاص ما دلّ على أن الكعبة قبلة ـ بحكم التبادر ـ بكون القبلة جملتها ، والمراد بها القطر والقدر الذي يحاذي المصلي من قطر الكعبة ومجموعها ، والمصلّي داخلها لم يحصل له هذا ، فتأمّل (٥).

__________________

(١) انظر المدارك ٣ : ١٢١.

(٢) الفقيه ١ : ١٧٨.

(٣) انظر المعتبر ٢ : ٦٧ ، والحدائق ٦ : ٣٨١.

(٤) المنتهى ١ : ٢١٨.

(٥) ووجهه هو أنّ الاتفاق على جواز النافلة فيها اختيارا كاشف عن كون القبلة ما ذكروه ، بناء على أنّ الإجماع على عدم جواز النافلة إلى غير القبلة اختيارا من غير استثناء ، وكذا جواز الفريضة إلى ركن من أركان الكعبة بحيث يتجرّد عن أصل ويتوجّه إلى جزء من الركن بمقدار ما يحاذي بدن المصلّي. ويعضده أيضا ما سيأتي من دعوى اتفاق المتأخرين على جواز التطوع على

٢٥٩

ولهذا منع الشيخ في الخلاف والقاضي وغيرهما (١) من صلاة الفريضة جوفها ، ويعضده الصحيحان الناهيان عنه (٢) ، وغيرهما (٣).

والموثق المرخّص لفعلها فيها (٤) ـ مع قصوره عن المقاومة لهما سندا ـ موافق للعامة ، فقد نسبه في المنتهى إلى جماعة منهم ، ومنهم أبو حنيفة (٥).

نعم هو مشهور بين المتأخّرين ، بل عليه عامّتهم (٦) ، وفي السرائر الإجماع عليه (٧).

وبه ـ مضافا إلى الموثقة المعتضدة بالشهرة ـ يصرف النهي في الصحيحين وغيرهما إلى الكراهة ، سيّما مع تبديل النهي في أحدهما في بعض الطرق ب‍ « لا تصلح » (٨) ، المشعر بالكراهة ، بل جعله الشيخ صريحا ، مع أنه‌

__________________

السطح بعد أن يبرز من الكعبة شيئا بين يديه بحيث يكون مواجها ومستقبلا له في أحواله.

وبالجملة فكل هذه القرائن أمور واضحة على ما ذكروه ، كما لا يخفى على من تأمل وتدبر ( منه دام فضله ).

(١) الخلاف ١ : ٤٣٩ ، القاضي في المهذّب ١ : ٧٦ ، ومال إليه البهبهاني في حاشية المدارك : ( المدارك الحجري ) : ١٣٠. ٢٥٧.

(٢) الأول :

الكافي ٣ : ٣٩١ / ١٨ ، التهذيب ٢ : ٣٧٦ / ١٥٦٤ ، الوسائل ٤ : ٣٣٦ أبواب القبلة ب ١٧ ح ١ الثاني :

التهذيب ٥ : ٢٧٩ / ٩٥٣ ، الاستبصار ١ : ٢٩٨ / ١١٠١ ، الوسائل ٤ : ٣٣٧ أبواب القبلة ب ١٧ ح ٣.

(٣) المقنعة : ٤٤٧ ، الوسائل ٤ : ٣٣٨ أبواب القبلة ب ١٧ ح ٩.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٧٩ / ٩٥٥ ، الوسائل ٤ : ٣٣٧ أبواب القبلة ب ١٧ ح ٦.

(٥) المنتهى ١ : ٢١٨.

(٦) في « م » زيادة : كما صرّح به.

(٧) السرائر ١ : ٢٦٦.

(٨) التهذيب ٥ : ٢٧٩ / ٩٥٤ ، الاستبصار ١ : ٢٩٨ / ١١٠٢ ، الوسائل ٤ : ٣٣٧ أبواب القبلة ب ١٧ ح ٤.

٢٦٠