تربة الحسين عليه السلام الإستشفاء والتبرّك بها ـ السجود عليها دراسة وتحليل - ج ٣

الشيخ أمين حبيب آل درويش

تربة الحسين عليه السلام الإستشفاء والتبرّك بها ـ السجود عليها دراسة وتحليل - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أمين حبيب آل درويش


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥١
  الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣

١ ـ بيان حقيقة الرؤى

أ ـ علاقة الرؤى بالنوم

ب ـ أقوال العلماء في حقيقتها

ج ـ بيان أسمائها ومعانيها

٢٠١
٢٠٢

أ ـ علاقة الرؤى بالنوم :

إنّ أجسامنا صنعت من الطبيعة ولها ، وقد روعي فيها أن تتبع القوانين الطبيعية ، فالنوم حالة طبيعية متكررة يتوقف فيها الكائن الحي عن اليقظة ، وتصبح حواسه معزولة نسبياً عما تحيط بها من أحداث ، وقد عَبّر عنها القرآن الكريم في قوله تعالى : (وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا) [النبأ / ٩]. أي راحة لأبدانكم بانقطاعكم عن الأشغال. ويتضح هذا من خلال التقسيم العلمي للنوم ، وهو كالتالي :

هناك نوعان من النوم :

«النوم التقليدي : Orthodox Sleep (النوم الهادئ) (لا يترافق بحركة سريعة في العين) : ويشكل الجزء الأعظم من النوم ... ويبدأ بالنعاس .. وتصبح أمواج الدماغ الكهربائية فيه أبطأ وأكثر عمقاً من الأمواج التي تحدث في اليقظة .. ويتباطؤ نشاط الدماغ وعمليات الإستقلاب في الجسم (العمليات الكيمياوية الحيوية) وتصل إلى أدنى مستوى لها ، وتحدث فيه بعض الأحلام» (٢٤٤).

وخصائص هذا النوم الهادئ : «ينخفض ضغط الدم ... ويتباطئ القلب في هذا النوع من النوم .. ويستطيع النائم التحرك في المراحل الخفيفة منه. لكنه لا يقوى على الحركة حين يدخل المرء في مراحل متقدمة من نوم عميق .. حيث ترتخي العضلات .. ويضعف نشاط الدماغ .. وقد تُرى الأحلام حول ما سيجري في غدٍ من أعمال ..» (٢٤٥).

__________________

(٢٤٤) ـ باشا ، الدكتور حسان شمسي : النوم والأرق والأحلام بين الطب والقرآن / ٢٢.

(٢٤٥) ـ نفس المصدر / ٢٣.

٢٠٣

وحول دور النوم الهادئ تقول دائرة المعارف البريطانية (طبعة ١٩٨٩ م) : «إنّ النوم الهادئ هو النوم الذي يعطي الراحة والسكينة للجسم ، كما أنّه يدعم إحدى وظائف النوم الكبرى. وهي تعويض الجسم ما خسره في يقظته .. وترميم ما بلى منه وتخرّب» (٢٤٦).

النوم المتناقض : Paradoxical Sleep (النوم الحالم) (يترافق بحركة سريعة في العين) :

وخصائص هذا النوم ـ كما تعبّر عنه دائرة المعارف البريطانية (طبعة ١٩٨٩ م) : «يتسم النوم الحالم بحالة من نشاط جسمي عام ... فموجات الدماغ تتسارع وتنخفض سعتها والقلب يتسارع في دقاته .. ويتصاعد إيقاع التنفس في شهيق وزفير .. ويرتفع ضغط الدم. ويحدث فيه الإنتصاب عند الذكور. وتكثر فيه حركة الجسم .. وتظهر فيه تقلصات عضلية في الوجه والأطراف .. ويزداد استهلاك الدماغ للأوكسجين ... كما يزداد تدفق الدم إلى الدماغ .. وترى خلايا الدماغ في هذا النوع من النوم نشاطه أثناء اليقظة» (٢٤٧).

