تربة الحسين عليه السلام الإستشفاء والتبرّك بها ـ السجود عليها دراسة وتحليل - ج ٣

الشيخ أمين حبيب آل درويش

تربة الحسين عليه السلام الإستشفاء والتبرّك بها ـ السجود عليها دراسة وتحليل - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أمين حبيب آل درويش


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥١
  الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣

ـ في قصر بني مقاتل (٣٣٠) :

ذكر الشيخ المفيد (ره) : «ولما كان آخر الليل أمر فتيانه بالإستسقاء من الماء ، ثم أمر بالرحيل من قصر بني مقاتل ، فقال عقبة بن سمعان : سرنا معه ساعة فخفق وهو على ظهر فرسه خفقة ثم إنتبه ، وهو يقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، ففعل ذلك مرّتين أو ثلاثاً ، فأقبل إليه إبنه علي بن الحسين (عليهما السلام) على الفرس ، فقال : ممّ حمدت الله واسترجعت؟ فقال : يا بني ، إنّي خفقت خفقة فعنّ لي فارس على فرس وهو يقول : القوم يسيرون ، والمنايا تسير إليهم ، فعلمت أنّها أنفسنا نعيت إلينا. فقال له : يا أبت لا أراك الله سوءاً ، ألسنا على الحق؟ قال : بلى ، والذي إليه مرجع العباد. قال : فإننا إذا لا نبالي أن نموت محقين ؛ فقال له الحسين (عليه السلام) : جزاك الله من ولد خير ما جزء ولداً عن والده» (٣٣١).

ـ في كربلاء :

لسيدنا الحسين عليه السلام عدّة رؤى في كربلاء ، نذكر منها ما يلي :

١ ـ (الشيخ الطريحي في المنتخب) قال : «نقل أنّ الحسين عليه السلام ، لما كان في موقف كربلاء أتته أفواج من الجن الطيارة وقالوا له : يا حسين نحن أنصارك فمرنا بما تشاء ، فلو أمرتنا بقتل كل عدو لكم لفعلنا ، فجزاهم خيراً وقال لهم : إني لا أخالف قول جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، حيث

__________________

(٣٣٠) ـ ينسب القصر إلى مقاتل حَسّان بن قعلبة ، ونسبة الحموي في المعجم إلى امرئ القيس بن زيد بن مناة بن تميم ، يقع بين عين التمر والقطقطانية والقريان ، خرّبه عيسى بن علي بن عبد الله بن العباس ، ثم جَدّده.

(٣٣١) ـ المفيد ، الشيخ محمد بن محمد النعمان : الإرشاد ، ج ٢ / ٨٢.

٢٦١

أمرني بالقدوم عليه عاجلاً ، وإنّي الآن قد رقدت ساعة ، فرأيت جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد ضمني إلى صدره ، وقبّل ما بين عيني وقال لي : يا حسين ، إنّ الله عَزّ وجَلّ قد شاء الله أن يراك مقتولاً ، ملطخاً بدمائك ، مخضباً شيبك بدمائك ، مذبوحاً من قفاك ، وقد شاء الله أن يرى حرمك سبايا ، على أقتاب المطايا. وإنّي والله أصبر حتى يحكم الله بأمره وهو خير الحاكمين» (٣٢٢).

٢ ـ ذكر الشيخ المفيد (قده) : «... ثم نادى عمر بن سعد : يا خيل الله إركبي وأبشري ، فركب الناس ثم زحف نحوهم بعد العصر ، وحسين (عليه السلام) جالس أمام بيته محتب بسيفه ، إذ خفق برأسه على ركبتيه ، وسمعت اخته الصيحة فدنت من أخيها فقالت : يا أخي ، أما تسمع الأصوات قد إقتربت؟ فرفع الحسين (عليه السلام) رأسه فقال : إنّي رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الساعة في المنام فقال لي : إنّك تروح إلينا. فلطمت أخته وجهها ونادت باويل ، فقال لها : ليس لك الويل يا أخيّه ، اسكتي رحمك الله» (٣٣٣).

٣ ـ «وقال في المناقب : فلمّا كان وقت السحر خفق الحسين رأسه خفقة ثم إستيقظ فقال : أتعلمون ما رأيت في منامي الساعة؟ فقالوا : وما الذي رأيت يا ابن رسول الله؟ فقال : {أيت كأنّ كلاباً قد شدّت عليّ لتنهشني ، وفيها كلب أبقع رأيته أشدّها عليّ ، وأظنّ أنّ الذي يتولى قتلي رجل أبرص من بين هؤلاء القوم ، ثم أنّي رأيت بعد ذلك جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه

__________________

(٣٣٢) ـ النوري ، ميرزا حسين : دار السلام ، ج ١ / ٧٧.

(٣٣٣) ـ المفيد ، الشيخ محمد بن محمد بن النعمان : الإرشاد ، ج ٢ / ٨٩ ـ ٩٠.

٢٦٢

جماعة من أصحابه وهو يقول لي : يا بنيّ أنت شهيد آل محمد ، وقد إستبشر بك أهل السماوات وأهل الصفيح الأعلى ، فليكن إفطارك عندي الليلة ، عَجّل ولا تؤخر ، فهذا ملك قد نزل من السماء ليأخذ دمك في قارورة خضراء. فهذا ما رأيت ، وقد أزف الأمر ، وقد إقترب الرّحيل من هذه الدنيا ، لا شك في ذلك» (٣٣٤).

