تربة الحسين عليه السلام الإستشفاء والتبرّك بها ـ السجود عليها دراسة وتحليل - ج ٣

الشيخ أمين حبيب آل درويش

تربة الحسين عليه السلام الإستشفاء والتبرّك بها ـ السجود عليها دراسة وتحليل - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أمين حبيب آل درويش


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥١
  الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣

وأما جواب السؤال : راجعوا كتب التفاسير واللغة فإنّهم قالوا في معنى السجود ، وضع الجبهة على الأرض للعبادة ، وهو منتهى الخضوع ، ولقد أفتى أئمتكم بأنّ كل ما يفرش به الأرض يجوز السجود عليه ، سواء كان من صوف أو قطن أو إبريسم أو شيء آخر ، فأجازوا السجود على كل شيء حتى أفتى بعضهم بجواز السجود على العذرة اليابسة!

لكن فقهاءنا تبعاً لأئمة أهل البيت من العترة الهادية عليهم السلام قالوا بعدم جواز السجود إلا على الأرض أو ما أنبتته مما يؤكل ولا يلبس ، فالبساطة والفرش لا يصدق عليه اسم الأرض ، بل يكون حاجزاً بينها وبين الجبهة ، لذلك فنحن نأخذ طينة يابسة ـ تسهيلاً للأمر ـ ونسجد عليها في الصلاة.

الشيخ عبد السلام : نحن نعلم بأنكم تخصصون تراب كربلاء للسجود ، فتصنعون منه أشكالاً مثل الأصنام فتقدسونها وتحلونها في مخابئكم وتقبلوها وتوجبن السجود عليها ، وهذا العمل يخالف سيرة المسلمين ولذلك يهاجمونكم ويشنون عليكم تلك التهم والكلمات غير اللائقة بكم.

قلت : هذه المعلومات الي أبديتها هي من تلك المسموعات التي سمعتها من مخالفينا وأعدائنا ، وتلقيتها بالقبول بدون تحقيق وتفحّص ، وإنّ من دواعي الأسف وجود هذه الحالة ؛ إذ تذعنون بشيء من غير تحقيق ، فترسلونها إرسال المسلمات ، وتنتقدون الشيعة في أشياء وهميّة ليس لها وجود ، وقد قيل : «ثَبّت العرش ثم انقش». وإنّ كلامكم بأننا نصنع من تراب كربلاء أشكالاً مثل الأصنام فنقدسها كلام فارغ ، وتقول باطل وليس إلا إتهاماً وإفتراء علينا ، وغرض المفترين إلقاء العداوة والبغضاء بيننا وبينكم ، وتمزيق المسلمين وتفريقهم ، كل ذلك لأجل الوصول إلى مصالحهم الشخصية ، ومنافعهم المادية

١٨١

الفردية ، كما قيل : «فرّق تسد» ولو كنتم ـ قبل الحين وقيل أن تصدقوا كلام المغرضين ـ تفتشون عن الواقع وتحققون عن الموضوع ، بأن تسألوا عن الشيعة الذين تعرفونهم وتجاورونهم ما هذه الطينة التي تسجدون عليها؟ لسمعتم الجواب إننا نسجد لله سبحانه على التراب ، خضوعاً وتعظيماً له عَزّ وجَلّ ، ولقالوا : لا يجوز عندنا السجود بقصد العبادة سوى الله سبحانه وتعالى ، واعلم أيها الشيخ بأنّ علمائنا وفقهاءنا لم يوجبوا السجود على تراب كربلاء كما زعمت! ويكفيك مراجعة كتبهم الفقهية ورسائلهم العملية التي تتضمن الفروع والمسائل الأولية في العبادات والمعاملات وغيرها ، فإنّهم أجمعوا على جواز السجود على الأرض ، سواء التراب أو الحجر والمدر والرمال ، وغيرها من ملحقات الأرض وعلى كل ما يطلق عليه الأرض عدا المعادن ، وكذلك أجازوا السجود على كلما تنبتها من غير المأكول والملبوس ، هذا بحكم السنة الشريفة ، والأول بحكم الكتاب العزيز. ولذا قالوا : بأنّ السجود على الأرض أفضل ، وبعض فقهائنا أجاز السجود على النبات من غير المأكول والملبوس عند فقدان مشتقات الأرض ، لذلك وعملاً بالأفضل نحمل معنا طينة يابسة لكي نضعها على الفرش والبساط ونسجد عليها في الصلوات ؛ لأنّ أكثر الأماكن مفروشة بما لا يجوز السجود عليه كالبُسط المحاكة من الصوف أو القطن وما شابه ذلك ، وتسهيلاً للأمر فإننا نحمل معنا الطينة اليابسة ، لنسجد عليها في الصلاة ، وأما إذا صادف أن وقفنا على التراب للصلاة ، فلا نضع الطينة اليابسة ، بل نسجد على نفس التراب مباشرة ، إذ يتحقق السجود الذي أراده الله تعالى من عباده المؤمنين.