وحول دور النوم الحالم (المتناقض) : «أشارت التجارب والبحوث العلمية في مجال النوم إلى أنّ النوم ليس مرحلة ركود وخمول ، إنما هو مرحلة صيانة للجسم ، وإستعادة لما فقده من عناصر حيوية ؛ وهو مرحلة يستطيع خلالها الجسم أن يحضر ما يلزمه من مواد يحتاجها في الفترة التالية من اليقظة والنشاط .. ويعتقد بعض الباحثين أنّ صيانة أنسجة المخ تتم أثناء فترة النوم ،

__________________

(٢٤٦) ـ المصدر السابق / ٢٥.

(٢٤٧) ـ نفس المصدر / ٢٦ ـ ٢٧.

٢٠٤

ومن المعروف أنّ أنسجة الدماغ تتوقف عن النمو بعد عمر معين ، ويقتصر جهد الجسم بعد ذلك على الصيانة والترميم ..» (٢٤٨).

ب ـ أقوال العلماء في حقيقتها :

يقول العلامة الطباطبائي (قده) : «كان الناس كثير العناية بأمر الرؤى والمنامات منذ عهود قديمة لا يضبط لها بدء تاريخي ، وعند كل قوم قوانين وموازين متفرقة متنوعة يزنون بها المنامات ويعبرون بها ويكشفون رموزها ، ويحلون بها مشكلات إشاراتها فيتوقعون بذلك شراً أو نفعاً أو شراً بزعمهم» (٢٤٩).

وقد أثير حول حقيقتها التساؤل التالي :

س / هل للرؤى حقيقة أم لا؟

ج / إختلف العلماء في ذلك على قولين :

الأول ـ ذهب الباحثون من علماء الطبيعة الأوروبيين إلى عدم وجود حقيقة للرؤى ، بل ليس للبحث عن شأنها وإرتباطها بالحوادث الخارجية وزناً علمياً ، وهذا ما ذهب إليه علم الهدى السيد المرتضى (قده) ، وملخص عبارته هو : «أنّ النائم غير كامل العقل ؛ لأنّ النائم يفقد شعوره عند النوم ، فما يراه حصيلة عدم الشعور فلا قيمة له ، وجميع منامات الإنسان من هذا القبيل» (٢٥٠).

__________________

(٢٤٨) ـ المصدر السابق / ٣٠.

(٢٤٩) ـ الطباطبائي ، السيد محمد حسين : الميزان في تفسير القرآن ، ج ١١ / ٢٦٨.

(٢٥٠) ـ الشريف المرتضى ، السيد علي بن الحسين الموسوي : أمالي المرتضى ، ج ٢ / ٣٩٢.

٢٠٥

الثاني ـ ذهب علماء النفس إلى أهمية الرؤيا وقيمتها لإتخاذها في القضية النفسية ـ في أواخر القرن التاسع عشر ـ وإحتجوا ببعض المنامات الصحيحة التي تنبأ عن حوادث مستقبلية ، أو أوامر خفية أوردوها في كتبهم مروية بطرق صحيحة لا يخالطها شك. وهذا ما ذهب إليه العلامة الطباطبائي (قده) في قوله : «ما منا واحد إلا وقد شاهد من نفسه شيئاً من الرؤى والمنامات دَلّهُ على بعض الأمور الخفية أو المشكلات العلمية أو الحوادث التي ستستقبله من الخير أو الشر أو وقوع سمعه بعض المنامات التي من هذا القبيل ، ولا سبيل إلى حمل ذلك على الإتفاق وإنتفاء أي رابطة بينها وبين ما ينطبق عليها من التأويل ، وخاصة في المنامات الصريحة التي لا تحتاج إلى تعبير» (٢٥١).

