رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٢

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٢

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-090-0
الصفحات: ٤١٠

بالشهرة بين المتأخرين على الخلاف وهي وجدانية.

نعم : الصحيح المتقدم (١) ظاهر فيه ، من حيث إن الظاهر كون « مجتمعا » خبرا ليكون ، لا حالا مطلقا ، لا مقدّرة ولا محقّقة ، وإن تمَّ دلالته على الثاني أيضا بالضرورة ، لظهور اتحاد زماني الاجتماع والكون بقدر الدرهم مع أن تغايرهما شرط في المقدّرة اتفاقا ، ولامتناع المحقّقة في النقط المتفرقة المفروضة في الرواية ، فانحصر الأمر فيما مرّ وهو كون « مجتمعا » خبرا. وعلى تقديره فالدلالة ظاهرة ، ومع ذلك معتضدة بالشهرة المحكية ، ولكن في بلوغها قوة المعارضة للعمومات ، واستصحاب اشتغال الذمة بالعبادة التوقيفية ، وإطلاقات أكثر ما مضى من المعتبرة نوع مناقشة.

(و) لعله لذا (قيل) إنه (تجب) الإزالة حينئذ (مطلقا) وإن كان غير متفاحش ، ولا ريب أنه أحوط لو لم يكن أقوى ، وفاقا لسلّار وابني حمزة والبراج وأكثر المتأخرين (٢).

(وقيل) كما عن النهاية والمعتبر (٣) ـ كما حكاه عنه بعض الأجلّة (٤) ـ بوجوب الإزالة (بشرط التفاحش) ولا دليل على الشرط وتقديره بالمرة كما اعترف به جماعة (٥) ، بل ربما يمكن المناقشة في نسبة هذا القول إلى النهاية ، فإنّ عبارتها غير صريحة فيه بل ولا ظاهرة على ما حكاه بعض الأجلّة (٦).

(الثاني :)

(دم الحيض تجب إزالته وإن قلّ) ونقص عن سعة الدرهم اتفاقا ، كما‌

__________________

(١) في ص : ٩٤.

(٢) سلّار في المراسم : ٥٥ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٧٧ ، ابن البراج في المهذّب ١ : ٥١ ، وانظر جامع المقاصد ١ : ١٧٢ ، والذكرى : ١٦ ، وروض الجنان : ١٦٦.

(٣) النهاية : ٥١ ، المعتبر ١ : ٤٣١.

(٤) انظر الحدائق ٥ : ٣١٥.

(٥) منهم صاحب المدارك ٢ : ٣٢٠ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٥٣ ، وصاحب الحدائق ٥ : ٣١٩.

(٦) كشف اللثام ١ : ٥٢.

١٠١

حكاه بعض الأجلة (١) ، للأصل المستفاد من إطلاق المعتبرة الآمرة بغسله ، كالنبوي الآمر لأسماء : « حتيه ثمَّ اقرصيه ثمَّ اغسليه بالماء » (٢).

والصادقي : عن الحائض ، قال : « تغسل ما أصاب ثوبها من الدم » (٣).

مضافا إلى الأصل في العبادة واستصحاب شغل الذمة المحتاج إلى البراءة اليقينية في محل الشبهة.

وللخبر المروي في الكافي وموضع من التهذيب ، مسندا إلى الصادقين عليهما‌السلام : « لا تعاد الصلاة من دم لا تبصره إلّا دم الحيض ، فإنّ قليله وكثيره في الثوب إن رآه وإن لم يره سواء » (٤).

وقصور السند بالعمل والأصول مجبور ، والسند ـ كما عرفت ـ على الراوي غير موقوف.

ونحوه الرضوي : « إلّا أن يكون دم الحيض ، فاغسل ثوبك منه ومن البول والمني قلّ أو كثر » (٥).

وهذه الأدلة مع ما هي عليه من القوة سليمة عمّا يصلح للمعارضة ، سوى ما يتوهم من إطلاق أخبار العفو المتقدمة. وشموله للمقام محل مناقشة ، لعدم التبادر ، لاختصاص الخطابات فيها بالذكور دون النسوة ، واحتمال إصابة ثيابهم دم الحيض نادر بالضرورة ، ولذا لم يكن من الأفراد المتبادرة ، فلا يعترض بمثل ذلك شي‌ء من الأدلة السابقة.

__________________

(١) كشف اللثام ١ : ٥٢.

(٢) سنن الترمذي ١ : ٩١ / ١٣٨ ، سنن النسائي ١ : ١٥٥ وفيهما بتفاوت يسير.

(٣) الكافي ٣ : ١٠٩ / ١ ، التهذيب ١ : ٢٧٠ / ٧٩٦ ، الاستبصار ١ : ١٨٦ / ٦٥٢ ، الوسائل ٣ : ٤٤٩ أبواب النجاسات ب ٢٨ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٤٠٥ / ٣ ، التهذيب ١ : ٢٥٧ / ٧٤٥ ، الوسائل ٣ : ٤٣٢ أبواب النجاسات ب ٢١ ح ١.

(٥) فقه الرضا عليه‌السلام : ٩٥ ، المستدرك ٢ : ٥٦٦ أبواب النجاسات ب ١٦ ح ١.

١٠٢

(وألحق الشيخ به) تبعا للمرتضى (١) ، بل وغيره من القدماء (٢) ، بل وربما يستفاد عن ظاهر الخلاف وصريح الغنية الإجماع عليه ، وعن الحلّي نفي الخلاف عنه (٣) (دم الاستحاضة والنفاس) ولا بأس به ، للإجماعات المحكية ، والأصل المتقدم في العبادة ، مع عدم عموم في أخبار العفو كما مضت إليه الإشارة ، واعتضاد إلحاق الثاني بما يستفاد من المعتبرة من أنه دم الحيض المحتبس في أرحام النسوة وأنه حيض في الحقيقة.

وعن ابن حمزة والقطب الراوندي والتحرير (٤) : إلحاق دم الكلب والخنزير أيضا.

وعن العلّامة في جملة من كتبه : التعميم لدم مطلق نجس العين الشامل لهما وللكافر والميت (٥). ولا دليل عليه سوى الأصل المتقدم السالم عن معارضة أخبار العفو لما مرّ. وهو الحجّة فيه ، لا الاستدلال بملاقاته البدن النجس الغير المعفو ، لابتنائه على تزايد نجاسة نجس العين وقد يمنع. ولو سلّم فلا دليل على عدم العفو في مثله سوى إطلاق الأخبار بالغسل وإعادة الصلاة عنه ، ولم ينصرف إليه ، لما مرّ. فتأمل.

والعمدة في التعدية هو الإجماع ، وليس في المسألة ، مع أن المحكي عن الحلّي إنكار الإلحاق مدّعيا عليه الوفاق (٦).

