الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله على لسان وصيّه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام

السيّد محسن الحسيني الأميني

الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله على لسان وصيّه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام

المؤلف:

السيّد محسن الحسيني الأميني


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: شفق للطباعة والنشر
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-485-069-1
الصفحات: ٣٣٦

(وَمِنْ كِتٰابٍ لَهُ عَلَيْهِ السَّلٰامُ) (١)

وَكٰانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَاٰلِهِ إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ ، وَأَحْجَمَ النّٰاسُ قَدَّمَ أَهْلَ بَيْتِهِ فَوَقىٰ بِهِمْ أَصْحٰابَهُ حَرَّ السُّيُوفِ وَالْأَسِنَّةِ ، فَقُتِلَ عُبَيْدَةُ بْنُ الحٰارِثِ يَوْمَ بَدْرٍ ، وَقُتِلَ حَمْزَةُ يَوْمَ أُحُدٍ ، وَقُتِلَ جَعْفَرٌ يَوْمَ مُؤْتَةَ.

قوله عليه‌السلام : «وَكٰانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَاٰلِهِ إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ» أي إذا إشتدّ القتال حتّى احمرّت الأرض من الدم.

قوله عليه‌السلام : «وَأَحْجَمَ النّٰاسُ» قال الجوهري : حجمته عن الشيئ فأحجم ، أي : كففته فكفّ. وهو من النوادر ، مثل كببته فأكبّ (٢).

والمراد إنّ الناس كفّوا عن الحرب وجنّبوا عن الإقدام.

قوله عليه‌السلام : «قَدَّمَ أَهْلَ بَيْتِهِ فَوَقىٰ بِهِمْ أَصْحٰابَهُ حَرَّ السُّيُوفِ وَالْأَسِنَّةِ» وإنّما قدّمهم ليظهر على العالم أنّهم السابقون في كلّ خير ، وقد تأدّب صلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك من الله تعالى حيث قال له أوّلاً : «وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» (٣) حيث صعد رسول الله على الصفا وأخذ يهتف وينادي قومه وقال : يابني عبد المطلب ، با بني عبد مناف ، يا بني زهرة : إنّ الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين : «نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ» (٤).

وقال له ثانياً : «وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا» (٥).

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ص ٣٦٨ ـ ٣٦٩ ، الكتاب : ٩.

٢ ـ الصحاح : ج ٥ ، ص ١٨٩٤ ، مادة «رجم».

٣ ـ الشعراء : ٢١٤.

٤ ـ سبأ : ٤٦.

٥ ـ طه : ١٣٢.

٢٦١

وفي الحديث كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يأتي باب فاطمة على تسعة أشهر عندكلّ غداة فيقول : الصّلاة الصّلاة رحمكم الله «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» (١).

فإنّ الله أمره أن يخصّ أهله دون الناس ليعلم الناس أنّ لأهل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله عند الله منزلة خاصّة ليست للناس. إذ أمرهم مع الناس عامّة ثم أمرهم خاصّة ، ليعلم الناس تأخّرهم عن أهل بيت الرسالة (٢).

قوله عليه‌السلام : «فَقُتِلَ عُبَيْدَةُ بْنُ الحٰارِثِ يَوْمَ بَدْرٍ» قال : الحموي وبدر : ماء مشهور بين مكة والمدينة أسفل وادي الصفراء بينه وبين الجار ، وهو ساحل البحر ، ليلة. ويقال : انه ينسب إلى بدر بن يخلد بن النضر بن كنانة ، وقيل : بل هو رجل من بني ضَمْرَة سكن هذا الموضع فنسب إليه ثم غلب إسمه عليه (٣).

وفي الصحاح : وبدرٌ : موضع ، يذكر ويؤنث ، وهو إسم ماء.

قال الشعبي : بدر : بئر كانت لرجل يدعى بدراً. ومنه يوم بدر (٤).

وكانت وقعة بدر يوم الجمعة سبع عشر ليلة خلت من شهر رمضان من سنة اثنين من الهجرة.

روى الشيخ المفيد قدس سره مسنداً عن أبي رافع ، قال : لمّا أصبح الناس يوم بدر إصطفّت قريش ، وأمامها عتبة بن ربيعة ، وأخوه شيبة وإبنه الوليد ،

__________________

١ ـ الأحزاب : ٣٣.

٢ ـ تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٦٧ ، وأخرجه الشيخ الطوسي في أماليه : ص ٨٩ ، ح ١٣٨ / ٤٧ ، المجلس الثالث والطبرسي في مجمع البيان : ج ٧ ـ ٨ ، ص ٣٧ ، وإبن عساكر في ترجمة علي عليه‌السلام : ج ١ ، ص ٢٧٢ ، ح ٣٢٠ ، والحسكاني : في شواهد التنزيل : ج ١ ، ص ٤٩٧ ، ح ٥٢٦.

٣ ـ معجم البلدان : ج ١ ، ص ٣٥٧.

٤ ـ الصحاح : ج ٢ ، ص ٥٨٦ ، مادة «بدر».

٢٦٢

فنادى عتبة : يا محمّد أخرج إلينا أكفّائنا من قريش فبدر إليهم ثلاثة من شبّان الأنصار ، فقال لهم عتبة : من أنتم؟ فانتسبوا له.

فقال لهم : لا حاجة لنا إلى مبارزتكم ، إنّما طلبنا بني عمّنا.

فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله للأنصار : إرجعوا إلى موافقكم. ثم قال : قم يا علي ، قم ياحمزة ، قم يا عبيدة ، قاتلوا على حقّكم الذي بعث الله به نبيّكم ، إذ جاؤوا بباطلهم «لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ» (١).

