رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٢

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٢

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-090-0
الصفحات: ٤١٠

ونحوه الكلام في اعتبار الطهارة ، بل هو أولى بالعدم ، لعدم الإيماء إليه في النصوص أصلا ، إلّا ما ربما يتوهم من بعض الصحاح (١) ، وليس كذلك ظاهرا.

(وقيل) كما عن المبسوط والخلاف والسرائر (٢) (في الذّنوب (٣) إذا يلقى على الأرض النجسة بالبول أنها تطهّر مع بقاء ذلك الماء على طهارته) لنبوية عامية ضعيفة قاصرة الدلالة (٤) ، ومع ذلك فهي معارضة بمثلها ممّا تضمّن ـ في تلك الحكاية التي تضمنتها الرواية ـ أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر بإلقاء التراب الذي أصابه البول وصبّ الماء على مكانه (٥) ، فالرجوع في تطهيرها إلى مقتضى القواعد أولى ، وفاقا لأكثر متأخري أصحابنا (٦).

(ويلحق بذلك النظر في الأواني) استعمالا وتطهيرا.

(ويحرم منها) من حيث ال‍ (استعمال أواني الذهب والفضة) مطلقا (في الأكل) كان (أو غيره) كالشرب وغيره ، إجماعا ، كما عن التحرير والذكرى في الأولين خاصة (٧) ، وعن الأول والمنتهى والتذكرة في غيرهما أيضا (٨).

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٤٥٧ أبواب النجاسات ب ٣٢ ح ١ ، وانظر الحدائق ٥ : ٤٥٦.

(٢) المبسوط ١ : ٩٢ ، الخلاف ١ : ٤٩٤ ، السرائر ١ : ١٨٨.

(٣) الذّنوب : الدلو فيها ماء .. ، وقيل : هي الدلو الملأى .. قيل : هي الدلو العظيمة. لسان العرب ١ : ٣٩٢.

(٤) انظر سنن أبي داود ١ : ١٠٣ / ٣٨٠ ، وعمدة القارئ في شرح البخاري ٣ : ١٢٧ ، ١٢٨ / ٨٣ ، ٨٤ ، وسنن البيهقي ٢ : ٤٢٨.

(٥) سنن أبي داود ١ : ١٠٣ / ٣٨١.

(٦) منهم المحقق في المعتبر ١ : ٤٤٩ ، والعلامة في القواعد ١ : ٨ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ١ : ١٧٩ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٥٧.

(٧) التحرير ١ : ٢٥ ، الذكرى : ١٨.

(٨) التحرير ١ : ٢٥ ـ ٢٦ ، المنتهى ١ : ١٨٦ ، التذكرة ١ : ٦٧.

١٤١

والنصوص بالأولين مستفيضة من الطرفين :

ففي العاميين أحدهما النبوي : « لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ، ولا تأكلوا في صحافها ، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة » (١).

وثانيهما المرتضوي : « الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نارا » (٢).

وفي الصحيح : « لا تأكل في آنية فضة ولا في آنية مفضّضة » (٣).

وظاهرها ـ كغيرها ـ اختصاص النهي بالأوّلين ، وليس في التعدية إلى غيرهما مع مخالفتها الأصل حجّة من النصوص سوى إطلاق بعضها ، كالصحيح : عن آنية الذهب والفضة فكرهها ، فقلت : قد روي أنه كان لأبي الحسن عليه‌السلام مرآة ملبّسة فضة ، فقال : « لا والله إنما كانت لها حلقة من فضّة » الخبر (٤).

والخبرين ، في أحدهما : « نهى عن آنية الذهب والفضة » (٥).

وفي الثاني : « آنية الذهب والفضة متاع الذين لا يوقنون » (٦).

__________________

(١) سنن البيهقي ١ : ٢٨ ، صحيح البخاري ٧ : ٩٩.

(٢) صحيح مسلم ٣ : ١٦٣٤ / ١ و٢ ، رواه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكذلك في عوالي اللئالي ٢ : ٢١٠ / ١٣٨ و١٣٩ ، وعنه في المستدرك ٢ : ٥٩٨ أبواب النجاسات ب ٤٢ ح ١.

وفي الجميع : « يجرجر في بطنه نار جهنم ».

(٣) الكافي ٦ : ٢٦٧ / ٢ ، التهذيب ٩ : ٩٠ / ٣٨٦ ، الوسائل ٣ : ٥٠٩ أبواب النجاسات ب ٦٦ ح ١.

(٤) الكافي ٦ : ٢٦٧ / ٢ ، التهذيب ٩ : ٩١ / ٣٩٠ ، المحاسن : ٥٨٢ / ٦٧ ، الوسائل ٣ : ٥٠٥ أبواب النجاسات ب ٦٥ ح ١.

(٥) الكافي ٦ : ٢٦٧ / ٤ ، المحاسن : ٥٨١ / ٥٩ ، الوسائل ٣ : ٥٠٦ أبواب النجاسات ب ٦٥ ح ٣.

(٦) الكافي ٦ : ٢٦٨ / ٧ ، المحاسن : ٥٨٢ / ٦٢ ، الوسائل ٣ : ٥٠٧ أبواب النجاسات ب ٦٥ ح ٤.