فإذا : الأجود الاستدلال بما مرّ ، وبالخبر الموثق بابن بكير ـ المجمع على تصحيح رواياته ـ : « إن الصلاة في كلّ شي‌ء حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وكل شي‌ء منه فاسد ، لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلّي في غيره ممّا‌

__________________

(١) الشيخ في النهاية : ٥١ ، والمبسوط ١ : ٣٥ ، والخلاف ١ : ٤٧٦ ، المرتضى في الانتصار : ١٣.

(٢) كسلّار في المراسم : ٥٥ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٠.

(٣) السرائر ١ : ١٧٦.

(٤) ابن حمزة في الوسيلة : ٧٧ ، ونقله عن القطب الراوندي في المختلف : ٥٩ ، التحرير ١ : ٢٤.

(٥) راجع نهاية الإحكام ١ : ٢٨٥ ، والمختلف : ٥٩ ، والتذكرة ١ : ٨.

(٦) السرائر ١ : ١٧٧.

١٠٣

أحلّ الله تعالى أكله » الخبر (١). فتدبّر.

(وعفى عن دم القروح والجروح الذي لا يرقأ) ولا ينقطع ، في الثوب كان أم البدن ، قليلا كان أو كثيرا ، إجماعا ، للنصوص المستفيضة ، منها الصحيح : عن الرجل يخرج به القروح فلا تزال تدمي كيف يصلّي؟ فقال : « يصلّي وإن كانت الدماء تسيل » (٢).

ونحوه الصحيحان (٣) والحسن (٤) وغيرها.

وظاهرها الدم السائل الغير المنقطع ، ولذا خصّ العفو به في العبارة كجماعة (٥) ، نظرا إلى مخالفته الأصل المستفاد من إطلاق المعتبرة الآمرة بغسل الدم والحاكمة بإعادة الصلاة عنه ، فيقتصر فيها على مورد النص.

وحينئذ (فإذا رقأ) لم يعف عنه مطلقا بل (اعتبر فيه سعة الدرهم) جدّا ، وهو أحوط وأولى. وإن كان ربما يقال : في تعيّنه نظر ، لعدم انحصار أخبار العفو عنه فيما مرّ ، بل هنا معتبرة أخر دالّة على العفو إلى أن يبرأ ، منها الخبر : « إذا كان بالرجل جرح سائل فأصاب ثوبه من دمه فلا يغسله حتى يبرأ وينقطع الدم » (٦). وفيه نظر.

والأولى الاستدلال بعموم الموثق : عن الدماميل تكون بالرجل فتنفجر‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٩٧ / ١ ، التهذيب ٢ : ٢٠٩ / ٨١٨ ، الاستبصار ١ : ٣٨٣ / ١٤٥٤ ، الوسائل ٤ : ٣٤٥ أبواب لباس المصلي ب ٢ ح ١.

(٢) التهذيب ١ : ٢٥٨ / ٧٤٩ ، الاستبصار ١ : ١٧٧ / ٦١٥ ، الوسائل ٣ : ٤٣٤ أبواب النجاسات ب ٢٢ ح ٤.

(٣) الأول :

التهذيب ١ : ٢٥٨ / ٧٥٠ ، الوسائل ٣ : ٤٣٤ أبواب النجاسات ب ٢٢ ح ٥.

الثاني :

التهذيب ١ : ٢٥٩ / ٧٥١ ، الوسائل ٣ : ٤٣٥ أبواب النجاسات ب ٢٢ ح ٦.

(٤) الكافي ٣ : ٥٨ / ١ ، التهذيب ١ : ٢٥٨ / ٧٤٧ ، الاستبصار ١ : ١٧٧ / ٦١٦ ، الوسائل ٣ : ٤٣٣ أبواب النجاسات ب ٢٢ ح ١.

(٥) منهم سلّار في المراسم : ٥٥ ، الشهيد في البيان : ٩٤ ، العلامة في المنتهى ١ : ١٧٢.

(٦) التهذيب ١ : ٢٥٩ / ٧٥٢ ، الوسائل ٣ : ٤٣٥ أبواب النجاسات ب ٢٢ ح ٧.

١٠٤

وهو في الصلاة ، قال : « يمسحه ويمسح يده بالحائط أو بالأرض ولا يقطع الصلاة » (١).

مضافا إلى نص الموثق : دخلت على الباقر عليه‌السلام وهو يصلّي ، فقال لي قائدي : إنّ في ثوبه دما ، فلمّا انصرف قلت له : إن قائدي أخبرني أن بثوبك دما ، قال عليه‌السلام : « إن بي دماميل فلست أغسل ثوبي حتى تبرأ » (٢).

إلّا أن في السند قصورا ولا جابر له يعتد به. ومع ذلك فليس في الدلالة صراحة فيحتمل البرء فيه الانقطاع ، كاحتماله من البرء في الخبر السابق. بل ولا يبعد قربه فيه ، لاشتراط السيلان في صدره ، وعطف الانقطاع عليه في ذيله.

فلم يبق إلّا العموم في الموثق السابق ، وفي تخصيص الأصل والعمومات بمثله نظر ، سيّما مع كون العمل بهما في غير محل الوفاق هو الأشهر ، كما يظهر من كلمات القوم للأحقر.

هذا مضافا إلى ظهور التقييد بعدم الانقطاع والإشعار بكون العلّة في العفو هنا هو الحرج من روايات أخر ، وقصور أسانيدها ـ لو كان ـ بالشهرة منجبر ، ففي المروي عن السرائر عن البزنطي عن مولانا الباقر عليه‌السلام : « إنّ صاحب القرحة التي لا يستطيع صاحبها ربطها ولا حبس دمها يصلّي ولا يغسل ثوبه في اليوم أكثر من مرة » (٣).

وفي الموثق : عن القرح والجرح فلا يستطيع أن يربطه ولا يغسل دمه ، قال : « يصلّي ولا يغسل ثوبه ، فإنه لا يستطيع أن يغسل ثوبه كل ساعة » (٤).

فإذا : القول الأول حيث لا يلزم معه الحرج أظهر. وعليه فهل يناط الحكم بالانقطاع على الإطلاق كما هو ظاهر العبارة وجماعة ، أو يقيد بزمان يتسع لأداء‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٤٩ / ١٠٢٨ ، الوسائل ٣ : ٤٣٥ أبواب النجاسات ب ٢٢ ح ٨.

(٢) الكافي ٣ : ٥٨ / ١ ، التهذيب ١ : ٢٥٨ / ٧٤٧ الاستبصار ١ : ١٧٧ / ٦١٦ ، الوسائل ٣ : ٤٣٣ أبواب النجاسات ب ٢٢ ح ١.

(٣) مستطرفات السرائر : ٣٠ / ٢٦.

