تربة الحسين عليه السلام الإستشفاء والتبرّك بها ـ السجود عليها دراسة وتحليل - ج ٣

الشيخ أمين حبيب آل درويش

تربة الحسين عليه السلام الإستشفاء والتبرّك بها ـ السجود عليها دراسة وتحليل - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أمين حبيب آل درويش


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥١
  الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣

ثالثاً ـ عقوبة وحرمان

١ ـ سالم العراقي

٢ ـ موسى بن عيسى الهاشمي

٣ ـ الرجل الذي أحدث على قبر الحسين

٤ ـ الصوفية

٥ ـ السامرائي

٨١
٨٢

تمهيد :

إنّ من أفض الطرق إلى الله عَزّ وجَلّ الوسيلة ، وقد حَثّ عليها القرآن الكريم في قوله : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) [المائدة / ٣٤].

إذن ، الوسلة مما عليه الشرع والعقل ، وخير وسيلة إليه عَزّ وجَلّ هم محمد وآله الأطهار ، لأنّهم عباد مكرمون ، إصطفاهم على خلقه ، وجعلهم حججاً على بريته ، وإلى هذا يشير قول ا لشاعر :

وإذا الرجال توسّلوا بوسيلة

فوسيلتي حُبّي لآل محمد

الله طَهّرَهم بفعل نبيِّهِ

وأبَانَ شِيعتَهم بطيب المولد (٨٥)

وقد جهل ذلك قوم وأنكروه ، فحرمهم الله من بركات ذلك ، وممن حُرِمُوا من تلك الخيرات والبركات أهل النفاق ، فقد روي : «أنّ أمير المدينة شكى إلى الإمام الصادق (عليه السلام) وجعاً يجده في جوفه ، فعلّمه (عليه السلام) ما يزيل عنه ذلك ، فاعترض على الإمام رجل من أهل المدينة من الهمج الرَّعَاع وقال : فعلنا هذا ـ يعني ما وصفت ـ فلم ينفعنا. فقال (عليه السلام) : إنما ينفع الله بهذا أهل الإيمان ، والتصديق برسوله ، ولا ينتفع به أهل النفاق ...» (٨٦).

وبعد هذا التمهيد نذكر بعض القصص المتعلقة بذلك كالتالي :

١ ـ سالم العراقي :

الحسين بن محمد الأزْدِي ، عن أبيه قال : «صَلّيت في جامع المدينة وإلى جانبي رجلان على أحدهما ثياب السفر ، فقال أحدهما لصاحبه : يا فلان أما

__________________

(٨٥) ـ الرضوي ، السيد محمد الرضي : التحفة الرضوية / ٢٠٩.

(٨٦) ـ نفس المصدر / ١٣٠ ـ ١٣١.

٨٣

علمت أنّ طين قبر الحسين عليه السلام شفاء من كل داء؟ وذلك أنّه كان فيّ وجع الجوف ، فتعالجت بكل دواء فلم أجد فيه عافية ، وخفت على نفسي وأيست منها ، وكانت عندنا إمرأة من أهل الكوفة عجوز كبيرة ، فدخلت عليّ وأنا في أشد ما بي من العلّة ، فقالت لي : يا سالم ، ما أرى عليك عِلّتكَ إلا كلّ يوم زائدة ، فقلت لها : نعم. فقالت : فهل لك أن نعالجك فتبرأ بإذن الله عَزّ وجَلّ؟ فقلت لها : ما أنا إلى شيء أحوج مني إلى هذا. فسقتني ماء في قدح ، فسكنت عني العِلّة وبرئت حتى كأن لم يكن في عِلّة قط.

فلما كان بعد أشهر دخلت عَليّ العجوز ، فقلت لها : بالله عليك يا سلمة ـ وكان إسمها سلمة ـ بماذا داويتني فقال : بواحدة مما في هذه السبحة ، من سبحة كانت في يدها ، فقلت : وما هذه السبحة؟

فقالت : إنّها من طين قبر الحسين عليه السلام. فقلت لها : يا رَافضِيّة داويتني بطين قبر الحسين عليه السلام؟! فخرجت من عندي مغضبة ورجعت والله عِلتِي كأشدّ ما كانت ، وأنا أقاسي منها الجهد والبلاء ، وقد والله خشيت على نفسي ، ثم أذّن المؤذّن فقاما يصليان وغابا عني» (٨٧).

