نثر الدرّ المكنون

السيد محمد بن علي الاهدلي الحسيني اليمني الازهري

نثر الدرّ المكنون

المؤلف:

السيد محمد بن علي الاهدلي الحسيني اليمني الازهري


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
المطبعة: مطبعة زهران
الطبعة: ١
الصفحات: ١٥٣

١

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله الذى كسا أهل اليمن حلل اليمن والايمان وخصهم بفضائل وعطايا زاهرة فى كل زمان وحمى بلادهم من جراثيم الخمور والفسوق والطغيان ووعد العاملين بشرعه أعلى فراديس الجنان ومن حاد عن دينه القويم وصراطه المستقيم الطرد والخزى والخسران وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له الذى لا يشغله شأن عن شأن وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المبعوث رحمة للانس ـ والجان اللهم صلّ وسلّم عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين سادات أهل الايمان

اما بعد

فان حياة الأمم بتاريخها الذى يذكر الأبناء بمجد الأسلاف وما كانوا عليه من عز وسؤدد ورفاهية وأن العالم الأنسانى قد استهل تاريخا جديدا بظهور الدين الاسلامى الذى مزق شمل الشرك وبدد ظلمات الكفر والضلالة وجمع كلمة الامة العربية الى دين الله القويم وصراطه المستقيم ثم من هداه الله من الامم الأخرى والشعوب المختلفة الكثيرة فحررها من قيود مظالم الجاهلية وأزال آثار وحشيتها الشنيعة وهمجيتها التى صارت مضرب الامثال : وهذا العمل العظيم والانقلاب الجسيم والاصلاح الواسع قد كان لليمن السعيد فيه اليد الطولى والقدح المعلى ومسعى مشكور وفضل غير منكور لا زالت بطون الكتب تحفظ لهم أجل الانباء وأعظم الاخبار وأجل الحوادث وأطيب الشهرة الحسنة فهم من أعظم دوحة ظللت على الاسلام وبذلت مهجها وكل ما تملك فى سبيل نصرة الله ورسوله وأحياء معالم الدين واقامة شعائره ومحاربة اعدائه حتى سماهم الله أنصاره وأنصار رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاؤلئك كفانا الله تعالى فى قرآنه العظيم بيان فضلهم بما لا مزيد عليه حيث وصفهم ولقد صادفت كثيرا من هذه الفضائل العديدة والآثار الجليلة وقارنت بينها وبين حال اليمن اليوم وتمسك أهله بالشريعة الغراء والمحجة البيضاء فتجلى لى سر

٢

حديث (انى لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن) فدعانى ذلك الى جمع مؤلّف شامل لما ورد فى فضائل أهل اليمن الميمون من الآيات القرآنية والسنة النبوية وذكر كتب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبعوثه وعماله ورسله اليهم ومن أسلموا على يديه والذين تشرفوا بالوفادة عليه واصطفاهم الله لمشاهدة أنوار حبيبه ورسوله الى الجنة والنّاس كافة سيّد ولد آدم محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذكر بعض الافذاذ من التابعين ممن أخبر عنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وشهد له بالفضيلة ذلك الفريق الذى سطع نور فضله وطعم حتى كان غرة فى تاريخ اليمن وصدرته بمقدمة تاريخية متضمنة مجد الامة اليمنية جاهلية وفخرها اسلاما وخاتمة بذكر بعض ما ورد فى حق من اتصلت بخير المرسلين انسابهم وارتبطت بحسبه احسابهم عترة سيدنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم تبركا بهذه البضعة الطاهرة ووسيلة الى الله تعالى أن ينفعنى بهم والمسلمين وأن يجمعل هذا المؤلف خالصا لوجهه الكريم والفوز بسعادة الدنيا والدين وسميته نثر الدّرّ المكنون من فضائل اليمن الميمون ويشتمل على تسعة ابواب وأربعة وسبعين فصلا وقد اطلعت على رسالة الحافظ ابن الديبع المسماة بتحفة الزمن فى فضائل أهل اليمن المشتملة على ستة وثلاثين حديثا نقلت منها سبعة أحاديث على علاتها لعدم العثور على أصولها وكأن الشيخ رحمه‌الله لم يحررها ولم نقف على ما ألفه ابن أبى الصيف ولا غيره فى هذا المعنى

فكان هذا أدعى الى بذل المستطاع فى جمع هذا الشرف المؤبد الدال على مكانة اليمن بين الاقطار وسمو اخلاق أهله وقوة إيمانهم التابنة بالسنة السنية وبالواقع المحسوس

كفى اليمن شرفا أن يجد الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وسلم نفس الرحمن من قبله وسجوده شكرا لله تعالى على اسلام أهله الذى دل مصدره ببرهان ساطع على سعة مداركهم وسلامة عقولهم ومعرفتهم الحق الواضح وتمييزه عن الباطل فكانوا أسرع الامم انقيادا؟؟؟ الاسلامى والايمان به بدون احتياج الى حرب أو مناقشات جدلية وانّما عرفوا الحق فاذعنوا له وسلموا اليه طائعين

لا يجهل أحد درس التاريخ أن اخلاق الامم لا تتبدل الا بمرور الازمان الطويلة والايام الكثيرة لان السنين العديدة بالنسبة لحياة الامة كساعات يسيرة بالنسبة لحياة الفرد. فاذن نقدر أن نقول أن اليمن الذى خضع للدين الاسلامى منذ أول بزوغ نوره غير مقسور ولا مكره ولا معاند يدلنا فعله على مكانة أهله فى الجاهلية وانهم كانوا على بينة من أمرهم وأن آثار العظمة الماضية لا زالت باقية فى أخلاقهم لهذا كانوا يسيرون مع الحق جنبا لجنب

٣

جاء الاسلام بنوره الساطع فأشرق على قلوبهم النيرة ووجد مرتعا خصبا فى صدورهم الواسعة فمنحهم ايمانا صادقا ومعرفة حقة فاتبعوه فى كل الادوار ولذلك لا ترى أغلبهم الا فى صف الامام العادل منذ وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتّى عصرنا الحاضر وأن الحوادث الماضية خير برهان على ما قلناه

لا شك أن كمال الاخلاق دليل رقى الامة وتقدمها ونحن فى مؤلفنا هذا اكتفينا بالشهادات النبوية لأن تاريخ اليمن السعيد يحتاج الى مجلدات ضخمة عديدة ولم نبحث عن الدور الماضى القديم فذلك لا زالت آثاره قائمة غير مكترثة بزعازع الدهور وتقلباته الكثيرة فهذا السد بمأرب لا يفتأ قائما يهزأ بغيره من الآثار حيث لا يراه شخص الا ويعترف بعجز أعظم دول الارض الغابرة عن الاتيان بمثله بقطع النظر عما جرفته السيول بمرور الايام والدهور وأما انقاض الصروح المشيدة كغمدان وغيره فهى من بعض عظمة اليمن التى انجبت ذا القرنين الرائش والتبابعة الّذين لهم المجد والحضارة والعظمة الراسخة ولا برح التاريخ حافلا بأعمالهم الكبيرة وآثارهم القويمة وفى وصف عظمتهم يقول الكلاعى

ورتبنا مراتب كل ملك*

فكان لنا الخلائق مقتفينا

سننا للبرية كل فعل*

جميل من فعال الاكرمينا

فهم يتشبهون بما فعلنا*

وفى آثارنا يتتبعونا

وليسوا مدركين لنا لأنا*

جعلنا السابقين الاولينا

ولسنا بصدد ذلك فان مفاخر الماضى لم نكن لنشير اليها الا من قبيل اثبات عراقة الشعب اليمانى الكريم لمن لا علم له بالتاريخ

