تربة الحسين عليه السلام الإستشفاء والتبرّك بها ـ السجود عليها دراسة وتحليل - ج ٢

الشيخ أمين حبيب آل درويش

تربة الحسين عليه السلام الإستشفاء والتبرّك بها ـ السجود عليها دراسة وتحليل - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أمين حبيب آل درويش


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٤
  الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣

ثانياً ـ ما المراد بالحرم الحسيني؟

قال المحقق الفقيه السيد الخوئي (قده) : «وحيث أنّ لفظ الحرم ليس له وضع شرعي ولا تشرعي ، بل هو مأخوذ من الحريم بمعنى الإحترام ، فالمراد به في المقام يتردد بين أمور :

أحدها ـ أن يراد به كربلاء بتمامها ، كما كان كذلك في حرم الله ، وحرم رسوله ، وحرم أمير المؤمنين عليه السلام ، على ما عرفت ، فإنّ قدسية الحسين العظيمة ، وشرافته تقتضي ذلك كما لا يخفى (١٩٢).

ثانيهما ـ أن يكون أخص من ذلك ، وهو الصحن الشريف. وما يحتوي عليه ، كما ذهب إليه جماعة ، منهم العلامة المجلسي (قده) ، باعتبار أن من يرد الصحن الشريف حتى من أهالي كربلاء ؛ يرى أن لهذا المكان المقدس إحتراماً خاصاً لا يشاركه خارج الصحن ، ولأجله لا يرتكب بعض الأفعال التي لا تناسب المقام ، من ضحك كثير أو لعب ونحو ذلك.

ثالثهما ـ أن يكون أضيق من ذلك أيضاً ، بأن يراد به الرواق وما حواه من الحرم الشريف ، فإنّ الإحترام هناك آكد ، ومناط للتجليل أزيد ؛ ولذا لا يرتكب فيه ما قد يرتكب في الصحن الشريف.

رابعهما ـ أن يراد به الأضيق من الكل ؛ وهو ما دار عليه سور الحرم ، والمُعَبّر عنه باسم الحرم في عصرنا الحاضر ، فإنّ هذا المكان الشريف هو الفرد

__________________

(١٩٢) ـ ذكر الشهيد الأول (قده) في ذكرى الشيعة ، ج ٤ / ٢٩١ ـ ٢٩٢ ما يلي :

«والشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد ـ في كتاب السفر له ـ حكم بالتخيير في البلدان الأربعة حتى في الحائر المقدس ، لورود الحديث بحرم الحسين (ع) ، وقُدِّر بخمسة فراسخ ، وبأربعة فراسخ. قال : والكل حرم وإن تفاوتت في الفضيلة».

١٢١

البارز ، وأظهر المصاديق مما يطلق عليه لفظ الحرم ، فهو القدر المتيقن مما يراد من هذا اللفظ عند الإطلاق ، فإذا دار الأمر بين هذه المحتملات ؛ فمقتضى الصناعة الإقتصار على المقدار المتيقن لدى تردد المخصص المجمل ، بين الأقل والأكثر وهو المعنى الأخير ، والرجوع فيما عداه إلى عمومات القصر التي هي المرجع ما لم يثبت التخصيص بدليل قاطع» (١٩٣).

أقول : هذا هو القول المشهور. وحمل الحرم في تلك الروايات على الحائر ، باعتبار أنّه أخص أفراد الحرم وأشرفها ، ويؤيد ذلك الروايات الدالة على أنّه عند القبر ، فإنّ إطلاق العندية على البلد لا يخلو من البعد ، وأقرب مصاديقه الحائر ؛ إذ في مقام الجمع بين الروايات القدر المتيقن هو ذلك.

ثالثاً ـ حدود الحرم الحسيني :

قال الفقيه المحقق السيد السبزواري (قده) : «وأما التحديدات الواردة في حدّ حرم الحسين (عليه السلام) ـ كما في خبر منصور بن العباس ـ أنه خمسة فراسخ من أربع جوانبه ، وفي مرسل البصري : أنه فرسخ في فرسخ من أربع جوانب القبر ؛ فهي من جهة التبرك وأخذ التربة الشريفة ، ولا ربط لها في المقام ، فراجع» (١٩٤).

أقول : ويؤيد ذلك الروايات التالية :

١ ـ إنّ أبا حمزة الثمالي قال للصادق عليه السلام : (إني رأيت اصحابنا يأخذون من طين قبر الحسين عليه السلام ليستشفوا به ، فهل ترى في ذلك

__________________

(١٩٣) ـ البروجردي ، العلامة الحجة الشيخ مرتضى : مستند العروة الوثقى ، ج ٨ / ٤١٩ ـ ٤٢٠.

(١٩٤) ـ السبزواري ، السيد عبد الأعلى : مهذب الأحكام ، ج ٩ / ٣٠٤.

١٢٢

شيئاً مما يقولون من الشفاء؟ فقال : يستشفي بما بينه وبين القبر على رأس أربعة أميال) (١٩٥).

٢ ـ روي (أنّ الحسين عليه السلام إشترى النواحي التي فيها قبره من أهل نينوى ، والغاضرية بستين ألف درهم ، وتصدق عليهم ، وشرط أن يرشدوا إلى قبره ، ويضيفوا من زاره ثلاثة أيام) (١٩٦).

