تربة الحسين عليه السلام الإستشفاء والتبرّك بها ـ السجود عليها دراسة وتحليل - ج ٢

الشيخ أمين حبيب آل درويش

تربة الحسين عليه السلام الإستشفاء والتبرّك بها ـ السجود عليها دراسة وتحليل - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أمين حبيب آل درويش


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٤
  الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣

نعم لموت جيدها بالعتب هاتفة

بقومها وحشاها ملؤه ضرم

عجت بهم مذ على أبرادها اختلفت

أيدي العدو ولكن من لها بهم (١٥٢)

سابعاً ـ حيرة القوم في قتل العليل (عليه السلام) :

ويشير إلى هذا الموقف المأساوي السيد المقرّم (ره) بقوله : «وإنتهى القوم إلى علي بن الحسين وهو مريض على فراشه لا يستطيع النهوض ، فقائل يقول : لا تدعوا منهم صغيراً ولا كبيراً. وآخر يقول : لا تعجلوا حتى نستشير الأمير عمر بن سعد ، وجَرّد الشمر سيفه يريد قتله ، فقال له حميد بن مسلم : يا سبحان الله أتقتل الصبيان؟! إنما هو صبي مريض! فقال : إن ابن زياد أمر بقتل أولاد الحسين ، وبالغ ابن سعد في منعه ، خصوصاً لما سمع العقيلة زينب ابنة أمير المؤمنين تقول : لا يقتل حتى أقتل دونه ، فكفوا عنه» (١٥٣).

ثامناً ـ حيرة بني أسد في مواراة الأجساد الطاهرة :

إختلفت الروايات في من دفن الحسين عليه السلام ، وأهل بيته ، وصحبه الكرام ، هل بنو أسد ، أو الإمام زين العابدين عليه السلام؟

إلا أنّ الموافق لمعتقد الإمامية الإثني عشرية ، أنّ الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله ، فالصحيح أنّ الإمام زين العابدين عليه السلام ، خرج من سجن ابن زياد (لع) في ال كوفة إلى كربلاء عن طريق المعجزة ، في الثالث عشر من المحرم لمواراة الأجساد الطاهرة.

__________________

(١٥٢) ـ المقرم ، السيد عبد الرزاق : مقتل المقرّم / ٣٠٢.

(١٥٣) ـ نفس المصدر / ٣٠١.

١٠١

قال السيد المقرّم (ره) : «ولما أقبل السجاد عليه السلام ؛ وجد بني أسد مجتمعين عند القتلى متحيرين لا يدرون ما يصنعون ، ولم يهتدوا إلى معرفتهم ، وقد فرقا لقوم بين رؤوسهم وأبدانهم ، وربما يسألون من أهلهم وعشيرتهم!!.

وأخبرهم (عليه السلام) عما جاء إليه من مواراة هذه الجسوم وأوقفهم على أسمائهم ، كما عَرّفهم بالهاشميين من الأصحاب ، فارتفع البكاء والعويل ، وسالت الدموع منهم كل مسيل ، ونشرت الأسديات الشعور ، ولطمن الخدود» (١٥٤).

تاسعاً ـ حيرة البشر في قراءة ودراسة يوم كربلاء :

إنّ فاجعة الطف الأليمة ، ظلت مصدراً للحزن والتفجع ، تذوب مها النفوس حسرة وأساً على امتداد التاريخ ، منذ وقوعها لحد الآن ، فاجعة لا تضاهيها فاجعة ومأساة ، في خلودها وبقائها حية في القلوب والأذهان ، بل لم يبق تيار متلاطم على مدى التاريخ مثل عاشوراء ، تركت هذه الفاجعة أثراً بليغاً على أفكار بني البشر.

يقول الكاتب المسيحي (أنطون بارا) : «لم تحظ ملحمة إنسانية في التاريخين القديم والحديث ، بمثل ما حظيت به ملحمة الإستشهاد في كربلاء من إعجاب ودرس وتعاطف» (١٥٥).

ويقول «توماس ماساريك» : «على الرغم من أن القساوسة لدينا يؤثرون على مشاعر الناس عبر ذكر مصائب المسيح ، إلا أنك لا تجد لدى أتباع المسيح ذلك الحماس والإنفعال الذي تجده لدى أتباع الحسين (عليه السلام) ،

__________________

(١٥٤) ـ المصدر السابق / ٣٢٠.

(١٥٥) ـ بارا ، أنطون : الحسين في الفكر المسيحي / ٥٩.

١٠٢

ويبدو أن سبب ذلك يعود إلى أن مصائب الحسين (عليه السلام) لا تمثل إلا قشّة أمام طود عظيم» (١٥٦). نعم بقيت هذه المأساة طلسماً محيراً للعقول ، في فضاعتها وإعتراف مقترفيها بعظيم ما جنوا ، وفي دراستها وفهم مغزاها. إذن ، هناك ثلاثة عناوين ينبغي بحثها كالتالي :

الأول ـ عظمة المأساة وفضاعتها :

تظهر عظمة هذه المأساة وفضاعتها على لسان من عاش أحداثها وهم أهل البيت عليهم السلام ، وخصوصاً الإمامين السجاد والباقر عليهما السلام ، وقد روي عنهما ما يلي :

١ ـ قال الإمام السجاد عليه السلام في خطبته ـ عندما رجع إلى المدينة ونزل بالقرب منها قبل أن يدخلها ـ (أيها القوم ، إنّ الله وله الحمد إبتلانا بمصائب جليلة ، وثلمة في الإسلام عظيمة ، قتل أبو عبد الله عليه السلام وعترته ، وسبي نساؤه وصبيته ، وداروا برأسه في البلدان من فوق عالي السنان ، وهذه الرزية التي لا مثلها رزية.