(٤) الكافي ٣ : ٥٨ / ٢ ، التهذيب ١ : ٢٥٨ / ٧٤٨ ، الاستبصار ١ : ١٧٧ / ٦١٧ ، الوسائل ٣ : ٤٣٣ أبواب النجاسات ب ٢٢ ح ٢.

١٠٥

الصلاة كما عن المعتبر والذكرى (١)؟ قولان.

وربما يناط العفو وعدمه بحصول المشقة بالإزالة وعدمه ، كما في الشرائع وعن ظاهر العلّامة في النهاية (٢) ، وعن المنتهى والتحرير (٣) : الجمع بينه وبين عدم الانقطاع. والأوّل من هذين في الجملة أقوى ، وذلك في صورة حصول المشقة مع الانقطاع ، إذ الانقطاع بمجرده مع حصول المشقة بالإزالة غير كاف في عدم العفو قطعا ، وينزّل تعليق عدم العفو على مجرد البرء والانقطاع في الخبرين على هذا قطعاً. هذا ، ولا يبعد قوّته مطلقا ، فيجب الإزالة مع عدم المشقة في صورة عدم الانقطاع أيضا ، لظهور سياق الروايات السابقة في العفو مع عدم الانقطاع في صورة حصول المشقة بالإزالة.

والأقوى عدم وجوب إزالة البعض ولو مع إمكانها. خلافا لمحتمل نهاية الإحكام (٤). وإطلاق النصوص تدفعه. كدفعها وجوب إبدال الثوب ولو مع الإمكان وإن حكي الحكم به عن الكتاب المذكور والمنتهى (٥) ، مع أن الشيخ ادعى في الخلاف على خلافه الوفاق (٦) ، وهو عليه حجّة أخرى. لكنه أحوط وأولى ، لإشعار رواية البزنطي المتقدمة به جدّا ، إلّا أنها لضعفها وعدم جابر لها هنا مع عدم معارضتها لما مرّ ليست هنا محل الفتوى ، فتأمل جدّاً.

(الثالث :)

(تجوز الصلاة فيما لا تتم الصلاة) للرجال (فيه منفردا) ولو كان (مع نجاسة) مغلّظة (كالتكة والجورب والقلنسوة) ونحوها. مطلقا كما هو الأشهر الأقوى ، وفاقا للمرتضى (٧) ، أو من الملابس خاصة مطلقا كما عن الحلّي‌

__________________

(١) المعتبر ١ : ٤٢٩ ، الذكرى : ١٦.

(٢) الشرائع ١ : ٥٣ ، نهاية الإحكام ١ : ٢٨٥.

(٣) المنتهى ١ : ١٧٢ ، التحرير ١ : ٢٤.

(٤) نهاية الإحكام ١ : ٢٨٥.

(٥) نهاية الإحكام ١ : ٢٨٦ ، المنتهى ١ : ١٧٢.

(٦) انظر الخلاف ١ : ٤٧٦.

(٧) الانتصار : ٣٨.

١٠٦

وغيره (١) ، أو مقيدا بكونها في محالّها كما عليه العلّامة في أكثر كتبه (٢).

ولا خلاف في أصل الحكم في الجملة ، بل عليه الإجماع عن الانتصار والخلاف والسرائر وظاهر التذكرة (٣) ، وصرّح به أيضا جماعة (٤) ، والنصوص به مع ذلك مستفيضة ، منها الموثق : « كلّ ما كان لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس أن يكون عليه الشي‌ء ، مثل القلنسوة والتكة والجورب » (٥).

والمرسل كالصحيح على الصحيح : « إذا كان مما لا تتم الصلاة فيه فلا بأس » (٦).

وظاهرهما ـ كغيرهما ـ تعليق الحكم بجواز الصلاة فيما لا تتم فيه منفردا على هذا الوصف.

وأظهر منهما الرضوي : « إن أصاب قلنسوتك أو عمامتك أو التكة أو الجورب أو الخف منّي أو بول أو غائط فلا بأس بالصلاة ، وذلك أن الصلاة لا تتم في شي‌ء من هذا وحده » (٧).

ومقتضاه عدم اختصاص الحكم بالملابس فضلا عن اشتراط كونها في محالّها ، وإن كان هذا غير بعيد بعد ثبوت الأول ، نظرا إلى التبادر من المذكورات في سياق الأخبار.

ويقرّب العموم مضافا إلى ما مرّ (٨) الإتيان بلفظه في بعضها ، والترديد بين كون تلك الأشياء عليه أو معه في المرسل (٩). وبجميع ما ذكر يخص الأصل في‌

__________________

(١) الحلي في السرائر ١ : ١٨٤ ، وانظر نهاية الإحكام ١ : ٣٨٣.

(٢) انظر التذكرة ١ : ٩٦ ، والتحرير ١ : ٢٤ ، والمنتهى ١ : ١٧٤.

(٣) الانتصار : ٣٨ ، الخلاف ١ : ٤٧٩ ، السرائر ١ : ٢٦٣ ، التذكرة ١ : ٩٦.

(٤) منهم القطب الراوندي على ما حكي عنه في المختلف : ٦١ ، وانظر المدارك ٢ : ٣٢٢ ، الذخيرة ١٦٠.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٥٨ / ١٤٨٢ ، الوسائل ٣ : ٤٥٥ أبواب النجاسات ب ٣١ ح ١.

(٦) التهذيب ٢ : ٣٥٧ / ١٤٧٩ ، الوسائل ٣ : ٤٥٦ أبواب النجاسات ب ٣١ ح ٢.

(٧) فقه الرضا عليه‌السلام : ٩٥ ، المستدرك ٢ : ٥٧٥ أبواب النجاسات ب ٢٤ ح ١.

(٨) من التعليل والتعليق على الوصف. منه رحمه الله.

(٩) التهذيب ١ : ٢٧٥ / ٨١٠ ، الوسائل ٣ : ٤٥٦ أبواب النجاسات ب ٣١ ح ٥.

١٠٧

العبادة كما مرّ.

وما ربما يقال : من إثبات أصل الحكم هنا بأصالة البراءة عن إزالة النجاسة عن مثل هذه الأشياء السالمة عن المعارض ، لخلو الأخبار عن الأمر بها ، لاختصاص الآمرة منها بالثوب الغير الصادق على مثل هذه الأشياء.

ليس في محلّه ، كيف لا؟! وهو بعد معارضته بالأصل المتقدم ذكره الذي هو منه أقوى يدفعه تصريح الأصحاب ـ كظواهر النصوص ـ باستثنائها الملازم لدخولها تحت أدلة المنع عنها.

ومنه يظهر التمسك بمثل ذلك لإثبات العفو عن النجاسة في العمامة تبعا للصدوقين (١). ومستندهما من النصوص غير واضح ، سوى الرضوي المتقدم.