فقاموا فصفّوا للقوم ، وكان عليهم البيض فلم يُعرفوا.

فقال لهم عتبة : تكلّموا ، فإن كنتم أكفّائنا قاتلناكم.

فقال حمزة : أنا حمزة بن عبدالمطلب أسد الله وأسد رسوله ، فقال عتبة : كفوّ كريم.

وقال أميرالمؤمنين عليه‌السلام : أنا علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب.

وقال عبيدة : أنا عبيدة بن الحارث بن عبدالمطلب.

فقال عتبة لإبنه الوليد : قم فبرز إليه أميرالمؤمنين عليه‌السلام وكانا إذ ذاك أصغر الجماعة سنّاً فاختلفا ضربتين ، أخطأت ضربة الوليد أميرالمؤمنين عليه‌السلام واتّقى بيده اليسرى ضربة أميرالمؤمنين عليه‌السلام فأبانتها.

فروي أنّه عليه‌السلام كان يذكر بدراً وقتله الوليد ، فقال : كأنّي إلى وميض خاتمه في شماله ثم ضربته ضربة أخرى فصرعته وسلبته ، فرأيت به درعاً من خلوق ، فعلمت أنّه قريب عهد بعرس ، ثم بارز عتبة حمزة ، فقتله حمزه ، ومشى عبيدة ، وكان أسن القوم إلى شيبة فاختلفا ضربتين ، فأصاب ذباب سيف شيبة عضلة ساق عبيدة. فمات بالصفراء ، وفي قتل عتبة وشيبة والوليد تقول هند بنت عتبة :

__________________

١ ـ الصف : ٨.

٢٦٣

أيا عين جودي بدمع سرب

على خير خندف لم ينقلب

تداعى له رهط غدوة

بنوهاشم وبنو المطلب

يذيقونه حد أسيافهم

يعيّرونه بعد ما قد شجب (١)

وقال علي بن إبراهيم القمي في تفسيره : نظر عتبة إلى أخيه شيبة ، ونظر إلى إبنه الوليد ، فقال : قم يا بني فقام ، ثم لبس درعه وطلبوا له بيضة تسع رأسه ، فلم يجدوها لعظم هامته ، فاعتمّ بعمّامتين ثم أخذ سيفه وتقدّم هو وأخوه وإبنه ، ونادى : يا محمّد أخرج إلينا أكفّائنا من قريش ، فبرز إليه ثلاثه نفر من الأنصار عود ومعود وعوف من بني عفرا.

فقال عتبة : من أنتم؟ إنتسبوا لنعرفكم.

فقالوا نحن بنو عفرا أنصار الله وأنصار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

قال : إرجعوا ، فإنّا لسنا إيّاكم نريد ، إنّما نريد الأكفّاء من قريش ، فبعث إليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن أرجعوا فرجعوا ، وكره أن يكون أوّل الكرّة بالأنصار ، فرجعوا ووقفوا مواقفهم.

ثم نظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى عبيدة بن الحارث بن عبدالمطلب وكان له سبعون سنة ، فقال له : ثم يا عبيدة! فقام بين يديه بالسيف ، ثم نظر إلى حمزة بن عبدالمطلب ، فقال : قم يا عم ، ثم نظر إلى أميرالمؤمنين عليه‌السلام فقال له : قم يا علي! وكان أصغرهم فقال : فاطلبوا بحقّكم الذي جعله الله لكم قدجاءت قريش بخيلائها وفخرها تريد أن تطفىء نور الله «وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ» (٢).

ثم قال رسول الله : يا عبيدة عليك بعتبة ، وقال لحمزة : عليك بشيبة ،

__________________

١ ـ الإرشاد للمفيد : ٤٠ ، والنقل بتصرف يسير.

٢ ـ التوبة : ٣٢.

٢٦٤

وقال لعلي عليك بالوليد بن عتبة ، فمرّوا حتّى إنتهوا إلى القوم.

فقال عتبة : من أنتم؟ إنتسبوا لنعرفكم ، فقال عبيدة : أنا عبيدة بن حارث بن عبدالمطلب ، فقال : كفوٌ كريم فمن هذان؟ قال : حمزة بن عبدالمطلب ، وعلي بن أبي طالب عليهما‌السلام فقال : كفوان كريمان. لعن الله من أوقفنا وإيّاكم هذا الموقف. فقال شيبة لحمزة : من أنت؟.

فقال : أنا حمزة بن عبدالمطلب أسد الله وأسد رسوله ، وقال له شيبة : لقد لقيت أسد الحلفاء فانظر كيف تكون صولتك يا أسد الله! فحمل عبيدة على عتبة فضربه على رأسه ضربة ففلق هامته ، وضرب عتبة عبيدة على ساقه قطعها ، وسقطا جميعاً ، وحمل حمزة على شيبة فتضاربا بالسيفين حتّى انثلما وكلّ واحد يتّقي بدرقته.

وحمل أميرالمؤمنين عليه‌السلام على الوليد بن عتبة ، فضربه على عاتقه فأخرج السيف من إبطه ، فقال علي عليه‌السلام : فأخذ يمينه المقطوعة بيساره فضرب بها هامتي فظننت أنّ السماء وقعت على الأرض.