وان لهم السابقية فى الحضارة والتقدم والسيادة على ملوك الاقطار وان لهم ثقافة وعبقرية دلت على قوة مداركهم وتنور اذهانهم هذا مصداق ما رواه البخارى فى صحيحه عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟؟؟ خيارهم فى الجاهلية خيارهم فى الاسلام اذا فقهوا) وان المعدن اليمنى لهو من خير المعادن ونستشهد على هذا بان المسابقة فى نصرة هذا الدين الحنيف كانت بين اليمانيين شعب همدان والانصار قبل غيرهم من سائر القبائل العربية وسنأتى على رواية قيس بن مالك الارحبى الهمدانى بأنه أول من أجاب دعوة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين عرض نفسه على القبائل لينصروه على تبليغ رسالة ربه فقال أنا احملك يا رسول الله الى قومى ولكن قضاء الله وقدره كان سابقا فى علمه أن هذا الشرف الاعظم لا يحوزه الا أبناء عمه صفوة قحطان وخلاصة الأزد الاوس والخزرج أنصار الله ورسوله

٤

لا شك أن نسبة هذا الشرف السامى الى اليمانيين حجة قويمة تثبت صحة نيتهم فى اتباع الحق وانهم من أعرف الناس به وأشدهم انقيادا اليه وهذا نعم المستند الدال على صفاء جوهر ذلك العنصر الكريم وخلوصه من الشوائب المشينة

وبما أنا نورد فى مؤلفنا هذا ما بعد الاسلام فيجدر بنا أن نشير الى التحقيق فى صحة نقله والتثبت من جمعه وذكر أصوله كما سيأتى إن شاء الله مفصلا

فقد شمرنا عن ساعد الجد وبذلنا الهمة فى تحصيلة مدة غير وجيزة لاستخراجه من متفرقات كتب السنة والطبقات وبطون السير والتواريخ الصحيحة وعانينا تعبا كبيرا فى تخريجه من مكنونه وتسهيل السبل لمن يريد أصوله وقد اخترنا أوسع الروايات واصحها وتركنا الكثير منها خشية الاطالة والسآمة وتعدد المكرر وان كان لا يخلوا من الفوائد لاهل الذوق والدراية الا انا فى عصر قصرت فيه الهمم وكلت العزاثم وعسى أن يكون فيما أوردناه كفاية لاثبات ما نبغيه من هذا المؤلف ولا أكتم الحق فانى لست من ارباب هذه الصناعة ولا ممن زاول هذه البضاعة اذ لا مراء ان الذى غاب عنى يزيد عما أتيت به اضعافا مضاعفة وانما حبى لانصار الله ورسوله واحبائه دفعنى الى التقرب بخدمة هذا الحزب الكريم لتشملنى بركة أنصار السنة السمحاء وحماة الشريعة الغراء ولعلى لا احرم من دعوة رجل صالح فى كل عصر يمحوا الله بها سيآتى وما اقترفته جوارحى فى حياتى وأنى أقدم اعتذارى لحضرات المطلعين على هذا المؤلف من سلوكى به فى هذا المأزق ألحرج فان التأليف عرض عقل المرء فى سوق النقد وقلما ينجوا معروض من الانتقاد فان الكمال لله وحده ولم يمنح العصمه الا لانبيائه عليهم الصلاة والسلام

ومن ذا الذى ترضى سجاياه كلها*

كفى المرء نبلا ان تعد معائبه

وهذا أوان الشروع فى المقصود فنقول وبالله التوفيق والاعانة

مقدمة نذكر فيها نبذة تاريخيه عن دخول الفرس فى اليمن وسببه بمناسبة بزوغ فجر نور الاسلام فى عصرهم والتنوية بعظمة اليمن قبل الاسلام وسبب هجرة أولاد الحسن والحسين الى هذا القطر السعيد

فنقول كانت اليمن قد انحطت عظمتها وتقوضت صروحها وانهار مجدها الباذخ وسلطانها الشامخ الذى شيدته السبائيون ومن بعدهم يوم ان كانت باسطة سلطانها وسيادتها على ملوك العجم فى كثير من الازمان الغابرة والاجيال الماضية وكانت ملوك اليمن سندا وعضدا قويا لجميع العرب بمثابة خليفة المسلمين يحتمون بها ويستنجدون بقوتها وبطشها لصد غارات ملوك العجم كما هو مبسوط فى بطون التواريخ العديدة فتقلص

٥

ظلها وطوى بساط عزها ومجدها سنة الله فى خلقه (ولن تجد لسنة الله تبديلا) حتى لم تبق فى يدها الا بلادها ومنبت ارومتها اليمن بل لم تحتفظ بها كل الحفظ لتفرق كلمتها وصدع وحدتها بانفجار براكين الفتن الداخلية بين اقيالها وامرائها واستقل كل قيل ببلاده وما قدر على الدفاع عنه وتشعبت الى ثلاثة طوائق فطائفة اعتنقت اليهودية وطائفة النصرانية والثالثة بقيت على عبادة الاوثان والنجوم فتغلبت اليهودية على النصرانية واستبدت بها وخدت لها اخدودا فى مخلاف نجران اشعلت فيه النيران المتأججة وكل من لم يرجع الى اليهودية يلقى فى النار كما قصه الله تعالى فى كتابه العزيز فهرب القيل دوس ذو ثعلبة الى ملك المروم ومعه نسخة من الانجيل محرقة مستنجدا به على ذى نواس ملك اليهود وقص عليه ما فعله بالنصارى والقائهم فى النار احياء وكان ملك الروم نصرانيا فاستفزه الغضب الا انه استبعد اليمن فقال له اكتب لك الى النجاشى ملك الحبشة فانه على دينى ينصرك وبلاده قريبة من بلادك فكتب قيصر الى النجاشى يستنهضه لنصرة المسيحيين باليمن وارفقه بالانجيل المحرق واخبره بما فعلت اليهود بهم من العسف والوحشية فلما وصل الكتاب والانجيل الى النجاشى اشتد غضبه وفى الحال انجد القيل دوس بسبعين الف مقاتل وأمر عليهم رجلا اسمه ارياط وايده بابرهة فقطعوا باب المندب الى اليمن ولما علم بهم ذو نواسن استنفر جميع اقيال اليمن يدعوهم الى الاتحاد لقتال العدو المشترك والى الدفاع عن وطنهم والذود عن شرفهم فلم يجيبوه الى ذلك لتفرقهم فى الاديان والمعتقدات وقالوا كل رجل منا يقاتل عن بلاده التى هى فى حوزته فلما تحقق خذلانهم وعدم اتحادهم أبت نفسه العالية الانصياع للذل والاستعباد بعد ان كان الآمر الناهى فقابل جموع الحبشة بمن أطاعه من قومه وخاصته فلم تثبت قلتهم أمام جيش الحبشة الجرار فولت منهزمة ولما أيقن ذو نواس بالأسر وأن لا عز له فى الحياة اعترض فرسه فكان العهد به ثم قام بعده ذو جدن وجمع فلول الجيش لصد الحبشة فلم يحد نفعا فاقتحم البحر بفرسه وهلك

ودخلت الحبشة صنعاء وهرب ذو يزن مستنجدا بقيصر ولم يدر أنه هو السبب الحامل للحبشة على احتلال بلاده وامتلاك ارضه

