أحكام المرأة والاُسرة

ام علي مشكور

أحكام المرأة والاُسرة

المؤلف:

ام علي مشكور


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الزهراء الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٠٢

ذلك ، كما لا ينبغي إرضاعه فوق حولين كاملين ، ولو اتّفق أبواه على فطامة قبل ذلك كان حسناً.

٦ ـ حضانة الولد وتربيته وما يتعلّق بها من مصلحة حفظه ورعايته تكون في مدّة الإرضاع ـ أعني حولين كاملين ـ من حقّ أبويه بالسويّه ، فلا يجوز للأب أن يفصله عن أُمّه خلال هذه المدّة وإن كان اُنثى ـ والأحوط استحباباً أن لا يفصله عنها حتى يبلغ سبع سنين وإن كان ذكراً.

٧ ـ إذا افترق الأبوان بفسخ أو طلاق قبل أن يبلغ الولد السنتين لم يسقط حقّ الأُمّ في حضانته ما لم تتزوّج من غيره ، فلا بدّ من توافقهما على ممارسة حقّهما المشترك بالتناوب ، أو بأيّ كيفية أُخرى يتفقان عليها.

٨ ـ إذا تزوّجت الأُمّ بعد مفارقة الأب سقط حقّها من حضانة الولد ، وصارت الحضانة من حقّ الأب خاصّة ، ولو فارقها الزوج الثاني عاد حقّ حضانة الطفل إليها مرّة ثانية.

٩ ـ إذا مات الأب بعد اختصاصه بحضانة الولد ـ كما مرّ ـ أو قبله فالأُمّ أحقّ بحضانته ـ إلى أن يبلغ ـ من الوصي لأبيه ومن جدّه وجدّته له ، وغيرهما من أقاربه ، سواء تزوّجت أم لا.

١٠ ـ إذا ماتت الأُمّ في زمن حضانتها اختصّ الأب بحضانة الطفل ، وليس لوصيّها ولا لأبيها ولا لأمها ـ فضلاً عن باقي أقاربها ـ حقّ في ذلك.

١١ ـ إذا فقد الأبوان فالحضانة للجدّ من طرف الأب ، فإذا فقد ـ أي هذا الجدّ ـ ولم يكن له وصيّ ، ولا للأب وصيّ أيضاً ، فالأحوط وجوباً التراضي بين أقارب الولد في حضانته مع الاستئذان من الحاكم الشرعي.

١٨١

١٢ ـ إذا سقط حقّ الأُمّ في إرضاع ولدها لطلبها اُجرة مع وجود المتبرّع ، أو لعدم اللبن لها أو لغير ذلك فلا يسقط حقّها من حضانته ; لعدم التنافي بين سقوط حقّ الإرضاع وثبوت حقّ الحضانة ، لإمكان كون الولد في حضانة الأُمّ مع كون رضاعه من امرأة اُخرى ، إمّا بحمل الولد إلى المرضعة عند الحاجة إلى اللبن ، أو بإحضار المرضعة عنده مثلاً.

١٣ ـ يشترط فيمن يثبت له حقّ الحضانة من الأبوين أو غيرهما أن يكون عاقلاً مأموناً على سلامة الولد ، وأن يكون مسلماً إذا كان الولد مسلماً ، فلو كان الأب مجنوناً أو كافراً ، والولد محكوم بالإسلام ، أي كان أحد أبويه مسلمين ، اختصت أُمّه بحضانته إذا كانت مسلمة عاقلة ، ولو انعكس الأمر كانت حضانته من حقّ أبيه خاصّة ، وهكذا الحال في غيرهما ، أي في غير الأبوين من الأقارب.

١٤ ـ الحضانة كما هي حقّ للأُمّ والأب أو غيرهما على التفصيل المتقدّم ، كذلك هي حقّ للولد عليهم ، فلو امتنعوا اُجبروا عليها ، ولا يجوز لمن يثبت له حقّ الحضانة أن يتنازل عنه لغيره فينقل إليه ـ أي إلى ذلك الغير ـ بقبوله ـ أي مع قبول الغير ـ نعم يجوز لكلّ من الأبوين التنازل عنه ـ أيّ عن حقّ الحضانة ـ للآخر بالنسبة إلى تمام مدّة حضانته أو بعضها.

١٥ ـ لا تجب المباشرة في حضانة الطفل ، فيجوز لمن عليه الحضانة إيكالها إلى الغير مع الوثوق بقيامه بها على الوجه اللازم شرعاً.

١٦ ـ الأُمّ تستحقّ أخذ الأُجرة على حضانة ولدها ، إلاّ إذا كانت متبرّعة بها ، أو وجد متبرّع بحضانته ، ولو فصل الأبُ أو غيره الولدَ عن أُمّه ولو عدواناً لم يكن عليه تدارك حقّها في حضانته بقيمة أو نحوها.

١٧ ـ تنتهي الحضانة ببلوغ الولد رشيداً ، فإذا بلغ رشيداً لم يكن لأحد حقّ

١٨٢

الحضانة عليه حتّى الأبوين فضلاً عن غيرهما ، بل هو المالك لنفسه ذكراً كان أم اُنثى ، فله الخيار في الانضمام إلى من شاء منهما أو من غيرهما ، نعم إذا كان انفصاله عنهما يوجب أذيّتهما الناشئة من شفقتهما عليه لم يجز له مخالفتهما في ذلك.

