أحكام المرأة والاُسرة

ام علي مشكور

أحكام المرأة والاُسرة

المؤلف:

ام علي مشكور


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الزهراء الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٠٢

القسم الرابع : المطلّقة الحامل ، وعدّتها مدّة حملها وإن كان حملها بإراقة ماء زوجها في فرجها من دون دخول ، وتنقضي عدّتها بأن تضع حملها ولو بعد الطلاق بساعة.

١٠ ـ الحمل الذي يكون وضعه منتهى عدّة الحامل ، شامل لما كان سقطاً تامّاً وغير تامّ حتى لو كان مضغة أو علقة.

١١ ـ إذا كانت المطلّقة حاملاً باثنين أو أزيد لم تخرج من العدّة بوضع أحدهما ، بل لا بدّ من وضع الجميع.

١٢ ـ لا بدّ من العلم بوضع الحمل أو الاطمئنان به ، فلا يكفي الظنّ ـ وهو ماكان بدرجة ٨٠% به فضلاً عن الشكّ ، نعم يكفي قيام الحجّة ـ أي الدليل ـ على ذلك كالبيّنة ـ أي شهادة عدلين ـ وإن لم تفد الظنّ.

١٣ ـ إنّما تنقضي العدّة بالوضع إذا كان الحمل ملحقاً بمن له العدّة ـ فلا عبرة بوضع من لم يلحق به في انقضاء عدّته ، فلو كانت حاملاً من الزنا قبل الطلاق ـ أي الطلاق الذي انفصلت به عن زوجها الشرعي لا الزاني بها ـ أو بعده لم تخرج من العدّة بالوضع ، بل يكون انقضاؤها بالإقراء والشهور كغير الحامل ، فوضع هذا الحمل لا أثر له أصلاً لا بالنسبة إلى الزاني لأنّه لا عدّة له ـ كما سيأتي ـ ولا بالنسبة إلى المطلِّق لأن الولد ليس له.

نعم ، إذا حملت من وطء الشبهة قبل الطلاق أو بعده بحيث يلحق الولد بالواطئ لا بالزوج ، فوضعه موجب لانقضاء العدّة بالنسبة إلى الواطئ ، لا بالنسبة إلى الزوج المطلِّق.

١٤ ـ لو وُطئت شبهةً ـ أي وطأها غير الزوج اشتباهاً ـ فحملت واُلحق الولد

٢٢١

بالواطئ ـ لبُعد الزوج عنها ، أو لغير ذلك ـ ثمّ طلّقها الزوج ، أو طلّقها ثمّ وطئت شبهة على نحو اُلحق الولد بالواطئ ، فعليها الاعتداد منهما جميعاً ، فتعتدّ أوّلاً لوطء الشبهة وتنقضي بالوضع ـ أي وضع الحمل ـ وتعتدّ بعده للطلاق ويكون مبدؤها بعد انقضاء نفاسها.

١٥ ـ إذا ادّعت المطلَّقة الحامل أنها وضعت فانقضت عدّتها وأنكر الزوج ، أو انعكس فادّعى الوضع وأنكرت هي ، أو ادّعت الحمل وأنكر ، أو ادّعت الحمل والوضع معاً وأنكرهما ، يقدّم قولها بيمينها في جميع ذلك من حيث بقاء العدّة وانقضائها ، لا من حيث سائر آثار الحمل ، ويشترط في تقديم قولها أن لا تكون متّهمة في دعواها ، وإلاّ لم تقبل إلاّ بالبيّنة.

١٦ ـ إذا اتفق الزوجان على إيقاع الطلاق ووضع الحمل ، واختلفا في المتقدّم والمتأخّر منهما ، فقال الزوج مثلاً : ( وضعتِ بعد الطلاق فانقضت عدتك ) ، وقالت الزوجة : ( وضعتُ قبل الطلاق فأنا بعدُ في العدّة ) ، أو انعكس فقال الزوج : ( وضعتِ قبل الطلاق فأنت بعدُ في العدّة ) وأراد الرجوع إليها ، وادّعت الزوجة خلافة ، فالظاهر أنّه يقدّم قولها بيمينها في بقاء العدّة وانقضائها ما لم تكن متّهمة ، بلا فرق في ذلك بين ما لم يتفقا على زمان أحدهما وما اتفقا عليه.

١٧ ـ مبدأ عدّة الطلاق من حين وقوعه ، حاضراً كان الزوج أو غائباً ، بلغ الزوجة الخبر أم لا ، فلو طلّقها غائباً ولم يبلغها إلاّ بعد مضيّ مدّة بمقدار العدّة ، فقد انقضت عدّتها وليس عليها عدّة بعد بلوغ الخبر إليها.

١٨ ـ لو علمت بالطلاق ولم تعلم وقت وقوعه حتى تحسب العدّة من ذلك الوقت ، اعتدّت من الوقت الذي تعلم بعدم تأخّره عنه ، والأحوط أن تعتّد من حين

٢٢٢

بلوغ الخبر إليها ، بل هذا الاحتياط لا يترك (١).

١٩ ـ تقدّم آنفاً أنّ المطلّقة غير المدخول بها لا تثبت عليها العدّة ، فإذا طلّق الرجل زوجته رجعيّاً بعد الدخول ثمّ رجع ، ثمّ طلّقها قبل الدخول ، فربّما يقال : إنّه لا عدّة عليها ; لأنّه طلاق قبل الدخول ، ولكنّه غير صحيح بل يجب عليها العدّة من حين الطلاق الثاني ، ولا فرق في ذلك بين كون الطلاق الثاني رجعيّاً أو بائناً.