١٤٢

لكنها مع قصور سند أكثرها ـ وإن أمكن بالشهرة جبرها ـ قاصرة الدلالة ، لاحتمال انصراف إطلاق النهي فيها إلى أغلب الاستعمال منها في العرف والعادة ، وهو الأوّلان خاصة.

هذا ويزيد ضعف الدلالة في الصحيحة بأعمية الكراهة فيها من الحرمة.

هذا مع ما يستفاد من بعض الصحاح المروي عن المحاسن من حصر المنع في الشرب خاصة ، إذ فيه : عن المرآة هل يصلح إمساكها إذا كان لها حلقة من فضة؟ قال : « نعم ، إنما يكره ما يشرب به » (١).

فإذا : العمدة في التعدية إلى ما عداهما هو الإجماعات المحكية ، مضافا إلى الشهرة العظيمة التي لا يبعد أخذها جابرة لقصور ما مضى من الروايات سندا ودلالة.

وليس في شي‌ء منهما (٢) الدلالة على حرمة نفس الاتخاذ من دون استعمال بالمرة وإن حكم بها جماعة (٣) ، بل وربما ادعي عليه الشهرة (٤) ، ووجّه بوجوه اعتبارية وإطلاقات الروايات المتقدمة. ولا يقاوم شي‌ء منهما أصالة الإباحة ، مع انتقاض الأول بما لا خلاف في إباحة اتخاذه بين الطائفة ، وضعف الثاني بما مرّ من المناقشة. لكن الأحوط مراعاتهم البتة.

ثمَّ الأصل واختصاص النصوص بحكم التبادر بالأواني المتعارفة يقتضي المصير إلى جواز اتخاذ نحو المكحلة وظرف الغالية ونحوهما من الأواني الغير المتبادرة من إطلاق لفظ الآنية ، هذا مضافا إلى الصحيح : عن التعويذ يعلّق‌

__________________

(١) المحاسن : ٥٨٣ / ٦٩ ، الوسائل ٣ : ٥١١ أبواب النجاسات ب ٦٧ ح ٥ ، ٦.

(٢) في « ح » : منها.

(٣) المعتبر ١ : ٤٥٦ ، القواعد ١ : ٩ ، إيضاح الفوائد ١ : ٣٢.

(٤) كما ادعاه صاحب المدارك ٢ : ٣٨٠ ، والسبزواري في الكفاية : ١٤.

١٤٣

على الحائض؟ فقال : « نعم إذا كان في جلد أو فضة أو قصبة حديد » (١) والاحتياط لا يخفى.

(وفي) جواز استعمال (المفضّض قولان ، أشبههما) وأشهرهما ، بل عليه عامة المتأخرين (الكراهية) للأصل والمعتبرة ، منها الصحيح : عن الشرب في القدح فيه ضبّة من فضة ، قال : « لا بأس إلّا أن تكره الفضة فتنزعها » (٢).

والحسن : « لا بأس أن يشرب الرجل في القدح المفضّض ، واعزل فمك عن موضع الفضة » (٣).

خلافا للخلاف ، فساوى بينه وبين آنية الفضة (٤) ، للصحيح أو الحسن : « لا تأكل في آنية فضة ولا في آنية مفضّضة » (٥).

والموثق عن مولانا الصادق عليه‌السلام : « أنه كره الشرب في الفضة والقدح المفضّض ، وكذلك أن يدهن في مدهن مفضّض ، والمشط كذلك » (٦).

وليس فيهما مكافاة لما مرّ من الأدلة ، فلتحمل على الكراهة.

والمناقشة فيه بعدم الصحة من حيث استلزامه استعمال النهي في معنييه الحقيقيين ، أو الحقيقي والمجازي ، وهما فاسدان على الأشهر بين الطائفة.

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٠٦ / ٤ ، الوسائل ٣ : ٥١١ أبواب النجاسات ب ٦٧ ح ٢.

(٢) التهذيب ٩ : ٩١ / ٣٩١ ، المحاسن : ٥٨٢ / ٦٥ ، الوسائل ٣ : ٥٠٩ أبواب النجاسات ب ٦٦ ح ٤.

(٣) التهذيب ٩ : ٩١ / ٣٩٢ ، الوسائل ٣ : ٥١٠ أبواب النجاسات ب ٦٦ ح ٥.

(٤) الخلاف ١ : ٦٩.

(٥) تقدم مصدره في ص : ١٣٧.

(٦) الكافي ٦ : ٢٦٧ / ٥ ، الفقيه ٣ : ٢٢٢ / ١٠٣٢ ، التهذيب ١ : ٩٠ / ٣٨٧ ، المحاسن : ٥٨٢ / ٦٦ ، الوسائل ٣ : ٥٠٩ أبواب النجاسات ب ٦٦ ح ٢. المدهن بضم الميم والهاء : ما يجعل فيه الدهن ، وهو من النوادر التي جاءت بالضم وقياسه الكسر. المصباح المنير : ٢٠٢.

١٤٤

ممنوعة ، لاحتمال تعدد حرف النهي في الصحيحة ، بجعل الواو فيها للاستئناف وتقدير المنهي عنه ثانيا بنحو ما نهي عنه أوّلا ، هذا.

ولو سلّم كون الواو فيها للعطف قطعا يحتمل أن يراد بالنهي المعنى المجازي العام الشامل لكل من الحقيقة والمجاز.

