رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٢

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٢

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-090-0
الصفحات: ٤١٠

(كتاب الصلاة)

وهي لغة : الدعاء ، وشرعا : العبادة المخصوصة بكيفيّاتها المعهودة ، وعدّها جماعة من أهل اللغة من جملة معانيها اللغوية (١) ، وفي إثبات الحقيقة بذلك إشكال ، بل الظاهر العدم.

والنصوص في فضلها وعقاب تاركها أكثر من أن تحصى.

(والنظر) في هذا الكتاب يقع (في المقدمات والمقاصد).

(والمقدمات سبع :).

(الاولى :)

(في) بيان (الأعداد) وهي إمّا واجبة أو مندوبة ، لأنّها عبادة (و) لا تكون بالذات إلّا راجحة.

ف‍ـ : (الواجبات) على الجملة بالحصر المستفاد من تتبّع الأدلّة الشرعية (تسع :) على المشهور ، وقيل : سبع ، بإدراج الكسوف والزلزلة في الآيات (٢).

الاولى : (الصلوات الخمس) الفرائض اليوميّة أداء وقضاء ولو من وليّ الميت عنه (و) الثانية (صلاة الجمعة و) الثالثة : صلاة (العيدين و)‌

__________________

(١) انظر الصحاح ٦ : ٢٤٠٢ ، نهاية ابن الأثير ٣ : ٥٠ ، مجمع البحرين ١ : ٢٢٦.

(٢) قال به الشهيد الأول في البيان : ١٠٧ ، والدروس ١ : ١٣٦ ، الشهيد الثاني في الروضة ١ : ١٦٧.

١٦١

الرابعة : صلاة (الكسوف و) الخامسة : صلاة (الزلزلة و) السادسة : صلاة (الآيات و) السابعة : صلاة (الطواف و) الثامنة : صلاة (الأموات و) التاسعة : (ما) أي كل صلاة (يلتزمه الإنسان بنذر وشبهه) من العهد واليمين ، ويدخل فيه الملتزم بالإجارة ، وصلاة الاحتياط في وجه ، وفي آخر يدخل في الأولى ، لكونها مكمّلة لما يحتمل فواته منها.

وفي إدخال الثامنة اختيار إطلاقها عليها بطريق الحقيقة الشرعية ، كما هو ظاهر الحلي (١) وصريح الذكرى فيما حكي (٢).

وقيل (٣) : إنّه على المجاز ، لعدم التبادر ، إذ يتبادر ذات الركوع والسجود أو ما قام مقامهما منها عند الإطلاق ، وهو أمارة المجاز. مع أنّ نفي الصلاة عمّا لا فاتحة فيها ولا طهور والحكم بتحليلها بالتسليم ينافي الحقيقة ، بناء على أنّ الأصل في النفي تعلّقه بالمهية لا الخارج من الكمال والصحة.

وهو حسن ، إلّا أنّه ربما يدّعى عدم صحة السلب عرفا ، ودلالة بعض النصوص على كونها صلاة (٤) ، فيعترض بهما الدليلان السابقان.

(وما سواه) أي سوى ما ذكر من الصلوات (مسنون).

وكلّ منهما إمّا بأصل الشرع كاليومية فرائضها ونوافلها ، والجمعة ، والعيدين ، وصلاة الطواف ، أو بسبب من المكلّف كالملتزمات ، وصلاة الاستخارة (٥) والحاجة ، أولا منه كصلاة الآيات ، وصلاة الشكر ، والاستسقاء ، ويمكن إدخاله في الحاجات.

__________________

(١) السرائر ١ : ١٩٢.

(٢) حكاه عن الذكرى في الروضة ١ : ١٦٨.

(٣) قال به صاحب المدارك ٣ : ٨ ، الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ١٥٤.

(٤) وهو ما دلّ على أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ما صلّى على النجاشي بل دعا له. أي ما صلّى صلاة الميت. ( الوسائل ٣ : ١٠٥ أبواب صلاة الجنازة ب ١٨ ح ٥ ). منه رحمه الله.

(٥) في « ش » : الاستيجار.

١٦٢

ومنها ما يجب تارة ويستحب اخرى ( كصلاة العيدين ، وصلاة الطواف. ومنها ما يجب عينا تارة وتخييرا أخرى ) (١) أو يجب ويحرم اخرى كصلاة الجمعة على الخلاف ، وإطلاق الصلاة عليها على القول بحرمتها مجاز قطعاً.

(والصلوات الخمس سبع عشرة ركعة في الحضر ، وإحدى عشرة ركعة في السفر ، ونوافلها أربع وثلاثون ركعة) فيكون المجموع إحدى وخمسين ركعة (على الأشهر) في الروايات.

ففي الصحيح : كم الصلاة من ركعة؟ قال : « إحدى وخمسون » (٢).

وفي آخر : « الفريضة والنافلة إحدى وخمسون ركعة ، منها ركعتان بعد العتمة جالسا تعدّان بركعة ، والنافلة أربع وثلاثون ركعة » (٣).

وفي ثالث : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصلّي من التطوّع مثلي الفريضة ، ويصوم من التطوّع مثلي الفريضة » (٤).

ونحوها أخبار كثيرة سيأتي إليها الإشارة.

وأمّا الأخبار الأخر ـ الدالة على نقص النوافل عن الأربع والثلاثين ، بإسقاط الوتيرة خاصة كما في بعضها (٥) ، أو مع الست من نوافل العصر كما في‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليست في « ش ».

(٢) الكافي ٣ : ٤٤٦ / ١٦ ، التهذيب ٢ : ٣ / ١ ، الاستبصار ١ : ٢١٨ / ٧٧١ ، الوسائل ٤ : ٤٩ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٣ ح ١١.

(٣) الكافي ٣ : ٤٤٣ / ٢ ، التهذيب ٢ : ٤ / ٢ ، الاستبصار ١ : ٢١٨ / ٧٧٢ ، الوسائل ٤ : ٤٦ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٣ ح ٣.