ثم اعتنق حمزة وشيبة ، فقال المسلمون : يا علي أماترى الكلب قد أبهر عمّك؟

فحمل علي عليه‌السلام ثم قال : يا عم طأطأ رأسك وكان حمزة أطول من شيبة فأدخل حمزه رأسه في صدره فضربه أميرالمؤمنين عليه‌السلام على رأسه فطيّر نصفه ، ثم جاء إلى عتبة وبه رمق فأجهز عليه ، وحمل عبيدة بين حمزة وعلي حتّى أتيا به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فنظر إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله واستعبر. فقال : يا رسول الله بأبي أنت وأمي ألستُ شهيداً؟ فقال : بلى أنت أوّل شهيد من أهل بيتي.

قال : أمّا لو كان عمّك حيّاً لعلم أني أولى بما قال منه.

٢٦٥

قال : وأيّ أعمامي تعني؟ قال : أبوطالب حيث يقول عليه‌السلام :

كذبتم وبيت الله نبرأ محمّداً

ولما نطاعن دونه ونناضل

وننصره حتّى نصرع حوله

ونذهل عن أبنائنا والحلائل

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أما ترى ابنه كاليث العادي بين يدي الله ورسوله ، وابنه الآخر في جهاد الله بأرض الحبشة.

فقال : يا رسول الله أسخطت عليّ في هذه الحالة. فقال : ما سخطت عليك ولكن ذكرت عمّي فانقبضت لذلك (١).

وروى إبن سعد أنّ قوله تعالى : «هَٰذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ» (٢) نزل في حمزة بن عبدالمطّلب ، وعلي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وعبيدة بن الحارث ، وعتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، والوليد بن عتبة (٣).

قوله عليه‌السلام : «وَقُتِلَ حَمْزَةُ يَوْمَ أُحُدٍ» قال حموى : أُحدْ : بضم أوّله وثانيه معاً : اسم الجبل الذي كانت عنده غزوة اُحُدْ ، وعنده كانت الواقعة الفضيعة الّتي قُتِلَ فيها حمزة عمّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وسبعون من المسلمين ، وكسرت رباعيّة النبيّ ، صلى‌الله‌عليه‌وآله وشجّ وجهه الشريف ، وكُلِمَت شفته ، وكان يوم بلاء وتمحيص ، وذلك لسنتين وتسعة أشهر وسبعة أيّام من مهاجرة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو في سنة ثلاث (٤).

وكان يوم اُحد : يوم بلاء ومصيبة وتمحيص إختبر الله المؤمنين ومحنّ به المنافقين ممّن كان يظهر الإيمان بلسانه وهو مستخف بالكفر في قبله.

__________________

١ ـ تفسير القمي : ج ١ ، ص ٢٦٤ ـ ٢٦٦.

٢ ـ الحج : ١٩.

٣ ـ الطبقات الكبرى : ج ٢ ، ص ١٢ وج ٣ ، ص ١٢.

٤ ـ معجم البلدان : ج ١ ، ص ١٠٩.

٢٦٦

وقال علي بن ابراهيم في حديث : كان حمزة بن عبدالمطلب يحمل على القوم فإذا رأوه إنهزموا ولم يثبت له واحداً ، وكانت هند بنت عتبة قد أعطت وحشيّاً عهداً : لئن قتلت محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله أو عليّاً عليه‌السلام أو حمزة لأعطيتك رضاك ، وكان وحشي عبداً لجبير بن مطعم حبشيّاً ، فقال وحشي : أمّا محمّد فلا أقدر عليه ، وأمّا علي فرأيته رجلاً حذراً كثير الإلتفات فلم أطمع فيه ، قال : فكمنت لحمزة فرأيته يهدّ الناس هدّاً فمرّ بي فوطئ على جرف نهر فسقط ، فأخذت حربتي فهززتها ورميته فوقعت في خاصرته ، وخرجت من مثّانته فغمسه بالدم فسقط ، فأتيته فشققت بطنه وأخذت كبده ، وأتيت بها إلى هند فقلت لها : هذه كبد حمزة فأخذها في فيها فلاكتها فجعلها الله في فيها مثل الداغصة (١) فلفضتها ورمت بها ، فبعث الله ملكاً فحملها وردّها إلى موضعها ، يأبى الله أن يدخل شيئاً من بدن حمزة النار ، فجاءت إليه هند فقطعت مذاكيره ، وقطعت أذنيه وجعلتهما خرصين (٢) وشدّتهما في عنقها ، وقطعت يديه ورجليه ، ... ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من له علم بعمّى حمزة ، فقال الحرث بن سميّة : أنا أعرف موضعه ، فجاء حتّى وقف على حمزة فكره أن يرجع إلى رسول الله فيخبره.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأميرالمؤمنين عليه‌السلام : يا علي أُطلب عمّك فجاء علي عليه‌السلام فوقف على حمزة فكره أن يرجع إليه ، فجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى وقف عليه ، فلمّا رأى ما فعل به بكى. ثم قال : والله ما وقفت موقفاً قط أغيظ عليّ من هذا المكان لئن أمكنني الله من قريش لأمثلنّ بسبعين رجلاً منهم ، فنزل عليه جبرئيل عليه‌السلام.

__________________

١ ـ الداغصة : عظم مدوّر في الركبة.

٢ ـ الخرص : حلقة الذهب أوالفضة.

٢٦٧

فقال : «وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ» (١) فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : بل أصبر ، فألقى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على حمزة بردة كانت عليه فكانت إذا مدّها على رأسه بدت رجلاه ، وإذا مدّها على رجليه بدا رأسه ، فمدّها على رأسه ، وألقى على رجليه الحشيش ، وقال : لو لا إنّني أحذر نساء بني عبدالمطلب لتركته للعادية والسباع حتّى يحشر يوم القيامة من بطون السباع والطير.

وأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالقتلى فجمعوا فصلّى عليهم ودفنهم في مضاجعهم ، وكبّر على حمزة سبعين تكبيرة (٢).

قوله عليه‌السلام : «وَقُتِلَ جَعْفَرٌ يَوْمَ مُؤْتَةَ» قال الحموي : مؤته : قرية من قرى البلقاء في حدود الشام ، وبها قبر جعفر بن أبي طالب (٣).

روى إبن سعد بإسناده : عن أبي عامر ، قال : بعثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الشام ، فلمّا رجعت مررت على أصحابي وهم يقاتلون المشركين بمؤتة ، قلت : والله لا أبرح اليوم حتّى أنظر إلى ما يصير إليه أمرهم ، فأخذ اللواء جعفر بن أبي طالب ، ولبس السلاح ، ثم حمل جعفر حتّى إذا همّ أن يخالط العدو رجع فَوَحّش بالسلاح ، ثم حمل على العدو وطاعن حتّى قتل ، ثم أخذ اللواء زيد بن حارثة وطاعن حتّى قتل ، ثم أخذ اللواء عبدالله بن رواحة وطاعن حتّى قتل ، ثم انهزم المسلمون أسوء هزيمة (٤).

* * *

__________________

١ ـ النحل : ١٢٦.

٢ ـ تفسير القمّي : ج ١ ، ص ١١٦ ـ ١٢٣.

٣ ـ معجم البلدان : ج ٥ ، ص ٢٢٠.

٤ ـ الطبقات الكبرى : ج ٢ ، ص ٩٩.

٢٦٨

(وَمِنْ حِكَمِهِ عَلَيْهِ السَّلٰامُ) (١)

إِنَّ وَلِىَّ مُحَمَّدٍ مَنْ أَطٰاعَ اللهَ وَإِنْ

بَعُدَتْ لُحْمَتُهُ ، وَإِنَّ عَدُوَّ مُحَمَّدٍ مَنْ

عَصَى اللهَ وَإِنْ قَرُبَتْ قَرٰابَتُهُ.

قال الجوهري : اللحمة بالضم : القرابة (٢) نبّه عليه‌السلام بقوله هذا على أنّ العبرة في الولاء والعداء لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هي إطاعة الله عزّوجلّ ومعصيته ، فمن أطاعه فهو موالي له ، ومن عصاه فهو عدوه وإن كان من لحمته وأقربائه ، ولقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم لبضعته كما جاء في الخبر : يا فاطمة بنت رسول الله! سليني بما شئت. لا اُغني عنك من الله شيئا (٣).

وقال إبن أبي الحديد : قال رجل لجعفر بن محمّد عليهم‌السلام : أرأيت قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن فاطمة أحصنت فرجها فحرّم الله ذريتها على النّار أليس هذا أماناً لكلّ فاطمي في الدنيا؟

فقال : إنّك لأحمق ، إنّما أراد حسناً وحسيناً لأنّهما من لحمة أهل البيت ، فأمّا من عداهما من قعد به عمله لم ينهض به نسبه (٤).

أخرجه الشيخ الصدوق عن ياسر : قال : إنّ أباالحسن الرضا عليه‌السلام قال لأخيه زيد بن موسى عليه‌السلام : يا زيد غرّك قول سفلة أهل الكوفة : إنّ

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ص ٤٨٤ ، الحكمة : ٩٦.

٢ ـ الصحاح : ج ٥ ، ص ٢٠٢٧ ، مادة «لحم».

٣ ـ صحيح مسلم : ج ١ ، ص ١٩٣ ، ح ٣٥١ ـ ٣٥٢ ، وهكذا أخرجه النسائي في سننه : ج ٦ ، ص ٢٥٠ ، باب إذا أوصى لعشيرته الأقربين.

٤) ـ شرح نهج البلاغة : لإبن أبي الحديد : ج ١٨ ، ص ٢٥٢ ، الأصل ٩٢.

٢٦٩

فاطمة عليها‌السلام أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النّار؟ ذلك للحسن والحسين خاصة ، إن كنت ترى إنّك تعصي الله عزّوجلّ وتدخل الجنّة وموسى بن جعفر عليه‌السلام أطاع الله ودخل الجنّة فأنت إذاً أكرم على الله عزّوجلّ من موسى بن جعفر عليه‌السلام والله ما ينال أحد ما عندالله عزّوجلّ إلّا بطاعته ، وزعمت أنّك تناله بمعصيته ، فبئس ما زعمت! فقال له زيد : أنا أخوك وإبن أبيك. فقال له أبوالحسن عليه‌السلام : أنت أخى ما أطعت الله عزّوجلّ. إنّ نوحاً عليه‌السلام قال : «رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ» (١) فقال الله عزّوجلّ له : «يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ» (٢) فأخرجه الله عزّوجلّ من أن يكون أهله بمعصيته (٣).

وفي ذيل رواية اُخرى للوشاء : إلتفت عليه‌السلام إلى الوشاء.

وقال له : وأنت إذا أطعت الله عزّوجلّ فأنت منّا أهل البيت (٤).

وزاد عليه عليه‌السلام في رواية لإبن جهم قائلاً له : يابن جهم من خالف دين الله فأبرأ منه كائناً من كان ، من أيّ قبيلة كان ، ومن عادى الله فلا تواله كائناً من كان ، من أيّ قبيلة كان. فقلت له : يابن رسول الله ومن الذي يعادي الله تعالى؟ قال : من يعصيه (٥).