وبالجملة : أمثال هذه الاحتمالات وإن بعدت لكنها ممكنة ، فينبغي ارتكابها جمعا بين الأدلة ، نظرا إلى رجحان الأدلة الأوّلة بموافقة الأصل والكثرة والشهرة العظيمة ، وإطلاق الكراهة المحتملة لكل من الحرمة والكراهة الاصطلاحية في الثانية.

ولا تأبى الأولى عن حمل النهي الثاني فيها على الكراهة بعد قيام القرينة وإن كان فيه نوع مخالفة للحقيقة وسياق العبارة ، ولكن لا يلزم منه ورود المناقشة المزبورة.

وأظهر منه الكلام في الثانية ، لأعمية الكراهة فيها ، فيراد بها الحرمة التي هي أحد أفرادها بالإضافة إلى الفضة ، والكراهة الاصطلاحية بالإضافة إلى المفضّضة ، ولا مانع فيه من جهة القاعدة الأصولية.

وفي وجوب عزل الفم عن محل الفضة قولان ، الأشهر : نعم ، لظاهر الأمر في الحسن ، وهو الأظهر.

خلافا للمعتبر فالاستحباب ، للأصل ، وإطلاق الصحيح أو عمومه الناشئ عن ترك الاستفصال (١).

وضعفهما ظاهر بعد ما مرّ ، لوجوب التقييد ، وإن أمكن الجمع بالاستحباب ، لرجحانه عليه في كل باب ، مع كونه مجمعا عليه بين الأصحاب.

__________________

(١) المعتبر ١ : ٤٥٥.

١٤٥

(وأواني المشركين) وكذا سائر ما يستعملونه عدا الجلود الغير المعلومة تذكيتها (طاهرة) لا يجب التورّع عنها (ما لم يعلم نجاستها بمباشرتهم أو بملاقاة النجاسة) لها ، بلا خلاف أجده ، إلّا ما يحكى عن الخلاف من إطلاق النهي عن استعمالها ، مدعيا عليه الإجماع (١). ومخالفته غير معلومة ، لاحتمال إرادته من الإطلاق صورة العلم بالمباشرة ، كما يستفاد من سياق أدلته المحكية ، ولعلّه لذا أن أصحابنا لم ينقلوا عنه الخلاف في المسألة.

والأصل فيها بعد الاتفاق على الظاهر : الأصل ، والعمومات ، وخصوص الصحاح المستفيضة ونحوها من المعتبرة.

ففي الصحيح : إني أعير الذمي ثوبي وأنا أعلم أنه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير ، فيردّه عليّ ، فأغسله قبل أن أصلّي فيه؟ فقال عليه‌السلام : « صلّ فيه ولا تغسله من أجل ذلك ، فإنك أعرته إياه وهو طاهر ولم تستيقن نجاسته ، فلا بأس أن تصلّي فيه حتى تستيقن أنه نجّسه » (٢).

وهي وإن اختصت مواردها بما ليس مفروض العبارة منها ، إلّا أنّ عدم القول بالفرق مع التعليل العام في بعضها كما مضى يدفع المناقشة عن الاستدلال بها هنا.

إلا أنها معارضة بأخبار أخر مطلقة للمنع عن استعمال أوانيهم وثيابهم ، فمنها : « لا تأكلوا في آنيتهم ، ولا من طعامهم الذي يطبخون ، ولا في آنيتهم التي يشربون فيها » (٣).

ومنها : عن الذي يعير ثوبه لمن يعلم أنه يأكل الجرّي ويشرب الخمر‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٧٠.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٦١ / ١٤٩٥ ، الاستبصار ١ : ٣٩٢ / ١٤٩٧ ، الوسائل ٣ : ٥٢١ أبواب النجاسات ب ٧٤ ح ١.

(٣) الكافي ٦ : ٢٦٤ / ٥ ، الوسائل ٣ : ٤١٩ أبواب النجاسات ب ١٤ ح ١.

١٤٦

فيردّه ، أيصلّي فيه قبل أن يغسله؟ قال : « لا يصلّي فيه حتى يغسله » (١).

لكنها ، مع عدم مكافاتها لما مرّ عددا واعتبارا من وجوه شتى ، ومنها ـ وهو أقواها ـ اتفاق أصحابنا على العمل بها ، محمولة على الاستحباب أو العلم بالمباشرة ، كما فصّله بعض الروايات المتقدمة.

ثمَّ إن ظاهر العبارة ـ كغيرها وجميع ما مضى من الأدلة ـ اعتبار العلم بالنجاسة ، وعدم الاكتفاء بالمظنة ، وإن استندت إلى قرائن خارجية ، أو عدل واحد ، أو بيّنة شرعية.

خلافا لجماعة فاكتفوا بها ، إمّا مطلقا (٢) ، أو مقيّدا بالثاني (٣) ، أو بالثالث (٤) ، وهو في الظاهر أشهر أقوالهم وأحوطها وإن لم ينهض عليه دليل يطمئن النفس إليه أصلا.

وأمّا الأوّلان فينبغي القطع بضعفهما جدّا ، كيف لا؟! وفي الصحيح : قلت : فإن ظننت أنه قد أصابه ولم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر شيئا ثمَّ صلّيت فرأيت فيه ، قال : « تغسله ولا تعيد الصلاة » قلت : لم ذاك؟ قال : « لأنك كنت على يقين من طهارتك ثمَّ شككت فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك أبدا » (٥).