٣ ـ وقال الصادق عليه السلام : (حرم الحسين الذي اشتراه أربعة أميال في أربعة أميال ، فهو حلال لولده ومواليه ، حرام على غيرهم ممن خالفهم وفيه البركة) (١٩٧).

«ذكر السيد الجليل رضي الدين ، علي بن طاووس رحمه الله : إنها إنما صارت حلالاً بعد الصدقة ؛ أنهم لم يفوا بالشرط» (١٩٨).

٤ ـ عن سليمان بن عمرو السراج ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : (يؤخذ طين قبر الحسين عليه السلام ، من عند القبر على سبعين ذراعاً) (١٩٩).

٥ ـ محمد بن عيسى ، بالإسناد عنه (عليه السلام) قال : (يؤخذ طين قبر الحسين (عليه السلام) من عند القبر على سبعين ذراعاً في سبعين باعاً) (٢٠٠).

٦ ـ عن أبي الصباح ، الكناني ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : (طين قبر الحسين عليه السلام فيه الشفاء ، وإن أُخذ على رأس ميل) (٢٠١).

__________________

(١٩٥) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٩٠ / ٣٠٤.

(١٩٦) ـ النوري ، ميرزا حسين الطبرسي : مستدرك الوسائل ، ج ١٠ / ٣٣٢ ، (باب ٥٣ من أبواب المزار ـ حديث ٩).

(١٩٧) ـ البهائي ، الشيخ بهاء الدين بن الشيخ عبد الصمد : الكشكول ، ج ٢ / ١٦.

(١٩٨) ـ نفس المصدر.

(١٩٩) ـ النوري ، ميرزا حسين الطبرسي : مستدرك الوسائل ، ج ١٠ / ٣٣٣ ، (باب ٥٣ من أبواب المززار ـ حديث ١٠).

(٢٠٠) ـ نفس المصدر / ٣٣٤ ، (الحديث ١١).

(٢٠١) ـ نفس المصدر ، ج ١٠ / ٣٣١ ، (باب ٥٣ من أبواب المزار ـ حديث ٤).

١٢٣

٧ ـ عن الحجّال ، عن غير واحد من أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : (التربة [البركة خ ل] من قبر الحسين بن علي عليه السلام ، على عشرة أميال) (٢٠٢).

وبعد عرض هذه الروايات ؛ نستتنتج التالي :

١ ـ قال شيخ الطائفة الطوسي (قده) : «والوجه في هذه الأخبار ، ترتب هذه المواضع في الفضل ، فالأقصى خمس فراسخ ، وأدناه في المشهد فرسخ ، وأشرف الفرسخ ، خمس وعشرون ذراعاً ، وأشرف الخمس وعشرين ذراعاً ، عشرون ذرعاً ، وأشرف العشرين ما شرف به ، وهو الجدث نفسه» (٢٠٣).

وقال أيضاً : «وليس في هذه الأخبار تناقض ولا تضاد ، وإنما وردت على الترتيب في الفضل ، وكان الخبر الأول غاية فيمن يُجوِّز ثواب المشهد ، إذا حصل فيما بينه وبين القبر على خمسة فراسخ ، ثم الذي يزيد عليه في الفضل ، من حصل على فرسخ ، ثم الذي حصل على خمسة وعشرين ذراعاً ، ثم من حصل على عشرين ذراعاً ، وإن كان المراد بها ما ذكرناه لم تتناقض ولم تتضاد ، والذي يدل على أنّ المراد بهذه الأخبار ، ما أشرنا إليه من الفضل والبركة» (٢٠٤).

٢ ـ إنّ الحدود التي ذكرتها الروايات للحرم الحسيني الشريف هي : (عشرون ذراعاً ، وخمسة وعشرون ذراعاً ، وسبعون ذراعاً ، وسبعون باعاً ، وميل ، وأربعة أميال ، وعشرة أميال ، وفرسخ ، وأربعة فراسخ ، وخمسة فراسخ).

٣ ـ يمكن حسابها بالأمتار والكيلومترات كما يلي :

__________________

(٢٠٢) ـ الحر العاملي ، الشيخ محمد بن الحسن : وسائل الشيعة ، ج ١٠ / ٤٠١ (باب ٦٧ من أبواب المزار ـ حديث ٧).

(٢٠٣) ـ الطوسي ، الشيخ محمد بن الحسن : مصباح المتهجد / ٥٠٩.

(٢٠٤) ـ الطوسي ، الشيخ محمد الحسن : تهذيب الأحكام ، ج ٦ / ٧٢ (باب ٢٢ من أبواب المزار).