__________________

١ ـ هود : ٤٥.

٢ ـ هود : ٤٦.

٣ ـ عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ٢ ، ص ٢٣٥ ، ح ٤ ، باب ٥٨ ، قول الرضا عليه‌السلام لأخيه زيد بن موسى.

٤ ـ عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ٢ ، ص ٢٣٢ ، ح ١ ، باب ٥٨ ، قول الرضا عليه‌السلام لأخيه زيد بن موسى.

٥ ـ عيون اخبار الرضا عليه‌السلام : ج ٢ ، ص ٢٣٥ ، ح ٦ ، باب ٥٨ ، قول الرضا عليه‌السلام لأخيه زيد بن موسى.

٢٧٠

وفي حديث محمّد بن سنان قال : قال أبوالحسن الرضا عليه‌السلام : إنّا أهل بيت وجب حقّنا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فمن أخذ برسول الله حقّاً ولم يعط الناس من نفسه مثله فلا حقّ له (١).

وقال محمّد بن موسى الرازي : سمعت أبى يقول : قال رجل للرضا عليه‌السلام : والله ما على وجه الأرض أشرف منك أباً.

فقال : التقوىٰ شرفهم وطاعة الله أحظتهم ، فقال له آخر : أنت والله خير الناس.

فقال له : لا تحلف يا هذا ، خير منّي من كان أتقى لله تعالى وأطوع له ، والله ما نسخت هذه الآية : «وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» (٢) (٣).

وفي الكافي عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الصفا فقال : يا بني هاشم ، يا بني عبدالمطلّب إنّي رسول الله إليكم ، وإنّي شفيق عليكم ، وإنّ لي عملي ، ولكلّ رجل منكم عمله ، لا تقولوا : إنّ محمّداً منّا وسندخل مدخله ، فلا والله ما أوليائي منكم ولا من غيركم يا بني عبدالمطلب إلّاالمتّقون ، ألا فلا أعرفكم يوم القيامة تأتون تحملون الدنيا على ظهوركم ويأتون الناس يحملون الآخره ، ألا إنّي قد أعذرت إليكم فيما بيني وبينكم وفيما بيني وبين الله عزّوجلّ فيكم (٤).

وفي العيون عن الكاظم عليه‌السلام : إنّ إسماعيل قال لأبيه الصادق عليه‌السلام : ما

__________________

١ ـ عيون أخبارالرضا عليه‌السلام : ج ٢ ، ص ٢٣٦ ، ح ٩ ، باب ٥٨ ، قول الرضا عليه‌السلام لأخيه زيد بن موسى.

٢ ـ الحجرات : ١٣.

٣ ـ عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ٢ ، ص ٢٣٦ ، ح ١٠ ، باب ٥٨ ، قول الرضا عليه‌السلام لأخيه زيد بن موسى.

٤ ـ الكافي : ج ٨ ، ص ١٨٢ ، ح ٢٠٥.

٢٧١

تقول في المذنب منّا ومن غيرنا؟ فقال عليه‌السلام : «لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ» (١) (٢).

* * *

__________________

١ ـ النساء : ١٢٣.

٢ ـ عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ٢ ، ص ٢٣٤ ـ ٢٣٥ ، ح ٥ ، باب ٥٨ ، قول الرضا عليه‌السلام ، لأخيه زيد بن موسى.

٢٧٢

(وَمِنْ حِكَمِهِ عَلَيْهِ السَّلٰامُ) (١)

إذٰا كٰانَتْ لَكَ إِلَى اللهِ سُبْحٰانَهُ حٰاجَةٌ

فَابْدَأْ بِمَسْأَلَةِ الصَّلوٰةِ عَلىٰ رَسُولِهِ صَلَّى

اللهُ عَلَيْهِ وَاٰلِهِ ثُمَّ سَلْ حٰاجَتَكَ

فَإِنَّ اللهَ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ حٰاجَتَيْنِ

فَيَقْضِىَ إِحْدٰاهُمٰا وَيَمْنَعَ الْأُخْرىٰ.

قوله عليه‌السلام : «إذٰا كٰانَتْ لَكَ إِلَى اللهِ سُبْحٰانَهُ حٰاجَةٌ فَابْدَأْ بِمَسْأَلَةِ الصَّلوٰةِ عَلىٰ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَاٰلِهِ» الصّلاة في اللغة : بمعنى الدعاء ، ويؤيّده : بأن الصّلاة بهذا المعنى في أشعار الجاهليّة كثيرة الإستعمال.

والصّلاة عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله في غير الصّلاة وعند عدم ذكره مستحبّة عند جميع أهل الإسلام ، ولا يعرف من قال : بوجوبها غير الكرخي فانّه أوجبها في العمر مرّة كما في الشهادتين.

وأما في الصّلاة فأجمع علماؤنا رضوان الله عليهم على وجوبها في الشهادتين معا.

قال الشافعي (٢) : وهي مستحبّة في الأوّل وواجبة في

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ص ٥٣٨ ، الحكمة : ٣٦١.

٢ ـ هو أبو عبد الله محمّد بن إدريس بن العباس ، ينتهي نسبه إلى عبد مناف. والشافعي وهو أحد أئمّة المذاهب الأربعة ، ولد سنة ١٥٠ هجـ بغزّة ، نشأ بمكة ، وكتب العلم بها وبالمدينة ، وكان شديد التشيع وهو القائل :

إن كان رفضاً حبّ آل محمّد

فليشهد الثقلان إنّي رافضي

وله حول الولاية أشعار كثيرة ومدائح غفيرة ، منها : هذان البيتان المشهوران :

يا أهل بيت رسول الله حبّكم

فرض من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم القدر أنّكم

من لا يصلّي عليكم لا صلاة له

ـ

٢٧٣

الثاني (١) ، وقال أبو حنيفة (٢) ، ومالك (٣) : مستحبة فيهما معا (٤).