وبعد ذكر أهم الأقوال في مسألة الرؤى ؛ نخرج بالنتيجة التالية :

أولاً ـ لا ينكر الإنسان أنّ للعوامل الخارجية المرتبطة ببدنه كالحر والبرد ونحو ذلك ، وكذلك للعوامل الداخلية الطارئة عليه ، كأنواع الأمراض ، وإمتلاء المعدة تأثير في المتخيلة ، وتأثير على الرؤى ولذا نلاحظ أنّ أغلب الرؤى والمنامات من التخيلات النفسانية التي لها إرتباط بشيء من الأسباب المذكورة ، فمثلاً : من أثّرَت فيها حرارة أو برودة بالغة ؛ يرى في منامه نيراناً مؤججة أو الشتاء ونزول الثلج. وأنّ من إنحرف مزاجه أو امتلأت معدته ؛ يرى رؤيا مشوشة.

وهذا الذي ذكره منكروا حقيقة الرؤى من علماء الطبيعة. وهذه الدعوى يمكن إبطالها بما يلي :

__________________

(٢٥١) ـ الطباطبائي ، السيد محمد حسين ، الميزان في تفسير القرآن : ج ١١ / ٢٦٩.

٢٠٦

توجد بعض المنامات والرؤى الصادقة التي تكشف حقائق لا سبيل إلى إنكارها ونفي الرابطة بينها وبين الحوادث الخارجية والأمور المستكشفة ، ومن الشواهد على ذلك التالي :

١ ـ رؤيا ابراهيم عليه السلام في ابنه اسماعيل عليه السلام حيث أخبر عنها القرآن الكريم في قوله تعالى : (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) [الصافات / ١٠٢].

٢ ـ رؤيا الملك : (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ) [يوسف / ٤٣].

٣ ـ رؤيا صاحبي يوسف عليه السلام في السجن : (قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [يوسف / ٣٦].

٤ ـ ومن هذا القبيل ما ذكره الشهيد المطهري ـ حكاية عن زوجته ـ : «وأخبرتني ليلة ـ وكان ذلك قبل السحر ، من شهر رمضان بساعتين ـ بأنها رأت في المنام أبيها وهو غضبان : أين فلان؟ قلت له : لماذا؟ قال : إنّه يريد الزواج من شابة نصرانية. ثم قالت زوجتي : بأنها رأت في المنام ليلة أخرى هذه البنت النصرانية وقالت لها : لماذا لا تتركي هذا الشاب؟ فأنتِ نصرانية وهو مسلم ، أنت غريبة وهو شرقي ، وليس بينكما وجه إشتراك.

فقالت هذه الشابة : سوف تصلكم غداً رسالتي عليها علامة رقم (٨٨). فلما صلينا صلاة الصبح بقينا إلى طلوع الشمس ، وإذا بالباب يطرق ، فلما ذهب الشاب يفتح الباب ؛ إذا بساعي البريد على الباب ، أخذ الشاب الرسالة

٢٠٧

وفَضّها يقرأها ؛ فوجدها رسالة البنت النصرانية ، فقال : يا سبحان الله ، وأخذ يقرأها وكانت قد كتبت فيها : إني في المستشفى وقد أجريت لي عملية جراحية ـ وكانت قد أخبرته بأنها مريضة وقد تجري عملية جراحية ـ ولا أدري هل تتحسن صحتي أم لا؟ لأني الآن أملي على شخص بكتابة هذه الرسالة ، ولعله لا يصلك بعد هذه الرسالة شيء ، ثم قالت : بأنّ عنوانها قد تغير ، فإنّ أردت المراسلة فراسل على هذا العنوان : (.. رقم المنزل ٨٨) وكتبت هذا الرقم بظهر الرسالة أيضاً ، كل ذلك كان بعد ساعات من الرؤيا» (٢٥٢).

فظهر مما ذكرناه أنّ جميع الرؤى لا تخلو عن حقيقة ، أي أنّ هذه الإدراكات المتنوعة المختلفة التي تعرض النفس الإنسانية ـ وهي الرؤى ـ لها أصول وأسباب تستدعي وجودها للنفس وظهورها للخيال ، وهي على اختلافها تحكي أنّ لكل منام تأويل وتعبير ، غير أنّ بعضها السبب الطبيعي العامل في البدن حال النوم ، وتأويل بعضها ، السبب الخلقي أو أسباب متفرقة.

