كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٢

الشيخ جعفر كاشف الغطاء

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٢

المؤلف:

الشيخ جعفر كاشف الغطاء


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-953-4
الصفحات: ٤٦٣

١
٢

٣
٤

كتاب الصلاة

وفيه مباحث :

٥
٦

[المبحث] الأول

في بيان معناها

ولها معانٍ كثيرة ، كالرحمة ، والاستغفار ، والمتابعة ، والمدح ، والثناء ، والدعاء ، على وجه الاشتراك لفظيّاً ، أو معنويّاً ، في حدّ ذاتها أو باعتبار المتعلّق.

وبين الجميع والمعنى الجديد علاقة المجاز المرسل ، فيمكن ملاحظة كلّ واحد منها في النقل أو الهجر (١) إلى المعنى الجديد.

وأظهر معانيها في اللغة الدعاء (٢) ، ولعلّه هو الملحوظ بالنسبة إلى وضع الشرع (ثمّ وضعت في مثل شريعة سيّد المرسلين ، بل شرائع الأنبياء السالفين ، بل منذ خلق القرآن المبين) (٣) وضعاً أصليّاً تعيينيّاً لا هجريّاً تعيّنيّاً ، لعمود الأعمال الدينيّة ، وأوّل أُصول الفروع الشرعيّة ، والعبادة المشروطة بالطهارة طبيعتها ، أو باستقبال فاعلها أو فاعل ما يسمّى باسمها أو ما يتبعها القبلة ، أو ما كان الركوع والسجود من أركانها ، أو

__________________

(١) في «ح» زيادة : من الشّخص ، متّحداً أو متعدّداً والجنس.

(٢) انظر النهاية لابن لأثير ٣ : ٥٠ ، ومجمع البحرين ١ : ٢٦٦ ، وكنز العرفان للفاضل المقداد ١ : ٥٧ ، والإفصاح ٢ : ١٢٧٣.

(٣) بدل ما بين القوسين في «ح» كذا : بل هي من مبدء شريعة سيّد المرسلين ، بل شرائع الأنبياء السالفين ، بل منذ خلق القرآن المبين من أوضاع ربّ العالمين ثمّ وضعت.

٧

ما كانت القراءة من واجباتها بالأصالة ، أو ما اشتملت على الأقوال والأفعال وتفصيلاتها المعلومة ، أو ما كان التكبير ابتداءها ، والتسليم ختامها ، إلى غير ذلك من مميّزاتها المعلومة.

والتقييد بوصف الصحّة داخل في حقيقتها ، دون القيد ، وهي المقوّمة لها كيف كانت أفعالها وهيئتها ؛ ولذلك يدور الإطلاق مدارها ، فيصدق (١) الاسم مرّة مع اجتماع الواجبات فقط ، أو مع المندوبات.

وقد يصدق على مجرّد الأركان ، ومرّة على بعض الأركان ، حتّى تنتهي إلى تكبيرة عوض الركعة.

ويكتفى مع الصحّة عن ركوعها وسجودها في صحّة إطلاقها بتغميض العينين ، ويدور عليها حكم الفاعل والتارك وغيرهما من الأعمال ، ولا شكّ في دخولها تحت الاسم معها ، وعدم دخولها مع عدمها.

ويجري مثل هذا الكلام في جميع العبادات الصرفة ، كما لا يخفى. فليست عبارة عن الأركان ، ولا مطلق الواجبات ، ولا مجموع ما بين التكبير والتسليم من الواجبات والمستحبّات ، وليست باقية على الوضع الأوّل والأفعال خوارج ، ولا مع التقييد بالأعمال حتّى يدخل التقييد وتخرج القيود.

ولا مجازاً في المعاني الجديدة المتكررة.

ولا حقيقة بنحو الوضع الهجري التعيّني ، على نحو غيرها من العبادات المشهورة المتكررة.

فقد اتّضح بهذا أنّ ألفاظ العبادات من المجملات الموضوعة في الشرع لمعان جديدة ، يتوقّف بيانها على تعريف الشارع كالأحكام الشرعيّة.