وأمّا عند ذكره صلى‌الله‌عليه‌وآله فظاهر كثير من الأخبار والأحاديث كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من ذُكرت عنده فلم يصلّ عليّ دخل النّار ، ومن ذكرت عنده فنسي الصّلاة عليّ خطىء به طريق الجنّة (٥).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ دخل النّار فأبعده الله (٦).

إنّها تجب كلّما ذكر ، وكلّما سمع ذكره ، لأنّ الوعيد إمارة الوجوب ، وهو

__________________

ـ ومنها :

إذا في مجلس ذكروا عليّاً

وشبله وفاطمة الزكيّة

يقال تجاوزوا يا قوم هذا

فهذا من حديث الرافضيّة

هربت إلى المهيمن من اُناسٍ

يرون الرفض حبّ الفاطميّة

على آل الرسول صلاة ربّي

ولعنته لتلك الجاهليّة

١ ـ بداية المجتهد ونهاية المقتصد : ج ١ ، ص ٣٢ ، والفقه على المذهب الاربعة : ج ١ ، ص ٢٣٤ و ٢٤٦.

٢ ـ هو النعمان بن ثابت بن زوطي أحد أصحاب المذاهب الأربعة ، صاحب الرأي والقياس والفتاوى المعروفة في الفقه ، ولد سنة ثمانين ، ومات سنة ماءة وخمسين هجري في بغداد. ودفن في مقبرة الخيزران ، وعاش سبعين سنة ، وتتلمّذ على يد الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليهما‌السلام سنتان حيث قال عنها : لو لا السنتان لهلك النعمان.

٣ ـ هو أبو عبد الله مالك بن أنس ، أحد أصحاب المذاهب الأربعة ، ولد في المدينة المنوّرة سنة ٩٥ هجريّة ، وتوفّي سنة ١٧٩ هجريّة ودفن بالبقيع في المدينة ، وتتلمّذ على يد الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام كما جاء في مقدمة الموطأ ، والموطأ كتاب جمع فيه الأحاديث النبويّة والفقه معاً.

٤ ـ الفقه على المذاهب الأربعة : ج ١ ، ص ٢٤٢ ـ ٢٤٣ ، وبداية المجتهد ونهاية المقتصد : ج ١ ، ص ١٣٢.

٥ ـ الكافي : ج ٢ ، ص ٤٩٥ ، ح ١٩ ، وثواب الأعمال : ص ٢٠٦ ، باب ٨ ، ح ١.

٦ ـ الكافي : ج ٢ ، ص ٤٩٥ ، ح ١٩.

٢٧٤

مختار إبن بابويه ، والمقداد من أصحابنا والطحاوي من العامة.

وقال الزمخشري : وهو الذي يقتضيه الإحتياط (١).

ومنهم من أوجبها في كلّ مجلس مرّة ، ومنهم من أوجبها في العمر مرّة ، والحقّ الوجوب عند ذكره وسماعه صلى‌الله‌عليه‌وآله للأخبار الكثيرة الصريحة بالأمر بها كلّما ذكر ، والأصل في الأمر الوجوب كما هو ظاهر ، وأمّا القول بالإستحباب مطلقا كما ذهب إليه جماعة مستدلّين بالأصل ، والشهرة المستندين إلى عدم تعليمه عليه‌السلام للمؤذّنين وتركهم ذلك مع عدم وقوع نكير عليهم كما يفعلون الآن ، ولو كان لنقل.

ففيه إنّ عدم التعليم ممنوع ، وكذا عدم النكير ، كعدم النقل.

فقد أخرجه الكليني بإسناده عن أبي جعفر عليه‌السلام إذا أذنت فأفصح بالألف والهاء ، وصلّ على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كلّما ذكرته ، أو ذكره ذاكر في أذان وغيره (٢).

مضافاً إلى أنّ عدم النقل لا يدلّ على عدمه ، وأصالة البرائة لا يصحّ التمسّك بها بعد ورود القرآن والأخباربه كقوله تعالى : «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا» (٣) فالصّلاة من الله تعالى : الرحمة ، ومن الملائكة : الإستغفار ، ومن الآدميين : الدعاء.

وكقول الصّادق عليه‌السلام : إذا ذكر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فأكثروا الصّلاة عليه (٤). حيث رتّب الأمر بالصّلاة على الذكر بالفاء التعقيبيّة.

والظاهر إن الأمر بها عام لكلّ أحد ، وعلى كلّ حالة ، والأخبار في فضل الصّلاة عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله أكثر من أن تحصىٰ.

فمنها ما أخرجه الكيني بإسناده عن أبي عبدالله عليه‌السلام إنه قال : إذا ذُكر

__________________

١ ـ الكشاف : ج ٣ ، ص ٥٥٨.

٢ ـ الكافي : ج ٣ ، ص ٣٠٣ ، ح ٧.

٣ ـ الأحزاب : ٥٦.

٤ ـ الكافي ج ٢ ، ص ٤٩٢ ، ح ٦.

٢٧٥

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فأكثروا الصّلاة عليه ، فإنّه من صلّى على النبيّ صلاة واحدة صلّى الله عليه ألف صلاة في ألف صفّ من الملائكة ، ولم يبق شيئ ممّا خلقه الله إلّا صلّى على ذلك العبد لصلاة الله عليه وصلاة ملائكته ، فمن لم يرغب في هذا فهو جاهل مغرور قد برأ الله منه ورسوله وأهل بيته (١).