ومع ذلك فهو غير ظاهر أيضا ؛ لاحتماله إرادة العمامة الصغيرة كما يشعر به التعليل في ذيله ، فإنّ الكبيرة تتأتى الصلاة فيها قطعا ، فلا وجه لتعليل الحكم بجواز الصلاة فيها بما ذكر ، وعليها حمل الراوندي كلامهما (٢).

(الرابع :)

(يغسل الثوب والبدن من البول مرّتين) على الأظهر الأشهر ، بل عن ظاهر المعتبر الإجماع عليه (٣) ، وهو الحجّة كالصحاح المستفيضة وغيرها ، منها الصحيحان : عن الثوب يصيبه البول ، قال : « اغسله مرّتين » (٤).

ونحوهما الصحيح بزيادة : « فإن غسلته في ماء جار فمرّة واحدة » (٥).

خلافا للمنتهى والبيان فمرّة مطلقا (٦) ، لإطلاق الأمر. ويقيّد بما مرّ.

ولشاذ ، فخص التعدد بالثوب خاصة (٧) ، عملا فيما عداه بالأصل وإطلاق‌

__________________

(١) الصدوق في الفقيه ١ : ٤٢ ، وقد نقل عنه وعن والده العلامة في المختلف : ٦١.

(٢) نقله عن القطب الراوندي في المعتبر ١ : ٤٣٥.

(٣) المعتبر ١ : ٤٣٥.

(٤) التهذيب ١ : ٢٥١ / ٧٢١ و٧٢٢ ، الوسائل ٣ : ٣٩٥ أبواب النجاسات ب ١ ح ١ و٢.

(٥) التهذيب ١ : ٢٥٠ / ٧١٧ ، الوسائل ٣ : ٣٩٧ أبواب النجاسات ب ٢ ح ١.

(٦) المنتهى ١ : ١٧٥ ، البيان : ٩٣.

(٧) كما في التحرير ١ : ٢٤.

١٠٨

الأمر السالمين عن معارضة النصوص المتقدمة ، لاختصاصها بالثوب خاصة.

والإجماع المحكي حجة عليه ، والأصل معارض باستصحاب النجاسة ، ومع ذلك هو كالإطلاق مقيد بالإجماع الذي مرّ ونصوص أخرى هي ما بين صحيح وحسن وقاصر قصوره بالشهرة منجبر ، ففي الصحيح : عن البول يصيب الجسد ، قال : « صبّ عليه الماء مرتين » (١).

ونحوه الحسن بزيادة : « وإنما هو ماء » (٢).

ونحوه بعينه المروي في مستطرفات السرائر ، عن جامع أحمد بن محمّد ابن أبي نصر (٣) وربما يعدّ مثله صحيحا ، لنقله عن الكتاب المشهور بلا واسطة ، وهو معتبر.

ثمَّ إن إطلاق العبارة والنصوص المتقدمة وظاهر جماعة (٤) عموم التعدد لصور الغسل بالقليل ، أم الكثير الراكد ، أو الجاري.

خلافا لجماعة ، فاكتفوا بالمرة فيما عدا الأوّل مطلقا ، كما عن العلّامة في التذكرة والنهاية والشهيدين وغيرهم (٥) ، أو الجاري خاصة كما عن الجامع (٦).

وربما علّل الإطلاق بالاقتصار فيما خالف الأصل وإطلاق الأوامر على القدر المتيقن من النصوص المتقدمة ، وليس إلّا القليل خاصة ، للغلبة ، ولما فيما عداه من الندرة زمن صدور تلك المعتبرة.

والأصل معارض بمثله بل وأقوى ، والإطلاق مجاب بما أجيب به عن‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٤٩ / ٧١٦ ، الوسائل ٣ : ٣٩٥ أبواب النجاسات ب ١ ح ٣.

(٢) الكافي ٣ : ٥٥ / ١ ، التهذيب ١ : ٢٤٩ / ٧١٤ ، الوسائل ٣ : ٣٩٥ أبواب النجاسات ب ١ ح ٤.

(٣) مستطرفات السرائر : ٣٠ / ٢١ ، الوسائل ٣ : ٣٩٦ أبواب النجاسات ب ١ ح ٧ ، ولكنه مروي في المستطرفات عن نوادر أحمد بن محمد بن أبي نصر لا عن جامعه.

(٤) منهم العلامة في التحرير ١ : ٢٤ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ١ : ١٧٣ ، الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٥٣.

(٥) التذكرة ١ : ٩ ، نهاية الإحكام ١ : ٢٧٩ ، الشهيد الأول في الذكرى : ١٥ ، الشهيد الثاني في الروضة ١ : ٦٢ ، وانظر الذخيرة : ١٦١.

(٦) الجامع للشرائع : ٢٢.

١٠٩

النصوص.

فإذا : القول الأخير أقوى ، استنادا في لزوم التعدد فيما عدا الجاري باستصحاب النجاسة ، لا إطلاق النصوص الآمرة بالإزالة ليرد عليها المناقشة المزبورة. وفي الاكتفاء بالمرة فيه بالصحيح الثالث ، لقوله : « فإن غسلته في ماء جار فمرة واحدة ».

والرضوي : « فإن أصاب بول في ثوبك فاغسله من ماء جار مرة ، ومن ماء راكد مرتين ، ثمَّ أعصره » (١).

وفيهما مفهوما في الأول ومنطوقا في الثاني بحسب العموم ردّ للقول بنفي التعدد فيما عدا القليل على الإطلاق ، إلّا أن يجابا بالورود مورد الغلبة.

واعلم أن ظاهر العبارة وصريح جماعة (٢) اختصاص التعدد بالبول خاصة والاكتفاء فيما عداه بالمرة الواحدة ، تمسّكا بالأصل وإطلاق النصوص.

خلافا لآخرين ، وهم ما بين مطلق للتعدد فيه (٣) ، ومقيّد له بما له قوام وثخانة (٤) ، للأولوية ، وهي ممنوعة ، وللصحيحة : ذكر المني فشدّده وجعله أشد من البول (٥). والدلالة غير واضحة ، فيحتمل إرادة الأشدية في النجاسة ردّا لما ذهب إليه بعض العامة من القول بالطهارة (٦) ، لا الأشدية في كيفية الإزالة ، مع أنها تستلزم الزيادة على المرتين ولو بواحدة. فإذا : الأقوى هو القول بالمرة وإن كان الأحوط مراعاة التعدد مطلقا البتة.

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ٩٥ ، المستدرك ٢ : ٥٥٣ أبواب النجاسات ب ١ ح ١.

(٢) منهم الشهيد الأول في الذكرى : ١٥ ، والشهيد الثاني في الروضة ١ : ٦١ ، وصاحب الحدائق ٥ : ٣٦٤.

(٣) كالشهيد الأول في الدروس ١ : ١٢٥ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٨ ، والمحقق الكركي في جامع المقاصد ١ : ١٧٣.

(٤) كما في التحرير ١ : ٢٤.