١٨٣

النفقات

تجب النفقة بأحد أسباب أربعة : الزوجيّة ، والقرابة ، والملك ، والاضطرار.

١ ـ تجب نفقة الزوجة على الزوج فيما إذا كانت دائمة ومطيعة له فيما يجب إطاعته عليها ، فلا نفقة للزوجة المتمتّع بها إلاّ مع الشرط ـ أي إلاّ إذا شرطت ذلك عليه ضمن العقد ـ كما لا نفقة للزوجة الناشزة على تفصيل تقدّم سابقاً ، وقد تقدّم أيضاً بيان ما يتحقّق به النشوز ، وإن سقوط نفقة الناشزة مشروط بعدم توبتها ، فإذا تابت وعادت إلى الطاعة رجع الاستحقاق.

٢ ـ لا فرق في وجوب الإنفاق على الزوجة بين المسلمة والكتابيّة ، وأمّا المرتدّة فلا نفقة لها ، فإن تابت قبل مضيّ العدّة استحقّت النفقة ، وإلاّ بانت من زوجها ، أي فصلت عنه بسبب الارتداد.

٣ ـ الظاهر ثبوت النفقة للزوجة في الزمان الفاصل بين العقد والزفاف ، إلاّ مع وجود قرينة على الإسقاط ، أيّ على إسقاط حقّ الزوجة من النفقة ولو كانت هي التعارف الخارجي ، أي ولو كانت هذه القرينة قد ثبتت عرفاً ، كما إذا كانت الزوجة في بيت أبيها مثلاً ، فلا هي تستحقّ النفقة ولا هو يستحقّ الاستمتاع عليها.

والأظهر عدم ثبوت النفقة للزوجة الصغيرة غير القابلة للاستمتاع منها على زوجها ، خصوصاً إذا كان الزوج صغيراً غير قابل للتمتّع والتلذّذ ، وكذا الزوجة الكبيرة إذا كان زوجها صغيراً غير قابل لأن يستمتع منها ، نعم لو كانت الزوجة مراهقة ، وكان الزوج مراهقاً أو كبيراً ، أو كان الزوج مراهقاً وكانت الزوجة كبيرة ، لم يبعد استحقاق الزوجة للنفقة مع تمكينها له من نفسها على ما يمكنه من التلذّذ والاستمتاع منها.

٤ ـ لا تسقط نفقة الزوجة بعد تمكينها له من نفسها لعذر من حيض أو نفاس أو

١٨٤

إحرام أو اعتكاف واجب أو مرض مدنف ـ أي ثقيل منعها من تمكين زوجها ـ أو غير ذلك ، ومن العذر ما لو كان الزوج مبتلى بمرض معد خافت من سرايته إليها بالمباشرة.

٥ ـ إذا استصحب الزوج زوجته في سفره كانت نفقتها عليه وإن كانت أكثر من نفقتها في الحضر ، وكذا يجب عليه بذل اُجور سفرها ونحوها ممّا تحتاج إليه من حيث السفر ، وهكذا الحكم فيما لو سافرت الزوجة بنفسها في سفر ضروري يرتبط بشؤون حياتها ، كأن كانت مريضة وتوقّف علاجها على السفر إلى طبيب ، فإنّه يجب على الزوج بذل نفقتها واُجور سفرها.

وأمّا في غيره من السفر الواجب ، كما إذا كان أداءً لواجب في ذمّتها ، كأن استطاعت للحجّ ، أو نذرت الحجّ الاستحبابي بإذن الزوج ، وكذا في السفر غير الواجب الذي أذن فيه الزوج ، فليس عليه بذل اُجوره ، ويجب عليه بذل نفقتها فيه كاملة وإن كانت أزيد من نفقتها في الحضر ، نعم إذا علّق الزوج إذنه لها في السفر غير الواجب على إسقاطها لنفقتها فيه كلاّ أو بعضاً ـ أي جعل إسقاط جميع نفقتها أو بعضها ـ في السفر غير الواجب ـ شرطاً في إذنه وترخيصه لها بالسفر ـ وقبلت هي بذلك لم تستحقّها عليه.

٦ ـ تثبت النفقة لذات العدّة الرجعيّة ما دامت في العدّة كما تثبت لغير المطلّقة ، من غير فرق بين كونها حائلاً أو حاملاً ـ أي حامل أو لا ـ ولو كانت ناشزة وطُلّقت في حال نشوزها لم تثبت لها النفقة ، إلاّ إذا تابت ورجعت إلى الطاعة ، كالزوجة الناشزة غير المطلّقة ، وأمّا ذات العدّة البائنة ـ أي التي لا رجوع فيها ـ فتسقط نفقتها سواء أكانت عن طلاق أو فسخ ـ أي سواء بانت عن الزوج بالطلاق أو بفسخ العقد ـ إلاّ إذا كانت عن طلاق وكانت حاملاً فإنّها تستحقّ النفقة والسكنى حتّى تضع

١٨٥

حملها ، ولا تلحق بها المنقطعة ـ أي الزوجة المؤقتة ـ والحامل الموهوبة : وهي التي وهب لها الزوج المدّة قبل أوانها أو المنقضية مدّتها ، وكذا الحامل المتوفّى عنها زوجها ، فإنّه لا نفقة لها مدّة حملها ، لا من تركة زوجها ولا من نصيب ولدها على الأقوى.