ولو طلّقها بائناً بعد الدخول ، ثمّ جدّد نكاحها في أثناء العدّة ، ثمّ طلّقها قبل الدخول ، ففي جريان حكم الطلاق قبل الدخول عليه ـ في عدم ثبوت العدّة ؛ لأنّ الطلاق قبل الدخول لا عدّة فيه ـ وعدمه وجهان ، أقواهما الثاني ـ أي لا تجب العدّة ـ ولكنّه لا يجب عليها استئناف (٢) العدّة ، بل اللازم إكمال عدّتها من الطلاق الأوّل.

٢٠ ـ لو اختلفا في انقضاء العدّة وعدمه قُدّم قولها بيمينها ، سواء ادّعت الانقضاء أو عدمه ـ أي انقضاء العدّة وعدم انقضائها ـ وسواء أكانت عدّتها بالإقراء أو بالشهور ، نعم إذا كانت متّهمة (٣) ـ كما لو ادّعت أنّها حاضت في شهر واحد ثلاث مرّات فانقضت عدّتها ـ لم يقبل قولها إلاّ بالبيّنة.

عدّة الفسخ والانفساخ

١ ـ إذا فسخ الزوج أو الزوجة عقد النكاح لعيب أو نحوه ، أو انفسخ العقد

__________________

(١) الاحتياط هنا وجوبي.

(٢) أي لا يجب عليها إعادة العدّة مرة اُخرى من بدء.

(٣) أي يُشك في صدق ادّعائها.

٢٢٣

بينهما ، لارتداد أو رضاع أو غيرهما ، فإن كان ذلك قبل الدخول وما بحكمه (١) ـ أي دخول ماء الزوج في فرجها ـ أو كانت صغيرة أو يائسة لم تثبت عليها العدّة ، وإلاّ اعتدّت نظير عدّة المطلّقة ، فإن كانت حاملاً فعدّتها فترة حملها ، وإن كانت غير حامل فعدّتها بالإقراء أو الشهور على ما تقدّم ، وتستثنى من ذلك حالة واحدة وهي ما إذا حصل الانفساخ بارتداد الزوج عن فطرة (٢) فإنّه يجب على زوجته أن تعتدّ عدّة الوفاة ـ الآتي بيانها ـ وإن كانت غير مدخول بها أو يائسة أو صغيرة على الأحوط لزوماً.

٢ ـ مبدأ عدّة الفسخ والانفساخ من حين حصولهما ، فلو فسخ الزوج لعيب مثلاً ولم يبلغ ذلك الزوجة إلاّ بعد مدّة كانت عدّتها من حين حصول الفسخ لا من حين بلوغ الخبر إليها.

__________________

(١) المقصود من قوله ( بحكمه ) أي بحكم ما قبل الدخول ، كما إذا كانت صغيرة أو يائسة.

(٢) الارتداد عن فطرة : هو خروج المسلم ـ الذي كان أحد أبويه أو كلاهما مسلماً ـ عن الإسلام.

٢٢٤

٣ ـ عدّة الوطء بالشبهة

١ ـ إذا وطئ الرجل امرأة شبهة باعتقاد أنّها زوجته وجبت عليها العدّة ، سواء علمت بكون الرجل أجنبيّاً أم لم تعلم بذلك ، وسواء أكانت ذات بعل أم كانت خليّة ، أي ليست بذات بعل.

٢ ـ إذا زنى بامرأة مع العلم بكونها أجنبيّة لم تجب عليها العدّة ، سواء حملت من الزنا أم لا ، فلو كانت ذات بعل جاز لبعلها أن يقاربها من غير تربّص (١) ، وإن كانت خليّة (٢) جاز التزوّج بها كذلك وإن كان الأحوط الأولى ـ أي الأفضل ـ استبراء رحمها من ماء الفجور بحيضة قبل التزوّج بها ـ أي يترك مقاربتها إلى أن تحيض وتطهر حتى تطمئن من عدم كونها حاملاً من الزنا ـ سواء ذلك بالنسبة إلى الزاني وغيره ـ أي سواء أراد الزاني أن يتزوّجها أو غير الزاني ، هذا إذا كانت المرأة عالمة بالحال ـ أي إذا علمت بأنّ الذي زنى بها أجنبيّ وليس زوجها ـ وأمّا إذا اعتقدت أنّ الزاني زوجها فطاوعته في الوطء فالأحوط وجوباً ثبوت العدّة عليها بذلك.

٣ ـ عدّة وطء الشبهة كعدّة الطلاق بالأقراء والشهور وبوضع الحمل لو حملت من هذا الوطء ، ومن لم يكن عليها عدّة طلاق كالصغيرة واليائسة ليس عليها هذه العدّة أيضاً.

٤ ـ إذا كانت الموطوءة شبهة ذات بعل لا يجوز لزوجها وطؤها في مدّة عدّتها ، وهل يجوز له سائر الاستمتاعات منها أم لا ؟ قولان : أقواهما الأوّل ـ أي يجوز الاستمتاع بها وإن كان الاحتياط في محلّه والظاهر أنّه لا تسقط نفقتها في أيّام العدّة.

٥ ـ إذا كانت الموطءة شبهة خلية ـ أي ليست بذات بعل ـ يجوز لواطئها أن

__________________

(١) التربّص : هو الانتظار.

(٢) خليّة : أي ليست ذات بعل.

٢٢٥

يتزوّج بها في زمن عدّتها بخلاف غيره ـ أي غير الواطئ ـ فإنّه لا يجوز له ذلك على الأقوى.

٦ ـ لا فرق في حكم وطء الشبهة من حيث العدّة ونحوها بين أن يكون مجرّداً عن العقد أو معه ، بأن وطئ المعقود عليها بتوهّم صحّة العقد مع فساده واقعاً ـ أي لو كان قد اعتقد صحة العقد ولكنّه كان باطلاً في الواقع ـ فلا يسقط وجوب العدّة على المرأة التي وُطئت اشتباهاً على هذا النحو.