خلاصة وإستنتاج :

وبعد ذكر الرؤى الخاصة بالمعصومين ـ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأمير المؤمنين والحسين عليه السلام ـ المتضمنة لكثير من الأسرار والأهداف ، ينبغي الإشارة إلى ما يلي :

١ ـ نستفيد من رؤيا النبي صلى الله عليه وآله وسلم إهتمام وحي السماء بتربة الحسين عليه السلام. وأنّها هدية ربانية سُلّمت لجده المصطفى ، تحكي مستقبل سبطه سيد الشهداء عليه السلام ، وعلامة على رضا الباري عَزّ وجَلّ ، عما سيقوم به من نهضة مباركة من أجل دينه وبقاء شريعته.

٢ ـ تحكي رؤيا الحسين عليه السلام عند قبر جده صلى الله عليه وآله وسلم ، وفي عقبة البطن ، وفي كربلاء وقت السحر ، ما عليه القوم من خِسّة الطبع وتحولهم من الإنسانية إلى الوحشية ، حيث صورتهم بالسباع والكلاب الضارية ، بل هذا ما أكد عليه سيد الشهداء في خطبته حينما أراد الخروج من مكة المكرمة ، حيث قال عليه السلام : (.. كأني بأوصالي تُقطعها عُسلان الفلوات بين النواويس وكربلا ، فيملأن مني أكرشاً جوفاً ، وأجربه سغباً ..) (٣٣٥).

__________________

(٣٣٤) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٤٥ / ٣.

(٣٣٥) ـ ابن طاووس ، السيد علي الحسيني : اللهوف في قتلى الطفوف / ٢٥.

٢٦٣

٣ ـ وتحكي رؤيا أمير المؤمنين عليه السلام ، رؤيا الحسين عليه السلام عند قبر جده صلى الله عليه وآله وسلم ، وفي كربلاء في سحر ليلة التاسع ، عظمة فاجعة ورزية كربلاء ، ومدى تأثيرها على أهل السماوات والأرض.

٤ ـ يستفاد من بعض الرؤى السابقة ، الأوامر الإلهية الموجهة إلى سيد الشهداء عليه السلام عن طريق جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد أشار إلى ذلك في إخباره لأخيه محمد بن الحنفية في سحر الليلة التي أراد الخروج من مكة؟ وفي إخباره لأفواج الجن الطَيّارة في كربلاء ، وكذلك في إخباره لأخته زينب عليها السلام في كربلاء أيضاً ، وفي إخباره لأنصاره يوم عاشوراء ، بل يستفاد ذلك من بعض محاوراته مع ابن عباس ، كما في النصّ التالي :

فقال عليه السلام : (يا ابن العم ، إنّي رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في منامي وقد أمر بأمر لا أقدر على خلافه ، وأنّه أمرين بأخذهم معي ، إنهنّ ودائع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا آمن عليهنّ أحداً ، وهنّ أيضاً لا يفارقنني ..) (٣٣٦).

وأيضا ما جاء في جواب رسالته لعبد الله بن جعفر ، حيث قال عليه السلام : (أما بعد ، فإنّ كتابك ورد عليّ فقرأته وفهمت ما ذكرت ، وأعلمك أنّي قد رأيت جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في منامي ، فخبّرني بأمر وأنا ماضٍ له ، لي كان أو عليّ ، والله يا ابن عمي ، لو كنت في حجر هامّة من هوامّ الأرض لاستخرجوني ويقتلوني! والله يا ابن عمي ليعدينّ عليّ كما عدت اليهود على السبت والسلام) (٣٣٧).

٥ ـ تشير بعض النصوص إلى أنّه لم يصرح ببعض الرؤى منها ما يلي :

__________________

(٣٣٦) ـ البحراني ، السيد هاشم : مدينة المعاجز ، ج ٢ / ٢٨٢.

(٣٣٧) ـ ابن أعثم ، أحمد : الفتوح ، ج ٥ / ٧٤.

٢٦٤

أ ـ ذكر ابن عساكر في جواب الحسين عليه السلام لإبن عمه عبد الله بن جعفر بن أبي طالب : (... إنّي رأيت رؤيا ، ورأيت فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمرني بأمر أنا ماضٍ له ، ولست بمخبر بها أحداً حتى ألاقي عملي) (٣٣٨).

ب ـ ذكر الشيخ المفيد (ره) ـ في جواب سيد الشهداء عليه السلام ، ليحيى بن سعيد بن العاص ، حينما أراد منعه من السفر إلى العراق ـ قال عليه السلام : (إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المنام ، وأمرني بما أنا ماضٍ له ، فقالا له : فما تلك الرؤيا؟

قال : ما حدثت أحداً بها ، ولا أنا مُحدّث أحداً ، حتى ألقى ربي جَلّ وعَزّ) (٣٣٩).

