تربة الحسين عليه السلام الإستشفاء والتبرّك بها ـ السجود عليها دراسة وتحليل - ج ٣

الشيخ أمين حبيب آل درويش

تربة الحسين عليه السلام الإستشفاء والتبرّك بها ـ السجود عليها دراسة وتحليل - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أمين حبيب آل درويش


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥١
  الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣

٣ ـ السيد محمد الفِلْفِل القطيفي (٤٣٣) :

ذكر العلامة الشيخ حسين البلادي القديحي (ره) في كتابه (سعادة الدارين) : «وجدت بخط الوالد الماجد (ره) ما لفظه : سمعت من الثقة الشيخ علي الحمامكي (ره) ـ من قراء النجف الأشرف ، على مشرفه السلام ـ ، عن العالم الفاضل الثقة الأفخر ، الشيخ جعفر الشوستري (ره) ، عن العالم الشاعر السيد محمد بن السيد مال الله القطيفي (ره) ، أنّه قال : رأيت في المنام كأنّي جئت إلى غدير ماء ، وعلى حَافّة ذلك الغدير إمرأة حزينة باكية ، وبيدها قميص تغسله فيه ، وهي تردد هذا البيت :

فكيف يطوفُ القلب مني ببهجةٍ

وبهجةُ قلبي في الطفوف غريبُ

قال السيد (ره) : فدنوت منها ، فقلت : مَنْ أنتِ ، ومَنِ إبنك؟

فقالت لي : أو ما تعرفني؟! أنا جدتك فاطمة الزهراء ، وهذا قميص ولدي الحسين. قال السيد (ره) : فلما أصبحت ؛ علمت قصيدة ، وضَمّنت البيت فيها ، وأولها : (أراك متى هَبّت صبا وجنوب) ..» (٤٣٤).

__________________

(٤٣٣) ـ السيد محمد بن السيد مال الله بن السيد محمد ، ابو الفلفل القطيفي ، مسقط رأسه (التوبي) إحدى القرى القطيفية. عَبّر عنه صاحب أنوار البدرين : «العالم السيد الحسيب ، الشاعر الأديب الأسعد .. كان من الشعراء المجيدين المكثرين في مرائي الحسين (ع) ، وأصحاب الحسين (سلام الله عليهم أجمعين). وله يد قوية في العلم ، إلا أنّ الشعر غلبه. إنتقل من القطيف للعراق ، وجاور جده الحسين سيد الشهداء وإمام السعداء ، حتى مات فيها سنة (١٢٦١ هـ).

(٤٣٤) ـ القديحي ، الشيخ حسين البلادي : سعادة الدارين / ٦٧.

٣٤١

٤ ـ الشيخ محمد كَمّونَة (٤٣٥) :

«أخبرني الشيخ العالم ، العابد المعمِّر ، الشيخ عبد الله بن معتوق القطيفي ـ سَلّمه الله ـ أيام مجاورته في النجف الأشرف لطلب العلم سنة (١٣١٠ هـ) ، قال : أخبرني من أثق به من العلماء. قال : أخبرني الشيخ الفاضل الأديب الحاج محمد علي ، ابن الحاج محمد المعروف بابن كمونة الأسدي الحائري ، المتوفي سنة (١٢٨٣ هـ) ، وكان ينوب عن أخويه : الميرزا مهدي الخازنين في الروضة الحسينية ، ويلازم الروضة ، قال رأيت ذات ليلة في المنام سيد الحسين (عليه السلام) في الروضة الشريفة واقفاً ينظر إلى الزائرين ، وهو يردد قوله (فمنا المنادي ومنا السميع). قال : فانتبهت من منامي وأنا أحفظ هذا الشطر فأكملته بقولي :

سبقنا فلا أحد قبلنا

سوى من يرانا ومنا الصنيع

فذا الخف منا إلينا لنا

(فمنا المنادي ومنا السميع)

__________________

(٤٣٥) ـ الشيخ محمد علي ، ابن الشيخ محمد ، ابن عيسى النجفي الكربلائي ، كان شيخاً فاضلاً مبجلاً ، وأديباً كاملاً ، وشاعراً جليلاً ، كثر النظم ، مدح الأئمة المعصومين ورثاهم. وآل كمونة هؤلاء الذين يقيمون الآن في كربلاء كانوا يقيمون في النجف بمحلة البراق ، في شارع الجمالة التي فيه المغتسل القديم للموتى في النجف ، ولهم عدة دور فيه ، غير أنّه على أثر حادث عشائري عرفي متداول بين النجفيين ، نزحوا عن النجف تدريجياً وسكنوا مدينة كربلاء ، وصارت لهم فيها الوجاهة والشأن والكرامة والأمر والنهي ، ولهم دار ضيافة قرب التل المعروف بـ(الزينبي) يرحبون بالقادم ، ويحترمون أهل العلم ، ودفن داخل المشهد الحائري ، خلف رأس الحسين (عليه السلام) ، مع أخويه الحاج مهدي ، والحاج حسن. عن معجم رجال الفكر والأدب في النجف خلال الف عام ص ١٠٩٧.