فلم ينجده فولى وجهه الى كسرى ملك الفرس وعرج فى طريقه على أخيه فى العروبة والنطق بالضاد ملك الحيرة النعمان بن المنذر ولان ملوك الحيرة بعد انحلال الدولة التبعية صاروا مواليين لملوك الفرس بحكم الجوار وعدم القدرة على الاستقلال التام فعرفه

٦

بغرضه نحو كسرى وأن يكون همزة وصل بينه وبين ما تكبد المشاق لاجله : فقال له ان لى وفادة فى كل سنة مرة وهذا وقتها قد حان فأوفده فى معيته وأدخله على كسرى وعرفه بمكانته من قومه فاحسن قراه وأكرم مثواه : ثم قص عليه حاجته وما حل بقومه ووطنه وطلب منه النجدة على اخراج الحبشة من أرضه وأطمعه فى اليمن وخيراتها : فقال له كسرى انى لا أحب أن أسعفك بحاجتك الآن لان بلادك بعيدة وسأنظر وأمر بانزاله دار الضيافة فأقام عنده ست سنين يلح عليه فى خلالها طلب النجدة حتى مات وكان له ولد باليمن اسمه سيف فلما علم بموت أبيه خرج من اليمن متنكبا قيصر الى ملك الفرس فاعترضه يوما وقد ركب فى حرسه وخواص أركان دولته وقال له أن لى عندك ميراثا فلما نزل كسرى دعا به وقال له من أنت وما ميراثك قال أنا ابن الملك اليمانى الذى وعدته النصرة فمات برحابك فتلك العدة حق وميراث لى فرق له كسرى وقال له إن بلادك بعيدة وخيراتها قليلة ولست اغرر بجيشى وأمر له بمال جزيل فخرج به ونثره تحت قصره فانتهبه النّاس فعلم بذلك كسرى فطلب احضاره وقال له ما حملك على فعلك هذا؟ فقال له انى لم آتك للمال بل للرجال لاخراج الحبشة من أرضى فان جبال بلادى ذهب وفضة لا مطمع لى فى المال فاستشار كسرى أركان دولته فاشار عليه وزيره الاكبر موبذان موبذ وقال أيها الملك أن لهذا الغلام حق بنزوحه اليك وموت أبيه ببابك وقد وعدته النصرة وفى سجونك رجال ذو ونجدة وبأس فلو ان الملك وجههم معه فان أصابوا ظفرا كان للملك وأن هلكوا فقد استراح واراح أهل مملكته من شرهم فاستحسن كسرى هذا الرأى وانجد الملك سيف بن ذى يزن بسبعة آلاف وخمسمائة وقيل ثمان مائة رجل وأمر عليهم وهرز الديلمى نزلوا بساحل عدن وأمر قائدهم وهرز بحرق السفن ليعلموا أن لا مفر ورائهم البحر وامامهم العدو فلما سمعت قبائل اليمن بعودة ابن مليكهم تهيؤ اللانتقاض على الحبشة واول من لبى نصرة سيف السكاسك من كندة فقابل ملك الحبشة مسروق ابن ابرهة جيش سيف بن ذى يزن وو هرز بمائة الف مقاتل من الحبشة واخلاط عرب اليمن وركب فيلا عظيما وعلى رأسه تاج متدلية منه ياقوتة حمراء بين عينيه مثل البيضة فلما رأى قلة جيش الملك سيف ووهرز تحول من ظهر الفيل الى ظهر الفرس ثم الى ظهر البغلة احتقارا وانفة من ان يحار بهم وهو على ظهر الفيل أو الخيل فعلم بذلك وهرز وقال بنت الحمار ذل وذل ملكه فلما التقى الجمعان وحمى وطيس القتال رمى وهرز مسروقا بسهم الى الياقوتة الحمراء التى بين عينيه فتغلغلت فى رأسه وخر صريعا فلما علمت الحبشة بمصرع مليكهم ذلت وحملت عليهم العرب والفرس واخذتهم

٧

السيوف من كل جهة ودخل سيف ووهرز صنعاء وارسلا بشير النصر الى كسرى فكتب كسرى الى وهرزان يتوج سيفا على اليمن وفرض عليه أتاوة يدفعها الى خزينته فى كل سنة وأمر قائد النجدة وهرز بالعودة اليه ومدة ملك الحبشة اثنان وسبعون سنة

تداولتها اربعة ملوك منهم وهم ارياط ثم ابرهة الاشرم ثم ابناه يكسوم ثمّ مسروق

أخرج ابو نعيم فى دلائل النبوة بسنده الى ابن عباس قال لما ظهر سيف بن ذى يزن على اليمن وظفر بالحبشة ونفاهم عنها وذلك بعد مولد النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسنتين اتته وفود العرب واشرافها وشعراؤها تهنئه وتمدحه فأتاه وفد قريش وفيهم عبد المطلب جد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وامية بن عبد شمس وعبد الله بن جدعان وخويلد بن اسد بن عبد العزى ووهيب بن عبد مناف بن زهرة فى أناس من وجوه قريشى فقدموا صنعاء وهو فى رأس قصر له يقال له غمدان وعن شماله الملوك وأبناء الملوك والمقاول فلما دخلوا عليه دنا منه عبد المطلب فاستأذن فى الكلام فقال له سيف بن ذى يزن ان كنت ممن يتكلم بين يدى الملوك اذنا لك فقال عبد المطلب «أيها الملك إن الله عزوجل قد احللك محلا رفيعا : شامخا منيعا : وأنبتك منبتا طابت أرومته وعزت جرثومته : وثبت أصله : وبسق فرعه : فى أطيب موطن : وأكرم معدن فانت أبيت اللعن رأس العرب : الذى له تنقاد : وعمودها الذى عليه العماد ومعقلها الّذى يلجأ اليه العباد : سلفك لنا خير سلف : وأنت لنا منهم خير خلف ولم يهلك من أنت خلفه ولم يخمد ذكر من أنت سلفه : نحن أيها الملك أهل حرم الله وسدنة بيته : أشخصنا اليك الذى أبهجا لكشفك الكرب الذى فدحنا فنحن وفد التهنئة لا وفد المرزئة : فقال سيف وأيهم أنت أيها المتكلم قال : أنا عبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف : قال ابن أخننا قال : نعم : قال فأدناه ثم أقبل عليه وعلى القوم فقال مرحبا وأهلا. وناقة ورحلا ومستناخا سهلا : وملكا ربحلا : يعطى عطاء جزلا قد سمع مقالتكم وعرف قرابتكم وقيل وسيلتكم فأنتم أهل الليل والنّهار ولكم الكرامة ما اقمتم والحبآء اذا ضعنتم اذهبوا الى دار الضيافة والوفود وامر لهم بالانزال فأقاموا شهرا لا يصلون اليه ولا يأمرهم بالانصراف ثم انتبه لهم انتباهة فارسل الى عبد المطلب دونهم فلما دخل عليه أدناه وقرب محله واستحياه ثمّ قال يا عبد المطلب انى مفوض اليك من سر علمى ما لو غيرك يكون لم أبح به ولكن وجدتك معدنه فاطلعتك طلعه فليكن عندك مطويا حتى يأذن الله عزوجل فيه فأن الله بالغ أمره انى أجد فى الكتاب المكنون والعلم المخزون الذى أخترناه