أيها الناس : فأي رجالات منكم تسرون بعد قتله؟ أم أيّة عين منكم تحبس دمعها وتضن ععن إنهمالها؟ فلقد بكت السبع الشداد لقتله ، وبكت البحار بأمواجها ، والسماوات بأركانها ، والأرض بأرجائها ، والأشجار بأغصانها ، والحيتان في لجج البحار ، والملائكة المقربون ، وأهل السماوات أجمعون.

أيها الناس ، أي قلب لا ينصدع لقتله؟ أم أي فؤاد لا يحنّ إليه؟ أم أي سمع يسمع هذه الثلمة التي ثلمت في الإسلام؟!

أيها الناس : أصبحنا مطرودين مشردين مذودين ، شاسعين عن الأمصار ، كأنا أولاد ترك وكابل ، من غير جرم اجترمناه ، ولا مكروه ارتكبناه ، ولا ثلمة

__________________

(١٥٦) ـ محدثي ، جواد : موسوعة كربلاء / ٢٩٢.

١٠٣

في الإسلام ثلمناه ، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين ، إن هذا إلا إختلاق ، فوالله لو أنّ النبي تقدم إليهم في قتالنا كما تقدم إليهم في الوصاية بنا لما زادوا على ما فعلوا بنا ، فإنا إليه راجعون من مصيبة ما أعظمها ، وأوجعها ، وأفجعها ، وأكظمها ، وأفظعها ، وأمرّها ، وأفدحها ، فعند الله نحتسب فيما أصابنا ، وبلغ بنا إنه عزيز ذو انتقام) (١٥٧).

٢ ـ وعَبّر عنها الإمام الباقر عليه السلام بأن قال : (كان أبي مبطوناً يوم قتل أبوه صلوات الله عليهما وكان في الخيمة ، وكنت أرى موالينا كيف يختلفون معه ، يتبعونه بالماء ، ويشدّ على الميمنة مرّة ، وعلى القلب ولقد قتلوه قتلة نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقتل بها الكلاب ، لقد قتل بالسيف ، والسنان ، وبالحجارة ، وبالخشب ، وبالعصا ، ولقد أوطأوه الخيل بعد ذلك) (١٥٨).

وأما بالنسبة إلى عامة الناس ؛ فعبروا عن هذه الفاجعة بما يلي :

قال البيروني : «لقد فعلوا بالحسين ما لم يفعل في جميع الأمم بأشرار الخلق من القتل بالسيف والرمح والحجارة وإجراء الخيول ، وقد وصل بعض هذه الخيول إلى مصر ، فقلعت نعالها وسمرت على أبواب الدور تبركاً ، وجرت بذلك السنة عندهم ، فصار أكثرهم يعمل نظيرها ويعلق على أبواب الدور» (١٥٩).

الثاني ـ إعتراف الجناة بعظيم ما جنوا :

من قرأ السيرة الحسينية ؛ لاحظ أنّ فيها عدة مواقف تثير الدهشة والإستغراب من أعداء أهل البيت عليهم السلام ، نذكر منها ما يلي :

__________________

(١٥٧) ـ القزويني ، السيد رضي بن نبي : تظلم الزهراء / ٣٠٧ ـ ٣٠٨.

(١٥٨) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٤٥ / ٩١.

(١٥٩) ـ المقرّم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ٣٠٣.

١٠٤

«قال هلال بن نافع : كنت واقفاً نحو الحسين وهو يجود بنفسه ، فوالله ما رأيت قتيلاً قط مضمخاً بدمه أحسن منه وجهاً ولا أنور! ولقد شغلني نور وجهه عن الفكرة في قتله! فاستقى في هذه الحال ماء فأبوا أن يسقوه» (١٦٠).

وذكر الشيخ الصدوق (ره) في كتابه (الأمالي) ـ بإسناده عن فاطمة بنت الحسين عليه السلام قالت : (دخلت الغاتمة (العامة) علينا الفسطاط وأنا جارية صغيرة وفي رجلي خلخالان من ذهب ، فجعل يفض الخلخالين من رجلي وه ويبكي ، فقلت : ما يبكيك يا عدو الله؟! فقال : كيف لا أبكي وأنا اسلب ابنة رسول الله؟! فقلت : لا تسلبني. قال : أخاف أن يجيء غيري فيأخذه. قالت : وانتهبوا ما في الأبنية حتى كانوا ينزعون الملاحف عن ظهورنا) (١٦١).

وذكر السيد القزويني (ره) في كتابه (تظلم الزهراء) : «... فصاح ابن سعد : اضرموا عليهم النار في الخيمة. وقيل له : يا ويلك يا عمر ، ما كفاك ما صنعت بالحسين عليه السلام ، وتريد تحرق حرم رسول الله بالنار ، لقد عزمت أن تخسف بنا الأرض؟! فأمرهم بعد ذلك بنهب ما في الخيم» (١٦٢).

الثالث ـ دراستها وفهم مغزاها :

إنّ صدى هذه الفاجعة المأساوية في كربلاء ، أثّر على الفكر البشري ، حيث أدى إلى عرض الكثير من الآراء حول دراستها وتحليلها ، وفهم مغزاها ، وهذا ما نراه واضحاً من خلال التالي :

__________________

(١٦٠) ـ المصدر السابق / ٢٨٣.

(١٦١) ـ الصدوق ، الشيخ محمد بن علي : أمالي الصدوق / ١٤٠ (المجلس ٣١ ـ الحديث ٢).