١٢٤

الذراع = ٤٨ سم ، والباع = ٤ أذرع ، والميل = ٤٠٠٠ ذراع ، والفرسخ = ١٢٠٠٠ ذراع. فتكون النتيجة كما هي موضحة فيا لجدول التالي :

الحد في الروايات

بالذراع

بالامتار والكيلومترات

عشرون ذراعاً

/

٩,٦٠ م

خمسة وعشرون ذراعاً

/

١٢ م

سبعون ذراعاً

/

٣٣,٦٠ م

سبعون باعاً

٢٨٠

١٣٤,٤٠ م

ميل

٤٠٠٠

١,٩٢٠ كم

أربعة أميال

١٦٠٠٠

٧,٦٧٠ كم

عشرة أميال

٤٠٠٠٠

١٩,٢٠٠ كم

فرسخ

١٢٠٠٠

٥,٧٦٠ كم

أربعة فراسخ

٤٨٠٠٠

٢٣,٤٠ كم

خمسة فراسخ

٦٠٠٠٠

٢٨,٨٠٠ كم

وعلى هذا تكون مساحة الحرم الحسيني المقدرة ب(٢٨,٨٠٠,٠٠٠ كم × ٢٨,٨٠٠,٠٠٠ كم) = ٨٢٩,٤٤ كم ٢ ، «وأما مساحة محافظة كربلاء الكلية ؛ فتبلغ (٨٥٩,٥٢ كم ٢). وهي تتألف مما يلي :

١ ـ مركز قضاء كربلاء وتتبعه :

أ ـ ناحية الحر ، ب ـ ناحية الحسينية.

٢ ـ قضاء الهندية وتتبعه :

أ ـ ناحية الخيرات ، ب ـ ناحية الجدول الغربي.

١٢٥

٣ ـ قضاء عين التمر» (٢٠٥).

رابعاً ـ الفرق بين الحائر والحرم :

من الأمور التي تحتاج إلى إيضاح ، مسألة الفرق بين الحائر والحرم ، فهل هما بمعنى واحد ، أو يختلفان تماماً ، أو يتفقان في بعض الأمور أم لا؟

في الجواب على هذا السؤال نقول : قد يتفقان وقد يختلفان حسب التفصيل التالي :

١ ـ موارد الإتفاق :

إذا أخذنا بالمعنى اللغوي القائل : بأنّ الحائر أو الحير يطلق على كربلاء بشكل عام ؛ فلا فرق بينهما ، وكذلك إذا أخذنا بما ورد في بعض الروايات ، التي إعتمدها الشيخ نجيب الدين ، يحيى بن سعيد ، حيث حكم بالتخيير في البلدان الأربعة حتى في الحائر المقدّس ، وقد تقدم ذكره (٢٠٦).

وإذا أخذنا بالمعنى اللغوي القائل : إنّ الحير هو ما يشبه الحضيرة والحمى ؛ فهذا ينسجم مع معنى الحرم. وينسجم مع بعض الروايات الناصّة على هذا المعنى ـ كما في رواية إسحاق بن عمّار ـ القائلة : (لموضع قبر الحسين بن علي عليهما السلام حرمة معلومة ، من عرفها واستجار بها أجير. قلت : فصف لي موضعها جعلت فداك. قال إمسح من موضع قبره اليوم ، فامسح خمسة وعشرين ذراعاً من ناحية رجليه ... إلخ). فبناء على هذه الرواية والرواية القائلة (عند القبر) لا فرق بين الحرم والحائر ؛ لأن المشهور بين الفقهاء ـ كما أشار المحقق السيد الخوئي (قده) ـ بأنّ هذا هو المقدار المتيقن من الحرم والحائر ، الذي هو طريقة

__________________

(٢٠٥) ـ آل طعمة ، السيد سلمان هادي : دليل كربلاء المقدسة / ٧ ـ ١٠ (بتصرف).

(٢٠٦) ـ راجع ص / ١٢٢.

١٢٦

الجمع بين الروايات ، فحمل الحائر ، والحرم ، وعند القبر ، في روايات التخيير على هذه البقعة المحدودة. إذن لا فرق بينهما من هذه الناحية.

٢ ـ موارد الإختلاف :

وإذا أخذنا بالروايات المحددة للحرم ؛ فالحرم أوسع من الحائر ، وهذا التمييز عند الرواة بين الحائر والحرم ، يدل على أنّ هذه المنطقة لها قدسيتها للتبرك ، وأخذ تربتها للإستشفاء ، ولكن هذه المنطقة الواسعة خارجة عن حدود الحائر الذي يرجع إلى مسألة تعبدية محضة ، تدور حول وجوب القصر أو التخيير بين القصر والتمام للزائر المسافر ، وهذا الذي جعل الفقهاء يبحثون في مؤلفاتهم عن حقيقة الحائر وحدوده على ضوء الروايات ، كما أنّ إلتزام الرواة والمححيد الحائر ، وتعيين حدوده بالضبط إلى هذه الدرجة ، فهو لأمر عبادي كي لا يتجاوزوا حدود ما كان عليه الحائر المقدس في زمن الصادق عليه السلام ، حين وردت فيه أخبار التخيير للمصلي بين القصر والتمام.

فالنتيجة التي توصلنا إليها : أنّ الحرم والحائر قد يجتمعان من ناحية القدر المتيقن ، لأفضل بقعة لها قدسيتها ، وما يترتب على ذلك من مسألة التخيير بين القصر والتمام ، وكذلك للتبرك ، وأنها المكان الذي هو محل الإستجارة وإستجابة الدعاء كما ورد في الروايات. وأنّ الحرم إذا استخدم في غير ذلك ؛ فالروايات الكثيرة تستخدم الحرم في الإستشفاء والتبرك ، وأخذ التربة الحسينية ، فيكون معنى الحرم وحدوده أوسع من الحائر أو الحير.