٧ ـ إذا ادّعت المطلقة بائناً أنّها حامل ، فإن حصل الوثوق بصحة دعواها استناداً إلى الأمارات التي يستدلّ بها على الحمل عند النساء ، أو تيسّر استكشاف حالها بإجراء الفحص الطبيّ عند الثقة من أهل الخبرة فهو ، وإلاّ ففي وجوب قبول قولها والإنفاق عليها بمجرّد دعواها إشكال ، بل منع ، أي لا يقبل قولها اعتماداً على قولها فقط دون قرائن اُخرى.

ولو أنفق عليها ثمّ تبيّن عدم الحمل استُعيد منها ما دُفع إليها ، ولو انعكس الأمر ـ أي لم يدفع إليها باعتقاد أنّها حائل ثمّ تبيّن بعد ذلك أنّها حامل ـ دفع إليها نفقتها أيام حملها.

٨ ـ لا تقدير للنفقة شرعاً ، بل الضابط القيام بما تحتاج اليه الزوجة في معيشتها من الطعام والادام ، هو الشيء الذي يؤكل معه الخبز (١).

والكسوة والفراش والغطاء ، والمسكن والخدم ، وآلات التدفئة والتبريد وأثاث المنزل ، وغير ذلك ممّا يليق بشأنها بالقياس إلى زوجها ، ومن الواضح اختلاف ذلك نوعاً وكمّاً وكيفاً ، بحسب اختلاف الأمكنة والأزمنة والحالات والأعراف والتقاليد اختلافاً فاحشاً أي كثيراً.

__________________

(١) الأُدْمُ والإدَام ما يؤتدم به ، تقول منه : أدم الخبز باللحم بأدمه بالكسر ، الصحاح ٥ : ١٨٥٩ « أدم ».

١٨٦

فبالنسبة إلى المسكن مثلاً ربّما يناسبها كوخ ، أو بيت شعر في الريف أو البادية ، وربّما لا بدّ لها من دار أو شقّة أو حجرة منفردة المرافق في المدينة ، وكذا بالنسبة إلى الألبسة ربّما تكفيها ثياب بدنها من غير حاجة إلى ثياب اُخرى ، وربّما لا بدّ من الزيادة عليها بثياب التجمّل والزينة.

نعم ، ما تعارف عند بعض النساء من تكثير الألبسة النفيسة خارج عن النفقة الواجبة ، فضلاً عمّا تعارف عند جمع منهنّ من لبس بعض الألبسة مرّة أو مرّتين في بعض المناسبات ، ثمّ استبداله بآخر مختلف عنه نوعاً أو هيئة في المناسبات الأُخرى.

٩ ـ من النفقة الواجبة على الزوج اُجرة الحمّام عند حاجة الزوجة إليه ، سواء أكان للاغتسال أو للتنظيف ، إذا لم تتهيّأ لها مقدّمات الاستحمام في البيت ، أو كان ذلك عسيراً عليها لبرد أو غيره ، كما أنّ منها مصاريف الولادة واُجرة الطبيب والأدوية المتعارفة التي يكثر الاحتياج إليها عادة ، بل لا يبعد أن يكون منها ما يصرف في سبيل علاج الأمراض الصعبة التي يتفق الابتلاء بها وإن احتاج إلى بذل مال كثير ما لم يكن ذلك حرجيّاً على الزوج.

١٠ ـ النفقة الواجبة للزوجة على قسمين :

القسم الأوّل : ما يتوقّف الانتقاع به على ذهاب عينه ـ أي لاذهاب قيمته ـ كالطعام والشراب والدواء ونحوها ، وفي هذا القسم تملك الزوجة عين المال بمقدار حاجتها عند حلول الوقت المتعارف لصرفه ، فلها مطالبة الزوج بتمليكه إيّاها وتسليمه لها تفعل به ما تشاء ، ولها الاجتزاء ـ كما هو المتعارف ـ بما يجعله تحت تصرّفها في بيته ويبيح لها الاستفادة منه ، فتأكل وتشرب ممّا يوفّره في البيت من

١٨٧

الطعام والإدام والشراب حسب حاجتها إليه ، وحينئذٍ يسقط ما لها عليه من النفقة ، فليس لها أن تطالبه بها بعدد ذلك.

١١ ـ لا يحقّ للزوجة مطالبة الزوج بنفقة الزمان المستقبل ، ولو دفع إليها نفقة أيام كاسبوع أو شهر مثلاً وانقضت المدّة ولم تصرفها على نفسها ، إمّا بأن أنفقت من غيرها ، أو أنفق عليها أحد ، كانت ملكاً لها ، وليس للزوج استردادها ، نعم لو خرجت عن الاستحقاق قبل انقضاء المدّة بموت أحدهما ـ أي أحد الزوجين ـ أو نشوزها أو طلاقها بائناً ، يوزّع المدفوع على الأيام الماضية والآتية ، ويستردّ منها بالنسبة إلى ما بقي من المدّة ، بل الظاهر ذلك أيضاً فيما إذا دفع إليها نفقة يوم واحد وعرضت إحدى تلك العوارض في أثناء اليوم ، فيستردّ الباقي من نفقة ذلك اليوم.

١٢ ـ يتخيّر الزوج بين أن يدفع إلى الزوجة عين المأكول كالخبز والطبيخ واللحم المطبوخ وما شاكل ذلك ، وأن يدفع إليها موادها كالحنطة والدقيق والأُرز واللحم ونحو ذلك ممّا يحتاج في إعداده للأكل إلى علاج ومؤونة ، فإذا اختار الثاني كانت مؤونة الإعداد ـ أي الطبخ ونحوه ممّا يجعل الطعام قابلاً للأكل ـ على الزوج دون الزوجة.

