أحكام المرأة والاُسرة

ام علي مشكور

أحكام المرأة والاُسرة

المؤلف:

ام علي مشكور


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الزهراء الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٠٢

الثالث : الإشهاد ، بمعنى إيقاع الخلع بحضور رجلين عادلين يسمعان الإنشاء.

٣ ـ يشترط في الزوج الخالع جميع ما تقدّم اعتباره في المطلِّق من البلوغ والعقل والقصد ـ أي لم يكن هازلاً ـ والاختيار ـ أي عدم كونه مُجبراً ـ والإشكال المتقدّم في طلاق من بلغ عشر سنين جار في خلعه أيضاً ، فلا يترك مقتضى الاحتياط فيه ـ أي لا يصحّ خلع الزوج زوجته إن كان عمره عشر سنين ـ.

ويشترط في الخالع مضافاً إلى ذلك أن لا يكون كارهاً لزوجته ، وإلاّ لم يقع خلعاً ، بل يكون مباراة إذا كانت هي أيضاً كارهة لزوجها كما مرّ.

٤ ـ يشترط في الزوجة المختلِعة جميع ما تقدّم اعتباره في المطلّقة من كونها زوجة دائمة ، وكونها معيّنة بالاسم أو بالإشارة الرافعة للإبهام ، وكونها طاهرة من الحيض والنفاس ، إلاّ في الموارد المستثناة ، وهي : أن لا يكون مدخولاً بها ، وأن تكون مستبينة الحمل ، وأن يكون المطلّق غائباً ، ولا يعتبر فيها البلوغ ولا العقل ، فيصحّ خلع الصغيرة والمجنونة ، ويتولّى وليّهما بذل الفداء ، أي الشيء الذي يُعطى للزوج في مقابل خلعه وطلاقه للمرأة.

٥ ـ يشترط في المختلِعة ـ مضافاً إلى ما تقدّم ـ أمران آخران :

الأمر الأوّل : بلوغ كراهتها له حدّاً يحملها على تهديده بترك رعاية حقوقه الزوجيّة ، وعدم إقامة حدود الله تعالى فيه.

٦ ـ الكراهة المعتبرة في الخلع أعمّ من أن تكون ذاتيّة ناشئة من خصوصيّات الزوج كقبح منظره وسوء خلقه وفقره وغير ذلك ، وأن تكون عرضيّة من جهة عدم إيفائه بعض حقوقها المستحبّة ، أو قيامه ببعض الأعمال التي تخالف ذوقها كالتزوّج عليها بأُخرى.

٢٤١

وأمّا إذا كان منشأ الكراهة وطلب المفارقة إيذاء الزوج لها بالسبّ والشتم والضرب ونحوها ، فأرادت تخليص نفسها منه فبذلت شيئاً ليطلّقها ، فالظاهر عدم صحّة البذل ، وبطلان الطلاق خلعاً ، بل مطلقاً على الأقرب ، أي لا يقع الطلاق أصلاً بأيّ نحو من أنحائه.

ولو كان منشأ الكراهة عدم وفاء الزوج ببعض حقوقها الواجبة كالقسم ـ أي حقّ المبيت عندها ـ والنفقة ، فهل يصحّ طلاقها خلعاً أم لا ؟ فيه وجهان ، أقربهما الأوّل ، أي يصح الخلع حينئذ.

٧ ـ لو طلّقها بعوض مع عدم كراهتها لم يصحّ الخلع ، ولم يملك الفدية ، ولكن هل يصح الطلاق ؟ فيه إشكال ، والأقرب البطلان ـ أي لا يصحّ الطّلاق ـ إلاّ إذا أوقعه بصيغة الطّلاق أو أتبعه بها ـ أي قال : ( أنتِ مختلعة وأنتِ طالق ) وملك الفدية بسبب مستقلّ قد أخذ الطّلاق شرطاً فيه ، كما إذا صالحته على مال واشترطت عليه أن يطلّقها فإنّه بعقد الصلح المذكور يملك المال وعليه الطلاق ، ولا يكون الطلاق حينئذٍ خلعيّاً بل يكون رجعيّاً في مورده ـ أي في هذا المورد بالخصوص ـ حتى إذا اشترطت عليه عدم الرجوع إلاّ أنّه يحرم عليه مخالفة الشرط ، غير أنّه إذا خالف ورجع صحّ رجوعه ، ويثبت للزوجة الخيار في فسخ عقد الصلح من جهة تخلّف الشرط.

الأمر الثاني : ممّا يعتبر في المختلِعة أن تبذل الفداء لزوجها عوضاً عن الطّلاق ، ويعتبر في الفداء أن يكون مما يصحّ تملّكه ـ أي لا يكون ممّا لا يملك كالكلب والخنزير والخمر ـ أو ما بحكمه كأن تبذل ديناً لها في ذمّته.

وأن يكون ـ أي الفداء ـ متموّلا ـ أي مالاً قابلاً للتملّك ـ عيناً كان أو ديناً أو منفعة

٢٤٢

وإن زاد على المهر المسمّى ـ أي المذكور حين العقد ـ وأن يكون معلوماً ، فلو خالعها على ألف ولم يعيّن ـ أي لم يقل : ألف دينار ، أو ألف تومان مثلاً ـ بطل الخلع ، بل الأحوط لزوماً أن يكون معلوماً على النحو المعتبر في المعاوضات ـ أي في البيع والشراء ـ بأن يكون معلوماً بالكيل في المكيل ، وبالوزن في الموزون ، وبالعدّ في المعدود ، وبالمشاهدة فيما يعتبر بها ـ أي المشاهدة ـ نعم إذا كان المبذول مهرها المسمّى فالظاهر كفاية العلم به على نحو العلم المعتبر في المهر ، فيكفي مشاهدة عين حاضرة وإن جهل كيلها أو وزنها أو عدّها أو ذرعها. ويصحّ جعل الفداء إرضاع ولده ولكن مشروطاً بتعيين المدّة ، واذا جعل كليّاً في ذمّتها ـ كألف دينار ـ يجوز جعله حالاً ومؤجّلا مع ضبط الأجل ـ أي إمّا أن تسلّمه الفداء كلّه وقت الخلع ، أو تجعله في ذمّتها لمدّة معينة.