(٤) الكافي ٣ : ٤٤٣ / ٣ ، التهذيب ٢ : ٤ / ٣ ، الاستبصار ١ : ٢١٨ / ٧٧٣ ، الوسائل ٤ : ٤٦ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٣ ح ٤.

(٥) الكافي ٣ : ٤٤٣ / ٥ ، التهذيب ٢ : ٤ / ٤ ، الاستبصار ١ : ٢١٨ / ٧٧٤ ، الوسائل ٤ : ٤٧ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٣ ح ٦.

١٦٣

آخر منها (١) ، أو مع الأربع منها كما في غيرهما (٢) ، وإن كثرت وتضمنت الصحيح وغيره ـ فلا يستفاد منها إلّا تأكيد الاستحباب في الأقل. واختلافها فيه محمول على اختلاف مراتبه في الفضل.

ولو سلّم مخالفتها لما سبق لكان اللازم طرحها ، لعدم ظهور قائل بها ، كما اعترف به جماعة من أصحابنا ، حيث قالوا ـ بعد نقل ما في العبارة ونسبته إلى الأصحاب ـ : لا نعلم فيه مخالفا (٣). بل زاد الصيمري فقال بعد نقله : أطبق الأصحاب في كتب الفتاوى عليه ، ثمَّ نقل الأخبار المزبورة وقال : ولم يعمل بها أحد من الأصحاب (٤). وهو نص في الإجماع كما في الانتصار والخلاف (٥). فلا إشكال.

واحترز بقوله (في الحضر) عن السفر ، لنقصان العدد فيه إجماعا كما سيذكر.

واعلم أنّ الصحاح المتقدمة وإن أجملت النوافل لكن فصّلتها أخبار أخر غيرها بما أشار إليه بقوله (ثمان للظهر قبلها ، وكذا للعصر) ثمان لها قبلها (وأربع للمغرب بعدها ، وبعد العشاء ركعتان من جلوس تعدّان بواحدة ، وثمان للّيل ، وركعتا الشفع ، وركعة الوتر ، وركعتان للغداة).

ففي الصحيح : « ثمان ركعات قبل الظهر ، وثمان بعدها » قلت : فالمغرب؟ قال : « أربع بعدها » (٦).

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٥٩ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٤ ح ١ ، ٢ ، ٣.

(٢) الوسائل ٤ : ٥٩ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٤ ح ٢ ، ٦.

(٣) كما في الذكرى : ١١٢ ، والمدارك ٣ : ١٠.

(٤) كشف الالتباس وغاية المرام في شرح الشرائع للشيخ مفلح بن حسين الصيمري تلميذ ابن فهد الحلّي ، وهذان الكتابان لم يطبعا بعد.

(٥) الانتصار : ٥٠ ، الخلاف ١ : ٥٢٦.

(٦) التهذيب ٢ : ٥ / ٧ ، الوسائل ٤ : ٥٠ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٣ ح ١٥.

١٦٤

وفي الموثق : « صلاة النافلة ثمان ركعات حين تزول الشمس قبل الظهر ، وستّ ركعات بعد الظهر ، وركعتان قبل العصر ، وأربع ركعات بعد المغرب ، وركعتان بعد العشاء الآخرة تقرأ فيهما مائة آية قائما أو قاعدا ، والقيام أفضل ، ولا تعدّهما من الخمسين ، وثمان ركعات من آخر الليل تقرأ .. » إلى أن قال : « ثمَّ الوتر ثلاث ركعات تقرأ فيها جميعا قل هو الله أحد ، وتفصل بينهنّ ، ثمَّ الركعتين اللتين قبل الفجر » (١) إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

(ويسقط في السفر نوافل الظهرين) إجماعا على الظاهر المصرّح به في كثير من العبائر (٢) ، والنصوص به مع ذلك مستفيضة ، ففي الصحيح : « الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شي‌ء إلّا المغرب ، فإنّ بعدها أربع ركعات لا تدعهنّ في حضر ولا سفر » (٣).

وفي الخبر : عن صلاة النافلة بالنهار في السفر ، فقال : « يا بنيّ لو صلحت النافلة في السفر تمّت الفريضة » (٤).

وفي آخر : عن التطوّع بالنهار وأنا في سفر ، فقال : « لا » (٥).

وربما يستفاد منهما ومن غيرهما ـ كالصحيح : عن الصلاة تطوعا في السفر ، قال : « لا تصل قبل الركعتين ولا بعدهما شيئا نهارا » (٦) ـ اختصاص‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٥ / ٨ ، الوسائل ٤ : ٥١ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٣ ح ١٦ وفيهما بتفاوت يسير.

(٢) كما في الخلاف ١ : ٥٨٧ ، والسرائر ١ : ١٩٤ ، ومجمع الفائدة ٢ : ٧.

(٣) الكافي ٣ : ٤٣٩ / ٣ ، التهذيب ٢ : ١٤ / ٣٦ ، الوسائل ٤ : ٨٣ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٢١ ح ٧.

(٤) الفقيه ١ : ٢٨٥ / ١٢٩٣ ، التهذيب ٢ : ١٦ / ٤٤ ، الاستبصار ١ : ٢٢١ / ٧٨٠ ، الوسائل ٤ : ٨٢ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٢١ ح ٤.

(٥) التهذيب ٢ : ١٦ / ٤٥ ، الاستبصار ١ : ٢٢١ / ٧٨١ ، الوسائل ٤ : ٨٢ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٢١ ح ٥.

(٦) التهذيب ٢ : ١٤ / ٣٢ ، الوسائل ٤ : ٨١ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٢١ ح ١.

١٦٥

السقوط بالنوافل النهارية دون الليليّة ، وهو ظاهر الأصحاب في غير الوتيرة ، من غير خلاف بينهم أجده ، والصحاح به مع ذلك مستفيضة ، منها ـ زيادة على الصحيحة المتقدمة في نافلة المغرب ـ صحيحان آخران ، فيهما أيضا : « لا تدعهنّ في حضر ولا سفر » (١).

