أقضية رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم

محمّد بن فرج المالكي القرطبي

أقضية رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم

المؤلف:

محمّد بن فرج المالكي القرطبي


المحقق: الشيخ طالب عوّاد
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ٠
ISBN: 9953-27-352-9
الصفحات: ١٤٤

هذين في توراة الله قالا : نجد فيها إذا وجد الرجل مع المرأة في بيت فهي ريبة فيها عقوبة ، فإذا وجد في ثوبها أو على بطنها فهي ريبة فيها عقوبة ، وإذا شهد أربعة ثم ذكر باقي الحديث كما ذكره انتهى (١).

وفي الحديث من الفقه أن اليهود إذا رضوا بحكم الإسلام حكم بينهم إن أحب بغير رأي أساقفتهم ، وأن لا يحفر للمرجوم لأنه لو حفر لليهودي لم يقدر أن يحني على المرأة ليقيها الحجارة. وبهذا أخذ مالك أن لا يحفر له ، وقال بعض أصحابه : الإمام مخير إن شاء حفر له وإن شاء لم يحفر له ، وأن لا جلد على المرجوم. وفي مصنف أبي داود وكتاب الشرف أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قضى في رجل وطئ جارية امرأته وكانت أحلتها له بجلد وإن لم تكن أحلتها له برجم (٢).

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في نقض الصلح الحرام وإقامة الحد على الزاني البكر وعلى المريض وصفة السوط

في الموطأ مالك عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن أبي هريرة ، وزيد بن خالد الجهني ، أنهما أخبراه أنّ رجلين اختصما إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال أحدهما : يا رسول الله ، اقض بيننا بكتاب الله ، وقال الآخر ، وهو أفقههما : أجل يا رسول الله فاقض بيننا بكتاب الله وائذن لي في أن أتكلم. قال : «تكلم» ، قال : إن ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته. فأخبروني أن على ابني الرجم ، فافتديت منه بمائة شاة وجارية لي ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني : جلد مائة ، وتغريب سنة ، وإنما الرجم على امرأته ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أما والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله عزوجل ، أما غنمك وجاريتك فردّ عليك» ، وجلد ابنه مائة ، وغرّبه عاما ، وأمر أنيسا الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر فإن اعترفت رجمها. فاعترفت فرجمها (٣).

قال مالك : العسيف : الأجير. قال بعض العلماء : معنى قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لأقضين بينكما بكتاب الله» أي بحكم الله الذي هو وحي ليس بقرآن بقول الله عزوجل : (أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ) [القلم : الآية ٤٧]. أي يحكمون. وقيل : إن ذلك من مجمل القرآن في قوله سبحانه وتعالى : (وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ) [النّور : الآية ٨]. وهي التي يرميها زوجها ، فأبان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فعله أن ذلك العذاب الرجم على الزاني المحصن.

__________________

(١) رواه البزار (١٥٥٨) ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٦ / ٢٧١) وقال رواه البزار من طريق مجالد عن الشعبي. وقد صححها ابن عدي أقول مجالد بن سعيد ضعيف. ويشهد له ما قبله.

(٢) رواه أبو داود (٤٤٥٩) وإسناده ضعيف.

(٣) رواه مالك في الموطأ (١٧٦٠) في الحدود ، والبخاري (٦٦٣٣ و ٦٦٣٤) ، وأبو داود (٤٤٤٥) ، والترمذي (١٤٣٣) من حديث أبي هريرة رضي‌الله‌عنه.

٢١

وفي الحديث من الفقه : نقض الصلح الحرام ، والتوكيل على إقامة الحد ، بخلاف قول أبي حنيفة الذي لا يجيز الوكالة على الحدود إلا على إقامة البينة خاصة ، وإقرار الزاني مرة واحدة ، وأن لا يجلد من وجب رجمه ، وسؤال عالم وثم أعلم منه. وأن من رمى امرأة غيره بالزنا أن السلطان يبعث إليها فإن أقرت حدّت وبرئ الرامي الذي رماها ، وإن أنكرت جلد الذي رماها الحد. وإجازة خبر الواحد في الأحكام والأعذار إلى المحكوم عليه ، وتغريب الزاني البكر ولا تغريب على النساء ولا على العبيد لأن النساء عورة والعبيد سلعة. وتأوّل البخاري أن التغريب النفي فترجم الباب في كتابه : البكران يجلدان وينفيان.

وقال النسائي في صون النساء عن مجلس الحكم في الموطأ مالك عن زيد بن أسلم : أن رجلا اعترف على نفسه بالزنا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بسوط فأتي بسوط مكسور فقال : «فوق هذا» ، فأتي بسوط جديد ، لم تقطع ثمرته فقال : «دون هذا» ، فأتي بسوط قد ركب به ولان ، فأمر به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فجلد. ثم قال : «أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله ، من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله ، فإنه من يبدي صفحته نقم عليه كتاب الله» (١). قوله لم تقطع ثمرته يعني طرفه ، والثمرة الطرف.