٢ ـ موسى بن عيسى الهاشمي :

«عن محمد بن موسى الشريعي ، عن أبيه موسى بن عبد العزيز قال : لقيني يوحنا ابن سراقيون النصراني المتطبب في شارع أبي أحمد فاستوقفني وقال لي : بحق نبيك ودينك من هذا الذي يزور قبره قوم منك بناحية قصر ابن هبيرة؟ من هو؟ من أصحاب نبيك؟ قلت : ليس من أصحابه ، هو ابن بنته ، فما دعاك إلى المسألة لي عنه؟ فقال له : عندي حديث طريف. فقلت : حدثني به.

__________________

(٨٧) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٤٥ / ٣٩٩.

٨٤

فقال : وَجّه إليّ سَابُور الكبير الخادم الرشيدي في الليل فصرت إليه فقال : تعال معي ، فمضى وأنا معه حتى دخلنا على موسى بن عيسى الهاشمي فوجدناه زائل العقل متكئاً على وساده ، وإذا بين يده طست فيه حشو جوفه ، وكان الرشيد إستحضره من الكوفة.

فأقبل سَابُور على خادم كان من خَاصّة موسى فقال له : ويحك ما خبره؟ فقال له أخبرك إنّه كان من ساعته جالساً وحوله ندماؤه ، وهو من أصح الناس جسماً وأطيبهم نفساً ؛ إذ جرى ذكر الحسين بن علي عليه السلام قال يوحَنّا : هذا الذي سألتك عنه. فقال موسى : إنّ الرافضة ليغلون فيه حتى أنّهم فيما عرفت يجعلون تربته دواء يتداوون به ، فقال له رجل من بني هاشم كان حاضراً : قد كانت فيّ عِلّة غليلة ، فتعالجت لها بكل علاج فما نفعني حتى وصف لي كاتبي أن خذ من هذه التربة ، فأخذتها فنفعني الله بها وزال عني ما كنت أجده. قال : فبقي عندك منها شيء؟ قال : نعم ، فوجّه فجاءه منها بقطعة فناولها موسى بن عيسى ، فأخذها موسى فاستدخلها دبره إستهزاء بمن تداوى بها ، وإحتقاراً وتصغيراً لهذا الرجل الذي هي تربته ـ يعني الحسين عليه السلام ـ فما هو إلا أن إستدخلها دبره ، حتى صاح : النار النار ، الطست الطست. فجئناه بالطست فأخرج فيها ما ترى. فانصرف الندماء ، وصار المجلس مأتماً فأقبل عليّ سابور فقال : إنظر هل لك فيه حيله؟ فدعوت بشمعة فنظرت ، فإذا كبده وطحاله وريته وفؤاده خرج منه في الطست ، فنظرت إلى أمر عظيم ، فقلت : ما لأحد في هذا صنع إلا أن يكون لعيسى الذي كان يحيي الموتى ، فقال لي سابور : صدقت ولكن كن ههنا في الدار إلى أن يتبين ما يكون من أمره ، فبتُّ عندهم وهو بتلك الحال ما رفع رأسه ، فمات في وقت السحر. قال محمد بن موسى :

٨٥

قال لي موسى بن سريع : كان يُوحَنّا يزور قبر ال حسين وهو على دينه ، ثم أسلم بعد هذا وحسن إسلامه» (٨٨).

٢ ـ الرجل الذي أحدث على قبر الحسين (عليه السلام) :

«كتابي ابن بطة والنطنزيّ : روى عبد الرحمان بن احمد بن حنبل ، بإسناده عن الأعمش قال : أحدث رجل على قبر الحسين عليه السلام ، فأصابه وأهل بيته جنون وجذام وبرص ، وهم يتوارثون الجذام إلى الساعة» (٨٩).

٤ ـ الصوفية :

قال السيد نعمة الله الجزائري (قده) : «واعلم أنّ مشايخ الصوفية إنما يستعملون سبحة الخشب إقتداء بأسلافهم من صوفية أهل الخلاف ، وسألت : شيخاً منهم عن إستعمال سبحة الخشب فقال : إنّها أخف وأنظف من التربة الحسينية ؛ لأنها توسخ اليد ، مع أنّها ثقيلة في الوزن. وقد عميت بصيرته عن أن وسخ السبحة الحسينية ، إنما هو عنبر إلهي خرج من تربة حسينية. أما أنا فأكثر إستعمالي السبحة الحسينية قبل الطبخ لقربها إلى ترابه عليه السلام ، وتمحضها له ، وأما المطبوخة ؛ فقال بعضهم : إنّها تستحيل بالطبخ وتخرج عن التراب ، ولا ريب أنّها أفضل من المطبوخة والكل حسن» (٩٠).