وزيد في أحدهما : « وكان أبي لا يدع ثلاث عشرة ركعة بالليل في سفر ولا حضر » (٢).

ونحوه آخر : « صلّ صلاة الليل والوتر والركعتين في المجمل » (٣).

ونحوهما في نافلتي الفجر الصحيح : « صلّهما في المحمل » (٤).

(وفي سقوط الوتيرة قولان) : مقتضى الأصل ـ زيادة على ما مر (٥) ـ العدم ، كما عن النهاية والأمالي (٦) ، مدّعيا أنه من دين الإمامية الذي يجب الإقرار به ، وبه صريح الرضوي (٧) ، ورواية رجاء بن أبي الضحاك المروية عن العيون ، المتضمّنة لفعل مولانا الرضا عليه‌السلام في السفر كما حكي (٨).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٣٩ / ٢ ، التهذيب ٢ : ١٤ / ٣٥ ، الوسائل ٤ : ٨٦ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٢٤ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ١٥ / ٣٩ ، الوسائل ٤ : ٩٠ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٢٥ ح ١.

(٣) التهذيب ٢ : ١٥ / ٤٢ ، الوسائل ٤ : ٩٠ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٢٥ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٤٤١ / ١٢ ، التهذيب ٢ : ١٥ / ٣٨ ، الوسائل ٤ : ١٠٣ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٣٣ ح ١.

(٥) في « ش » زيادة : من ظهور النصوص في أنّ الساقط إنما هو النوافل النهارية خاصة. وهي مذكورة في « ح » و « ل » بعنوان حاشية منه رحمه الله.

(٦) النهاية : ٥٧ ، أمالي الصدوق : ٥١٤.

(٧) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٠٠ ، المستدرك ٣ : ٦٣ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٢١ ح ١ بتفاوت يسير.

(٨) العيون ٢ : ١٧٨ / ٥ ، الوسائل ٤ : ٨٣ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٢١ ح ٨. حكي فيها أنه عليه‌السلام كان لا يصلّي من نوافل النهار في السفر شيئا.

١٦٦

وقوّاه الشهيدان في الذكرى والروضة (١) ، للخبر المعلّل بأنّها زيادة في الخمسين تطوّعا ، ليتمّ بدل كل ركعة من الفريضة ركعتان من التطوّع (٢).

وردّ بقصور السند (٣).

ويمكن جبره بموافقة مضمونه لكثير من النصوص ، منها الصحيح : هل قبل العشاء الآخرة وبعدها شي‌ء؟ فقال : « لا ، غير أنّي أصلّي بعدها ركعتين ولست أحسبهما من صلاة الليل » (٤).

وفي آخر : عن أفضل ما جرت به السنّة ، قال : « تمام الخمسين » (٥).

وفي الموثق : « لا تعدّهما من الخمسين » (٦).

إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة على أنّها ليست من الرواتب ، وزيدت لتمام العدد كما في بعضها (٧) ، أو ليتدارك بها صلاة الليل لو فاتت ، وأنّها وتر تقدم لذلك كما في غيره (٨) ، ولذا ما كان يصلّيها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لوجوب الوتر عليه كما فيه.

وهذا القول في غاية القوّة لو لا ندرة القائل به ، فإنّ الشيخ قد رجع عنه في‌

__________________

(١) الذكرى : ١١٣ ، الروضة ١ : ١٧١.

(٢) العيون ٢ : ١١٢ ، الفقيه ١ : ٢٩٠ / ١٣٢٠ ، الوسائل ٤ : ٩٥ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٢٩ ح ٣.

(٣) كما في مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٨.

(٤) الكافي ٣ : ٤٤٣ / ٦ ، التهذيب ٢ : ١٠ / ١٩ ، الوسائل ٤ : ٩٣ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٢٧ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٤٤٣ / ٤ ، التهذيب ٢ : ٥ / ٦ ، الوسائل ٤ : ٤٦ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٣ ح ٥.

(٦) التهذيب ٢ : ٥ / ٨ ، الوسائل ٤ : ٥١ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٣ ح ١٦.

(٧) الكافي ٣ : ٤٤٣ / ٢ ، التهذيب ٢ : ٤ / ٢ ، الاستبصار ١ : ٢١٨ / ٧٧٢ ، الوسائل ٤ : ٤٦ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٣ ح ٣.

(٨) علل الشرائع : ٣٣٠ / ١ ، الوسائل ٤ : ٩٦ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٢٩ ح ٨.

١٦٧

جملة من كتبه كالحائريات والجمل والعقود فيما حكاه عنه الحلّي (١) بل المبسوط أيضا كما حكاه غيره (٢).

وأمّا الشهيد فهو وإن قوّاه لكن قال : إلّا أن ينعقد الإجماع على خلافه (٣) ، مشعرا بنوع تردّد له فيه ، مع أنّ ظاهر إطلاق عبارته في الدروس واللمعة القول بالسقوط (٤) ، كما هو المشهور على الظاهر ، بل المقطوع به المصرّح به في كلام كثير (٥).

بل في السرائر الإجماع عليه (٦) ، وحكي أيضا عن الغنية (٧). وبهما يعارض إجماع الأمالي ـ مع رجحانهما عليه من وجوه ، وضعفه كذلك ، مع وهنه بشهرة خلافه ـ ويخصّص الأصل ، ويذبّ عن الرضوي وتالييه ، مع قصور سندها جميعا ، وعدم جابر لها عدا ظهور ما مرّ من النصوص في اختصاص نوافل النهار بالسقوط ، ويترك بالإجماع المنقول الذي هو ـ مع التعدّد ـ نصّ ومعتضد بفتوى المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا ، لندرة القائل كما مضى.