(١٦٢) ـ القزويني ، السيد رضي بن نبي : تظلم الزهراء / ٢٢٨.

١٠٥

١ ـ قال العلايلي : «والحق أنا لا نزال من فهم عصر الحسين ، والأحداث التي استطيرت واستشرت فيه على غموض وخفاء ، وذلك لأنّ الأقلام التي تناولته منذ أول عهد العرب بكتابة التاريخ لم تكن بريئة على إطلاق القول ، بل دارت على هدمة أغراض شتى بين النزعة المذهبية والزلفى من السلطة الغالبة. وجدير أن يتكيف تاريخ الحسين من بين هذه الأقلام بكيفية تجعل له لوناً مبهماً ، وتضفي عليه أستاراً ضعيفة ، تتركنا في حيرة من أن لا نصدق شيئاً أو نصدق كل شيء ، ولكن هاتين صفتان من السلب والإيجاب ، يمكن من بعدها أن نقتصد ونتحرى في جنب أخبار التاريخ بحيث نخرج بصفة ثالثة تقوم على النفي والإثبات جميعاً ، وعلى الوضع والرفع معاً ، مما قد نفضي منه إلى ما تطمئن إليه حقيقة ، ونشعر معه بشعور الصدق ، ونجد منه برد اليقين» (١٦٣).

٢ ـ وقال الشيخ كاشف الغطاء (ره) : «إنّ التضحية والمفادات التي تسامى وتعالى بها إمام الشهداء ، وأبو الأئمة يوم الطف من أي ناحية نظرت إليها ، ومن كل وجهة إتجهت لها متأملاً فيها ، أعطتك دروساً وعبراً ، وأسراراً وحكماً تخضع لها الألباب ، وتسجد في محراب عظمتها العقول ، واقعة الطف وشهادة سيد الشهداء وأصحابه في تلك العرصات ، كتاب مشحون بالآيات الباهرات ، والعظات البليغة فهي :

كَالبَدْرِ مِن حيثُ إشتَفَتّ وَجَدْتَه

يهدي إلى عينيك نوراً ثاقباً

أو : كالشّمس في كَبِدِ السِّماءِ ونورها

يغشى البلاد مشارقاً ومغارباً

أو : كالبحر يمنح للقريب جواهراً

غرراً ويبعث للبعيد سحائباً» (١٦٤)

__________________

(١٦٣) ـ العلايلي ، عبد الله : الإمام الحسين / ١٥.

(١٦٤) ـ كاشف الغطاء ، الشيخ محمد حسين ، جنّة المأوى / ١٧٨ ـ ١٨٩.

١٠٦

تاريخ بناء الحائر الحسيني :

الحائر الحسيني : هو المحوّطة المقدّسة لقبر الحسين عليه السلام ، التي حدّدها الإمام الصادق عليه السلام بـ(عشرين أو خمسة وعشرين ذراعاً من جوانب القبر المقدس).

وإختلف المؤرخون في أول من بني هذا الحائر ، وعلى أي صفة كالتالي :

١ ـ أوّل من بنى القبر الشريف بنو أسد ، الذين دفنوا الحسين عليه السلام وأصحابه ، وأشار إلى هذا ابن طاووس (قده) بقوله : «إنهم أقاموا رسماً لقبر سيد الشهداء ، بتلك البطحاء يكون علماً لأهل الحق» (١٦٥). وإلى هذا القول ذهب السيد محسن الأمين (قده). واعتمد السيدان : ابن طاووس والأمين على رواية زائدة ، عن علي بن الحسين عليه السلام ، عن عمته زينب ، عن أم أيمن ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ في حديث طويل ـ ، وفيه قال : (... ثم يبعث الله قوماً من أمتك لا يعرفهم الكفّار ، ولم يشركوا في تلك الدماء بقول ولا فعل ولا نيّة ، فيوارون أجسامهم ، ويقيمون رسماً لقبر سيد الشهداء بتلك البطحاء ، يكون علماً لأهل الحق ، وسبباً للمؤمنين إلى الفوز) (١٦٦).

وفي لفظ آخر : (مالي أراك تجود بنفسك يا بقية جدي وأبي وأخوتي ، فوالله إنّ هذا العهد من الله إلى جدك وأبيك ، ولقد أخذ الله ميثاق أناس لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض ، وهم معروفون في أهل السماوات ، أنّهم يجمعون هذه الأعضاء المقطعة ، والجسوم المضرّجة ، فيوارونها وينصبون بهذه الطف علماً لقبر أبيك سيد الشهداء ، لا يدرس أثره ، ولا يمحى رسمه على كرور الليالي والأيام ، وليجتهدن أئمة الكفر وأشياع الضلال في محوه وتطميسه ، فلا

__________________

(١٦٥) ـ الأمين ، السيد محسن : أعيان الشيعة ، ج ١ / ١٢٧.

(١٦٦) ـ النوري ، ميرزا حسين الطبرسي : مستدرك الوسائل ، ج ١٠ / ٢١٦ ـ ٢١٧ (باب ١٩ من أبواب المزار ـ حديث ٣).

١٠٧

يزداد أثره إلا ظهورا ، وأمره إلا علواً) (١٦٧). وبعد التسليم بأنّ بني أسد هم الذين بنوا القبر ، هناك سؤال يطرح : على أي كيفية بنو القبر؟

الجواب يتضح فيما يلي :

أ ـ قيل : إنهم وضعوا على القبور الرسوم التي لا تبلى ، ولعل هذه الرسوم كانت من لوائح الفخار التي عرفتها المنطقة من العهود الغابرة ، أو من الصخور الكلسية التي كانت متوفرة في تلك المنطقة.

