الشيخ أمين حبيب آل درويش
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٤
عن الحارث الأعور ، قال : (قال علي عليه السلام : بأبي وأمي الحسين المقتول بظهر الكوفة ، والله لكأني أنظر إلى الوحش مادة أعناقها على قبره ، من أنواع الوحش يبكونه ويرثونه ليلاً حتى الصباح ، فإذا كان ذلك فإياكم والجفاء) (٢٤٦).
ولكن قد يسأل البعض ويقول : إنّ بعض الروايات تذكر أن المدفون بظهر الكوفة هو رأس الحسين عليه السلام ، فلعل المراد من الرواية السابقة هو ذلك؟
هناك ثلاث روايات تحتاج إلى إيضاح ، وهي كالتالي :
الأولى ـ عن يزيد بن عمر بن طلحة ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام ـ وهو بالحيرة ـ : (أما تريد ما وعدتك ، قال : قلت : بلى ـ يعني الذهاب إلى قبر أمير المؤمنين عليه السلام ـ ، قال : فركب وركب إسماعيل ابنه معه ، وركبت معهم ، حتى إذا جاز الثوية ، وكان بين الحيرة والنجف عند ذكوات بيض ، ونزل إسماعيل ونزلت معهم ، فصلّى وصلّى إسماعيل وصليت ، فقال إسماعيل : قم فسلم على جدك الحسين بن علي (عليهما السلام). فقلت : دعلت فداك ، أليس الحسين عليه السلام بكربلاء؟ فقال : نعم ، ولكن لما حمل رأسه إلى الشام ؛ سرقه مولى لنا فدفنه بجنب أمير المؤمنين عليه السلام) (٢٤٧).
الثانية ـ عن أبان بن تغلب ، قال : (كنت مع أبي عبد الله عليه السلام فمرّ بظهر الكوفة فنزل وصلّى ركعتين ، ثم تقدم قليلاً ، فصلّى ركعتين ، ثم سار قليلاً ، فصلى ركعتين ، ثم قال : هذا موضع قبر أمير المؤمنين عليه السلام ،
__________________
(٢٤٦) ـ بن قولويه ، الشيخ جعفر بن محمد : كامل الزيارات / ١٦٥ (باب ٢٦ ـ حديث ٣).
(٢٤٧) ـ نفس المصدر / ٨٣ (الباب ٩ ـ حديث ٤).
قلت : جعلت فداك ، فما الموضعين الذين صليت فيهما؟ قال : موضع رأس الحسين عليه السلام ، وموضع منبر القائم) (٢٤٨).
الثالثة ـ عن علي بن أسباط ، رفعه ، قال أبو عبد الله عليه السلام : (إنك إذا أتيت الغريّ رأيت قبرين ، قبراً كبيراً وقبراً صغيراً ، فأما الكبير ؛ فقبر أمير المؤمنين ، وأما الصغير ، فرأس الحسين بن علي (عليهما السلام)) (٢٤٩).
وبعد عرض هذه الروايات ، نستنتج ما يلي :
١ ـ بناء على الرواية الأولى ذهب بعض العلماء إلى القول بدفن الرأس بجنب أمير المؤمنين عليه السلام وعلى هذا يشير الشيخ عباس القمي (ره) بقوله : «والذي اشتهر بين علمائنا الإمامية ، أنه إما دفن مع جسده الشريف ، رده علي بن الحسين (عليه السلام) ، وأنه دفن عند أمير المؤمنين (عليه السلام) ، كما في أخبار كثيرة» (٢٥٠).
٢ ـ قال الشيخ محمد بن حسن النجفي (قده) : «وقال يونس بن ظبيان : (إنّ الصادق عليه السلام ركب وركبت معه حتى نزل عند الذكوات الحمر ، وتوضأ ثم دنى إلى أكمة فصلى عندها وبكى ، ثم مال إلى أكمة دونها ففعل مثل ذلك. ثم قال : الموضع الذي صَلّيت عنده أولاً ، موضع قبر أمير المؤمنين عليه السلام ، والآخر موضع رأس الحسين عليه السلام ، وأنّ ابن زياد (لعنه الله) لما بعث برأس الحسين بن علي عليهما السلام) إلى الشام ؛ بعثه إلى الكوفة ، فقال :
__________________
(٢٤٨) ـ المصدر السابق / ٨٣ (حديث ٥).
(٢٤٩) ـ نفس المصدر / ٨٤ (حديث ٦).
(٢٥٠) ـ القمي ، الشيخ عباس : نفس المهموم / ٤٢٥.
أخرجوه منها لا يفتتن به أهلها ، فصيّره الله تعالى عند أمير المؤمنين عليه السلام فدفن ، فالرأس مع الجسد ، والجسد مع الرأس» (٢٥١).
لكن عن ابن طاووس : «أنّ رأس الحسين عليه السلام أعيد فدفن مع بدنه بكربلاء ، وذكر أنّ عمل العصابة على ذلك؟ ولعلّه لا منافاة لإمكان دفنه مدة ، ثم نقل إلى كربلاء. ولا بأس بالصلاة وزيارته بمكان وضعه.
قال مفضل بن عمر : (جاز الصادق عليه السلام بالقائم المائل في طريق الغري ، فصلى عنده ركعتين ، فقيل له : ما هذه الصلاة؟ فقال : هذا موضع رأس جدي الحسين عليه السلام وضعوه هنا) (٢٥٢).