ولكنّ المسألة مع ذلك محل إشكال ، فللتوقف فيها مجال ، كما هو ظاهر الفاضلين هنا وفي التحرير والمحقق المقداد (٨) ، والصيمري ،

__________________

(١) الحائريات ( الرسائل العشر ) : ٢٨٦ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٧٣ ، الحلي في السرائر ١ : ١٩٤.

(٢) حكاه عنه في التنقيح الرائع ١ : ١٦٣ ، وهو في المبسوط ١ : ٧١.

(٣) انظر الذكرى : ١١٣.

(٤) الدروس ١ : ١٣٧ ، الروضة ١ : ١٧١.

(٥) كما في الذكرى ١١٣ ، والتنقيح ١ : ١٦٣ ، والروضة ١ : ١٧١.

(٦) السرائر ١ : ١٩٤.

(٧) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٤.

(٨) التحرير ١ : ٢٦ ، المقداد في التنقيح الرائع ١ : ١٦٣.

١٦٨

وغيرهم (١).

والاحتياط يقتضي الترك إن كان المراد بالسقوط التحريم ، كما هو ظاهر النصوص والفتاوى ، وصريح الشيخ في كتابي الحديث عدم الاستحباب (٢) ، فيكون فعله بقصد القربة تشريعا محرّما.

ومنه يظهر ما في الاستدلال لعدم السقوط بالتسامح في أدلّة السنن ، إذ هو عند من يقول به يثبت حيث لا يحتمل التحريم ، وإلّا فلا تسامح قولا واحداً.

وليس في النصوص الدالّة على تسويغ قضاء النوافل النهارية في الليل (٣) دلالة على مشروعيتها نهارا ، حتى يجعل دليلا على أنّ المراد بالسقوط حيث يطلق الرخصة في الترك ورفع تأكد الاستحباب. ولو سلّمت فهي معارضة ببعض الروايات السابقة (٤) الدالة على عدم صلاحية النافلة في السفر كعدم صلاحية الفريضة فيه ، وعدم الصلاح يرادف الفساد لغة بل وعرفا مع شهادة السياق بذلك. فتأمّل جدّاً (٥).

(ولكل ركعتين من هذه النوافل) وغيرها من النوافل (تشهّد وتسليم) لأنّه المعروف من فعل صاحب الشريعة فيجب الاقتصار عليه ، لتوقيفيّة العبادة ، وللنبوي : « صلّوا كما رأيتموني أصلّي » (٦).

ولخصوص مستفيضة من طرق العامة والخاصة ، ففي النبوي : « بين كل‌

__________________

(١) كالسبزواري في الكفاية : ١٥.

(٢) التهذيب ٢ : ١٦ ، الاستبصار ١ : ٢٢٢.

(٣) الوسائل ٤ : ٨٤ أبواب أعداد الفرائض ب ٢٢.

(٤) في ص ١٥٩.

(٥) فإنّ عدم الصلاحية بالإضافة إلى الفريضة للتحريم إجماعا ، فيكون بالإضافة إلى نافلتها كذلك أيضا. منه رحمه الله.

(٦) عوالي اللئالي ١ : ١٩٧ / ٨ ، سنن البيهقي ٢ : ١٢٤ ، سنن الدار قطني ١ : ٢٧٢ / ١.

١٦٩

ركعتين تسليمة » (١) وفي آخر : « صلاة الليل والنهار مثنى مثنى » (٢).

وفي الخبر المروي عن قرب الإسناد : عن الرجل يصلي النافلة ، أيصلح له أن يصلّي أربع ركعات لا يسلّم بينهنّ؟ قال : « لا ، إلّا أن يسلّم بين كل ركعتين » (٣).

وفي آخر مروي عن كتاب حريز : « وافصل بين كل ركعتين من نوافلك بالتسليم » (٤).

وظاهر الأدلّة كالعبارة وما ضاهاها من عبائر الجماعة حرمة الزيادة على الركعتين والنقص عنهما من دون تشهّد وتسليم بعدهما ، وبها صرّح جماعة ، ومنهم الحلي في السرائر مدّعيا الإجماع عليه (٥).

خلافا لظاهري الشيخ في الخلاف والفاضل في المنتهى (٦) ، فعبّرا عن المنع بلا ينبغي ، والأفضل ، وادّعى الأوّل الإجماع عليه ، لكنّهما ذكرا بعيد ذلك ما يعرب عن إرادتهما منهما التحريم ( بل صرّحا به أخيرا ) (٧) فلا خلاف لهما.

(وللوتر) تشهّد وتسليم (بانفراده) إجماعا منّا على الظاهر ، المستظهر من عبارتي الخلاف والمنتهى (٨) ، وبه صرّح جماعة من متأخّرينا (٩) ، والصحاح‌

__________________

(١) سنن ابن ماجه ١ : ٤١٩ / ١٣٢٤.

(٢) سنن ابن ماجه ١ : ٤١٩ / ١٣٢٢.

(٣) قرب الاسناد : ١٩٤ / ٧٣٦ ، الوسائل ٤ : ٦٣ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٥ ح ٢.

(٤) مستطرفات السرائر : ٧١ / ١ ، الوسائل ٤ : ٦٣ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٥ ح ٣.

(٥) السرائر ١ : ١٩٣.

(٦) الخلاف ١ : ٢٠٠ ، المنتهى ١ : ١٩٦.

(٧) ما بين القوسين ليس في « م ».

(٨) الخلاف ١ : ٥٢٧ ، المنتهى ١ : ١٩٥.

(٩) منهم العلامة في المنتهى ١ : ١٩٥ ، والشهيد في الدروس ١ : ١٣٧ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ١٥٥.

١٧٠

به مستفيضة ، منها : عن الوتر أفصل أم وصل؟ قال : « فصل » (١).

وظاهره كغيره لزومه ، ويقتضيه قاعدة توقيفيّة العبادة ، ولزوم الاقتصار على ما ثبت من صاحب الشريعة.