ب ـ وقيل : إنّ بني أسد حددوا له مسجداً ، وبنوا على قبره الشريف سقيفة (١٦٨).

٢ ـ «وذهب صاحب (كنز المصائب) : إلى أنّ المختار بن أبي عبيدة الثقفي ، هو الذي قام بتشييد البناء على القبر واتخذ قرية من حوله» (١٦٩) ، وقد إعتمد هذا القول مجموعة من الكتّاب والباحثين (١٧٠) ، وخلاصة ما ذكروه ما يلي : عندما إستولى المختار بن أبي عبيدة على الكوفة عام ٦٦ هـ ، بنى على قبره الشريف قبة من الجص والآجر ، واتخذ قرية من حوله ، وكان للمرقد بابان : شرقي وغربي ، وقد تولى ذلك محمد بن إبراهيم بن مالك الأشتر. ولم يزل هذا البناء ـ على ما قيل ـ : حتى عهد هارون الرشيد ـ أي في عام ١٩٣ هـ ، حيث خَرّبه وقطع السدرة التي كانت نابتة عنده ، وكرب موضع القبر (١٧١). ولعلّ هذا البناء هو الذي أشار إليه الإمام الصادق عليه السلام في رواية صفوان الجمّال : (إذا أردت قبر الحسين عليه السلام في كربلاء ؛ قف خارج القبة وارمِ بطرفك نحو القبر ، ثم

__________________

(١٦٧) ـ ابن قولويه ، الشيخ جعفر بن محمد : كامل الزيارات / ٤٤٥ (باب ٨٨).

(١٦٨) ـ الكرباسي ، الشيخ محمد صادق : دائرة المعارف الحسينية (تاريخ المراقد ، ج ١ / ٢٤٨).

(١٦٩) ـ الكليدار ، الدكتور السيد عبد الجواد : تاريخ كربلاء وحائر الحسين / ١٦٠.

(١٧٠) ـ الكرباسي ، الشيخ محمد صادق : دائرة المعارف الحسينية (تاريخ المراقد ـ ج ١ / ٢٥٠ ـ ٢٥٣ (بتصرف).

(١٧١) ـ نفس المصدر.

١٠٨

أدخل الروضة وقم بحذائها من حيث يلي الرأس ، ثم أخرج من الباب الذي عند رجلي علي بن الحسين عليه السلام ، ثم توجه إلى الشهداء ، ثم إمش حتى تأتي مشهد أبي الفضل العباس ، فقف على باب السقيفة وسلّم) (١٧٢).

وبعد عرض أهم الأقوال في بناء الحائر ، يهمنا الحديث عن هيئة الحائر في الروايات وفي العصر الحاضر كالتالي :

هندسة الحائر في الروايات :

تتكون الروضة الحسينية من سقيفة على قبر الحسين عليه السلام وابنه علي الأكبر عليه السلام ، وفوقها قبة ولها بابان :

أحدهما ـ باب القبة : وهو من جهة الرأس ، وإلى هذا أشارت رواية صفوان عن الصادق عليه السلام : (... ثم تأتي باب القبة وقف من حيث يلي الرأس) (١٧٣) ، وأيضاً رواية صفوان الأخرى : (... فإذا أتيت الباب فقف خارج القبة وأومِ بطرف نحو القبر ، ـ إلى أن يقول ـ : ثم أدخل رجلك اليمنى القبة وأخّر اليسرى) (١٧٤).

ثانيهما ـ الباب الذي عند رجلي علي بن الحسين (عليهما السلام) : المقابل إلى الشهداء ، وإلى هذا أشارت رواية صفوان عن الصادق عليه السلام : (ثم أخرج من الباب الذي عند رجلي علي بن الحسين (عليهما السلام) ، ثم تَوجه إلى الشهداء) (١٧٥). كما تشمل هذا الروضة مرقد الشهداء والمسجد. ويحوط هذه الروضة سور الحائر وله بابان :

__________________

(١٧٢) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٩٨ / ٢٥٩.

(١٧٣) ـ نفس المصدر / ١٩٩.

(١٧٤) ـ نفس المصدر / ٢٥٩.

(١٧٥) ـ نفس المصدر / ٢٠١.

١٠٩

الأول ـ وهو المدخل الرئيسي :

وهو من جهة الشرق ، وهو المقابل لمشهد العباس عليه السلام ، وإلى هذا أشارت رواية يوسف الكناسي عن الصادق عليه السلام : (إذا أتيت قبر الحسين عليه السلام ؛ فأت الفرات واغتسل بحيال قبره ، وتوجه إليه وعليك السكينة والوقار ، حتى تدخل الحير من جانبه الشرقي) (١٧٦). وكذلك رواية أبي حمزة الثمالي عن الصادق : (... فإذا اتيت الباب الذي بالمشرق ؛ فقف على الباب) (١٧٧). ويسمى بباب الحائر أيضاً ، كما أشارت إلى ذلك رواية صفوان عن الصادق عليه السلام : (فإذا أتيت باب الحائر ؛ فقف ...) (١٧٨).