٧ ـ إذا كانت الموطوءة شبهة معتدّة بعدّة الطلاق أو الوفاة فوُطئت شبهة ، أو وُطئت شبهة ثمّ طلّقها زوجها أو مات عنها فعليها عدّتان ـ على الأحوط وجوباً ـ فإن كانت حاملاً من أحدهما تقدّم عدّة الحمل ، فبعد وضعه تستأنف العدّة الاُخرى أو تستكمل الاُولى ـ أي تتمّم ما بقي من العدّة ، وإن لم تكن حاملاً تقدّم الأسبق منهما ، وبعد تمامها تستقبل عدّة اُخرى من الآخر ، وهكذا الحكم فيما إذا وطئ المرأة رجل شبهة ثمّ وطئها آخر كذلك فإنّ عليها عدّتان منهما من غير تداخل ـ على الأحوط وجوباً ـ أي لكلّ سبب عدّة على حدة ـ نعم لا إشكال في التداخل إذا وطئها رجل شبهة مرّة بعد اُخرى.

٨ ـ إذا طلّق زوجته بائناً ثمّ وطئها شبهةً ، فهل تتداخل العدّتان ، تستأنف عدّة للوطء وتشترك معها عدّة الطلاق ، أو لا تتداخل ؟ قولان أقواهما الأوّل من دون فرق بين كون العدّتين من جنس واحد أو من جنسين ، بأن يطلّقها حاملاً ثمّ يطأها شبهة ، أو يطلّقها حائلاً ثمّ يطأها شبهة فتحمل منه.

٩ ـ مبدأ عدّة وطء الشبهة المجرّدة عن التزويج حين الفراغ من الوطء ، وأمّا إذا كان مع التزويج الفاسد فهل هو كذلك ، أو من حين تبيّن الحال ؟ وجهان ، والأحوط

٢٢٦

لزوماً الثاني.

عدة المتمتع بها

١ ـ عدّة المتمتع بها في الحامل مدّة حملها ، وفي الحائل ـ أي غير الحامل ـ المدخول بها ـ غير الصغيرة واليائسة ـ حيضتان كاملتان ، ولا تكفي فيها حيضة واحدة على الأحوط وجوباً ، هذا إذا كانت ممّن تحيض ، وإن كانت لا تحيض وهي في سنّ من تحيض فعدّتها خمسة وأربعون يوماً.

٢ ـ مبدأ عدّة المتمتع بها من حين انقضاء المدّة أو هبتها ـ أي يبرأها الزوج ويهبها المدّة ـ فإذا انقضت مدّتها وهي لا تدري ، أو وهبها لها ولم يبلغها الخبر إلاّ بعد مدّة حاضت خلالها مرّتين مثلاً ، فقد انقضت عدّتها وليس عليها عدّة بعد بلوغ الخبر إليها.

٣ ـ إذا مات زوج المتمتع بها في أثناء مدّتها وجبت عليها عدّة الوفاة كما في الدائمة ، وأمّا لو مات بعد انقضاء المدّة أو هبتها وقبل تمام عدّتها لم تنقلب عدّتها إلى عدّة الوفاة ؛ لأنّها بائنة وقد انقطعت عصمتها ، وأمّا إذا مات مقارناً للانقضاء ـ أي كان وقت موته مقارناً لانقضاء العدّة ، فيحتملّ وجوب عدّة الوفاة عليها ، ولكنّ الأظهر عدم ثبوتها أيضاً.

٤ ـ إذا عقد على امرأة بالعقد المنقطع ، ثمّ وهبها المدّة بعد الدخول ، ثمّ تزوّجها دواماً أو انقطاعاً ، ثمّ طلّقها أو وهبها المدّة قبل الدخول ، ففي جريان حكم الطلاق ، أو هبة المدّة قبل الدخول في عدم ثبوت العدّة عليها وعدمه ـ أي وعدم جريان حكم الطلاق ـ وجهان أقواهما الثاني ، ولكنّه لا يجب عليها استئناف العدّة ، بل اللازم إكمال

٢٢٧

عدّتها الاُولى.

٥ ـ عدّة الوفاة

١ ـ إذا توفّي الزوج وجب الاعتداد على زوجته ، صغيرة كانت أم كبيرة ، يائسة كانت أم غيرها ، مسلمة كانت أم كتابيّة ، مدخولاً بها أم غيرها ، دائمة كانت أم متمتعاً بها ، ولا فرق في الزوج بين الكبير والصغير والعاقل وغيره.

ويختلف مقدار العدّة تبعاً لوجود الحمل وعدمه ، فإذا لم تكن الزوجة حاملاً اعتدّت أربعة أشهر وعشرة أيام ، وإن كانت حاملاً كانت عدّتها أبعد الأجلين أكثرهما مدّة من هذه المدّة أي الأربعة شهر وعشرة أيام ووضع الحمل ، فتستمر الحامل في عدّتها إلى أن تضع ، ثمّ ترى فإن كان قد مضى على وفاة زوجها حين الوضع أربعة أشهر وعشرة أيام فقد انتهت عدّتها ، وإلاّ استمرت في عدّتها إلى أن تكمل هذه المدّة.

٢ ـ المراد بالأشهر هي الهلاليّة ـ أي الهجريّة القمريّة ـ فإن توفي الزوج أول رؤية الهلال اعتدّت زوجته بأربعة أشهر هلاليّات ، وضمّت إليها من الشهر الخامس عشرة أيام ، وإن مات في أثناء الشهر فعليها أن تجعل ثلاثة أشهر هلاليّات في الوسط ، وتكمل نقص الشهر الأوّل من الشهر الخامس ثلاثين يوماً على الأحوط وجوباً ، وتضيف إليها عشرة أيام أخرى ، والأحوط الأولى ـ أي الأفضل ـ أن تحتسب الشهور عدديّة بأن تعدّ كلّ شهر ثلاثين يوماً ، فتكون المدّة مائة وثلاثين يوماً.