٨ ـ يعتبر في الفداء أن يكون بذله باختيار الزوجة ، فلا يصحّ مع إكراهها على البذل ، سواء أكان الإكراه من الزوج أم من غيره.

٩ ـ يعتبر في الفداء أن يكون مملوكاً للمختلعة أو ما بحكمه كألف دينار على ذمّتها ، أو منفعة دارها إلى عشر سنوات مثلاً ، ولا يصحّ لو كان مملوكاً للغير ، فلو تبرّع الأجنبي ببذل الفداء لزوجها لم يصحّ طلاقها خلعاً ، نعم لا يبعد صحّة البذل والطّلاق إذا أوقعة بصيغة الطّلاق ـ أي لا بصيغة الخلع ـ أو أتبعه بها ـ أي : يقول : ( أنتِ مختلِعة على كذا فأنتِ طالق ) ـ ويكون رجعيّاً أو بائناً على حسب اختلاف موارده.

وهكذا الحال ـ أي يصحّ الطّلاق والبذل ولا يكون خلعاً ـ فيما إذا أذن الغير لها في الافتداء بماله فبذلته لزوجها ليطلّقها ، أو قام الغير ببذل الفداء له من ماله على وجه مضمون عليها ، كما لو قالت لشخص : ( أبذل لزوجي ألف دينار ليطلّقني ) فبذل

٢٤٣

له ذلك فطلّقها ، فإنّه يصحّ البذل والطّلاق ، ويحقّ للباذل الرجوع به عليها لوقوع البذل منه بطلبها ـ أي يحقّ للباذل بعد ذلك أن يأخذ الفداء منها.

١٠ ـ لو جعلت الفداء مال الغير من دون إذنه ، أو ما لا يملكه المسلم كالخمر مع العلم ـ أي مع علمها بأنّه مال الغير ، أو أنّه ممّا لا يملكه مسلم بذلك بطل البذل فيبطل الخلع بل يبطل مطلقاً حتى الطّلاق ، إلاّ إذا كان بصيغة الطّلاق ، أو أتبعه بها قاصداً ـ في الحقيقة ـ طلاقها من غير عوض فإنّه يصحّ حينئذٍ رجعيّاً أو بائناً على حسب اختلاف الموارد.

ولو جعلت الفداء مال الغير مع الجهل بأنّه مال الغير فالمشهور صحّة الخلع وضمانها للمثل أو القيمة ، وفيه إشكال ، بل لا يبعد بطلانه مطلقاً ، أي يبطل الطلاق والبذل ولا يترتّب عليها أيّ أثر.

وكذا لوجعلت الفداء خمراً بزعم أنّها خلّ ـ أي لا يصحّ الخلع ولا الطّلاق ولا البذل ؛ لأنّ ما وقع لم يقصد ـ ثمّ بان الخلاف إلاّ إذا كان المقصود جعل ذلك المقدار من الخلّ فداء فيصحّ خلعاً.

١١ ـ إذا خالعها على عين معيّنة فتبيّن أنّها معيبة ، فإن رضي بها صحّ الخلع ، وإلاّ ـ أي وإن لم يرض بها ـ ففي صحته إشكال وإن كان لا يخلو من قوة ، والأحوط لهما ـ أي للزوجين ـ المصالحة في الفداء ولو بدفع الأرش ـ أي الغرامة ـ أو تعويضه بالمثل أو القيمة ـ أي لو كان له مثل فيعطى للزوج وإن لم يكن له مثل فتعطى القيمة.

١٢ ـ إذا قال أبوها للزوج : ( طلّقها وأنتَ بريء من صداقها ) ، أي من مهرها وكانت بالغة رشيدة ، فطلّقها لم تبرأ ذمّته من صداقها ، وهل يصحّ طلاقها رجعيّاً أو بائناً على حسب اختلاف الموارد ؟ فيه إشكال ، والأقرب البطلان ـ أي لا يقع الطلاق ـ

٢٤٤

نعم إذا كان عالماً بعدم ولاية أبيها على إبرائه من صداقها فطلّقها بصيغة الطّلاق ـ أي قال : ( أنتِ طالق ) ، أو قال : خلعتك على كذا فأنت طالق ـ أو أتبعه بها قاصداً في الحقيقة طلاقها من غير عوض صحّ كذلك ، أي صح الطلاق.

١٣ ـ الخلع وإن كان قسماً من الطّلاق وهو من الإيقاعات إلاّ أنّه ـ كما عرفت ـ يشبه العقود في الاحتياج إلى طرفين وإنشاءين : بذل شيء من طرف الزوجة ليطلّقها الزوج ، وإنشاء الطّلاق من طرف الزوج بما بذلت ، ويقع ذلك على نحوين :

الأوّل : أن يقدّم البذل من طرفها على أن يطلّقها ، فيطلّقها على ما بذلت.

الثاني : أن يبتدئ الزوج بالطّلاق مصرّحاً بذكر العوض فتقبل الزوجة بعده ، والأحوط أن يكون الترتيب على النحو الأوّل.

١٤ ـ يعتبر في صحّة الخلع الموالاة بين إنشاء البذل والطّلاق ، بمعنى تعقّب أحدهما بالآخر قبل انصراف صاحبه عنه منه ، فلو بذلت المرأة فلم يبادر الزوج إلى إيقاع الطّلاق حتى انصرفت المرأة عن بذلها لم يصح الخلع ، واشترط بعض الفقهاء ـ رضوان الله عليهم ـ الفوريّة العرفيّة بين البذل والطّلاق ، ولكن لا دليل على اعتبارها وإن كانت رعايتها أحوط (١).

١٥ ـ يجوز أن يكون البذل والطّلاق بمباشرة الزوجين أو بتوكيلهما الغير أو بالاختلاف ـ أي توكّل المرأة غيرها في البذل مثلاً ويباشر الزوج الطّلاق بنفسه ـ ويجوز أن يوكّلا شخصاً واحداً ليبذل عنها ويطلّق عنه ، بل الظاهر أنّه يجوز لكلّ منهما أن يوكّل الآخر فيما هو من طرفه ، فيكون أصيلاً فيما يرجع إليه ، ووكيلاً فيما يرجع إلى الطرف الآخر.