١٨٢

الشيخ عبد السلام : لكنا نرى أكثركم تحملون تربة كربلاء وتقدسونها ، وكثيراً ما نرى الشيعة يقبلونها ويتبركون بها ، فما معنى هذا؟ وهي ليست إلا تربة كسائر التراب؟

قلت : نعم نحن نسجد على تراب كربلاء ، ولكن هذا لا يعني الوجوب ، فلا يوجد فقيه واحد من فقهاء الشيعة في طول التاريخ أفتى بوجوب السجود على تراب كربلاء ، وإنّما أجمعوا على جواز السجود على تربا أي بلد كان ؛ إلا أنّ تراب كربلاء أفضل ؛ وذلك للروايات الواردة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام بأنّ السجود على تراب كربلاء يخرق الحجب السبع ، يعني : يصل الى عرش الرحمن والصلاة تقع مقبولة عند الله سبحانه وتعالى.

وهذا تقدير معنوي لجهاد الإمام الحسين عليه السلام ؛ إذ أنّه أقدم على الشهادة في سبيل الله لأجل إحياء الصلاة وسائر العبادات ، فتقديس التربة التي أريق عليها دماء الصفوة من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وتقديس التربة التي تحتضن الأجساد المخضبة بدماء الشهادة والجهاد المقدس ، والتربة التي تضم أنصار دين الله وأنصار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأهل بيته الأطهار ، تقديسها تقديس للدين وللنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولكل المكارم والقيم ولكل المثل العليا التي جاء بها سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ولكن مع كل الأسف نرى بعض من ينتسبون إلى السنة ـ وهم أشبه بالخوارج والنواصب ـ يفترون على لاشيعة بأنهم يعبدون الإمام الحسين ، ويستدلون لإثبات فريتهم وباطلهم ، بسجود الشيعة على تراب قبر الحسين عليه السلام؟! مع العلم بأنّه لا يجوز عندنا عبادة الإمام الحسين عليه السلام ، ولا عبادة جَدّه المصطفى وأبيه المرتضى الذين هما أعظمرتبة وأكبر جهاداً من الحسين عليه السلام.

١٨٣

وأقول بكل وضوح : بأنّ عبادة غير الله سبحانه وتعالى كائناً من كان ، كفر وشرك. ونحن الشيعة لا نعبد إلا الله وحده لا شريك له ولا نسجد لغيره أبداً ، وكل من ينسب إلينا غير هذا فهو مفترٍ كذاب.

الشيخ عبد السلام : الدلائل التي نقلتموها في سبب تقديسكم لتراب كربلاء ، إنّما هي دلائل عقلية مستندة إلى واقعة تاريخية ، أو بالأحرى هي دلائل عاطفية ، ونحن بصدد الإستماع إلى أدلة نقلية ، فهل توجد روايات معتبرة تحكي تقديس النبي صلى الله عليه وآله وسلم واعتنائه بتراب كربلاء؟

قلت : أما في كتب علمائنا المحدثين ، ونقلة الأخبار والروايات ، فقد ورد الكثير عن أئمة أهل البيت عليهم السلام وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تقديس تربة كربلاء ، وإهتمامهم وإعتنائهم بها ، وهم قد رغّبوا شيعتهم بالسجود عليها ، وفضلوها على سائر التراب ، وكلامهم سند محكم لنا ودليل أتم للعمل بين الله عَزّ وجَلّ.