٥ ـ السامرائي :

قال عبد المنعم السامرائي : «ونتيجة هذا التفضيل ، فإنّ الرافضة جعلت من تربة قبر ال حسين الشفاء من كل داء ، وإنهم يتداوون بها ، ولها من المنزلة

__________________

(٨٨) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٤٥ / ٣٩٩ ـ ٤٠١.

(٨٩) ـ نفس المصدر / ٤٠١.

(٩٠) ـ الجزائري ، السيد نعمة الله : زهر الربيع / ٣٠٣.

٨٦

الشيء الكثير ، ولقد رأيت أثناء زيارتي لكربلاء في شعبان ١٤١٠ هـ ، التزاحم الكثير حول قبر الحسين (رضي الله عنه) ، ورأيت بعض القبوريين يجمع التراب عند قبره (رضي الله عنه) ، فسألته عن سبب هذا الإهتمام ، فأخبرني بأنّ هذا التراب شفاء من كل داء. فقتل له : إذا كان العلاج يتم بواسطة هذا التراب ، فلماذا المستشفيات والمراكز الصحية المفتوحة لعلاج الناس؟ فنظر إليّ نظرة ملؤها الإنكار والإستخفاف وقال لي : يبدو أنك من غير الشيعة. فأجبته ـ بعد حمد الله تعالى ـ أنني لست كذلك. ونضع بين يدي القراء الكرام نماذج من تلك المرويات التي تقدس تلك التربة. مقترحين على وزارة الصحة في العراق ، وأيضاً إيران وبعض دول الخليج العربي ، إغلاق المستشفيات وكليات الطب والإكتفاء بهذه التربة العجيبة والغريبة» (٩١).

وقال أيضاً : «ولا نملك إلا أن نقول : ما هي الطريقة المثلى لحفظ بركة هذا الطين؟ لأنّ الرافضة في عصرنا الحاضر إمتلأت أمعاءهم من ذلك الطين ، وهم مع ذلك فالمستشفيات تَغصّ بهم ، إنّ راوي هذا الإفك نسي أن يذكر تلك الطريقة ؛ لأنّ الواقع يدحض كذبه وافتراءه ، وهنيئاً للرافضة بذلك الطين المبارك. إستزيدوا قَطّع الله أمعاءكم» (٩٢).

وقال أيضاً : «وهذه الرواية مخالفة لإعتقاد الرافضة في مسألة الطين الذي يؤكل ، فقد وردت روايات متعددة تجعل من أكل الطين من غير قبر الحسين (رضي الله عنه) ، ويزعمون أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من أكل الطين فهو ملعون ، وأيضاً : (الطين كله حرام كلحم الخنزير ، ومن

__________________

(٩١) ـ السامرائي ، عبد المنعم : الرافضة وتفضيل زيارة قبر الحسين / ١٨ ـ ١٩.

(٩٢) ـ نفس المصدر / ٢٥ ـ ٢٦.

٨٧

أكله ثم مات منه لم أصلِّ عليه ، إلا طين قبر الحسين (عليه السلام) فإنّ فيه شفاء من كل داء ، ومن أكله لشهوة لم يكن فيه شفاء ، وغير ذلك من الروايات المكذوبة المتناقضة ، أعرضنا عنها خشية الإطالة ، وألى الله تعالى إلا أن يظهر كذبهم ودجلهم» (٩٣).