الثاني ـ باب القبلة :

الواقع في الجهة الجنوبية. وبالقرب من هذا المشهد سدرة عالية (١٧٩) ـ في الجهة الشمالية الغربية ـ التي قطها الرشيد ، وإلى هذا تشير رواية يحيى بن المغيرة الرازي قال : (كنت عند جرير بن عبد الحميد (١٨٠) ، إذ جاءه رجل من أهل العراق ، فسأله جرير عن خبر الناس فقال : تركت الرشيد وقد كَرّبَ قبر الحسين عليه السلام ، وأمر أن تقطع السدرة التي فيه فقطعت. قال : فرفع جرير يديه

__________________

(١٧٦) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٩٨ / ١٥٧.

(١٧٧) ـ نفس المصدر / ١٧٧.

(١٧٨) ـ نفس المصدر / ١٩٨.

(١٧٩) ـ ذكر الخليلي في (موسوعة العتبات المقدسة ـ قسم كربلاء : ٢٥٧) ، نقلاً عن كتاب (شيعة الهند : ٦٤) للدكتور جون هوليستر : «إن إحدى الروايات الشيعية تنص على أن بعض المؤمنين المحبين لآل البيت ، كان قد أشّرَ على مكان القبر المطهر بزرع شجرة (عنجاص) باقرب منه ، لكن هذه الشجرة قد اجتثت فيما بعد بأمر من الخليفة هارون الرشيد ، وحرثت الأرض المحيطة بها».

(١٨٠) ـ جرير بن عبد الحميد ، بن قُرْط ، الظّبيُّ ، الكوفي ، نزيل الرّي وقاضيها : ثقة صحيح الكِتاب ، توفي سنة ١٨٨ هـ. راجع تقريب التهذيب ٧٨١.

١١٠

وقال : الله أكبر ، جاءنا فيه حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : لعن الله قاطع السدرة ثلاثاً ، فلم نقف على معناه حتى الآن ؛ لأنّ القصد بقطعة تغيير مصرع الحسين عليه السلام حتى لا يقف الناس على قبره) (١٨١).

كما أنّ لهذا المشهد الطاهر سدنة معينون بوظائف مختلفة لخدمته ، وكانوا يتقاضون مرتباتهم من الأوقاف التي كانت قد أسستها أم موسى (١٨٢) ـ أم الخليفة المهدي ـ لهذا الغرض ، وإلى هذا تشير رواية الطبري في حوادث عام ١٩٣ هـ على عهد الرشيد : «ذكر علي بن محمد ، عن عبد الله قال : أخبرني القاسم بن يحيى ، قال بعث الرشيد إلى ابن داود ، والذين يخدمون قبر الحسين في الحير ، قال : فأتى بهم فنظر إليه الحسن بن راشد (١٨٣) وقال : مالك؟ قال : بعث هذا الرجل ـ يعني الرشيد ـ فأحضرني ولست آمنه على نفسي. قال : إذا دخلت عليه فسألك فقل له الحسن بن راشد وضعني في ذلك الوضع. فلما دخل عليه قال هذا القول. قال : ما أخلق أن يكون هذا من تخليط الحسن احضروه. فلما حضر قال : ما حملك على أن صيّرت هذا الرجل في الحير؟ قال : رحم الله من صيّره في الحير ، أمرتني أم موسى أن أصيره فيه ، وأن أجري عليه في كل شهر ثلاثين درهماً ، فقال : ردوه إلى الحير ، وأجروا عليه ما أجرته أم موسى» (١٨٤).

__________________

(١٨١) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٤٥ / ٤٩٨.

(١٨٢) ـ أم موسى ، هي كنيتها ، وأسمها أروى بنت منصور بن عبد الله بن ذي سهم بن يزيد بن منصور الحميري من ملوك اليمن ، زوجة المنصور العباسي ، توفيت عام ١٤٦.

(١٨٣) ـ مولى بني العباس ، وكان وزير المهدي ، وموسى ، وهارون ، بغدادي.

(١٨٤) ـ الكليدار ، الدكتور السيد عبد الجواد : تاريخ كربلاء وحائر الحسين / ٣٢ ـ ٣٣.

١١١

هندسة الحائر في العصر الحاضر :

تتكون العمارة الحالية من صحن واسع تصل مساحته إلى (١٥٠٠٠ م ٢) ، يتوسطه حرم تبلغ مساحته (٣٨٥٠ م ٢) يقع فيه الضريح المقدس ، وتحيط به أروقة بمساحة (٦٠٠ م ٢). وأهم معالم هذا البناء ما يلي :

١ ـ الضريح الحسيني :

يقع الضريح المقدس الذي ضم الجسد الطاهر للإمام الحسين عليه السلام ، مع ابنيه علي الأكبر وعلي الأصغر (الرضيع) عليه السلام ، تحت صندوق من الخشب الساج المرصّع بالعاج الفاخر ، ويحيط به صندوق آخر من الزجاج ، ويعلو الصندوق شباك مصنوع من الفضّة الخالصة موشّى بالذهب ، وتحيط بالشبّاك روضة واسعة فرشت أرضها بالمرمر الإيطالي ، وغُلّفت جدرانها بارتفاع مترين بالمرمر نفسه ، فيما تزدان بقية الجدران والسقوف بالمرايا التي صنعت بأشكال هندسيّة ، تشكل آية من آيات الفن المعماري الرائع ، وهو ذو أربعة أركان ، وفي جانب الطول الذي حول قبر الحسين عليه السلام خمسة أقسام معلومة ، وفي العرض أربعة أقسام ، عرض القسم الواحد مها (٨٠ سم) بينما مشبك علي الأكبر في عرضه شباك واحد ، وفي طوله شباكان ، طول مشبك الحسين عليه السلام (٥,٥ م) ، وعرضه (٤,٥ م) ، أما طول مشبك علي الأكبر (٢,٦ م) وعرضه (١,٤٠ م). وترتفع فوق الصندوق من جهاته الأربعة رمانات ذهبية ، يبلغ قطر كل منها (٥٠ سم) ، وإلى جانب الرمانات (٦ آوانٍ) مستطيلة الشكل مطلية بالذهب ، يبلغ طولها حوالي نصف متر.