وأما الروايات المنقولة في كتبكم ؛ فكثيرة جداً ، منها : كتاب الخصائص الكبرى ، للعلامة جلال الدين السيوطي ، فقد ذكر روايات كثيرة عن طريق أبي نعيم الحافظ ، والبيهقي ، والحاكم وغيرهم ، وهم بالإسناد إلى أم المؤمنين ـ أم سلمة وعائشة ـ ، وأم الفضل زوجة العباس عمّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وابن عباس ، وأنس بن مالك ، وغيرهم ، ومن جملة تلك الروايات قول الراوي : رأيت الحسين في حجر جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وفي يده تربة حمراء وهو يشمها ويبكي ، فقلت ما هذه التربة يا رسول الله؟ وممّ بكاؤك؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم : كان عندي جبرئيل فأخبرني أنّ ولدي الحسين يقتل بأرض العراق ، وجاءني بهذه التربة من مصرعه. ثم ناولها لأم سلمة (رض) وقال لها : إنظري إذا انقلبت دماً عبيطاً فاعلمي بأنّ ولدي الحسين قد قتل. فوضعتها أم سلمة في قارورة وهي

١٨٤

تراقبها كل يوم ، حتى إذا كان يوم عاشوراء من سنة ٦١ هجرية ، فإذا بالتربة قد إنقلبت دماً عبيطاً ، فصرخت : وا ولداه واحسيناه وأبرت أهل المدينة بقتل الحسين.

ولقد أجمع علماؤنا أنّ أوّل من إتخذ من تراب كربلاء ـ بعد إستشهاد أبي عبد الله الحسين ، سيد الشهداء وأنصاره وصحبه السعداء الشهداء الأوفياء ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ هو السجاد زين العابدين ؛ إذ حمل معه كيساً من تلك التربة الزاكية الطيّبة ، فكان يسجد على بعضها وصنع ببعضها مسباحاً يُسبّح به ، وهكذا فعل أئمة أهل البيت عليهم السلام من بعده ، وهم أحد الثقلين.

فيلزم الإقتداء بهم والأخذ بقولهم وفعلهم لقول النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم : (إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا ، وهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض) (٢٣٢) ، فالتمسك بهم وبقولهم وفعلهم أمان من الضلال ، وموجب لدخول الجنة معهم إن شاء الله تعالى. ولقد روى شيخ الطائفة ابو جعفر الطوسي ، رضوان الله تعالى عليه ، في كتابه «مصباح المتهجد» بأنّ الإمام الصادق ، جعفر بن محمد عليهما السلام كان يحمل معه شيئاً من تربة كربلاء في منديل أصفر ، وكان وقت الصلاة يفتح ذلك المنديل ، ويسجد على تلك التربة ، وكان يقول : إنّ السجود على تراب قبر جدي الحسين عليه السلام غير واجب ، ولكن أفضل من السجود على غيره من بقاع الأرض ، وهذا رأي جميع فقهاء الشيعة بلا إستثناء.

__________________

(٢٣٢) ـ الطوسي ، الشيخ محمد بن الحسن : مصباح المتهجد / ٥١٠.

١٨٥

فكانت الشيعة أيضاً تحمل من تراب كربلاء في مناديل معهم ، فإذا صار وقت الصلاة فتحوا المنديل ، وسجدوا على التراب الذي فيه ، وبعد ذلك فكروا بصنع قطعات يسهل حملها ، فمزجوا تراب كربلاء بالماء وجعلوا منه قطعات من الطين اليابس تسهيلاً لحمله ونقله ، فكل من أحب يأخذ معه طينة يابسة يحملها معه ، فإذا صار وقت الصلاة ؛ يضعها حيث يشاء فيسجد عليها ، وهو من باب الفضيلة والإستحباب ، وإلا فنحن نسجد على كل ما يطلق عليه إسم الأرض ، من الحجر والمدر والتراب والحصى والرمل من كل بقاع الأرض. والآن فكروا ، هل يصح منكم ـ وأنتم علماء القوم ـ أن تهاجموا الشيعة المؤمنين ، لأجل سجودهم على تراب كربلاء؟ فتلبسوا الواقع على أتباعكم ، فيظنون بأنّ الشيعة كفار ومشركون ، يعبدون الأصنام ، ومن المؤسف أنّ بعض علماء أهل السنة أيضا يماشي عامة الناس ، ويؤيدهم من غير أن يتحقق في الموضوع ، ليعرف ما هو دليل الشيعة على عملهم؟ وما معنى ومغزى سجودهم على الطينة اليابسة؟!