كما أنّ الموضوعات النحويّة والصرفيّة والبيانيّة والنجوميّة والحسابيّة والموضوعات في جميع الصناعات ، معرفتها ومعرفة أحكامها موقوفة على بيان مؤسّسها.

__________________

(١) في «ح» زيادة : على ما اجتمعت جميع الأركان أو بعضها.

٨

ثمّ البيان قد يكون بالقول كما في الوضوء والتيمّم. وقد يكون بالفعل مقصوداً به التعليم كصلاته عليه‌السلام لتعليم حمّاد (١) ، أو غير مقصود به ذلك ، متبوع بالقول كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «صلّوا كما رأيتموني أُصلّي وحجّوا كما رأيتموني أحجّ» (٢).

أو غير متبوع كما إذا رأيناه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد عمل عملاً أو نُقِل عنه بطريق معتبر ، فإنّه يقوم مقام القول ؛ إلا أن يقوم دليل على الخلاف.

أو بالتقرير ، كما إذا كان العمل بحضوره فارتضاه ، أو سكت عنه في مقام لا ينبغي السكوت منه.

وفي حكم ذلك ما قضى به جمع جميع ما ذكر في الروايات ، وكلام الأصحاب من الأجزاء والشروط والموانع ، فيحكم لذلك بنفي ما عداها.

وهذا النحو مجمع عليه ، والسيرة قاضية به ، لا بأصل عدم شغل الذمّة المردود بأصالة بقائه بعد اليقين (٣) ، ولا بأصل عدم زيادة تركّب المعنى المردود بأصل عدم تحقّقه ، ولا بأصل عدم دخول شي‌ء في الاسم إلا ما علم دخوله فيه ، فيكون موضوعاً للمعلوم دون غيره ؛ لأنّ اللغة لا تثبت إلا بطرق خاصّة ، وليس أصل العدم منها.

فليس حالنا إلا كحال العبيد في الاهتداء إلى طرق معرفة إرادة مواليهم ، وكحال الصدر الأوّل نتلقّى الأحكام الشرعيّة وموضوعاتها على نحو تلقّيهم.

ولا تجب معرفة حقيقتها على المكلّفين (٤) كما لا تلزم معرفة حقيقة غيرها من العبادات.

ولا تتوقّف عليها صحّة النيّة ، ولو لا ذلك لفسدت أكثر عبادات المكلّفين ؛ إذ لا يعرف حقيقة الصلاة والصيام والحجّ والعمرة والإحرام سوى الأوحديّ من الناس.

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٩٦ باب وصف الصلاة ح ٩١٦.

(٢) عوالي اللآلي ١ : ١٩٨ ح ٨ ، صحيح البخاري ١ : ١٦٢ باب الأذان للمسافر ، وفيهما صدر الحديث.

(٣) في «ح» زيادة : ولأنّه في حكم تعدّد الأفراد المتفاوتة ولوضوح الفرق بين الأجزاء والجزئيّات ، ولا بأصل عدم تحقّقه.

(٤) في «ح» زيادة : ولا الفرق بين واجبها وندبها.

٩

وإذا تَتَبّعت كلمات أهل الفنّ وجدتها مختلفة في بيان معانيها أشدّ اختلاف (١) ، فلو جاء العامل بأحد هذه الأعمال من غير علم بداخلها وخارجها وندبها وواجبها ، لم يكن عليه بأس.

ويجري نحو ما حرّرناه بداية ونهاية في تكليف كلّ مطاع بما وضع له اسماً وعيّن معناه ، فيجري فيه وجوب الاحتياط ، وإدخال ما يحتمل دخوله إن لم يقم فيه احتمال الإفساد.

__________________

(١) وأُنظر المبسوط ١ : ٧٠ ، والنهاية ونكتها ١ : ١٧٢ ، وتذكرة الفقهاء ٢ : ٢٥٩ ، والمغني لابن قدّامة ١ : ٣٧٦ ، وشرح المهذّب ٣ : ١ ، وكنز العرفان ١ : ٥٧ ، والإفصاح ٢ : ١٢٧٣ ، ومعجم مقاييس اللغة ٣ : ٣٠٠ ، ومجمع البحرين ١ : ٢٦٦.