مع أن أغلب صور المسألة المفروضة في العبارة حصول المظنة القوية القريبة من العلم في العرف والعادة ، التي هي قد تكون أقوى من الظنون التي‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٦١ / ١٤٩٤ ، الاستبصار ١ : ٣٩٣ / ١٤٩٨ ، الوسائل ٣ : ٥٢١ أبواب النجاسات ب ٧٤ ح ٢.

(٢) حكاه عن أبي الصلاح الحلبي في الحدائق ٥ : ٢٤٤.

(٣) الحدائق ٥ : ٢٥١.

(٤) كما في المنتهى ١ : ٩.

(٥) التهذيب ١ : ٤٢١ / ١٣٣٥ ، الاستبصار ١ : ١٨٣ / ٦٤١ ، علل الشرائع : ٣٦١ / ١ ، الوسائل ٣ : ٤٦٦ أبواب النجاسات ب ٣٧ ح ١.

١٤٧

استند إليها هؤلاء الجماعة حتى من الحاصلة عن نحو البيّنة الشرعية ، ومع ذلك فقد حكمت الأخبار المتقدمة بالطهارة وانحصار الحكم بالنجاسة في العلم بالمباشرة.

(ولا يستعمل) شي‌ء (من الجلود إلّا ما كان طاهرا في حال حياته) و (مذكى) فلا يجوز استعمال جلود نجس العين مطلقا ، مذكّى كان أم لا ، في مشروط بالطهارة كان أم لا ، وكذا الميتة من طاهر العين مطلقا ، دبغ أم لا.

بلا خلاف أجده في الأول وإن لم أقف فيه على دليل إطلاق المنع عنه في غير المشروط بالطهارة ، عدا فحوى إطلاق النص المانع عن الانتفاع بالميتة (١) ، مع أنه معارض ببعض المعتبرة كالموثق : عن جلد الخنزير يجعل دلوا يستقى من البئر التي يشرب منها أو يتوضأ ، قال : « لا بأس » (٢) ونحوه غيره (٣).

وظاهر الاستبصار (٤) العمل به ، حيث وجّه نفي البأس فيه إلى نفس الاستعمال لا إلى الطهارة ، إلّا أن العمل على الأوّل.

وكذا لا خلاف في الثاني إلّا من الصدوق ، فجوّز الانتفاع به فيما عدا مشروط بالطهارة مطلقا (٥) ، للخبر : عن جلود الميتة يجعل فيها اللبن والسمن ما ترى فيه؟ قال : « لا بأس أن تجعل فيها ما شئت من ماء أو سمن وتتوضأ منه وتشرب ، ولكن لا تصلّ فيها » (٦).

__________________

(١) انظر الوسائل ٢٤ : ١٨٤ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٣٤.

(٢) التهذيب ١ : ٤١٣ / ١٣٠١ ، الوسائل ١ : ١٥٧ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ١٦. مع اختلاف يسير.

(٣) الكافي ٦ : ٢٥٨ / ٣ ، الوسائل ١ : ١٧١ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ٣.

(٤) كذا في النسخ ، ولكنّا لم نعثر عليه في الاستبصار ، بل هو موجود في التهذيب ١ : ٤١٣ / ١٣٠١.

(٥) الفقيه ١ : ٩.

(٦) الفقيه ١ : ٩ / ١٥ ، الوسائل ٣ : ٤٦٣ أبواب النجاسات ب ٣٤ ح ٥.

١٤٨

وهو مع قصور سنده وشذوذه ـ نظرا إلى دلالته على الطهارة ـ معارض بعدة نصوص ، منها : الميتة ينتفع بشي‌ء منها؟ قال : « لا » (١).

وعن الإسكافي فجوّزه بعد الدبغ خاصة (٢) ، بناء على حصول الطهارة به ، للخبر : في جلد شاة ميتة يدبغ فيصبّ فيه اللبن أو الماء ، فأشرب منه وأتوضأ؟ قال : « نعم » وقال : « يدبغ فينتفع [ به ] ولا تصلّ فيه » (٣).

وهو ـ مع ما فيه ممّا في سابقة وزيادة هي موافقة العامة ـ معارض بإطلاقات المعتبرة المتقدمة المعتضدة بالشهرة العظيمة والإجماعات المحكية عن المختلف والمنتهى والذكرى (٤).

وربما أيدت باستصحاب النجاسة السابقة. والأجود التأييد باستصحاب عدم جواز الانتفاع.

ثمَّ إن اعتبار التذكية في العبارة يقتضي اعتبار العلم بها ، وإلحاق الجلد مع الجهل به بالميتة ، وبه صرّح جماعة من أصحابنا وإن اختلفوا في إطلاق الإلحاق (٥) ، أو لزوم التقييد بالوجدان فيما عدا بلاد أهل الإسلام (٦).

خلافا لنادر من المتأخرين (٧) ، فاكتفى بالجهل بكونه جلد ميتة عن العلم بالتذكية ، وحكم بالطهارة ، للأصل. ويدفع بما يأتي. ولاستصحاب طهارة‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٥٩ / ٧ ، التهذيب ٢ : ٢٠٤ / ٧٩٩ ، الوسائل ٣ : ٥٠٢ أبواب النجاسات ب ٦١ ح ٢.