(٥) التهذيب ١ : ٢٥٢ / ٧٣٠ ، الوسائل ٣ : ٤٢٤ أبواب النجاسات ب ١٦ ح ٢.

(٦) كالشافعي في الأم ١ : ٥٥ ، وابن رشد في بداية المجتهد ١ : ٨٤.

١١٠

ثمَّ إن الأقوى ـ وفاقا لأكثر أصحابنا (١) ، بل ربما نفي الخلاف عنه (٢) ـ لزوم العصر في الغسل ، وقد حقّقناه في بعض تحقيقاتنا يطول الكلام بذكره هنا (إلّا من بول الصبي) الذي لم يأكل أكلا مستندا إلى شهوته وإرادته كما في المعتبر والمنتهى (٣) (فإنه يكفي صب الماء عليه) من غير عصر ، بلا خلاف في الظاهر ، مضافا إلى حكاية الإجماع عليه عن ظاهر المعتبر والخلاف (٤) ، للحسن بل الصحيح : عن بول الصبي ، قال : « صبّ عليه الماء ، فإن كان قد أكل فاغسله غسلا ، والغلام والجارية شرع سواء » (٥).

ونحوه الرضوي مبدلا فيه الصبي بالرضيع (٦).

وأمّا الموثق الآمر بالغسل (٧) فإطلاق الصبي فيه محمول على ما فصّله الخبران. ونحوه الجواب عن الحسن القريب منه (٨) ، مع احتماله لمحامل أخر.

ثمَّ ظاهر الأولين ـ كالمحكي عن ظاهر الصدوقين (٩) ـ مساواة الجارية للغلام في البين.

خلافا للأكثر ، فنفوا المساواة وخصوا الحكم بالذكر. وهو الأظهر ، للأصل ، والإطلاقات ، واحتمال رجوع الحكم بالتسوية في الخبرين وعبارة القائلين إلى صورة لزوم الغسل لا صورة الاكتفاء بالصب.

__________________

(١) في « ح » : الأصحاب.

(٢) الحدائق ٥ : ٣٦٥.

(٣) المعتبر ١ : ٤٣٦ ، المنتهي ١ : ١٧٦.

(٤) المعتبر ١ : ٤٣٦ ، الخلاف ١ : ٤٨٤ ، ٤٨٥.

(٥) الكافي ٣ : ٥٦ / ٦ ، التهذيب ١ : ٢٤٩ / ٧١٥ ، الاستبصار ١ : ١٧٣ / ٦٠٢ ، الوسائل ٣ : ٣٩٧ أبواب النجاسات ب ٣ ح ٢.

(٦) فقه الرضا عليه‌السلام : ٩٥ ، المستدرك ٢ : ٥٥٤ أبواب النجاسات ب ٢ ح ١.

(٧) التهذيب ١ : ٢٥١ / ٧٢٣ ، الاستبصار ١ : ١٧٤ / ٦٠٤ ، الوسائل ٣ : ٣٩٨ أبواب النجاسات ب ٣ ح ٣.

(٨) الكافي ٣ : ٥٥ / ١ ، التهذيب ١ : ٢٤٩ / ٧١٤ ، الاستبصار ١ : ١٧٤ / ٦٠٤ ، الوسائل ٣ : ٣٩٧ أبواب النجاسات ب ٣ ح ١.

(٩) الصدوق في الفقيه ١ : ٤٠ ، وقد نقل عنه وعن والده العلامة في المختلف : ٥٦.

١١١

مضافا إلى صريح الخبر : « لبن الجارية وبولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم ، لأن لبنها يخرج من مثانة أمّها. ولبن الغلام لا يغسل منه الثوب ولا بوله قبل أن يطعم ، لأن لبن الغلام يخرج من العضدين » (١).

وضعف السند وكذا الاشتمال على ما لا يقول به أحد مجبور بالشهرة ، مؤيد بروايات أخر حكاها بعض الأجلة (٢) عن غير الكتب المشهورة ، فأحدها العامي النبوي : « بول الغلام ينضح ، وبول الجارية يغسل » (٣).

وقريب منه الآخر وفيه : كان الحسن بن علي عليهما‌السلام في حجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فبال عليه ، فقلت : أعطني إزارك لأغسله ، فقال : « إنما يغسل من بول الأنثى » (٤) (٥).

ثمَّ المفهوم من الصب يشمل ما ينفصل معه الماء وغيره ، والمستوعب وغيره ، فيشمل الرشّ ، إلّا أن المتبادر المنساق إلى الفهم المستوعب.

وعن الأصحاب القطع بعدم اعتبار الانفصال (٦) ، لمقابلة الصب في النصوص بالغسل الدالة على ذلك على كلّ من القول بتضمن الغسل العصر والقول بعدم تضمنه له وأن غايته وحدّه الانفصال كما عن الخلاف ونهاية الإحكام (٧) ، فالمقابلة صريحة في نفي الانفصال على الثاني ، وظاهرة فيه على الأوّل. وربما يحتمل عليه وجوب الانفصال بناء على نجاسة الغسالة ، والمقابلة غايتها على هذا القول الدلالة على عدم لزوم العصر ، وهو أعم من عدم لزوم الانفصال ، فقد يراد بغير العصر من وجوه الانفصال.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٥٠ / ٧١٨ ، الاستبصار ١ : ١٧٣ / ٦٠١ ، الوسائل ٣ : ٣٩٨ أبواب النجاسات ب ٣ ح ٤.

(٢) الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٥٤.

(٣) مسند أحمد ١ : ٧٦ ، سنن ابن ماجه ١ : ١٧٥ / ٥٢٧ ، سنن الدار قطني ١ : ١٢٩ / ٣.

(٤) سنن ابن ماجه ١ : ١٧٤ / ٥٢٢ ، سنن أبي داود ١ : ١٠٢ / ٣٧٥.

(٥) في « ح » زيادة : والمرتضوي. انظر المستدرك ٢ : ٥٥٤ أبواب النجاسات ب ٢.

(٦) المدارك ٢ : ٣٣٣.

(٧) الخلاف ١ : ٤٨٤ ، نهاية الإحكام ١ : ٢٧٧.

١١٢

وكيف كان : فلا ريب أن الانفصال أحوط وإن كان في تعيّنه نظر ، لإطلاق الأمر بالصب ، ولتصريح النبوي المتقدم بكفاية النضح والرشّ الذي قد لا يتحقق معه الانفصال ، والسند وإن ضعف إلّا أنه كما مرّ بالشهرة بل وظاهر حكاية الإجماع المتقدمة منجبر.