ولو كان علماء العامة يحققون في ذلك لعرفوا أنّ الشيعة أكثر خضوعاً ، وأكثر تذللاً لله عَزّ وجَلّ ، إذ يضعون جباههم ـ وهو أفضل مواضع الجسم ـ على التراب الذي يسحق بالأقدام ، يضعون جباههم عليه خضوعاً لله وعبودية له سبحانه ، وهكذا يتصاغرون أمام عظمة الله تعالى ، ويتذللون له عَزّ وجَلّ.

فالعتب على علماء العامة ؛ إذ يتبعون بعض أسلافهم في إثارة التُّهم والإفتراءات والأكاذيب على الشيعة ، بغير تحقيق وتدبّر ، فنحن ندعوهم إلى

١٨٦

التفكّر والتعمق في معتقداتهم ومعتقداتنا ، ونطلب منهم بإلحاح أن يحققوا المسائل الخلافية بيننا وبينهم ، فيعرفوا دلائلنا ، لعلّهم يجدوا الحق فيتبعوه» (٢٣٣).

٣ ـ الشيخ الأنطاكي (٢٣٤) مع بعض أعلام السنة :

«وفي يوم الرابع عشر من شهر محرم الحرام سنة ١٣٧٤ هـ ، أتاني جماعة من علماء السنة وبعضهم زملائي في الأزهر ، حاملين عليّ حقداً في صدورهم لأخذي بمذهب أهل البيت وتركي مذهب السنة ، ودار البحث بيننا طويلاً يقرب حوالي عشر ساعات تقريباً ، وذلك في كثير من المسائل ، ومنها إنتقادهم على الشيعة بأنّهم يسجدون على التربة الحسينية فهم مشركون ، وإجراءهم التعازي على الإمام الحسين عليه السلام وهو بدعة. فقلت لهم : كلاهما أمر محبوب محبذ إليه من الشارع المقدس ، أما قولكم أنّ الشيعة يسجدون على التربة الحسينية ، فهم مشركون! هذا غير صحيح ؛ لأنّ السجود على التربة لا يكون شركاً ؛ لأنّ الشيعة تسجد على التربة لا لها وإن كانت الشيعة تعتقد على حسب مدعاكم وزعمكم «على الفرض المحال» ، أنّ التربة هي أو في جوفها شيء يسجدون لأجلها ، فكان اللازم السجود لها لا السجود عليها ؛ لأنّ الشخص لا يسجد على معبوده ، ولأنّ السجود يجب أن يكون للمعبود وهو الله يعني تكون الغاية من السجود والخضوع هو الله سبحانه ، أما السجود على الله ؛ فهو كفر محض ، فسجود الشيعة على التربة ليس شركاً فأجابني أحدهم

__________________

(٢٣٣) ـ سلطان الواعظين ، السيد محمد الموسوي : ليالي بيشاور / ١٠٥٦ ـ ١٠٧١.

(٢٣٤) ـ العلامة الكبير الشيخ محمد مرعي الأمين الأنطاكي ، أحد أعلام سوريا ، ولد سنة ١٣١٤ هـ في قرية من القرى التابعة إلى أنطاكية ، تبعد عنها ما يقرب من أربعة فراسخ تدعى (عنصو) ، ثم نزل حلب وتخرج من الأزهر وأصبح أحد أعلام سوريا ، كان في بداية أمره شافعياً ثم إعتنق مذهب أهل البيت (ع) ، توفي عام ١٣٨٣ هـ.

١٨٧

ـ وهو أعلمهم ـ قائلاً : أحسنت يا فضيلة الشيخ على هذا التحليل اللطيف ، ولنا أن نسألك : ما سبب إصرار الشيعة على السجود على التربة ، ولم لا تسجدون على سائر الأشياء ، كما تسجدون على التربة؟

فأجبته : ذلك عملاً بالحديث المتفق عليه باجماع جميع فرق المسلمين ، وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم : (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً). فالتراب الخالص هو الذي يجوز السجود عليه باتفاق جميع طوائف المسلمين ، ولذلك نسجد دائماً على التراب الذي اتفق المسلمون جميعاً على صحة السجود عليه ، فسألني : وكيف إتفق المسلمون عليه؟