١٣ ـ إذا تراضيا على بذل الثمن وقيمة الطعام والأدام وتسلّمته ملكته وسقط ما هو الواجب على الزوج ، ولكن ليس للزوج إلزامها بقبول الثمن ، وليس لها إلزامه ببذله ، فالواجب ابتداءً هو العين ، أي لا ثمنها.

القسم الثاني : ما ينتفع به مع بقاء عينه ، وهذا إن كان مثل المسكن فلا إشكال في أنّ الزوجة لا تستحقّ على الزوج أن يدفعه إليها بعنوان التمليك ـ أي يكفي أن يدفعه إليها بعنوان الانتفاع به ـ والظاهر أنّ الفراش والغطاء وأثاث المنزل أيضاً كذلك ، وأمّا الكسوة فلا يبعد كونها بحكم القسم الأوّل فتستحقّ على الزوج تمليكها

١٨٨

إيّاها ، ولها الاجتزاء بالاستفادة بما هو ملكه أو بما استأجره أو استعاره ، أي ممّا ليس بملك له ، ولكن يحقّ له التصرّف فيه.

١٤ ـ إذا دفع إليها كسوة قد جرت العادة ببقائها مدّة ، فلبستها فخلقت ـ أي استهلكت ـ قبل تلك المدّة أو سرقت لا بتقصير منها في الصورتين ، وجب عليه دفع كسوة اُخرى إليها. ولو انقضت المدّة والكسوة باقية ليس لها مطالبة كسوة اُخرى ، ولو خرجت في أثناء المدّة عن الاستحقاق لموت أو نشوز أو طلاق ، فإن كان الدفع إليها على وجه الإمتاع والانتفاع ـ كما في البيت وأثاثه ـ جاز له استردادها إن كانت باقية ، وأمّا إذا كان على وجه التمليك ـ كما في الطعام والشراب ـ فليس له ذلك.

١٥ ـ يجوز للزوجة أن تتصرّف فيما تملكه من النفقة كيفما تشاء ، فتنقله إلى غيرها ببيع أو هبة أو إجارة أو غيرها ، إلاّ إذا اشترط الزوج عليها ترك تصرّف معيّن فيلزمها ذلك ، أي يكون هذا الشرط لازماً لا يجوز لها مخالفته للإمتاع والانتفاع به ، فلا يجوز لها نقله إلى الغير ولا التصرّف فيه بغير الوجه المتعارف إلاّ بإذن من الزوج.

١٦ ـ النفقة الواجب بذلها للزوجة هو ما تقوّم به حياتها من طعام وشراب وكسوة ومسكن وأثاث ونحوها ، دون ما تشتغل به ذمّتها ممّا تستدينه لغير نفقتها ـ أي أنّ الدين الذي في ذمّتها لا يحسب من نفقتها ـ وما تنفقه على من يجب نفقته عليها ، وما يثبت عليها من فدية أو كفّارة أو أرش جناية ـ أي غرامة الجناية التي ارتكبتها ـ ونحو ذلك.

١٧ ـ إذا لم يكن عنده ما ينفقه على زوجته وجب عليه تحصيله بالتكسّب اللائق بشأنه وحاله ، وإذا لم يكن متمكّناً منه أخذ من حقوق الفقراء من الأخماس والزكوات والكفّارات ونحوها بمقدار حاجته في الإنفاق عليها ، وإذا لم يتيسّر له ذلك

١٨٩

تبقى نفقتها ديناً عليه ، ولا يجب عليه تحصيلها بمثل الاستيهاب والسؤال.

وهل يجب عليه الاستدانة لها إذا أمكنه ذلك من دون حرج ومشقّة ، وعلم بالتمكين من الوفاء فيما بعد ؟ الظاهر ذلك ، أي يجب عليه الاستدانة. وأمّا إذا احتمل عدم التمكّن من الوفاء احتمالاً معتدّاً به ـ أي ليس احتمالاً قليلاً لا يؤخذ بعين الاعتبار ـ ففي وجوبها عليه إشكال ، هذا في نفقة الزوجة ؟

وأمّا نفقة النفس ـ أي نفقة نفسه لا غيرها ـ فليست بهذه المثابة ، فلا يجب السعي لتحصيلها إلاّ بمقدار ما يتوقّف عليه حفظ النفس والعرض ، والتوقّي عن الإصابة بضرر بليغ ، وهذا المقدار يجب تحصيله بأيّة وسيلة حتى بالاستعطاف ـ أي بطلب العطف والاسترحام من الآخرين ـ والسؤال ، فضلاً عن الاكتساب والإستدانة.

١٨ ـ إذا كان الزوج عاجزاً عن تأمين نفقة زوجته ، أو امتنع من الإنفاق عليها مع قدرته ، جاز لها رفع أمرها إلى الحاكم الشرعي كما تقدّم.