١٨ ـ روضة من رياض الجنة :

نَصّت بعض الروايات على ذكر هذا الإسم كالتالي :

١٢٧

١ ـ عن إسحاق بن عمّار قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : (موضع قبر الحسين بن علي (عليهما السلام) منذ يوم دفن ، روضة من رياض الجنة) (٢٠٧).

٢ ـ عن عبد الله بن سنان قال : (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : قبر الحسين بن علي عليه السلام ، عشرون ذراعاً في عشرين ذراعاً مكسراً ، روضة من رياض الجنة ، منه معراج إلى السماء ، فليس من ملك مقرّب ، ولا نبي مرسل إلا وهو يسأل الله أن يزوره ، وفوج يهبط وفوج يصعد) (٢٠٨).

٣ ـ عن جابر بن يزيد قال : (خرجت مع أبي جعفر عليه السلام وهو يريد الحيرة ، فلما أشرفنا على كربلاء قال لي : يا جابر ، هذه روضة من رياض الجنة ، لنا ولشيعتنا ، وحفرة من حفر جهنم لأعدائنا) (٢٠٩).

معنى الروضة :

س / ما المراد بـ(روضة من رياض الجنة)؟

ج / قبل بيان المراد لابد من بيان التالي :

١ ـ الروضة لغة :

قال ابن منظور : «الروضة : الأرض ذات الخضرة ، والروضة : البستان الحسن ، عن ثعلب. وقوله عليه السلام : (بين قبري أو بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة) ؛ الشك من ثعلب فسّره هو وقال : معناه أنه من أقام بهذا الموضع ؛ فكأنه أقام في روضة من رياض الجنة ، يُرَغّب في ذلك ، والجمع من ذلك كله ، رَوْضَات ورِياض ورَوْض» (٢١٠).

__________________

(٢٠٧) ـ النوري ، ميرزا حسين الطبرسي : مستدرك الوسائل ، ج ١٠ / ٣٢٤ ـ ٣٢٥ ، (باب ٥١ من أبواب المزار ـ حديث ٨).

(٢٠٨) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٩٨ / ١٠٦.

(٢٠٩) ـ البحراني ، السيد هاشم : مدينة المعاجز ، ج ٣ / ١٤٢.

(٢١٠) ـ بن منظور ، محمد بن مكرم : لسان العرب ، ج ٧ / ١٦٢ ـ ١٦٣.

١٢٨

٢ ـ الروضة في القرآن الكريم :

ورد ذكرها في موردين : في قوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ) [الروم ١٥]. قال الشيخ الطوسي (قده) : «وإنما خص ذكر الروضة ـ ههنا ـ لأنّه لم يكن عند العرب شيء أحسن منظراً ، ولا أطيب ريحاً من الرياض ، كما قال الشاعر :

ما رَوْضَةٌ من رياض الحزن مُعْشِبَةٌ

خَضْرَاءُ جادَ عليها مُسْيلٌ هِطِلُ

يُضاحِكُ الشمسَ منها كوكبٌ شَرِقٌ

مُؤَزِّرٌ بعميم النّبْتِ مُكْتهِلُ» (٢١١)

٣ ـ رأي الأعلام في تفسير الروضة :

أهم الوجوه التي قيلت في تفسير الحديث ما يلي :

الأول ـ الشريف الرضي (قده) : «إنّما شبهه بالروضة ، لما يمرّ عليه من محاسن الكلم ، وبدائع الحِكَم التي تشبه أزاهير الرياض ، وديابيج النبات ، ومه يقولون في الكلام الحسن : كأنّه قِكَعُ الروض ، وكأنّه ديباج الرقيم ، وأضاف ـ عليه الصلاة والسلام ـ الروضة إلى الجنة ؛ لأنّه الكلام المُونِق الذي يتكلم به عليه الصلاة والسلام ، يهدي إلى الجنة ويكون دالاً عليها وقائداً إليها ، وعندهم أنّ الروضة إذا كانت على الإيقاع والإنتشار ؛ كانت أحسن منظراً وآنق زهراً» (٢١٢) وإلى هذا ذهب السيد عبد الله شبّر (قده) (٢١٣) ، وقريب منه قول المجلسي الكبير (قده) : «يمكن أن يكون المراد أنها توضع يوم القيامة على باب الجنة ، أو أطلق الجنة على مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم مجازاً ، فإنّها الجنة التي بنيت فيها

__________________

(٢١١) ـ الطوسي ، الشيخ محمد بن الحسن : التبيان في تفسير القرآن ، ج ٨ / ٢٣٦.

(٢١٢) ـ الشريف الرضي / السيد محمد بن أبي أحمد : المجازات النبوية / ٨٤ ـ ٨٥.

(٢١٣) ـ شبّر ، السيد عبد الله بن السيد محمد رضا : مصابيح الأنوار ، ج ٢ / ٣٠٩.