مناقشة المؤلف للسامرائي :

أقول : بعد عرض مقالة السامرائي المتقدمة ؛ ينبغي إيضاح ما يلي :

إنّ الدكتور عبد المنعم السامرائي يحمل شهادة جامعية عُليا ، والمعروف عن هذا الصنف من الناس سعة الثقافة ، والتحلي بالأخلاق الفاضلة ، وفي حالة الحوار مع الآخرين يتحدث بمنطق الدليل العلمي ، لكن مما يؤسف له نلاحظ أنّ الشخص المذكور ؛ خرج عن لغة الحوار العلمي واعتمد لغة العصبية ، فقد قرأت كتابه (الرافضة وتفضيل زيارة الحسين على حج بيت الله الحرام) ، فرأيت فيه لغة عامة الناس في الأسواق والشوارع العامة؟! حيث يقول في مقدمة كتابه المذكور : «إنّ مخطط الرافضة في هدم الإسلام نابع من الأسس التي بني عليها ، حيث إنّه خليط من الأحقاد اليهودية والنصرانية والمجوسية ، ولا يهدأ لهم بال إلا بعد أن يقضوا على هذا الدين الذي أضاع أمجادهم وقضى على تراثهم» (٩٤). إلى أن قال : «فتمحض هذا الأسلوب عن مولود جديد لقيط ألا وهو التشيع فكان هذا المولود باراً بآباه فنفّذ ما رُسِمَ له بإتقان» (٩٥).

__________________

(٩٣) ـ المصدر السابق / ٢٨ ـ ٢٩.

(٩٤) ـ نفس المصدر / ٦.

(٩٥) ـ نفس المصدر.

٨٨

أقول : وبعد عرض مقالته ؛ تبين لنا أنّه لو كان يملك روح الثقافة والبحث ؛ لما تعدى على أتباع أهل البيت عليهم السلام الذين مدحهم القرآن الكريم في قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَـٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) [البينه / ٧].

قال السيوطي : «وأخرج ابن عدي عن ابن عباس قال لما نزلت .. قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لعلي : هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين».

وأخرج ابن مردويه ، عن علي قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألم تسمع قول الله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَـٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) أنت وشيعتك ، موعدي وموعدكم الحوض إذا جاءت الأمم للحساب تدعون غرّا محجلين» (٩٦). إلى غير ذلك من الروايات التي ذكرها علماء العامة في كتبهم في فضل الشيعة. ثم بعد هذا التمهيد ندخل معه في الحوار التالي :

أولاً ـ إنّ قولك : «إذا كان العلاج يتم بواسطة هذا التراب ، فلماذا المستشفيات والمراكز الصحية المفتوحة لعلاج الناس؟».

يجاب عليه : بأنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حَثّ على الإستشفاء بتربة المدينة في قوله (غبار المدينة شفاء من الجذام) (٩٧). وقوله (إنّ في غبارها شفاء من كل داء) (٩٨) ، إلى غير ذلك من الروايات التي ذكرها علماء العامة في كتبهم ، وقد أشرنا إلى ذلك في الجزء الأول من هذه الموسوعة. وعلى هذا يمكن القول : فلماذا

__________________

(٩٦) ـ السيوطي ، جلال الدين عبد الرحمن : الدر المنثور ، ج ٧ / ٥٨٩.

(٩٧) ـ المتقي الهندي ، علاء الدين : كنز العمال ، ج ١٣ / ٢٠٥ ، والسمهودي ، السيد نور الدين : وفاء الوفا ، ج ١ / ٦٧ ـ ٦٨.

(٩٨) ـ نفس المصدر.

٨٩

المستشفيات والمراكز الصحية المفتوحة لعلاج الناس ، مع علم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بذلك يا دكتور؟!

قانياً ـ قولك : «ولا نملك إلا أن نقول : ما هي الطريقة المثلى لحفظ بركة هذا الطين؟ لأنّ الرافضة في عصرنا الحاضر إمتلأت أمعاءهم من ذلك الطين ... الخ».

يجاب عنه : ماذا نصنع وقد روى علماؤكم كيفية إهتمام الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بهذه التربة الطاهرة حسب تعليمات وأوامر ذي الجلال بذلك ، عن طريق جبرئيل عليه السلام حينما سلّمه تلك التربة الطاهرة ، ثم أعطاها لأم سلمة (رضي الله عنها) ، فما ذنب الشيعة في ذلك حينما ساروا على نهج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الكرام عليهم السلام؟!.