١٩ ـ إذا لم تحصل الزوجة على النفقة الواجبة لها كلاّ أو بعضاً ، كمّاً أو كيفاً ـ أي من ناحية مقدارها أو نوعيّتها ـ لفقر الزوج أو امتناعه ، بقي ما لم تحصله منها ديناً في ذمّته كما تقدّمت الإشارة إليه ، فلو مات اُخرج من أصل تركته كسائر ديونه ، ولو ماتت انتقل إلى ورثتها كسائر تركتها ، سواء طالبته بالنفقة في حينه أو سكتت عنها ، وسواء قدّرها ـ أي النفقة ـ الحاكم وحكم بها أم لا ، وسواء عاشت بالعسر ـ أي بالضيق ـ أو أنفقت هي على نفسها ـ باقتراض أو بدونه ـ أو أنفق الغير عليها تبرّعاً من نفسه ، ولو أنفق الغير عليها ديناً على ذمّة زوجها مع الاستئذان في ذلك من الحاكم الشرعي اشتغلت له ذمّة الزوج ـ أي بقي ديناً في ذمّته ـ بما أنفق ، ولو أنفق ـ أي الغير ـ عليها تبرّعاً عن زوجها لم تشتغل ذمّة الزوج له ولا للزوجة ، أي لا يكون ذلك الإنفاق ديناً لا في ذمّتها ولا في ذمّة الزوج.

١٩٠

٢٠ ـ لا يعتبر في استحقاق الزوجة النفقة على زوجها فقرها وحاجتها ، بل تستحقّها على زوجها وإن كانت غنيّة غير محتاجة.

٢١ ـ نفقة النفس مقدّمة على نفقة الزوجة ، فإذا لم يكن للزوج مال يفي بنفقة نفسه ونفقة زوجته أنفق على نفسه ، فإن زاد شيء صرفه إليها.

٢٢ ـ المقصود بنفقة النفس المقدّمة على نفقة الزوجة مقدار قوت يومه وليلته ، وكسوته وفراشه وغطائه ، وغير ذلك ممّا يحتاج إليه في معيشته ، بحسب حاله وشأنه.

٢٣ ـ إذا اختلف الزوجان في الإنفاق وعدمه مع اتفاقهما على استحقاق النفقة ، فالقول قول الزوجة مع يمينها ، إذا لم تكن للزوج بيّنة ، أي شاهدين من الرجال.

٢٤ ـ إذا كانت الزوجة حاملاً ووضعت ، وقد طُلّقت رجعيّاً ، فادّعت الزوجة أنّ الطلاق كان بعد الوضع ـ أي وضع حملها ـ فتستحقّ عليه ـ أي على الزوج ـ وادّعى الزوج أنّه كان ـ أي استحقاقها للإنفاق ـ قبل الوضع وقد انقضت عدّتها فلا نفقة لها ، فالقول قول الزوجة مع يمينها ، فإن حلفت استحقّت النفقة ، ولكن الزوج يلزم باعترافه ـ لأنّه اعترف بانقضاء عدّتها ـ فلا يجوز له الرجوع إليها.

٢٥ ـ إذا اختلفا في الإعسار واليسار ـ أي في كون الزوج قادراً على الإنفاق أو غير قادر عليه لفقره ـ فادّعى الزوج الإعسار وأنّه لا يقدر على الإنفاق ، وادّعت الزوجة يساره ـ أي قدرته عليه ـ كان القول قول الزوج مع يمينه. نعم إذا كان الزوج مؤسراً وادّعى تلف أمواله وأنّه صار معسراً فأنكرته الزوجة كان القول قولها مع يمينها.

١٩١

القرابة

١ ـ يثبت للأبوين حقّ الإنفاق على ابنهما ، كما يثبت للولد ـ ذكراً كان أو أُنثى ـ حقّ الإنفاق على أبيه.

٢ ـ يشترط في وجوب الإنفاق على القريب فقره ، بمعنى عدم وجدانه لما يحتاج إليه في معيشته فعلاً ، من طعام وأدام وكسوة وفراش وغطاء ومسكن ونحو ذلك ، فلا يجب الإنفاق على الواجد لنفقته فعلاً وإن كان فقيراً شرعاً ، أي لا يملك مؤونة سنته.

وأمّا غير الواجد لها ، فإن كان متمكّناً من تحصيلها بالاستعطاء أو السؤال لم يمنع ذلك من وجوب الإنفاق عليه بلا إشكال ، نعم لو استعطى فاُعطي مقدار نفقته الفعليّة لم يجب على قريبه الإنفاق عليه ، وهكذا الحال لو كان متمكّناً من تحصيلها بالأخذ من حقوق الفقراء من الأخماس والزكوات والصدقات وغيرها ، أو كان متمكّناً من الاقتراض ولكن بحرج ومشقة ، أو مع احتمال عدم التمكّن من وفائه فيما بعد احتمالاً معتدّاً به ، وأمّا مع عدم المشقّة في الاقتراض ووجود محلّ الإيفاء فالظاهر عدم وجوب الإنفاق عليه.

ولو كان متمكّناً من تحصيل نفقته بالاكتساب ، فإن كان ذلك بالقدرة على تعلّم صنعة أو حرفة يفي مدخولها بنفقته ولكنّه ترك التعلّم فبقي بلا نفقة ، وجب على قريبه الإنفاق عليه ما لم يتعلّم ، وهكذا الحال لو أمكنه الاكتساب بما يشقّ عليه تحمّله كحمل الأثقال ، أو بما لا يناسب شأنه كبعض الأشغال المناسبة لبعض

١٩٢

الأشخاص ولم يكتسب لذلك ، فإنّه يجب على قريبه الإنفاق عليه.