ويمكن أن يكون المكان موضع دفن الرأس الشريف بعد سلخه ، فإنهم لعنهم الله تعالى نقلوه بعد أن سلخوه» (٢٥٣).
ما المراد بـ(فالرأس مع الجسد ، والجسد مع الرأس)؟
يمكن توجيه هذه العبارة بما يلي :
أ ـ قال الشيخ المجلسي (ره) : «أي بعد ما دفن هناك ظاهراً ألحق بالجسد بكربلاء ، أو صعد به مع الجسد إلى السماء ، كما في بعض الأخبار ، أو أنّ بدن أمير المؤمنين صلوات الله عليه كالجسد لذلك الرأس ، وهما من نور واحد» (٢٥٤).
ب ـ وقال السيد ابن طاووس (ره) : «اعلم أنّ إعادة مقدّس رأس مولانا الحسين عليه السلام إلى جسده الشريف يشهد به لسان القرآن العظيم المنيف ، حيث
__________________
(٢٥١) ـ الحر العاملي ، الشيخ محمد بن الحسن : وسائل الشيعة ، ج ١٤ / ٤٠٢ (الباب ٣٣ ـ من أبواب المزار ـ حديث ٨).
(٢٥٢) ـ نفس المصدر / ٤٠١ (الحديث ٦).
(٢٥٣) ـ النجفي ، الشيخ محمد بن حسن : جواهر الكلام ، ج ٢٠ / ٩٣.
(٢٥٤) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٤٥ / ١٧٨.
قال الله جَلّ جلاله : (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (٢٥٥). فهل بقي شك؟ حيث أخبر الله أنّه من حيث استشهد حيّ عند ربّه مرزوق مصون ، فلا ينبغي أن يشك في هذا العارفون ، وأما كيفيّة إحيائه بعد شهادته وكيفيّة جمع رأسه الشريف إلى جسده بعد مفارقته ، فهذا سؤال يكون فيه سوء أدب من العبد على الله جل جلاله أن يُعرّفه كيفيّة تدبير مقدوراته ، وهو جهل من العبد وإقدام على ما لم يكلّف العلم به ، ولا السؤال عن صفاته» (٢٥٦).
٣ ـ المشهور بين علماء الإمامية أنّه أعيد إلى كربلاء ودفن مع الجسد الطاهر. وكذلك أشتهر عند علماء العامة ، قال السبط بن الجوزي : «أشهرها أنه رده إلى ال مدينة مع السبايا ، ثم رد إلى الجسد بكربلاء فدفن معه» (٢٥٧). وقد ذكر هذه الأقوال السيد عبد الرزاق المقرّم ، وعَقّب عليها بقوله : «وعلى هذا ، فلا يعبأ بكل ما ورد بخلافه ، والحديث بأنّه عند قبر أبيه بمرأى من هؤلاء الأعلام ، فإعراضهم عنه يدلنا على عدم وثوقهم به ؛ لأنّ إسناده لم يتم ورجاله غير معروفين» (٢٥٨).
أقول : بعد إيضاح ما تقدم ؛ تبيّن لنا أنّ كربلاء يطلق عليها ظهر الكوفة ، كما يطلق على النجف الأشرف ، إلا أنّ إطلاق هذا الإسم على قبر أمير المؤمنين أكثر.
__________________
(٢٥٥) ـ آل عمران / ١٦٩.
(٢٥٦) ـ ابن طاووس ، السيد رضي الدين : إقبال الأعمال / ٦٥.
(٢٥٧) ـ سبط ابن الجوزي ، يوسف بن فرغلي : تذكرة الخواص / ١٥٠.
(٢٥٨) ـ المقرّم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ٣٦٣.
٢٣ ـ قبر الحسين (عليه السلام) :
ورد هذا الإسم في كثير من الروايات نذكر منها التالي :
١ ـ عن داود بن فرقد قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : (ما لمن زار قبر الحسين عليه السلام في كل شهر من الثواب؟ قال : له الثواب ، مثل ثواب مائة ألف شهيد من شهداء بدر) (٢٥٩).
٢ ـ عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : (الزيارة إلى قبر الحسين عليه السلام حجة ، وبعد الحجة ، حجة وعمرة ، بعد حجة الإسلام) (٢٦٠).
٣ ـ عن أبي عبد الله عليه السلام قال : (حريم قبر الحسين عليه السلام ، خمس فراسخ من أربعة جوانب القبر) (٢٦١).
٤ ـ عن أبي عبد الله عليه السلام قال : (حرمة قبر الحسين عليه السلام ، فرسخ من أربعة جوانب القبر) (٢٦٢).
٥ ـ عن رجل من أهل الكوفة قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : (مريم قبر الحسين عليه السلام فرسخ في فرسخ في فرسخ في فرسخ) (٢٦٣).
٦ ـ عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : (سمعته يقول : قبر الحسين عليه السلام ، عشرون ذراعاً مُكَسّراً ، روضة من رياض الجنة) (٢٦٤).
__________________
(٢٥٩) ـ النوري ، ميرزا حسين الطبرسي : مستدرك الوسائل ، ج ١٠ / ٣٤٤. (باب ٥٣ من أبواب المزار ـ حديث ٢).
(٢٦٠) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٩٨ / ٣٩.