إذن لا ربط لبعض الرؤى بذكريات وسوابق في الماضي ، لتكون راجعة للأسباب التي ذكرت سابقاً!

ثانياً ـ ما ذكر في القرآن الكريم من أنّ الرؤيا ، قد تكون أضغاث أحلام كما في قوله تعالى : (قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ) [يوسف / ٤٤].

وقد تكون رؤيا صادقة كرؤيا يوسف عليه السلام ، كما في قوله تعالى : (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) [يوسف / ٤].

__________________

(٢٥٢) ـ المطهري ، الشيخ مرتضى : التوحيد / ١٥١ ـ ١٥٢.

٢٠٨

فعبرها له أبوه بما سيكون له من شأن ، وأنّ هذه الكواكب الإحدى عشر ؛ هي أخوته والشمس والقمر أبويه. إلى غير ذلك من الآيات الدالة على ذلك.

ثالثاً ـ إتضح لنا مما تقدم ، أنّ ما ذهب إليه العلامة الطباطبائي (قده) ، وعلماء النفس هو الصحيح.

ج ـ بيان أسمائها ومعانيها :

تظهر أهمية الرؤى والمنامات قديماً وحديثاً ، من خلال ما ذكره المؤرخون والباحثون في الطب الحديث ، وأهم من ذلك ما ذكره القرآن الكريم من الرؤى وأسماءها ، ولعلّ أهم ما ذكره من أسماء هو التالي :

١ ـ الرؤيا :

هي : «تخيل النفس للمعنى في المنام حتى كأنه يراه» (٢٥٣).

وقد وردت هذه اللفظة في القرآن الكريم تسع مرات ، منها قوله تعالى : (وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا) [الصافات / ١٠٤ ـ ١٠٥].

٢ ـ الحِلْم :

«والأحلام جمع حلم ، وهو الرؤيا في النوم ، وقد يقال : جاء بالحلم ؛ أي الشيء الكثير ، كأنّه جاء بما لا يرى إلا في النوم لكثرته» (٢٥٤).

وقد وردت في القرآن الكريم ثلاثة مرات ، منها قوله تعالى : (قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ) [يوسف / ٤٤].

__________________

(٢٥٣) ـ الطوسي ، الشيخ محمد بن الحسن : التبيان في تفسير القرآن ، ج ٦ / ١٤٥.

(٢٥٤) ـ نفس المصدر / ١٤٦.

٢٠٩

وسميت بـ(أضغاث أحلام) ؛ لأنّ الضغث : هو الحزمة من الحشيش ، والبقل وغيره ، وهو غير متشاكل ولا متلائم ، فشبهوا به تخليط المنام. والفرق بين الرؤيا والحلم : يغلب على الرؤيا ما يراه الإنسان من الخيرو الشيء الحسن ، وغلب الحلم عل ىما يراه الإنسان من الشر والقبيح. ويؤيد هذا المعنى ما في الدرة الباهرة : «قال أبو محمد العسكري عليه السلام : من أكثر المنام رأى الأحلام» (٢٥٥).

قال الشيخ المجلسي (قده) : «.. أنّ كثرة الغفلة عن ذكر الله وعن الموت وأمور الآخرة موجبة للأماني الباطلة والخيالات الفاسدة التي هي كأضغاث الأحلام ولا يلتفت إليها الكرام. مع أنّ الحمل على ظاهره أظهر وأصوب ، بحمل الأحلام على الفاسدة منها ، كما ورد : (أنّ الحلم من الشيطان ..) (٢٥٦).

٣ ـ الأحاديث :

قال تعالى : (وَكَذَٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ) [يوسف / ٨]. وسميت الرؤيا بالأحاديث لما يلي :

أ ـ والأحاديث جمع الحديث وربما أريد به الرؤى ؛ لأنّها من حديث النفس ، فإنّ نفس الإنسان تصور له الأمور في المنام ، كما يصور المحدّث لسماعه الأمور في اليقظة فالرؤيا حديث مثله (٢٥٧).