٣ ـ إذا طلّق زوجته ثمّ مات قبل انقضاء العدّة ، فإن كان الطلاق رجعيّاً بطلت عدّة الطلاق واعتدّت عدّة الوفاة من حين بلوغها الخبر ، فإن كانت حائلاً اعتدّت

٢٢٨

أربعة أشهر وعشراً ، وإن كانت حاملاً اعتدّت بأبعد الأجلين منها ومن وضع الحمل كغير المطلّقة ، وإن كان الطلاق بائناً اقتصرت على إتمام عدّة الطلاق ولا عدّة عليها بسبب الوفاة.

٤ ـ كما يجب على الزوجة أن تعتّد عند وفاة زوجها ، كذلك يجب عليها الحداد مادامت في العدّة ، والمقصود به ترك ما يعدّ زينة لها سواء في البدن أم في اللباس ، فتترك الكحل والطيب والخضاب والحمرة والخطاط ، ونحوها ، كما تجتنب لبس المصوغات الذهبيّة والفضيّة وغيرها من أنواع الحلي ، وكذا اللباس الأحمر والأصفر ونحوهما من الألوان التي تعدّ زينة عند العرف ، وربّما يكون اللباس الأسود كذلك إمّا لكيفيّة تفصيلة أو لبعض الخصوصيّات المشتمل عليها مثل كونه مخطّطاً ، أي مقلّماً.

وبالجملة ، عليها أن تترك في فترة العدّة كلّ ما يعدّ زينة للمرأة بحسب العرف الاجتماعي الذي تعيشه ، ومن المعلوم اختلافه بحسب اختلاف الأزمنة والأمكنة والتقاليد ، وأمّا ما لا يعدّ زينة لها مثل تنظيف البدن واللباس وتقليم الأظفار والاستحمام وتمشيط الشعر ، والافتراش بالفراش الفاخر ، والسكنى في المساكن المزيّنة وتزيين أولادها فلا بأس به.

٥ ـ لا فرق في وجوب الحداد بين المسلمة والكتابيّة ، كما لا فرق بين الدائمة والمتمتع بها ، وهل يجب على الصغيرة والمجنونة أم لا ؟ قولان ، أشهرهما الوجوب ، بمعنى وجوبه على وليّهما فيجنّبهما التزيين ما دامتا في العدّة ، وفيه إشكال ، بل لا يبعد عدم وجوبه عليها (١).

٦ ـ لا فرق في الزوج المتوفّى بين الكبير والصغير ، ولا بين العاقل والمجنون ،

__________________

(١) أي لا يجب الحداد على الصغيرة والمجنونة.

٢٢٩

فيجب الحداد على زوجة الصغير والمجنون عند وفاتهما ، كما يجب على زوجة الكبير والعاقل عندها.

٧ ـ الظاهر أنّ الحداد ليس شرطاً في صحة العدّة ، بل هو تكليف استقلالي في زمانها ، فلو تركته عصياناً أو جهلاً أو نسياناً في تمام المدّة أو في بعضها لم يجب عليها إستئنافها ، أو تدارك مقدار ما اعتدّت بدونه ، فيجوز لها التزوّج بعد انقضاء العدّة على كلّ تقدير.

٨ ـ لا يجب على المعتدّة عدّة الوفاة أن تبقى في البيت الذي كانت تسكنه عند وفاة زوجها ، فيجوز لها تغيير مسكنها والانتقال إلى مسكن آخر للاعتداد فيه.

كما لا يحرم عليها الخروج من بيتها الذي تعتدّ فيه ، إذا كان لضرورة تقتضيه ، أو لأداء حقّ أو فعل طاعة ، أو قضاء حاجة ، نعم يكره لها الخروج لغير ما ذكر ، كما يكره لها المبيت خارج بيتها على الأقرب.

٩ ـ مبدأ عدّة الوفاة فيما إذا كان الزوج حاضراً من حين وقوعها ، وأمّا إذا كان غائباً فمن حين بلوغ الخبر الى زوجته ، بل لا يبعد ذلك في الحاضر أيضاً إذا لم يبلغها خبر وفاته ، إلاّ بعد مدّة لمرض أو حبس أو غير ذلك فتعتدّ من حين إخبارها بموته ، وفي عموم الحكم للصغيرة والمجنونة إشكال ، فلا تترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه ، أي يشمل هذا الحكم الصغيرة والمجنونة على الأحوط وجوباً.

١٠ ـ هل يعتبر في الإخبار الموجب للاعتداد من حينه أن يكون حجّة شرعاً ، كأن يكون بيّنة عادلة أو موجباً للعلم أو الاطمينان ؟ وجهان ، أظهرهما ذلك ـ أي يعتبر في الإخبار أن يكون عن طريق بيّنة أو يكون موجباً للعلم والاطمئنان ـ فلو أخبرها شخص بوفاة زوجها الغائب ولم تثق بصحة خبره لم يجب عليها الاعتداد من حينه ،

٢٣٠

ولو اعتدّت ثمّ ظهر صحّة الخبر لم تكتفِ بالاعتداد السابق ، بل عليها أن تعتدّ من حين ثبوت وفاته عندها.