(٢٦١) ـ النوري ، ميرزا حسين الطبرسي : مستدرك الوسائل ، ج ١٠ / ٣٢٠. (باب ٥٠ من أبواب المزار ـ حديث ٣)ز
(٢٦٢) ـ نفس المصدر / ٣٢٠. (باب ٥٠ ـ من أبواب المزار ـ حديث ٢).
(٢٦٣) ـ نفس المصدر / ٣٢٠ ـ ٣٢١. (باب ٥٠ ـ من أبواب المزار ـ حديث ٥).
(٢٦٤) ـ نفس المصدر / ٣٢٠. (باب ٥٠ ـ من أبواب المزار ـ حديث ٤).
٧ ـ وروى الملا : (إنّ علياً مَرّ بقبر الحسين ـ يعني بموضع قبره ـ فقال : هاهنا مناخ ركابهم ، وهاهنا موضع رحالهم ، وهاهنا مهراق دمائهم ، فتية من آل محمد صلى الله عليه وآله ووسلم ، يقتلون بهذه العرصة ، تبكي عليهم السماء والأرض) (٢٦٥).
٢٤ ـ قُبّة الإسلام :
ورد هذا الإسم في الرواية التالية :
عن أبي عبد الله عليه السلام ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يقبر إبني بأرض يقال لها : كربلاء ؛ هي البقعة التي كانت فيها قبة الإسلام ، التي نجّا الله عليها المؤمنين الذين آمنوا مع نوح في الطوفان) (٢٦٦).
أقول : المعروف أنّ قبة الإسلام ؛ هي الكوفة كما في الرواية التالية :
«فروي عن العالم عليه السلام أنه قال : (فمن هناك تناسل الخلق ، وعقد نوح في وسط المسجد قبة ، فأدخل إليها أهله وولده والمؤمنين ، إلى أنّ مَصّر الأمصار ، وأسكن ولده البلدان ، فسميت الكوفة قبة الإسلام بسبب تلك القبة)» (٢٦٧). وهذا خلاف ما جاء في الرواية المتقدمة.
ويمكن أن يجاب عن ذلك : بأنّ قبة الإسلام ربما كانت في كربلاء ؛ وذلك حينما ناجي نوح ربه كما في الرواية التالية :
قال أبو جعفر عليه السلام : (الغاضريّة : هي البقعة التي كَلّم الله فيها موسى بن عمران ، وناجى نوحاً فيها ، وهي أكرم أرض الله عليه ، ولولا ذلك ما استودع الله فيها أولياءه وأبناء نبيه ، فزوروا قبورنا بالغاضرية) (٢٦٨).
__________________
(٢٦٥) ـ ابن حجر ، أمد بن علي الهيثمي : الصواعق الامحرقة / ١١٥.
(٢٦٦) ـ بن قولويه ، الشيخ جعفر بن محمد : كامل الزيارات / ٤٥٢.
(٢٦٧) ـ المسعودي ، علي بن حسين : إثبات الوصية / ٣١ ـ ٣٢.
(٢٦٨) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٩٨ / ١٠٨ ـ ١٠٩.
٢٥ ـ كربلاء :
قال العلامة الشيخ عبد الواحد المظفر (ره) : «كربلاء الإسم الحائز الشهرة العظيمة التي طوت الأجيال ، ولفت العصور لقداستها بما حوته من جثمان سيد شباب أهل الجنة ، وضمنته من جسد خير فتيان المسلمين قاطبة ، سيد الشهداء وسبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وريحانته الحسين ابن علي عليه السلام ، وهي في الأصل اسم لموضع خاص من مواضع هذه الأرض الواسعة الفسيحة ، غلب على الصقع بأسره ، وهو من دونها موضع قاحل ، أرضه جرداء لا نبات بها ، سوى الحلفاء وبعض الأدغال ، وليس فيها ماء في ذلك الوقت ولا سكان ، وبهذا الموضع نزل الحسين عليه السلام» (٢٦٩).
وقال الدكتور سلمان آل طعمة : «تقع كربلاء غرب نهر الفرات على حافة البادية ، وسط المنطقة الرسوبية المعروفة بأرض السواد ، وعلى شمالها الغربي مدينة الأنبار ، وعلى شرقها مدينة باب الأثرية ، وفي الغرب منها مدينة الحيرة عاصمة المناذرة» (٢٧٠).
ويرى أصحاب اللغة أن رد (كربلاء) إلى أصول عربية كالتالي :
قال ياقوت الحموي : «كَرْبَلاء : بالمد : وهو الموضع الذي قتل فيه الحسين ابن علي ـ رضي الله عنه ـ في طرف البرية عند الكوفة ، فأما اشتقاقه فالكربلة رخاوة في القدمين ، يقال : جاء يمشي مُكَرْبلاً ، فيجوز على ، هذا أن تكون أرض هذا الموضع رَخْوة فسميت بذلك ، ويقال " كَرْبلْتُ الحنطة إذ هَذّبْتَها ونقيتها ، وينشد في صفة الحنطة :
__________________
(٢٦٩) ـ المظفر ، الشيخ عبد الواحد : البطل العلقمي ، ج ٣ / ٣٢٤.
(٢٧٠) ـ آل طعمة ، السيد سلمان هادي : تاريخ مرقد الحسين والعباس / ١٧.