وإن كان قادراً على الاكتساب بما يناسب حاله وشأنه ، كالقويّ القادر على حمل الأثقال ، والوضيع اللائق بشأنه بعض الأشغال ، ومن كان كسوباً وله بعض الأشغال والصنائع ، وقد ترك ذلك طلباً للراحة ، فالظاهر عدم وجوب الإنفاق عليه ، نعم لو فات عنه زمان اكتسابه بحيث صار محتاجاً فعلاً بالنسبة إلى يوم أو أيام ، غير قادر على تحصيل نفقتها وجب الإنفاق عليه وإن كان ذلك العجز قد حصل باختياره ، كما أنّه لو ترك الاشتغال بالاكتساب لا لطلب الراحة بل لاشتغاله بأمر دنيويّ أو دينيّ مهم كطلب العلم الواجب ، لم يسقط بذلك التكليف بوجوب الإنفاق عليه.

٣ ـ إذا أمكن المرأة التزويج بمن يليق بها ويقوم بنفقتها دائماً أو منقطعاً ، فلا يجب على أبيها أو إبنها الانفاق عليها.

٤ ـ لا يشترط في ثبوت حقّ الإنفاق كون المُنفِق أو المُنفَق عليه مسلماً أو عادلاً ، ولا في المنفَق عليه كونه ذا علّة من عمىً وغيره ، نعم يعتبر فيه ـ فيما عدا الأبوين ـ أن لا يكون كافراً حربيّاً ـ أي غير كتابيّ من أصناف الكفّار الذين لا ينتسبون إلى الاسلام ـ أو من بحكمه ، أي الكتابيّ الذي بغى واعتدى على المسلمين ، أو الذي أخلّ بشرائط الذمّة من اليهود والنصارى والمجوس ، وغير ذلك من أقسام الكفّار ، وكذلك الخوارج والغلاة والنواصب.

٥ ـ هل يشترط في ثبوت حقّ الإنفاق كمال المنفِق بالبلوغ والعقل ، أم لا ؟

وجهان ، أقربهما العدم ، فيجب على الولي أن ينفق من مال الصبيّ والمجنون على من يثبت له حقّ الإنفاق عليهما.

٦ ـ يشترط في وجوب الإنفاق على القريب قدرة المنفِق على نفقته بعد نفقة

١٩٣

نفسه وزوجته الدائمة ، فلو حصل له قدر كفاية نفسه وزوجته خاصة لم يجب عليه الإنفاق على أقربائه ، ولو زاد من نفقة نفسه وزوجته شيء صرفه في الإنفاق عليهم ، والأقرب منهم مقدّم على الأبعد ، فالولد مقدّم على ولد الولد ، ولو تساووا وعجز عن الإنفاق عليهم جميعاً فالأظهر وجوب توزيع الميسور عليهم بالسويّة إذا كان ممّا يقبل التوزيع ويمكنهم الانتفاع به ، والاّ فالأحوط الأولى أن يقترع بينهم وإن كان الأقرب أنّه يتخير في الانفاق على أيّهم شاء.

٧ ـ إذا كان بحاجة إلى الزواج ، وكان ما لديه من المال لا يفي بنفقة الزواج ونفقة قريبة معاً ، جاز له أن يصرفه في زواجه وإن لم يبلغ حدّ الاضطرار إليه أو الحرج في تركه.

٨ ـ إذا لم يكن عنده ما ينفقه على قريبه ، وكان متمكّناً من تحصيله بالاكتساب اللائق بشأنه ، وجب عليه ذلك ، وإلاّ أخذ من حقوق الفقراء أو استدان لذلك.

٩ ـ لا تقدير لنفقة القريب شرعاً ، بل الواجب القيام بما يقيم حياته من طعام وأدام وكسوة ومسكن وغيرها ، مع ملاحظة حاله وشأنه زماناً ومكاناً ، حسبما مرّ في نفقة الزوجة.

١٠ ـ ليس من الإنفاق الواجب للقريب ـ ولداً كان أو والداً ـ بذل مصاريف زواجه من الصداق وغيره وإن كان ذلك أحوط ـ وجوباً ـ لا سيّما في الأب مع حاجته ـ أي مع حاجة الأب أو الابن ـ الى الزواج وعدم قدرته على نفقاته.

١١ ـ ليس من الإنفاق الواجب للقريب أداء ديونه ، ولا دفع ما ثبت عليه من فدية أو كفّارة أو أرش جنايةٍ ـ أي غرامة الجناية ـ ونحو ذلك.

١٢ ـ يجب على الولد نفقة والده دون أولاده ـ أي سواء كانوا إخوته من أبيه أو من اُمّه وأبيه ـ لأنّهم إخوته ، ودون زوجته ـ أي زوجة الأب ـ ويجب على الوالد نفقة

١٩٤

ولده دون زوجته ـ أي زوجة الولد ـ ونفقة أولاد ولده ـ أي أحفاده ـ أيضاً بناءً على ما تقدّم من وجوب نفقة الولد على جدّه.

١٣ ـ يجزئ في الإنفاق على القريب بذل المال له على وجه الإمتاع ـ أي على نحو يمكنه الاستفادة منه ـ والانتفاع ، ولا يجب تمليكه له ، فإن بذله له من دون تمليك لم يكن له ـ أي لا يحقّ له ـ أن يملّكه أو يبيحه للغير ، إلاّ إذا كان مأذوناً في ذلك من قبل المالك ، ولو ارتزق بغيره وجبت عليه إعادته إليه ـ أي إلى المالك ـ ما لم يكن مأذوناً بالتصرّف فيه حتى على هذا التقدير.