(ويكفي إزالة عين النجاسة وإن بقي اللون) والرائحة على الأظهر الأشهر بين الطائفة ، بل عن المعتبر عليه إجماع العلماء كافة (١) ، وهو الحجّة فيه كالنصوص المستفيضة ، منها الحسن : قلت له : للاستنجاء حدّ؟ قال : « لا ، حتى ينقى ما ثمّة » قلت : فإنه ينقى ما ثمّة ويبقى الريح ، قال : « الريح لا ينظر إليها » (٢).

وقصوره عن إفادة تمام المدّعى بالإجماع المركب بل البسيط مجبور.

وبه يجبر قصور باقي النصوص سندا ودلالة من حيث القصور عن إفادة تمام المطلوب ، فعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله في الدم : « لا يضرك أثره » (٣).

وعن مولانا الرضا عليه‌السلام : عن الرجل يطأ في الحمّام وفي رجله الشقاق ، فيطأ البول والنورة فيدخل الشقاق أثر أسود ممّا وطئ من القذر وقد غسله ، كيف يصنع به وبرجله الذي وطئ بها ، أيجزيه الغسل أم يخلّل أظفاره بأظفاره؟ ويستنجي فيجد الريح من أظفاره ولا يرى شيئا ، فقال عليه‌السلام : « لا شي‌ء عليه من الريح والشقاق بعد غسله » (٤).

وفي الخبرين في دم الحيض الذي لم يذهب أثره : « اصبغيه بمشق » (٥).

والأمر للاستحباب عند كافة الأصحاب لا لإزالة الأثر ، كيف لا وهي‌

__________________

(١) المعتبر ١ : ٤٣٦.

(٢) الكافي ٣ : ١٧ / ٩ ، التهذيب ١ : ٢٨ / ٧٥ ، الوسائل ٣ : ٤٣٩ أبواب النجاسات ب ٢٥ ح ٢.

(٣) راجع سنن أبي داود ١ : ١٠٠ / ٣٦٥ ، سنن البيهقي ٢ : ٤٠٨.

(٤) الفقيه ١ : ٤٢ / ١٦٥ ، الوسائل ٣ : ٤٤٠ أبواب النجاسات ب ٢٥ ح ٦.

(٥) الكافي ٣ : ٥٩ / ٦ ، التهذيب ١ : ٢٧٢ / ٨٠٠ ، الوسائل ٣ : ٤٣٩ أبواب النجاسات ب ٢٥ ح ١.

والخبر الثاني : التهذيب ١ : ٢٥٧ / ٧٤٦ ، الوسائل ٣ : ٤٤٠ أبواب النجاسات ب ٢٥ ح ٤. المشق والمشق : المغرة وهو صبغ أحمر. لسان العرب ١٠ : ٣٤٥.

١١٣

بالصبغ غير حاصلة قطعاً.

هذا ، مع أن الأصل يساعد النصوص ، وهو البراءة عن إزالة نحو اللون والرائحة. ولا يعارضه المعتبرة بإزالة الأعيان النجسة ، لعدم صدقها على نحو الأمرين في العرف والعادة وإن قلنا ببقاء الأجزاء الجوهرية.

وبالجملة : لا ريب في المسألة. وفتوى العلّامة في النهاية بلزوم إزالة الطعم لأنّها سهلة (١) ، ضعيفة. كفتواه في المنتهى بوجوب إزالة اللون مع الإمكان (٢).

وإطلاق النص والفتوى يقتضي عدم الفرق في الحكم بين صورتي العسر في الإزالة وعدمه. وربما قيّد بالأولى. وهو أحوط.

والمرجع في العسر والمشقة إلى العادة ، فلو كان بحيث يزول بمبالغة كثيرة لم يجب.

وهل يتعيّن له نحو الأشنان والصابون ، أم يتحقق المشقة بمجرّد الغسل بالماء ولو مرّة إذا لم يزل به الآثار المتقدم إليها الإشارة؟ كلّ محتمل ، والأصل يقتضي الثاني ، والاحتياط الأوّل.

(الخامس :)

(إذا علم موضع النجاسة غسل) خاصة بلا إشكال (وإن جهل) وكان محصورا (غسل كل ما يحصل فيه الاشتباه) وجوبا ، وفي النجس بالأصالة ، وفي الباقي من باب المقدمة ، تحصيلا للبراءة اليقينية الغير الحاصلة بغسل مقدار ما وقع عليه النجاسة بالضرورة ، وإن احتمله بحسب القاعدة بعض الأجلة (٣). وإن هو إلّا غفلة واضحة.

والأصل في الحكم بعد ذلك إجماع الطائفة وكثير من العامة المحكي‌

__________________

(١) نهاية الإحكام ١ : ٢٧٩.

(٢) المنتهى ١ : ١٧١.

(٣) انظر المدارك ٢ : ٣٣٤.

١١٤

عن المعتبر والمنتهى والتذكرة (١) ، وصرّح به جماعة (٢). والنصوص به مع ذلك مستفيضة ، منها الصحيح : « تغسل ثوبك من الناحية التي ترى أنه قد أصابها حتى تكون على يقين من طهارتك » (٣).

وفيه إشارة إلى ما مرّ إليه الإشارة من القاعدة وردّ للقاعدة التي ادعاها بعض الأجلّة. ومنها يظهر عدم نجاسة الملاقي له ناقصا عن مقدار ما حصلت فيه النجاسة ، وأنّ الأصل فيه الطهارة إلّا إذا لاقى الجميع ، فيحكم بالنجاسة حينئذ بالضرورة.

(ولو نجس أحد الثوبين ولم يعلم عينه) وفقد غيرهما وتعذّر التطهير (صلّى الصلاة الواحدة في كل واحد) منهما على حدة ـ ناويا فيهما الوجوب ـ على الأظهر الأشهر بين الطائفة ، لتمكنه معه من الثوب الطاهر واستيفاء الشرائط ، وللحسن : عن رجل كان معه ثوبان ، فأصاب أحدهما بول ولا يدري أيهما هو ، وحضرت الصلاة وخاف فوتها وليس عنده ماء ، كيف يصنع؟ قال : « يصلّي فيهما جميعا » (٤).

(وقيل :) كما عن ابني إدريس وسعيد (٥) (يطرحهما ويصلي عريانا) لوجوب الجزم عند الافتتاح بكونها هي الصلاة الواجبة وهو منتف في كل منهما.

وفيه : منع ذلك أوّلا. ثمَّ إسقاطه فيما نحن فيه ثانيا ، لمكان الضرورة ، وليس بأولى من الستر والقيام واستيفاء الأفعال بل هي أولى ، لكونها واجبات متعددة لا يعارضها الواجب الواحد البتة. ثمَّ النقض به في الصلاة عريانا ثالثا ، لعدم‌

__________________

(١) المعتبر ١ : ٤٣٧ ، المنتهى ١ : ١٨٠ ، التذكرة ١ : ١٠.

(٢) منهم السبزواري في الكفاية : ١٣ ، والذخيرة : ١٦٥ ، والفيض في المفاتيح ١ : ٧٨ ، وصاحب الحدائق ٥ : ٤٠١.