وعنه عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من صلّى على محمّد وآل محمّد عشراً صلّى الله عليه وملائكته ألفا ، أما تسمع قوله الله عزّوجلّ : «هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا» (٢) (٣).

وعن أحدهما عليهما‌السلام قال : ما في الميزان شيئ أثقل من الصّلاة على محمّد وآل محمّد ، وأنّ الرجل لتوضع أعماله في الميزان فتميل به فيخرج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ الصّلاة عليه ـ فيضعها في مبزانه فترجّح به (٤).

وأخرجه الشيخ الصدوق عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام. قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا عند الميزان يوم القيامة ، فمن ثقلت سيّئاته جئت بالصّلاة علّي حتّى أثقّل بها حسناته (٥).

وعنه أيضاً قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إرفعوا أصواتكم بالصّلاة عليّ فإنّها تذهب بالنفاق (٦).

__________________

١ ـ الكافي : ج ٢ ، ص ٤٩٢ ، ح ٦ ، وثواب الأعمال : ص ١٥٤ ، ح ١ ، باب ثواب من صلّى على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله صلاة واحدة ، وفيه : «ولا يرغب عن هذا إلّا جاهل ...».

٢ ـ الأحزاب : ٤٣.

٣ ـ الكافي : ج ٢ ، ص ٤٩٣ ـ ٤٩٤ ، ح ١٤.

٤ ـ الكافي : ج ٢ ، ص ٤٩٤ ، ح ١٥.

٥ ـ ثواب الأعمال : ص ١٥٥ ، ح ١ ، باب ثواب الصّلاة على النبيّ.

٦ ـ الكافي : ج ٢ ، ص ٤٩٣ ، ح ١٣ ، وثواب الأعمال : ص ١٥٩ ، ح ١ ، باب ثواب من رفع صوته بالصّلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٢٧٦

وعنه عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من صلّى عليّ صلّى الله عليه وملائكته ، فمن شاء فليقل ، ومن شاء فليكثر (١).

وروى الطبري عن عمير الأنصاري ، قال : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : من صلّى علّي من أُمّتي صلاة مخلصاً بها من نفسه صلّى الله عليه بها عشر صلوات ، ورفعه بها عشر درجات ، وكتب له بها عشر حسنات ، ومحاعنه بها عشر سيّئات (٢).

وفي سنن أبي داود ، عن أوس بن أوس ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إنّ من أفضل أيّامكم يوم الجمعة ، فأكثروا علّي من الصّلاة فيه ، فإنّ صلاتكم معروضة عليّ ، فقالوا : يا رسول الله وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت ـ أي بليت ـ؟ قال : إنّ الله حرّم على الأرض أجساد الأنبياء (٣).

والصّلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وردت في الكتاب والسنّة ، وعلى آله وردت في السنة.

أخرجه النسائي عن كعب بن عجرة ، قال : قلنا : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله السّلام عليك قد عرفناه فكيف الصّلاة عليك؟.

قال : قولوا : اللّهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد ، كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم ، إنّك حميدٌ مجيدٌ ، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على إبراهيم وآل ابراهيم إنّك حميدٌ مجيدٌ (٤).

وأخرجه أحمد بن حنبل : عن اُم سلمة أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال

__________________

١ ـ الكافي : ج ٢ ، ص ٤٩٢ ، ح ٧.

٢ ـ منتخب ذيل المذيل : ص ٧٢.

٣ ـ سنن أبي داود : ج ٢ ، ص ٨٨ ، ح ١٥٣١ ، وأخرجه النسائي في سننه : ج ٣ ، ص ٩١ ، وهكذا إبن ماجة : ج ١ ، ص ٣٤٥ ، ح ١٠٨٥.

٤ ـ سنن النسائي : ج ٣ ، ص ٤٧ ، وأخرجه الترمذي في سننه : ج ٢ ، ص ٣٥٢ ـ ٣٥٣ ، ح ٤٨٣ ، وأحمد في مسنده : ج ٤ ، ص ٢٤١ و ٢٤٢ و ٢٤٣ ، وغير ذلك من الصحاح والمسانيد.

٢٧٧

لفاطمة : ائتيني بزوجك وإبنيك ، فجاءت بهم ، فألقىٰ عليهم كساءً فدكيّاً ، ثم وضع يده عليهم ، ثم قال : اللّهم إنّ هؤلاء آل محمّد ، فاجعل صلواتك وبركاتك على محمّد وعلى آل محمّد إنّك حميدٌ مجيدٌ ، قالت اُم سلمة : فرفعت الكساء لأدخل معهم ، فجذبه من يدي ، وقال : إنّك على خير (١).

أخرجه إبن عبد البرّ مسنداً عن زيد ، قال : قلت : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قد علمنا كيف السلام عليك ، فكيف نصلّي عليك؟ قال : صلّوا عليّ وقولوا : اللّهم بارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميدٌ مجيدٌ (٢).

وأخرجه الخطيب البغدادي عن علي عليه‌السلام قال : قالوا : يا رسول الله كيف نصلّي عليك؟ قال : قولوا : اللّهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميدٌ مجيدٌ ، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم (٣).

وأخرجه أيضاً عن كعب بن عجرة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال في الصّلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : اللّهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم إنّك حميدٌ مجيدٌ ، اللّهم بارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على إبراهيم إنّك حميدٌ مجيدٌ (٤).