__________________

(١) الاحتياط هنا استحبابي.

٢٤٥

١٦ ـ يصح التوكيل في الخلع في جميع ما يتعلّق به من شرط العوض وتعيينه ، وقبضه وإيقاع الطّلاق ، أي يصحّ أن يوكّل غيره في جميع هذه الأُمور ، ومن المرأة في جميع ما يتعلّق بها من استدعاء الطّلاق وتقدير العوض وتسليمه.

١٧ ـ إذا وقع الخلع بمباشرة الزوجين ، فإمّا أن تبدأ الزوجة وتقول : ( بذلتُ لكَ ، أو أعطيتُكَ ما عليك من المهر ، أو الشيء الكذائيّ لتطلِّقني ) ، فيقول الزوج : ( أنتِ طالق ، أو مختلِعة ـ بكسر اللام ـ على ما بذلتِ ، أو على ما أعطيتِ ) وإمّا أن يبتدئ الزوج ـ بعد ما تواطئا ـ أي اتّفقا ـ على الطّلاق بعوض ـ فيقول : ( أنتِ طالق أو مختلِعة بكذا أو على كذا ) فتقول الزوجة : ( قبلتُ أو رضيتُ ).

وإن وقع البذل والطّلاق من وكيلين يقول وكيل الزوجة مخاطباً وكيل الزوج : ( عن قِبَل موكّلتي فلانه بذلتُ لموكِّلِكَ ما عليه من المهر أو المبلغ الكذائيّ ليخلعها أو ليطلِّقَها ) فيقول وكيل الزوج : ( زوجة موكِّلي طالق على ما بذَلَتْ ) أو يقول : ( عن قِبلِ موكّلي خلعتُ موكِّلَتَكَ على ما بَذَلَتْ ).

وإن وقع من وكيل أحدهما مع الآخر ، كوكيل الزوجة مع الزوج ، يقول وكيلها مخاطباً الزوج : ( عن قِبَل موكِّلتي فلانة ، أو زوجَتك بَذلتُ لك ما عليك من المهر ، أو الشيء الكذائيّ على أن تطلّقها ) فيقول الزوج : ( هي أو زوجتي طالق على ما بَذَلَتْ ) ـ اي الزوجة ـ أو يبتدئ الزوج مخاطباً وكيلها : ( موكِّلتكَ أو زوجتي فلانه طالق على كذا ) فيقول وكيلها : ( عن قِبَل موكِّلَتي قبلتُ ذلك ).

وإن وقع ممّن كان وكيلاً عن الطّرفين يقول : ( عن قِبَل موكّلتي فلانة بذلت لموكّلي فلان الشيء الكذائيّ ليطلّقها ) ، ثم يقول : ( زوجة موكّلي طالق على ما بذلتْ ) ، أو يبتدئ من طرف الزوج ويقول : ( زوجة موكّلي طالق على الشيّ

٢٤٦

الكذائيّ ) ، ثمّ يقول من طرف الزوجة : ( عن قِبَل موكّلتي قبلتُ ).

ولو فرض أنّ الزوجة وكّلت الزوج في البذل يقول : ( عن قِبَل موكّلتي زوجتي بذلتْ لنفسي كذا لأطلّقها ) ، ثمّ تقول : ( هي طالق على ما بَذَلَتْ ).

١٨ ـ إذا استدعت الطلاق من زوجها بعوض معلوم فقالت له : ( طلّقني أو اخلعني بكذا ) ، فقال الزوج : ( أنت طالق أو مختلِعة بكذا ) ففي وقوعه إشكال فالأحوط اتباعه بالقبول منها بأن تقول بعد ذلك : ( قبلت ).

١٩ ـ طلاق الخلع بائن لا يقع فيه الرجوع ما لم ترجع المرأة فيما بذلتْ ، ولها الرجوع فيه مادامت في العدّة ، فإذا رجعت كان له الرجوع اليها.

٢٠ ـ الظاهر اشتراط جواز رجوعها في المبذول بإمكان رجوعه بعد رجوعها ، فلو لم يجز له الرجوع بأن كان الخلع طلاقاً بائناً في نفسه ككونه طلاقاً ثالثاً ، أو كانت الزوجة ممّن لا عدّة لها كاليائسة وغير المدخول بها ، أو كان الزوج قد تزوّج بأختها أو برابعة قبل رجوعها بالبذل ، أو نحو ذلك لم يكن لها الرجوع فيما بذلتْ ، وهكذا الحال فيما لو لم يعلم الزوج برجوعها في الفدية حتى فات زمان الرجوع ، كما لو رجعت عند نفسها ولم يطلّع عليه الزوج حتى انقضت العدّة ، فإنّه لا أثر لرجوعها حينئذ.

٢١ ـ لا توارث بين الزوج والمختلِعة لو مات أحدهما في العدّة ، إلاّ إذا رجعت في الفدية فمات أحدهما بعد ذلك قبل انقضائها.

٢٢ ـ المباراة كالخلع في جميع ما تقدّم من الشروط والأحكام ، وتختلف عنه في اُمور ثلاثة :

١ ـ أنّها تترتّب على كراهة كلّ من الزوجين لصاحبه ، بخلاف الخلع فإنّه يترتّب على كراهة الزوجة دون الزوج كما مر.

٢٤٧

٢ ـ أنّه يشترط فيها أن لا يكون الفداء أكثر من مهرها ، بل الأحوط الأولى أن يكون أقلّ منه ، بخلاف الخلع فإنّه فيه على ما تراضيا به ، ساوى المهر أم زاد عليه أم نقص عنه.

٣ ـ أنّه إذا أوقع إنشاءها بلفظ ( بارأتُ ) فالأحوط لزوماً أن يتبعه بصيغة الطّلاق ، فلا يجتزئ بقوله : ( بارأتُ زوجتي على كذا ) حتى يتبعه بقوله ( فأنت طالق ، أو هي طالق ) ، بخلاف الخلع إذ يجوز أن يوقعه بلفظ الخلع مجرّداً ، أي بدون أن يذكر لفظ الطّلاق.