فأجبته : أول ما جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة وأمر ببناء مسجد فيها ، هل كان المسجد مفروشاً بفرش؟ فأجابني : كلا لم يكن مفروشاً. قلت : فعلى أي شيء كان يسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمون؟ أجابني : على أرض المسجد المفروشة بالتراب. قلت : ومن بعد النبي في زمن (أبي بكر وعمر وعثمان وأمير المؤمنين علي عليه السلام ، هل كان المسجد مفروشاً بفرش؟

فأجابني : على أرض مفروشة بالتراب. فقلت : إذن جميع صلوات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت على الأرض ، وكان يسجد على التراب صحيح قطعاً ، ومعاشر ال شيعة إذ تسجد على التراب تأسياً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فتكون صلواتهم صحيحة قطعاً.

فأورد عليَّ : بأنّ الشيعة لم لا تسجد على غير التربة التي يحملونها معهم من سائر مواضع الأرض ، أو غيرها من التراب؟

١٨٨

فأجبته :

أولاً ـ إنّ الشيعة تجوز السجود على كل أرض ، سواء في ذلك المتحجر منها أو التراب.

ثانياً ـ حيث أنّه يشترط في محل السجود الطهارة من النجاسة ، فلا يجوز السجود على أرض نجسة ، أو تراب غير طاهر ، لذلك يجعلون معهم قطعة من الطين الجاف الطاهر ، تَفصّياً عن السجود على ما لا يعلم طهارته من نجاسته ، مع العلم أنّهم يجوزون السجود على التربة أو أرض لا يعلم نجاسته.

فأورد عليَّ : إن كانت الشيعة يريدون بذلك السجود على التراب الطاهر الخالص ، فلم يحملون معهم تراباً يسجدون عليه؟

فأجبته : حيث أنّ حمل التراب يوجب وسخ الثياب ـ لأنّه أينما وضع من الثوب ، فلا بد أن يوسخه ـ لذلك تمزجه بشيء من الماء ، ثم ندعه ليجف حتى لا يوجب حمله وسخ الثوب؟ ثم إنّ السجود على قطعة من الطين الجاف أكثر دلالة على الخضوع والتواضع لله ، فإنّ السجود هو غاية الخضوع ، ولذا لا يجوز السجود لغير الله سبحانه ، فإذا كان الهدف من السجود هو الخضوع لله ، فكلما كان مظهر السجود أخفض من موضع اليدين والرجلين ؛ لأنّ ذلك أكثر دلالة على الخضوع لله تعالى.

وكذلك يستحب أن يُغفِّر الأنف بالتراب في حال السجدة ؛ لأنّ ذلك أشد دلالة على التواضع والخضوع لله تعالى ؛ ولذلك فالسجود على الأرض ؛ أو على قطعة من الطين الجاف أحسن من السجود على غيرها مما يجوز السجود

١٨٩

عليه ؛ لأنّ في ذلك وضع أشرف مواضع الجسد ـ وهو الجبهة ـ على الأرض ، خضوعاً لله تعالى ، وتصاغراً أمام عظمته.

أما أن يضع الإنسان ـ في حال السجدة ـ جبهته على سجاد ثمين ، أو على معادن كالذهب والفضة وأمثالهما ، أو على ثوب غال القيمة ؛ فذلك مما يقلل من الخضوع والتواضع ، وما أدى إلى عدم التصاغر أمام الله العظيم ، إذن ، فهل يمكن أن يعتبر السجود على ما يزيد من تواضع الإنسان أمام ربه شركاً وكفراً ، والسجود على ما يذهب بالخضوع لله تعالى تقرباً من الله ، إن ذلك إلا قول وزور؟!

ثم سألني فما هذه الكلمات المكتوبة على التربة التي تسجد الشيعة عليها؟

فأجبته :

أولاً ـ المكتوب على بعضها ، سبحان ربي الأعلى وبحمده رمزاً لذكر السجود ، وعلى بعضها أنّ هذه التربة متخذة من تراب أرض كربلاء المقدسة ، بالله عليك أسأل من فضيلتك ، هل في ذلك بأس؟ وهل يُعد ذلك شركاً؟ وهل ذلك يخرج التربة عن كونها تراباً جائز السجود عليه؟

فأجابني : كَلّا!