أخرجه الشيخ الصدوق : عن أبي المغيرة ، قال : سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول في حديث : ومن شرك آل محمّد في الصّلاة على النبيّ وآله ، فقال :

__________________

١ ـ مسند أحمد : ج ٦ ، ص ٣٢٣ ، وأخرجه الحسكاني في شواهد التنزيل : ج ٢ ، ص ١١٥ ، ح ٧٤٧.

٢ ـ الإستيعاب : ج ٢ ، ص ٥٤١.

٣ ـ تاريخ بغداد : ج ١٤ ، ص ٣٠٣ ، ح ٧٦١٤.

٤ ـ تاريخ بغداد : ج ٦ ، ص ٢١٦ ، ح ٣٢٧٣.

٢٧٨

اللّهم صلّ على محمّد وآل محمّد في الأولين ، وصلّ على محمّد وآل محمّد في الآخرين ، وصلّ على محمّد وآل محمّد في الملأ الأعلى ، وصلّ على محمّد وآل محمّد في المرسلين ، اللّهم إعط محمّداً الوسيلة والشرف والفضيلة والدرجة الكبيرة ، اللهمّ إنّي آمنت بمحمّد ولم أره فلاتحرمني يوم القيامة رؤيته ، وارزقني صحبته ، وتوفّني على ملّته ، واسقني من حوضه مشرباً رويّاً سائغاً هينئاً لا أظماً بعده أبداً إنّك على كلّ شيئ قدير ، اللّهم كما آمنت بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم أره فعرّفني في الجنان وجهه ، اللّهم بلّغ روح محمّد عنّي تحيّة كثيرة وسلاماً ، فإنّ من صلّى على النبي بهذه الصلاة : هدمت ذنوبه ، ومحيت خطاياه ، ودام سروره ، وأستجيب دعاؤه ، واُعطي أمله ، وأبسط له في رزقه ، واُعين على عدوه ، وهيّئ له سبب أنواع الخير ، ويجعل من رفقاء نبيّه في الجنان الأعلى (١).

قوله عليه‌السلام : «ثُمَّ سَلْ حٰاجَتَكَ فَإِنَّ اللهَ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ حٰاجَتَيْنِ فَيَقْضِىَ إِحْدٰاهُمٰا وَيَمْنَعَ الْأُخْرىٰ» إنّ الصّلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله تكون من أعظم شرائط إجابة الدعاء ، ويشهد له عدّة من الروايات.

منها ما أخرجه الكليني بإسناده عن أبي عبدالله عليه‌السلام إنّ رجلاً دخل المسجد فصلّى ركعتين ، ثم سأل الله عزّوجلّ ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أعجل العبد ربّه ، وجاء آخر فصلّى ركعتين ، ثم أثنى على الله عزّوجلّ وصلّى على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : سل تعط (٢).

وعنه عليه‌السلام إن في كتاب علي عليه‌السلام ، إنّ الثناء على الله والصّلاة على رسوله قبل المسألة (٣).

__________________

١ ـ ثواب الأعمال : ص ١٥٦ ، ح ١ ، باب ثواب من قال في دبر صلاة الصبح والمغرب.

٢ ـ الكافي : ج ٢ ، ص ٤٨٥ ، ح ٧.

٣ ـ الكافي : ج ٢ ، ص ٤٨٥ ، ح ٧.

٢٧٩

وعنه أيضاً عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : لا يزال الدعاء محجوباً حتّى يصلّي على محمّد وآل محمّد (١).

وعنه أيضاً من دعا ولم يذكر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله رفرف الدعا على رأسه ، فإذا ذكر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله رفع الدعاء (٢).

قال العلماء : والسرّ في قبول الدعاء إذا قرن بالصّلاة ، أمران :

الأوّل : أنّ النبي وآله عليهم‌السلام وسائط بين الله سبحانه وبين عباده في قضاء حوائجهم ونجاح مطالبهم ، وهم أبواب معرفته عزّوجلّ ، فلا بدّ من التوسّل بذكرهم في عرض الدعاء وقبوله لديه ، وذلك كما إذا أراد أحد من الرعيّة إظهار حاجته على السلطان توسّل بمن يعظّمه ولا يردّ قوله.

الثاني : إذا ضمّ العبد الصّلاة مع دعائه ، وعرض المجموع على الله تعالى فلمّا كانت الصّلاة غير محجوبة ، فالدعاء ايضاً لا بدّ أن لا يكون محجوباً ، لأنّه تعالى أكرم مِن أن يقبل الصّلاة ويردّ الدعاء فيكون قد قبل الصحيح وردّ المعيب ، كيف وقد نهى تعالى عباده عن تبعيض الصفقة! ولايمكن ردّ الجميع لكرامة الصّلاة عليه ، فلم يبق إلّا قبول الكلّ وهو المطلوب.

هذا وقد ورد في عدّة من الأخبار على لزوم الختم بمسألة الصّلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عند إجابة الدعاء.

منها : ما أخرجه الكليني بإسناده عن الصّادق عليه‌السلام من كانت له إلى الله حاجّة فاليبدأ بالصّلاة على محمّد وآله ، ثم يسأل حاجته ، ثم يختم بالصّلاة على محمّد وآل محمّد ، فإنّ الله تعالى أكرم من أن يقبل الطرفين ويدع

__________________

١ ـ الكافي : ج ٢ ، ص ٤٩١ ، ح ١.

٢ ـ الكافي : ج ٢ ، ص ٤٩١ ، ح ٢.

٢٨٠