يحملن حمراء رسوباً للثقلْ |
|
قد غُربلت وكُرْبلَت من القَصَلْ |
فيجوز على هذا ، أنّ هذه الأرض مُنْقاة من الحصى والدَّغَل فسميت بذلك ، والكَرْبَل : اسم نبت الحُمّاض ؛ فيجوز أن يكون هذا الصنف من النبت يكثر نبته هناك فسمي به» (٢٧١).
وقال ابن منظور : «والكَرْبَل : نبت له نور أحمر مشرق ، حكاه أبو حنيفة وأنشد :
كأنّ جنى الدِّفلى يُغشّى خُدرها |
|
ونُوّارُ ضاحٍ من خُزامى وكرْبَل» (٢٧٢). |
ويرى الدكتور مصطفى جواد : «وأنا أرى محاولة ياقوت الحموي رَدَّ «كربلاء» إلى الأصول العربية غير مجدية ، ولا يصح الإعتماد عليها ، لأنّها من باب الظن والتخمين ، والرغبة الجامحة العارمة في إدارة جعل العربية مصدراً لسائر الأمكنة والبقاع ، مع أنّ موقع كربلاء خارج عن جزيرة العرب ، وأنّ في العراق كثيراً من البلدان ليست أسماؤها عربية ، كبغداد وصرورا وجوخا وبابل وكوش وبعقوبا ، وأنّ التاريخ لم ينص على عروبة اسم «كربلاء» ... ولقائل أن يقول : إنّ العرب أوطنوا تلك البقاع قبل الفتح العربي ، فدولة المناذرة بالحيرة ونواحيها ، كانت معاصرة للدولة الساسانية الفارسية ، وفي حمياتها وخدمتها؟ والجواب : إنّ المؤرخين لم يذكروا لهم إنشاء قرية سميت بهذا الإسم ـ أعني كربلاء ـ غير أنّ وزن كربلاء ألحق بالأوزان العربية ، ونقل «فَعْلَلا» إلى «فَعْللاء» في الشعر حَسْبُ. فالأول موازن لجحجحى ، وقرقرى ، وقهقهرى ، والثاني موازن لعقرباء وحرملاء ، زيد همزة كما زيد بَرْنساء.
__________________
(٢٧١) ـ الحموي ، شهاب الدين أبي عبد الله ياقوت : معجم البلدان ، ج ٤ / ٤٤٥.
(٢٧٢) ـ ابن منظور ، محمد بن مكرم : لسان العرب ، ج ١١ : ٥٨٦ ـ ٥٨٧.
وعلى حسبان «كربلاء» من الأسماء السامية الآراميّة أو البابلية ، تكون القرية من القرى القديمة الزمان كبابل وكيف لا ، وهي من ناحية «نينوى» الجنوبية (٢٧٣).
ومهما ذكر المؤرخون وأهل اللغة عن لفظة (كربلاء) ، فإنها الأرض المباركة التي ذكرتها الروايات ، ونذكر منها ما يلي :
أ ـ مرويات السنة :
١ ـ عن أم سلمة قالت : (كان جبريل عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم والحسين عليه السلام معه فبكى فتركته ، فذهب إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فقال له جبريل : أتحبه يا محمد؟ قال : نعم. قال : إنّ أمتك ستقتله ، وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها ، فبسط جناحه إلى الأرض ، فأراه أرضاً يقال لها كربلا) (٢٧٤).
٢ ـ روي من طريق الطبراني : عن أم سلمة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (إنّ جبريل كان معنا في البيت فقال : أتحبه يعني الحسين؟ فقلت : أما في الدنيا فنعم ، فقال : إنّ أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء ، فتناول جبريل من تربته فأرانيه) (٢٧٥).
٣ ـ عن أنس بن الحارث أنه قال : (سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : (إنّ ابني هذا ـ يعني الحسين ـ يقتل بأرض كربلاء ، فمن شهد منكم ذلك فلينصره. قال سحيم فخرج أنس إلى كربلاء فقتل) (٢٧٦).
__________________
(٢٧٣) ـ الخليلي ، جعفر بن الشيخ أسد الله : موسوعة العتبات المقدسة ، ج ١٣ / ١٠ ـ ١٥.
(٢٧٤) ـ الطبري ، محب الدين أحمد : ذخائر العقبى / ١٤٧.
(٢٧٥) ـ المرعشي ، السيد شهاب الدين : ملحقات احقاق الحق ، ج ١١ / ٣٤٢. (عن كنز العمال ج ٣ / ١١١ ـ حيدر آباد الدكن).
(٢٧٦) ـ نفس المصدر / ٣٨١ (عن تاريخ دمشق ، ج ٤ / ٣٣٨ ـ روضة الشام).
٤ ـ وأخرج البيهقي ، وأبو نعيم ، عن أنس قال : (إستأذن ملك المطر أن يأتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأذن له ، فدخل الحسين فجعل يقع على منكب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال الملك : أتحبه؟ قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : نعم. قال : فإنّ أمّتك تقتله وإذا شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه ، فأراه تراباً أحمر ، فأخذته أمّ سلمة فصرّته في ثوبها ، فكنا نسمع أنّه يقتل بكربلاء) (٢٧٧).