٨

لأنفسنا واحتجبناه دون غيرنا خبرا عظيما وخطرا جسيما فيه شرف الحياة وفضيلة الوفاة للناس كافة ولرهطك عامة ولك خاصة قال عبد المطلب : مثلك أيها الملك سرور فما هو فداك أهل الوبر زمرا بعد زمر : قال اذا ولد بتهامة : غلام به علامة بين كتفيه شامة : كانت له الامامة : ولكم به الزعامة : الى يوم القيامة : قال عبد المطلب : أبيت اللعن لقد أبت بفخر ما آب به وافد قوم ولو لا هيبة الملك واعظامه واجلاله لسألته من بشارته اياى ما أزداد به سرورا. قال سيف هذا زمنه الذى يولد فيه أو قد ولد اسمه محمد بين كتفيه شامة يموت أبوه وأمه ويكفله جده وعمه قد وجدناه مرارا والله باعته جهارا وجاعل له منا أنصارا يعز بهم أولياءه ويذل بهم أعداءه ويضربهم الناس عن عرض : ويستبيح بهم كرائم الارض ، يعبد الرّحمن : ويدحر الشيطان : ويخمد النيران : ويكسر الاوثان : قوله فصل : وحكمه عدل : يامر بالمعروف ويفعله : وينهى عن المنكر ويبطله : قال عبد المطلب : أيها الملك (عز جارك وسعد جدك وعلا كعبك ونما امرك وطال عمرك ودام ملكك فهل الملك سار بافصاح فقد أوضح بعض لأيضاح) فقال سيف والبيت ذو الحجب والعلامات على النصب انك يا عبد المطلب لجده غير كذب : قال فخر عبد المطلب ساجدا فقال أرفع رأسك فقد ثلج صدرك وعلا امرك فهل أحسست شيئا مما ذكرت لك قال عبد المطلب «نعم أيها الملك كان لى ابن فكنت به معجبا وعليه رقيقا فزوجته كريمة من كرائم قومى آمنة بنت وهب ابن عبد مناف بن زهرة فجاءت بغلام سميته محمدا مات أبوه وأمه وكفلته أنا وعمه بين كتفيه شامة وفيه كلما ذكرت من علامة» قال سيف ان الذى ذكرت لك كما ذكرت لك فاحتفظ بابنك واحذر عليه اليهود فانهم له أعداء ولن يجعل الله لهم عليه سبيلا وأطو ما ذكرت لك دون هؤلاء الرهط الذين معك فانى لست آمن أن تدخلهم النفاسة : من أن يكون له الرئاسة : فيبغون له الغوائل : وينصبون له الحبائل : وهم فاعلون أو أبناءهم ولو لا أنى أعلم أن الموت مجتاحى قبل مبعثه لسرت بخيلى ورجلى حتى أصير يثرب دار مملكته : فانى أجد فى الكتاب الناطق : والعلم السابق : أن يثرب دار استحكام أمره وموضع قبره وأهل نصرته : ولو لا أنى أقيه من الافات : واحذر عليه العاهات لاوطأت اسنان العرب كعبه : ولأعلنت على حداثة من سنه ذكره : ولكنى صارف اليك ذلك من غير تقصير بمن معك ثم أمر لكل واحد منهم بمائة من الابل وعشرة أعبد وعشرة أماء وعشر أرطال من فضة وخمسة ارطال ذهبا وكرش مملوءة عنبرا وحلتين من حلل البرود وأمر لعبد المطلب بعشرة

٩

اضعاف ذلك وقال له اذا كان رأس الحول فأتنى بخبره وما يكون من أمره فهلك الملك سيف قبل رأس الحول وكان عبد المطلب يقول لا يغبطنى يا معشر قريش رجل منكم بجزيل عطاء الملك وان كثر فانه الى نفاد ولكن ليغبطنى بما يبقى لى شرفه وذكره ولعقبى من بعدى وكان اذا قيل له ما ذاك قال سيعلمن ولو بعد حين اه وهو فى كثير من الكتب يطول ذكرها

وفى مسير وفد قريش الى صنعاء يقول أمية بن عبد شمس المذكور فى الوفد

جلبنا النصح تحقنه المطايا

على اكوار اجمال ونوق

مغلغلة مراتعها تعالى

الى صنعاء من فج عميق

تؤم بنا ابن ذى يزن وتفرى

ذوات بطونها أدم الطريق

وترعى من مخاتلها بروقا

مواصلة الوميض الى البروق

فلما واقعت صنعاء حلت

بدار الملك والمجد العتيق

ومن وفود الشعراء امية بن أبى الصلت الثقفى القائل

لا يقصد الناس الا كابن ذى يزن

اذ خيم البحر للاعداء احوالا

وافى هرقلا وقد شالت نعامته

فلم يجد عنده النصر الذى سألا

ثم انتحى نحو كسرى بعد عاشرة

من السنين يهين النفس والمالا

حتى أتى ببنى الأحرار يقدمهم

تحالهم فوق متن الأرض أجبالا

لله درهم من فتية صبروا

ما إن رأيت لهم فى الناس أمثالا

بيض مرازبة غلظ أساورة

أسد ترتب فى الغيظات أشبالا

يرمون عن شذف كأنها غبط

بزمجر يعجل المرمى اعجالا

أرسلت أسدا على سود الكلاب فقد

أضحى شريدهم فى الارض فلالا

فأشرب هنيئا عليك التاج مرتفعا

برأس غمدان دارا منك محلالا

وأشرب هنيئا فقد شالت نعامتهم

وأسبل اليوم فى برديك أسبالا

تلك المكارم لا قبعان من لبن

شيبا بماء فعادا بعد أبوالا

وأقام سيف ملكا على اليمن خمسة عشر سنة وكان قد اختص بنفر من بقايا الحبشة يسعون بين يديه بحرابهم فى ذهابه وايابة للتزه فخرج ذات يوم للصيد والقنص والحبشة بين يديه بالحراب كعادتهم فاغتنموا الفرصة

وقتلوه بحرابهم فلما بلغ كسرى قتل سيف أرسل الى اليمن أربعة آلاف فارس مع وهرز المتقدم ذكره وأمره أن لا يترك فى اليمن حبشيا ولا مولديهم فرجع الى اليمن وفعل ما أمر به سيّده وكتب اليه بذلك وأبقاه على اليمن حتى هلك وأمر

١٠

بعده ابنه المرزبان بن وهرز ثمّ ابنه باذان ثم عزله وابدله بحر حرة بن التنجان ثم عزله واعاد باذان الى اليمن وبقى فيه الى ظهور شمس رسالة خاتم النبيين والمرسلين المبعوث رحمة للعالمين محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واقيال اليمن كما قد قدمنا لم ينتظم عقدها بجمع كلمتها وانتظامها تحت لواء ملك واحد منهم حيث هلك ذو نواس وذو جدن وامتلكت عاصمة التبابعة صنعاء وقتل محررهم ومنقذ وطنهم سيف ابن ذى يزن : ضحية التفرق والتنافس فى المرآسة واختلافهم فى الاديان والمعتقدات وهكذا عاقبة كل اختلاف حتى فى أحقر حقير لا يعقبه الا الوبال والخسران عادة الله فى خلقه ، والذى يظهر من منطوق الاسفار أن جنوب صنعاء وشمالها لم تدخل تحت طاعة الحبشة ولا الفرس بل بقيت بيد اقيالها والدليل على ذلك مسير ابرهة الحبشى لهدم الكعية أدام الله شرفها وتقديسها ما دامت السموات والأرض فقد اعترضه ملكان من ملوك الشمال لصده عن تخريبها أحدهما ذو نفر أحد ملوك حمير وصديق عبد المطلب والآخر ملك خثعم نفيل بن حبيب وقعا فى أسره وأخذهما الى مكة كما هو معلوم من السير والتواريخ وأما الفرس فلم يدخلوا اليمن غاصبين بل مؤازرين لابن ملك اليمن فليس لهم مطمع كما صرح بذلك كسرى الذى ملك على اليمن سيفا وسلمه مقاليدها ولذا أفل قائد النجدة وهرز راجعا الى بلاده بأمر كسرى