١٢٩

أشجار المعرفة والمحبة والعبادة ، وسائر الكمالات» (٢١٤) ، وإليه ذهب الشيخ الطريحي (قده) (٢١٥). والقتيبي (٢١٦) وغيره من علماء العامة. كما ذكر ذلك السمهودي (٢١٧). ويؤيد هذا القول : أنه قد تقرر في قواعد الشرع ، أنّ البقع المباركة ما فائدة بركتها لنا والإخبار بذلك إلا تميزها بالطاعات ، فقد ورد في الحديث النبوي : (إذا رأيتم روضة من رياض الجنة فارتعوا فيها) قيل : يا رسول الله ، وما روضة الجنة؟ قال : مجالس المؤمنين) (٢١٨).

وفي الحديث النبوي أيضاً : (بادورا إلى رياض الجنة. فقالوا : وما رياض الجنة؟ قال : حِلَقْ الذكر) (٢١٩).

وفي عدة الداعي : «روي أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج على أصحابه فقال : (إرتعوا في رياض الجنة. قالوا : يا رسول الله ، وما رياض الجنة؟ قال : مجالس الذكر إغدوا وروحوا واذكروا ، ومن كان يحب أن يعلم منزلته عند الله ؛ فلينظر كيف منزلة الله عنده ، فإنّ الله تعالى ينزل العبد حيث أنزل العبد الله من نفسه ، واعلموا أنّ خير أعمالكم وأزكاها وارفعها في درجاتكم ، وخير ما طلعت عليه الشمس ذكر الله سبحانه ، فإنّه أخبر عن نفسه فقال : أنا جليس من ذكرني ، وقال سبحانه : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) بنعمتي ، واذكروني بالطاعة والعبادة ، أذكركم بالنعم والإحسان والرحمة والرضوان» (٢٢٠).

__________________

(٢١٤) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : مرآة العقول ، ج ١٨ / ٢٦٥.

(٢١٥) ـ الطريحي ، الشيخ فخر الدين بن الشيخ محمد علي : مجمع البحرين ، ج ٤ / ٢١٠.

(٢١٦) ـ ابن الأثير ، المبارك بن محمد الجزري : النهاية في غريب الحديث ، ج ١ / ١٨٧.

(٢١٧) ـ السمهودي ، نور الدين علي بن أحمد : وفاء الوفاء ، ج ٢ / ٤٢٩ ـ ٤٣٢.

(٢١٨) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٧١ / ١٧٧.

(٢١٩) ـ الصدوق ، الشيخ محمد بن علي بن بابويه : معاني الاخبار / ٣٢١.

(٢٢٠) ـ ابن فهد ، الشيخ أحمد بن محمد الحلي : عدة الداعي / ٢٥٣.

١٣٠

الثاني ـ الشيخ يوسف البحراني (قده) : «ويحتمل أن يكون ذلك على الحقيقة في المنبر والروضة ، بأن يكون حقيقتها كذلك ، وإن لم يظهر في الصورة بذلك في الدنيا ؛ لأنّ الحقائق تظهر بالصور المختلفة ، وعن أبي الحضرمي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما بين بيتي وقبري ومنبري ، روضة من رياض الجنة ، ومنبري على ترعة من ترع الجنة ، وقوائم منبري ربت في الجنة ، قال : قلت هي روضة اليوم ، قال : نعم لو كشف الغطاء لرأيتم). أقول : وفي هذا الخبر ما يدل على ما ذكره ذلك البعض المتقدم» (٢٢١). وقريب منه ما ذهب إليه جمع من علماء العامة وأشار إلى ذلك السمهودي بقوله : «وهو أن تلك البقعة نفسها روضة من رياض الجنة كما كان ، ويكون للعامل بالعمل فيه روضة في الجنة ؛ قال : وهو الأظهر ؛ لعلو مكانته عليه السلام ؛ وليكن بينه وبين الأبوة الإبراهيمية في هذا أشبه ، وهو أنّه لما خص الخليل بالحجر من الجنة خص الحبيب بالروضة منها. قلت : وهو من النفاسة بمكان ، وفيه حمل اللفظ على ظاهره ؛ إذ لا مقتضى لصرفه عنه ، ولا يقدح في ذلك كونها تُشَاهَد على نسبة رياض الدنيا ، فإنّ ما دام الإنسان في هذا العالم لا ينكشف له حقائق ذلك العالم ، لوجود الحجب الكثيفة والله أعلم. وتخصيص ما أحاطت به البَيْنيّة المذكورة بذلك ، إما تعبداً وإما لكثرة تردده (صلى الله عليه (وآله) وسلم) بين بيته ومنبره ، وقرب ذلك من قبره الشريف ، الذي هو الروضة العظمى ، كما أشار إليه ابن أبي جَمْرَة أيضاً» (٢٢٢).

__________________

(٢٢١) ـ البحراني ، الشيخ يوسف بن الشيخ أحمد : الحقائق الناضرة ، ج ١٧ / ٤١٦.

(٢٢٢) ـ السمهودي ، نور الدين علي بن أحمد : وفاء الوفاء ، ج ٢ / ٤٢٩ ـ ٤٣٠.

١٣١

وقال جمال محمد الراساني الريمي : «إتفقوا على أنّ هذا اللفظ معقول المعنى ، مفهوم الحِكْمَة ، وإنما إختلفوا في ذلك المعنى ما هو؟ فقيل : اللفظ على حقيقته ، وأن ذلك روضة من رياض الجنة ، بمعنى أنه بعينة نقل من الجنة ، أو أنه سينقل إليها» (٢٢٣).