ب ـ مرويات الإمامية :
١ ـ عن عبد الله بن يحيى قال : (دخلا مع علي إلى صفين ، فلما حاذى نينوى ، نادى صبراً يا أبا عبد الله ، فقال : دخلت على رسول الله وعيناه تفيضان فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما لعينيك تفيضان؟ أغضبك أحد؟ قال : لا ، بل كان عندي جبرئيل فأخبرني أنّ الحسين يقتل بشاطئ الفرات ، وقال : هل لك أن أشمّك من تربته؟ قلت : نعم ، فمدّ يده فأخذ قبضة من تراب فأعطانيها ، فلم أملك عيني أن فاضتا ، واسم الأرض كربلاء) (٢٧٨).
٢ ـ عن محمد بن سنان عمن حدّثه ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : (خرج أمير المؤمنين عليه السلام بالناس حى إذا كان من كربلاء على مسيرة ميل أو ميلين ، فتقدم بين أيديهم حتى إذا صار بمصارع الشهداء قال : قبض فيها مائتا نبي ، ومائتا وصي ، ومائتا سبط شهداء بأتباعهم ، فطاف بها على بغلته خارجاً رجليه من الركاب ، وأنشأ يقول : مناخ ركاب ، ومصارع شهداء لا يسبقهم من كان قبلهم ، ولا يلحقهم من كان بعدهم) (٢٧٩).
__________________
(٢٧٧) ـ نفس المصدر / ٤٠٦ ـ ٤٠٧ (عن الخصايص للسيوطي ، ج ٢ / ١٢٥ ـ حيدر آباد الدكن).
(٢٧٨) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٤٤ / ٢٤٧ ـ ٢٤٨.
(٢٧٩) ـ نفس المصدر ، ج ٩٨ / ١١٦.
٣ ـ عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : سمعته يقول : (بينما الحسين بن علي عليه السلام عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، إذ أتاه جبرئيل عليه السلام فقال : يا محمد أتحبه؟ فقال : نعم. فقال : أما إن أمتك ستقتله. قال : فحزن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حزناَ شديداً. فقال له جبريل : يا رسول الله أيسرك أن أريك التربة التي يقتل فيها؟ فقال : نعم ، فخسف ما بين مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى كربلاء حتى إلتفت القطعتان هكذا ـ ثم جمع بين السبابتين ـ ، ثم تناول بجناحه من التربة وناولها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم رجعت أسرع من طرفة عين. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : طوبى لك من تربة ، وطوبى لمن يقتل فيك) (٢٨٠).
٤ ـ عن ميسرة بن عبد العزيز ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : (كتب الحسين بن علي عليه السلام ، إلى محمد بن علي عليه السلام من كربلاء : بسم الله الرحمن الرحيم ، من الحسين بن علي عليه السلام ، إلى محمد بن علي ومن قبله من بني هاشم ، أما بعد ، فكأنّ الدنيا لم تكن ، وكأنّ الآخرة لم تزل ، والسلام) (٢٨١).
٥ ـ عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام : (إنّ من أحب أن يكون مسكنة الجنة ، ومأواه الجنة ، فلا يدع زيارة المظلوم ، قلت : من هو؟ قال : الحسين بن علي صاحب كربلاء ، من أتاه شوقاً إليه ، وحباً لرسول الله ، وحباً لأمير المؤمنين ، وحباً لفاطمة عليها السلام ، أقعده الله على موائد الجنة ، يأكل معهم والناس في الحساب) (٢٨٢).
__________________
(٢٨٠) ـ بن قولويه ، الشيخ جعفر بن محمد : كامل الزيارات / ١٣٠.
(٢٨١) ـ نفس المصدر / ١٥٨.
(٢٨٢) ـ نفس المصدر / ٢٧٠.
٦ ـ عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : (إنّ الحسين صاحب كربلاء ، قتل مظلوماً مكروباً عطشاناً لهفاناً ، حق على الله عَزّ وجَلّ أن لا يأتيه لهفان ، ولا ذو عاهة ، ثم دعا عنده وتقرب بالحسين عليه السلام إلى الله عَزّ وجَلّ ، إلا نفّس الله كربته ، وأعطاه مسألته ، وغفر ذنبه ومد في عمره ، وبسط في رزقه ، فاعتبروا يا أولى الأبصار) (٢٨٣). إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة.
٢٦ ـ كرب وبلاء :
هذا الإسم ذكره الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ومن جاء بعده من أهل بيته الأطهار عليهم السلام ، حسبما نَصّت عليه الروايات التالية :
أ ـ مرويات السنة :
١ ـ وقال ابن عباس : (خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبلم وته بأيام يسيرة إلى سفر له ، ثم رجع وهو متغير اللون محمر الوجة ، فخطب خطبة بليغة موجزة ، وعيناه تهملان دموعاً ، قال فيها : أيها الناس ، إني خَلّفت فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي ؛ فساق الخطبة إلى أن قال : ألا وإنّ جبرئيل قد أخبرني ، بأنّ أمتي تقتل ولدي الحسين بأرض كرب وبلاء ، ألا فلعنة الله على قاتله وخاذله آخر الدهر) (٢٨٤).
٢ ـ وأخرج الطبراني باسناد رجال ـ أحدهما كما قال الحافظ الهيثمي ثقات ـ عن أم سلمة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالساً ذات يوم في بيتي ، قال : لا يدخل عليّ أحد ، فانتظرت فدخل الحسين ، فسمعت نشيج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدخلت ، فإذا حسين في حجره ، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يمسح جبينه وهو يبكي فقلت : والله ما
__________________
(٢٨٣) ـ المصدر السابق / ٣١٣.