ثالثاً ـ قولك : «وهذه الرواية مخالفة لإعتقاد الرافضة في مسألة الطين الذي يؤكل ... الخ» يتضح الجواب من خلال ما يلي :

١ ـ إنّ الرواية ليست مخالفة لإعتقادنا في مسألة الذي يؤكل ، وقد تقدم في الجزء الأول من هذه الموسوعة أنّ أكل الطين مُحرّم عندنا إلا القليل من تربة الحسين عليه السلام بمقدار الحمصّة للإستشفاء ، والرواية التي ذكرتها موجود فيها (إلا طين قبر الحسين عليه السلام ، فإنّ فيه شفاء من كل داء ... الخ). فأين المخالفة المدعاة يا دكتور؟!.

٢ ـ على فرض أنّ الطين أكله حرام ، إلا أنّ هناك قاعدة معروفة عند الفقهاء : (الضرورات تبيح المحضورات) ، فهل قرأتها واطلعت عليها يا دكتور؟!.

٣ ـ إننا نسير على نهج أهل بيت العصمة والطهارة من آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، في تقديس هذه التربة ولا يهمنا تكذيبك لنا ؛ لأنّك لا تعتمد في دعواك على

٩٠

منهج علمي ، بل على منهج جاهلي أكل عليه الدهر وشرب ، وصدق عليه قوله تعالى : (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) [الفرقان / ٦٣].

٩١
٩٢

٢ ـ القصة الغيبية

أ ـ تعريفها.

ب ـ أقسام القصة الغيبية.

الأول ـ قصص الماضي.

الثاني ـ قصص المستقبل.

٩٣
٩٤

١ ـ تعريفها :

هي التي ترتبط في أحداثها بمصدر الوحي ؛ أي من قبيل الغيب الذي كشفه الباري عَزّ وجَلّ لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم. وقبل بحثها ودراستها ، لا بد من الإجابة على السؤال التالي :

س / ما المراد بالغيب؟

ج / الغيب لغة : «غاب الشيء في الشيء : بطن فيه واستتر ، والغيب : كل ما غاب عنك ، وسمعت صوتاً من وراء الغيب ؛ أي من موضع لا أراه» (٩٩) وعَبّر عنه الشي المجلسي (ره) : «.. الغيب : ما غاب عن الشخص ؛ إما باعتبار زمان وقوعه كالأشياء الماضية والآتية ، أو باعتبار مكان وقوعه كالأشياء الغائبة عن حواسنا في وقتنا ، وإما باعتبار خفائه في نفسه ، كالقواعد ا لتي ليست ضروريات ، ولا مستنبطة منها بالفكر ، وضد الغيب الشهادة» (١٠٠).

مما تقدم نخرج بالنتيجة التالية :

أولاً ـ إنّ علم الغيب من مختصات الباري عَزّ وجَلّ ، كما أوضحته الآيات التالية :

قال تعالى : (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ) [الأنعام / ٥٩].

وقال تعالى : (فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ) [يونس / ٢٠].

وقال تعالى : (قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) [النمل / ٦٥].

__________________

(٩٩) ـ معلوف ، لويس : المنجد في اللغة / ٥٦٣ (بتصرف).

(١٠٠) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : مرآة ال عقول ، ج ٣ / ١١١.

٩٥

ثانياً ـ إنّ الأنبياء والملائكة عندهم علم الغيب ، كما في الآيات الآتية : قال تعالى : (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَـٰكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ) [آل عمران / ١٧٩].

وقال تعالى : (قُل لَّا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ) [الأنعام / ٥٠]. وقال تعالى : (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا) [الجن / ٢٦ ـ ٢٧].

فالمستفاد من هذه الآيات أنّ منصب النبوة والرسالة يستدعي العلم بالغيب لمصلحة تبليغ الرسالات ، وإلى هذا تشير الآيات التالية :

قال تعالى : (وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَـٰذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ) [هود / ١٢٠]. وقال تعالى : (تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـٰذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) [هود / ٤٩]. وقال تعالى : (ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْقُرَىٰ نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ) [هود / ١٠٠].

ثالثاً ـ حصر علم الغيب في أمور خمسة ، كما في الآية التالية :

قال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [لقمان / ٣٤].

وبعد بيان هذه الأمور الثلاثة المتقدمة ؛ نطرح السؤال التالي :

س / إنّ حصر الغيب في الله عَزّ وجَلّ ، ثم حصر الغيب في أمور خمسة خلاف ما تقدم ، فما وجه الجمع بينهما؟.