في أحكام المفقود زوجها

المفقود المنقطع خبره عن أهله على قسمين :

القسم الأوّل : من تعلم زوجته بحياته ولكنّها لا تعلم في أيّ بلد هو ، وحكمها حينئذٍ لزوم الصبر والانتظار إلى أن يرجع إليها زوجها ، أو يأتيها خبر موته أو طلاقه أو ارتداده ، فليس لها المطالبة بالطّلاق قبل ذلك وإن طالت المدّة ، بل وإن لم يكن له مال ينفق منه عليها ولم ينفق عليها وليّه من مال نفسه.

نعم ، إذا ثبت لدى الحاكم الشرعي أنّه قد هجرها تاركاً أداء ما لها من الحقوق الزوجيّة ، وقد تعمّد إخفاء موضعه لكي لا يتسنّى للحاكم الشرعي ـ فيما إذا رفعت الزوجة أمرها إليه ـ أن يتّصل به ويلزمه بأحد الأمرين : إمّا أداء حقوقها ، أو طلاقها. ويطلّقها ـ أي الحاكم الشرعي ـ لو تعذّر إلزامه بأحدهما ، ففي هذه الحالة يجوز للحاكم الشرعي أن يطلّقها فيما إذا طلبت منه ذلك.

القسم الثاني : من لا تعلم زوجته حياته ولا موته ، وفيه حالتان :

الحالة الاُولى : أن يكون للزوج مال ينفق منه على زوجته ، أو يقوم وليّه بالإنفاق عليها من مال نفسه ، وفي هذه الحالة يجب على الزوجة الصبر والانتظار كما في القسم الأوّل المتقدّم ، وليس لها المطالبة بالطلاق مادام ينفق عليها من مال زوجها أو من مال وليّه وإن طالت المدّة.

الحالة الثانية : أن لا يكون للزوج مال ينفق منه على زوجته ، ولا ينفق عليها وليّه

٢٣١

من مال نفسه ، وحينئذٍ يجوز لها أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي أو المأذون من قبله في ذلك ، فيؤجّلها أربع سنين ويأمر بالفحص عنه خلال هذه المدّة ، فإن انقضت السنين الأربع ولم تتبيّن حياته ولا موته أمر الحاكم وليّه بطلاقها ، فإن لم يقدم على الطّلاق أجبره على ذلك ، فإن لم يمكن إجباره ، أو لم يكن له وليّ طلّقها الحاكم بنفسه أو بوكيله فتعتدّ أربعة أشهر وعشرة أيام ، فإذا خرجت من العدّة صارت أجنبيّة عن زوجها ، وجاز لها أن تتزوّج ممّن تشاء. والظاهر اختصاص هذا الحكم بالنكاح الدائم فلا يجري في المتعة.

١ ـ ظاهر كلمات جمع من الفقهاء قدّس الله أسرارهم أنّه كما لا يحقّ لزوجة المفقود غير المعلوم حياته أن تطالب بالطلاق إلاّ مع عدم توفّر مال للزوج ينفق منه عليها ، وعدم إنفاق وليّه عليها من مال نفسه ، كذلك لا يحقّ لها أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي مطالبة إيّاه بتأجيلها أربع سنوات ، والفحص عن زوجها خلال ذلك إلاّ بعد انقطاع الإنفاق عليها من مال الزوج ومن مال وليّه ، ولكنّ الظاهر أنّه يحقّ لها المطالبة بالتّأجيل والفحص في حال الإنفاق عليها أيضاً ، إذا احتمل نفاد مال الزوج وانقطاع وليّه عن الإنفاق عليها قبل تبيّن حياته أو وفاته.

وفائدة ذلك أنّه لو انقضت السنوات الأربع وقد فحص خلالها عن الزوج ولم تتبيّن حياته ولا مماته جاز لزوجته المطالبة بالطّلاق ، متى انقطع الإنفاق عليها من ماله ومن مال وليّه من غير حاجة إلى الانتظار أربع سنوات اُخرى ، وتجديد الفحص خلالها عنه.

٢ ـ إذا كان للمفقود الذي لا تعلم حياته زوجات اُخرى لم يرفعن أمرهن إلى الحاكم ، ويجوز للحاكم طلاقهنّ إذا طلبن ذلك ، فيجتزئ بمضيّ المدّة المذكورة

٢٣٢

والفحص عنه بعد طلب إحداهنّ.

٣ ـ المشهور بين الفقهاء رضوان الله عليهم أنّه لا يحقّ لزوجة المفقود غير المعلوم حياته المطالبة بالطلاق وإن مضى على فقده أربع سنوات ، مع تحقّق الفحص خلالها عنه إذا لم يكن ذلك بتأجيل من الحاكم الشرعي وأمره بالفحص عنه خلال تلك المدّة ، ولكن لا يبعد الاجتزاء بالفحص عنه أربع سنوات بعد فقده مع وقوع جزء من الفحص بأمر الحاكم الشرعي وإن لم يكن بتأجيل منه ، فلو رفعت الزوجة أمرها إلى الحاكم بعد أربع سنوات مثلاً ـ من فقد زوجها ـ مع قيامها بالفحص عنه خلال تلك المدّة أمر الحاكم بتجديد الفحص عنه مقداراً ما ـ مع احتمال ترتّب الفائدة عليه ـ فإذا لم يبلغ عنه خبر أمر بطلاقها على ما تقدّم.

٤ ـ تقدّم أنّه لا يحقّ لزوجة المفقود غير المعلوم حياته المطالبة بالطّلاق مادام للمفقود مال ينفق منه عليها ، أو ينفق وليّه عليها من مال نفسه ، وليس الحكم كذلك فيما إذا وجد متبرّع بنفقتها من شخص أو مؤسسة حكوميّة أو أهليّة ، فيجوز لها المطالبة بالطّلاق بالشروط المتقدّمة إذا لم ينفق عليها من مال الزوج أو من مال وليّه ، وإن وجد من ينفق عليها من غير هذين الطريقين.