(٢) نقله عنه في المختلف : ٦٤.

(٣) التهذيب ٩ : ٧٨ / ٣٣٢ ، الاستبصار ٤ : ٩٠ / ٣٤٣ ، الوسائل ٢٤ : ١٨٦ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٣٤ ح ٧ ، وما بين المعقوفين أثبتناه من المصادر.

(٤) المختلف : ٦٤ ، المنتهى ١ : ١٩١ ، الذكرى : ١٦.

(٥) انظر روض الجنان : ٢١٢.

(٦) التذكرة ١ : ٩٤.

(٧) المدارك ٢ : ٣٨٧.

١٤٩

الجلد والملاقي. ويعارض باستصحاب عدم التذكية.

وللنصوص المستفيضة ، منها الصحيح : عن الخفاف التي تباع في السوق ، فقال : « اشتر وصلّ فيها حتى تعلم أنه ميّت بعينه » (١) ونحوه غيره من الصحيحين (٢).

وهي مع عدم ظهورها في الدلالة ـ بناء على احتمال أن يراد من السوق سوق المسلمين ، بل هو الظاهر ، لأنه المعهود المتعارف زمن صدورها ، ولا كلام هنا ـ معارضة بمثلها من المستفيضة الصريحة الدلالة المعتضدة بالشهرة ، واستصحاب بقاء اشتغال الذمة بالعبادة المشروطة بالطهارة.

ففي الموثق كالصحيح : « لا بأس في الصلاة في الفراء اليماني وفيما صنع في أرض الإسلام » قلت : فإن كان فيها غير أهل الإسلام ، قال : « إذا كان الغالب عليها المسلمون فلا بأس » (٣).

وفي نحوه : « وإن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وكل شي‌ء منه جائز إذا علمت أنه ذكي قد ذكّاه الذبح » (٤).

وفي الحسن كالصحيح : « تكره الصلاة في الفراء إلّا ما صنع في أرض الحجاز أو ما علمت منه ذكاته » (٥).

وفي الخبر : عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٠٣ / ٢٨ ، التهذيب ٢ : ٢٣٤ / ٩٢٠ ، الوسائل ٣ : ٤٩٠ أبواب النجاسات ب ٥٠ ح ٢.

(٢) الوسائل ٣ : ٤٩١ أبواب النجاسات ب ٥٠ ح ٣ ، ٦.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٦٨ / ١٥٣٢ ، الوسائل ٣ : ٤٩١ أبواب النجاسات ب ٥٠ ح ٥.

(٤) الكافي ٣ : ٣٩٧ / ١ ، التهذيب ٢ : ٢٠٩ / ٨١٨ ، الاستبصار ١ : ٣٨٣ / ١٤٥٤ ، الوسائل ٣ : ٤٠٨ أبواب النجاسات ب ٩ ح ذيل حديث ٦.

(٥) الكافي ٣ : ٣٩٨ / ٤ ، الوسائل ٣ : ٥٢٦ أبواب النجاسات ب ٧٩ ح ١.

١٥٠

يسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلما غير عارف؟ قال : « عليكم أن تسألوا إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك ، وإذا رأيتم المسلمين يصلّون فيه فلا تسألوا عنه » (١).

وبالجملة : التدبر في النصوص يقتضي المصير إلى نجاسة الجلد مع الجهل بذكاته ، إلّا مع وجوده في يد مسلم أو سوقه من يد من لا يظهر كفره.

خلافا لمن شذّ كما مرّ. ولآخر فأفرط وحكم بنجاسته ولو أخذ من يد المسلم إن كان ممن يستحل الميتة بالدبغ وإن أخبر بالتذكية (٢). وإطلاق الصحاح السابقة يدفعه.

ولتحقيق المسألة مزيد يأتي في بحث الصلاة إن شاء الله تعالى.

(ويكره) استعمال الجلد فيما عدا الصلاة إذا كان (مما لا يؤكل لحمه) مما يقع عليه الذكاة ، كالسباع والمسوخ ـ عند من لم ينجسها ـ ونحوهما ، على الأظهر ( الأشهر ) (٣) بل حكي على الأول الإجماع عن جماعة (٤) (حتى يدبغ).

ولا يحرم (على الأشبه) الأشهر بين المتأخرين ، لإطلاق النصوص بجواز الاستعمال من دون تقييد بالدبغ ، ففي الموثق : عن لحوم السباع وجلودها ، فقال : « أما اللحوم فدعها ، وأما الجلود فاركبوا عليها ولا تصلّوا فيها » (٥).

وفيه : عن جلود السباع ينتفع بها؟ فقال : « إذا رميت وسمّيت فانتفع‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٦٧ / ٧٨٨ ، التهذيب ٢ : ٣٧١ / ١٥٤٤ ، الوسائل ٣ : ٤٩٢ أبواب النجاسات ب ٥٠ ح ٧.

(٢) انظر المنتهى ١ : ٢٢٦ ، والتحرير ١ : ٣٠ ، والتذكرة ١ : ٩٤.

(٣) ليست في « ش ».

(٤) لم نعثر على من حكى الإجماع على كراهة استعمال جلد السباع قبل الدبغ.