٣٤٢

قال الشيخ عبد الله (٤٣٦) : فخمستها عند سماعي لهما سنة (١٣٠٥ هـ) لأتعلق بسبب إلى الحسين (عليه السلام) فقلت :

أجرنا عقولاً سعت نحونا

فتاهت وما بلغت كنهنا

ونحن عبيد ولكننا

سبقنا فلا أحد قبلنا

سوى من يرانا ومنا الصنيع

فمن ساء فعلاً ومن أحسنا

يؤب لنا قبل أن يوزنا

ننادي ونسمع أن يدعنا

فذا الخلق منا إلينا لنا

(فمنا المنادي ومنا السميع) (٤٣٧)

٥ ـ الوَحِيد البَهْبَهَانِي (٤٣٨) :

ذكر الشيخ محمد رضا الحكيمي في كتابه «تاريخ العلماء» : «وكان ميلاده الشريف في سنة ثمانية عشر ، أو سبعة عشر بعد المائة والألف في إصفهان ، وقطن برهو في بهبهان ، ثم انتقل إلى كربلاء ـ شَرّفها الله ـ وكان ربما يخطر بخاطره الشريف الإرتحال منها إلى بعض البلدان ؛ لتغيّر الدهر وتَنكِّد الزمان ،

__________________

(٤٣٦) ـ العالم المحقق والفاضل المدقق التقي الورع ، الشيخ عبد الله بن معتوق ، بن الحاج درويش ، ابن الحاج معتوق ، ابن الحاج عبد الحسين ، بن الحاج مرهون البحراني البلادي القطيفي التاروتي. ولد سنة (١٢٧٤ هـ) ، وتوفي ليلة الخميس ١١ / ٥ / ١٣٦٢ هز فقيه من الفقهاء المعروفين بالزهد والتقوى ، وظهور الكرامات التي يشهد بها المعاصرون له.

(٤٣٧) ـ السماوي ، الشيخ محمد : ظرافة الأحلام / ٦٦ ـ ٦٧.

(٤٣٨) ـ العلامة المجدد الآقا محمد باقر بن الآقا محمد باقر بن محمد أكمل بن محمد صالح الإصفهاني ، البهبهاني الحائري ، ينتهي نسبه بثلاث عشرة واسطة من طرف أبيه إلى الشيخ المفيد ، ومن جهة أمه بثلاث وسائط إلى المحدث الكبير المجلسي الأول. توفي في ٢٩ / ١٠ / ١٢٠٥ هـ. ودفن داخل الحرم الحسيني الشريف.

٣٤٣

فرأى الإمام (عليه السلام) في المنام يقول له (لا أرضى لك أن تخرج من بلادي) فجزم العزم على الإقامة بذلك النادي ، وقت كانت بلدان العراق ـ سيما المشهدين الشريفين ـ مملوءة قبل قدومه من معاشر الأخباريين ، بل ومن جاهليهم والقاصرين ، حتى أنّ الرجل منهم كان إذا أراد حمل كتاب من كتب فقهائنا ـ رضي الله عنهم ـ حمله مع منديل ، وقد أخلى الله البلاد منهم ببركة قدومه ، واهتدى المتحيرة في الأحكام بأنوار علومه ، وبالجملة كل من عاصره من المجتهدين ، فإنّما أخذ من فوائده ، واستفاد من فرائده» (٤٣٩).

٦ ـ الشيخ جعفر التُسْتَرِي (٤٤٠) :

ينقل الشيخ النوري عن الشيخ التستري (ره) : «لما فرغت من تحصيل العلوم الدينية في المشهد الغروي [نسبة إلى الغرب من أرض النجف] ، وآن أوان النشر ووجوب الإنذار .. رجعت إلى وطني ، وقمت بأداء ما كان عليّ من هداية الناس على تفاوت مراتبهم. ولعدم تَضَلُّعِي بالآثار المتعلقة بالمواعظ والمصائب .. كنت مكتفياً بأخذ (تفسير الصافي) بيدي على المنبر والقراءة منه في شهر رمضان والجمعات ، و (روضة الشهداء) للمولي الكاشفي في أيام عاشوراء. ولم أكن ممن يمكنه الإنذار والإبكاء بما أودعه في صدره. إلى أن مضى عليّ عام ، وقرب

__________________

(٤٣٩) ـ الحكيمي ، الشيخ محمد رضا : تاريخ العلماء / ٩٥.

(٤٤٠) ـ الشيخ جعفر ، ابن المولى حسين ، بن الحسن ، بن علي ، بن الحسين النجفي. ولد عام (١٢٢٧ هـ) من أعاظم العلماء وأجلاء الفقهاء المشاهير في عصره ، هاجر إلى النجف وتلمذ على الشيخ صاحب الجواهر ، والشيخ الأنصاري سنيناً ، ثم عاد إلى (تستر) وأصبح مرجعاً للتقليد والفتيا ، وزعيماً مطاعاً للدنيا والدين ، ثم هاجر ثانية إلى النجف الأشرف وتصدى فيها للتدريس والتأليف وامامة الجماعة والخطابة ، وأصبح من كبار المراجع ومشاهير العلماء. إلى أن توفي بمدينة كرند في صفر سنة (١٣٠٣ هـ) ، وحمل جثمانه إلى النجف. عن معجم رجال الفكر والأدب في النجف خلال ألف عام ، ج ١ / ٣٢١.