وقوله عليه‌السلام : «من أصاب من هذه القاذورات» يعني جميع المعاصي كالزنا والخمر وشبه ذلك.

وفي كتاب أبي عبيد : أن سعد بن عبادة أتي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم برجل كان في الحيّ مخدّج سقيم وجد على أمة من إمائهم يخبث بها فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خذوا له عثكالا فيه مائة شمراخ فاضربوه به ضربة» (٢). وفي شرح الحديث لابن قتيبة : اجلدوه ، قالوا : نخاف أن يموت. قال : اجلدوه بعثكال. والعثكال : الكباسة ، وأهل المدينة يسمونه العذق وهو العرجون هذا في الأحكام لإسماعيل وهذا خاص.

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في حد القذف والخمر وما روي عنه في اللواط

في كتاب النسائي عن عائشة رضي‌الله‌عنها قالت : لما نزل عذري قام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم على المنبر فذكر ذلك ، وتلا ما أنزل الله ، فلما نزل من المنبر أمر بالرجلين والمرأة فضربوا حدهم (٣).

وفي البخاري عن عروة : لم يسم من أهل الإفك إلا : حسان ومسطح وحمنة بنت جحش

__________________

(١) رواه مالك في الموطأ (١٧٦٩) في الحدود وهو حديث مرسل.

(٢) رواه أحمد في المسند (٥ / ٢٢٢) ، والبيهقي في السنن (٨ / ٢٣٠) وإسناده صحيح.

(٣) رواه أبو داود (٤٤٧٤ و ٤٤٧٥) ، والترمذي (٣١٨١) من حديث عائشة رضي‌الله‌عنها. وهو حديث حسن.

٢٢

في أناس آخرين لا علم لي بهم غير أنهم عصبة ـ كما قال الله عزوجل ـ والذي تولى كبره منهم (١) وهو : عبد الله بن أبي بن سلول.

لم يثبت عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه رجم في اللواط ، ولا أنه حكم فيه. وثبت عنه أنه قال : «اقتلوا الفاعل والمفعول به» (٢). رواه ابن عباس وأبو هريرة. وفي حديث أبي هريرة : «أحصنا أو لم يحصنا» (٣).

وحكم به أبو بكر الصديق ، وكتب به إلى خالد بعد مشورة خير القرون وكان أشدّهم في ذلك علي بن أبي طالب ، وروي عن أبي بكر الصديق أنه حرقهم بالنار قال ابن عباس : بعد أن رجمهم. قال ابن عباس : وإن كان غير محصن رجم (٤) ، وذكر ابن القصار أن الصحابة اجتمعوا على ذلك وأن أبا بكر قال : يرميان من شاهق. وأن علي بن أبي طالب هدم عليهما حائطا ، وما وقع في المصنفات المشهورة أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما قتل مرتدا ولا زنديقا وثبت عنه أنه عليه‌السلام قال : «من غيّر دينه فاقتلوه» (٥).

وقتل أبو بكر امرأة يقال لها أم قرفة ارتدت بعد إسلامها.

في البخاري عن عقبة بن الحارث قال : جيء بالنعمان أو بابن النعمان إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو سكران فشق عليه ، وأمر من في البيت أن يضربوه ، فضربوه بالجريد والنعال فكنت فيمن شهد ضربه (٦). وقال أنس : جلد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الخمر بالجريد والنعال ، وجلد أبو بكر أربعين (٧). وقال السائب بن يزيد : كنا نؤتى بالشارب على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأمارة أبي بكر وصدر من خلافة عمر فنقوم إليه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا حتى كان آخر إمرة عمر فجلد أربعين ، حتى إذا عتوا وفسقوا جلد ثمانين (٨) ، هكذا وقع في كتاب الحدود.

__________________

(١) رواه البخاري (٤٧٥٧) من حديث عائشة رضي‌الله‌عنها.

(٢) رواه أحمد في المسند (٢٧٣٣) ، والحاكم (٤ / ٣٥٥) ، والبيهقي في السنن (٨ / ٢٣٣) من حديث ابن عباس رضي‌الله‌عنهما. وفي إسناده عباد بن منصور : ضعيف لسوء حفظه وتدليسه وتغيره. قال أبو حاتم : نرى أنه أخذ هذه الأحاديث عن إبراهيم بن أبي يحيى عن داود بن حصين عن عكرمة عن ابن عباس ـ يعني كان يدلسها ـ بإسقاط رجلين.

(٣) رواه ابن ماجه (٢٥٦٢) ، والحاكم (٤ / ٣٥٥) من حديث أبي هريرة رضي‌الله‌عنه. وإسناده ضعيف.