(٥) التهذيب ٩ : ٧٩ / ٣٣٨ ، الوسائل ٢٤ : ١١٤ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٣ ح ٤.

١٥١

بجلده » (١).

خلافا للشيخ والمرتضى ، فمنعا عنه قبل الدبغ (٢) ، إمّا للنجاسة كما يحكى عنهما تارة (٣) ، أو للمنع عن ذلك تعبدا كما يحكى اخرى (٤).

ومستندهما غير واضح ، عدا ما يحكى عن الأول من الإجماع على الجواز بعده ، وليس هو ولا غيره قبله (٥). وهو كما ترى.

نعم : عن بعض الكتب عن مولانا الرضا عليه‌السلام : « دباغة الجلد طهارته » (٦).

وهو مع عدم وضوح السند واحتماله التقية غير دالّ ، على تقدير الحكاية الثانية من كون المنع تعبدا لا للنجاسة.

(وكذا يكره) أن يستعمل (من أواني الخمر ما كان) منه (خشبا أو قرعا) أو خزفا غير مدهن.

ولا يحرم على الأظهر الأشهر ، للأصل ، وعموم ما دلّ على جواز الاستعمال بعد التطهير.

خلافا للإسكافي والقاضي (٧) ، لنفوذ النجاسة في الأعماق ، فلا يقبل التطهير.

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٧٩ / ٣٣٩ ، الوسائل ٢٤ : ١٨٥ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٣٤ ح ٤.

(٢) الشيخ في النهاية : ٥٨٧ ، حكاه عن المرتضى في المعتبر ١ : ٤٦٦.

(٣) انظر كشف اللثام ٢ : ٢٥٨.

(٤) انظر كشف اللثام ٢ : ٢٥٨.

(٥) انظر الخلاف ١ : ٦٣.

(٦) فقه الرضا عليه‌السلام : ٣٠٢.

(٧) نقله عن الإسكافي المحقق في المعتبر ١ : ٤٦٧ ، والعلامة في المختلف : ٦٥ ، القاضي في المهذّب ١ : ٢٨ وج ٢ : ٤٣٤.

١٥٢

وردّ بنفوذ الماء فيها ، فيحصل التطهير (١). وفيه منع ، نعم يحصل به إزالة النجاسة الظاهرة ، وهي كافية في الطهارة ، ونجاسة الباطنة غير مانعة ، كيف لا ولا سراية ، فتأمل.

وللخبرين ، أحدهما الصحيح : « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الدّبّاء والمزفّت » (٢).

ونحوه الثاني بزيادة الحنتم والنقير ، وتفسير الدبّاء بالقرع ، والمزفّت بالدنان ، والحنتم بالجرار الخضر ، والنقير بالخشب (٣).

وليس فيهما ـ مع قصور الثاني سندا ـ على النجاسة دلالة ، كيف لا ووجه النهي غير منحصر فيها ، ويحتمل توجه النهي إلى الانتباذ فيها ، لاحتمال تحقق الإسكار بها ، لا لأجل تحقق سراية النجاسة في أعماقها وعدم تحقق الطهارة لذلك فيها.

كيف لا؟! ومن جملتها المزفّت المفسّر بالمقيّر ، والحنتم المفسّر بالمدهن ، وهما لا يجري فيهما السراية إلى الأعماق ، وإن هما إلّا كالأجسام الصلبة الغير القابلة لنفوذ شي‌ء فيها المتفق على قبولها التطهير مطلقا جدّا ، فليس الخبران من فرض المسألة بشي‌ء قطعاً.

فإذا : أدلة القول الأول لا معارض لها أصلا.

(و) يجب أن (يغسل الإناء من ولوغ الكلب) فيه (ثلاثا) إجماعا كما‌

__________________

(١) انظر المعتبر ١ : ٤٦٧ ، جامع المقاصد ١ : ١٩٥.

(٢) الكافي ٦ : ٤١٨ / ١ ، التهذيب ١ : ٢٨٣ / ٨٢٩ ، الوسائل ٣ : ٤٩٥ أبواب النجاسات ب ٥٢ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٤١٨ / ٣ ، التهذيب ٩ : ١١٥ / ٤٩٩ ، معاني الأخبار : ٢٢٤ / ١ ، الوسائل ٣ : ٤٩٦ أبواب النجاسات ب ٥٢ ح ٢.

١٥٣

عن الانتصار (١) ، وكذا عن الخلاف والغنية (٢) ، وظاهر المنتهى والذكرى (٣) ، وهو الحجة فيه ، كالمعتبرة ، منها الصحيح : عن الكلب ، فقال : « رجس نجس لا تتوضأ بفضله ، واصبب ذلك ، واغسله بالتراب أول مرة ثمَّ بالماء مرّتين » (٤).

وليس في نسخ كتب الحديث المشهورة ذكر المرتين بالمرة ، إلّا أن ما ذكرناه مروي عن المعتبر ، وكذا عن الخلاف (٥) ، وتبعه الجماعة ، ولعلّه أخذه من كتب الأصول الموجودة عنده ، ونقله لنا حجة.

ولا يعارضه الحذف فيما مرّ من الكتب ، لاحتماله فيها ، ورجحانه على احتمال الزيادة ، مع اعتضادها هنا بالرضوي المصرّح فيه بها ، وفيه : « إن وقع الكلب في الماء أو شرب منه أهريق الماء وغسل الإناء ثلاث مرّات ، مرة بالتراب ، ومرتين بالماء » (٦).