الثالث ـ الجمع بين الرأيين المتقدمين : لأنّ لكل منهما دليلاً يُعَضِّده ، وإلى هذا ذهب ابن أبي جَمْرَةَ (٢٢٤) وكل هذا الوجوه الثلاثة معتبرة ولها قيمتها في البحث العلمي. وبعد عرض هذه الوجوه ؛ نأتي لتوضيح المراد من الروضة في مسميات كربلاء كالتالي :

أولاً ـ إن موضع قبر الحسين عليه السلام وما حوله ـ الحائر ـ روضة من رياض الجنة ، باعتباره محل نزول الرحمة وحصول السعادة ، وقبول العمل ، وإستجابة الدعاء ، وأنه محل تواجد الملائكة الزائرين له ، والمستغفرين لزواره. فكل هذه الأمور تؤدي إلى الجنة ، فتسميتها بـ(روضة من رياض الجنة) على نحو المجاز ويؤيده ما ورد الروايات التالية :

١ ـ عن إسحاق بن عمّار ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : (إنّ لموضع قبر الحسين عليه السلام ، حرمة معروفة من عرفها واستجار بها أجير. قلت : فصف لي موضعها ، قال : إمسح من موضع قبره اليوم خمسة وعشرين ذراعاً من ناحية رجليه ، وخمسة وعشرين ذراعاً من ناحية رأسه ، وموضع قبره من يوم دفن روضة من رياض الجنة ، ومنه معراج تعرج فيه بأعمال زوّاره إلى

__________________

(٢٢٣) ـ المصدر السابق / ٤٢٩ ـ ٤٣١.

(٢٢٤) ـ نفس المصدر / ٤٣٠.

١٣٢

السماء ، وما من ملك في السماء ولا في الأرض ، إلا وهم يسألون الله أن يأذن لهم في زيارة قبر الحسين عليه السلام ، ففوج ينزل وفوج يعرج) (٢٢٥).

٢ ـ عن ابن مسكان ، عن أبي عبد الله عليه السلام سمعه يقول : (من زار الحسين يريد به وجه الله ؛ أخرجه الله من ذنوبه كمولود ولدته أمه ، وشيعه الملائكة في مسيره إلى أن يقول : وسألت الملائكة المغفرة له من ربه ، ونادته طبت وطاب من زرت ، وحفظ في أهله) (٢٢٦).

٣ ـ ما ورد عن إمامنا الهادي عليه السلام : (إن لله مواضع يحب أن يعبد فيها ، وحير الحسين (عليه السلام) من تلك المواضع) (٢٢٧) وأيضاً عنه عليه السلام : (.. وأن لله تبارك وتعالى بقاعاً يحب أن يدعى فيها ، فيستجيب لمن دعاه ، والحائر منها) (٢٢٨) إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة الواردة في فضل كربلاء وفضل زيارتها.

ثانياً ـ أن تكون نفسها روضة من رياض الجنة على نحو الحقيقة ، بحيث لو كشف الغطاء لنا ؛ لوجدناها بقعة من بقاع الجنة ، ويؤيد هذا الوجه ما يلي :

١ ـ عن زينب بنت علي عليهما السلام ، عن أم أيمن قالت في حديث طويل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : (أتى جبرئيل فأومى إلى الحسين عليه السلام وقال : إنّ سبطك هذا مقتول في عصابة من ذريتك ، وأهل بيتك ، وأخيار من أُمّتك بضفة الفرات بأرض تدعى كربلاء ، من أجلها يكثر الكرب والبلاء على أعدائك وأعداء ذريتك ،

__________________

(٢٢٥) ـ الحر العاملي ، الشيخ محمد بن الحسن : وسائل الشيعة ، ج ١٠ / ٤٠٠ (باب ٦٧ من أبواب المزار ، حديث ٤).

(٢٢٦) ـ نفس المصدر / ٣٨٩ ـ ٣٩٠ (باب ٦٤ من أبواب المزار ، حديث ٩).

(٢٢٧) ـ النوري ، ميرزا حسين الطبرسي : مستدرك الوسائل ، ج ١٠ / ٣٤٦ (باب م ٥٩ من أبواب المزار ، حديث ٢).

(٢٢٨) ـ نفس المصدر / ٣٤٧ ـ ٣٤٨ (الحديث ٣).

١٣٣

في اليوم الذي لا ينقضي كربه ، ولا تفنى حسرته ، وهي أطهر بقاع الأرض ، وأعظمها حرمة ، وإنها من بطحاء الجنة) (٢٢٩).

٢ ـ وعن عمر بن ثابت ، عن أبيه ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : (خلق الله أرض كربلاء قبل أن يخلق أرض الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام ، وقدّسها وبارك عليها ، فما زالت قبل خلق الله الخلق مقدّسة مباركة ، لا تزال كذلك ، حتى يجعلها الله أفضل أرض في الجنة ، وأفضل منزل يسكن الله فيه أولياءه في الجنة) (٢٣٠).