١١٢

٢ ـ القبة الذهبية :

وتعلو المرقد الحسيني قبة شاهقة بارتفاع (٣٧ م) من الأرض ، تتربع أربع دعامات ضخمة مستطيلة (٣,٥ م × ٢,٥ م) ، والقبة بصلية الشكل ، ذات رقبة طويلة تتخللها عشرة شبابيك ، يبلغ عرض كل منها (١,٣٠ م) ، وبين كل شباك وآخر مسافة (١,٥٥ م) ، وهي مغشاة من أسفلها إلى أعلاها بالذهب الخالص ، ويبلغ عدد الطابوق الذهبي الذي يغطيها (٨٠٢٤) طابوقة ، ومساحة القبة تبلغ (٣٠١ م ٢) ذهب ، وتعلو قمتها سارية من الذهب الخالص بطول (٢ م) ، وتحف بالقبة مئذنتان مطليتان بالذهب.

٣ ـ ضريح الشهداء :

وموقعه قريب من الضريح الحسيني إلى جهة الشرق ، يفصل بينه وبين ضريح علي الأكبر مقدار (١,٥ م) ، وفي واجهة المرقد شباك فضي طوله (٤.٨٠ م) ، والثاني فتح حديثاً ؛ وهو يطل على الرواق الجنوبي إلى اليمين من باب القبلة.

٤ ـ الأروقة :

يحيط بالحرم الحسيني أربعة أروقة ، من كل جهة رواق ، يبلغ عرض الرواق الواحد (٥ م) ، وطول ضلع كل من الرواق الشمالي الجنوبي (٤٠ م) تقريباً ، وطول ضلع كل من الرواق الشرقي الغربي (٤٥ م) تقريباً. وأرضيتها جميعاً مفروشة بالرخام الأبيض الناصع ، وفي وسط جدرانها كلها قطع من المرايا الكبيرة أو الصغيرة ، ويبلغ ارتفاع كل رواق (١٢ م) ولكل رواق من هذه الأروقة اسم خاص به كالتالي :

١١٣

الرواق الغربي :

ويدعى برواق السيد إبراهيم المجاب ، نسبة إلى مدفن السيد إبراهيم ، بن محمد العابد ، بن الإمام موسى الكاظم عليه السلام ، وسمي بالمجاب لحادثة مشهورة ـ وهي : أنه سَلّم على جده الحسين عليه السلام ، فأجيب من القبر ـ ، وقد قدم كربلاء سنة (٢٤٧ هـ) واستوطنها إلى وفاته ، وفن في هذا الموضع ، وعليه اليوم ضريح من البرونز ، وتمر به الزوار لزيارته.

الرواق الجنوبي :

ويدعى برواق حبيب بن مظاهر الأسدي ، نسبة إلى وجود قبر الشهيد حبيب بن مظاهر الأسدي ، وعلى قبره اليوم ضريح من الفضة.

الرواق الشرقي :

ويدعى برواق الفقهاء ، وفيه مدافن شخصيات العلمية الكبيرة.

الرواق الشمالي :

ويدعى برواق الملوك ، حيث إحتوى على مقبرة للملوك القاجاريين.

٥ ـ أبواب الأروقة الداخلية :

توجد ثمانية أبواب داخلية للأروقة تؤدي إلى ال حضرة المطهرة ، وهي : باب القبلة ، باب علي الأكبر ، باب الكرامة ، باب الناصري ، باب السيد إبراهيم المجاب ، باب رأس الحسين ، باب حبيب بن مظاهر ، باب صاحب الزمان.

٦ ـ المذبح :

وهو المحل الذي ذبح فيه الإمام الحسين عليه السلام ، وموضعه إلى الجنوب الغربي من الرواق ، ويتألف من غرفة خاص لها باب فضي ، وأرضيتها من

١١٤

المرمر الناصع ، وفيها سرداب يعلوه باب فضي أيضاً ، ويطل على هذه الغرفة شباك على الصحن من الخارج.

٧ ـ الصحن :

وهو بناء كبير وفناء واسع يحيط بالمرقد الشريف ، ويطلق عليه البعض إسم الجامع ؛ لإجتماع الناس فيه لإقامة الصلوات الخمس ، وأداء الزيارات المخصوصة في مواسمها المعلومة. والصحن من الداخل على شكل مستطيل ولكنه سداسي على شكل الضريح المقدس ، ويحيط به سور عالٍ يفصل الروضة من الخارج ، وجرى تزيينه بالطابوق الأصفر والقاشي ، وكتبت عليه من الجهة العليا الآيات القرآنية الكريمة بالخط الكوفي البديع ، ومن الداخل تتوزعه الإيوانات التي بلغ عددها (٦٥) إيواناً ، تطل على الصحن وتحيطه من جميع جوانبه ، وفي كل إيوان وجد حجرة مزيّنة جدرانها بالفسيفساء.