ويجوز في المباراة ـ كالخلع ـ إيقاعها بلفظ الطّلاق مجرّداً بأن يقول الزوج ـ بعد ما بذلت له شيئاً ليطلّقها : ( أنت طالق على ما بذلت ).

٢٣ ـ طلاق المباراة بائن كالخلع لا يجوز الرجوع فيه للزوج ما لم ترجع الزوجة في الفدية قبل انتهاء العدّة ، فإذا رجعت فيها في العدّة جاز له الرجوع إليها على نحو ما تقدّم في الخلع.

الظّهار

الظّهار لغة : هو قول الزوج لزوجته : ( أنت عليّ كظهر أُمّي ) (١) ( أو أنت عليّ كظهر ذات رحم ) والظّهار كان في الجاهلية طلاقاً ، فلمّا جاء الإسلام نهى عنه وأوجب على مرتكبه الكفّارة.

وأصله مأخوذ من الظّهر ، وأخذ من الظهر لأنّه موضع الركوب ، واُقيم الظّهر هنا مقام الرّكوب لأنّه مركوب ، وأقام الرّكوب مقام النّكاح لأن الناكح راكب ، وهو من

__________________

(١) الصحاح ٢ : ٧٣٢ ، « ظهر ».

٢٤٨

لطيف الاستعارات للكناية.

وقيل : إنّ إتيان المرأة وظهرها إلى السماء كان حراماً عندهم في الجّاهلية ، وكان أهل المدينة يقولون : إذا أتيت المرأة ووجهها إلى الأرض جاء الولد أحول ، فلقصد الرجل ـ المطلِّق ـ منهم التغليظ في تحريم امراته عليه شبّهها بالظّهر ، ثمّ لم يقنع بذلك حتى جعلها كظهر أمّه ، وكان الرجل عندهم إذا ظاهر المرأة تركها وتجنّبها ، لذا تضمّن الظّهار معنى التباعد (١).

١ ـ الظّهار حرام ، وموجب لتحريم الزوجة المظاهَر منها ، ولزوم الكفّارة بالعود إلى مقاربتها كما سيأتي تفصيله.

٢ ـ صيغة الظّهار أن يقول الزوج مخاطباً للزوجة : ( أنت عليّ كظهر اُمّي ) ، أو يقول بدل أنت : ( هذه ) مشيراً إليها ، أو ( زوجتي ) ، أو ( فلانة ). ويجوز تبديل ( عليّ ) بقوله : ( منّي ) ، أو ( عندي ) ، أو ( لديّ ) ، بل الظّاهر عدم اعتبار ذكر لفظة ( عليّ ) وأشباهها أصلاً ، بأن يقول : ( أنت كظهر اُمّي ).

٣ ـ لو شبّه زوجته بجزء آخر من أجزاء الاُمّ ـ كرأسها أو يدها أو بطنها ـ قاصداً به تحريمها على نفسه ، ففي وقوع الظّهار به قولان ، أظهرهما عدم الوقوع وإن كان الاحتياط (٢) في محلّه.

٤ ـ لو شبّهها باُمّه جملة بأن قال : ( أنت كأُمّي ) ، أو ( أنت اُمّي ) قاصداً به التّحريم لا علو المنزلة والتعظيم ، أو كبر السنّ وغير ذلك ، فالأظهر عدم وقوع الظّهار به وإن كان الأحوط استحباباً خلافه.

٥ ـ لو شبّهها بإحدى المحارم النسبيّة غير الاُمّ كالبنت والاُخت والعمّة والخالة

__________________

(١) لسان العرب : ٨ : ٢٨٠ « ظهر ».

(٢) الاحتياط هنا استحبابي.

٢٤٩

فقال : ( أنت عليّ كظهر اُختي ) فالأقرب وقوع الظهار به ، وفي إلحاق المحرّمات بالرّضاع وبالمصاهرة بالمحرّمات النسبيّة في ذلك إشكال ، فلا تترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه ، أي لو قال للزوجة : ( أنت عليّ كأختي من الرّضاعة ، أو كخالتي ، أو كأختك ) مثلاً فالأحوط وجوباً أن يعتبر هذا الظّهار ، ولو قال لها : ( أنت عليّ حرام ) من غير أن يشبّهها ببعض محارمه لم تحرم عليه ولم يترتّب عليه أثر أصلاً.

٦ ـ الظّهار الموجب للتحريم ماكان من طرف الرجل ، فلو قالت المرأة لزوجها : ( أنت عليّ كظهر أبي أو أخي ) لم يؤثّر شيئاً.

٧ ـ يعتبر في الظّهار وقوعه بحضور عدلين يسمعان قول المظاهر كالطّلاق ، ويعتبر في المظاهِر ـ أي في الزوج الذي يظاهر زوجته ـ البلوغ والعقل والاختيار ـ أي لا يكون الزوج مجبراً ـ والقصد ـ أي لا يكون هازلاً ـ وعدم الغضب ، وأن لا يكن ـ أي الغضب ـ سالباً للقصد والاختيار على الأقوى.

ويعتبر في المظاهَر منها ـ وهي الزوجة ـ خلوّها عن الحيض والنفاس ، وكونها في طهر لم يواقعها فيه على التفصيل المتقدّم في المطلّقة ، وكونها مدخولاً بها على الأصحّ ، وهل يعتبر كونها زوجة دائميّة فلا يقع الظّهار على المتمتع بها ؟ فيه إشكال ، فالاحتياط لا يترك ، أي أنّ الأحوط وجوباً وقوع الظّهار حتى على الزوجة المؤقّتة.

٨ ـ لا يقع الظّهار إذا قصد به الإضرار بالزوجة ، كما لا يقع في يمين بأن كان غرضه زجر نفسه عن فعل كما لو قال : ( إن كلّمتك فأنت عليّ كظهر اُمّي ) ، أو بعث نفسه على فعل كما لو قال : ( إن تركتُ الصلاة فأنتِ عليّ كظهر اُمّي ).