(٤) رواه البيهقي في السنن (٨ / ٢٣٢). وهو حديث مرسل. وانظر الترغيب والترهيب للمنذري (ج / ٣ / ٢٨٦).

(٥) رواه أحمد في المسند (١ / ٢١٧ و ٢١٩) ، والبخاري (٣٠١٧) ، وأبو داود (٤٣٥١) ، والترمذي (١٤٥٨) ، والبيهقي (٨ / ١٩٥) من حديث ابن عباس رضي‌الله‌عنهما.

(٦) رواه البخاري (٦٧٧٥).

(٧) رواه البخاري (٦٧٧٣) و (٦٧٧٦).

(٨) رواه البخاري (٦٧٧٩) من حديث السائب بن يزيد رضي‌الله‌عنه.

٢٣

وقع في مناقب عثمان أنه دعا عليا فجلد الوليد بن عقبة ثمانين ، ووقع في موضع آخر في حديث عثمان بن عفان حين شهد عنه حمران ، ورجل آخر على الوليد بن عقبة. شهد حمران : أنه شرب الخمر. وشهد الآخر : أنه رآه يتقيّؤها. فقال عثمان : إنه لم يتقيأها حتى شربها. فقال : يا علي قم فاجلده. فقال علي : قم يا حسن فاجلده. فقال الحسن : ولّ حارّها من تولّى قارّها. فكأنه وجد عليه ، فقال : يا عبد الله بن جعفر قم فاجلده. فجلده وعلي يعد حتى بلغ أربعين ، فقال : أمسك قد جلد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أربعين وأبو بكر أربعين وعمر ثمانين وكل سنّة وهذا أحب إليّ (١). وأخذ الشافعي بأربعين.

وفي مصنف عبد الرزاق أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم جلد فيها ثمانين (٢) وهي الحدود التي لله عزوجل ولا يجوز العفو عنها : قتل المرتد والزنديق والسارق ، ومن سب الله أو رسوله أو عائشة والمحارب ، وحد الزنا والسرقة والخمر واللواط ، واختلف في القذف إذا بلغ الإمام.

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في السارق يسرق مرارا»

في موطأ مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم (٣). مالك ، عن ابن شهاب ، عن صفوان بن عبد الله بن صفوان ، أن صفوان بن أمية قيل له : من لم يهاجر هلك ، فقدم صفوان بن أمية المدينة ، فنام في المسجد ، وتوسّد رداءه ، فجاء سارق فأخذ رداءه ، فأخذ صفوان السارق ، فجاء به إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأمر به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن تقطع يده ، فقال صفوان : إني لم أرد هذا يا رسول الله ، هو عليه صدقة. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فهلّا قبل أن تأتيني به» (٤).

وفي كتاب النسائي عن ابن محيريز قال : سألت فضالة بن عبيد عن تعليق يد السارق في عنقه فقال : سنة قد قطع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يد سارق ، وعلّق يده في عنقه. وفي مصنف أبي داود مثله (٥).

وفي البخاري ، وكتاب مسلم : أن قريشا أهمهم أمر المرأة المخزومية التي سرقت. قال في كتاب مسلم في غزوة الفتح قالوا : ومن يكلّم فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن

__________________

(١) رواه أحمد في المسند (٦٢٤) و (١١٨٤) ، ومسلم (١٧٠٧ و ٣٨) ، وأبو داود (٤٤٨١) ، وابن ماجه (٢٥٧١).

(٢) رواه عبد الرزاق في المصنف (١٣٥٤٧) وهو حديث مرسل وفيه رجل مجهول.

(٣) رواه مالك في الموطأ (١٧٨٨) ، وأحمد في المسند (٢ / ٦٤) و (٥٣١٠) ، والبخاري (٦٧٩٥) ، ومسلم (١٦٨٦) ، وأبو داود (٤٣٨٥). من حديث عبد الله بن عمر رضي‌الله‌عنهما.

(٤) رواه مالك في الموطأ (١٨٢٢) وهو مرسل. ورواه ابن ماجه (٢٥٩٥) وهو حديث حسن.

(٥) رواه النسائي (٨ / ٩٢) و (٤٩٨٢) ، وأبو داود (٤٤١١) ، وابن ماجه (٢٥٨٧) وإسناده ضعيف.

٢٤

زيد حبّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ فكلّم أسامة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «أتشفع في حد من حدود الله تعالى؟» فقال أسامة : يا رسول الله استغفر لي. فلما كان العشي قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فخطب فأثنى على الله عزوجل بما هو أهله ، ثم قال : «أما بعد : إنما هلك من كان قبلكم إنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد ، والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها». ثم أمر بتلك المرأة المخزومية فقطعت يدها (١).

وفي حديث آخر في كتاب مسلم : أن أم سلمة كلّمت فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «لو كانت فاطمة قطعت يدها». فقطعت (٢).