٣٤٤

شهر محرم الحرام ، فقلت في نفسي الليلة : إلى متى أكون صحفياً (أعتمد على صحائف الكتب) ، لا أفارق الكتب؟! فقمت أتفكّر في الإستغناء عنه والإسقلال في الخطاب ، وسَرّحت بريد فكري في أطراف هذا المقام ، إلى أن سئمت منه وأخذني المنام ، فرأيت كأنّي بأرض كربلاء في أيام نزول المواكب الحسينية فيها ، وخيمهم مضروبة ، وعساكر الأعداء في تجاههم .. كما في الرواية. فدخلت على فسطاط سيد الأنام أبي عبد الله (عليه السلام) ، فسلّمت عليه ، فقربني وأدناني ، وقال (عليه السلام) لحبيب بن مظاهر : إنّ فلاناً (وأشار إليّ) ضيفنا. أما الماء ؛ فلا يوجد عندنا منه شيء ، وإنّما يوجد عندنا دقيق وسمن ، فقم واصنع له منهما طعاماً واحضره لديه. فقام وصنع فيه شيئاً ووضعه عندي ، وكان معه ملعقة ، فأكلت مه لقيمات .. وانتبهت. وإذا أنا أهتدي إلى دقائق وإشارات في المصائب ولطائف وكنايات في آثار الأطايب ما لم يسبقني أحد ، وزاد كل يوم .. إلى أن أتى شهر الصيام ، وبلغت في مقام الوعظ والبيان غاية المرام» (٤٤١).

٧ ـ الشيخ يوسف البَحْرَانِي (٤٤٢) :

«حكى السيد محمد بن هاشم الحضراوي الخَطّي ، ـ المتوفى ٢٩ / ١ / ١٣٩٦ هـ ـ عن الشيخ حسين بن علي القديحي قال : إنّ العلامة الشيخ يوسف بن احمد ، بن ابراهيم. المحدث صاحب الحدائق الناضرة ، آل عصفور

__________________

(٤٤١) ـ النوري ، الميرزا حسين : دار السلام ، ج ٢ / ٣١٤.

(٤٤٢) ـ الشيخ يوسف ، بن الشيخ احمد ، بن ابراهيم ، بن احمد ، بن صالح ، بن احمد ، بن عصفور الدرازي البحراني ، العالم العامل ، المحدث الفقيه ، من أعاظم علماء الإمامية في عصره ، ولد في قرية (ماحوز) سنة (١١٠٧ هـ) ، حيث كان هاجر إليها والده من موطنه (دراز) لينهي دراسته على شيخه المحقق سليمان الماحوزي ، وتوفي في كربلاء بعد الظهر من يوم السبت ٤ ربيع الأول (١١٨٦ هـ).

٣٤٥

الماحوزي البحراني ، المتوفى عام ١١٨٦ هـ. كان يسكن في أواخر حياته بجوار سيد الشهداء في كربلاء ، فلما وقع في شكواه الذي توفي فيه أوصى أن ينقل بعد وفاته ؛ ليوارى في جوار أمير المؤمنين عليه السلام بالنجف الأشرف ؛ ليأمن من حساب القبر ، فرأى في منامه الإمام الحسين عليه السلام يقول له : (يا يوسف ، شرفتنا بجوارك لنا حال الحياة فلم حرمتنا منه بعد الوفاة؟! وهل صدر منا بحقك مساءة أو تقصير؟!). قال : حاشى لله يا مولاي ، إنّي ما رأيت منكم إلا كل جميل وإحسان ، ولكني كما تعلم قد قمت بتأليف هذه الموسوعة الفقهية في الأحكام الشرعية ، وناقشت في بعضها العلماء ، وطرحت بعض النصوص ، ورددت بعض الآراء ، وأخشى أن تحاسبني الملائكة في ذلك ، فلو حاسبتني على كل جملة وفقرة من الكتاب ، لإستمر حسابي إلى عشرين سنة على الأقل ، فرأيت أن آمن بجوار أبيك مما أخشاه. قال عليه السلام : يا يوسف ، أقم في جوارنا ولك علينا أن لا يصل إليك أحد من ملائكة الحساب ، نحن نكفيك كل ما تخشاه وتنال منا كلما تؤمله وتتمناه من أمير المؤمنين عليه السلام. فلما أصبح دعا أولاده فأخبرهم بما تعهد به الحسين عليه السلام ونهاهم عن نقله إلى كربلاء. وأمرهم أن يواروه عند الباب الذي يدخل منه الزوار لزيارة الشهداء ، مما يلي رجلي علي الأكبر وأبيه الحسين. فلما توفي اُودع جثمانه حيث طلب على باب المدخل للحضرة المقدسة من ناحية مقابر الشهداء ، وقد ضَمّ إليه بعد ذلك من العلماء السيد علي صاحب الرياض ، والسيد محمد باقر البهبهاني ، والسيد مرتضى بحر العلوم ، والد السيد مهدي بحر العلوم ، صاحب (الدرّة النجفية) ، وقد وضع على المقابر الأربعة ساجة كبيرة ، وكتب عليها أسماؤهم» (٤٤٣).

__________________

(٤٤٣) ـ البحراني ، السيد محمد صالح : النمارق الفاخرة ، ج ٣ / ٧٨ ـ ٧٩ ، «بتصرف» ـ المؤلف.