١٠

المبحث الثاني

في بيان فضلها وكثرة مزيّتها على غيرها من العبادات

وممّا يدلّ على ذلك قبل الخوض في الأدلّة امتيازها عنها بجمع محاسن لا توجد أكثرها في غيرها :

منها : الإقرار بالعقائد الدينيّة من التوحيد ، والعدل ، والنبوّة ، والإمامة ، والمعاد.

ومنها : مكارم الأخلاق من صورة الخضوع والخشوع والتذلّل بالقيام والركوع ، والسجود ، ووضع أشرف أعضاء البدن على التراب وشبهه.

وإظهار العجز عن يسير الأقوال والأفعال إلا بإعانة ربّ العزّة والجلال (١).

و [شمولها] على أكثر المستحبّات ، والوظائف المرغبات ، من قراءة القرآن (٢) ، والدعاء ، والتسبيح ، والتهليل ، والتكبير ، والتحميد ، والمدح ، والشكر ، والصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والبراءة من أعدائهم لعنهم الله وغير ذلك.

ولذلك خُصّت بأُمور لم يكن أكثرها في غيرها ، من طهارة حدث وخبث ، وأفضل جهة ومكان وزمان وجوار (٣) ومنقول ومحمول ومنظور ولباس وهيئة ، وأذان فيه

__________________

(١) في «ح» زيادة : وعلى الاتّفاق من البدن والجاه والمال على الظهور في العبوديّة.

(٢) في «ح» زيادة : وقراءة أفضل سورة.

(٣) في «ح» جواز.

١١

إعلام ، وإقامة وجماعة فيها ، أو فيما يلتحق بها من صلاة الجنازة ونحوها.

وترك ما فيه منافاة للإقبال والتوجّه ، من قهقهة وبكاء لأُمور الدنيا ، أو كلام غير قراءة وذكر ودعاء ، ومن أكل وشرب ، وفعل كثير ، وسكوت ماح للصورة ، ونحوها.

وفيها من الوعظ ، والزجر عن المعاصي والملاهي والظلم لذاتها ، أو بسبب الاشتغال بها عنها ، أو بما اشتملت عليه منهما.

ويُشير إلى الجميع قوله تعالى (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) (١).

ومن جهة نظمها الذي هو من أكبر المعاجز ، من البدأة بالأذان المشتمل على شبه الدعوى والبرهان ، فالأكبريّة شاهد استحقاق العبوديّة ، لكن لا ينافي وجود معبود آخر ، فأتي بكلمة التوحيد.

ثمّ ذلك لا يفيد حتّى يثبت أمره وحكمه (٢) ، فقضت به شهادة الرسالة.

ثمّ لا تميل النفس إلى الصلاة حتّى تكون فيها ثمرة ، فذكر أنّها فلاح.

ثمّ لا تتعيّن حتّى تكون خير العمل ، إذ لو لم تكن كذلك لجاز الاشتغال عنها بغيرها.

وربّع التكبير لبدأته وتعظيمه وليتنبّه بالأوّل الغافل وبالثاني النائم وبالثالث الناسي وبالرابع المتشاغل.

وثنّى الشهادة على وفق الشهادة.

وأتى بالإقامة محتجّاً بها على الغائب عن سماع الأذان إلى غير ذلك ، (وسيتّضح لك شطر منها في بحث بيان الأسرار) (٣).

وقد تكرّر الأمر بها والحثّ عليها في كتاب الله زائداً على غيرها ، وتعليل الفوائد الأُخرويّة بفعلها.

ونطقت الأخبار المتواترة معنىً ببيان فضلها ؛ فقد روي عنهم عليهم‌السلام :

__________________

(١) العنكبوت : ٤٥.

(٢) في «ح» أمر وحكمة.

(٣) ما بين القوسين زيادة في «ح».

١٢

«لا أعرف شيئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة» (١).

وأنّ «صلاة فريضة خير من عشرين حجّة ، وحجّة خير من بيت مملوء ذهباً يتصدّق منه حتّى يفنى» (٢).