ب ـ إنّها سميت أحاديث ؛ لأنّها من حديث الملك إن كانت صادقة ، ومن حديث الشيطان إن كانت كاذبة (٢٥٨).

__________________

(٢٥٥) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٥٨ / ١٩٠.

(٢٥٦) ـ نفس المصدر / ١٥٣.

(٢٥٧) ـ الطباطبائي ، السيد محمد حسين : الميزان في تفسير القرآن ، ج ١١ / ٧٩ ـ ٨١.

(٢٥٨) ـ نفس المصدر.

٢١٠

ج ـ قال العلامة الطباطبائي (ره) : «وبالجملة معنى كون الرؤيا من الأحاديث ، أنّها من قبيل تصور الأمور للنائم كما يتصور الأنباء والقصص بالتحدي اللفظي ، فهي حديث إما ملكي أو شيطاني أو نفسي كما تقدم ، لكم الحق أنّها من أحاديث النفس بالمباشرة ، وسيجيء إستيفاء البحث في ذلك إن شاء الله تعالى. هذا لكن الظاهر المتحصل من قصته عليه السلام المسرودة في هذه السورة أنّ الأحاديث التي عَلّمه الله تعالى تأويلها أعم من أحاديث الرؤيا ، وإنما هي الأحاديث ؛ أعني الحوادث والوقائع التي تتوصر للإنسان أعم من أن تتصور له في يقظة أو منام ، فإنّ بين الحوادث والأصول التي تنشأ هي منها والغايات التي تنتهي إليها إتصالاً لا يسع إنكاره ، وبذلك يرتبط بعضها ببعض ، فمن الممكن أن يهتدي عبد بإذن الله تعالى إلى هذه الروابط فينكشف له تأويل الأحاديث والحقائق التي تنتهي هي إليها. ويؤيده فيما يرجع إلى المنام ما حكاه الله تعالى من بيان يعقوب تأويل رؤيا يوسف عليه السلام ، وتأويل يوسف لرؤيا نفسه ، ورؤيا صاحبيه في السجن ، ورؤيا عزيز مصر وفيما يرجع إلى اليقظة ما حكاه عن يوسف في السجن بقوله : (قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) [يوسف / ٣٧] ، وكذا قوله : (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) [يوسف / ١٥] ، وسيوافيك توضيحه إن شاء الله تعالى» (٢٥٩).

__________________

(٢٥٩) ـ الطباطبائي ، السيد محمد حسين : الميزان في تفسير القرآن ، ج ١١ / ٧٩ ـ ٨١.

٢١١

٤ ـ البشرى :

هي الرؤيا الحسنة التي يبشر بها المؤمن ، وإلى ذلك يُشير قوله تعالى : (لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ) [يونس / ٦٤].

٥ ـ النجوى :

هي الرؤيا المحزنة للمؤمن ، كما يوضح ذلك قوله تعالى : (إِنَّمَا النَّجْوَىٰ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [المجادلة / ١٠].

قال الشيخ الطبرسي (ره) : «وقيل : إنّ الآية المراد بها أحلام المنام التي يراها الإنسان في نومه محزنة. وورد في الخبر عن أبي عبد الله بن مسعود قال : قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : إذا كنتم ثلاثة فلا يتناج إثنان دون صاحبهما ، فإنّ ذلك يحزنه» (٢٦٠).

وبعد بيان وإيضاح أسماء المنامات والرؤى في القرآن الكريم ؛ تبين لنا أنّها من المسائل المهمة في حياة وطبيعة البشر ، بل هي من المسائل التي شغلت أذهان البشر للتعرف على حقيقتها ، وما الفائدة منها.

__________________

(٢٦٠) ـ الطبرسي ، الشيخ الفضل بن الحسن : مجمع البيان في تفسير القرآن ، ج ٩ ـ ١٠ / ٣١٧.