ثم سألني : ما هذه الخصوصية في تربة أرض كربلاء ، حيث أنّ أكثر الشيعة مقيدين بالسجود عليها مهما أمكن؟

قلت : السر في ذلك ، أنّه ورد في ال حديث الشريف : (السجود على التربة الحسينية يخرق السماوات السبع .. الخ) (٢٣٥). يعني أنّ السجود عليها يوجب قبول

__________________

(٢٣٥) ـ هذا ال حديث منقول بالمعنى ، والموجود في النص هكذا : (السجود على تربة أبي عبد الله (ع) ، يخرق الحجب السبع).

١٩٠

الصلاة وصعودها إلى السماء ، وما ذلك إلا لإدراك أفضلية ، ليست في تربة غير كربلاء المقدسة.

فأورد عليَّ : هل السجود على تربة الحسين تجعل الصلاة مقبولة عن دالله تعالى ، ولو كانت الصلاة باطلة؟

فأجبته : أنّ الشيعة تقول : بأنّ الصلاة الفاقدة لشرط من شرائط الصحة باطلة غير مقبولة ، ولكن الصلاة الجامعة لجميع شرائط الصحة ، قد تكون مقبولة عند الله تعالى ، وقد تكون غير مقبولة ـ أي لا يثاب عليها ـ ، فاذا كانت الصلاة الصحيحة على تربة الحسين ؛ قبلت ويثاب عليها ، فالصحة شيء ، والقبول شيء آخر.

فسألني : وهل أرض كربلاء المقدسة أشرف من جميع بقاع الأرض ، حتى من أرض مكة المعظمة ، والمدينة المنورة ، حتى يكون السجود عليها أفضل؟

فقلت : وما المانع من ذلك؟

قال : إنّ تربة مكة التي لم تزل منذ نزول آدم عليه السلام إلى الأرض كعبة ، وأرض المدينة التي تحتضن جسد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، تكونان في المنزلة دون منزلة كربلاء ، قال : هذا أمر غريب! وهل الحسين بن علي أفضل من جده الرسول؟

قلت : إنّ عظمة الحسين من عظمة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وشرف الحسين من شرف الرسول ، ومكانة الحسين عند الله تعالى إنما هي لأجل أنّه إمام سار على دين جده الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، حتى استشهد في ذلك لا .. ليست منزلة الحسين إلا جزءاً من منزلة الرسول ، ولكن حيث أنّ الحسين عليه السلام قتل هو وأهل بيته

١٩١

وأنصاره في سبيل إقامة الإسلام ، وإرساء قواعده ، وحفظها عن تلاعب متبعي الشهوات ، عَوّضه الله تعالى باستشهاده ثلاثة أمور :

١ ـ إستجابة الدعاء تحت قبته.

٢ ـ الأئمة من ذريته.

٣ ـ الشفاء في تربته (٢٣٦).

فعظم الله تعالى تربته ؛ لأنّه قتل في سبيل الله أفجع قتلة ، وقتل معه أولاده وأخوته وأصحابه ، وسبي حريمه وغير ذلك من المصائب التي نزلت به من أجل الدين ، فهل في ذلك مانع؟ أم هل في تفضيل تربة كربلاء على سائر بقاع الأرض حتى على أرض المدينة ، معناه أنّ الحسين عليه السلام أفضل من جده الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، بل الأمر بالعكس ، فتعظيم تربة الحسين تعظيم للحسين ، وتعظيم الحسين عليه السلام تعظيم لله ولجده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقام أحدهم عن مجلسه وعليه آثار البشاشة والسرور ، فحمدني كثيراً ، وطلب مني بعض مؤلفات الشيعة ، بعد أن قال : مولاي إفادتك ، هذا صحيح وأني كنت أتخيل أنّ الشيعة يفضلون حتى على جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والآن عرفت الحقيقة ، وأشكرك على هذه المناظرة اللطيفة والإلتفاتات الطيبة التي زودتنا بها ، وسوف أحمل معي أبداً قطعة من أرض كربلاء المقدسة لأسجد عليها أينما صليت ، كما أني سأدع السجود على غير التراب ، ومخصوصاً التربة الحسينية» (٢٣٧).