و «إنّ مثل الصلاة كمثل النهر الجاري ، كلّما صلّى صلاة تكفّر ما بينهما من الذنوب» (٣) وفيه ظهور في أنّ الماء الجاري لا ينجس بالملاقاة وإن قلّ ، وإشارة إلى أنّ الذنوب إذا غلبت على الطاعات لا تؤثّر.

وأنّه «ما من عبد من شيعتهم يقوم إلى الصلاة ، إلا اكتنفته بعدد من خالفه ملائكة يُصلّون خلفه ويدعون الله له حتّى يفرغ من صلاته» (٤).

وفي تخصيص ذلك بالعدول وخصوص الفريضة وجه لو أُريد بصلاة الملائكة نحو صلاتنا وبالخلف الجماعة ، وإجراء أحكام إمامنا في إمامهم.

وأنّه «إذا قام العبد المؤمن في صلاته نظر الله إليه أو قال : أقبل الله عليه حتّى ينصرف ، وأظلّته الرحمة من فوق رأسه إلى أُفق السماء ، والملائكة تحفّه من حوله إلى أُفق السماء ، ووكّل الله به ملكاً قائماً على رأسه يقول له أيّها المصلّي لو تعلم من ينظر إليك ومن تناجي ما التفتّ ، ولا زلت من موضعك أبداً» (٥) إلى غير ذلك من الأخبار (٦).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٦٤ ح ١ ، وفي المصدر ما أعلم.

(٢) الكافي ٣ : ٢٦٥ ح ٧.

(٣) الفقيه ١ : ١٣٦ ح ٦٤٠ بتفاوت لفظي ، التهذيب ٢ : ٢٣٧ ح ٩٣٨ ، نهج البلاغة : ٣١٦ الخطبة : ١٩٩ ، الوسائل ٣ : ٧ أبواب أعداد الفرائض ب ٢ ح ٣ ، بحار الأنوار ٨٢ : ٢٢٠ ، ٢٣٦.

(٤) الفقيه ١ : ١٣٤ ح ٦٢٩ وفي المصدر : من شيعتنا.

(٥) الكافي ٣ : ٢٦٥ ح ٥ ، الوسائل ٣ : ٢١ أبواب أعداد الفرائض ب ٨ ح ٥.

(٦) الكافي ٣ : ٢٦٤ باب فضل الصلاة ح ١٣١ ، الفقيه ١ : ١٣٣ باب فضل الصلاة ح ٦٤٢٦٢٢ ، التهذيب ٢ : ٢٣٦ باب فضل الصلاة ح ٩٣٢ ٩٤٨ ، الوسائل ٣ : ٢١ أبواب أعداد الفرائض ب ٨.

١٣

المبحث الثالث

في شدّة العناية بها وتأكّد وجوبها.

وهو معلوم من تتبّع آيات الكتاب وفي بعضها (١) أنّ الكفّار حيث يسألون في النار عن سبب تعذيبهم يجيبون بترك الصلاة (٢).

ومن تتبّع الأخبار ، كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «الصلاة مثل عمود الفسطاط إذا ثبت العمود نفعت الأطناب والأوتاد والغشاء (٣) وهو الحبال القصار أو ما على البيت أو الخيمة يدار وإذا انكسر لم ينفع طنب ولا وتد ، ولا غشاء» (٤).

و (ربما أذن بالصحّة) (٥) ، «إنّ عمود الدين الصلاة ، وهي أوّل ما ينظر فيه من عمل ابن آدم ، إن صحّت نظر في عمله ، وإلا لم ينظر في بقيّة عمله». (٦) و «إنّ أوّل ما يحاسب به العبد الصلاة ، فإن قبلت قبل ما سواها» (٧).

__________________

(١) المدثر : ٤٣ (يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ)

(٢) وفي «ح» زيادة : وادّعاء عدم الدلالة لبعض الوجوه لا وجه له.

(٣) وفي النسخ الغثاء والصحيح ما أثبتناه كما في المصادر.

(٤) الكافي ٣ : ٢٦٦ ح ٩ ، التّهذيب ٢ : ٢٣٨ ، ح ٩٤٢ ، الفقيه ١ : ١٣٦ ح ٦٣٩ ، الوسائل ٣ : ٢١ أبواب أعداد الفرائض ب ٨ ح ٦. وفي المصادر كلّها : مثل الصلاة.