٣٤٦

٨ ـ الشيخ ضياء الدين النعماني :

ذكر الشيخ عبد العظيم المهتدي البحراني في كتابه «قصص وخواطر» : «.. حكى لنا سماحة الشيخ ضياء الدين النعماني : .. أنّ شخصاً جاءه قبل وفاتة والده بأيام وقال : إنّي رأيت فيما يراه النائم رجلين قادمين من زيارة مرقد الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء ، وبيد أحدهما تربتان حسينيتان ، فأعطاهما إياك وقال : إنّهما هدية لك ، إحدهما ولوالدك الأخرى. مضت أيام حتى يوم وفاة والدي ، وأنا في المغتسل ؛ إذ جاءني أحد المؤمنين وناولني تربتين حسينيتين ، وقال : إنّ إثنين من أصدقائه قدما من كربلاء وهذه هديتهما ، إليك واحدة والأخرى لوالدك المرحوم. فغُمِرْت بالعجب الشديد من تطابق تلك الرؤيا وهذا الواقع ، فأخذت التربتين وخلطت التي لوالدي بالماء وحينما وضعته في القبر مسحت بها على صدره ووجهه ، وإزددت عجباً عندما كنت ألقّنه بالعقائد الحَقّه ، وأقول : (إذا سألك الملكان المقرّبان من نبيك : فقل : محمد بن عبد الله ، خاتم الأنبياء بني ..) وإذا بجفون عيني والدي إنتفضت ونزلت من تحتها دمعة كبيرة بيضاء كالدرّ!

وأضاف الشيخ النعماني ـ الذي يقال : أنّه حافظ ثلاثين ألف حديث مع سلسلة إسناده ـ أنّ والده المرحوم (الحاج كريم) ، كان عالماً غير معمم ، وكان شديداً في الولاء لأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان مواظباً منذ أربعين عاماً على أن لا تفوته زيارة الإمام الحسين عليه السلام ، فحتى بعدما جئنا إلى إيران كان يصعد على سطح المنزل ليلة كلّ جمعة ، فيتجه نحو العراق ويُسلِّم على الحسين عليه السلام.

وهنا عَلّق على هذه القصة العجيبة سماحة الشيخ صَحّت ـ وهو من حفاظ أحاديث أهل البيت عليهم السلام ـ قائلاً : إنّ ما حكاه الشيخ النعماني يؤيده

٣٤٧

الراوي عن الإمام الصادق عليه السلام قال : سمعته يقول : عن دمعة عين الميت (ذلك عند معاينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فيرى ما يسره) ثم قال : (اما ترى الرجل يرى ما يَسرُّه ويحبّ فتدمع عينه لذلك ويضحك). (٤٤٤) ...) (٤٤٥).

٩ ـ بعض العلماء :

«عن كتاب «مناقب السبطين» : إرتاض بعض العلماء ليستظهر قاتله مَنْ هو؟ فرأى في منامه الحسين عليه السلام وسأله عن قاتله؟ فقال عليه السلام : وإن كان المشهور أنّ الشمر قاتلي ، ولكن صنع ما صنع بيَّ طعنة سنان بن أنس» (٤٤٦).

__________________

(٤٤٤) ـ راجع الأصول من الكافي ، ج ٣ / ١٣٣.

(٤٤٥) ـ البحراني ، الشيخ عبد العظيم المهتدي : قصص وخواطر / ٦١٨.

(٤٤٦) ـ الحائري ، الشيخ محمد مهدي : معالي السبطين ، ج ٢ / ٤٤.

٣٤٨

ثالثاً ـ عَامّة الناس

أ ـ هداية ورحمة :

١ ـ هند زوجة يزيد (لع)

٢ ـ جارية يزيد (لع)

٣ ـ زوجة شمر (لع)

٤ ـ زوجة خولي الأصبحي (لع)

«النوار بنت مالك»

٥ ـ رأس الجالوت

٦ ـ الخَلِيعي الموصِلي

٧ ـ الرجل النصراني

٨ ـ الرجل اليماني

٩ ـ المرأة الزانية التائبة

١٠ ـ المهراجا الهندوسي

٣٤٩
٣٥٠

١ ـ هند زوجة يزيد :

هند بنت عبد الله ، بن عامر ، بن كريز ؛ وهي زوج يزيد بن معاوية (لع). قال الدربندي (ره) :

«وخرجت هند بنت عبد الله ، بن عامر ، بن كريز إمرأة يزيد (لع) ـ وكانت قبل ذلك تحت الحسين ـ ، حتى شَقّت الستر وهي حاسرة ..» (٤٤٧).

مناقشة السيد المقرّم لقصة زواجها من الحسين :

وقال المحقق السيد المقرّم (ره) : «قصة تزويج هند ـ زوجة عبد الله بن عامر ، بن كريز ـ من يزيد ، وإجبار زوجها على الطلاق من الأساطير التي أراد واضعها الحَطّ من كرامة سيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين (عليهما السلام) ، فرويت بصور مختلفة.

(الصورة الأولى) ـ مقتل الخوارزمي ج ١ ٢ ١٥١ ـ فصل ٧ ، طبع النجف : بالإسناد إلى يحيى بن عبد الله بن بشير الباهلي ، قال : «كانت هند بنت سهيل ، بن عمرو عند عبد الله بن عامر بن كريز ، وكان عامل معاوية على البصرة ، فأقطعه خراج البصرة على أن يتنازل عن زوجته هند ؛ لرغبة يزيد فيها ، وبعد إنتهاء العدة أرسل معاوية أبا هريرة ومعه ألف دينار مهراً لها ، وفي المدينة ذكر أبو هريرة القصة للحسين بن علي (عليه السلام). فقال : إذكرني لهند. ففعل أبو هريرة ، وإختارت الحسين فتزوجها ، ولما بلغه رغبة عبد الله بن عامر فيها طلقها ، وقال له : (نعم المحلل كنت لكما). وفي إسناده يحيى بن عبد الله بن بشير الباهلي ، عن ابن المبارك ، وهو مجهول عند علماء الرجال.