وبعد ذكر هذا النصّ ، نبحثه كالتالي :

أولاً ـ أنّ أساس هذه المحاورة التي جرت بين سيد الشهداء عليه السلام ويحيى بن سعيد هو ما ذكر في الرواية التالية :

«وقام عبد الله بن جعفر إلى عمرو بن سعيد بن العاص ، فكلّمه وقال : اكتب إلى الحسين عليه السلام كتاباً تجعل له فيه الأمان ، وتمنّيه في البرّ والصلة ، وتوثق له في كتابك ، وتسأله الرجوع ، لعلّه يطمئن إلى ذلك فيرجع ، وابعث به مع أخيك يحيى بن سعيد ، فإنّه أحرى أن تطمئن نفسه إليه ويعلم أنّه الجدّ منك. فقال عمرو بن سعيد : أكتب ما شئت وأتني به حتى أختمه. فكتب عبد الله بن جعفر الكتاب : بسم الله الرحمن الرحيم ، من عمرو بن سعيد إلى الحسين بن علي ، أما بعد ، فإنّي أسأل الله أن يصرفك عما يوبقك ، وأن يهديك لما

__________________

(٣٣٨) ـ ابن عساكر ، علي بن حسن : تاريخ دمشق (ترجمة الإمام الحسين) / ٢٠٢ ـ تحقيق المحمودي.

(٣٣٩) ـ المفيد ، الشيخ محمد بن محمد النعمان : الإرشاد ، ج ٢ / ٦٩.

٢٦٥

يرشدك ، بلغني أنّك قد توجّهت إلى العراق ، وإنّي اعيذك من الشقاق ، فإنّي أخاف عليك فيه الهلاك ، وقد بعثت إليك عبد الله بن جعفر ، ويحيى بن سعيد ، فأقبل إلي معهما ، فإنّ لك عندي الأمان والصلة والبرّ وحسن الجوار ، لك الله بذلك شهيد وكفيل ، ومراع ووكيل ، والسلام عليك» (٣٤٠).

ثانياً ـ تفيد هذه الرواية وتنصّ على أنّ الذي كتب الرسالة هو عبد الله بن جعفر ، وأمضاها عمرو بن سعيد ، وهذا غير صحيح لما يلي :

١ ـ إنّ جماعة من المؤرخين ذكروا أنّ الذي كتبها هو عمرو بن سعيد ، نذكر منهم : ابن الأعثم الكوفي في كتابه (الفتوح ـ ج ٥ / ٧٥) ، والشيخ المفيد في كتابه (الإرشاد ـ ج ٢ / ٦٩) ، والخوارزمي في كتابه (مقتل الحسين ـ ج ١ / ٣١٢).

٢ ـ إنّ ألفاظ الرسالة المذكورة ، لا تتناسب مع مقام عبد الله بن جعفر ، الذي يقرّ بإمامة سيد الشهداء عليه السلام ؛ حيث تتضمن الكثير من سوء الأدب ، مثل «أسألك الله أن يصرفك عمّا يوبقك ، وأن يهديك لما يرشدك .. وانّي اعيذك بالله من الشقاق».

ثالثاً ـ تنصّ هذه الرواية على أنّ الذي نقلها مع يحيى بن سعيد ، عبد الله بن جعفر ، مع أنّ هناك بعض المؤرخين ، يذكر أنّ الذي نقلها هو يحيى بن سعيد ولم يكن معه عبد الله بن جعفر ، منهم ابن أعثم الكوفي في كتابه (الفتوح ـ ج ٥ / ٧٥) ، والخوارزمي في كتابه (مقتل الحسين ـ ج ١ / ٣١٢).

__________________

(٣٤٠) ـ موسوعة كلمات الإمام الحسين / ٣٣٢.

٢٦٦

٦ ـ في غالب الرؤى التي أخبر بها رأيت جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي بعضها عَبّر بـ(أتاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) ، كما في حواره مع أخيه محمد بن الحنفية. والسؤال الذي ينبغي طرحه : ما المراد بهذه العبارة ، هل في حال اليقظة أو المنام؟

هذه العبارة محتملة لحال اليقظة والمنام ، والنتيجة واحدة بالنسبة للتكليف الذي يتلقاه المعصوم عليهم السلام من النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حال اليقظة أو المنام ؛ لأنّ رؤية الإمام عليه السلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المنام كرؤيته في اليقظة ، وكذلك بالنسبة لرؤية الإمام المعصوم عليهم السلام للمعصوم الآخر ، من دون فرق رؤيته في اليقظة أو المنام ، ويؤيد هذا المعنى ما رواه الحسن بن علي ابن بنت إلياس ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : قال لي إبتداءاً : (إنّ أبي كان عندي البارحة. قلت : أبوك؟! قال : أبي. قلت : أبوك؟! قال : أبي. قلت : أبوك؟!

قال في المنام ، إنّ جعفراً كان يجبيء إلى أبي فيقول : يا بني إفعل كذا ، يا بني إفعل كذا.

قال : فدخلت عليه بعد ذلك فقال لي : يا حسن ، إنّ منامنا ويقظتنا واحدة (٣٤١).

٤ ـ أم سلمة :

المرأة الجليلة ، والسيدة المحجبة ؛ هند بنت حذيفة (أبو أميّة) ، بن المغيرة ، بن عبد الله ، بن عمر ، بن مخزوم القرشي. وكان أبوها أحد أجواد قريش المذكورين ، وكان يعرف بـ(زاد الراكب) ولقب بهذا اللقب ؛ لأنّه إذا كان في سفر لا يدع أحداً من رفقته يحمل معه زاداً ، بل هو يكفيهم ذلك.

__________________

(٣٤١) ـ الحميري ، الشيخ عبد الله بن جعفر : قرب الإسناد / ٣٤٨.