٢١٢

٢ ـ أقسام الرؤى

الأول ـ تقسيم الروايات

الثاني ـ تقسيم العلماء

الثالث ـ تقسيم العلم الحديث

٢١٣
٢١٤

الأول ـ تقسيم الروايات :

يمكن تقسيم الرؤى في الروايات من خلال ما رواه المسلمون في كتبهم كالتالي :

أ ـ مرويات الإمامية :

١ ـ عن علي بن إسماعيل بن موسى بن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم السلام ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (الرؤيا ثلاثة : بشرى من الله ، وتحزين من الشيطان ، والذي يُحدِّث به الإنسان نفسه فيراه في منامه) (٢٦١).

٢ ـ وقال صلى الله عليه وآله وسلم : (الرؤيا من الله ، والحلم من الشيطان) (٢٦٢).

٣ ـ عن أبي عبد الله عليه السلام قال : (الرؤيا على ثلاثة وجوه : بشرى من الله للمؤمن ، وتحذير من الشيطان ، وأضغاث أحلام) (٢٦٣).

ب ـ مرويات السنة :

١ ـ عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب ، وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً ، ورؤيا المسلم جزء من ستة وأربعين جزء من ال نبوة.

والرؤيا ثلاث : فالرؤيا الصالحة بشرى من ا لله ، والرؤيا من تحزين الشيطان ، والرؤيا مما يُحدِّث نفسه ، وإذا رأى أحدكم ما يكره ، فليقم وليتفل ولا يحدث به الناس ، وأحب القيد في النوم ، واكره الغلّ ، القيد ثبات في

__________________

(٢٦١) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٥٨ / ١٩١.

(٢٦٢) ـ نفس المصدر.

(٢٦٣) ـ الكليني ، الشيخ محمد بن يعقوب : الروضة من الكافي ، ج ٨ / ٩٠.

٢١٥

الدين ، فإن رأى أحدكم رؤيا تعجبه فليقصها إن شاء ، وإن رأى شيئاً يكرهه فلا يقصه على أحد وليقم يصلي) (٢٦٤).

٢ ـ عن عوف بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (الرؤيا على ثلاثة : منها تخويف من الشيطان ليحزن به ابن آدم ، ومنها لاأمر يحدِّث به نفسه في اليقظة فيراه في المنام ، ومنها جزء من ستة وأربعين جزء من أجزاء النبوة) (٢٦٥).

وبعد ذكر المرويات المتقدمة ؛ نخرج بالنتيجة التالية :

أولاً ـ أنّها متفقة على التقسيم الثلاثي وإن إختلفت الألفاظ ، إلا أنّ المعنى واحد ؛ إذ بعض المرويات عبرت بـ(بشرى من الهل) ، وبعضها بـ(جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة) والمعنى ـ بقرينة بعض الروايات ـ كما عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : (الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزء من النبوة) (٢٦٦). وعن أبي قتادة ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (الرؤيا الصالحة بشرى من الله ، وهي جزء من أجزاء النبوة) (٢٦٧). إذن ، لا خلاف بين هذه الروايات في المعنى.

ثانياً ـ قوله صلى الله عليه وآله وسلم : (إذا اقترب الزمان) ، وعلى رواية أخرى : (إذا تقارب الزمان) : فيه وجوه أهمها ما ذكره ابن الأثير : «أراد إقتراب الساعة. وقيل : إعتدال الليل والنهار ، وتكون الرؤيا صحيحة لإعتدال الزمان» (٢٦٨).

__________________

(٢٦٤) ـ السيوطي ، عبد الرحمن بن ابي بكر : الدر المنثور ج ٣ / ٣١٢.

(٢٦٥) ـ نفس المصدر / ٣١٣.

(٢٦٦) ـ نفس المصدر.

(٢٦٧) ـ ابن الأثير ، المبارك بن محمد الجزري : النهاية في غريب الحديث والأثر ، ج ٤ / ٣٣.

(٢٦٨) ـ نفس المصدر.