واكتفى بقليل من المال يؤدى اليه مقابل اخراج الحبشة من اليمن ومن تتبع ادوار التاريخ الاسلامى وحالة اليمن من اثناء دور العباسيين يظهر له جليا ان اليمن لم تجتمع من اقصاها الى اقصاها لدولة اجنبية قط وما عصر الترك منا ببعيد حيث لم يكن بيدهم الابعض عسير ومرفاه القنفدة وبعض جنوب عسير السواحلية اهمها الحديداء والمخاء الى اصنعاء واما جنوب صنعاء الى اقصى حضر موت فلم يخضع لسلاطين الترك وكذا شمالها الجبلى كله كان بيد أئمة الزيدية بعد خروجهم من صنعاء ومع هذا فقد كانت مع اليمانيين فى حروب دائمة يشيب من هو لها الفطل الرضيع فلم تجتمع اليمن الا لسيد الانبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم وآلهم أجمعين والا لخلفائه الاربعة ومدة بنى أمية واوائل بنى العباس لقربهم من من النور المحمدى وقوة إيمان أهل اليمن وتصديقا لاعلام نبوة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنهم أنصار وأعوان كما سيأتى فى الباب الاول فقد كانت رحى الفتح الاسلامى دائرة بجنود اليمن فى أكثر الميادين باسيا وافريقيا وأوروبا لانهم أسرع العرب تلبية لداعى الجهاد فقد أسرعوا اليه بملوكهم واقيالهم وأبنائهم

١١

ونسائهم كما سيأتى فى كتاب أبى بكر رضى الله عنه اليهم : وما سقطت : بنو أمية فى المشرق الا بعد أن أقصت اليمانيين وما ظهرت فى الاندلس الا بعد أن شد أزرها اليمانيون وكانوا عضدا قويّا وعاملا مؤثرا فى تأسيس الدولة العباسية وتوطيد دعائم سلطانها ردحا من الزمن : وما القصد : من هذه المقدمة الا التنوية بعظمة اليمن جاهلية واسلاما وأن لهم الحظ الاوفر فى نصرة هذا الدين الحنيف :

فكانت دولة العرب الاسلامية مهابة الجناب رفيعة العماد تواصلها أمداد اليمن الى أن نيطت المناصب العالية لغير أبناء العرب فانقطعت حينئذ أمداد اليمن وابتلى الله المسلمين بفتنة القرامطة وطار شررها الى اليمن وعم ضررها الحاضر والباد فبينما أهل اليمن فى أمر مريج وهول ما عليه من مزيذ مدة ثلاث عشرة سنة اذ بعث الله تعالى لتطهير معظم اليمن من هذه الفرقة الخاسرة امام الائمة عماد الملة الداب عن حوزة الدين غوث المؤمنين سليل الطاهرين صاحب الآثار الخالدة والتآليف النافعه مؤسس دولة الهاشميين فى اليمن أول أمام تشرفت به من ذرية السبط الحسن أمير المؤمنين يحى الهادى لدين الله بن الحسين ابن القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن ابن على بن أبى طالب عليهم‌السلام أول أمام من آل الحسن اغاث الله به اليمن مولده بالمدينة النبوية فى سنة ٢٤٥ هجرية خرج الى اليمن فى سنة ٢٨٠ وعاد الى الحجاز ثم طلبه أهل اليمن فخرج اليه فى سنة ٢٨٤ من هجرة صاحب الرسالة صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله قد خات؟؟؟ معظم اليمن تحت لواء عدله وأهتدت بهديه وطهر الله به وباعقابه أكثر اليمن من القرامطة الملحدين وطمس مذهبهم اللعين وله معهم ٩٩ وقعة لم تكن لاجد بعده وأسس بها دولة الائمة الهاشميين بشهادة؟؟؟ على التقوى والشريعة السمحاء بشهادة الحافظ الحجة ابن حجر رحمه‌الله فى فتح البارى على صحيح البخارى عند شرح حديث ابن عمر فى كتاب الاحكام ج ١٣ ص ٩٦ قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (لا يزال هذا الامر فى قريش ما بقى منهم اثنان) أخرجه البخارى ومسلم واللفظ للبخارى واليك نص ما قاله الحافظ بالحرف : ويحتمل أن يكون بفاء الامر فى قريش فى بعض الاقطار دون بعض فان بالبلاد اليمنية وهى النجود منها طائفة من ذرية الحسن بن على لم تزل مملكة تلك البلاد معهم من أواخر المائه الثالثة واما من بالحجاز من ذرية الحسن ابن على وهم امراء مكة وامراء ينبع ومن ذرية الحسين بن على وهم امراء المدينة فانهم وان كانوا من صميم قريش لكنهم تحت حكم غيرهم من ملوك الديار المصرية

١٢

فبقى الامر فى قريش بقطر من الاقطار فى الجملة وكبير أولئك أى أهل اليمن يقال له الامام ولا يتولى الامامة فيهم الا من يكون عالما متحريا للعدل اه

وشهادة القاضى شهاب الدين العلامة أبو العباس أحمد بن يحى بن محمّد الكرامانى الشافعى المعروف بابن فضل الله العمرى وصاحب مسالك الابصار فى أخبار الملوك والامصار وغيره قال فى كتابه المصطلح الشريف ص ١٣ وما بسطه عليها القلقشندى فى كتابه صبح الاعشا ج ٥ من ص ٥٠ الى ٥٤ من طبعة دار الكتب الملكية : ولفظ المصطلح الشريف بعد تعريفهم قال وهذه البقية الآن بصنعاء وبلاد حضرموت وما والاهما من بلاد اليمن وأمراء مكة تسر طاعته ولا تفارق جماعته والامامة الان فيهم من بنى المطهر واسم الامام القائم فى وقتنا حمزة ويكون بينه وبين الملك الرسولى باليمن مهادنات ومفاسخات تارة وتارة

وهذا الامام وكل من كان قبله على طريقة ما عددها وهى امارة عربية لاكبر فى صدورها ولا شمم فى عرانينها وهم على مسكة من التقوى وترد بشعائر الزهد يجلس؟؟؟ فى ندى قومه كواحد منهم ويتحدّث فيهم ويحكم بينهم سواء عنده المشروف والشريف والقوى والضعيف وربما اشترى سلعته بيده ومشى فى أسواق بلده لا يغلظ الحجاب ولا يكل الامور الى الوزراء والحجاب ياخذ من بيت المال قدر بلغته من غير توسع ولا تكثر غير مشبع هكذا هو وكل من سلف قبله مع عدل شامل وفضل كامل اه