٢٦٧

تزوجها أبو سلمة ؛ عبد الله ، بن عبد الأسد المخزومي ، ابن عمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، حيث أنّ أمه هي برة بنت عبد المطلب. كان من المسلمين الأوائل ، أسلم بعد عشرة ، وهاجر مع أم سلمة إلى الحبشة ، وولدت له سلمة ، ورجعا إلى مكة المكرمة ، ثم هاجرا إلى المدينة ، وكانت أول ضعينة أدخلت إلى المدينة المنورة مهاجرة ، وولدت عمراً ، ودرّة ، وزينب ، شهدا بدراً ، وأحداً وجرح فيها ، جرحه أبو أسامة الجشعي ، رماه بمجلة (نصل طويل عريض) ، فمكث شهراً يداوي جرحه فبرئ ، واندمل الجرح ، فبعثه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على رأس خمسة وثلاثين شهراً من الهجرة ، فاشتكى ثم مات لثلاث ليالٍ بقين من جمادى الآخرة في السنة الثانية أو الثالثة من الهجرة. وهناك من يذهب إلى أنّه توفي في السنة الأولى أو الثانية من الهجرة. قبل وقعة بدر ، تزوجها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في السنة الثانية من الهجرة قبل وقعة بدر (٣٤٢). كانت من أفضل النساء ، موصوفة بالجمال البارع ، والعقل البالغ ، والرأي الصائب ، وكانت لها أساليب بديعة في إستعطاف النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند غضبه ، وأدب بارع في مخاطبته ، أو طلب الحوائج منه. كما عرفت بالمنزلة الرفيعة في العلم ورواية الحديث ، فقد بلغت رواياتها (٢٧٨ حديثاً) ، وهذه فضيلة من فضائلها الكثيرة ، ومنقبة من مناقبها العظيمة التي إمتازت بها من بين زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فهي أفضل زوجاته بعد خديجة ، وأتقاهن وأعلمهن بالكتب والسنة ، قالت لها عائشة : «يا بنت أبي أمية ، أنت أول مهاجرة من أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأنت كبيرة أمهات المؤمنين ،

__________________

(٣٤٢) ـ الحاكم ، محمد بن عبد الله : المستدرك ، ج ٤ / ٢٠.

٢٦٨

وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقسم لنا من بيتك ، وكان جبرئيل أكثر ما يكون في منزلك» (٣٤٣).

كما أنّ لها مكانة عالية عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الأطهار ، ومن الشواهد على ذلك ما جاء في حديث الكساء : (أنت إلى خير ، مرتين) (٣٤٤). إلى غير ذلك من مواقفها في الدفاع عن أهل البيت عليهم السلام. توفيت سنة ٦٣ هـ ، عن عمر يناهز ٨٤ سنة ، وهي آخر أمهات المؤمنين موتاً ، ودفنت في البقيع. وبعد هذا التعريف بأم المؤمنين (أم سلمة) ، نذكر الروايات الخاصة برؤياها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في المنام وهي كالتالي :

١ ـ روى غياث بن ابراهيم ، عن الصادق ؛ جعفر بن محمد عليما السلام قال : (أصبحت يوما أم سلمة (رحمها الله) تبكي ، فقيل لها : ممَّ بكاؤكِ؟ فقالت : لقد قتل إبني الحسين الليلة ، وذلك إنني ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منذ قبض إلا الليلة ، فرأيته شاحباً كئيباً قالت : فقلت : ما لي أراك يا رسول الله شاحباً كئيباً؟ قال ما زلت الليلة أحفر قبوراً للحسين وأصحابه (عليهم السلام) (٣٤٥).

أقول : وفي أمالي الصدوق ـ مجلس ٢٩ ـ حديث ١ ـ عن وهب بن وهب عن الصادق عليه السلام بإختلاف يسير لا يضرّ بمعنى الحديث.

٢ ـ عمرو بن ثابت ، عن أبيه أبي المقدام ، عن ابن جبير ، عن ابن عباس قال : (بينا أنا راقد في منزلي إذ سمعت صراخاً عالياً من بيت أمّ سلمة زوج

__________________

(٣٤٣) ـ دخيل ، علي محمد علي : مجموعتي ، ج ٦ / ٢٢٩.

(٣٤٤) ـ السيوطي ، عبد الرحمن : الدر المنثور ، ج ٥ / ١٩٨.

(٣٤٥) ـ المفيد ، الشيخ محمد بن محمد النعمان : أمالي المفيد / ٣١٩.

٢٦٩

النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فخرجت يتوجّه بي قائدي إلى منزلها ، وأقل أهل المدينة إليها الرجال والنساء. فلما إنتهيت إليها قلت : يا أم المؤمنين ، مالك تصرخين وتغوثين؟ فلم تجبني ، وأقبلت على النسوة الهاشميات ، وقالت : يا بنات عبد المطلب أسعديني وأبكين معي ، فقد قتل والله سيدكن وسيد شباب أهل الجنّة ، قد والله قتل سبط رسول الله وريحانته الحسين. فقلت : يا أم المؤمنين ، ومن أين علمت ذلك؟ قالت : رأيت رسول الله في المنام السعة شَعْثَاً مذعوراً فسألته عن شأنه ذلك؟ فقال : قتل إبني الحسين عليه السلام وأهل بيته اليوم ، فدفنتهم ، والساعة فرغت من دفنهم.