٩ ـ يقع الظّهار على نحوين : مطلق ، ومعلّق. والأوّل ما لم يكن منوطاً بوجود

٢٥٠

شيء (١) بخلاف الثاني ، ويصحّ التعليق على الوطء كان يقول : ( أنت عليّ كظهر اُمّي إن قاربتُكِ ) ، كما يصحّ التعليق على غيره حتى الزمان على الأقوى كأن يقول : ( أنت عليّ كظهر اُمّي إن جاء يوم الجمعة ) ، نعم لا يصحّ التعليق على الإتيان بفعل بقصد زجر نفسه عنه ، أو على ترك فعل بقصد بعثها نحوه كما مرّ آنفاً.

١٠ ـ لو قيّد الظّهار بمدّة كشهر أو سنة ففي صحّته إشكال ، والأقرب البطلان ، أي لا اعتبار لهذا الظّهار.

١١ ـ إذا تحقّق الظهار بشرائطه ، فإن كان مطلقاً حرم على المظاهِر وطء المظاهَر منها ، ولا يحلّ له حتى يكفِّر ، فاذا كفّر حلّ له وطؤها ، ولا تلزمه كفارة أُخرى بعد الوطء ، ولو وطئها قبل أن يكفّر لزمته كفّارتان : إحداهما للوطء ، والاُخرى لإرادة العود إليه ـ أي للوطء ـ والأظهر عدم حرمة سائر الاستمتاعات عليه قبل التكفير ، وأمّا إذا كان ـ أي الظّهار ـ معلّقاً فيحرم عليه الوطء بعد حصول المعلَّق عليه ، فلو علّقه على نفس الوطء ، كما لو قال : ( إذا وطأتك فأنت عليّ كظهر أمّي ) لم يحرم الوطء المعلَّق عليه ولا تجب به الكفّارة.

١٢ ـ تتكرّر الكفّارة بتكرّر الوطء قبل التكفير ، كما أنّها تتكرّر بتكرّر الظّهار مع تعدّد المجلس ـ أي إذا كان الظّهار في أوقات مختلفة ـ وأمّا مع اتحاده ففيه إشكال ، فلا يترك الاحتياط ـ أي تتكرّر الكفّارة على الأحوط وجوباً لو تعدّد الظّهار في مجلس واحد.

١٣ ـ كفّارة الظّهار عتق رقبة ، وإذا عجز عنه فصيام شهرين متتابعين ، وإذا عجز عنه فإطعام ستّين مسكيناً.

__________________

(١) أي غيره مشروط بشيء مّا.

٢٥١

١٤ ـ إذا عجز عن الاُمور الثلاثة صام ثمانية عشر يوماً ، وإن عجز عنه لم يجزئه الاستغفار على الأحوط لزوماً.

١٥ ـ إذا ظاهر من زوجته ثمّ طلّقها رجعيّاً لم يحلّ له وطؤها حتى يكفّر ، بخلاف ما إذا تزوّجها بعد انقضاء عدّتها ، أو كان الطّلاق بائناً وتزوّجها في العدّة ، فإنّه يسقط حكم الظّهار ويجوز له وطؤها بلا تكفير ، ولو ارتدّ أحدهما ، فإن كان قبل الدخول ، أو كانت المرأة يائسة أو صغيرة ، أو كان المرتدّ هو الرجل عن فطرة ثمّ تاب المرتدّ وتزوّجها سقط حكم الظّهار ، وجاز له وطؤها بلا تكفير ، وأمّا لو كان الارتداد بعد الدخول ولم تكن المرأة يائسة ولا صغيرة وكان المرتدّ هو الرجل عن ملّة أو هي ـ أي المرأة ـ مطلقاً فحكمه حكم الطّلاق الرجعي ، فإن تاب المرتدّ ـ أي الملّي الذي أسلم ثمّ ارتدّ ولم يكن أبواه أو أحدهما مسلماً ـ في العدّة لم يجز له أن يطأها حتى يكفّر ، وإن انقضت عدّتها ثم تزوّجها جاز له وطؤها من دون كفّارة ، ولو ظاهر من زوجته ثمّ مات أحدهما لم تثبت الكفّارة.

١٦ ـ إذا صبرت المظاهَر منها على ترك وطئها فلا اعتراض ، وإن لم تصبر رفعت أمرها إلى الحاكم ، فيحضره ويخيّره بين الرجعة بعد التكفير وبين طلاقها ، فإن اختار أحدهما ، وإلاّ أنظره ثلاثة أشهر من حين المرافعة ، فإن انقضت المدّة ولم يختر أحد الأمرين حبسه وضيّق عليه في المطعم والمشرب حتى يختار أحدهما ، ولا يجبره على خصوص أحدهما ، وإن امتنع عن كليهما طلّقها الحاكم على الأقوى.

الإيلاء

قال تعالى مشيراً إلى هذا المفهوم ( لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ

٢٥٢

أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وإِنْ عَزَمُوا الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ ) (١).

والإيلاء لغة : عبارة عن اليمين مطلقاً ، وأمّا في اصطلاح الفقهاء : فهو حلف الزوج أن لا يطأ زوجته أربعة أشهر فأكثر ، وشرائط اُخرى لا يتحقّق الإيلاء بدونها ، فإذا حلف الزوج قيل للمرأة : « آلية » ، وللجمع « أوال ».

ولم يشرّع الإيلاء ـ مع ما فيه من حرمان للمرأة عن حقّها الطبيعي إلاّ لتأديبها ، وإلزامها على ترك معصية الزوج كي تعود الحياة الزوجيّة إلى الوئام والاستقرار.

١ ـ الإيلاء : هو الحلف على ترك وطء الزوجة الدائمة قُبلاً ، إمّا أبداً أو مدّة تزيد على أربعة أشهر لغرض الإضرار بها ، فلا يتحقّق الإيلاء بالحلف على ترك وطء المتمتع بها ، ولا بالحلف على ترك وطء الدائمة مدّة لا تزيد على أربعة أشهر ، ولا فيما إذا كان لدفع ضرر الوطء عن نفسه أو عنها ، أو لنحو ذلك ، أي لو حلف أن لا يطئها لأنّها مريضة ، أو لوجود مانع ، فلا يدخل ذلك في بحث الإيلاء ، كما يعتبر فيه أيضاً أن تكون الزوجة مدخولاً بها ولو دبراً فلا يتحقّق بالحلف على ترك وطء غير المدخول بها ، نعم تنعقد اليمين في جميع ذلك وتترتب عليها مع اجتماع شروطه ، أي شروط اليمين.