__________________

(٤٤٧) ـ الدربندي ، الشيخ آغا بن عابد الشيرواني : اسرار الشهادات ، ج ٣ / ٦٦٠.

٣٥١

(الصورة الثانية) ـ في مقتل الخوارزمي ج ١ ، ص ١٥٠ : فصل ٧ مسنداً عن الهذلي ، عن ابن سيرين : أنّ عبد الرحمن بن عناب بن أسيد كان أبا عذرتها ، طلقها وتزوجها عبد الله بن عامر بن كريز ، وذكر كما في الصورة الأولى ، إلا أنّه أبدل الحسين بالحسن عليه السلام ، وأنّه قال لعبد الله بن عمر بعد أن طلقها : (لا تجد محللاً خيراً لكما مني) ، وكانت هند تقول : سيدهم حسن وأسخاهم عبد الله ، وأحَبّهم إلي عبد الرحمن. وفي تهذيب التهذيب لابن حجر ج ١ / ٤٥ : «إنّ الهذلي : هو أبو بكر ، كذّاب عند ابن معين ، ضعيف عند ابي زرعة ، متروك الحديث عند النسائي. وفي الوافي بالوفيات ـ للصفدي ج ٣ ص ١٤٦ : إعتراف محمد بن سيرين على نفسه بأنّه يسمع الحديث وينقص منه ، وكان من سبي جرجايا. وفي طرح التثريب ج ص ١٠٣ ، كان ابن سيرين من سَبْي عَين التّمرْ.

(الصورة الثالثة) ـ في نهاية الارب للنوبري ج ٦ ص ١٨٠ : كانت (زينب) بالزاء المعجمة عند عبد الله بن سلام ، عامل معاوية على العراق ، فطلب منه معاوية طلاق زوجته ؛ لرغبة يزيد فيها على أن يزوجه من إبنته ، فلما طَلّقَها لم توافق إبنة معاوية على التزويج منه ، فأرسل معاوية أبا هريرة ، وأبا الدرداء إلى العراق ليخطبا (زينب بنت إسحاق) ليزيد ، فقدما الكوفة وكان بها الحسين بن علي عليهما السلام فذكرا له القصة. فقال لهما : إذكراني. فإختارت الحسين عليه السلام وتزوجها ، ولما عرف رغبة عبد الله بن سلام فيها طلقها لتحل لزوجها الأول.

وهذه القصة المطولة التي أرسلها النويري في نهاية الأرب ، من دون إسناد أرسلها ابن بدرون في شرح قصيدة ابن عبدون ص ١٧٢ ، طبع سنة ١٣٣٠ هـ ، وسَمّاها (رينب) بالراء المهملة ، والحسين عليه السلام لم يرد إلى الكوفة بعد إرتحالهم منها.

٣٥٢

(الصورة الرابعة) ـ في الأمثال للميداني ج ١ ص ٢٧٤ : حرف الراء ، عنوان (رُبّ سَاعِ لقاعد) روي مرسلاً : أنّ معاوية سأل يزيد عن رغباته فذكر له رغبته في التزويج من (سلمى أم خالد) ، زوجة عبد الله بن عامر بن كريز ، فاستقدمه معاوية وسأله طلاق إمرأته (أم خالد) على أن يعطيه خراج فارس خمس سنين ، فَطَلّقها فكتب معاوية إلى وليه على المدينة (الوليد بن عتبة) أن يعلم أم خالد بطلاقها ، وبعد إنقضاء العدة أرسل معاوية أبا هريرة ومعه ستون ألفاً وعشرون الف دينار ، مهرها وعشرون الف كرامتها ، وعشرون الف هديتها ، وفي المدينة حكى القصة لأبي محمد الحسن بن أمير المؤمنين (عليه السلام). فقال لأبي هريرة : إذكرني. وقال له الحسين : إذكرني لها. وقال عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب : إذكرني. وقال عبد الله بن جعفر الطيار : إذكرني. وقال عبد الله بن الزبير : إذكرني. وقال عبد الله بن مطيع بن الأسود : إذكرني. ولما دخل عليها ابو هريرة حى لها ما أراده معاوية ، ثم ذكر رغبة الجماعة فيه. فقالت له : إختر لي أنت. فاختار لها الحسن بن علي عليهما السلام ، وزَوّجَها منه وانصرف إلى معاوية بالمال ، ولما بلغ معاوية القصة ، عَتَبَ على أبي هريرة فرد عليه : المستشار مؤتمن.

هذا كل ما في عَيْبَة المؤرخين الأمناء في تسجيل الحقايق كما وقعت ، ومن المؤسف عدم تحفظهم عن الطعن بكرامة المسلمين ، والتأمل في هذه الأسطورة لا يعدوه الإذعان بأن الغاية منها هو النيل من إبني رسول الله (صلى الله عليه وآله) الإمامين على الأئمة إن قاما وإن قعدا ، لَعَلّ من يبصر الأشياء على علاتها من دون تمحيص ، وقد وجد من انطلت عليه هذه الأكذوبة ، فرمى أبا محمد الحسن عليه السلام بما تسيخ منه الجبال بالإعتذار عن كثرة الزوجات للحسن ، أن

٣٥٣

الطلاق بالثلاث شايع ولم يجدوا محللاً صادقاً بأن يتزوج المرأة على الدوام ، ثم يطلقها إلا الحسن عليه السلام ، وما أدري بما يعتذر يوم يقول له ـ أبو محمد عليه السلام ـ : على أي إستناد وثيق هتكتني ولم تتبصر؟! ..» (٤٤٨).