وفي حديث آخر أن هذه المخزومية كانت تستعير الحلي والمتاع فتجحده فأمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقطع يدها (٣).

وفي مصنف عبد الرزاق : أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أتي بعبد سرق فأتي به أربع مرات فتركه ، ثم أتي به الخامسة فقطع يده ، ثم أتي به السادسة فقطع رجله ، ثم أتي به السابعة فقطع يده ، ثم الثامنة فقطع رجله (٤).

وفي الواضحة : أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أتي بسارق فقال : «اقتلوه» ، فقالوا : إنما سرق يا رسول الله.

فقال : «اقطعوه» حتى قطعت قوائمه الأربع ، ثم أتي به أبو بكر وقد سرق بفيه فأمر به أبو بكر فقتل (٥).

وهذا عند أكثر العلماء خاص في ذلك الرجل وحده ، إلا ما قال أبو المصعب صاحب مالك إنه إن سرق في الخامسة قتل.

وفي مصنف أبي داود أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر بقتله في الخامسة فقتل وألقي في بئر.

قال جابر : ورمينا عليه الحجارة (٦).

__________________

(١) رواه البخاري (٣٤٧٥) و (٦٨٨٧) ، ومسلم (١٦٨٨) وأبو داود (٤٣٧٣) ، والترمذي (١٤٣٠) من حديث عائشة رضي‌الله‌عنها.

(٢) رواه مسلم (١٦٨٩) من حديث أم سلمة رضي‌الله‌عنها.

(٣) رواه مسلم (١٦٨٨) من حديث عائشة رضي‌الله‌عنها.

(٤) رواه عبد الرزاق في المصنف (١٨٧٧٣) ، والبيهقي (٨ / ٢٧٣) من حديث ابن جريج قال : أخبرني عبد ربه بن أبي أمية أن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة حدثه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذكره وعبد ربه مجهول. والحارث بن عبد الله روايته عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرسلة.

(٥) رواه النسائي (٨ / ٨٩ و ٩٠) ، والحاكم (٤ / ٣٨٢) ، والبيهقي (٨ / ٢٧٢ و ٢٧٣) وصححه الحاكم. وقال الذهبي في التلخيص : منكر من حديث الحارث بن حاطب رضي‌الله‌عنه وإسناده ضعيف. وله شاهد من حديث جابر رضي‌الله‌عنه رواه أبو داود (٤٤١٠) ، والنسائي (٨ / ٩٠ و ٩١). والبيهقي (٨ / ٢٧٢). وقال النسائي هذا حديث منكر. ومصعب بن ثابت ليس بالقوي في الحديث. نقول وله طرق لعله يتقوى بها.

(٦) رواه أبو داود (٤٤١٠) من حديث جابر رضي‌الله‌عنه. وهو حديث حسن.

٢٥

وفيما روى الأصيلي عن شيوخه ببغداد ووجدته بخطه أن رجلا كان يسرق الصبيان فأتي به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقطع يده (١).

عبد الرزاق عن الثوري عن رجل عن الحسن قال : أتي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بسارق سرق طعاما فلم يقطعه (٢) ، فقال سفيان : والذي يفسد من نهاره الثريد واللحم وشبهه ، ليس فيه قطع ولكن يعزّر.

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

فيمن سبه من مسلم أو ذمي أو حربي ، وفي الساحر كيف يقتل

في الحديث الثابت أن يهودية سمّت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في شاة. واسم اليهودية : زينب بنت الحارث بن سلام ، وأكثرت من السم في الذراع ، فلما وضعتها بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تناول الذراع فلاك منها مضغة فلم يسغها ، ومعه بشر بن البراء بن معرور وقد أخذ منها كما أخذ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأما بشر فأساغها ، وأما النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلفظها ، ثم قال : «إن هذا العظم ليخبرني : أنه مسموم» ، ثم دعا باليهودية فاعترفت فقال : «ما حملك على ذلك؟» قالت : قلت إن كان ملكا استرحنا منه ، وإن كان نبيا لم يضره. فتجاوز عنها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومات بشر من أكلته التي أكل (٣) ، فاتفق البخاري ومسلم وإسماعيل القاضي وابن هاشم على أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عفا عنها.

وذكر أبو داود في مصنفه ، وذكره أيضا صاحب كتاب شرف المصطفى : أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر بقتلها بسبب من مات من المسلمين من أكل الشاة (٤).

وفي حديث آخر في كتاب الشرف : أنه صلبها.

وفي مصنف عبد الرزاق : أتي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بساحر فقال : «احبسوه فإن مات صاحبه فاقتلوه» (٥).