٢١٦

ثالثاً ـ قوله : (لم تكن رؤيا المؤمن تكذب ، وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً) ،

فيه وجوه :

١ ـ قال النووي ـ في شرح الصحيح ـ : «ظاهره أنه على إطلاقه ، حكى القاضي عن بعض العلماء أنّ هذا يكون في آخر الزمان عند إنقطاع العلم موت العلماء والصالحين ومن يستضاء بقوله وعمله ، فجعله الله تعالى جابراً وعوضاً ومنبهاً لهم ، والأول أظهر ؛ لأنّ غير الصادق في حديثه يتطرق الخلل إلى رؤياء وحكايته إياها» (٢٦٩).

٢ ـ قال الشيخ المجلسي (قده) : «لما غَيّب الله تعالى في آخر الزمان عن الناس حجتهم ؛ تفضل عليهم وأعطاهم رأياً في إستنباط الأحكام الشرعية ، مما وصل إليهم من أئمتهم عليهم السلام ، ولما حجب عنهم الوحي وخُزّانه ؛ أعطاهم الرؤيا الصادقة أزيد مما كان لغيرهم ، ليظهر عليهم بعض الحوادث قبل حدوثها» (٢٧٠).

رابعاً ـ قوله : (جزء أو سبعين جزء من أجزاء النبوة). فيه وجوه كالتالي :

١ ـ قال ابن عبد البر : «إختلاف الآثار في هذا الباب في عدد أجزاء الرؤيا ليس ذلك عندي إختلاف متضاد متدافع ـ والله أعلم ـ ؛ لأنّه يحتمل أن تكون الرؤيا الصالحة من بعض من يراها على حسب ما يكون من صدق الحديث وأداء الأمانة والدين المتين وحسن اليقين ، فعلى قدر إختلاف الناس فيما وصفناه تكون الرؤيا منهم على الأجزاء المختلفة العدد ، فمن خلصت نيته في عبادة ربه ويقينه وصدق حديثه ؛ كانت رؤياه أصدق ، وإلى النبوة

__________________

(٢٦٩) ـ الووي ، محي الدين بن شرف : شرح صحيح مسلم ، مج ٨ ، ج ١٥ / ٢٠ (كتاب الرؤيا).

(٢٧٠) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٥٨ / ١٧٧.

٢١٧

أقرب ، كما أنّ الأنبياء يتفاضلون ، قال الله تعالى : (وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا) [الإسراء / ٥٥].

وأيّد القرطبي بقوله : «فهذا التأويل يجمع شتات الأحاديث ، وهو أولى من تفسير بعضها دون بعض وطرحه» (٢٧١).

٢ ـ قال الشيخ المجلسي (قده) : «لعل المراد أنّ للنبوة أجزاء كثيرة ، سبعون منها من قبل الرأي ؛ أي الإستنباط اليقيني ، لا الإجتهاد والتظني ، والرؤيا الصادقة ، فهذا المعنى الحاصل لأهل آخر الزمان ، على تلك السبعين ، ومشابه لها وإن كان في النبوة أقوى» (٢٧٢).

٣ ـ يمكن الجمع بين هذين القولين بما يلي :

أ ـ إنّ ذكر عدد الأجزاء بـ(سبعين ، أو ستين ، أو خمسين ، أو أربعين) ـ كما ورد في الروايات ، لعله من باب التمثيل ، كما قيل في قوله تعالى : (إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً) [التوبة / ٨٠]. وقوله تعالى : (ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا) [الحاقة / ٣٢].

وأيضاً ورد عدد (أربعين) في بعض الآيات كما في قوله تعالى : (وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) [البقرة / ٥١]. وقوله تعالى : (فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً) [المائدة / ٢٦]. وقوله تعالى : (حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً) [الأحقاف / ١٥]. ففي كل هذه الآيات لعلها كناية عن الكثرة وطول المدة وما شابه ذلك.

__________________

(٢٧١) ـ القرطبي ، محمد بن احمد : الجامع لأحكام القرآن ، ج ٩ / ١٢٣.

(٢٧٢) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ج ٥٨ / ١٧٧.