فلا شك أن هذه شهادة حقة ووثيقة تاريخية تثبت للمنصف شريف الضمير من النوازع والاهواء تمسك أهل اليمن السعيد بالامامة الهاشمية القرشية منذ فجر القرن الثالث الى أواسط القرن التاسع الذى اظهر الحافظ كتابه الفتح فانه أكمله أوّل يوم من رجب فى سنة ٨٤٢ هجرية ونقل لك أساس هذه الامامة ونحن نقول بما يثبته الواقع والمحسوس لا تزال هذه الدولة القرشية كذلك فى عصرنا الحاضر وهو عصر سليل أهل بيت وجب حبهم على الاسلام عربا وعجما (قل لا أسألكم عليه أجرا) خلاصة العناصر النبوية مصباح المشكاة العلوية أعظم رجل اقتحم خطر السياسة ونجا وحافظ على دينه ووطنه من الاعتداء أبو السيوف النبوية والاقمار الهاشمية أمير المؤمنين يحى بن محمد حميد الدين كما هو معلوم لكل مطلع على حقيقتها وسيرها وما سطرته صحف العالم على لسان من وفد اليها من عظماء المسلمين وغيرهم ورأى بعينى رأسه طهارة البلاد اليمنيه من رجس المسكرات وبيوت الزنا ودور الربا والسينما ومراسح التمنيل والخلاعة والرقص والقمار الذى حرمه الواحد القهار ووعد مرتكبه الفقر

١٣

والخسران والعذاب الاليم فى دار القرار لان شرط من تربع على كرسى هذه الامامه المكرمة وأسه الوحيد العلم وهو باقى مفعوله عندهم الى عصرنا الحاضر لا ينال هذا الشرف النبوى من الاشراف الا من قضى مدة من أول حياته فى تلقى العلوم الدينيه وتوابعها على جهابذة العلماء واعترفوا ببلوغه رتبة أهل التحقيق دراية وفضلا متوسعين فيه العدل والانصاف لا يخاف فى الله لومة لائم حرصا على العمل بالشريعة الغراء طبق ما أمر الله تعالى ورسوله :

ولكن الحروبات الدائمه بينها وبين الدول الاسلامية فى كل عصر حجب فضل هذه الدولة من الانتشار ومن الانتفاع بها والاستعانة بقوة شكيمتها وحرصها على تنفيذ الاحكام الشرعية وتطبيقها بين المسلمين فى جميع عصورها سيان عندها الشريف والوضيع والقوى والضعيف كما أمر الله ورسوله حوصرت فى بقعة صغيرة من الارض من جميع اخوانها المسلمين بحجة أنهم زيدية خارجون عن المذاهب الاربعه ومخالفون للسنة لاجل خاطر السياسة التى لا تتقيد بدين ولا ملة ولا ذنب لهم الا أن صاحب المذهب الشريف من بيت النبوة الشهيد زيد بن على بن زين العابدين ابن الحسين بن على بن ابى طالب عليهم‌السلام المصلوب عريانا فى كناسة الكوفة أربع سنين وبعاهد أحرق جسده الشريف والمدفون أرسه بمصر بعد أن طف به العراق والشام والحجاز المشهور عند عوام المصريين بزين العابدين كأنّه محظور على أهل البيت أن يكون منهم إمام مذهب فى نظر السياسة والحال أن هذا الامام عليه‌السلام مقدس على لسان جميع علماء المسلمين ومناقبه طافحة فى جميع التواريخ والتراجم والطبقات والجرح والتعديل ناطقه بالاجماع على سعة علمه وقضله وزهده وجلالة قدره وبما أكرمه الله لستر عورته مدة صلبه وكان الامام الزيدى رابع أربعة يقيم الشعائر الدينيه فى الحرم المكى مع الامام لشافعى والحنفى والمالكى ولم يكن فيه الامام الحنبلى فبدلت السياسة الامام الزيدى بالحنبلى فى عشر الاربعين وخمسمائه هجرية كما ذكره السيد دحلان رحمه‌الله فى كتابه الفتوحات الاسلامية عن التقى الفاسى فى ترجمة السلطان سليم الاول العثمانى وحجر على الامام الزيدى أن يقيم شعائر الله فى حرمه على مذهب امامه ابن صاحب الشريعة الغراء : فلا حول ولا قوة الا بالله : وقد وقفنا على الاصل لتقى الدين الفاسى وهو شفاء الغرام باخبار البلد الحرام فمن جملة ما ذكره أن الحافظ ابا طاهر السلفى حج فى سنة سبع وتسعين وأربعمائه ورآى فى الحرم أبا محمد بن العرض الشافعى أول أمام يصلى بالناس فى الحرم المقدس قبل إمام المالكيه

١٤

والحنفيه والزيديه ثم قال ولو كان الامام الحنبلى موجودا فى الحرم المكى لذكره ابو طاهر المذكور اه

وما الحامل على هذا التعصب ضد أتباع هذا الامام الأواب المتسبب عنه المجازر البشرية من غير شفقه ولا رحمة ازهقت بسببه أرواح الملايين من المسلمين من أول اظهار الامام زيد مذهبه الى أول ظهور سلطنة محمد رشاد الخامس العثمانى وضرب الحصار الدائم المحكم بسور من حديد فى طريق انتشار مذهبه وتكثير سواده حتى فى عموم اليمن انما هو الخلافة التى من شرطها فى مذهب الزيديه أن يكون القائم بهذا المنصب النبوى علويا فاطميا الخ : ولان كل مسلم يقدس أولاد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فضلا عن علماءهم امتثالا لأمر الله ورسوله وأما المذهب فلا غبار عليه فقد خدمته أئمتهم قبل علماءهم الفوا فيه المؤلفات الجمة رغم اشتغالهم بمقابلة الجيوش الهاجمة عليهم فى كل زمن فهو لا يخرج عن المذاهب الأربعه وأنك لتجد فى كل صحيفة من كتب فقه الزيدية قال أبو حنيفة قال الشافعى ومالك واحمد رحمهم‌الله

كذا واصحابهم كذا وفاقا أو خلافا بأوسع ما يذكره الشافعى عن مالك مثلا بغاية الكمال والاحترام معترفين بصحة مذاهبهم ومترجمين لأصحابها بما يليق بقدرهم من التجلة وعلو الشأن وها هو الروض النظير شرح مسند الامام زيد الفقهى وشرح الازهار ونيل الاوطار مطبوعات بمصر وغيرها من الكتب التى لم تطبع فيها بسط ما قلته مما يدل على كمال الانصاف والاعتراف

ومن اراد الزيادة فى التحقيق على ما ذكرناه بشأن هذا المذهب الشريف وموافقته للكتاب والسنة فليرجع الى ما قالوه حماة الدين أكابر علماء الازهز الشريف وغيرهم فى تقارظيهم على الروض النظير شرح مسند الامام زيد المطبوع سنة ١٣٥٠ ه‍ بمصر منهم أستاذ العلماء وعلامة الدنيا الوحيد الشيخ محمّد بخيت المطيعى مفتى مصر سابقا : وشيخ مشائخ وادى الفرات وعلامه العتره الفذ سماحه السيد محمد سعيد العرفى نزيل مصر سابقا : وترجمان القرآن بحر العرفان الشيخ يوسف الدجوى

والفار بدينه المهاجر الى الله حليف التواضع العلامة الكبير وكيل المشيخة الاسلامية فى التدريس بعاصمة الدولة العثمانية ومن أكابر علماءها الشيخ محمد زاهد الكوثرى نزيل مصر : والخطيب المفوه مغذى القلوب ببيان سحره العلامه الشيخ مصطفى ابو سيف الحمامى مدرس وخطيب الجامع الزينبى وغيرهم من أكابر العلماء وأيضا فليرجع الى تقاريظ بعضهم على هذا الاصل وهو المسند المطبوع سنة ١٣٤٠ ه‍ منهم العلامة المذكور الشيخ محمّد بخيت المطيعى والمرحوم العلامة القدير الشيخ