قالت : فقمت حتى دخلت البيت وأنا لا أكاد أن أعقل ، فنظرت فإذا بتربة الحسين التي أتى بها جبرئيل من كربلا فقال : إذا صارت هذه التربة دماً ؛ فقد قتل ابنك وأعطانيها فقال : إجعل هذه التربة في زجاجة ؛ أو قال في قارورة ولتكن عندك ، فإذا صارت دماً عبيطاً ؛ فقد قتل الحسين ، فرأيت القارورة الآن وقد صارت دماً عبيطاً تفور. قال : فأخذت أم سلمة من ذلك الدم فلطخت به وجهها ، وجعلت ذلك اليوم مأتماً ومناحة على الحسين عليه السلام ، فجاء الركبان بخبره وأنّه قتل في ذلك اليوم.

قال عمرو بن ثابت : إني دخلت على أبي جعفر محمد بن علي منزله فسألته عن هذا الحديث وذكرت له رواية سعيد بن جبير هذا الحديث ، عن عبد الله بن عباس؟ فقال أبو جعفر عليه السلام حدثنيه عمر بن أبي سلمة ، عن أمّه أم سلمة.

٢٧٠

قال عمرو بن أبي المقدام : فحدثني سدير ، عن أبي جعفر عليه السلام : أنّ جبرئيل جاء الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالتربة التي يقتل عليها الحسين عليه السلام. قال أبو جعفر عليه السلام : فهي عندنا) (٣٤٦).

٣ ـ عن حبيش قال : حدثتني سلمى ، قالت : (دخلت على أم سلمة وهي تبكي ، فقلت لها : ما يبكيك؟ قالت. رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المنام ، وعلى رأسه ولحيته أثر التراب ، فقلت : مالك يا رسول الله مغبرّاً؟ قال : شهدتُ قتل الحسين آنفاً) (٣٤٧).

٤ ـ وجاء في (المراسيل) : (أنّ سلمى المدنية ، قالت : رفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أم سلمة قارورة فيها رمل من الطف ، وقال لها : إذا تَحوّل هذا دماً عبيطاً ، فعند ذلك يقتل الحسين.

قالت سلمى : فارتفعت واعية من حجرة أم سلمة ، فكنت أوّل من أتاها ، فقلت لها : ما دهاك يا أم سلمة؟ قالت : رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المنام ، والتراب على رأسه ، فقلت : مالك؟ قال : وثب الناس على ابني فقتلوه ، وقد شهدته قتيلاً الساعة.

فاقشعرّ جلدي وانتبهت وقمت إلى القارورة فوجدتها تفور دماً ، قالت سلمى : ورأيتها موضوعة بين يديها) (٣٤٨).

__________________

(٣٤٦) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٤٥ / ٢٣٠ ـ ٢٣١.

(٣٤٧) ـ الخوارزمي ، الموفق بن أحمد : مقتل الحسين ، ج ٢ / ١٠٩.

(٣٤٨) ـ نفس المصدر / ١٠٩ ـ ١١٠.

٢٧١

٥ ـ عبد الله بن عباس :

عبد الله بن عباس ، بن عبد المطلب ، القرشي الهاشمي. ابن عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، والجد الأكبر للعباسيين.

أمه (أم الفضل) ، لبابة الكبرى ، بنت الحارث ، بن الحزن الهلالية. ولد قبل الهجرة بثلاث سنوات ـ أي حينما حوصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته في شعب أبي طالب ـ وتوفي في الطائف سنة ٦٨ هـ ، ودفن بها.

لازم النبي صلى الله عليه وآله وسلم منذ طفولته ، وشهد عن كثب أسراراً كثيرة في النبوة والرسالة ، ووعاها ؛ لأنّه شهد كثيراً من الحوادث والظروف التي نزلت فيها بعض الآيات القرآنية. ثم لازم أمير المؤمنين علي عليه السلام ، وصار من خاصته ، ثم الحسنين عليه السلام.

إشتهر ابن عباس منذ صدر الإسلام بألقاب علمية ، ثم إزدادت هذه الألقاب بين المسلمين بمرور الزمن أهميته في التفسير. ونحن نذكر هذه الألقاب باختصار كالتالي :

ترجمان القرآن ، وفارس القرآن ، حبر الأمّة ، حبر العرب ، بحر هذه الأئمة ، رئيس المفسرين ، شيخ المفسرين.

وأما بالنسبة إلى عقيدته وولائه لأهل البيت عليهم السلام ؛ فيكاد يتفق أغلب المحققين من الإمامية على تشيع ابن عباس وإخلاصه لأهل البيت عليهم السلام ، ولا سيما أمير المؤمنين علي عليه السلام ، وأما ما ورد في حقه من طعن ؛ فموقف العلماء منه كالتالي :

١ ـ «قال العلامة في القسم الأول من الخلاصة ١ ، من الباب ٢ ، من حرف العين : عبد الله بن العباس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله.

٢٧٢

كان محباً لعلي عليه السلام وتلميذه ، حاله في الجلالة والإخلاص لأمير المؤمنين عليه السلام أشهر من أن يخفى ، وقد ذكر الكشي أحاديث تتضمن قدحاً فيه! وهو أجلّ من ذلك ، وقد ذكرناها في كتابنا الكبير وأجبنا عنها رضي الله تعالى عنه» (٣٤٩).

٢ ـ «وذكره ابن داود في القسم الأول (٨٦٤) ، قال : عبد الله بن العباس ... (رضي الله عنه) ، حاله أعظم من أن يشار إليه في الفضل والجلالة ، ومحبة أمير المؤمنين (عليه السلام) وإنقياده إلى قوله» (٣٥٠).

٣ ـ وقال السيد الخوئي (قده) : «والمتحصل مما ذكرنا ، أنّ عبد الله بن عباس ، كان جليل القدر ، مدافعاً عن أمير المؤمنين والحسنين (عليهم السلام) ، كما ذكره العلامة وابن داود» (٣٥١).