__________________

(٢٣٦) ـ هذا مأخوذ من حديث محمد بن مسلم ، حيث قال : سمعت أبا جعفر ، وجعفر بن محمد (ع) يقولان (إنّ الله تعالى عَوّض الحسين (ع) من قتله ، أن جعل الإمامة في ذريته ، والشفاء في تربته ، واجابة الدعاء عند قبره ، ولا تُعدُّ أيام زائريه جائياً وراجعاً من عمره .. الخ) ـ راجع بحار الأنوار للمجلسي : ج ٤٤ / ٢٢١.

(٢٣٧) ـ الأنطاكي ، الشيخ محمد مرعي : لماذا اخترت مذهب أهل البيت / ٣٤١.

١٩٢

٤ ـ الدكتور التيجاني مع الشهيد الصدر :

يقول الدكتور التيجاني : «سألته بعد ذلك عن التربة الحسينية التي يسجدون عليها ، والتي يسمونها بـ(التربة الحسينية).

أجاب قائلاً : يجب أن يُعرف قبل كل شيء أننا نسجد على التراب ، ولا نسجد للتراب ـ كما يتوهم البعض الذين يشهرون بالشيعة ـ فالسجود هو لله سبحانه وتعالى وحده ، والثابت عندنا وعند أهل السنة أيضاً أنّ أفضل السجود على الأرض ، أو ما أنبتت الأرض من غير المأكول ، ولا يصح السجود على غير ذلك ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفترش التراب ، وقد إتخذ له خمرة من التراب والقش يسجد عليها ، وعَلّم أصحابه ـ رضوان الله عليهم ـ فكانوا يسجدون على الأرض ، وعلى الحصى ، ونهاهم أن يسجد أحدهم على طرف ثوبه ، وهذا من المعلومات بالضرورة عندنا. وقد إتخذ الإمام زين العابدين وسيد الساجدين علي بن الحسين عليهما السلام تربة من قبر أبيه أبي عبد الله عليه السلام باعتبارها تربة زكية طاهرة ، سالت عليها دماء سيد الشهداء ، وإستمر على ذلك شيعته إلى يوم الناس هذا ، فنحن لا نقول بأنّ السجود لا يصَحّ إلا عليها ، بل نقول بأنّ السجود يصَحّ على أي تربة أو حجرة طاهرة ، كما يصح على الحصير والسجاد المصنوع من سعف النخيل وما شابه ذلك» (٢٣٨).

٥ ـ المستر رايلي مع سكرتير وزارة المعارف العراقية

يقول الدكتور عبد الجواد الكليدار : «وقبل ذلك حوالي عام ١٩٢٢ ـ ١٩٢٣ ، زار كربلاء المستر رايلي وكيل مستشار المعارف ، إذ ذاك يصحبه

__________________

(٢٣٨) ـ التيجاني ، الدكتور محمد السماوي : ثم اهتديت / ٦٦.

١٩٣

سكرتير الوزارة ، وكان الرجل بالأصل قِسّاً يتتبع مثل هذه الأمور ، ولا سيما في بغداد كانوا قد أدخلوا في ذهنه بعض المسائل ، فعندما كان يتجول في أسواق كربلاء ، وصل إلى حانوت لبيع الترب على الزائرين ، فسأل السكرتير مستغرباً ، كأنّه لا يعرف ذلك : ما هذا الذي يبيعونه في هذا الحانوت؟

فأجابه السكرتير إرتجالاً ، هذه تربة كربلاء ، وهي مثل حصى كنيسة القديس بطرس عندكم ، التي تباع كل واحدة منها بفرنك واحد ـ أي بدرهم ـ على الزائرين.

وما كان ينتظر المستشار هذا الجواب الفجائي غير المنتظر ، فضحك وقال : صدقت ، نحن أيضاً في أوروبا عندنا مثل هذه العوائد ولا غرابة في ذلك ، إذ أنّ كل من يزور تلك الكنيسة في روما يشتري من حصاها للتبرك والإستشفاء ، فتجد أنّ مثل هذه العادات في تقديس بعض الأشياء الدينية لا تخلو منها أمة ، وحتى الأمم الأوروبية المتحضرة الراقية توجد بأكثر من ذلك» (٢٣٩).