وبعد عرض ما ذكره المحقق السيد المقرّم (ره) ؛ تبين لنا أنّ هند لم يتضح لنا نسبها ، بل ولا إسمها ولا إسم زوجها قبل يزيد. فتأمل ـ أيها القارئ النبيل ـ ولاحظ معي ما ذكر في الصور الأربع المتقدمة ،

ففي الصورة الأولى : (هند بنت سهيل بن عمر ، وزوجها عبد الله بن عامر بن كريز).

وفي الصورة الثانية : (عبد الله بن عناب بن اسيد ، كان أبا عذرتها طلقها وتزوجها عبد الله بن عامر بن كريز ..).

وفي الصورة الثالثة : (زينب بنت إسحاق ، عند عبد الله بن سلام).

وفي الصورة الرابعة : (سلمى بنت خالد ، زوجة عبد الله بن عامر بن كريز).

علاقتها بأهل البيت عليهم السلام :

وبعد هذا نقول : لا يهمنا كل ذلك ، بل المهم أن نذكر أنّها ذات إرتباط بأهل بيت العصمة عليهم السلام ، ومن الشواهد على ذلك ما ذكره المؤرخون في السيرة الحسينية ـ منها ما يلي :

«وخرجت هند بنت عبد الله ، بن عامر ، بن كريز ، إمرأة يزيد ـ وكانت قبل ذلك تحت الحسين عليه السلام ـ حتى شَقّت الستر وهي حاسرة ، فوثبت إلى يزيد وهو في مجلس عام ، فقالت : يا يزيد أرأس ابن فاطمة بنت رسول الله مصلوب

__________________

(٤٤٨) ـ المقرم ، السيد عبد الرزاق : مقتل المقرم / ٤٠ ـ ٤١. «حاشية».

٣٥٤

على فناء بابي؟! فوثب إليها يزيد فَغَطّاها ، وقال : نعم فأعولي عليه يا هند وأبكي على ابن بنت رسول الله ، وصريخة قريش ، عَجّل عليه ابن زياد (لعنه الله) فقتله ، قتله الله» (٤٤٩).

قال الراوي : فسمعته بنت عبد الله زوجة يزيد (لع) ، وكان يزيد (لع) مشغوفاً بها ، قال : فدعت برداء فتردت بها ، ووقفت من وراء الستر وقالت ليزيد (لع) : هل عندك من أحد؟

قال : أجل ، فأمر من كان عنده بالإنصارف ، وقال اللعين : ادخلي. فدخلت ، قال : فنظرت إلى رأس الحسين ؛ فصرخت فقالت : ما هذا الرأس الذي معك؟ فقال : رأس الحسين بن علي بن أبي طالب. قال : فبكت وقالت : يعزّ والله على فاطمة أن ترى رأس ولدها بين يديك ، وأنك يا يزيد قد فعلت فعلاً إستوجبت به اللعن من الله ورسوله ، والله ما أنا لك بزوجة ولا أنت ببعل. فقال لها : ما أنت وفاطمة؟ فقالت : بأبيها وبعلها وبنيها هدانا الله تعالى ، وألبسنا هذا القميص ، ويلك يا يزيد ، بأي وجه تلق الله ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟! فقال لها : يا هند ، دعي هذا الكلام فما إخترت قتله ، فخرجت باكية ...» (٤٥٠).

وذكر الشيخ الحائري (ره) في كتابه (معالي السبطين) : «وروي أنّ هند بنت عبد الله ، بن عامر ، بن كريز. لما قتل أبوها ، بقيت عند أمير المؤمنين عليه السلام ، ولما قبض أمير المؤمنين ؛ بقيت في دار الحسن ، فسمع بها معاوية (لع) ، فأخذها من الحسن فزوجها من ولده يزيد ، وفي خبر كانت تحت الحسين فطلقها وتزوجها يزيد ، فبقيت عند يزيد إلى أن قتل الحسين عليه السلام ، ولم يكن لها علم

__________________

(٤٤٩) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٤٥ / ١٤٣.

(٤٥٠) ـ الدربندي ، الشيخ آغا بن عابد الشيرواني : أسرار الشهادات ، ج ٣ / ٦٥٩ ـ ٦٦٠.