وبعد هذه الترجمة المختصرة ، نذكر رؤياه المرتبطة بتربة الحسين عليه السلام ، حسب الروايات التالية :

١ ـ روي عن ابن عباس قال : «كنت نائماً في منزلي في مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقت الظهر ، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو مقبل من نحو كربلا وأشعث أغبر والتراب على شيبته وهو باكي العينيين ، حزين القلب ومعه قارورتان مملوتان دماً ، فقلت له : يا رسول الله ، ما هذه القارورتان المملوتان دماً؟

فقال لي : هذه فيها من دم الحسين عليه السلام ، وهذه الأخرى من دم أهل بيته وأصحابه ، وأنا الآن رجعت من دفن ولدي الحسين ، وهو مع ذلك لا يفيق من

__________________

(٣٤٩) ـ الخوئي ، السيد ابو القاسم الموسوي : معجم رجال الحديث ، ج ١٠ / ٢٢٩ ، ٢٣٠ ، ٢٣٩.

(٣٥٠) ـ نفس المصدر.

(٣٥١) ـ نفس المصدر.

٢٧٣

البكاء والنحيب. قال ابن عباس : فاستيقظت من نومي فزعاً مرعوباً محزوناً على الحسين عليه السلام ، ولم أعلم بقتله ، فبقيت في الهم والغم أربعة وعشرين يوماً ، حتى جاء الناعي إلى المدينة بقتل الحسين عليه السلام ، فحسب من ذلك اليوم الذي رأيت فيه الرؤيا ، فإذا هو يوم قتل الحسين عليه السلام ، وفي تلك الساعة رأيت فيها المنام كان مقتل الحسين عليه السلام ، فتعجبت من ذلك ، وتزايدت أحزاني وتصاعدت أشجاني» (٣٥٢).

٢ ـ عن ابن عباس قال : (رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما يرى النائم بنصف النهار ، وهو قائم أشعث أغبر بيده قارورة فيها دم ، فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما هذا؟

قال : هذا دم الحسين وأصحابه ، لم أزل ألتقطه منذ اليوم فأحصينا ذلك اليوم فوجدوه قتل في ذلك اليوم) (٣٥٣).

٣ ـ علي بن زيد بن جدعان : قال : (استيقظ ابن عباس من نومه فاسترجع وقال : قتل الحسين والله ، فقال له أصحابه : لِمَ يا ابن عباس؟ فقال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه زجاجة من دم ، فقال : أتعلم ما صنعت أمتي من بعدي؟

قتلوا الحسين وهذا دمه ودم أصحابه أرفعهما إلى الله ؛ فكتب ذلك اليوم الذي قال فيه وتلك الساعة ، فما لبثوا إلا أربعة وعشرين يوماً حتى جاءهم الخبر بالمدينة أنّه قتل في ذلك اليوم وتلك الساعة) (٣٥٤).

__________________

(٣٥٢) ـ النوري ، الميرزا حسين الطبرسي : دار السلام ، ج ١ / ١٦١ ـ ١٦٢.

(٣٥٣) ـ المرعشي ، السيد شهاب الدين : ملحقات إحقاق الحق ، ج ١١ / ٣٦٩.

(٣٥٤) ـ نفس المصدر ، ج ١ / ٣٧٠.

٢٧٤

٦ ـ السيدة سكينة (عليها السلام) :

إنّ الحديث عن تاريخ السيدة سكينة عليها السلام ، طويل وذو شجون ، ولكن يمكن إلقاء الضوء عليه على نحو الإختصار كالتالي :

إسمها : آمنة ، أو أمينة ، أو أميمة ، ولقبتها أمها بـ(سَكِينَة) ؛ لسكونها وهدوئها.

وأمها : هي الرباب بنت إمرئ القيس ، بن عدي الكلبية ـ ولدت عاما ٤٢ هـ بالمدينة المنورة.

وزوجها : هو عبد الله بن الإمام الحسن عليه السلام فقط ، قتل مع عمه في واقعة الطف ، وبقيت بعده ولم تتزوج بغيره ، إلى أن توفيت في يوم الخميس في الخامس من ربيع الأول سنة ١١٧ هـ ، وعمرها ٧٥ سنة ودفنت في البقيع.

عرفت هذه السيدة الجليلة الطاهرة ، بالعفة والطهارة ، والسيرة الجميلة ، ومما يدل على ذلك ، ما روي في التعريف بها عن طريق والدها سيد الشهداء ، أبي عبد الله الحسين عليه السلام ، وهو كالتالي :

١ ـ قال عليه السلام : (وأما سكينة ؛ فغالب عليها الإستغراق مع الله ، فلا تصلح لرجل) (٣٥٥).

٢ ـ وقال عليه السلام : في يوم عاشوراء :

سيطول بعدي يا سكينة فاعلمي

منكِ البكاء إذا الحِمَامُ دهاني

لا تحرقي قلبي بدمعك حسرة

ما دام مني الروح في جثماني

وإذا قتلت فأنت أولى بالذي

تأتينه يا خيرة النسواني (٣٥٦)

__________________

(٣٥٥) ـ دخيل ، علي محمد علي : مجموعتي ، ج ٦ / ٣٢٤.

(٣٥٦) ـ ابو مخنف ، لوط بن يحيى : مقتل ابي مخنف / ١٩٤.