٢ ـ يعتبر في المؤلي ـ أي الزوج الحالف على أن لا يقارب زوجته أكثر من أربعة أشهر لغرض إيصال الضرر اليها ـ أن يكون بالغاً عاقلاً مختاراً ـ أي غير مجبر ـ قاصداً ـ أي لا هازلاً ولا حالفاً في حال نومه ، فلا يقع الإيلاء من الصغير والمجنون والمكره والهازل والسكران ، ومن اشتدّ به الغضب حتى سلبه قصده أو اختياره.

وهل يعتبر أن يكون قادراً على الإيلاج فلا يقع من العنّيين والمجبوب ؟ فيه

__________________

(١) البقرة ٢ : ٢٢٦.

٢٥٣

وجهان أقربهما الأوّل ـ أي لا يصدق الإيلاء على الزوج الغير قادر على مقاربة زوجته كالعنّيين وهو من فيه مرض مانع من انتشار العضو بحيث لا يقدر معه على الايلاج.

والمجبوب هو مقطوع العضو التناسلي بحيث لم يبق منه ما يمكنه الوطء به.

٣ ـ لا ينعقد الإيلاء ـ كمطلق اليمين ـ أي كما لا ينعقد مطلق اليمين ـ إلاّ باسم الله تعالى المختص به ، أو ما ينصرف إطلاقه إليه ـ أي لله تعالى كما لو قال : باسم الرّحمن ، أو باسم الرحيم ، وكذلك صفاته عزّ وجلّ الاُخرى المشتركة بينه وبين غيره ولو في مقام الحلف ، ولا يعتبر فيه العربية ، ولا اللّفظ الصريح في كون المحلوف عليه ترك الجماع قُبلاً ، بل المعتبر صدق كونه حالفاً على ترك ذلك العمل بلفظ ظاهر فيه ، فيكفي قوله : ( لا أطأُكِ ) ، أو ( لا اُجامِعُك ) ، أو ( لا أمسُّكِ ) ، بل وقوله : ( لا جمع رأسي ورأسك وسادة أو مخدّة ) إذا قصد به ترك الجماع.

٤ ـ إذا تمّ الإيلاء بشرائط ، فإن صبرت المرأة مع امتناعه ـ أي امتناع الزوج ـ عن المواقعة فهو ـ أي يجري عليها حكم الإيلاء ـ وإلاّ فلها أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي فينظره ـ أي ينتظره ـ الحاكم أربعة أشهر ، فإن رجع وواقعها في هذه المدّة فهو ـ أي فهو زوجها دون أيّ مانع شرعي ـ وإلاّ ـ أي وإن لم يرجع ـ ألزمه بأحد الأمرين إمّا الرجوع أو الطّلاق ، فإن فعل أحدهما وإلاّ حبسه وضيّق عليه في المطعم والمشرب حتى يختار أحدهما ، ولا يجبره على أحدهما معيّناً ، وإن امتنع عن كليهما ـ أي عن الرجوع والطّلاق ـ طلّقها الحاكم ، ولو طلّق وقع الطّلاق رجعيّاً أو بائناً على حسب اختلاف موارده.

٥ ـ إذا عجز المؤلي عن الوطء كان رجوعه بإظهار العزم على الوطء على تقدير القدرة عليه ، أي لو كان قادراً عليه.

٢٥٤

٦ ـ المشهور بين الفقهاء رضوان الله عليهم أنّ الأشهر الأربعة ـ التي ينظر فيها المؤلي ثم يجبر على أحد الأمرين بعدها ـ تبدأ من حين الترافع إلى الحاكم ، وقيل : من حين الإيلاء ، فعلى هذا لو لم ترافع حتى انقضت المدّة ألزمه الحاكم بأحد الأمرين من دون إمهال وانتظار مدّة ، وهذا القول لا يخلو من قوّة ، ولكن مع ذلك لا تترك مراعاة مقتضى الاحتياط في ذلك ، أي الأحوط وجوباً أن ينتظره الحاكم الشرعي ويمهله مدّة ويكون مبدأ حسابها وقت الترافع لا حين الإيلاء.

٧ ـ إذا اختلفا في الرجوع والوطء فادّعاهما المؤلي ـ أي الزوج ـ وأنكرت هي فالقول قوله بيمينه ، أي يؤخذ بقول الزوج لو حلف.

٨ ـ يزول حكم الإيلاء بالطّلاق البائن وإن عقد عليها في العدّة ، بخلاف الطّلاق الرجعي فإنّه وإن خرج به ـ أي بالطّلاق ـ من حقّها فليست لها المطالبة والترافع إلى الحاكم ، لكن لا يزول حكم الإيلاء إلاّ بانقضاء عدّتها ، فلو راجعها في العدّة عاد إلى الحكم الأوّل ـ أي إلى الإيلاء ـ فلها المطالبة بحقّها والمرافعة إلى الحاكم.

٩ ـ متى وطأَها الزوج بعد الإيلاء لزمته الكفّارة ، سواء أكان ـ يعني الوطء ـ في مدّة التربّص ـ أي الانتظار ـ أو بعدها أو قبلها لو جعلناها من حين المرافعة ؛ لأنّه قد حنث اليمين ـ أي خالفها ـ على كلّ حال وإن جاز له هذا الحنث بل وجب ـ أي الحنث ـ بعد انقضاء المدّة ومطالبتها وأمر الحاكم به تخييراً بينه وبين الطّلاق ، وبهذا تمتاز هذه اليمين عن سائر الأيمان ، كما أنّها تمتاز عن غيرها بأنّه لا يعتبر فيها ما يعتبر في غيرها من كون متعلّقها ـ أي الشيء الذي يعلّق عليه هذا اليمين ـ راجحاً شرعاً ـ أي لا يشترط أن يكون ما علّق عليه اليمين محلّلا وجائزاً شرعاً ـ أو كونه غير مرجوح شرعاً مع رجحانه بحسب الأغراض الدنيوية العقلائية.