ج / لا يمكن الإجابة على ذلك بما لي :

٩٦

١ ـ أن يكون المراد بالأدلة الحاصرة للغيب في الله سبحانه النافية عن غيره ، أنّه سبحانه عالم به بذاته ، أما بالنسبة لغيره ، فبعلم مستفاد منه سبحانه بوحي أو إلهام ، أو نكث في القلوب ، ونقر في الأسماع أو غير ذلك من جهات العلم.

٢ ـ ما ذكره الشيخ المجلسي (قده) : «وأما الخمسة التي وردت في الآية ؛ فتحتمل وجوهاً :

الأول ـ أن يكون المراد أنّ تلك الأمور لا يعلمها على التعيين والخصوص إلا الله تعالى ، فإنّهم إذا أخبروا بموت شخص في اليوم الفلاني ، فيمكن أن لا يعلموا خصوص الدقيقة التي تفارق الروح الجسد فيها مثلاً ، ويحتمل أن يكون ملك الموت أيضاً لا يعلم ذلك.

الثاني ـ أن يكون العلم الحتمي بها مختصاً به تعالى ، وكل ما أخبر الله به من ذلك كان محتملاً للبداء.

الثالث ـ أن يكون المراد عدم علم غيره تعالى بها إلا من قبله ، فيكون كسائر الغيوب ، ويكون التخصيص بها لظهور الأمر فيها أو لغيره.

الرابع ـ ما أومأنا إليه سابقاً ؛ وهو أنّ الله تعالى لم يُطْلِع على تلك الأمور كلية أحداً من الخلق على وجه لا بداء فيه ، بل يرسل علمها على وجه الحتم في زمان قريب من حصولها كليلة القدر ، أو أقرب من ذلك. وهذا وجه قريب تدل عليه الأخبار الكثيرة ؛ إذ لا بد من علم ملك الموت بخصوص الوقت ، كما ورد في الأخبار ، وكذا ملائكة السحاب والمطر بوقت نزول المطر ، وكذا المدبرات من الملائكة بأوقات وقوع الحوادث» (١٠١).

__________________

(١٠١) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٢٩ / ١٠٣ ـ ١٠٤.

٩٧

س / ما هي عقيدتنا في الغيب؟

ج / تتمثل عقيدتنا في الغيب من خلال ما يلي :

إنّ أغلب ما يعتقده المؤمن يرجع إلى الغيب ؛ كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، والحياة بعد الموت والبعث والنشور ونفخ الصور ، وجنتة ونار إلى آخر ما آمن به وصَدّقه فكل هذا من الغيب ، وقد أشارت إليه الآيات القرآنية ، وبذلك عَرّف الله المؤمن كما في قوله تعالى : (إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ) [فاطر / ١٨]. وقوله تعالى : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) [البقرة / ٣]. وقوله تعالى : (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَـٰنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ) [مريم / ٦١].

والنتيجة التي توصلنا إليها : أنّ الأنبياء والأولياء والمؤمنين يعلمون الغيب بنصّ من الكتاب العزيز لكل منهم نصيب من العلم على حسب مراتبهم ، إلا أنّ علمهم مهما بلغ فهو محدود ـ كمّاً وكيفاً.

س : يفهم من عقيدة الشيعة الإمامية أنّهم يَدّعون أنّ أئمتهم يشاركون الله عَزّ وجَلّ في صف علم الغيب وعلم ما كان وما سيكون ، وأنّه لا يخفى عليهم شيء ، والمسلمون كلهم يعلمون أنّ الأنبياء والمرسلين لم يكونوا يشاركون الله في هذه الصفة ، فما الدليل على ذلك؟

ج / يتضح الجواب على هذا السؤال من خلال عرض أقوال علماء الإمامية كما يلي :

الشيخ المفيد (٣٣٦ ـ ٤١٣ هـ)

«إنّ الأئمة من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم قد كانوا يعرفون ضمائر بعض العباد ، ويعرفون ما يكون قبل كونه ، وليس ذلك بواجب في صفاتهم ولا شرطاً في

٩٨

إمامتهم ، وإنّما أكرمهم الله تعالى به وأعلمهم إياه للطف في طاعتهم والتمسك بإمامتهم ، وليس ذلك بواجب عقلاً ، ولكنه وجب لهم من جهة السماع. فأما إطلاق القول عليهم بأنهم يعلمون الغيب ؛ فهو منكر بَيّن الفساد ، لأنّ الوصف بذلك إنما يستحقه من علم الأشياء بنفسه لا يعلم مستفاد ، وهذا لا يكون إلا الله ـ عَزّ وجَلّ ـ وعلى قولي هذا جماعة أهل الإمامة إلا من شدّ عنهم من المفوّضة ومن إنتمى اليهم من الغلاة» (١٠٢).