(٥) ما بين القوسين ليس في : «س» ، «م».

(٦) التّهذيب ٢ : ٢٣٧ ح ٩٣٦ ، الوسائل ٣ : ٢٣ أبواب أعداد الفرائض ب ٨. ح ١٣.

(٧) الكافي ٣ : ٢٦٨ ح ٤.

١٤

و (قد يفرّق بين القبول والإجزاء) (١) ، و «إنّ الصلاة إذا ارتفعت في وقتها رجعت إلى صاحبها وهي بيضاء مُشرقة تقول : حفظتني حفظك الله ، وإذا ارتفعت في غير وقتها بغير حدودها رجعت إلى صاحبها وهي سوداء مُظلمة تقول : ضيّعتني ضيّعك الله» (٢). (ثمّ قد يقال ببناء جميع ما فيه على الحقيقة وقد يبنى على التأويل) (٣).

وأنّه بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جالس في المسجد إذ دخل رجل فقام يصلّي فلم يتمّ ركوعه ولا سجوده ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «نقر كنقر الغراب ، لئن مات هذا وهكذا صلاته ليموتنّ على غير ديني» (٤) (وفيه ما يفيد بعض الأحكام الخفيّة) (٥).

وأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال حين موته : «ليس منّي من استخفّ بصلاته» (٦) ، و «أنّ تارك الصّلاة يدعى كافراً» (٧) ، و «أنّ شفاعتهم لا تنال من استخفّ بصلاته» (٨).

والحكم بما تضمّنته من الشرطيّة والخروج عن الملّة الإسلاميّة لا وجه له بالكلّيّة ، وله ضروب من التأويل.

وفي عموميّة وجوبها لواجد المال (٩) وفاقده ، وصحيح المزاج وفاسده ، واستمرار وجوبها في جميع الأوقات ، ولزوم كلّ يوم وليلة خمس صلوات ، وثبوت وقتي

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

(٢) الكافي ٣ : ٢٦٨ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ٢٣٩ ح ٩٤٦.

(٣) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».

(٤) الكافي ٣ : ٢٦٨ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ٢٣٩ ح ٩٤٩ ، الوسائل ٣ : ٢٠ أبواب أعداد الفرائض ب ٨ ح ٢.

(٥) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».

(٦) الكافي ٣ : ٢٦٩ ح ٧ ، الفقيه ١ : ١٣٢ ، الوسائل ٣ : ١٥ أبواب أعداد الفرائض ب ٦ ح ١.

(٧) الكافي ٢ : ٢٧٩ ح ٨ ، الفقيه ١ : ١٣٢ ح ٦١٦ ، الوسائل ٣ : ٢٩ أبواب أعداد الفرائض ب ١١ ح ٤. بتفاوت في اللفظ.

(٨) الكافي ٣ : ٢٧٠ ح ١٥ ، الفقيه ١ : ١٣٣ ح ٦١٨ ، الوسائل ٣ : ١٦ أبواب أعداد الفرائض ب ٦ ح ٣ ، ٦ ، وفي المصدر : شفاعتنا.

(٩) في «ح» : الماء.

١٥

الفضيلة والإجزاء ، والأداء والقضاء ؛ أبين شاهد على أنّها من أهمّ الواجبات ، إلى غير ذلك من الروايات والجهات الّتي لا يمكن حصرها.

١٦

المبحث الرابع

في حكم تاركها

وجوب الفرائض اليوميّة على الاستمرار وأكثر أجزائها وشرائطها ومنافياتها ، وصلاة الجمعة والعيدين في الصدر الأوّل ، والنوافل الراتبة في الجملة كغيرها من الزكاة الواجبة ، والخمس ، والصدقات المندوبة ، والصوم في الجملة ، وخصوص شهر رمضان على التكرار أيضاً ، والحجّ مرّة مع الشروط ، وكذا المحرّمات المعروفة بين المسلمين من ضروريّات الدين.