والنصوص المرخّصة للوصل (٢) شاذة غير مكافئة لما سبقها من وجوه شتّى ، وإن تضمّنت الصحيحين وغيرهما ، مع عدم صراحتهما ، لاحتمال حمل التسليم في الأوّلين المخيّر بينه وبين عدمه فيهما على التسليم المستحب ، يعنى « السلام عليكم » ولا بعد فيه ، سيّما مع شيوع إطلاقه على الصيغة المزبورة في النصوص والفتاوي إطلاقا شائعا ، بحيث يفهم كون الإطلاق عليها حقيقيّا وعلى غيرها مجازيا. وحينئذ التخيير فيها لا يفيد جواز الوصل في الوتر أصلا ، لاحتمال تعيين لزوم الفصل بالصيغة الأخرى ، وليس في الرواية الأخيرة ـ مع ضعفها بالجهالة ـ إلّا قول مولانا الكاظم عليه‌السلام : « صله » بعد أن سئل عن الوتر (٣). وهو كما يحتمل قراءته بسكون اللام يحتمل قراءته بكسرها وتشديدها ، ويكون إشارة إلى الأمر بفعلها.

ولو لم تحتمل هذه النصوص شيئا مما قدّمناه تعيّن طرحها ، أو حملها على التقية كما ذكره شيخ الطائفة ، قال : لأنّها موافقة لمذاهب كثير من العامة (٤). مع أنّ مضمون حديثين منها التخيير (٥) ، وليس ذلك مذهبا لأحد ، لأنّ من أوجب الوصل لا يجوّز الفصل ، ومن أوجب الفصل لا يجوّز الوصل.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٢٨ / ٤٩٢ ، الاستبصار ١ : ٣٤٨ / ١٣١٤ ، الوسائل ٤ : ٦٥ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٥ ح ١٢.

(٢) الوسائل ٤ : ٦٦ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٥ الأحاديث ١٦ ، ١٧ ، ١٨.

(٣) التهذيب ٢ : ١٢٩ / ٤٩٦ ، الوسائل ٤ : ٦٦ أبواب أعداد الفرائض ب ١٥ ح ١٨.

(٤) راجع التهذيب ٢ : ١٢٩.

(٥) الوسائل ٤ : ٦٦ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٥ ح ١٦ ، ١٧.

١٧١

(الثانية)

(في) بيان (المواقيت).

والمراد بها هنا مواقيت الصلاة الخمس ونوافلها.

(والنظر) فيها يكون تارة (في تقديرها) وتعيينها (و) اخرى في (لواحقها).

(أمّا الأول :) (فـ) اعلم أن (الروايات فيه مختلفة) كالفتاوى ، بعد اتفاقهما على أنّ الزوال أوّل وقت الظهرين ، والغروب آخر وقتهما وأوّل وقت المغرب ، والفجر الثاني أوّل وقت صلاته ، وطلوع الشمس آخر وقتها. ويأتي الإشارة إلى مواضع اختلافاتهما في أثناء البحث إن شاء الله تعالى.

(ومحصّلها) الذي عليه الفتوى ويظهر من الجمع بينها هو (اختصاص الظهر عند الزوال بمقدار أدائها) تامة الأفعال والشروط بأقلّ واجباتها بحسب حال المكلف ، باعتبار كونه مقيما ومسافرا ، صحيحا ومريضا ، سريع القراءة والحركات وبطيئها ، مستجمعا بعد دخول الوقت لشروط الصلاة أو فاقدها ، فإن المعتبر قدر أدائها وأداء شرائطها المفقودة.

(ثمَّ) بعد مضي هذا المقدار من الزوال (يشترك الفرضان في الوقت ، والظهر مقدّمة) على العصر إلّا مع النسيان ، فيصح العصر لو صلّاها قبل الظهر ناسيا مطلقا (١) ، وهذا فائدة الاشتراك (حتى يبقى للغروب مقدار أداء العصر) خاصّة على الوجه المتقدم (فيختص) العصر (به).

(ثمَّ يدخل وقت المغرب ، فإذا مضى مقدار أدائها) على الوجه الذي مضى(اشترك الفرضان ، والمغرب مقدمة) على العشاء إلّا في صورة‌

__________________

(١) أي من دون فرق بين وقوع العصر بتمامها في الوقت المشترك أو بعضها. منه رحمه الله.

١٧٢

الاستثناء (حتى يبقى لانتصاف الليل مقدار أداء العشاء) بالنحو الذي مضى (فيختص به).

(وإذا طلع الفجر) الثاني وهو المعترض المستطير في الأفق ، ويسمّى الصادق لأنّه صدقك عن الصبح ، ويسمّى الأوّل الكاذب لأنّه ينمحي بعد ظهوره ويزول ضوؤه (دخل وقت صلاته ممتدّا حتى تطلع الشمس).

وعلى هذه الجملة كثير من القدماء والمتأخّرون كافّة فيما أجده ، وفي السرائر الإجماع عليه (١) ويدل عليها ـ ما عدا الأخير ـ صريحا بعض المعتبرة ولو بالشهرة : « إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات ، فإذا مضى ذلك فقد دخل الظهر والعصر حتى يبقى من الشمس مقدار ما يصلّي أربع ركعات ، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر وبقي وقت العصر حتى تغيب الشمس ، وإذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي ثلاث ركعات ، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة حتى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلّي أربع ركعات ، وإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب وبقي وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل » (٢).

ويعضده الصحيح في قول الله تعالى (أَقِمِ الصَّلاةَ) الآية (٣) ، قال : « إنّ الله تعالى افترض أربع صلوات ، أوّل وقتها من زوال الشمس إلى انتصاف الليل ، منها صلاتان أوّل وقتهما من عند زوال الشمس إلى غروب الشمس ، إلّا‌

__________________

(١) السرائر ١ : ١٩٦.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٥ / ٧٠ ، الاستبصار ١ : ٢٦١ / ٩٣٦ ، الوسائل ٤ : ١٢٧ أبواب المواقيت ب ٤ ح ٧.