٨ ـ أبواب الصحن :

للصحن الشريف عشرة أبواب يؤدي كل منها إلى الشارع الدائري ، المحيط بالروضة والشوارع المتفرعة منه ، وقد جاءت كثرة هذه الأبواب ، من أجل تخفيف حدى الزحام في مواسم الزيارات ، وجميع الأبواب مصنوعة من الخشب الساج وبأشكال بديعة ، وعليها سقوف مُغلّفة بالقاشاني ، وتتضمن حواشيها الآيات القرآنية الكريمة ، والأبواب هي :

باب القبلة : وهو من أقدم الأبواب ، ويُعدّ المدخل الرئيسي إلى الروضة الحسينية ، وعرف بهذا الاسم لوقوعه إلى جهة القبلة ، ويبلغ ارتفاع قوس البرج من مدخل الصحن حوالي (١٥ م) ، وعرض قاعدته (٨ م) ، أما الباب الجديد ؛

١١٥

فهو مصنوع من الخشب الساج الفاخر ، مُطعّم بخشب النارنج ، ويبلغ ارتفاعه حوالي (٦ م) ، وعرض قاعدته (٤ م).

باب الرجاء : يقع بين باب القبلة وباب قاضي الحاجات ، ويبلغ ارتفاعه حوالي (٥ م وعرضه (٣,٥ م).

باب قاضي الحاجات : يقع هذا الباب مقابل سوق التجار (العرب) ، وقد عرف بهذا الاسم نسبة إلى الإمام الحجة المهدي (عج) ، ويبلغ ارتفاع الباب حوالي (٥ م) وعرضها (٣,٥ م).

باب الشهداء : يقع هذا الباب في منتصف جهة الشرق ، حيث يتجه الزائر منه إلى مشهد العباس عليه السلام ، وعرف بهذا الاسم تيمناً بشهداء معركة الطف ، يبلغ ارتفاعه (٤ م) وعرضه (٣ م).

باب الكرامة : يقع هذا الباب من أقصى الشمال الشرقي من الصحن ، وهو مجاور لباب الشهداء ، وعرف بهذا الإسم كرامة للإمام الحسين عليه السلام ، يبلغ ارتفاعه (٤ م) وعرضه (٣ م).

باب السلام : يقع في منتصف جهة الشمال ، وعرف بهذا الإسم ؛ لأن الزوار كانوا يسلمون على الإمام عليه السلام بإتجاه هذا الباب ، ويبلغ ارتفاعه (٤ م) وعرضه (٣ م).

باب السدرة : يقع هذا الباب في أقصى الشمال الغربي من الصحن ، وعرف بهذا الإسم تيمناً بشجرة السدرة ، التي كان يستدل بها الزائرون في القرن الأول الهجري ، إلى موضع قبر الحسين عليه السلام ، ويقابل هذا الباب شارع السدرة ، يبلغ ارتفاعه (٤ م) وعرضه (٣ م).

١١٦

باب السلطانية : يقع هذا الباب غرب الصحن الشريف ، وعرف بهذا الإسم نسبةً إلى مشيّده أحد سلاطين آل عثمان ، يبلغ ارتفاعه (٤ م) وعرضه (٣ م).

باب الرأس الشريف : يقع هذا الباب في منتصف جهة الغرب من الصحن الشريف ، وعرف بهذا الإسم ؛ لأنّه يقابل موضع رأس الحسين عليه السلام ، يبلغ ارتفاعه (٤ م) وعرضه (٣ م) ، ونصبت الساعة فوق هذا الباب.

باب الزينبية : يقع هذا الباب إلى الجنوب الغربي من الصحن ، وقد سمي بهذا الإسم تيمناً بمقام الزينبية المقابل له ، ويبلغ ارتفاعه (٤ م) وعرضه (٣ م).

٩ ـ الطّارْمة : (إيوان الذهب) :

يطل هذا الإيوان على الصحن الضريف من جهة الجنوب ، وله سقف عالٍ ولكنه ليس بمستوى واحد ، فهو مرتفع من الوسط ومنخفض من ال طرفين ، ويرتكز السقف على أعمدة من الرخام الفاخر ، والإيوان مستطيل الشكل بطول (٣٦ م) وعرض (١٠ م) ، وقد كسيت جدرانه بالذهب الخالص ، وزُيِّنت جوانبه بالفسيفساء المنقوشة بشكل بديع ، بينما بقية الجدران كسيت بالقاشاني المزخرف ، ويفصل هذا الإيوان عن الصحن مُشَبّك معدني ، ويكون المرور من الجانبين إلى الروضة.

١٠ ـ خزانة الروضة الحسينية :

وتقع في الواجهة الشمالية للروضة ، وهي غرفة حصينة تضم هدايا الملوك والسلاطين والأمراء والشخصيات الكبيرة من مختلف البلدان الإسلامية ، وفيها تحف نادرة ونفائس باهرة.

١١٧

١١ ـ مكتبة الروضة الحسينية :

وتقع إلى الجهة اليمنى عند مدخل باب القبلة ، وتأريخ تأسيسها يعود إلى سنة ١٣٩٩ هـ ، وهي تضم العديد من الكتب المطبوعة والمخطوطة ، بالإضافة إلى المصاحف المخطوطة الثمينة (١٨٥).

ب ـ مبدأ تسميتها بالحائر أو الحير :

لم يرد في التاريخ أو الحديث أي ذكر لهذه البقعة المقدسة بإسم الحائر أو الحير قبل إستشهاد الحسين عليه السلام ؛ إذ الأحاديث النبوية المنبأة بقتل الحسين عليه السلام تضمنت عدة أسماء ولم يكن من بينها الحائر أو الحير ، وكذلك بعد عصر النبوة إلى عصر الإمام زين العابدين عليه السلام ، ولكن أول ذكر لهذا الإسم كان على لسان الباقر عليه السلام ، فيستدل من ذلك أنّ اسم الحائر أو الحير لم يكن قديماً ، بل هو اسم حدث في عصر الإمام الباقر عليه السلام. وهذا ما يدعو إلى التساؤل عن سبب ظهوره في مثل هذا العصر بالخصوص؟

لعل من أهم الأسباب في ذلك ، تلك الظروف الحرجة في العصر الأموي ، وحفاظاً على ذلك المعلم الحسيني الشامخ ، وحفاظاً على زواره الكرام ، ما ذكر إلا على نحو السرية في هذا العصر ، ولما سنحت الفرصة لإبنه الإمام الصادق عليه السلام في نهاية الدولة الأموية ، صرّح بهذه التسمية.