٢١٨

ولهذا لم يهتم ابن عبد البر بالعدد ، وقال : «إختلاف الآثار في هذا الباب في عدد أجزاء الرؤيا ، ليس ذلك عندي إختلاف متضاد متدافع». فبقوله هذا جمع بين هذه الروايات.

ب ـ يتفق الشيخ المجلسي وابن عبد البر على أنّ العبد كلما أخلص لله صدقت رؤياه وشُبِّه بالأنبياء من حيث صدق الرؤيا ، فكما أنّ المؤمنين على درجات من الإخلاص ، كذلك الأنبياء على درجات من المراتب والفضل.

خامساً ـ قوله : (وأكره الغُلّ) ، يمكن إرجاع ذلك إلى معنيين كالتالي :

١ ـ (الغُلّ : مختص بما يُقيّد به فيجعل الأعضاء وسطه ، وجمعه أغلال ، وغُلَّ فلان قيّد به. قال : (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ) [الحاقة / ٣٠] ... وقيل للبخيل هو مغلول اليد ، قال تعالى : (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ) [الإسراء / ٢٩].

٢ ـ الغِلّ : العداوة والضغن ، قال تعالى : (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ) [الأعراف / ٤٣] (٢٧٣).

وبعد هذا لا مانع من إرادة المعنيين ؛ حيث أنّ البخل والضغن والعداوة مانعة من الرؤيا الصادقة.

الثاني ـ تقسيم العلماء :

لعلّ أهم تقسيم للعلماء هو ما يلي :

١ ـ حديث النفس بالشيء والفكر فيه ، حتى يحصل كالمنطبع في النفس ، فيخيل إلى النائم ذلك بعينه وأشكاله ونتائجه ، فمثلاً : ضعيف النفس الخائف

__________________

(٢٧٣) ـ الراغب الإصفهاني ، الحسين بن محمد : المفردات في غريب القرآن ، ج ٢ / ٤٧٠.

٢١٩

الذعران يتصور في نومه أموراً هائلة ، وكذلك البغض والعداوة والعجب ونحو ذلك يرى صوراً تناسبه وتلائمه.

٢ ـ تأثير الطبايع وما يكون من قهر بعضها لبعض ، فيطرب المزاج ويتخيل لصاحبه ما يلائم ذلك الطبع الغالب ، فترى من أثرت فيه حرارة أو برودة بالغة يرى في منامه نيراناً مؤججة ، أو نزول ثلج والمطر ، ومن إمتلأت معدته يرى رؤيا مشوشة لا ترجع إلى طائل.

٣ ـ ألطاف من الله عَزّ وجَلّ لبعض خلقه ، من تنبيه وتيسير وأعذار وإنذار ، فيلقى في روعه ما ينتج له تخيلات وأمور تدعوه إلى الطاعة والشكر على النعمة ، وتزجره عن المعصية وتخوّفه الآخرة ويحصل له مصلحة وزيادة فائدة ، وفكر يحدث له معرفة.

٤ ـ أسباب من الشيطان ووسوسة يفعلها للإنسان ويُذكره بها ، أموراً تحزنه وأسباباً تغمه فيما لا يناله ، أو يدعوه إلى ارتكاب محظور يكون فيه هلاكه ، أو تخيل شبهة في دينه ، وذلك مختص بمن عدم التوفيق لعصيانه وكثرة تفريطه في طاعات الله سبحانه.

٥ ـ ما يكون من غير سبب إعتقاداً مبتدأ.

الثالث ـ تقسيم العلم الحديث :

تفيد الأبحاث العلمية أنّ النائم يحلم بمعدل مرة واحدة كل حوالي مائة دقيقة نوم .. ويدوم كل حلم حوالي ١٥ دقيقة في النصف الأول من الليل .. في حين تزيد المدة في النصف الثاني من الليل إلى حوالي الضعفين. أي ثلاثة دقيقة.

وقد قسم العلماء الأحلام التي تحدث للإنسان أثناء النوم إلى ما يلي :

١ ـ ما تحدث للإنسان أثناء النوم إلى عدة مجموعات :

٢٢٠