٢٥٥

١٠ ـ إذا آلى من زوجته مدّة معيّنة فدافع عن الرجوع والطّلاق إلى أن انقضت المدّة لم تجب عليه الكفّارة ، ولو وطئها قبله ـ يعني قبل انقضاء المدّة ـ لزمته الكفّارة.

١١ ـ لا تتكرّر الكفّارة بتكرّر اليمين إذا كان الزمان المحلوف على ترك الوطء فيه واحداً.

اللّعان

١ ـ الّلعان : مباهلة خاصّة بين الزوجين أثرها دفع حدّ أو نفي ولد ، ويثبت في موردين :

المورد الأوّل : فيما إذا رمى الزوج زوجته بالزّنى.

٢ ـ لا يجوز للرجل قذف زوجته بالزّنى مع الرّيبة ـ أي مع الشكّ في أنّها زنت أو لا ، وهو درجة خمسين بالمائة ـ ولا مع غلبة الظنّ ـ أي بدرجة ثمانين بالمائة ـ لبعض الأسباب المريبة ، بل ولا بالشّياع ـ أي لكونه شائعاً ـ ولا بإخبار شخص ثقة ، نعم يجوز مع اليقين ولكن لا يُصدّق إذا لم تعترف به الزوجة ، ولم يكن له بيّنه ، بل يحدَّ ـ أي يقام على الزوج حدّ القذف مع مطالبتها ـ أي بالحدّ ـ إلاّ إذا أوقع اللّعان الجامع للشروط الآتية فيدرأ عنه الحدّ.

٣ ـ يشترط في ثبوت اللّعان بالقذف أن يدّعي المشاهدة ، فلا لعان فيمن لم يدّعها ، ومن لم يتمكّن منها كالأعمى ، فيحدّان مع عدم البيّنة ، كما يشترط في ثبوته ـ أي اللعان ـ أن لا تكون له بيّنة على دعواه ـ أي على ادّعائه بأنّها زنت ـ فإن كانت له بيّنه تعيّن إقامتها لنفي الحدّ ولا لعان ، أي لا يثبت اللعان.

٤ ـ يشترط في ثبوت اللّعان في القذف أن يكون القاذف بالغاً عاقلاً ، وأن تكون المقذوفة بالغة عاقلة سالمة عن الصمم والخرس ، كما يشترط فيها أن تكون زوجة

٢٥٦

دائمة ، فلا لعان في قذف الأجنبيّة ـ أي غير الزوجة ـ بل يحدّ القاذف مع عدم البيّنة ، وكذا في المتمتع بها على الأقوى ـ أي يقام الحدّ على الزوج الذي قذف زوجته المؤقّتة ـ ويشترط فيها أيضاً أن تكون مدخولاً بها ، فلا لعان فيمن لم يدخل بها ، وأن تكون غير مشهورة بالزنى وإلاّ فلا لعان ، بل ولا حدّ على الزوج القاذف حتى يدفع باللّعان ، نعم عليه التعزير في غير المتجاهرة بالزّنى إذا لم يدفعه عن نفسه بالبيّنة.

المورد الثاني : فيما إذا نفى ولديّة من ولد على فراشه ـ أي أنكر أنّ هذا المولود من صلبه ـ مع لحوقه به ظاهراً كما سيتوضّح.

٥ ـ لا يجوز للزوج أن يُنكر ولديّة من تولّد على فراشه مع لحوقه به ظاهراً بأن دخل ـ أي الزوج ـ بأُمّه ـ أي اُمّ المولود ـ وأنزل في فرجها ولو احتمالاً ، أو أنزل على فرجها واحتمل دخول مائه فيه بجذب أو نحوه ، وكان قد مضى على ذلك إلى زمان وضعه ستة أشهر فصاعداً ولم يتجاوز أقصى مدّة الحمل ، فإنّه لا يجوز له في هذه الحالة نفي الولد عن نفسه ، وإن كان قد فجر أحدٌ بأمّه فضلاً عمّا إذا اتّهمها بالفجور ، بل يجب عليه الإقرار بولديّته ، أي يجب عليه أن يعترف ويقرّ بأنّ هذا الولد له.

نعم ، يجوز له أن ينفيه ـ ولو باللّعان ـ مع علمه بعدم تكوّنه من مائه من جهة علمه باختلال شروطه الالتحاق به ، بل يجب عليه نفيه إذا كان يلحق به بحسب ظاهر الشرع ـ أي انّه من اُمّه التي دخل بها أو أنّه أقرّ ذلك ثمّ نفاه لولا نفيه ـ أي لولا أنّ الزوج نفاه عنه ولم يعتبره ولداً له لوجب الالتزام بظاهر الشرع الذي يثبت أنّه ولده حقّاً ، مع كونه في معرض ترتّب أحكام الولد عليه من الميراث والنّكاح والنظر إلى محارمه وغير ذلك.

٦ ـ إذا نفى ولديّة من ولد على فراشه ، فإن علم أنّه ـ أي الوالد ـ قد أتى بما

٢٥٧

يوجب لحوقه به بسببه في ظاهر الشرع أو أقرّ هو ـ أي الزوج ـ بذلك ومع ذلك نفاه لم يسمع منه هذا النفي ولا ينتفي ـ أي الولد ـ منه لا باللّعان ولا بغيره.

وأمّا لو لم يعلم ذلك ولم يقرّبه ـ أي الزوج ـ وقد نفاه إمّا مجرّداً عن ذكر السبب بأن قال : ( هذا ليس ولدي ) وإما مع ذكر السبب بأن قال : ( إنّي لم اُباشر اُمّه منذ ما يزيد على عام قبل ولادته ) فحينئذٍ وإن لم ينتف عنه بمجرّد نفيه لكن ينتفي عنه باللّعان.

٧ ـ إنما يشرّع اللّعان لنفي الولد فيما إذا كان الزوج عاقلاً والمرأة عاقلة ، وفي اعتبار سلامتها من الصمم والخرس إشكال وإن كان الاعتبار أظهر.