٥ ـ الولي الذي لا يحقّ لزوجة المفقود المطالبة بالطّلاق منه مادام ينفق عليها من مال نفسه ، والذي يأمره الحاكم الشرعي ـ مع عدم إنفاقه عليها ـ بطلاقها ، ويجبره على الطلاق لو امتنع منه ، هو أبو المفقود وجدّه لأبيه ، وإذا كان للمفقود وكيل مفوّض إليه طلاق زوجته كان بحكم الولي من جهة الطلاق.

٦ ـ لا فرق في المفقود ـ فيما ذكر من الأحكام ـ بين المسافر والهارب ، ومن كان في معركة قتال ففقد ، ومن انكسرت سفينته في البحر فلم يظهر له أثر ، ومن أخذه

٢٣٣

قطّاع الطّرق أو الأعداء فذهبوا به ، ومن اعتقلته السلطات الحكوميّة فانقطعت أخباره ولم يعلم مكان اعتقاله.

٧ ـ ليس للفحص عن المفقود كيفيّة خاصة ، وطريقة معيّنة ، بل المدار على ما يعدّ طلباً وفحصاً وتفتيشاً ، ويختلف ذلك باختلاف أنواع المفقودين ، فالمسافر المفقود يبعث من يعرفه باسمه وشخصه أو بحليته (١) إلى مظانّ وجوده للظفر به ، أو يكتب إلى من يعرفه ليتفقّد عنه فيما يحتمل وجوده فيه من البلاد ، أو يطلب من المسافرين إليها من الزوّار والحجّاج والتّجار وغيرهم أن يتفقّدوا عنه في مسيرهم ومنازلهم ومقامهم ، ويستخبر منهم إذا رجعوا من أسفارهم.

وأمّا المفقود في جبهات القتال فتراجع بشأنه الدوائر المعنيّة بأحوال الجنود المشاركين في المعركة ، أو يُسأل عنه رفاقه العائدون من الجبهات ، والأسرى العائدون من الأسر.

وأمّا المعتقل المفقود فتسأل عنه دوائر الشرطة والجهات الأمنيّة ذات العلاقة ، وهكذا.

٨ ـ مقدار الفحص بحسب الزمان أربعة أعوام ـ كما تقدّم ـ ولا يعتبر فيه الاتّصال التّام ، بل يكفي فيه تصدّي الطلب عنه بحيث يصدق عرفاً أنّه قد فحص عنه في تلك المدّة.

٩ ـ المقدار اللازم من الفحص هو المتعارف لأمثاله ، فالمسافر المفقود في بلد مخصوص أو جهة مخصوصة إذا دّلت القرائن على عدم انتقاله منها كفى البحث عنه في ذلك البلد أو تلك الجهة ، ولا يعتبر استقصاء البلد والجهات ، ولا يعتنى باحتمال

__________________

(١) الحلية : أي العلامة التي تدل عليه كالرقم أو الشيء الذي كان معه.

٢٣٤

وصوله الى بلد احتمالاً بعيداً.

١٠ ـ المسافر المفقود إذا علم أنّه كان في بلد معيّن في زمان ثمّ انقطع أثره ، يتفحّص عنه أوّلاً في ذلك البلد على النحو المتعارف ، بأن يسأل عنه في جوامعه ومجامعه وفنادقه وأسواقه ومنتزهاته ومستشفياته وسجونه ونحوها ، ولا يلزم استقصاء تلك المحال بالتفتيش والسؤال ، بل يكتفي بالبعض المعتدّ به من مشاهيرها ، ويلاحظ في ذلك زيّ المفقود وصنعته وحرفته ، فيتفقّد عنه في المحالّ المناسبة له ويسأل عنه أبناء صنفه وحرفته ، فإذا كان من طلبة العلم ـ مثلاً ـ فالمحل المناسب له المدارس ومجامع العلم ، فيسأل عنه العلماء وطلبة العلم ، وهكذا بقيّة الأصناف كالتّجار ، والحرفيّين والأطباء ونحوهم.

فإذا تمّ الفحص في ذلك البلد ولم يظهر منه أثر ، ولم يعلم موته ولا حياته ، فإن لم يحتمل انتقاله منه إلى محلّ آخر بقرائن الأحوال سقط الفحص والسؤال ، واكتفي بانقضاء مدّة التربص أربع سنين كما تقدّم ، وإن احتمل الانتقال احتمالاً معتدّاً به ، فإن تساوت الجهات في احتمال انتقاله منه إليها تفحّص عنه في تلك الجهات ، ولا يلزم الاستقصاء بالتفتيش في كلّ قرية قرية ، ولا في كلّ بلدة بلدة ، بل يكتفي ببعض الأماكن المهمّة والمعروفة في كلّ جهة ، مراعياً للأقرب فالأقرب إلى البلد الأوّل ، وإذا كان احتمال انتقاله إلى بعضها أقوى فالّلازم جعل محلّ الفحص ذلك البعض ، ويكتفي بالفحص فيه إذا بعد احتمال انتقاله إلى غيره.

هذا فيما إذا علم أنّ المسافر المفقود كان في بلد معيّن في زمان ، وأمّا إذا علم أنّه كان في بعض الأقطار كإيران والعراق ولبنان والهند ثمّ انقطع أثره ، كفى الفحص عنه مدّة التربّص في بلادها المشهورة التي تشدّ إليها الرحال مع ملاحظة صنف

٢٣٥

المفقود وحرفته في ذلك.