(٢٨٤) ـ المرعشي : السيد شهاب الدين : ملحقات الإلحاق / ج ١١ / ٣٦٤ (عن مقتل الخوارزمي ، ج ١ / ١٦٤ ـ الغري).
عملت حين دخل. فقال : إنّ جبريل كان معنا في البتي ، فقال تحبه؟ فقلت أما في الدنيا فنعم. إن أمتك ستقتله بأرض يقال لها كربلاء ، فتناول جبريل من تربتها فأراها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فلما أحيط بحسين حين قتل قال : ما اسم هذه الأرض؟ قالوا : كربلاء ، قال : صدق الله ورسوله كرب وبلاء) (٢٨٥).
٣ ـ عن سعيد بن جبهان : (إنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتاه جبريل بتراب من تراب القرية التي يقتل بها الحسين ، فقال : اسمها كربلاء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : كرب وبلاء) (٢٨٦).
ب ـ مرويات الإمامية :
١ ـ عن ابن عباس قال : (كنت مع أمير المؤمنين عليه السلام في خرجته إلى صفين ، فلما نزل بنينوى ، هو بشط الفرات ، قال بأعلى صوته : يا ابن عباس أتعرف هذا الموضع؟ قلت له : ما أعرفه يا أمير المؤمنين ، فقال عليه السلام لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتى تبكي كبكائي «وساق الحديث إلى أن قال» : والذي نفس علي بيده ، لقد حدثني الصادق المصدق ، أبو القاسم صلى الله عليه وآله ، أني سأراها في خروجي إلى أهل البغي علينا ، هذه أرض كرب وبلاء ، يدفن فيها الحسين عليه السلام وسبعة عشر من ولدي وولد فاطمة ، وأنّها لفي السماوات معروفة ، تذكر أرض كرب وبلاء ، كما تذكر بقعة الحرمين ، وبقعة بيت المقدس ... إلخ) (٢٨٧).
__________________
(٢٨٥) ـ السمهودي ، نور الدين علي بن أحمد : جواهر العقدين / ٤٠٤.
(٢٨٦) ـ العسكري ، السيد مرتضى : معالم المدرستين ، ج ٣ / ٣٦. (عن تاريخ أبن كثير ٨ / ٢٠٠).
(٢٨٧) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار / ج ٤٤ / ٢٥٢ ـ ٢٥٣.
٢ ـ في كتاب مقتل الحسين عليه السلام لأبي مخنف : (وإنّ الحسين لمّا نزل كربلاء وأخبر بإسمها ، بكى بكاءً شديداً وقال : أرض كرب وبلاء ، قفوا ولا تبرحوا ، وحطّوا ولا ترحلوا ، فها هنا والله محط رحالنا ، وها هنا والله سفك دمائنا ، وها هنا والله تسبى حريمنا ، وها هنا والله محل قبورنا ، وها هنا والله محشرنا ومنشرنا ، وبهذا وعدني جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا خلاف لوعده) (٢٨٨).
٣ ـ وفي حديث ابن عباس عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال : (وأمّا الحسين فإنّه مني ، وهو ابني وولدي ، وخير الخلق بعد أخيه ، وهو إمام المسلمين ومولى المؤمنين ، وخليفة رب العالمين ، وغياث المستغيثين ، وكهف المستجيرين ، وحجة الله على خلقه أجمعين ، وهو سيّد شباب أهل الجنّة ، وباب نجاة الأمة أمره أمري ، وطاعته طاعتي ، ومن تبعه فإنّه مني ، ومن عصاه فليس مني ، وإني لما رأيته تذكرت ما يصنع به بعدي ، كأنّي به وقد إستجار بحرمي وقبري فلا يُجار ، فأضمّه في منامه إلى صدري ، وأمره بالرحلة عن دار هجرتي ، وأبشره بالشهادة ، فيرتحل عنها إلى أرض مقتله ، وموضع مصرعه أرض كرب وبلاء ، وقتل وفناء ، تنصره عصابة من المسلمين ، أولئك من سادة شهداء أمتي يوم القيامة ، كأنّي أنظر إليه وقد رُمي بسهم فخرّ عن فرسه صريعاً ، ثم يذبح كما يذبح الكبش مظلوماً) (٢٨٩).
٤ ـ عن إبراهيم بن أبي محمود ، قال الرضا عليه السلام : (إنّ المحرّم كان أهل الجاهلية يُحرّمون فيه القتال ، فاستحلّت فيه دماؤنا ، وهُتِكَت فيه حرمتنا ، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا ، وأضرمت النيران في مضاربنا ، وانتهب ما فيها من ثقلنا ،
__________________
(٢٨٨) ـ الحويزي ، الشيخ عبد علي بن جمعة العروسي : تفسير نور الثقلين ، ج ٥ / ٤٤٢.
(٢٨٩) ـ الصدوق : الشيخ محمد بن علي بن بابويه : أمالي الصدوق / ٤٧٩ ـ (المجلس ٨٧ ـ الحديث ٥).