(٣) التهذيب ١ : ٤٢١ / ١٣٣٥ ، الاستبصار ١ : ١٨٣ / ٦٤١ ، علل الشرائع : ٣٦١ / ١ ، الوسائل ٣ : ٤٠٢ أبواب النجاسات ب ٧ ح ٢.

(٤) الفقيه ١ : ١٦١ / ٧٥٧ ، التهذيب ٢ : ٢٢٥ / ٨٨٧ ، الوسائل ٣ : ٥٠٥ أبواب النجاسات ب ٦٤ ح ١.

(٥) ابن إدريس في السرائر ١ : ١٨٥ ، ابن سعيد في الجامع للشرائع : ٢٤.

١١٥

الجزم عند الافتتاح بكونها الصلاة الواجبة ، لاحتمال كونها ما ذكرناه ، وليس يندفع إلّا على النص القاطع بكونها ما ذكره ولم نقف عليه. نعم جعله في المبسوط رواية (١) ، وهي ـ كما ترى ـ مرسلة غير مسندة ، والقائل لا يعمل بالمسندة فضلا عن مثلها ، ولذا لم يستند إليها في المسألة. ثمَّ على تقدير كونها مسندة لا تعارض الحسنة المتقدمة من وجوه متعددة أقواها الاعتضاد بالشهرة العظيمة.

(السادس :)

(إذا لاقى الكلب أو الخنزير أو الكافر ثوبا أو جسدا وهو رطب غسل موضع الملاقاة وجوبا) إجماعا نصا وفتوى ، إلّا من الصدوق في كلب الصيد خاصة فأوجب الرش لملاقاته مع الرطوبة (٢). ولم نجد له دلالة مع أنه انعقد على خلافه في الظاهر إجماع الطائفة.

(وإن كان) كل من الثلاثة حين الملاقاة (يابسا رشّ الثوب بالماء استحبابا) لا وجوبا ، على الأظهر الأشهر ، بل عليه الإجماع عن المعتبر (٣).

وبه مع الأصل يصرف الأمر في الصحيحين في الأوّلين إلى الاستحباب ، ففي أحدهما : « إذا أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله ، وإن مسّه جافا فاصبب عليه الماء » (٤).

وفي الثاني : في الخنزير يمسّ الثوب ، قال : « وإن لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما أصاب [ من ] ثوبه إلّا أن يكون [ فيه ] أثر فيغسله » (٥).

ولم أقف للحكم في الثالث على نص إلّا أنه لا بأس بالمصير إليه ، للتسامح في مثله بما لا يتسامح في غيره.

__________________

(١) المبسوط ١ : ٣٩.

(٢) الفقيه ١ : ٤٣.

(٣) المعتبر ١ : ٤٣٩.

(٤) التهذيب ١ : ٢٦١ / ٧٥٩ ، الوسائل ٣ : ٤١٤ أبواب النجاسات ب ١٢ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٦١ / ٦ ، التهذيب ١ : ٢٦١ / ٧٦٠ ، الوسائل ٣ : ٤١٧ أبواب النجاسات ب ١٣ ح ١ وما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

١١٦

والحكم بالوجوب فيه وفي سابقيه مشكل وإن حكي عن الصدوق وابن حمزة والمفيد في المقنعة (١) ، لما تقدمت إليه الإشارة ، مضافا إلى كثرة ورود الأمر بالنضح في مواضع عديدة المحمول فيها على الاستحباب بإجماع الطائفة.

ثمَّ مقتضى العبارة تبعا لظاهر الصحيحين اختصاص الحكم بالثوب خاصة. وهو كذلك ، للأصل ، وحرمة التعدية إلّا بدلالة واضحة هي في المقام مفقودة.

(السابع :)

(من علم النجاسة) الغير المعفو عنها (في ثوبه أو بدنه وصلّى عامدا) ذاكرا لها حين الصلاة (أعادها في الوقت وبعده) إجماعا حكاه جماعة (٢) ، والصحاح به مع ذلك مستفيضة ، منها : « في الدم في الثوب إن كان أكثر من درهم وكان رآه ولم يغسله حتى صلّى فليعد صلاته ، وإن لم يكن رآه حتى صلّى فلا يعيد الصلاة » (٣).

هذا مضافا إلى فحوى النصوص الآتية في ناسي النجاسة.

وإطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في العالم بالنجاسة بين العالم بالحكم وعدمه ، فعليه الإعادة في الوقت والقضاء في خارجه.

أمّا الأوّل فلعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه فعليه الإتيان مع إمكانه ، والجهل غير موجب للإتيان كذلك وإن سلّم القول بمعذوريته ، بمعنى عدم توجه الخطاب إليه حين جهله وعدم مؤاخذته ، إلّا أن ذلك لا يوجب الإتيان بما أمر به.

ومنه يعلم الوجه في الثاني بعد ملاحظة ما دلّ على عموم وجوب قضاء‌

__________________

(١) الصدوق في الفقيه ١ : ٤٣ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٧٧ ، المقنعة : ٧٠.

(٢) منهم العلامة في نهاية الإحكام ١ : ٣٨٣ ، الشهيد الثاني في روض الجنان : ١٦٨ ، المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ١ : ٣٤٢.

(٣) التهذيب ١ : ٢٥٥ / ٧٣٩ ، الاستبصار ١ : ١٧٥ / ٦١٠ ، الوسائل ٣ : ٤٣٠ أبواب النجاسات ب ٢٠ ح ٢.

١١٧

الفوائت ؛ لصدق الفوت بمخالفته المأمور به في غير مورد الرخصة بالضرورة ، ولذا صرّح ( هنا ) (١) جماعة (٢) بأن الجاهل بالحكم كالعامد.

(ولو) علم بها قبل الصلاة إلّا أنه (نسي) إزالتها (في حال) الاشتغال ب‍ : (الصلاة فروايتان) مختلفتان (٣) ، باختلافهما اختلف الأصحاب ، فبين من أوجب الإعادة مطلقا وقتا وخارجا (٤) ، ومن خصّه بالأول خاصة (٥) ، ومن نفاه مطلقا حاكما بالاستحباب (٦).

ولكن الأظهر وهو (أشهرهما أن عليه الإعادة) وقتا وخارجا ، بل عن الحلّي وابن زهرة العلوي وشرح الجمل للقاضي : الإجماع عليه (٧). وهو الحجة ، كالنصوص المستفيضة الآمرة على الإطلاق بالإعادة (٨) الصادقة في العرف والعادة على القضاء البتة.