وينبغي أن يكون (أولاهن بالتراب على الأظهر) الأشهر ، بل عليه الإجماع عن الغنية (٧) ، وهو الحجة فيه كالصحيحة المتقدمة.

ولا يعارضها إطلاق الرضوي المتقدم ، وليقيد بها جمعا بين الأدلة ، وإن اقتصر على ظاهره من القدماء جماعة (٨) ، مع احتمال إرادتهم ما في الصحيحة ،

__________________

(١) الانتصار : ٩.

(٢) الخلاف ١ : ١٧٧ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥١.

(٣) المنتهى ١ : ١٨٧ ، الذكرى : ١٥.

(٤) التهذيب ١ : ٢٢٥ / ٦٤٦ ، الاستبصار ١ : ١٩ / ٤٠ ، الوسائل ٣ : ٤١٥ أبواب النجاسات ب ١٢ ح ٢ بتفاوت يسير.

(٥) المعتبر ١ : ٤٥٨ ، الخلاف ١ : ١٧٦.

(٦) فقه الرضا عليه‌السلام : ٩٣ ، المستدرك ٢ : ٥٦١ أبواب النجاسات ب ٨ ح ١.

(٧) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥١.

(٨) منهم السيد في جمل العلم والعمل ( رسائل السيد المرتضى ٣ ) : ٢٣ ، والشيخ في الخلاف ١ : ١٧٥ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٨٠.

١٥٤

كالرضوي ، سيّما مع ما فيه من التقديم الذكري.

وكيف كان : فظاهرهم الاتفاق على جوازه وإن اختلفوا في تعيّنه.

خلافا للمحكي عن المقنعة ، فأوجب توسيط التراب بين العدد (١) ولا ريب في ضعفه وإن جعله في الوسيلة رواية (٢) ، فإنها مرسلة لا تعارض الصحيحة المعتضدة بعمل أكثر الطائفة.

وبالجملة : لا ريب في شذوذه وضعفه. كالمحكي عن الإسكافي من وجوب السبع (٣) وإن ورد به الخبران ، أحدهما النبوي العامي : « إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا أولاهنّ بالتراب » (٤) ونحوه الخاصي (٥).

إذ هما مع قصور سندهما ولا سيّما الأول بأبي هريرة لا يكافئان شيئا ممّا مرّ من الأدلة من وجوه عديدة ، مع معارضة الأول منهما بمثله لذلك الراوي أيضا بعينه ، وفيه : « إذا ولغ في إناء أحدكم فليغسله ثلاث مرّات » (٦).

وفي آخر له أيضا : « فليغسله ثلاثا أو خمسا أو سبعا » (٧).

وظاهره استحباب الزائد ، فليحملا عليه.

وفي وجوب مزج التراب بالماء كما عن الحلّي وغيره (٨) ، تحصيلا لأقرب المجازات إلى مفهوم الغسل وإن حصل التجوز في التراب.

__________________

(١) المقنعة : ٦٥ ـ ٦٨.

(٢) الوسيلة : ٨٠.

(٣) نقله عنه في المعتبر ١ : ٤٥٨.

(٤) المحلى ١ : ١١٠ / المسألة ١٢٧ ، عوالي اللئالي ١ : ٣٩٩ / ٥١.

(٥) التهذيب ٩ : ١١٦ / ٥٠٢ ، الوسائل ٢٥ : ٣٦٨ أبواب الأشربة المحرمة ب ٣٠ ح ٢.

(٦) سنن الدار قطني ١ : ٦٦ / ١٦ ، ١٧.

(٧) عوالي اللئالي ٢ : ٢١٢ / ١٤٢ ، سنن الدار قطني ١ : ٦٥ / ١٣ ، ١٤.

(٨) الحلي في السرائر ١ : ٩١ ، ونقله عن الراوندي في الذكرى : ١٥.

١٥٥

أم العدم ، كما عليه جماعة (١) ، للأصل ، ومعارضة الأقربية بالحقيقة ، ولزوم التجوز في التراب على التقديرين بالضرورة.

وجهان ، أوجههما الثاني بالنظر إلى القواعد الأصولية. والأحوط الجمع بينهما وطهارة التراب ، اقتصارا فيما خالف الأصل على الفرد المتبادر من النص ، وإن كان في تعيّنها نظر ، لمعارضة الأصل بمثله كما مر ، فيكتفى في مثله باحتمال شمول النص لغير المتبادر.

ويلحق بالولوغ اللطع وما في حكمه ممّا يوجب وصول لعاب الفم إلى الظرف ، لفحوى النص والرضوي (٢). ويستفاد منه انسحاب الحكم في مطلق الوقوع ، وهو أحوط إن لم يكن أقوى ، وهو نصّ الصدوقين (٣).

والأظهر الأشهر اختصاص الحكم بالكلب ، فلا ينسحب إلى الخنزير ، بل يجب فيه السبع من دون تعفير ، للصحيح (٤).

خلافا للخلاف فكالكلب (٥) ، لوجوه مدخولة هي اجتهادات صرفة في مقابلة الصحيحة.