وقد روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «حد السارق ضربه بالسيف» (٦). ذكره ابن سلام في

__________________

(١) رواه البيهقي في السنن (٨ / ٢٦٨) ، والدارقطني (٣ / ٢٠٢) وقال الدارقطني : تفرد به عبد الله بن محمد وهو كثير الخطأ على هشام. وهو ضعيف الحديث. وقال ابن حبان : يروي الموضوعات عن الثقات.

وقال أبو حاتم : متروك الحديث.

(٢) رواه عبد الرزاق في المصنف (١٨٩١٥) وهو حديث مرسل. وفيه رجل مجهول.

(٣) ذكره ابن كثير في البداية والنهاية (٤ / ٢١١) بلفظ المؤلف. وقال ابن كثير : قال محمد بن إسحاق وذكره. ورواه أحمد في المسند (٢٧٨٤) من حديث ابن عباس رضي‌الله‌عنهما وهو حديث صحيح ورواه البخاري (٥٧٧٧) من حديث أبي هريرة رضي‌الله‌عنه.

(٤) رواه أبو داود (٤٥١١) وهو حديث صحيح.

(٥) رواه عبد الرزاق في المصنف (١٨٧٥٤) وإسناده منقطع. يزيد بن رومان روايته عن أبي هريرة مرسلة.

(٦) رواه الترمذي (١٤٦٠) ، والدارقطني ص (٣٣٦) ، والحاكم (٤ / ٣٦٠) ، والطبراني في المعجم الكبير (١٦٦٥) ، والبيهقي في السنن (٨ / ١٣٦) وقال الترمذي لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه. وإسماعيل ـ

٢٦

تفسيره ، وقتلت عائشة مدبّرة سحرتها فيما يذكر ، ولم يثبت وإنما ثبت أنها باعتها (١) ، وفعلت ذلك أيضا حفصة ، وقع قتل حفصة لها في أحكام القرآن لإسماعيل القاضي ، وذكر أن عثمان أنكر ذلك عليها إذ فعلته دون أمر السلطان ، (٢) وذكر ابن المنذر أن عائشة باعتها ، وذكر الحديث عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «حد الساحر ضربه بالسيف» ، وقال في إسناده مقال أنه من رواية إسماعيل بن مسلم وهو ضعيف.

وفي كتاب النسائي وأبي داود عن ابن عباس أن رجلا أعمى سمع أم ولد له تسب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقتلها فأهدر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم دمها (٣).

وفي هذا الحديث من الفقه : أن من سبّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قتل ولم يستتب ، بخلاف المرتد. وذكر ابن المنذر في الأشراف أن عوام العلماء أجمعوا على ذلك إلا ما روي عن أبي حنيفة ـ رضي‌الله‌عنه ـ أن من سب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أهل الذمة لم يقتل لأن ما هو عليه من الشرك أعظم ، والحجة عليه أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله ، فانتدب إليه جماعة بإذن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقتلوه (٤). وزاد الفضل في كتابه وصاحب الشرف وأتوا برأسه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في مخلاة.

وفي قول أبي بكر الصديق لأبي برزة الأسلمي : إذا أراد قتل رجل آذى أبا بكر بلسانه فقال له أبو بكر : ليست هذه لأحد بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٥) ، دليل بيّن أن من سبّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قتل ، وكذلك يقتل من آذاه أو عابه أو انتقصه. رواه عيسى عن ابن القاسم في المستخرجة.

وروى ابن وهب عن مالك أنه قال : من قال إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وسخ ازدراء على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو استنقاصا قتل (٦).

وفي المستخرجة روي عن عيسى عن ابن القاسم : من سب النبيّ قتل بعد أن يستتاب كالمرتد ، وميراثه لجماعة المسلمين وسواء أظهر ذلك أو أسرّه. وكذلك في الواضحة لمالك وابن القاسم وغيرهما ، وفي غير الكتابين يقتل بغير استتابة. ذكره ابن الحكم عن مالك.

__________________

ابن مسلم المكي يضعف في الحديث. والصحيح عن جندب موقوف. أقول إسماعيل بن مسلم المكي ـ قال الذهبي : متفق على ضعفه. وقال في الكاشف. ضعفوه وتركه النسائي.

(١) ذكره ابن قيم في زاد المعاد. باب في حكمه صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الساحر (ج / ٥ / ٦٢) وقال رواه ابن المنذر.

(٢) رواه البيهقي في السنن (٨ / ١٣٦) من حديث ابن عمر رضي‌الله‌عنهما. وإسناده صحيح.

(٣) رواه أبو داود (٤٣٦١) ، والنسائي (٧ / ١٠٧ و ١٠٨) ، والدارقطني (٤ / ٢١٦ و ٢١٧) من حديث ابن عباس. والحاكم (٤ / ٣٥٤) وصححه ووافقه الذهبي.