وخلاصة ما توصلنا إليه : إنّ إطلاق هذا الإسم على هذه البقعة الشريفة بعد أنّ تمصرت وأصبحت ذات شأن ، ومحطاً للتجارة والقوافل ، نظراً لأهمية موقعها الديني ، ولوقوعها بين المناطق الغنية بالمحاصيل الزراعية ، ومن الشواهد

__________________

(١٨٥) ـ آل طعمة ، السيد سلمان هادي : دليل كربلاء المقدسة / ١٧ ـ ٢٦. تاريخ مرقد الحسين والعباس / ٩٧ ـ ١٩١. (بتصرف).

١١٨

على ذلك ما رواه سبط ابن الجوزي ، عن السدي بأنه قال : «نزلت بكربلاء ومعي طعام للتجارة ، فنزلنا على رجل : فتعشينا عنده ، وتذاكرنا قتل الحسين عليه السلام وقلنا : ما شرك أحد في دم الحسين إلا ومات أقبح موته. فقال الرجل ما أكذبكم ، أنا شركت في دمه ، وكنت فيمن قتله ، وما أصابني شيء. فلما كان آخر الليل إذا بصياح! قلنا : ما الخبر؟ قالوا : قام الرجل يصلح المصباح فاحترقت اصبعه ، ثم دَبّ الحريق في جسده فاحترق. قال السدي : فأنا والله رأيته كأنه حممه» (١٨٦).

وهذا الخبر صريح في أنّ كربلاء بعد واقعة الطف صارت آهله بالسكان ، كما أنّها نالت شهرة واسعة ؛ حيث أقبل الناس على زيارتها من كل حدب وصوب ، وأن القبر الشريف يقصده الناس للزيارة وقضاء الحوائج ، ويظهر منه المعجز الباهر ، ومن الشواهد على ذلك : «ما ورد في نوادر علي بن أسباط ، عن غير واحد من أصحابه قال : لما بلغ أهل البلدان شهادة أبي عبد الله عليه السلام ؛ قدمت كل إمرأة نزور ـ وكانت العرب تقول للمرأة التي لا تلد أبداً إلا أن تخطّى قبر رجل كريم النزور ـ التي لا تلد أبداً ، إلا أن تخطّى قبر رجل كريم ، فلما قيل للناس : إنّ الحسين ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد وقع ؛ أتته مائة ألف إمرأة لا تلد ، فولدن كلهن» (١٨٧).

١٧ ـ حرم الحسين (عليه السلام) :

ذكرت الروايات أن للقبر الشريف حرمة ، تبدأ من دائرة صغيرة حول القبر الشريف ، وتتسع حتى تبلغ دائرة أوسع ، حتى تشمل مدينة كربلاء ،

__________________

(١٨٦) ـ الكليدار ، الدكتور السيد عبد الجواد : تاريخ كربلاء وحائر الحسين / ٧٦.

(١٨٧) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٩٨ / ٧٥.

١١٩

وحددتها الروايات بعشرين ذراعاً ، وخمسة وعشرين ذراعاً ، وفرسخ ، وأربعة فراسخ ، وخمسة فراسخ ، من جوانب القبر الشريف ، فعلى هذا تأتي قاعدة الشرفية بين هذه الحدود المذكورة ، على ترتيب المواضع حسب قاعدة الأقرب فالأقرب إلى القبر الشريف ، والذي نريد بحثه هو التالي :

أولاً ـ عرض الروايات :

١ ـ حماد بن عيسى ، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : (من مخزون علم الله الإتمام في أربعة مواطن : حرم الله ، وحرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وحرم أمير المؤمنين عليه السلام ، وحرم الحسين بن علي عليهما السلام) (١٨٨).

٢ ـ عبد الحميد ـ خادم إسماعيل بن جعفر ـ عن أبي عبد الله عليه السلام قال : (تتم الصلاة في أربعة مواطن : المسجد الحرام ، ومسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، ومسجد الكوفة ، وحرم الحسين عليه السلام) (١٨٩).

٣ ـ حذيفة بن منصور ، عمن سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول : (تتم الصلاة في المسجد الحرام ، ومسجد الرسول ومسجد الكوفة ، وحرم الحسين عليه السلام) (١٩٠).

٤ ـ عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سمعته يقول : (تتم الصلاة في أربعة مواطن : في المسجد الحرام ، ومسجد الرسول ، ومسجد الكوفة ، وحرم الحسين عليه السلام) (١٩١).

__________________

(١٨٨) ـ الحر العاملي ، الشيخ محمد الحسن : وسائل الشيعة ، ج ٥ / ٥٤٣ (باب ٢٥ من أبواب صلاة المسافر ، حديث ١).

(١٨٩) ـ نفس المصدر / ٥٤٦ (الحديث ١٤).

(١٩٠) ـ نفس المصدر / ٥٤٨ (الحديث ٢٣).

(١٩١) ـ نفس المصدر / ٥٤٩ (الحديث ٢٥).

١٢٠