١٥

عبد المعطى السقاء والعلامة النحرير الشيخ عبد القادر ابن احمد بدران السلفى الاثرى السورى وعلى جوابى المرحوم الشيخ بكر بن محمد عاشور الصدفى مفتى مصر والمرحوم شيخ الاسلام الشيخ سليم البشرى على سؤال بشأن الزيدية المنتسبين الى الامام زيد فقد ادوا الامانة بيضا صافيه وبلغوها من لا حقيقة له بمذهب الامام زيد عليه‌السلام جزاهم الله عن الجامعة الاسلامية والعترة المحمّدية أحسن الجزاء

فعسى ان زمن التعصب المختلق قد انقضى وانقطع فان الحوادث المظلمة قد فرت كبد الاسلام ومزقت جامعته ولم يق لنا الا ان نلفت نظر المخلصين لله ورسوله ويهمهم تكوين الجامعة الاسلامية المقدّسة من العلماء والزعماء الناضجين؟؟؟ الداعين الى الله ورسوله لا الداعين بدعوى الجاهلية وهى الجنسية المنافية لقواعد الاسلام الى وجوب استئصال ما اختلقته السياسة من التفرقة المخزية بين الأسرة الاسلامية ولا سيما اذا درسنا حال هذه الدولة الهاشمية من أول نشأتها الى عصرنا الحاضر فلا نجد لها الا القانون السماوى الّذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والدولة الباقية من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المحتفظة باستقلالها التام فى جمع شؤنها لا مسيطر عليها رغم الحوادث المظلمة وتربطنا بها جميع الروابط الاسلامية بكل معنى الكلمة ومن الذين أمر الله تعالى فى كتابه العزيز وسنة رسوله الأمة الاسلامية مودتهم وفق الله علماء الاسلام وزعماءها المصلحين للقيام بواجبهم الدينى خير قيام لتأسيس دعائم الجامعة الاسلامية فقد استفحل الداء مع العلم بالدواء فلا فوز الا بالتقوى والرجوع الى الله تعالى والعمل بشرعه فقد وعد النصر لمن نصره وهو عز شأنه لا يخلف وعده ولا ينقض عهده قال تعالى (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) حقق الله آمالنا وأصلح أحوالنا ووفقنا لما فيه صلاح ديننا ودنيانا آمين ولما توطدت دعائم هذه الدولة فى القسم الاعظم من اليمن وحصنه الحصين وهو الجبال وانقرضت منه الملاحدة والباطنية هاجر الى اليمن من العراق والحجاز جماعات من أولاد الحسن والحسين عليهم‌السلام فرارا من ظلم العباسيين ومنهم جد السادة الاهدلية وبنى القديمى واستوطن جد السادة الاهدلية الامام محمد بن سليمان فى وادى سهام وجد السادة القديمية وادى سردد وانتشرت ذريتهما فى السهل والجبل ولهم مكانة واحترام هناك أضافوا الى شرف النسب شرف الاخلاق العالية والمكارم السامية والنفوس الهاشمية والعزائم المصطفوية ذوو تواضع طبيعى وكرم جبلى يؤثرون على أنفسهم «ولو كان بهم خصاصة» يحبون الخير وأهله منهم الولى المستور والظاهر

١٦

المشهور يؤثرون العزلة ولا يحبون الشهرة منهم الفقهاء والعلماء المشاهير محلاتهم مشهورة وللعلم مقصودة منها المراوعة والمنصورية وزبيد وغيرها وهكذا من سكن تهامة والجبال من غير هاتين الاسرتين من ذرية السبطين عليهم‌السلام لا يقلون فى الفضل والاشتغال بالعلم عنهما اكتفينا بالتنوية عن ذكر شىء من مناقبهم فنحض الجميع على دوام التمسك بهذا الشرف العظيم واليقطة من دجاجلة المستعمرين واستوطن جد السادة العلوية الامام أحمد بن عيسى حضر موت داعيا الى الله تعالى وكانت اذ ذاك تغلى بها مراجل فتنة الخوارج الكفرة الذين يلعنون أمير المؤمنين على بن أبى طالب كرم الله وجهه فجاهدهم بالوعظ والارشاد ثم بالسيف والسنان بمن حفظه الله من اعتناق نجاسة مذهبهم الى أن طهر الله بلاد حضر موت من كلاب النار ورجعت الى محبة قرناء الكتاب وانتشرت ذريته فى اليمن وغيرها وأنحبت رجالا أسلمت على أيديهم فى افريقيا الجنوبية وآسيا من بلاد الهند والملايو وجزائر سمطرا وغيرها من البلاد الجاوية ما ينوف على الخمسين مليونا من أجناس البشر على اختلاف السنتهم والوانهم لا بسيف ولا برمح بل بالدعوة الى توحيد الواحد الديان ممّا هو معلوم للمطلع على تاريخ سير هذه البضعة المباركة وأعمالها المجيدة المقترنة بالاخلاص والاستقامة

وانى عاجز عن ذكر بعض مناقب هذه الأسرة الطاهرة وما اختصت به من المزايا الفاضلة وتجشمها مشاق الاسفار فى طبقات الارض وظلمات البحار فى سبيل الدعوة الى الله تعالى اقتداء بجدهم الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وارضاء لحالقهم لا يتشجيع درهم ولا دينار من خليفة أو سلطان ولا طمعا فى تأسيس ممالك أوجمع مال مع مالهم من الجاه الرفيع والمحبة الراسخة فى قلوب المسلمين ولم تزل منهم

دعاة فى هاتيك الديار الى كلمة التوحيد الى عصرنا الحاضر بالأخص فى بلاد الملايو وجزرسو مطرا وجاوا فقد شادوا بها المساجد والمدارس الدينية وكونوا الجمعيات الخيرية للفقراء وفاض مزنها الى فقراء وطنهم أرض الاحقاف فى كل سنة فهذا من بعض مناقب الأسرة العلوية التى يمثلون فيها دعوة النبوة الى الله تعالى خارج وطنهم اليمن السعيد فسبحان معطى الفضل لمن يشاء فلله الحمد والشّكر حيث جعل اليمن منابع تلك الفيوضات النبوية ومناخ تلك الفروع الهاشمية ومستودع تلك السلسلة المحمدية وأبراج تلك الأقمار الفاطمية منهم العلماء العاملون والدعاة والمصلحون وأئمته المحافظون على الشريعة من ألف سنة وكسور لم تكن هذه المدة والمزية لغيرهم من أسر ملوك المسلمين ولن تزال ان شاء الله قائمة بالدين ما بقى

١٧

الموحدون ما دامت الشريعة شعارها والعدل ميزانها حفظ الله بها اليمن من الفتن ومن نكبات هذا الزمن وأباديها جيوش المفسدين والمأجورين على اتلاف الوطن وضياع الدّين عطفا من الله ورحمة على أهل اليمن لإخلاصهم فى الدين وموالاتهم لبضعة الرسول الامين عن عقيدة راسخة من غير تكلف ولا تصنع تلقوها بقلوب طاهرة وآذان واعية خلفا عن سلف عن سيّد الرسل عن الله عزوجل وباقية فيهم وفى أعقابهم إن شاء الله الى يوم يبعثون بسلام آمنين وما ورد فى حقهم من الآيات الشريفة والأحاديث المنيفة الناطقة بفضلهم ما لم يرد فى شعب من الشعوب الاسلامية بعد المهاجرين والانصار الا لتمسكهم بالدين وبالشريعة المطهرة فى سائر عصورهم الماضية والحاضرة وأن المسلم الداخل فى اليمن اليوم تمثل له حالته الراهنة صدر الاسلام بثبوت أهله على الدين والقيام بشعائره من الكبير والصغير نساءهم وصبيانهم