وإذا علم أنّه خرج من منزله قاصداً التوجّه إلى بلد معيّن ـ كالعراقي إذا خرج برّاً يريد زيارة الإمام الرضا عليه‌السلام في مشهده المقدّس بخراسان ثمّ انقطع خبره ـ يكفي الفحص عنه في البلاد والمنازل الواقعة على طريقه إلى ذلك البلد ، وفي نفس ذلك البلد ، ولا يجب الفحص عنه في الأماكن البعيدة عن الطريق ، فضلاً عن البلاد الواقعة في أطراف ذلك القطر.

وإذا علم أنّه خرج من منزله مُريداً للسفر ، أو هرب ولا يدري إلى أين توجّه ، وانقطع أثره ، لزم الفحص عنه مدّة التربّص في الأطراف والجوانب التي يحتمل وصوله إليها احتمالاً معتدّاً به ، ولا ينظر إلى ما بَعُد احتمال توجّهه إليه.

١١ ـ يجوز للحاكم الاستنابة في الفحص وإن كان النائب نفس الزوجة ، فإذا رفعت أمرها إليه فقال : تفحصّوا عنه إلى أن تمضي أربع سنوات ، ثم تصدّت الزوجة أو بعض أقاربها للفحص والطلب حتى مضت المدّة كفى.

١٢ ـ لا تشترط العدالة في النائب وفيمن يستخبر منهم عن حال المفقود ، بل يكفي الاطمئنان بصحة أقوالهم.

١٣ ـ إذا تعذّر الفحص فالظّاهر عدم سقوطه ، فيلزم زوجة المفقود الانتظار إلى حين تيسّره ، نعم إذا علم أنّه لا يجدي في معرفة حاله ، ولا يترتّب عليه أثر أصلاً فالظاهر سقوط وجوبه ، ولكن لا يجوز طلاقها قبل مضيّ المدّة على الأحوط.

١٤ ـ إذا تحقّق الفحص التامّ قبل انقضاء المدّة ، فإن احتمل الوجدان بالفحص في المقدار الباقي ولو بعيداً ـ أي ولو كان احتمال الوجدان ضعيفاً ـ لزم الفحص ، وإن تيقّن عدم الوجدان سقط وجوب الفحص ، ولكن يجب الانتظار إلى تمام المدّة على

٢٣٦

الأحوط (١).

١٥ ـ إذا تمّت السنوات الأربع واحتمل وجدانه بالفحص بعدها لم يجب ، بل يكتفي بالفحص في المدّة المضروبة ـ أي المحدّدة شرعاً ـ وهي الأربعة أشهر وعشرة أيام.

١٦ ـ يجوز للزوجة اختيار البقاء على الزوجيّة بعد رفع الأمر إلى الحاكم قبل أن تطلَّق ولو بعد تحقّق الفحص وانقضاء الأجل ، فليست هي ملزَمة ـ أي لا يجب عليها ـ باختيار الطلاق ، ولها أن تعدل عن اختيار البقاء إلى اختيار الطّلاق ، وحينئذٍ لا يلزم تجديد ضرب الأجل والفحص ـ أي لا يجب عليها الفحص مرّة اُخرى ـ بل يكتفي بالأوّل.

١٧ ـ العدّة الواقعة بعد الطلاق من الولي أو الحاكم عدّة طلاق وإن كانت بقدر عدّة الوفاة أربعة أشهر وعشراً ـ أي بعد انتهاء مدّة الفحص تبدأ العدّة ـ وهو طلاق رجعيّ فتستحقّ النفقة أيّامها ـ أي في أيّام العدّة ـ وإذا حضر الزوج أثناء العدّة جاز له الرجوع إليها ـ وإذا مات أحدهما في العدّة ورثه الآخر ، ولو مات ـ أي أحدهما ـ بعد العدّة فلا توارث بينهما ، وليس عليها حداد بعد الطّلاق في أيّام العدّة.

١٨ ـ إذا تبيّن موت الزوج المفقود قبل انقضاء المدّة أو بعده قبل الطلاق وجب عليها عدّة الوفاة ، وإذا تبيّن انقضاء العدّة ـ أي عدّة الطلاق اكتفى بها ـ أي بمدّة البحث عن الزوج ـ سواء أكان التبيّن ـ أي العلم بموت الزوج ـ قبل التزوّج من غيره أم بعده ، وسواء أكان موته المتبيّن وقع قبل الشروع في العدّة أم بعدها ، أم في أثنائها أم بعد التزوّج من الغير ، وأمّا لو تبيّن موته في أثناء العدّة تستأنف عدّة الوفاة من حين

__________________

(١) الاحتياط هنا وجوبي.

٢٣٧

التبيّن ، أي تعيدها حين تبيّن وفاة الزوج.

١٩ ـ إذا جاء الزوج بعد الفحص وانقضاء الأجل ، فإن كان قبل الطلاق فهي زوجته ، وإن كان بعده ، فإن كان في أثناء العدّة فله الرجوع إليها كما تقدّم ، كما أنّ له إبقاءها على حالها حتى تنقضي عدّتها وتبين ـ أي تنقطع بينهما صلة الزوجيّة فليست بزوجته بعد انتهاء العدة ـ منه ، وإن كان بعد انقضائها ـ أي بعد انتهاء العدّة ـ فإن تزوّجت من غيره فلا سبيل له عليها ـ يعني أنّ زواجها صحيح ولا حقّ للزوج السابق عليها ـ وإن لم تتزوّج ففي جواز رجوعها إليه وعدمه قولان ، أقواهما الثاني ، أي لا يجوز رجوعها إليه إلاّ بعقد جديد.