ثالثاً ـ الجمع بين الروايات بأنها في الدنيا شبيهة برياض الجنة ، من حيث قداستها ، وما يكون فيها من صالح الأعمال ، ويؤيد هذا الوجه الروايات التالية :

١ ـ عن أبي الجارود قال : قال علي بن الحسين عليه السلام : (إتخذ الله أرض كربلاء حرماً آمناً مباركاً قبل أن يخلق أرض الكعبة ، بأربعة وعشرين ألف عام ، وأنها إذا بدّل الله الأرضيين رفعها بما هي برمتها نورانية صافية ، فجعلت في أفضل روضة من رياض الجنة ، وأفضل مسكن في الجنة ، لا يسكنها إلا النبيون والمرسلون ـ أو قال : أولوا العزم من الرسل ـ وأنها لتزهر من رياض الجنة ، كما يزهر الكوكب الدري لأهل الأرض ، يغشى نورها نور أبصار أهل الجنة جميعاً ، وهي تنادي : أنا أرض الله المقدسة والطينة المباركة ، التي تضمنت سيد الشهداء ، وشباب أهل الجنة) (٢٣١).

__________________

(٢٢٩) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٩٨ / ١١٤ ـ ١١٥.

(٢٣٠) ـ النوري ، ميرزا حسين الطبرسي : مستدرك الوسائل ، ج ١٠ / ٣٢٢ (باب ٥١ من أبواب المزار ، حديث ٢).

(٢٣١) ـ نفس المصدر / ٣٢٢ ـ ٣٢٣ (حديث ٣).

١٣٤

١٩ ـ طين الحائر أو الحير

٢٠ ـ طين الحسين عليه السلام

٢١ ـ طين قبر الحسين عليه السلام

٢٢ ـ ظهر الكوفة

٢٣ ـ قبر الحسين عليه السلام

٢٤ ـ قُبّة الإسلام

٢٥ ـ كربلاء

٢٦ ـ كَرْبٌ وبَلاء

٢٧ ـ مِسْكَة مباركة

٢٨ ـ مشهد الحسين عليه السلام

٢٩ ـ مُقَدّسَة مباركة

٣٠ ـ مكاناً قَصِيّا

١٣٥
١٣٦

١٩ ـ طين الحائر أو الحير :

ذكر هذا الإسم في الروايات التالية :

١ ـ عن محمد بن زياد ، عن عمته قالت : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : (إنّ في طين الحير الذي فيه الحسين عليه السلام ، شفاء من كُلّ داء ، وأماناً من كل خوف) (٢٣٢).

٢ ـ عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : (كنت بمكّى ـ وذكر في حديثه ـ قلت : جعلت فداك ، إني رأيت أصحابنا يأخذون من طين الحائر ليستشفون به ، هل في ذلك شيء مما يقولون من الشفاء؟ قال : يستشفى بما بينه وبين القبر ، على رأس أربعة أميال ، وكذلك قبر جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكذلك طين قبر الحسين ، وعلي ، ومحمد ، فخذ منها ، فإنّها شفاء من كل سقم ...) (٢٣٣).

٢٠ ـ طين الحسين (عليه السلام) :

نَصّ على هذا الإسم الحديث التالي :

روى جعفر بن عيسى ، أنّه سمع أبا الحسن عليه السلام يقول : (ما على أحدكم إذا دفن الميت ووسّدَه التراب ، أن يضع مقابل وجهه لبنة من طين الحسين عليه السلام ، ولا يضها تحت رأسه) (٢٣٤).

٢١ ـ طين قبر الحسين (عليه السلام) :

ورد هذا الإسم في كثير من الروايات نذكر منها ما يلي :

__________________

(٢٣٢) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٩٨ / ١٢٥.

(٢٣٣) ـ بن قولويه ، الشيخ جعفر بن محمد : كامل الزيارات / ٤٧٠ (باب ٩٣ ـ حديث ٥).

(٢٣٤) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٩٨ / ١٣٦.

١٣٧

١ ـ عن أبي يعفور قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : (يأخذ الإنسان من طين قبر الحسين عليه السلام فينتفع به ، ويأخذ غيره فلا ينتفع به ، فقال : والله الذي لا إله إلا هو ، ما يأخذه أحد ، وهو يرى أنّ الله ينفعه به إلا نفعه به) (٢٣٥).

٢ ـ عن جابر الجعفي قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : (طين قبر الحسين عليه السلام شفاء من كل داء ، وأمان من كل خوف ، وهو لما أخذ له) (٢٣٦).

٣ ـ عن محمد بن سليمان البصري ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : (في طين قبر الحسين عليه السلام ، الشفاء من كل داء ، وهو الدواء الأكبر) (٢٣٧).

٢٢ ـ ظهر الكوفة :

عرف هذا الإسم في الروايات وكتب اللغة والتاريخ ، أنّه إسم للبقعة التي دفن فيها أمير المؤمنين عليه السلام (النجف الأشرف) ، إلا أنّ هناك بعض الروايات تنصّ على أنه إسم للبقعة التي دفن فيها سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين عليه السلام (كربلاء) أيضاً ، فمن هنا نحتاج إلى توضيح ما هو المراد بـ(ظهر الكوفة)؟ حتى يتضح لنا سبب إطلاقه على كلا البقعتين كالتالي :

١ ـ قال الشيخ الطريحي (ره) : «وظهر الكوفة ، ما وراء النهر إلى النجف» (٢٣٨).