ولم ترع لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حُرمة في أمرنا. إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا ، وأسبل دموعنا ، وأذل عزيزنا بأرض كرب وبلاء ، وأورثنا الكرب والبلاء إلى يوم الإنقضاء ، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون ، فإنّ البكاء يحط الذنوب العظام) (٢٩٠).
٢٧ ـ مِسْكة مباركة :
ورد هذا الاسم في الرواية التالية :
عن أبي عبد الله عليه السلام قال : (إنّ طين قبر الحسين عليه السلام مسكة مباركة ، من أكله من شيعتنا ؛ كان له شفاء من كل داء ، ومن أكله من عدونا ؛ ذاب كما تذوب الألية ... إلخ) (٢٩١).
قال الشيخ المجلسي (قده) : «قوله عليه السلام : (مسكة مباركة). قال الفيروز آبادي : المسكة بالضم ما يتمسّك به ، وما يمسك الأبدان من الغذاء والشراب وما يتبلّغ به منهما ، انتهى. أقول : يحتمل أن يقرأ بالكسر أيضا للإشارة إلى طيب ريحها» (٢٩٢).
ويؤيد هذا الإحتمال ما يلي :
١ ـ عن أبي الجارود قال (حُفِرَ عند قبر الحسين عليه السلام ، ند رأسه ، وعند رجليه أول ما حفر ، فأخرج مسك أذفر لم يشكّوا فيه) (٢٩٣).
٢ ـ في حديث ابن عباس عن أمير المؤمنين عليه السلام لما نزل بنينوى ، في حديث يذكر فيه مرور عيسى عليه السلام بأرض كربلاء قال : (فجلس عيسى عليه السلام ، وجلس
__________________
(٢٩٠) ـ المصدر السابق / ١١١. (المجلس ٢٧ ـ الحديث ٢).
(٢٩١) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٩٨ / ١٣٢.
(٢٩٢) ـ نفس المصدر.
(٢٩٣) ـ المحمودي ، محمد جواد : ترتيب الأمالي ، ج ٥ / ٢٧١ ، (عن أمالي الطوسي ، المجلس ١١ ـ الحديث ٩٠).
الحواريون معه ، فبكى وبكى الحواريون وهم لا يدرون لِمَ جلس ، ولِمَ بكى؟ فقالوا : يا روح الله وكلمته ما يبكيك؟ قال : أتعلمون أي أرض ههذ؟ قالوا : لا. قال : هذه أرض يقتل فيها فرخ الرسول أحمد ، وفرخ الحُرّة الطاهرة البتول ، شبيهة أمي ويلحد فيها ، طينة أطيب من ال مسك ؛ لأنها طينة الفرخ المستشهد ، وهكذا تكون الأنبياء وأولاد الأنبياء) (٢٩٤).
٣ ـ عن أنس بن مالك : (أنّ عظيماً من عظماء الملائكة ، إستأذن ربّه عَزّ وجَلّ في زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأذن له ، فبينما هو عنده ، إذ دخل عليه الحسين عليه السلام ؛ فقبّله النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأجلسه في حجره ، فقال له الملك : أتحبه؟ قال : أجل أشدّ الحبّ ، إنه ابني. قال له : إنّ أمّتك ستقتله. قال : أمّتي تقتل ابني هذا؟ قال نعم ، وإن شئت أريتك من التربة التي يقتل عليها ، قال : نعم. فأراه تربة حمراء طيّبة الريح ، فقال : إذا صارت هذه التربة دماً عبيطاً ؛ فهو علامة قتل ابنك هذا. قال سالم بن أبي الجعد : أخبرت أنّ الملك كان ميكائيل) (٢٩٥).
٢٨ ـ مَشْهَد الحسين (عليه السلام) :
المشهد : «المجمع من الناس. محضر الناس ، ومشاهد مكة ؛ المواطن التي يجتمعون بها» (٢٩٦). «وجمع مشهد ، مشاهد ، ومنه مشاهد الحج ؛ وهي مواطنه الشريفة التي يحضرها الملائكة والأبرار من الناس» (٢٩٧).
__________________
(٢٩٤) ـ المصدر السابق / ١٧٧ ، (عن أمالي الصدوق ، المجلس ٨٧ ـ الحديث ٥).
(٢٩٥) ـ نفس المصدر / ١٦٣ ، (عن أمالي الطوسي / المجلس ١١ ـ الحديث ٨٦).
(٢٩٦) ـ ابن منظور ، محمد مكرم : لسان العرب ، ج ٣ / ٢٤١.
(٢٩٧) ـ الراغب الأصفهاني ، الحسين بن محمد : المفردات في غريب القرآن ، ج ١ / ٣٥٣.
وفي مصطلح الإمامية الإثني عشرية يُطلق على : موضع الشهادة ، ومحل الدفن ، والحرم للأئمة المعصومين عليهم السلام ، أو الأولياء من أبنائهم وأصحابهم الأتقياء ؛ ولذا أطلق على البقعة التي إستشهد عليها الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه (مشهد الحسين) ، وقد أشارت إلى ذلك الروايات التالية :
١ ـ قال الحر العاملي : روى صاحب كتاب (مناقب فاطمة) : بإسناده عن إبراهيم بن سعيد : (أنّ الحسين عليه السلام قال لزهير : أعلم أنّ ها هنا مشهدي ، ويحمل هذا عن جسدي ـ يعن رأسه ـ زحر بن قيس ، ويدخل على يزيد ويرجو نائله ، فلا يعطيه شيئاً) (٢٩٨).