مع أن فيها ما هو ناصّ بالشمول له بالضرورة ، كالصحيح المروي عن قرب الإسناد وكتاب المسائل لعلي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليهما‌السلام : عن رجل احتجم فأصاب ثوبه دم ، فلم يعلم به حتى إذا كان من الغد كيف يصنع؟ قال : « وإن كان رآه ولم يغسله فليقض جميع ما فاته على قدر ما كان يصلي ولا ينقض منه شيئا ، وإن كان رآه وقد صلى فليعتدّ بتلك الصلاة » (٩).

وهذه الأخبار ـ مع كثرتها واستفاضة الصحاح منها وصراحة بعضها‌

__________________

(١) ليست في « ش ».

(٢) منهم العلامة في المنتهى ١ : ١٨٣ ، والبحراني في الحدائق ٥ : ٤٠٨.

(٣) انظر الوسائل ٣ : ٤٧٩ أبواب النجاسات ب ٤٢.

(٤) كالشيخ في النهاية : ٥٢ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ١٦٩.

(٥) كالشيخ في الاستبصار ١ : ١٨٤ ، والعلّامة في الإرشاد ١ : ٢٤٠.

(٦) كالمحقق في المعتبر ١ : ٤٤١ ، وصاحب المدارك ٢ : ٣٤٨.

(٧) الحلي في السرائر ١ : ١٨٣ ، ٢٧١ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٥ ، شرح الجمل : ٧٥ ـ ٧٦.

(٨) انظر الوسائل ٣ : ٤٧٩ أبواب النجاسات ب ٤٢.

(٩) قرب الإسناد : ٢٠٨ / ٨١٠ ، الوسائل ٣ : ٤٧٧ أبواب النجاسات ب ٤٠ ح ١٠.

١١٨

واعتضادها بعمل أكثر الأصحاب والإجماع المحكي ـ موافقة للأصل المتقدم في عدم معذورية الجاهل ، إذ غاية النسيان رفع المؤاخذة ، وعليه يحمل حديث رفع القلم ، لا إيجابه الموافقة للمأمور به ، لمخالفته له قطعاً.

فما ربما يدّعى من أوفقية القول بعدم وجوب الإعادة على الإطلاق ـ كما عن المعتبر واختاره بعض من تأخر (١) ـ للأصل والحديث المتقدم ليس في محلّه ، كالاستناد له بالصحيح : عن الرجل يصيب ثوبه الشي‌ء ينجسه فينسى أن يغسله فيصلّي فيه ثمَّ يذكر أنه لم يكن غسله ، أيعيد الصلاة؟ قال : « لا يعيد ، قد مضت الصلاة وكتبت له » (٢).

فإنه لوحدته وندرة القائل به مع حكم الشيخ (٣) بشذوذه ومخالفته الأصل لا يمكن أن يعترض به الأخبار المتقدمة ، مع ما هي عليه من المرجحات المسطورة التي أعظمها الكثرة والشهرة العظيمة ، بل الإجماع كما حكاه بعض الأجلة (٤) ، واعتضده خلو كلمات القدماء عن الفتوى به بالمرة ، بل وتصريحهم بخلافه في المسألة ، وإنما نشأ القول به عن زمان المعتبر وبعض من تأخر.

وبالجملة : لا ريب في ضعف هذا القول. كالقول بالتفصيل وإن استند له بالجمع بين النصوص المطلقة في الجانبين ، بحمل الأوّلة على الإعادة في الوقت والصحيحة المتقدمة على الإعادة في الخارج ، فإنه مع كونه فرع التكافؤ لما مرّ وليس ، لا يلائمه الصحيح المتقدم عن قرب الإسناد ، لصراحته في وجوب القضاء.

وقريب منه الحسن : « وإن كنت قد رأيته وهو أكثر من مقدار درهم فضيّعت غسله وصلّيت فيه صلوات كثيرة ، فأعد ما صلّيت فيه » (٥).

__________________

(١) راجع ص : ١١٣.

(٢) التهذيب ١ : ٤٢٣ / ١٣٤٥ ، الاستبصار ١ : ١٨٣ / ٦٤٢ ، الوسائل ٣ : ٤٨٠ أبواب النجاسات ب ٤٢ ح ٣.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٦٠.

(٤) راجع ص ١١٣.

(٥) الكافي ٣ : ٥٩ / ٣ ، الفقيه ١ : ١٦١ / ٧٥٨ ، التهذيب ١ : ٢٥٤ / ٧٣٦ ، الاستبصار ١ : ١٧٥ / ٦٠٩ ، الوسائل ٣ : ٤٣١ أبواب النجاسات ب ٢٠ ح ٦.

١١٩

فإنّ الظاهر أن المراد بالكثيرة هنا ما يزيد على صلاتي الفريضة بل والخمس المفروضة. والحمل على النافلة يدفعه الأمر بالإعادة الظاهر في الوجوب ، وليس في النافلة بالضرورة.

وبالجملة : ظهور شمول الرواية لصورة القضاء مما لا يحوم حوله مناقشة.

هذا مضافا إلى عدم الشاهد على هذا الجمع ، عدا رواية (١) هي مع إضمارها وكونها مجملة غير واضحة الدلالة ، فلا يكافئ شيئا ممّا مرّ من الأدلة ، ومع ذلك لم نجد القائل به سوى الشيخ في الاستبصار (٢) ، وقد رجع عنه كما حكاه الحلّي (٣) ، ولذا ادعى الإجماع على خلافه ، هذا مع أن نسبة القول إليه في الكتاب المسطور محل مناقشة ، وكيف كان فالقول به ضعيف البتة.

(ولو لم يعلم) بالنجاسة المزبورة إلى أن صلّى (وخرج الوقت) ثمَّ علم بها (فلا قضاء) عليه على الأشهر الأظهر ، بل عليه الإجماع عن الغنية والسرائر والمهذّب (٤) ، وهو ظاهر الذكرى (٥). وهو الحجّة فيه ، مضافا إلى إطلاق النصوص الآتية أو فحواها ، وبهما يخص الأصالة المتقدمة في عدم معذورية جاهل المسألة.

(وهل) عليه أن (يعيد) إذا علم بها بعد الفراغ (مع بقاء الوقت؟ فيه قولان ، أشبههما) وأشهرهما (أنه لا) يجب عليه (إعادة) للصحاح المستفيضة ونحوها من المعتبرة ، ففي الصحيح : عن رجل صلّى وفي ثوبه جنابة أو دم حتى فرغ من صلاته ثمَّ علم ، قال : « قد مضت صلاته ولا شي‌ء‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٢٦ / ١٣٥٥ ، الاستبصار ١ : ١٨٤ / ٦٤٣ ، الوسائل ٣ : ٤٧٩ أبواب النجاسات ب ٤٢ ح ١.

(٢) الاستبصار ١ : ١٨٤.

(٣) السرائر ١ : ١٨٣.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٥ ، السرائر ١ : ١٨٣ ، المهذّب البارع ١ : ٢٤٦.

(٥) الذكرى : ١٧.

١٢٠