فمن لم يعمل بها منكراً لها أو ظانّاً لعدمها أو شاكّاً فيها أو ظانّاً (١) ، وهو بين أظهر المسلمين ، وله سمع يسمع به ، وإدراك يدرك به ، ولم يسبق بشبهة (فإنّها قد ترفع الفطريّة أو الكفر بالكليّة أو المعصية الإلهيّة) (٢) فهو مرتدّ فطريّ إن يكن من نطفة مسلم أو مسلمة ، من حلال أو مطلقاً مع كون الكفر عن تقصيرٍ ، لا تقبل توبته إن كان ذكراً معلوم الذكوريّة ، لا أُنثى ولا خنثى مشكلاً ولا ممسوحاً لا ظاهراً ولا باطناً ، لا في الدنيا ولا في الآخرة. فلا تؤثّر توبته في طهارة بدنه ، ولا في صحّة عباداته ، لا ظاهراً ولا باطناً ، وإن كان مؤاخذاً على تركها.

__________________

(١) في «ح» : ظلماً لها وقد يختلف باختلاف الأشخاص.

(٢) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

١٧

واستناد الاستحالة إليه يُخرجه عن التكليف بالمحال ، ويُدخله تحت الاختيار.

ويجري عليه جميع أحكام الكفّار (١) ، ويحكم بقتله ، ويجري عليه حكم الميّت من حينه قُتل أو لم يقتل من وفاء الديون ، وقضاء الوصايا السابقة على الارتداد ، وقسمة المواريث من المال السابق على الارتداد والمتأخّر عنه ، وعدّة النساء.

والأُنثى والخنثى المشكل والممسوح لا قتل عليهم ابتداء ، ولا يحكم عليهم بالموت. بل يؤدّبون بالحبس والتضييق في المطعم والمشرب واللباس والفراش والمسكن ، ويساء معهم السلوك في المخاطبات والمعاشرات ونحوها ، حتّى يتوبوا أو يموتوا في الحبس. فان تابوا قُبلت توبتهم ظاهراً وباطناً في الأُنثى ، وظاهراً فقط فيهما ، وأُخرجوا من الحبس.

وإن عادوا أُعيدوا ، إلى ثلاث مرّات ، فإن عادوا في الرابعة قتلوا. ولا فرق بين الفطريّ منهم والملّي ، والملّي من الذكور وهو الذي يدخل في الإسلام بعد الانعقاد ، ثمّ يرتدّ ، ويستتاب ، فإن تاب قبلت توبته ، وإلا قتل.

ولا تجري عليه أحكام الموتى إلا بعد قتله.

(ويبنى على الملّيّة مع الشكّ في غير بلاد المسلمين ، وفيها في وجه) (٢).

وهكذا الحال في كلّ من أنكر حكماً ضروريّاً من الأحكام الخمسة من وجوب أو حرمة أو ندب أو كراهة أو إباحة.

ومن صدرت منهم كبيرة بفعل حرام أو ترك واجب كترك الصلاة والزكاة والخمس والحجّ مثلاً يؤدّبون بما يراه الحاكم ثلاثاً ، فإن لم يتوبوا قتلوا في الرابعة.

(ويجري الحكم في كلّ من أخلّ بواجب في الصلاة عمداً ركناً أو غيره ولو حرفاً أو حركة أو بشرط أو بفعل مناف ، ومنكر ضروري المذهب يحكم عليه بالخروج من المذهب) (٣).

__________________

(١) في «ح» زيادة : كشفاً لا تعبّداً فيجري في القطع من النظري في حقّ القاطع.

(٢) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

(٣) ما بين القوسين من «ح».

١٨

المبحث الخامس

في بيان وقت مؤاخذة الصبيان بها

(وهم من لم يبلغوا حدّا يحصل به شهوة قابلة للانفصال ، ويترتّب الحبل والإحبال ، على نحو ما يعرض للجذع من الضأن والثنيّ لبعض أقسام الحيوان ، وربما كان الحكم به في الجملة عقلياً ، وهي إمّا في الاداب الشرعيّة أو العرفيّة أو العبادات أو المعاصي ممّا فيه فساد ، حُدّوا عليهم أو على غيرهم أولا) (١).

وقد اختلفت فيه الرواية :

فمنها : بين ستّ سنين وسبع سنين (٢).