٣٥٥

بأن الحسين قد قتل ، ولما قتل الحسين وأتوا بنسائه وبناته وأخواته إلى الشام ؛ دخلت إمرأة على هند وقالت : يا هند ، هذه الساعة أقبلوا بسبايا ولم أعلم من أين هم ، فلعلك تمضين إليهم وتتفرجين عليهم ، فقامت هند ولبست أفخر ثيابها وتَخَمّرَت بخمارها ولبست إِزارها ، وأمرت خادمة لها أن تحمل الكرسي ، فلما رأتها الطاهرة زينب ؛ إلتفتت إلى أختها أم كلثوم وقالت لها أخيه : أتعرفين هذه الجارية؟. قالت : لا والله. قالت لها : أخيه ، هذه خادمتنا هند بنت عبد الله. فسكتت أم كلثوم ونكست رأسها ، وكذلك زينب ، فقالت هند : أخيه أراكِ طأطأت رأسكِ؟ فسكتت زينب ولم ترد عليها جواباً ، ثم قالت : أخية ، من أي البلاد أنتم؟ فقالت لها زينب : من بلاد المدينة. فلما سمعت هند ، بذكر المدينة ؛ نزلت عن الكرسي وقالت : على ساكنها أفضل السلام ، قم إلتفتت إليها زينب وقالت : أراك نزلت عن الكسي؟ قالت هند : إجلالاً لمن سكن أرض المدينة ، ثم قالت هلا : أخية ، أريد أن أسئلك عن بيت في المدينة ، قالت لها الطاهرة زينب : إسئلي ما بدا لك. قالت : أريد أن أسألك عن دار علي بن أبي طالب. فقالت لها زينب : وأين لك معرفة بدار علي عليه السلام؟ فبكت وقالت : إني كنت خادمة عندهم ، قالت لها : زينب ، وعن أيما تسئلين؟ قالت : أسألك عن الحسين وعن أخوته وأولاده ، وعن بقية أولاد علي ، وأسألك عن سيدتي زينب ، وعن أختها أم كلثوم ، وعن بقية مخدرات فاطمة الزهراء؟ فبكت عند ذلك زينب بكاءاً شديداً وقالت لها : يا هند ، أما إن سألت عن دار علي عليه السلام ؛ فقد خَلّفَنَاها تنعى أهلها ، وإن سألت عن الحسين عليه السلام ؛ فهذا رأسه بين يدي يزيد ، وأما إن سألت عن العباس ، وعن بقية أولاد علي عليهم السلام ؛ فقد خلفناهم على الأرض مجزرين كالأضاحي بلا رؤوس ، وإن

٣٥٦

سألت عن زين العابدين عليه السلام ، فها هو عليل نحيل لا يطيق النهوض من كثرة المرض والأسقام ، وإن سألت عن زينب ؛ فأنا زينب بنت علي ، وهذه أم كلثوم ، وهؤلاء بقية مخدرات فاطمة الزهراء ، فلما سمعت هند كلام زينب ؛ رَقّت وبكت ونادت : وا إماماه ، وا سيداه ، وا حسيناه ، ليتني كنت قبل هذا اليوم عمياء ولا أنظر بنات فاطمة الزهراء على هذه الحالة ، ثم تناولت حجراً وضربت به رأسها فسال الدم على وجهها ومقنعتها وغشي عليها ، فلما أفاقت من غشيتها أتت إليها الطاهرة زينب وقالت لها : يا هند ، قومي واذهبي إلى دارك ؛ لأنّي أخشى عليك من بعلك يزيد. فقالت هند : والله لا أذهب حتى أنوح على سيدي ومولاي أبي عبد الله ، وحتى أدخلك وسائر النساء الهاشميات معي في داري ، فقامت وحسرت رأسها ، وشققت الثياب ، وهتكت الستر وخرجت حافية إلى يزيد وهو في مجلس عام ، وقالت : يا يزيد ، أنت أمرت برأس الحسين عليه السلام يشال على الرمح عند باب الدار؟!

رأس ابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، مصلوب على فناء داري؟! وكان يزيد في ذلك الوقت جالساً وعلى رأسه تاج مكلل بالدّر والياقوت والجواهر النفيسة ، فلما رأى زوجته على تلك الحالة ؛ وثب إليها فغطاها ، وقال : نعم فأعولي يا هند وأبكي على ابن بنت رسول الله وصريخة قريش ، فقد عَجّلَ عليه ابن زياد لعنة الله عليه فقتله قتله الله ، فلما رأت هند أنّ يزيد غَطّاهَا ؛ قالت له : ويلك يا يزيد أخذتك الحمية عليّ ، فلم لا أخذتك الحمية على بنات فاطمة الزهراء ، هتكت ستورهن وأبديت وجوههن ، وأنزلتهن في دار خربة ، والله لا أدخل حرمك حتى أدخلهن معي؟!

٣٥٧

وأمر يزيد بهن إلى منزله ، وأنزلهم في داره الخاصة ، فلما دخلت النسوة ؛ إستقبلتهن نساء آل أبي سفيان وقبلن أيدي بنات رسول الله وأرجلهن ، ونُحْنَ وبَكَيْنَ وقلن : واحسيناه ، وألقين ما عليهن من الثياب والحلي ، وأقمن المآتم ثلاثة أيام ، فما كان يزيد يتغذى ولا يتعشى إلا ويحضر علي بن الحسين عليهما السلام ، وقال يوماً لعلي بن الحسين : إن شئت أقمت عندنا ، فبررناك ، وإن شئت رددناك إلى المدينة. فقال عليه السلام : لا أريد إلا المدينة. فردّه إليها مع أهله» (٤٥١).

رؤياها :

«ونقل عن هند زوجة يزيد قالت : كنت أخذت مضجعي فرأيت باباً من السماء وقد فتحت ، والملائكة ينزلون كتائب كتائب إلى رأس ال حسين ، وهم يقولون : السلام عليك يا أبا عبد الله ، السلام عليك يا ابن رسول الله ، فبينما أنا كذلك إذا نظرت إلى سحابة قد نزلت من السماء ، وفيها رجال كثيرون ، وفيهم رجل درّي اللون قمري الوجه ، فأقبل يسعى حتى إنكبّ على ثنايا الحسين يقبلهما وهو يقول : يا ولدي قتلوك ، أتراهم ما عرفوك ، ومن شرب الماء منعوك ، يا ولدي أنا جَدّك رسول الله ، وهذا أبوك علي المرتضى ، وهذا أخوك الحسن ، وهذا عمك جعفر ، وهذا عقيل ، وهذان حمزة والعباس ، ثم جعل يعدد أهل بيته واحداً بعد واحد. قالت هند : فانتبهت من نومي فزعة مرعوبة ، وإذا بنور قد إنتشر على رأس الحسين ، فجعلت أطلب يزيد ، وهو قد دخل إلى بيت مظلم ، وقد دار وجهه إلى الحائط وهو يقول : ما لي وللحسين؟ وقد وقعت عليها الهمومات ، فقصت عليه المنام وهو منكّس الرأس» (٤٥٢).