٢ ـ ذكر الدكتور مصطفى جواد في بحثه (النجف قديماً) : «وظهر الكوفة : يقال له اللسان ؛ وهو فيما بين النهرين إلى العين : عين بني الجرّاء» (٢٣٩).

__________________

(٢٣٥) ـ النوري ، ميرزا حسين الطبرسي : مستدرك الوسائل ، ج ١٠ / ٣٢٩ ـ ٣٣٠ (باب ٥٣ من أبواب المزار ـ حديث ١).

(٢٣٦) ـ نفس المصدر / ٣٣٤ ـ ٣٣٥. (باب ٥٣ من أبواب المزار ـ حديث ١٤).

(٢٣٧) ـ نفس المصدر / ٣٣٠. (باب ٥٣ من أبواب المزار ـ حديث ٣).

(٢٣٨) ـ الطريحي ، الشيخ فخر الدين : مجمع البحرين ، ج ٣ / ٣٩٠.

(٢٣٩) ـ الخليلي ، جعفر : موسوعة العتبات المقدسة ، ج ٩ / ١٢.

١٣٨

٣ ـ يذكر الحاج عبد المحسن شلاش : «ولنا من الأدلة الشرعية ما يؤيد حدود كوفان نظراً لما ورد في الجزء العاشر من البحار : عن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال لولده الحسين عليه السلام : (بأبي المقتول على ظهر كوفان) والمفروض أنّه المقتول في أكتاف طف كربلاء ، وهذا ما يحملنا أيضاً الإعتقاد بأنّ ظهر الكوفة ربما كان يمتد إلى غربي طف كربلاء ؛ حيث أنّ هذا السنام المرتفع من الرمال المتحجرة كان يرافق أراضي الطفوف الواقعة غربي طف كربلاء؟ كطف هور أبو دبس وما يجاورها» (٢٤٠). وبعد عرض هذه الأقوال نخرج بالنتيجة التالية :

أولاً ـ لعلّ الإختلاف في توضيح (ظهر الكوفة) كما تقدم يرجع إلى أنّ تحديد الكوفة هل هو قبل الإسلام أم بعد الإسلام؟ حيث أن المنقبين في الأخبار والآثار توصلوا إلى أنّ حدودها القديمة قبل الإسلام أوسع من حدودها بعد الإسلام.

ثانياً ـ على القول بأن سبب تسمية الكوفة هو إستدارتها ، أو للرميلة المستديرة ، أو لوقوع جبل كان في وسطها ، فإن نتيجة البحث والتتبع لدى الباحثين في هذا الموضوع ، أنّ البقعة الرملية الواقعة على جانب الفرات الغربي كأنها جبل مكتوف من الرمال المرتفعة ، بخلاف الأراضي المحيطة به حيث ترتفع إرتفاعاً بيناً بالتدريج يبلغ إلى ستة وثلاثين متراً تقريباً مما يلي النجف عن شاطئ الفرات ، وهو الذي تحده من الجنوب بحرية النجف المنخفضة ، ومن الشرق منخفضات أراضي المشخاب والشامية التي تقطنها اليوم قبائل آل فتلة وآل إبراهيم وآل زياد ، ومن الشمال مقاطعات زراعية منخفضة

__________________

(٢٤٠) ـ الدجيلي ، جعفر هادي : موسوعة النجف الأشرف ، ج ١ / ١٤٥.

١٣٩

تقطنها قبائل بن حسن (أراضي الهندية) ، ومن الغرب منخفضات طف كربلاء ، إذن إسم كوفان كان يشمل هذه البقعة المرتفعة الرملية المستديرة بحدودها المارة (٢٤١).

ثالثاً ـ إتضح لنا أن كربلاء داخل في ظهر الكوفة على حسب ما تقدم ، بل يمكن للباحث أن يالحظ ما يلي :

١ ـ الطف : «أرض من ضاحية الكوفة في طريق البرية ، فيها كان مقتل الحسين بن علي» (٢٤٢).

٢ ـ نينوى : «وبسواد الكوفة ناحية يقال لها نينوى ، منها كربلاء التي قتل فيها الحسين (رضي الله عنه)» (٢٤٣).

٣ ـ الغاضرية : «قرية من نواحي الكوفة قريبة من كربلاء» (٢٤٤).

٤ ـ عقر بابل : «قرب كربلاء من نواحي الكوفة» (٢٤٥).

فالمتأمل في هذه الحدود من خلال قرى كربلاء ، يتضح له أنّ لها حدوداً مع الكوفة من ناحية منطقة ظهر الكوفة.

وبعد هذا البيان ، نذكر بعض الروايات الناصّة على قتله بظهر الكوفة كالتالي :

__________________

(٢٤١) ـ المصدر السابق (بتصرف).

(٢٤٢) ـ الحموي ، شهاب الدين ياقوت بن عبد الله : معجم البلدان ، ج ٤ / ٣٦.

(٢٤٣) ـ نفس المصدر ، ج ٥ / ٣٣٩.

(٢٤٤) ـ البغدادي ، عبد المؤمن بن عبد الحق : مراصد الإطلاع ، ج ٢ / ٩٨٠.

(٢٤٥) ـ نفس المصدر / ٩٥٠.

١٤٠