٢٧٥

نعم هذا ما ذكره التاريخ عن مقام هذه السيدة الطاهرة ، بل هذه سيرة ربيبة البيت النبوي ، لكن أعداء هذا البيت الشريف ، ما زالوا على ظلمهم جيلاً بعد جيل ، من الدّس والتهم ، وكان نصيب هذه السيدة الجليلة ، من هذا التحامل والدّس ، أن صَوّروها ملكة الشعر ، حيث تجالس الشعراء وتجيزهم وقولها الفصل ، ونسبوا لها تعدد الأزواج ، ومن الشواهد على ذلك ما يلي :

مناقشة المؤلف للدكتور بشرى عبد العظيم :

قرأت في العدد (٤٤٨ ـ من أعداد مجلة المنهل السعودية ـ الصادر في ذي الحجة عام ١٤١١ هـ) ـ موضوعاً للدكتور بشرى عبد العظيم ، بعنوان ـ السيدة سكينة صاحبة أول صالون أدبي في مصر الإسلامية ؛ فناقشته كالتالي :

كان عنوان مناقشتي (حول موضوع السيدة سكينة ـ للدكتور بشرى عبد العظيم) ، ذكرت هذه المناقشة في العدد (٤٩٢ ـ الصادر في جمادى الآخرة ١٤١٢ هـ) (٣٥٧) كالتالي :

بعد قراءتي للموضوع ؛ تبين لي أنّ هناك أموراً أغفلها الكاتب المحترم في شخصية السيدة سكينة ، ولم يهتم بتحقيقها ، والأمور التي أريد ذكرها هي :

١ ـ تعدد أزواجها.

٢ ـ إجازتها للشعراء ، جرير والفرزدق ، وعمر بن أبي ربيعة.

__________________

(٣٥٧) ـ أحب أن أنبه على شيئين :

أولاً ـ أنّ هذه المناقشة كتبت بإسمي القديم (عبد رب الرسول).

وثانياً ـ تم تصحيح الأخطاء التي حصلت أثناء طبع عدد المجلة المذكورة ، وأيضاً أضيفت ـ هنا ـ بعض الأمور التي لم تذكر في العدد المذكور «المؤلف».

٢٧٦

٣ ـ صاحبة أول صالون أدبي في مصر. وقبل الدخول في الحوار مع الكاتب ، ينبغي بيان مقدمة وهي : لابد لكل كاتب وباحث تاريخي ، بعد جمعه للمصادر ، أن يعتمد على المصادر ، البعيدة عن الوضع والضعف ؛ إذ قد يكون المصدر ضعيفاً ؛ لضعف صاحبه لإعتماده على الضعفاء والكذابين ، أو أنّ المؤلف نفسه كَذّاب ، وحينئذ لا يعتمد عليه ، وبعد كل ذلك أقول :

من قرأ تراجم الرجال هم أساس الرواية في شخصية السيدة سكينة ـ كمصعب الزبيري ، وابن أخيه الزبير بن بكار ، والهيثم بن عدي الطائي ، وصالح بن حسان ـ ؛ عرف أنّه لا يعتمد عليهم.

في تهذيب التهذيب ، لابن حجر ـ ج ٣ / ٣١٣ : «ولم يعتمد احمد بن علي السليماني ، بروايات الزبير بن بكار ؛ لإكثاره الرواية عن الضعفاء». وفي الكامل ، لابن الأثير ، ج ٧ في حوادث سنة ٢٣٦ : «ان مصعب بن عبد الله بن ثابت ، بن عبد الله ، بن الزبير بن العوام ، منحرفاً عن علي». وفي وفيات الأعيان ، لابن خلكان ـ في مادة فاطمة بنت الحسين ـ : «الزبير بن بكار ، كان عدواً آل علي ، بل لسائر بني هاشم ، كان يصنع المفتريات في رجالهم ونسائهم ، حتى أرادوا قتله ، ففرّ من مكة إلى بغداد أيام المتوكل». وأول من وضع الأحاديث الشائعة في بنت الحسين سكينة ، هو مصعب الزبيري ، المتوفى سنة ٢٣٦ هـ. في كتابه (نسب قريش) ؛ لينصرف المغنون عن ابنتهم سكينة بنت خالد بن مصعب بن الزبير ، التي تجتمع مع ابن أبي ربيعة الشاعر ، والمغنيات يغنين لهم ، ما في الأغاني ج ١ / ٦٧. وزَوّد بها مرافقه في بغداد المدائني ، المتوفى سنة ٢٢٥ هـ ، وزاد عليها الزبير بن بكار وابنه ، وتلقاها المبرّد ، المتوفى سنة ٢٨٥ هـ ، وعنه أخذ تلميذه الزجاج وغيره من دون تمحيص ، فأضلوا كثيراً

٢٧٧

من الكتاب والمؤرخين ، حتى رووها بلا إسناد ، موهمين أنّها من المسلمات ، ثم جاء أبو علي القالي ـ تلميذ الزجاج ـ ؛ فَسَجّل في أماليه ما نقله عن أستاذه. ثم جاء دور صاحب الأغاني ، وإتخذ روايات من ذكرناهم حجة في نشر الشائع من المنكرات ، وأفعم كتابه المذكور بتلك الروايات ، وفيه وفي كتابه المذكور من الضعف.