مساجدهم وبيوتهم بالعبادة وتلاوة آيات الذكر الحكيم عامرة ومدارسهم من البداية الى النهاية بتعليم الدين زاهرة لا يتخلل صفوفهم ملحد ولا زنديق لانّهم لا يرسلون أولادهم الى مدارس أوربا لاعتقادهم الجازم ان من تخرج منها قل ان يرجع مسلما يخدم دينه ووطنه معا وإنما أدخل الالحاد فى بلاد المسلمين وزرعه فى قلوب كثير من أبناءه رجالا ونساء وأهمل التعليم الدينى فى المدارس الاسلامية الا المتعلمون من أبناء المسلمين فى أوربا والمتخرجون من مدارسها وجامعاتها حتى عجز علماء الدين عن ارجاعه اليها كما هو الواقع فاذا كانت هذه عقيدة أهل اليمن فيمن دخل مدارس أوربا من أبناء المسلمين وعدم الثقة به فضلا عن الأجنبى فلا شك أن الالحاد لا يدخل اليمن أبدا ما دام الله يعبد فى أرضه وهذا من أعلام نبوة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما سيأتى إن شاء الله تعالى قريبا فى الاحاديث الشريفة فيجب على أهل اليمن أن يقابلوا هذه النعم الكبرى المتوالية عليهم بالحمد والثّناء لله الواحد الاحد والاستزادة فى طاعته واتقاء محارمه وان يحفظوه ويحفظوا رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فى بضعته حكومتهم الهاشمية التى حفظ الله بها وطنهم من دسائس المستعمرين

وأجرى هذه النعم العظمى على يديها فى بلدهم الامين وأن يكونوا معها أنصار وأعوانا لنصرة دينهم والذود عن وطنهم

لأن الجميع مسلمون كتابهم واحد والههم واحد ولسانهم واحد أيد الله هذا الدّين الحنيف باجدادهم وأضاء نوره فى أسيا وأفريقيا وأوربا بسيوف اسلافهم

١٨

فاعتبروا بين وطنى أبناء العروبة بما حل بأوطان اخوانكم المسلمين شرقا وغربا وبما فعلته المبشرون والملحدون بالدين الحنيف والغارة عليه سرا وجهرا لتفوزوا بدوام السلامة فى دينكم ودنياكم من هذه الكوارث الكبرى فى الحال والاستقبال والخلود فى دار النعيم الابدى مع النبى الامى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانى أبتهل الى الله الرحمن الرحيم كشاف الكروب بقلب خاشع حزين متوسلا اليه بهذا الرسول الكريم اذ هو وسيلتنا العظما اليه والمحجه البيضا بين يديه ان يطهر جميع بلاد المسلمين من الملاحدة والزنادقة واعداء الدين وان يوفقهم للعمل بدينهم القويم وسلكوهم صراطه المستقيم بجمع كلمتهم الى ما يحبه ويرضاه أمين اللهم أمين

(الباب الاول)

فى الآيات الشريفة وما أورده علماء التفسير من الاحاديث الكريمة المؤيدة لما قالوه فى معناها بخصوص فضائل اهل اليمن السعيد قال الله تعالى وهو أصدق القائلين (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) ذكر السيوطى فى الدر المنثور وصديق خان فى فتح البيان قالا أخرج ابن أبى حاتم فى تفسيره والبخارى فى تاريخه والحاكم فى الكنى وأبو الشيخ والطبرانى فى الأوسط وابن مردوية بسند حسن عن جابر رضى الله عنهما قال سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن هذه الآية «قال هؤلآء من أهل اليمن من كندة ثم من السكون ثم من تجيب» وأخرجه النور الهيثمى فى مجمع الزوائد جزء سابع بكتاب التفسير عن الطبرانى فى الأوسط وقال أسناده حسن وأخرج البخارى فى تاريخه وابو الشيخ وابن أبى حاتم عن ابن عبّاس رضى الله عنهما «قال هم قوم من أهل اليمن ثم من كندة ثم من السكون»

قلت وابن أبى حاتم التزم فى تفسيره أن يخرج أصح شىء فى الباب وأخرج البخارى فى تاريخه عن القاسم بن مخيمرة قال أتيت ابن عمر رضى الله عنهما فرحب بى ثم تلا قوله تعالى (فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ) الآية ثم ضرب على منكبى وقال أحلف بالله تعالى انهم لمنكم أهل اليمن ثلاثا وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد فسوف يأتى الله الآية قال هم قوم سبأ وأخرج بن عساكر فى تبيين كذب المفترى وابن جرير فى تفسيره باسنادهما عنه أيضا لنهم قوم سبأ

وأخرج ابن أبى شيبة عن ابن عباس فسوف يأتى الله الآية «قال هم أهل القادسية

١٩

وأورد الالوسى والبغوى عن الكلبى انهم الذين جاهدوا يوم القادسية الفان من النخع وخمسة الاف من كندة وبجيلة وثلاث الاف من أفناء الناس

وقال الخازن قيل هم أهل اليمن ثم ذكر حديث «الايمان يمان» وقيل أحياء من اليمن وروى ابن جرير أيضا باسناده عن مجاهد قال أناس من أهل اليمن وأخرج من طريق أخرى عنه مثله : وأخرج باسناده عن شهر بن حوشب قال هم أهل اليمن وأخرج باسناده عن محمد بن كعب القرظى ان عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه وأرضاه أرسل اليه يوما وهو أمير المدينة يسأله عن ذلك فقال محمد يأتى الله بقوم وهم أهل اليمن

قال عمر يا ليتنى منهم قال آمين واخرج عن عياض الاشعرى قال هم أهل اليمن وفى تفسير أبى السعود وصديق خان قيل هم أهل اليمن لقول النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «هم قوم هذا» يعنى أبا موسى وقيل الفان من النخع وخمسة الاف من كندة وبجيلة وثلاث آلاف من أفناء الناس جاهدوا يوم القادسية ومثله فى الكشاف واخرج الحاكم وصححه والبيهقى فى الدلائل وابن أبى حاتم والحافظ السلفى وأبن عساكر فى تبيين كذب المفترى من طرق وابن جرير وابن سعد وغيرهم عن عياض عن أبى موسى قال تلوت عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسوف يأتى الله الاية فقال «قومك يا ابا موسى أهل اليمن» وقال الحافظ النور الهيثمى رواه الطبرانى ورجاله رجال الصحيح وفى تفسير ابن جرير ما ملخصه فى معنى هذه الاية وأن المراد بها أهل اليمن (فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ) المؤمنين الذين لم يرندوا (بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) أعوانا وأنصارا وقال وبذلك جأت الرواية عن بعض من يتأول ذلك كذلك وكون المراد بهذه الاية أهل اليمن هو الاولى بالصواب وقال الحافظ ابن الديبع فى تحفة الزمن واعلم سر ما فى قوله تعالى (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) إذا كان الحبيب لا يعذب حبيبه بدليل قوله تعالى ردا على اليهود حيث قالوا (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ (قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ) فثبت لهم بالاية الاولى انهم أحباء الله وثبت لهم بالاية الاخرى انه تعالى لا يعذبهم

(الاية الثانية)

قوله تعالى (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ) الآية مخاطبا خليله ابراهيم عليه الصلاة والسلام بعد اتمامه بناء الكعبة زادها الله شرفا وتعظيما قال السيوطى فى الدر المنثور أخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس رضى الله عنهما قال لما أمر الله ابراهيم عليه الصلاة والسلام أن ينادى فى الناس بالحج صعد أبا قبيس فوضع أصبعيه فى أذيه

٢٠