(٣) السرائر : ٧٨.

١٧٣

أنّ هذه قبل هذه ، ومنها صلاتان أول وقتهما من عند غروب الشمس إلى انتصاف الليل ، إلّا أنّ هذه قبل هذه » (١).

وفي هذا الاستثناء ظهور تام في الأوقات المختصة ، كما صرّح به جماعة ، وعليه يحمل إطلاق نحو الصحيح. « إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر ، وإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة » (٢) مع إشعار فيه بها أيضا.

وعلى تقدير عدم الإشعار فيه والظهور في سابقة يحمل الاشتراك فيهما على ما عدا محل الاختصاص حمل المطلق على المقيد ، وهو الخبر المتقدم ، والنصوص الصحيحة ولو في الجملة ، منها : في الرجل يؤخّر الظهر حتى يدخل وقت العصر : « أنّه يبدأ بالعصر ثمَّ يصلي الظهر » (٣).

ومنها : عن رجل نسي الاولى والعصر جميعا ثمَّ ذكر ذلك عند غروب الشمس ، فقال : « إن كان في وقت لا يخاف فوت إحداهما فليصلّ الظهر ثمَّ ليصلّ العصر ، وإن هو خاف أن تفوته فليبدأ بالعصر ، ولا يؤخّرها فتفوته فيكون قد فاتتاه جميعا » (٤) الخبر.

( وبهذا يندفع القول بالاشتراك مطلقا كما عن الصدوقين (٥) ، مع احتمال إرادتهما فيما عدا محل الاختصاص كما يظهر من كلام المرتضى (٦) ، فيرتفع‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٥ / ٧٢ ، الاستبصار ١ : ٢٦١ / ٩٣٨ ، الوسائل ٤ : ١٥٧ أبواب المواقيت ب ١٠ ح ٤.

(٢) الفقيه ١ : ١٤٠ / ٦٤٨ ، التهذيب ٢ : ١٩ / ٥٤ ، الوسائل ٤ : ١٢٥ أبواب المواقيت ب ٤ ح ١.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٧١ / ١٠٨٠ ، الاستبصار ١ : ٢٨٩ / ١٠٥٦ ، الوسائل ٤ : ١٢٩ أبواب المواقيت ب ٤ ح ١٧.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٦٩ / ١٠٧٤ ، الاستبصار ١ : ٢٨٧ / ١٠٥٢ ، الوسائل ٤ : ١٢٩ أبواب المواقيت ب ٤ ح ١٨.

(٥) حكاه عن الصدوق في المختلف : ٦٦ ، وحكاه عنهما في الذكرى : ١١٧.

(٦) انظر المسائل الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٣.

١٧٤

الخلاف كما في المختلف (١) وغيره ) (٢).

ثمَّ إنّ ظاهر النصوص المزبورة كغيرها والآية الكريمة بمعونة التفسير الوارد عن أهل العصمة سلام الله عليهم : امتداد وقت إجزاء الظهرين إلى الغروب ، والعشاءين إلى انتصاف الليل ، وجواز تأخير كل منهما إلى كل منهما ولو اختيارا.

خلافا لنادر في المغرب ، فوقتها عند الغروب. وهو ـ مع جهالته وإن حكاه القاضي (٣) ، ومخالفته النصوص المتقدمة ، والصحاح المستفيضة ، وغيرها من المعتبرة في أنّ لكل صلاة وقتين (٤) ، وغيرها من النصوص المعتبرة الصريحة ـ شاذّ اتفق الأصحاب في الظاهر على خلافه ، وإن اختلفوا من وجه آخر ، كما سيظهر. والصحيحان الموافقان له (٥) محمولان على استحباب المبادرة مؤكدا.

وللشيخين وغيرهما من القدماء ، فلم يجوّزوا التأخير عن الوقت الأوّل اختيارا (٦) ، للنصوص المستفيضة ، وفيها الصحيح وغيره ، منها : « لكل صلاة وقتان ، وأوّل الوقت أفضله ، وليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتا إلّا في عذر من غير علة (٧).

__________________

(١) المختلف : ٦٦.

(٢) ما بين القوسين ليس في « م ».

(٣) المهذّب ١ : ٦٩.

(٤) انظر الوسائل ٤ : ١١٩ أبواب المواقيت ب ٣ ح ٤ ، ١١ ، ١٣.

(٥) الكافي ٣ : ٢٨٠ / ٨ و٩ ، التهذيب ٢ : ٢٦٠ / ١٠٣٦ ، الاستبصار ١ : ٢٤٥ / ٨٧٣ ، الوسائل ٤ : ١٨٧ أبواب المواقيت ب ١٨ ح ١ ، ٢.

(٦) المفيد في المقنعة : ٩٤ ، الطوسي في النهاية : ٥٨ ، وانظر المهذّب ١ : ٧١ ، والكافي في الفقه : ١٣٨.

(٧) الكافي ٣ : ٢٧٤ / ٣ ، التهذيب ٢ : ٣٩ / ١٢٤ ، الاستبصار ١ : ٢٤٤ / ٨٧٠ ، الوسائل ٤ : ١٢٢ أبواب المواقيت ب ٣ ح ١٣. قال في الوافي ٧ : ٢٠٥ قوله « من. غير علّة » بدل من

١٧٥

ومنها : « لكل صلاة وقتان ، وأوّل الوقتين أفضلهما ، ووقت صلاة الفجر حين ينشقّ الفجر إلى أن يتجلّل الصبح السماء ، ولا ينبغي تأخير ذلك عمدا ، ولكنّه وقت من شغل أو نسي أو سها أو نام ، ووقت المغرب حين تجب الشمس (١) إلى أن تشتبك النجوم ، وليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتا إلّا من عذر أو علة » (٢).