قال القاضي محمود بن محمد عرنوس ؛ في تاريخ القضاء في الإسلام / ١٨٢ : «إنّ كتاب الأغاني ، إشتمل على كثير من الأخبار الواهية ، بل الموضوعة». وفي المنظم ، ج ٧ / ٤٠ ـ حوادث سنة ٣٥٦ هـ : «لا يوثق بروايته ؛ فإنّه يُصرّح في كتبه بما يوجب عليه الفسق ، ويهوى شرب الخمر ، وربما حكى ذلك عن نفسه ، ومن تأمل كتابه الأغاني ؛ رأى كل قبيح ومنكر». وبعد بيان كل ذلك ؛ إتضح لنا عدم الإعتماد على مروياتهم.

حوار مع الكاتب :

قال : «وتذكر إحدى الروايات : أنّ سكينة قد رافقت عمتها زينب حين اُبعدت إلى مصر .. الخ».

وقال أيضاً : «وفي تحفة الأحباب للسخاوي : أنّ سكينة أول علوية قدمت إلى مصر ، وسبب قدومها أنّ الأصبغ بن عبد العزيز ، أمير مصر خطبها من أخيها ... الخ».

أولاً ـ سؤالي للكاتب المحترم : كيف تجمع بين الروايتين المتضاربتين بالنسبة إلى سفرها؟

ثانياً ـ إنّ الدكتورة بنت الشاطئ ـ كما حققته في كتابها (سكينة بنت الحسين) ـ ذكرت أنّ الزواج لم يتم ؛ باعتبار تضارب الروايات. وكفى بذلك ضعفا.

٢٧٨

١ ـ تعدد أزواجها :

قال الكاتب المحترم : «وكان أول أزواج سكينة (رضي الله عنها) ، مصعب بن الزبير ... الخ».

وأصل هذه الرواية صاحب (نسب قريش) ، وصاحب (الأغاني) ، وهي ضعيفة كما ذكرنا من ضعف الروايتين ، على أنّ علماء النسب والتاريخ يشهدون بأنّ زواجها الأول من ابن عمها عبد الله الأكبر بن الإمام الحسن ، قتل يوم الطف ، نذكر منهم.

النسابة أبو الحسن العمري ـ في القرن السادس ـ في كتابه (المجدي) ، والشيخ محمد الصبان في (إسعاف الراغبين) ، على هامش (نور الأبصار ص ٢١٠).

والرأي القوي أنّ زواجها الأول والأخير من ابن عمها ، أما الأزواج المدّعاة ؛ لا يمكن الإعتماد عليهم ، وقد إقتطفتُ بعض ما قالته الدكتورة بنت الشاطئ في كتابها المذكور ، بعد أن أوردت قوائم الأزواج قالت : «وتختلط الأسماء إختلاطاً عجيباً بل شاذاً ، حتى ليشطر الإسم الواحد شطرين ، يؤتي بكل شَطْرٍ منهما على حده ، منهما زوجان للسيدة سكينة ، فعبد الله بن عثمان ، بن عبد الله بن حكيم بن حزام ، شطر شطرين ، فكان منه زوجان عبد الله بن عثمان ، وعمرو بن حكيم بن حزام ، أو كما ترجم في دائرة المعارف ، عمرو بن الحاكم.

وقالت أيضاً : ففي صفحة واحدة من الأغاني ـ مثلاً ـ تقرأ أربع روايات متناقضة متضاربة سردها ابو الفرج متتابعة ، ثم لا شئ أكثر من هذا السرد.

٢٧٩

وقالت أيضاً : وإذا بلغ الشذوذ فيما يروى عن حياتها الزوجية ؛ أن تلد لمصعب بنتاً تتزوج من عمها أخي مصعب ، كما في الترجمة العربية لدائرة المعارف الإسلامية. وأن تزوجها (دائرة المعارف) عبد الله بن عثمان ، ابن أخي مصعب ، وعمرو بن الحاكم ابن حزام ، ولا خبر في نسب قريش ، وأنساب العرب ، عن وجود أخ لمصعب إسمه عثمان ، أو حفيد لحزام إسمه عمرو بن الحاكم.

٢ ـ إجازتها للشعراء : جرير ، والفرزدق ، وعمر بن أبي ربيعة :

ومن مرويات صاحب الأغاني ، عن المدائني ، وعن عبد الله الزبيري ، إجتماع الشعراء في بيت سكينة للضيافة ، واختصامهم عندها للمفاضلة ... الخ.

أولاً ـ إنّ الراوي لها المدائني ، وعبد الله الزبيري ، وصاحب الأغاني ، وكما قلنا : لا يمكن الإعتماد على هذه الروايات لضعفها.

ثانياً ـ إنّ المبرد في الكامل ج ٢ / ١٥٠ ، وابن قتيبة في عيون الأخبار ، ج ٢ / ١٤٦ : قد ذكر إجتماع الشعراء عند عبد الملك بن مروان ، وكذلك ابن كثير في البداية والنهاية ، ج ٩ / ٢٦٢ : ذكر إجتماع الشعراء ، عند عمر بن عبد العزيز ، وهم الفرزدق ، وجرير ، وعمرو بن ابي ربيعة ، والأحوص وتفاضلهم ونقده لهم.

ثالثاً ـ إنّ بيت الضيافة الذي ذكرته الرواية دعوى بلا دليل ، ولا يناسب شرف السيدة سكينة أن تفتح لها مكاناً للضيافة ، ومن أين لها الأموال؟! بل الأمر مستبعد ، إذ كيف تقبل غيرة بني هاشم أن تجالس الرجال والشعراء؟!.

٢٨٠