٦ ـ الأستاذ محمد خير (٢٤٠) مع خصوم الشيعة :

يقول الأستاذ محمد خير : «ومما يثير أعداء الشيعة عليهم ، هو قولهم : أنّ الشيعة يخالفون جمهور أهل السنة لسجودهم على أحجار من الطين ، يحملونها في جيوبهم ويقدسونها تقديسا. والحقيقة أنّ الشيعة يحملون ألواحاً من الطين من التربة التي دفن فيها سيدنا الحسين ، ويتبركون بها عند سجودهم.

__________________

(٢٣٩) ـ الكليدار ، الدكتور عبد الجواد : تاريخ كربلاء وحائر الحسين (ع) / ١٣٦.

(٢٤٠) ـ محمد أحمد حامد محمد خير ، سوداني مالكي المذهب ، أشعري العقيدة ، ينتمي إلى أسرة دينية عريقة في العلم في منطقة الخندق بالشمالية ، إلتحق بجامعة الخرطوم ـ كلية الاقتساد ـ وتخرج منها عام ١٩٨١ م ، تلقى العلوم الدينية على يد عدد من العلماء.

١٩٤

وتفسير هذه المسألة بسيط جداً ، وهو أنّ الشيعة ـ حسب المذهب الجعفري ـ يعتقدون أنّ السجود على الأرض ، أو ما خرج منها واجب ، وهم لم ينفردوا بهذا الرأي ، بل أنّ الراجح من مذهب السادة المالكية أنّ السجود على الأرض أفضل ، ولذلك فهم يعملون هذه الأحجار ، ويسجدون عليها حيثما ذهبوا. أما القول بأنّ هذه الأحجار من تربة كربلاء ، وأنهم يتبركون بها ؛ فلا بأس من ذلك .. فقد تواتر عند الأئمة من أهل البيت ، أنهم كانوا يسجدون على تربة سيدنا الحسين .. وقد روى شيخ الطائفة الطوسي : (أنّه كان للإمام الصادق بن محمد الباقر ، خريطة ديباج صفراء ، فكان إذا حضرت الصلاة صَبّها على سجادته وسجد عليها ، وقال : إنّ السجود على تربة أبي عبد الله ، يخرق الحجب السبع) (٢٤١) إنّ فضل التربة التي ضمت سيدنا الحسين ، فضل عظيم ولها خبر عجيب ، لقد كان أول من عظم هذه التربة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. فقد روى الحاكم ، والبيهقي ، وأبي نعيم عن عدد من الصحابة ، أنّ أم سلمة دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ فوجدت بيده تربة حمراء ، والحسين في حجره ، وعينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تهرقان الدموع. فقالت أم سلمة : ما هذه التربة يا رسول الله؟

فقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : أتاني جبريل فأخبرني أنّ أمتي ستقتل ابني هذا ، وأتاني بتربة من تربته حمراء) (٢٤٢).

وورد في بعض الروايات : أنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم سلم تلك التربة إلى أم سلمة ، وقال لها : (إذا رأيتها فاضت دماً فاعلمي أنّ الحسين قتل. فكانت تتعهدها ،

__________________

(٢٤١) ـ الطوسي ، الشيخ محمد بن الحسن : مصباح المتهجد / ٥١٠.

(٢٤٢) ـ خير ، محمد احمد حامد : براءة الشيعة / ٤٥ ـ ٤٦.

١٩٥

وحفظتها في قارورة إلى أن وجدتها فاضت يوم عاشوراء ، فقالت لجاريتها : إعلمي أنّ ابني قد قتل.

والمقصود أنّ تربة سيدنا الحسين تبركت بيد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأنّ فيها سرّ سيدنا الحسين وبركته ؛ إذ تغيرت بموته ، ولذا تبرك بها أتباع أهل البيت إلى يوم القيامة ، وحرم الله منها من حرم» (٢٤٣).

__________________

(٢٤٣) ـ خير ، محمد أحمد حامد : براءة الشيعة / ٤٥ ـ ٤٦.

١٩٦

البحث الثاني

قصص الرؤى

١٩٧
١٩٨

بحوث تمهيدية

١ ـ بيان حقيقة الرؤى

٢ ـ أقسام الرؤى

٣ ـ أهمية الرؤى

٤ ـ نتيجة البحث

١٩٩
٢٠٠