٢٠ ـ إذا تبيّن بعد الطلاق وانقضاء العدّة عدم وقوع المقدّمات على الوجه المعتبر شرعاً ، كأن تبيّن عدم تحقّق الفحص على وجهه ـ أي لم يكن الفحص على الطريقة المطلوبة شرعاً ـ أو عدم انقضاء مدّة أربع سنوات ، أو عدم تحقّق شروط الطلاق أو نحو ذلك ، لزم التدارك ولو بالاستئناف (١) ، وإذا كان ذلك ـ أي عدم وقوع المقدّمات على الوجه المعتبر ـ بعد تزوّجها من الغير كان باطلاً ـ أي كان زواجها الثاني باطلاً ـ وإن كان الزوج الثاني قد دخل بها جاهلاً بالحال حرمت عليه أبداً على الأحوط وجوباً ، نعم إذا تبيّن أنّ العقد عليها وقع بعد موت زوجها المفقود وقبل أن يبلغ خبره إليها فالعقد وإن كان باطلاً إلاّ أنّه لا يوجب الحرمة الأبديّة حتى مع الدخول ؛ لعدم كونها حين وقوعه ذات بعل ولا ذات عدّة.

٢١ ـ إذا حصل لزوجة الغائب بسبب القرائن وتراكم الأمارات العلم بموته جاز لها ـ بينها وبين الله تعالى ـ أن تتزوّج بعد العدّة من دون حاجة إلى مراجعة الحاكم ،

__________________

(١) المقصود من الاستئناف اعادة الفحص والطلاق والعدّة جميعاً.

٢٣٨

وليس لأحد عليها اعتراض ما لم يعلم كذبها في دعوى العلم ، نعم في جواز الاكتفاء بقولها لمن يريد الزواج بها ، وكذا لمن يصير وكيلاً عنها في إيقاع العقد عليها إشكال ، أي لا يمكن لمن يريد الزواج منها أو من يريد أن يكون وكيلاً عنها الاكتفاء بقولها ، ولا بدّ من الاعتماد على قول الحاكم الشرعي.

طلاق الخلع والمباراة

الخلع في اللغة : هو الإزالة والنّزع ، فإذا قيل : خلعت ثوبي ، فمعنى ذلك أنّه نزعه من جسده.

وقد ذهب الفقهاء إلى أنّ إطلاق اسم الخلع على هذا النوع من الطلاق مستوحى من الآية الكريمة في قوله تعالى : ( هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ) (١) ، فوصفت الآية الكريمة أنّ كلاً من الزوجين بمثابة اللّباس والستر للآخر ، وحينما يقع الطلاق يخلع هذا اللباس.

١ ـ الخلع في اصطلاح الفقهاء : هو الطلاق بفدية من الزوجة الكارهة لزوجها ، وإذا كانت الكراهة من الطرفين كان مباراة ، وإن كانت الكراهة من طرف الزوج خاصة لم يكن خلعاً ولا مباراة.

فالخلع والمباراة نوعان من الطلاق ، فإذا انضمّ إلى أحدهما تطليقتان حرمت المطلَّقة على المطلِّق حتى تنكح زوجاً غيره ، أي لا تصبح المرأة بائناً في طلاق الخلع إلاّ إذا انضمّ إليه تطليقتان.

٢ ـ يشترط في الخلع جميع ما تقدّم اعتباره في الطلاق ، وهي ثلاثة أُمور :

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٨٧.

٢٣٩

الأوّل : الصيغة الخاصّة ، وهي هنا قوله : ( أنتِ أو فلانة أو هذه طالق على كذا ) ، ـ أي يذكر الشيء الذي تفدي به المرأة وتعطيه للزوج حتى يطلّقها ـ وهو الشيء المعلّق عليه طلاق الخلع ، أو يقول للزوجة : ( خلعتك على كذا ) ، أو ( أنتِ أو فلانه أو هذه مختلِعة على كذا ) بكسر كلمة مختلعة ، وفي صحته بالفتح إشكال (١) ، ولا يعتبر في الأوّل ـ أي في عبارة ( أنتِ أو فلانه أو هي طالق على كذا ) ـ إلحاقها بقوله : ( أنتِ أو فلانه أو هي مختلِعة على كذا ) ، أي لا يجب أن يقول هذه العبارات بعد أن قال العبارة الأولى ، كما لا يعتبر في الأخيرتين ـ أي عبارة : أنتِ أو فلانه أو هي مختلِعة على كذا ـ إلحاقهما بقوله : ( فهي أو فأنت طالق على كذا ) وإن كان الإلحاق أحوط استحباباً وأولى.

ولا يقع الخلع بالتقايل ـ أي لا يقع طلاق الخلع بفسخ العقد بين الزوجين ـ كما لا يقع بغير لفظي الطلاق والخلع ، أي بلفظ ( فديتك أو أبرأتك على كذا ) أو أي لفظ آخر لا يشتمل على كلمة الطلاق أو الخلع.

الثاني : التنجيز ، فلو علّق الخلع على أمر مستقبليّ معلوم الحصول ـ كما إذا قال : ( أنتِ مختلِعة على كذا لو صار فصل الصيف ) أو متوقّع الحصول كما إذا قال : ( أنتِ مختلِعة على كذا لو قدم الحاج أو المسافر بعد اسبوع ) أو أمر حاليّ محتمل الحصول كما إذا قال : ( أنتِ مختلِعة على كذا لو ثبت أنّ اليوم آخر شهر رمضان ) وكان لا يعلم طبعاً بأنّه آخر الشهر ، من غير أن يكون مقوّماً لصحة الخلع بطل ، أي الخلع.

ولا يضرّ تعليقه على أمر حاليّ معلوم الحصول ولكنّه كان مقوّماً لصحة الخلع ، كما لو قال : ( إن كنتِ زوجتي ، أو إن كنتِ كارهةً لي ).

__________________

(١) أي لا يقع الخلع لو قال : ( انتِ أو فلانة ، أو هذه مختَلَعة ).

٢٤٠