(و) يغسل الإناء (من) نجاسة (الخمرو) موت (الفأرة ثلاثا) وفاقا للخلاف (٦) للموثق في الأوّل : « عن قدح أو إناء يشرب فيه الخمر ، فقال : تغسله ثلاث مرّات » (٧).

__________________

(١) منهم العلامة في المختلف : ٦٣ ، والشهيد في الذكرى : ١٥ ، وابن فهد في المهذّب البارع ١ : ٢٦٦ ، وصاحب المدارك ٢ : ٣٩٢.

(٢) في « ح » : وعموم الرضوي.

(٣) الصدوق في المقنع : ١٢ ، ونقله عنه وعن والده في المنتهى ١ : ١٨٨.

(٤) التهذيب ١ : ٢٦١ / ٧٦٠ ، الوسائل ٣ : ٤١٧ أبواب النجاسات ب ١٣ ح ١.

(٥) الخلاف ١ : ١٨٦.

(٦) الخلاف ١ : ١٨٢.

(٧) الكافي ٦ : ٤٢٧ / ١ ، التهذيب ١ : ٢٨٣ / ٨٣٠ ، الوسائل ٣ : ٤٩٤ أبواب النجاسات ب ٥١ ح ١.

١٥٦

(و) لا يجب (السبع) وإن ورد به الموثق الآخر : في الإناء يشرب فيه النبيذ ، قال : « يغسله سبع مرّات » (١) ، للأصل ، وعدم معارضة الظاهر للنص.

نعم هو (أفضل) بل الأشهر تعيّنه ، فالأحوط أن لا يترك.

والاكتفاء بالمرة ـ كما عن المعتبر (٢) ـ له وجه لو لم يرد بالزائد نص معتبر ، وقد ورد كما مرّ ، إلّا أنه كما ترى مختص بالخمر ، فليخص بمورده ، ويكتفي بالمرة في غيره.

إلّا أن في الموثق تنصيصا بالأمر بالسبع في الجرذ (٣). وفي حمله على الوجوب كما حمله الشيخ وجماعة (٤) إشكال ، لاستلزامه قوة نجاسته على نجاسة الكلب ، حيث يكتفي فيه بالثلاث دونه. إلّا أنّ ضمّ التعفير إليه وحياة الكلب ربما دفع الفحوى.

وكيف كان : فالسبع في الجرذ أحوط وأولى إن لم نقل بكونه أقوى.

وأما الثلاث في الفأرة على الإطلاق فلم نجد مستنده مطلقا ، فلا وجه لحكم المصنّف به ، فليتأمل جدا.

(و) يغسل الإناء (من غير ذلك مرّة) واحدة على الأشهر بين الطائفة ، كما ذكره بعض الأجلة (٥) ، عملا فيها بالإطلاق ، وفي نفي الزائد بالأصل وعدم المعارض ، سوى استصحاب النجاسة ، المعارض بمثله في الملاقي كما مرّ.

نعم في الموثق : عن الكوز أو الإناء يكون قذرا كيف يغسل؟ وكم مرة يغسل؟ قال : « ثلاث مرّات ، يصبّ فيه الماء فيحرك فيه ثمَّ يفرغ منه ذلك الماء ،

__________________

(١) التهذيب ٩ : ١١٦ / ٥٠٢ ، الوسائل ٢٥ : ٣٦٨ أبواب الأشربة المحرمة ب ٣٠ ح ٢.

(٢) المعتبر ١ : ٤٦١.

(٣) التهذيب ١ : ٢٨٤ / ٨٣٢ ، الوسائل ٣ : ٤٩٦ أبواب النجاسات ب ٥٣ ح ١.

(٤) الشيخ في النهاية : ٦ ، المقنع : ١١ ، الذكرى : ١٥ ، جامع المقاصد ١ : ١٩١.

(٥) كشف اللثام ١ : ٦١.

١٥٧

ثمَّ يصبّ فيه ماء آخر ثمَّ يفرغ منه ذلك الماء ، ثمَّ يصبّ فيه ماء آخر ثمَّ يفرغ منه وقد طهر » (١).

وحمله على الاستحباب ممكن ، لاعتضاد الإطلاق بالأصل والشهرة وما عن المبسوط من الرواية بالاكتفاء بالمرة (٢).

(و) لا ريب أن (الثلاث أحوط) وأوجبها جماعة كما عن الصدوق والإسكافي والطوسي والذكرى والدروس والمحقق الشيخ علي (٣) ، عملا بظاهر الموثق. ولا بأس به.

والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطناً ، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين المعصومين ، وسلّم تسليما كثيراً.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٨٤ / ٨٣٢ ، الوسائل ٣ : ٤٩٦ أبواب النجاسات ب ٥٣ ح ١.

(٢) المبسوط ١ : ١٤.

(٣) لم نعثر على قول الصدوق في كتبه ولا على من حكى عنه ذلك ، نقله عن الإسكافي في المعتبر ١ : ٤٦١ ، الطوسي في النهاية : ٥ ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٧١ ، والاقتصاد : ٢٥٤ ، الذكرى : ١٥ ، الدروس : ١٢٥ ، والمحقق الشيخ علي في جامع المقاصد ١ : ١٩٢.

١٥٨

كتاب الصلاة

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على خير خلقه محمد وآله الطاهرين.

١٥٩
١٦٠