(٤) رواه البخاري (٢٥١٠ و ٣٠٣١) ، ومسلم (١٨٠١) ، وأبو داود (٢٧٦٨) من حديث جابر رضي‌الله‌عنه.

(٥) رواه أبو داود رقم (٤٣٦٣) ، والنسائي (٧ / ١٠٨ و ١٠٩) وإسناده صحيح من حديث أبي برزة رضي‌الله‌عنه.

(٦) ذكره القاضي عياض في الشفاء ، باب من سب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وانتقصه من كلام مالك رحمه‌الله موقوفا عليه.

٢٧

كتاب الجهاد

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في أول قتيل قتل من المشركين وأول غنيمة

في معاني القرآن لابن النحاس ، وأحكام القرآن لإسماعيل القاضي ، والسير لابن هشام وبعضهم يزيد على بعض في اللفظ : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث عبد الله بن جحش الأسدي ، وبعث معه رهطا من المهاجرين ليس فيهم أحد من الأنصار. قال في السير : ثمانية في رجب ، وقال في الأحكام : في جمادى الآخرة لأنه ذكر أن قتل ابن الحضرمي وقع في آخر يوم من جمادى وأول يوم من رجب. ووقع في السير : في آخر رجب وأول شعبان. قال النحاس وإسماعيل : وأمّر عليهم أبا عبيدة بن الحارث أو عبيدة بن الحارث ، فلما ذهب لينطلق بكى صبابة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فبعث عبد الله بن جحش ، وكتب له كتابا وأمره أن لا يقرأه حتى يبلغ مكان كذا وكذا ، ولا يستكره من أصحابه أحدا. قال في السير : أن لا يقرأه حتى يسير يومين. فلما سار يومين وقرأه إذا فيه : «إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف فترصد بها قريشا وتعلم لنا من أخبارهم». فلما قرأ الكتاب استرجع وقال : سمعا وطاعة ، ثم قال لأصحابه : من أراد أن يسير معي سار ، ومن أراد أن يرجع فليرجع فقد نهاني النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن أستكره أحدا منكم. قال إسماعيل القاضي والنحاس : فرجع منهم رجلان ، وقال ابن هشام في السير : لم يرجع منهم أحد ، إلا أنهم لما كانوا بموضع يقال له نجران فوق الفرع أضل منهم سعد بن أبي وقاص ، وعتبة بن غزوان بعيرا لهما كانا يتعقبانه فتخلفا في طلبه ومضى عبد الله بن جحش ببقية أصحابه حتى نزلوا بنخلة حيث أمرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فمرت عير لقريش تحمل زبيبا وأدما وتجارة من تجارة قريش وفيها عمرو بن الحضرمي ، وعبد الله بن عباد ، ويقال مالك بن عباد أخو الصدف. واسم الصدف عمرو بن مالك أخو السكون بن أشرس من كندة ، ويقال كنانة ، فتشاور القوم فيهم وذلك في آخر يوم من رجب فقالوا : والله لئن تركناهم هذه الليلة ليدخلن الحرم وليمتنعن به منكم ولئن قتلتموهم لتقتلنهم في الشهر الحرام ، فتردد القوم وهابوا الإقدام عليهم. ثم أجمعوا على قتل من قدروا عليه ، وأخذ ما معهم ، فرمى واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله ، واستؤسر عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان وأفلت من القوم نوفل بن عبد الله فأعجزهم ، فأقبل عبد الله بن جحش وأصحابه بالعير والأسيرين حتى قدموا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة ، فلما قدموا عليه قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام». فوقف العير والأسيرين وأبى أن يأخذ من ذلك شيئا ، فلما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذلك سقط في أيدي القوم ،

٢٨

وظنوا أنهم قد هلكوا وعنفهم إخوانهم من المسلمين وقالت قريش قد استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام وسفكوا فيه الدماء وأخذوا فيه الأموال وأسروا فيه الرجال. فقال من يرد عليهم من المسلمين : إنما أصابوا ذلك في شعبان. وقالت يهود : تفاءل بذلك على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : عمرو بن الحضرمي قتله واقد بن عبد الله بن عمرو عمرت الحرب والحضرمي حضرت الحرب وواقد وقدت الحرب فجعل الله ذلك عليهم فلما أنزل الله عزوجل : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ) [البقرة : الآية ٢١٧]. يعني أكبر من قتل ابن الحضرمي ، والفتنة كفر بالله وعبادة الأوثان أكبر من هذا كله ففرج الله عن المسلمين ما كانوا فيه من الإشفاق ، وقبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم العير والأسيرين وبعثت إليه قريش في فداء عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لأنفديكموهما حتى يقدما صاحبانا» يعني سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان «فإنا نخشاكم عليهما فإن تقتلوهما نقتل صاحبيكم» ، فقدم سعد وعتبة ففاداهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم منهم. فأما الحكم بن كيسان فأسلم وحسن إسلامه وأقام عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى قتل ببئر معونة ، وأما عثمان فلحق بمكة ومات كافرا. ووقع في الهداية لمكي وغيرها وكان هذا أول قتال وقع بين المسلمين والكفار وأول غنيمة غنمت وأول قتيل قتل من الكفار (١).