ويعتبر أيضاً أن تكون ـ أي الأُمّ ـ منكوحة بالعقد الدائم ، وأمّا ولد المتمتع بها فينتفي بنفيه من دون لعان ، وإن لم يجز له نفيه مع عدم علمه بالانتفاء ولو عُلم أنّه أتى بما يوجب اللّحوق به في ظاهر الشرع ـ كالدخول باُمّه مع احتمال الإنزال أو أقرّ بذلك ومع ذلك نفاه لم ينتف عنه بنفيه ولم يسمع منه ذلك كما هو كذلك في الدّائمة.

٨ ـ يعتبر في اللّعان لنفي الولد أن تكون المرأة مدخولاً بها ، فلا لعان مع عدم الدخول ، نعم إذا ادّعت المرأة المطلّقة الحمل منه فأنكر الدخول فأقامت بيّنة على إرخاء الستر فالأقرب ثبوت اللّعان.

٩ ـ لا فرق في مشروعيّة اللّعان لنفي الولد بين كونه حملاً ـ أي قبل الولادة وحال كونه جنيناً في بطن اُمّه ـ أو منفصلاً أي مولوداً.

١٠ ـ من المعلوم أنّ انتفاء الولد عن الزوج لا يلازم كونه ولد زنى لاحتمال كونه عن وطء شبهة أو غيره ، فلو علم الرجل بعدم التحاق الولد به ـ وإن جاز بل وجب عليه نفيه عن نفسه على ما سبق ـ لكن لا يجوز له أن يرمي أمّه بالزنى وينسب ولدها

٢٥٨

إلى الزّنى ما لم يتيقّن ذلك.

١١ ـ إذا أقرّ بالولد لم يسمع إنكاره له بعد ذلك ـ أي بعد نفيه عنه ـ سواء أكان إقراره بالصريح أو بالكناية مثل أنّ يبشّر به ويقال له : ( بارك الله لك في مولودك ) فيقول : ( آمين ) أو ( إن شاء الله تعالى ) بل قيل : إنّه إذا كان الزوج حاضراً وقت الولادة ولم ينكر الولد مع انتفاء العذر لم يكن له إنكاره بعد ذلك ، ولكنّه محلّ إشكال بل منع.

١٢ ـ لا يقع اللّعان إلاّ عند الحاكم الشرعي ، وفي وقوعه عند المنصوب من قبله لذلك إشكال ـ أي لا تقع عند من نصّبه الحاكم للّعان ـ وصورة اللّعان أن يبدأ الرجل ويقول بعد قذفها أو نفي ولدها : ( أشهد بالله إنّي لمن الصّادقين فيما قلت من قذفها أو نفي ولدها ) يقول ذلك أربع مرّات ، ثم يقول مرّة واحدة : ( لعنة الله عليّ إن كنت من الكاذبين ) ثم تقول المرأة بعد ذلك أربع مرات : ( أشهد بالله إنّه لمن الكاذبين في مقالته من الرّمي بالزّنا أو نفي الولد ) ، ثمّ تقول مرّة واحدة : ( إنّ غضبَ اللهِ عليَّ إن كان من الصّادقين ) ، وقد مرّت هذه المعاني في صريح القرآن الكريم (١).

١٣ ـ يجب أن تكون الشهادة واللّعن بالألفاظ المذكورة ، فلو قال أو قالت : ( أحلف ) أو ( أُقسم ) أو ( شهدتُ ) أو ( أنا شاهد ) أو أبدلا لفظ الجلالة ب‍ ( الرحمن ) أو ب‍ ( خالق البشر ) أو ب‍ ( صانع الموجودات ) ، أو قال الرجل : ( إنّي صادق ) أو ( لصادق ) أو ( من الصّادقين ) من غير ذكر الّلام ، أو قالت المرأة : ( إنّه لكذّاب ) أو ( كاذب ) أو ( من الكاذبين ) لم يقع ، وكذا لو أبدل الرجل اللّعنة بالغضب والمرأة بالعكس ـ أي لو قال : ( غضب اللهِ عليّ إن كنت من الكاذبين ).

__________________

(١) انظر سورة النور ٢٤ : ٦ ـ ٩.

٢٥٩

١٤ ـ يجب أن تكون المرأة معيّنة ، وأن يبدأ الرجل بشهادته ، وأن تكون البدأة في الرجل بالشّهادة ثمّ باللّعن ، وفي المرأة بالشّهادة ثم بالغضب.

١٥ ـ يجب أن يكون إتيان كلّ منهما باللّعان بعد طلب الحاكم منه ذلك ، فلو بادر قبل أن يأمر الحاكم به لم يقع.

١٦ ـ الأحوط ـ لزوماً ـ أن يكون النّطق بالعربيّة مع القدرة عليها ، ويجوز بغيرها مع التعذّر.

١٧ ـ يجب أن يكونا قائمين ، أي لا جالسين ولا مضطجعين أو أي هيئة اُخرى غير القيام عند التلفّظ بألفاظهما الخمسة ، وهل يعتبر أن يكونا قائمين معاً عند تلفّظ كلّ منهما ، أو يكفي قيام كلّ منهما عند تلفّظه بما يخصّه ؟ وجهان ، ولا تترك مراعاة الاحتياط ، أي بالقيام معاً عند أداء اللعان وألفاظه المختصّة به ، سواء كان المتكلّم فعلاً هو الرجل أم المرأة.

١٨ ـ يستحب أن يجلس الحاكم مستدبر القبلة ويقف الرجل على يمينه ، وتقف المرأة على يساره ، ويحضر من يستمع اللّعان ، ويعظهما ـ أي الزوّجين ـ الحاكم قبل اللّعن والغضب.

١٩ ـ إذا وقع اللّعان الجامع للشرائط منهما يترتّب عليه أحكام أربعة :

١ ـ انفساخ عقد النكاح والفرقة بينهما ، أي مباشرة بعد تحقق اللّعان بلا طلاق.

٢ ـ الحرمة الأبديّة ، فلا تحلّ له أبداً ولو بعقد جديد ، وهذان الحكمان ثابتان في مطلق اللّعان ، سواء أكان للقذف أم لنفي الولد.

٣ ـ سقوط حدّ القذف عن الزوج بلعانه وسقوط حدّ الزناء عن الزوجة بلعانها ،

٢٦٠