__________________

(٤٥١) ـ الحائري ، الشيخ محمد مهدي : معالي السبطين ، ج ٢ / ١٧٣ ـ ١٧٥.

(٤٥٢) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٤٥ / ١٩٦.

٣٥٨

٢ ـ جارية يزيد :

ذكر الدربندي في كتابه (أسرار الشهادات) رؤيا جارية يزيد كالتالي :

«قال سهل : وخرجت جارية من قصر يزيد (لع) فرأته ينكث ثنايا الإمام عليه السلام ، فقالت : قطع الله يديك ورجليك ، أتنكث ثنايا طالما قَبّلَها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ ..

إنّي كنت بين النائمة واليقظانة ، إذ نظرت إلى باب السماء قد فتح ، وإذا أنا بسلّم من نور قد نزل من السماء إلى الأرض ، وإذا بغلامين أمر دين عليهما ثياب خضر ، وهما ينزلان على ذلك السِلّم ، وقد بسط لهما في ذلك الحال بسطاً من زبرجد الجنّة ، وقد أخذ نور ذلك البساط من المشرق إلى المغرب ، وإذا برجل رفيع القامة مدور الهامة قد أقبل يسعى ، حتى جلس في وسط ذلك البساط ونادى : يا آدم اهبط ، فهبط رجل درِّيّ اللون طويل ، ثم نادى : يا أبي سَام إهبط ، فهبط ، ثم نادى : يا إبراهيم يا أبي إهبط ، فهبط ، ثم نادى : يا أبي إسماعيل ، إهبط ؛ فهبط ، ثم نادى يا أخي موسى إهبط ، فهبط ، ثم نادى : يا أخي عيسى فاهبط ؛ فهبط ثم رأيت إمرأة واقفة ؛ وقد نشرت شعرها وهي تنادي : يا أمّي حَوّا إهبطي ، يا أمّي خديجة إهبطي ، يا أمّي هاجر إهبطي ، ويا أختي سارة إهبطي ، ويا أختي مريم إهبطي. وإذا هاتف من الجو يقول : هذه فاطمة الزهراء ، ابنة محمد المصطفى ، زوجة علي المرتضى ، أم سيد الشهداء المقبور بكربلاء ، ثم إنّها نادت : يا أبتاه ، ألا ترى ما صنعت أمتك بولدك الحسين؟ فبكى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال : يا أبي آدم ، ألا ترى إلى ما فعلت الطغاة بولدي؟ فبكى آدم وبكى كل من كان حاضراً ، حتى بكت الملائكة لبكائهم. ثم رأت رجالاً كثيراً حول الرأس الشريف وقائلاً يقول : خذوا

٣٥٩

صاحب الدار واحرقوه بانلار ، فخرجت أنت يا يزيد من الدار وانت تقول : النار النار ، أين المفَرّ من النار. فأمر يزيد بضرب عنقها» (٤٥٣). وفي رواية أخرى : (.. وكان لها جارية ـ أي زوجة يزيد أم حبيب ـ ، كانت نائمة فانتبهت من نومها ، ولطمت وجهها ومَزّقَت ما كان عليها من الثياب الفاخرة وقالت : شاهت وجوهكم وتعست جدودكم يا أولاد الشجرة الملعونة في القرآن ، ونسل الرجس والطغيان ، يا آل أبي سفيان ، المتهمين في أنسابكم ، المعروفين بقبائح أحسابكم ، حيث لم يصحّ إسلامكم ، ولم يثبت عند الله إيمانكم ، ويلكم هؤلاء أولاد اليعسوب الزكي ، والبر التقي أمير المؤمنين ، ثم أنشأت تقول :

وجوه نورها يزهو

كنور البدر والشمسِ

رسول الله والطهر

خيار الجن والانس

حسين السبط مقتول

بسيف الفاسق الرّجس

قال الشعبي : ثم خرجت إلى يزيد (لع) ، وهي منشورة الشعر فقالت : ويلك يا يزيد ، كُفّ عن ولد فاطمة الزهراء عليها السلام ، فإنّي كنت الساعة نائمة فرأيت في منامي كأن أبواب السماء قد فتحت ، ورأيت أربعة من الملائكة قد أحاطوا بقصرك وهم يقولون : إحرقوا هذه الدار ، فقد سخط على أهلها الملك الجبار. قال سهل : وكانت هذه المرأة زوجة ليزيد (لع) فقال لها : ويلك وترثين لأولاد فاطمة الزهراء ، والله لأقتلنك شَرّ قتلة. قالت له : وما ينجني من القتل؟ قال : تقومين على قدميك وتسبين علي ابن ابي طالب وعترته ؛ فإنّك تنجين

__________________

(٤٥٣) ـ الدربندي ، الشيخ آغا بن عابد الشيرواني : إكسير العبادات في أسرار الشهادات ، ج ٣ / ٦٥٣ ـ ٦٥٤.

٣٦٠