ومنها : « أوّل الوقت رضوان الله ، وآخره عفو الله ، والعفو لا يكون إلّا عن ذنب » (٣) إلى غير ذلك من النصوص.

وهي معارضة بمثلها منها ـ زيادة على ما مضى ـ الموثق : « لا تفوت صلاة النهار حتى تغيب الشمس ، ولا صلاة الليل حتى يطلع الفجر ، ولا صلاة الفجر حتى تطلع الشمس » (٤).

ومنها : النصوص المستفيضة في أنّ نصف الليل آخر العتمة (٥).

ومنها : « وقت صلاة الغداة ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس » (٦).

ومنها : « أحبّ الوقت إلى الله عزّ وجلّ [ أوّله ] حين يدخل وقت الصلاة ،

__________________

قوله « إلّا في عذر ».

(١) الوجوب من الأضداد ، ومعناه السقوط والثبوت ، قال الله تعالى (فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها) أي سقطت. منه رحمه الله.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٩ / ١٢٣ ، الاستبصار ١ : ٢٧٦ / ١٠٠٣ ، الوسائل ٤ : ٢٠٨ أبواب المواقيت ب ٢٦ ح ٥.

(٣) الفقيه ١ : ١٤٠ / ٦٥١ ، الوسائل ٤ : ١٢٣ أبواب المواقيت ب ٣ ح ١٦.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٥٦ / ١٠١٥ ، الاستبصار ١ : ٢٦٠ / ٩٣٣ ، الوسائل ٤ : ٢٠٩ أبواب المواقيت ب ٢٦ ح ٨.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٦٢ / ١٠٤٢ ، الاستبصار ١ : ٢٧٣ / ٩٨٧ ، الوسائل ٤ : ١٨٥ أبواب المواقيت ب ١٧ ح ٨.

(٦) التهذيب ٢ : ٣٦ / ١١٤ ، الاستبصار ١ : ٢٧٥ / ٩٩٨ ، الوسائل ٤ : ٢٠٨ أبواب المواقيت ب ٢٦ ح ٦.

١٧٦

فصلّ الفريضة ، فإن لم تفعل فإنّك في وقت منها حتى تغيب الشمس » (١).

والقول (٢) بأن المراد من هذه بيان مطلق وقت الإجزاء ، فلا ينافي الأخبار السابقة المانعة عن التأخير عن الوقت الأوّل مع الاختيار ، فمقتضى الجمع بينهما تعيّن المصير إلى ما عليه الشيخان وأضرابهما.

حسن إن حصل شرط الجمع وهو التكافؤ ، وصراحة دلالة الخاص.

وفيهما نظر ، لرجحان الأخبار المطلقة بالأصل وموافقة الكتاب والشهرة العظيمة التي كادت تكون من المتأخرين إجماعا ، بل إجماع في الحقيقة ، كما في السرائر ، وعن الغنية (٣) ، وضعف الأخبار المانعة ، إذ كما تضمنت جملة منها المنع عن التأخير كذا تضمنت ما هو صريح في الأفضليّة. وصرفها إلى ما يوافق المنع وإن أمكن إلّا أنّه ليس بأولى من العكس ، بل هو الأولى من وجوه شتّى ، لموافقته الكتاب والأصل والشهرة العظيمة.

مع تبديل النهي في بعض الأخبار المانعة بلا ينبغي (٤) ، المشعر بل الظاهر في الكراهة ، وخبر : « آخره عفو الله » كالصريح في عدم حرمة التأخير بحيث يوجب العقاب ، إذ لو أوجب وعاقب لما صدق مضمون الخبر ، فالمراد تأكد الاستحباب ، ولا ينافيه الذنب ، لإطلاقه على ترك كثير من المستحبات ، كما ورد في النافلة : أنّ تركها معصية (٥).

فبموجب ذلك انتفت الصراحة التي هي المناط في تخصيص العمومات وتقييد المطلقات ، هذا.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٤ / ٦٩ ، الاستبصار ١ : ٢٦٠ / ٩٣٥ ، الوسائل ٤ : ١١٩ أبواب المواقيت ب ٣ ح ٥ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

(٢) انظر ٧ : ٢١٠ ، والحدائق ٦ : ٩٢.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) ٥٥٦ ، السرائر ١ : ١٩٧.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٩ / ١٢٣ ، الاستبصار ١ : ٢٧٦ / ١٠٠٣ ، الوسائل ٤ : ١١٩ أبواب المواقيت ب ٣ ح ٤.

(٥) الوسائل ٤ : ٥٩ أبواب أعداد الفرائض ب ١٤ ح ١.

١٧٧

وفي التهذيب : أنه إذا كان أوّل الوقت أفضل ولم يكن هناك منع ولا عذر فإنّه يجب فعلها فيه ، ومتى لم يفعلها فيه استحق اللوم والتعنيف ، وهو مرادنا بالوجوب لا استحقاق العقاب (١).

وفي النهاية : لا يجوز لمن ليس له عذر أن يؤخّر الصلاة من أوّل وقتها إلى آخره مع الاختيار ، فإن أخّرها كان مهملا لفضيلة عظيمة ، وإن لم يستحق العقاب ، لأنّ الله تعالى قد عفا له عن ذلك (٢) ، ونحوه عن القاضي في شرح الجمل (٣).

وهذه العبارات صريحة في الموافقة للمشهور ، مع تضمّنها صيغة لا يجوز.

وبهذا يضعّف القول بالمنع عن التأخير ، ويظهر قوّة احتمال إرادة المانعين منه ما يوافق المختار ، كما وقع في هذه العبارات. وعليه فلا حاجة بنا مهمّة إلى بيان الأوقات الأوّلة لكل من الصلوات الخمس ، حيث يجوز لنا التأخير عنها مطلقا.

وإنّما المهم بيان آخر وقت المغرب وأوّل وقت العشاء وآخره ، والمشهور فيها ما قدمناه.