١٤ ـ يجزئ في الإنفاق على القريب بذل الطعام والأدام ونحوهما له في دار المُنفِق ، ولا يجب نقلها إليه في دار اُخرى ، ولو طلب المنفَق عليه ذلك لم تجب إجابته ، إلاّ إذا كان له عذر من استيفاء النفقة في بيت المنفِق من حرّ أو برد أو وجود من يؤذيه هناك أو نحو ذلك.

١٥ ـ نفقة الأقارب تقبل الإسقاط بالنسبة إلى الزمان الحاضر على الأظهر ، ولا تقبل الإسقاط بالنسبة إلى الأزمنة المستقبلة.

١٦ ـ لا تُقضى ولا تُتدارك نفقة الأقارب لو فاتت في وقتها وزمانها ولو بتقصير من المُنفِق ، ولا تستقرّ في ذمّته ـ أي في ذمّة المنفق ـ بخلاف نفقة الزوجة كما مرّ ـ أي لا تسقط وإن فات وقتها ـ نعم لو أخلّ بالإنفاق الواجب عليه ورفع من له الحقّ ـ أي الذي تجب نفقته ـ أمره إلى الحاكم الشرعي فأذن له في الاستدانة عليه ـ أي يستدين من شخص ويكون الوفاء على الذي يجب أن ينفِق ـ ففعل اشتغلت ذمّته بما استدانه ووجب عليه أداؤه.

١٧ ـ إذا دافع وامتنع من وجبت عليه نفقة قريبة عن بذلها جاز لمن له الحقّ

١٩٥

إجباره عليه ، ولو باللجوء إلى الحاكم وإن كان جائراً. وإن لم يمكن إجباره ، فإن كان له مال جاز له أن يأخذ منه بمقدار نفقته بإذن الحاكم الشرعي ، وإلاّ ـ أي وإن لم يكن له مال ـ جاز له ـ أي لمن له الحقّ ـ أن يستدين على ذمّته بإذن الحاكم ، فتشتغل ذمّته ـ أي ذمّة من وجب عليه الانفاق ـ بما استدانه ويجب عليه قضاؤه ، وإن تعذّر عليه ـ أي على صاحب الحقّ ـ مراجعة الحاكم رجع إلى بعض عدول المؤمنين ، واستدان عليه بإذنه ، فيجب عليه أداؤه.

١٩٦

كتاب الطلاق

شروط المطلِّق

يشترط في المطلِّق أُمور :

الأمر الأوّل البلوغ : فلا يصح طلاق الصبيّ ، لا مباشرة ولا بتوكيل الغير وإن كان مميّزاً ـ والمميِّز : هو الذي يدرك الطلاق ويعقله ـ وإن لم يبلغ عشر سنين ، وأمّا طلاق من بلغها ـ أي العشر سنين ـ ففي صحته إشكال ، فلا يترك مقتضى الاحتياط فيه (١).

٢ ـ كما لا يصح طلاق الصبيّ بالمباشرة ولا بالتوكيل ، لا يصح طلاق وليّه عنه ، كأبيه وجدّه فضلاً عن الوصي والحاكم الشرعي.

الأمر الثاني العقل : فلا يصح طلاق المجنون وإن كان جنونه أدواريّاً ـ أي غير مستغرق لجميع الوقت ، بل يجنّ في بعض الأوقات ويرجع إلى عقله في الأوقات الاُخرى ـ إذا كان الطلاق في دور جنونه.

٣ ـ يجوز للأب والجدّ للأب أن يطلّق عن المجنون المطبق ـ أي غير الإدواري ـ زوجته مع مراعاة مصلحته ، سواء بلغ مجنوناً ـ أي وصل إلى سنّ البلوغ وهو مجنون ـ أو عرض عليه الجنون بعد البلوغ ، فإن لم يكن له أب ولا جدّ كان الأمر إلى الحاكم الشرعي.

وأمّا المجنون الإدواري فلا يصح طلاق الولي عنه وإن طال دوره ، بل يطلّق هو

__________________

(١) الاحتياط هنا وجوبي.

١٩٧

حال إفاقته ، وكذا السكران والمغمى عليه فإنّه لا يصح طلاق الولي عنهما ، بل يطلّقان حال إفاقتهما.

الأمر الثالث القصد : بأن يقصد الفراق حقيقةً ، فلا يصح طلاق السكران ونحوه ممّن لا قصد له معتدّاً به ، وكذا لو تلفّظ بصيغة الطلاق في حالة النوم ، أو هزلاً ، سهواً أو غلطاً أو في حال الغضب الشديد الموجب لسلب القصد ، فإنّه لا يؤثر في الفرقة ، وكذا لو أتى بالصيغة للتعليم أو الحكاية أو التلقين ، أو مداراةً لبعض نسائه مثلاً ولم يردّ الطلاق جدّاً.

٤ ـ إذا طلّق ثمّ ادّعى عدم القصد فيه ، فإن صدّقته المرأة فهو ـ أي فلا يقع الطلاق ـ وإلاّ ـ أي وإن لم تصدّقه ـ لم يسمع منه ، أي يقع الطلاق.

الأمر الرابع الاختيار : فلا يصح طلاق المكرَه ومن بحكمه ، أي المضطرّ على الطلاق لسبب ما.