الشيخ الطبرسي (٤٧٠ هـ ـ ٥٢٨ هـ) :

«ووجدت بعض المشايخ ممن يتسم بالعدوان والتشنيع ، قد ظلم الشيعة الإمامية في هذا الموضع من تفسيره ، فقال : هذا يدل على أنّ الله سبحانه يختص بعلم الغيب ، خلافاً لما تقول الرافضة أنّ الأئمة يعلمون الغيب ، ولا شك أنّه عنى بذلك من يقول بإمامة الإثني عشر ، ويدين بأنّهم أفضل الأنام بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فإنّ هذا دأبه وديدنه فيهم ، يشنع في مواضع كثيرة من كتابه عليهم ، وينسب الفضائح والقبائح إليهم ، ولا نعلم أحداً منهم إستجاز الوصف بعلم الغيب لأحد من الخلق ، فإنّما يستحق الوصف بذلك من يعلم جميع المعلومات لا بعلم مستفاد ، وهذه صفة القديم سبحانه العالم لذاته لا يشركه فيها أحد من المخلوقين ، ومن إعتقد أنّ غير الله سبحانه يشركه في هذه الصفة فهو خارج عن ملة الإسلام ، فأما ما نقل عن أمير المؤمنين عليه السلام ، ورواه عنه الخاص والعام من الأخبار بالغائبات في خطب الملاحم وغيرها .. وما نقل من هذا الفن عن أئمة الهدى (عليهم السلام) .. فإنّ جميع ذلك متلقى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مما أطلعه الله عليه ، فلا معنى لنسبة من روى عنهم هذه الأخبار المشهورة ، إلى أن يعتقد

__________________

(١٠٢) ـ المفيد ، الشيخ محمد بن محمد العبكري : أوائل المقالات / ٦٧.

٩٩

كونهم عالمين للغيب ، وهل هذا إلا سبب قبيح وتضليل لهم بل تكفير لا يرتضيه من هو بالمذاهب خبيرة ، والله يحكم بينه وبينهم وإليه المصير؟!» (١٠٣).

الشيخ المجلسي (١٠٣٧ ـ ١١١١ هـ) :

«قد عرفت مراراً أنّ نفي علم الغيب عنهم معناه أنهم لا يعلمون ذلك من أنفسهم بغير تعليمه تعالى بوحي أو إلهام ، وإلا فظاهر أنّ عمدت معجزات الأنبياء والأوصياء عليهم السلام من هذا القبيل. وأحد وجوه إعجاز القرآن أيضاً إشتماله على الأخبار بالمغيبات ، ونحن أيضاً نعلم كثيراً من المغيبات بإخبار الله تعالى ورسوله والأئمة عليهم السلام ، كالقيامة وأحوالها والجنة والنار والرجعة وقيام القائم عليه السلام ونزول عيسى وغير ذلك من أشراط الساعة ، والعرش والكرسي والملائكة» (١٠٤).

وبعد عرض أقوال علماء الإمامية ؛ تبين لنا عقيدتهم الواضحة في أنّ العلوم والإخبارات الغيبية ، إنما أخذها أئمة أهل البيت عليهم السلام عن جدهم سيد الرسل عن الباري عَزّ وجَلّ ، ولا يستلزم هذا المشاركة في صفاته تعالى ، وهذه العقيدة واضحة البيان في كتابه العزيز في قوله تعالى : (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ) [آل عمران / ٤٩]. فلم يقل أحد من المسلمين أنّ عيسى عليه السلام قد شارك الباري عَزّ وجَلّ في صفته الخالقية؟!.

وكذلك قوله تعالى : (قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) [السجدة / ١١]. فلم يعترض أحد على ملك الموت بأنّه شارك الباري في هذه الصفة أنّه المميت؟!

__________________

(١٠٣) ـ الطبرسي ، الشيخ ابو علي الفضل بن الحسن : مجمع البيان في تفسير القرآن ، ج ٥ / ٢٦٤ ـ ٢٦٥.

(١٠٤) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٢٦ / ١٠٣.

١٠٠