ووقع أيضا في الأحكام لإسماعيل أنه أول قتيل قتل من المشركين. وذكر مكي : أن ابن وهب روى أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ردّ الغنيمة ، وودى القتيل. وكان ذلك بعد الهجرة بأربعة عشر شهرا.

قال إسماعيل القاضي : وفي إرسال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عبد الله بن جحش بكتاب مختوم وأمره أن لا يقرأه إلا بعد يومين من الفقه إجازة الشهادة على وصية مطبوعة ، وهو قول مالك وكثير من السلف ، وروي عن الحسن أنه لم يجز الشهادة على وصية كتاب مطبوع وقال : لعل فيه جورا.

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الجاسوس»

في البخاري وغيره عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال : جاء عين من المشركين إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو نازل فلما طعم انسل فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «عليّ الرجل اقتلوه» ، فابتدره القوم ، قال : وكان أبي يسبق الفرس فسبقهم إليه فأخذ بخطام راحلته فقتله ، فنفّله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سلبه (٢).

__________________

(١) رواه ابن جرير الطبري في التاريخ (٢ / ٢٥٣) ، وابن كثير في البداية والنهاية (٣ / ٢٤٩ و ٢٥٠) وقال ابن كثير قال ابن اسحاق وذكره. وانظر ابن هشام (١ / ٦٠٣ و ٦٠٤) وابن سعد (٢ / ٦٠ و ٦١) وابن كثير (٢ / ٣٦٦ و ٣٧١) وانظر زاد المعاد (٣ / ١٦٨).

(٢) رواه البخاري (٣٠٥١) ، وأبو داود (٢٦٥٣) ، وابن ماجه (٢٨٣٦) من حديث سلمة بن الأكوع رضي‌الله‌عنه.

٢٩

عبيد الله بن أبي رافع قال : سمعت علي بن أبي طالب يقول : بعثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنا والزبير والمقداد. قال : «انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإنّ بها ظعينة ، ومعها كتاب فخذوه منها». وفي كتاب الفضل : «خذا منها الكتاب ، وخلّيا سبيلها ، فإن لم تدفعه إليكما فاضربا عنقها». يعني علي بن أبي طالب والزبير ، ولم يكن معهما المقداد. وذكر أن جبريل أخبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بخبر الكتاب وذكر الزجّاج ، وكذلك أن الله أطلعه على ذلك ، فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى انتهينا إلى الروضة فإذا نحن في الظعينة فقلنا : لتخرجن الكتاب ، أو لنلقين الثياب قال : فأخرجته من عقاصها ، فأتينا به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإذا فيه : من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا حاطب ما هذا؟» فقال : يا رسول الله لا تعجل عليّ ، إني كنت امرأ ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسها ، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون أهليهم وأموالهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب أن أتخذ عندهم يدا يحمون بها قرابتي ، وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا ولا رضا بالكفر بعد الإسلام. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قد صدقكم». فقال عمر : يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق. فقال «إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله أن يكون قد أطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم». فأنزل الله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) [الممتحنة : الآية ١] (١).

وذكر أبو عبيد في كتاب الأموال أن اسم الظعينة التي وجد عندها الكتاب : سارة. وأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر بقتلها عام الفتح ، وذكره أيضا ابن هشام ، وذكر أنها امرأة من مزينة.

قال سحنون : وإذا كاتب المسلم أهل الحرب قتل ، ولم يستتب وماله لورثته. وقال غيره : يجلد جلدا وجيعا ويطال حبسه وينفى عن موضع يقرب الكفار. وفي (المستخرجة) قال ابن القاسم : يقتل ولا يقبل لهذا توبة وهو كالزنديق. وفي كتاب الله تعالى (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ) [التّوبة : الآية ٤٧] فهذا الجاسوس ، وقول سحنون أصح لحديث حاطب الذي أراد عمر أن يقتله.

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في الأسرى وذكر من قتله النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيده وفي الأسير يقتل على غلط

روى ابن وهب أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قتل سبعين أسيرا بعد إثخان من يهود ، قتل يوم بدر من الأسارى عقبة بن أبي معيط صبرا بعد أن ربط ، ولم يقتل من الأسرى يوم بدر غيره ، ضرب عنقه

__________________

(١) رواه البخاري (٣٠٠٧) و (٤٢٧٤) و (٤٨٩٠) ، ومسلم (٢٤٩٤) ، وأبو داود (٢٦٥٠) ، والترمذي (٣٣٠٥) ، والبغوي في معالم التنزيل (٤ / ٣٢٨) من حديث علي رضي‌الله‌عنه.