ومنها : أنّه إذا عقل الصلاة وجبت عليه ، وفسّر بستّ سنين (٣).

ومنها : أنّه يجب عليه الصوم والصلاة إذا راهق الحلم وعرف الصوم والصلاة (٤).

ومنها : إذا أتى على الصبيّ ستّ سنين وجبت عليه الصلاة ، وإذا أطاق الصوم وجب عليه الصيام (٥).

__________________

(١) ما بين القوسين أثبتناه من «ح».

(٢) التهذيب ٢ : ٣٨١ ح ١٥٩٠ ، الاستبصار ١ : ٤٠٩ ح ١٥٦٣ ، الوسائل ٣ : ١١ أبواب أعداد الفرائض ب ٣ ح ١.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٨١ ح ١٥٨٩ ، الوسائل ٣ : ١٢ أبواب أعداد الفرائض ب ٣ ح ٢.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٨٠ ح ١٥٨٧ ، الاستبصار ١ : ٤٠٨ ح ١٥٥٩ ، الوسائل ٣ : ١٢ أبواب أعداد الفرائض ب ٣ ح ٣.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٨١ ح ١٥٩١ ، الاستبصار ١ : ٤٠٨ ح ١٥٦١ ، الوسائل ٣ : ١٢ أبواب أعداد الفرائض ب ٣ ح ٤.

١٩

ومنها : إنّا نأمر صبياننا إذا كانوا بني خمس سنين ، فمُروا صبيانكم إذا كانوا بني سبع سنين (١).

ومنها : أنّ من بلغ ثماني سنين ، وكان مريضاً يصلّي على قدر ما يقدر (٢).

ومنها : خذوا صبيانكم بالصلاة إذا بلغوا ثماني سنين (٣).

وروينا في غير مقام روايات أُخر ، واختلاف الفقهاء قريب من اختلاف الأخبار.

(والذي نختاره ما أشعر به بعض الأخبار من أنّ التفاوت في قلّة السنين وكثرتها مبنيّ على قلّة المعرفة وكثرتها ، وقوة القابليّة وضعفها ، وهو أولى من أن يؤخذ بالأكثر وينفى الأقلّ بالأصل ، أو الأقلّ ويبنى الأكثر على زيادة الرجحان ، وصدق وصف الصحّة على القول به والتمرين) (٤) ، ويختلف التأديب شدّة وضعفاً باختلاف ذلك وباختلاف الأسباب.

وكشف المسألة : أنّ تأديب الصبيان لا حدّ له فيما يتعلّق بالدماء والأعراض والأموال ، وجميع المضارّ المتعلّقة بهم أو بغيرهم ، ويتبعها الفحش والغيبة والغناء واستعمال الملاهي الباعثة على الفساد ، دون اللعب واللهو.

والتحديد إنّما هو في غير ما يتعلّق بأمر دنياه صلاحاً وفساداً ، بل في خصوص العبادات والاداب. وفي القسم الأوّل على طريق الإيجاب ، وفي الأخير على طريق الاستحباب.

وعلى الجمود تؤخذ الأُنثى بالنسبة إلى بلوغها أو يجري على نحو الذكر ، أو يسقط عنها. والخنثى المشكل والممسوح حينئذٍ بحكم الذكر ، وللتأديب (٥) لحقوق الملك

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٠٩ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٣٨٠ ح ١٥٨٤ ، الوسائل ٣ : ١٢ أبواب أعداد الفرائض ب ٣٢ ح ٥.

(٢) ورد مضمونه في الفقيه ١ : ١٨٢ ح ٨٦٢ ، الوسائل ٣ : ١٣ أبواب أعداد الفرائض ب ٣ ح ٦.

(٣) الخصال : ٦٢٦ ، الوسائل ٣ : ١١ أبواب أعداد الفرائض ب ٣ ح ٨. وفي المصدر : علّموا صبيانكم.

(٤) بدل ما بين القوسين في «س» : والذي نختار ما أشعر به بعض الأخبار من أن التفاوت في قلّة المعرفة وكثرتها وجوه.

(٥) في «ح» زيادة : إلى بلوغها.

٢٠