٥ ـ الإكراه : وهو إلزام الغير بما يكرهه بالتوعيد على تركه بما يضرّ بحاله ممّا لا يستحقّه ، مع حصول الخوف له من ترتّبه ، أي من ترتّب الضرر ، ويلحق به ـ موضوعاً أو حكماً ـ ما إذا أمره بإيجاد ما يكرهه مع خوف المأمور من إضراره به لو خالفه وإن لم يقع منه توعيد أو تهديد (١) ، وكذا لو أمره بذلك وخاف المأمور من قيام الغير بالإضرار به على تقدير مخالفته ، وهذا هو مثال ما يلحق به حكماً.

ولا يلحق به موضوعاً ولا حكماً ما إذا أوقع الفعل مخافة إضرار الغير به على تقدير تركه من دون إلزام منه إيّاه ، كما لو تزوّج امرأة ثمّ رأى أنّها لو بقيت في عصمته

__________________

(١) الإلزام بما يكرهه موضوعاً : بمعنى أن الآمر يريد منه إيجاد شيء يكرهه ـ مع خوف المأمور من الضرر ـ حتى وإن لم يوعده أو يهدّده.

١٩٨

لوقعت عليه وقيعة من بعض أقربائها ، فالتجأ إلى طلاقها فإنّه لا يضرّ ذلك بصحة الطلاق.

وهكذا الحال فيما إذا كان الضرر المتوعّد به ممّا يستحقّه ، كما إذا قال وليّ الدم للقاتل : طلّق زوجتك وإلاّ قتلتك ، أو قال الدائن للغريم : طلّق زوجتك وإلاّ طالبتك بالمال ، فطلّق فإنّه يصح طلاقه في مثل ذلك.

٦ ـ المقصود بالضرر الذي يخاف من ترتّبه ـ على تقدير عدم الإتيان بما اُلزم به ـ ما يعمّ الضرر الواقع على نفسه وعرضه وماله ، وعلى بعض من يتعلّق به ممّن يهمّه أمره.

٧ ـ يعتبر في تحقّق الإكراه أن يكون الضرر المتوعّد به ممّا لا يتعارف تحمّله لمثله تجنّباً عن مثل ذلك العمل المكروه ، بحيث يعدّ عند العقلاء مُلجِأً إلى ارتكابه ، وهذا أمر يختلف باختلاف الأشخاص في تحمّلهم للمكاره ، وباختلاف العمل المكروه في شدّة كراهته وضعفها ، فربّما يعدّ الإيعاد بضرر معيّن على ترك عمل مخصوص موجِباً ـ أي مؤدّياً ـ لإلجاء شخص إلى ارتكابه ، ولا يعدّ موجِباً لإلجاء آخر إليه ، وأيضاً ربّما يعدّ شخص مُلجأ إلى ارتكاب عمل يكرهه بإيعاده بضرر معيّن على تركه ، ولا يعدّ ملجأً إلى ارتكاب عمل آخر مكروه له أيضاً بإيعاده بمثل ذلك الضرر ، أي ربّما يكون شخص واحد يتحمّل مشقّة وضرر الإكراه على عمل دون عمل آخر.

٨ ـ يعتبر في صدق الإكراه عدم إمكان التفصّي ـ أي التخلّص ـ عنه بغير التورية ممّا لا يضرّ بحاله كالفرار والاستعانة بالغير ، ويعتبر فيه ـ أي في صدق عنوان الإكراه ـ عدم إمكان التفصّي بالتورية ولو من جهة الغفلة عنها ـ أي عن التورية ـ أو الجهل بها ، أو حصول الاضطراب المانع من استعمالها ، أو نحو ذلك.

١٩٩

٩ ـ إذا أكرهه على طلاق إحدى زوجتيه ـ أي لا على وجه التعيين ـ فطلّق إحداهما المعيّنة تجنّباً من الضرر المتوعّد به بطل ، ولو طلّقهما معاً بإنشاء واحد صحّ فيهما ـ وكذا لو أكرهه على طلاق كلتيهما بإنشاء واحد فطلّقهما تدريجاً ـ أي لا دفعة واحدة ـ أو طلّق إحداهما فقط.

وأمّا لو أكرهه على طلاقهما ولو متعاقباً ـ أي واحدة بعد الأُخرى ـ وأوعده على ترك مجموع الطلاقين فطلّق إحداهما عازماً على طلاق الأُخرى أيضاً ، ثمّ بدا له فيه وبنى على تحمّل الضرر المتوعّد به فالأظهر بطلان طلاقها ، أي لا يقع طلاق واحدة منهما.

١٠ ـ لو أكرهه على أن يطلّق زوجته ثلاث طلقات بينها رجعتان ، فطلّقها واحدة أو اثنتين ، ففي بطلان ما أوقعه إشكال بل منع ـ أي لا يبطل الطلاق ـ إلاّ إذا كان متوعّداً بالضرر على ترك كلٍّ منها أو كان عازماً في حينه على الإتيان بالباقي ثمّ بدا له فيه وبنى على تحمّل الضرر المتوعّد به ، أو أنّه احتمل قناعة المكره بما أوقعه وإغماضه عن الباقي فتركه ونحو ذلك.

١١ ـ إذا أوقع الطلاق عن إكراه ثمّ رضي به لم يفد ذلك في صحته ، وليسَ كالعقد المكره عليه الذي تعقّبه الرضى.

١٢ ـ لا حكم للإكراه إذا كان على حقّ ، فلو وجب عليه أن يطلّق وامتنع منه فاُكره عليه فطلّق صحّ الطلاق.

٢٠٠