خلافا لجماعة من القدماء ، فأطلقوا أنّ آخر وقت المغرب غيبوبة الشفق (٤) ، للنصوص المستفيضة وفيها الصحيح والموثق وغيرهما (٥).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٤١.

(٢) النهاية : ٥٨.

(٣) شرح جمل العلم : ٦٦.

(٤) منهم الصدوق في الهداية : ٣٠ ، المرتضى في المسائل الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٣ ، الطوسي في الخلاف ١ : ٨٤.

(٥) انظر الوسائل ٤ : ١٧٤ أبواب المواقيت ب ١٦ ح ٦ ، وب ١٨ ح ٢ ، ١٤ ، وب ١٩ ح ٤.

١٧٨

وهي محمولة إمّا على التقيّة فقد حكاه في المنتهى عن جماعة من العامة ، ومنهم أصحاب الرأي ، وهم أصحاب أبي حنيفة (١) ، أو على الفضيلة ، جمعا بينها وبين النصوص المستفيضة الأخر التي كادت تبلغ التواتر ، ومنها ـ زيادة على ما مر ـ المستفيضة التي كادت تبلغ التواتر بجواز تأخير المغرب في السفر إلى ثلث الليل كما في الصحيح (٢) ، أو ربعه كما في الموثق (٣) وغيره (٤) ، أو إلى خمسة أميال من الغروب كما في الصحيح وغيره (٥) ، أو ستّة أميال منه كما في الخبر (٦).

وفي جملة منها جواز التأخير عن الشفق بقول مطلق ، إمّا في السفر خاصة كما في الصحيح : « لا بأس أن تؤخّر المغرب في السفر حتى يغيب الشفق » (٧) وفي آخر : عن الرجل تدركه صلاة المغرب في الطريق أيؤخّرها إلى أن يغيب الشفق؟ قال : « لا بأس بذلك في السفر ، فأمّا في الحضر فدون ذلك شيئا » (٨).

أو مطلقا كما في ظاهر الصحيح : رأيت الرضا عليه‌السلام وكنّا عنده لم يصلّ المغرب حتى ظهرت النجوم ، ثمَّ قام فصلّى بنا على باب دار ابن أبي‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٢٠٤.

(٢) الكافي ٣ : ٤٣١ / ٥ ، الوسائل ٤ : ١٩٣ أبواب المواقيت ب ١٩ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٢٨١ / ١٤ ، الوسائل ٤ : ١٩٤ أبواب المواقيت ب ١٩ ح ٢.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٣٣ / ٦١٠ ، الوسائل ٤ : ١٩٤ أبواب المواقيت ب ١٩ ح ٥.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٣٤ / ٦١١ ، الوسائل ٤ : ١٩٤ أبواب المواقيت ب ١٩ ح ٦.

(٦) التهذيب ٣ : ٢٣٤ / ٦١٤ ، الوسائل ٤ : ١٩٥ أبواب المواقيت ب ١٩ ح ٧.

(٧) التهذيب ٢ : ٣٥ / ١٠٨ ، الاستبصار ١ : ٢٧٢ / ٩٨٤ ، الوسائل ٤ : ١٩٤ أبواب المواقيت ب ١٩ ح ٤.

(٨) التهذيب ٢ : ٣٢ / ٩٧ ، الاستبصار ١ : ٢٦٧ / ٩٦٧ ، الوسائل ٤ : ١٩٧ أبواب المواقيت ب ١٩ ح ١٥.

١٧٩

محمود (١).

وأظهر منه الخبر : كنت عند أبي الحسن الثالث عليه‌السلام يوما ، فجلس يحدث حتى غابت الشمس ، ثمَّ دعا بشمع وهو جالس يتحدث ، فلمّا خرجت من البيت نظرت فقد غاب الشفق قبل أن يصلي المغرب ، ثمَّ دعا بالماء فتوضّأ وصلّى (٢).

وفي الموثق : في الرجل يصلّي المغرب بعد ما يسقط الشفق ، فقال : « لعلّة لا بأس » قلت : فالرجل يصلّي العشاء الآخرة قبل أن يسقط الشفق ، فقال : « لعلّة لا بأس » (٣). إلى غير ذلك من النصوص الصريحة في جواز التأخير عن الشفق مطلقا أو في الجملة ، فهي مضافة إلى ما قدّمناه من النصوص في صدر المسألة أقوى قرينة على أنّ المنع في المستفيضة السابقة على الفضيلة ، ويحتمل قريبا أن يحمل عليها إطلاق كلام هؤلاء الجماعة ، بل ظاهر المدارك الإجماع على عدم بقائها على ظاهرها ، حيث قال ـ بعد حملها على الفضيلة أو الاختيار ـ : إذ لا قائل بأنّ ذلك آخر الوقت مطلقا (٤).

ولآخرين ، فجعلوه غيبوبة الشفق للمختار وربعه للمضطر (٥) ، جمعا بين النصوص المانعة على الإطلاق ، والنصوص المرخّصة للتأخير إلى ربع الليل‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٠ / ٨٩ ، الاستبصار ١ : ٢٦٤ / ٩٥٤ ، الوسائل ٤ : ١٩٥ أبواب المواقيت ب ١٩ ح ٩.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٠ / ٩٠ ، الاستبصار ١ : ٢٦٤ / ٩٥٥ ، الوسائل ٤ : ١٩٦ أبواب المواقيت ب ١٩ ح ١٠.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٣ / ١٠١ ، الاستبصار ١ : ٢٦٨ / ٩٦٩ ، الوسائل ٤ : ١٩٦ أبواب المواقيت ب ١٩ ح ١٣.

(٤) المدارك ٣ : ٥٤.

(٥) كابن حمزة في الوسيلة : ٨٣ ، والطوسي في الاقتصاد : ٢٥٦ ، وأبي الصلاح في الكافي : ١٣٧.

١٨٠