٢ ـ روى المجلسي (ره) في البحار في حديث الحسين عليه السلام مع أم سلمه (رض) : (ثم أشار عليه السلام إلى جهة كربلاء فانخفضت الأرض حتى أراها مضيجعه ومدفنه وموضع عسكره ، وموقفه ومشهده ، فعند ذلك بكت أم سلمة بكاء شديداً وسلمت أمره إلى الله ، فقال لها : يا أماه ، قد شاء الله عَزّ وجَلّ أن يراني مقتولاً مذبوحاً ، ظلماً وعدواناً. وقد شاء أن يرى حرمي ورهطي ونسائي مشرّدين وأطفالي مذبوحين مظلومين ، مأسورين مقيدين ، وهم يسستغيثون فلا يجدون ناصراً ولا معيناً) (٢٩٩).
٢٩ ـ مُقَدّسَةٌ مباركة :
ذكر هذا الاسم في الحديث التالي :
عن عمرو بن ثالت ، عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : (خلق الله أرض كربلاء قبل أن يخلق أرض الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام ، وقَدّسها
__________________
(٢٩٨) ـ الحر العاملي ، الشيخ محمد بن الحسن : إثبات الهداة ، ج ٥ / ٢٠٦.
(٢٩٩) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٤٤ / ٣٣١.
وبارك عليها ، فما زالت قبل خلق الله مُقَدّسَة مباركة ، لا تزال كذلك حتى يجعلها الله أفضل أرض في الجنة ، وأفضل منزل ومسكن يُسكن الله فيه أولياءه في الجنة) (٣٠٠).
٣٠ ـ مكاناً قَصِيا :
عن أبي حمزة الثمالي ، عن علي بن الحسين عليه السلام في قوله : (فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا) (٣٠١). (قال : خرجت من دمشق حتى أتت كربلاء ، فوضعته في موضع قبر الحسين (عليه السلام) ، ثم رجعت في ليلتها) (٣٠٢).
هذا الحديث خلاف ما جاء عن المفسرين في مكان ولادتها بعيسى عليه السلام ؛ حيث ذهبوا إلى ما يلي :
أ ـ العامة :
ذهب المفسرون منهم إلى أنّ الربوة أرض بيت المقدس ؛ فإنّها مرتفعة ، أو دمشق ، أو رملة فلسطين ، أو مصر. وقالوا : (ذات قرار) ؛ أي مستقر من الأرض منبسطة. وقيل : ذات ثمار وزروع ، فإنّ ساكنيها يستقرُّون فيها لأجلها. ويقال ماء معين ظاهر جار.
ب ـ الخاصة :
المستفاد من روايات أهل البيت عليهم السلام هو التالي :
«وقال علي بن إبراهيم في قوله عَزّ وجَلّ : (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً) إلى قوله (وَمَعِينٍ) ، قال : الربوة الحيرة ، وذات قرار ومعين الكوفة. وفي مجمع
__________________
(٣٠٠) ـ النوري ، ميرزا حسين الطبرسي : مستدرك الوسائل ، ج ١٠ / ٣٢٢. (باب ٥١ من أبواب المزار ـ حديث ٢).
(٣٠١) ـ مريم / ٢٢.
(٣٠٢) ـ الطوسي ، الشيخ محمد بن الحسن : تهذيب الأحكام ، ج ٦ / ٧٣.
البيان (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ) ، وقيل : حيرة الكوفة وسوادها والقرار مسجد الكوفة ، والمعين الفرات. عن أبي جعفرو أبي عبد الله (عليهما السلام) (٣٠٣).
عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عَزّ وجَلّ : (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ). قال : الربوة ؛ نجف الكوفة ، والمعين ؛ الفرات) (٣٠٤).
عن سليمان بن داود المنقري ، عن حفص قال : (رأيت أبا عبد الله عليه السلام يتخلل بساتين الكوفة فإنتهى إلى نخلة فتوضأ عندها ثم ركع وسجد ، فأحصيت في سجوده خمسمائة تسبيحة ، ثم استند إلى النخلة فدعا بدعوات ، ثم قال : يا حفص إنها والله ال نخلة التي قال الله جلّ ذكره لمريم (عليها السلام) : (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا) (٣٠٥). وبعد هذا البيان نقول : لا غرابة ولا إستبعاد في ولادتها بعيسى عليه السلام في كربلاء ؛ إذ بعض الروايات تَنصّ وتشير إلى ذلك ، ويؤيد ذلك الفيض الكاشاني (قده) بقوله : «(فَحَمَلَتْهُ) ؛ يعني مريم ، عيسى (عليهما السلام) ، (مَكَانًا قَصِيًّا) ؛ أي بعيداً ، وقد مضى ما يؤيد هذا الحديث في باب فضل الفرات» (٣٠٦).
__________________
(٣٠٣) ـ الحويزي ، الشيخ عبد علي جمعة : نور الثقلين / ج ٥ / ٩٠.
(٣٠٤) ـ الكليني ، الشيخ محمد بن يعقوب : الكافي ، ج ٨ / ١٢٦.
(٣٠٥) ـ الفيض الكاشاني ، الشيخ محمد حسن : الوافي / ج ١٤ / ١٥٢٣.
(٣٠٦) ـ نفس المصدر.