٣٠

عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح. ويقال علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه. وذكر ابن هشام أن النضر بن الحارث بن كلدة قتله علي بن أبي طالب صبرا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما يذكرون بالصفراء.

وقال ابن هشام : بالأثيل ، وذكر ابن حبيب : أنه أسلم. فالله أعلم أيّ ذلك أصح.

وذكر ابن قتيبة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قتل ثلاثة صبرا يوم بدر : عقبة بن أبي معيط ، وطعيمة بن عدي ، والنضر بن الحارث. وقالت قتيلة أخت النضر بن الحارث بن كلدة ابن علقمة بن عبد مناف بن عبد الدار شعرا :

يا راكبا إن الأثيل مظنة

من صبح خامسة وأنت موفّق

أبلغ بها ميتا بأن تحية

ما إن تزالّ بها النجائب تخفق

أمحمد يا خير ضنء كريمة

من قومها والفحل فحل معرق

ما كان ضرّك لو مننت وربما

منّ الفتى وهو المغيظ المحنق

أو كنت قابل فدية فلينفقن

بأعز ما يغلو به ما ينفق

فالنضر أقرب من أسرت قرابة

وأحقهم إن كان عتق يعتق

ظلّت سيوف بني أبيه تنوشه

لله أرحام هناك تشقّق

صبرا يقاد إلى المنية متعبا

رسف المقيّد وهو عان موثق

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما بلغه هذا الشعر : «لو بلغني قبل قتله لمننت عليه» (١). قال معمر : وفيه نزلت (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ) [لقمان : الآية ٦] ، الآية كان يشتري الكتب التي فيها أخبار فارس والروم ويقول : يحدثكم محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن عاد وثمود ، وأحدثكم عن فارس والروم ويستهزئ بالقرآن. قال عكرمة : وفيه نزلت (وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ) [الأنعام : الآية ٩٣]. قال مجاهد : وفيه نزلت (وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ) [الأنفال : الآية ٣٢]. قال الكلبي : وفيه نزلت (لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [الأنفال : الآية ٣١]. ولقد كثر يومئذ الفداء وأكثر ما فدي به الرجل أربعة آلاف ، وربما فدي أن يعلّم عددا من المسلمين الكتابة. وروي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يعلّم عشرة من المسلمين الكتابة». قال ابن وهيب : إن أهل المدينة لم يكونوا يحسنون الخط.

وفي تفسير ابن سلام قال الحسن : أطلق النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الأسرى فمن شاء منهم رجع إلى مكة ، وقال ابن سيرين : الطلقاء أهل مكة ، والعتقاء أهل الطائف.

__________________

(١) رواه ابن كثير في البداية والنهاية (٣ / ٣٠٥ و ٣٠٦) باب مقتل النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط لعنهما الله. وقال ابن كثير : قال ابن اسحاق وذكره وابن سيد الناس في عيون الاثر (١ / ١٢٩٢) باب ما قيل في الشعر في غزوة بدر.

٣١

وفي السير لابن هشام أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال يوم الفتح لأهل مكة في حديث ذكره : «اذهبوا فأنتم طلقاء» (١).

وروى سفيان عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «الطلقاء من قريش ، والعتقاء من ثقيف» (٢). من كتاب الأعراب لسفيان وشعبة.

وفي معاني القرآن للنحاس عن عبد الله بن مسعود قال : لما كان يوم بدر جيء بالأسرى فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما ترون في هؤلاء الأسارى؟» فقال أبو بكر : يا رسول الله قومك وأصلك فاستبقهم فلعل الله أن يتوب عليهم. فقال عمر : يا رسول الله كذّبوك وأخرجوك وقاتلوك قدّمهم فاضرب أعناقهم ، وذكر الحديث وقال فيه : فأنزل الله عزوجل : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) [الأنفال : الآية ٦٧] (٣).

وقال الحسن أيضا في كتاب ابن سلام لم يكن أوحي إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذلك شيء ، فاستشار المسلمين فأجمعوا رأيهم على قبول الفداء ففادوا أسارى أهل بدر بأربعة آلاف ، وما أثخن نبيّ الله يومئذ في الأرض (٤).

وفي كتاب الشرف : إن أول رأس علّق في الإسلام : رأس أبي عزة. جعل في رمح ، وحمل إلى المدينة.

وفي السير : وكان في جملة السبعين أسيرا يوم بدر أبو عزة عمرو بن عبد الله الشاعر فشكا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كثرة عياله وعاهده أن لا يخرج عليه ، فخرج يوم أحد يحرّض المشركين على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأسر ولم يؤسر أحد غيره ، فضربت عنقه صبرا (٥). ويوم أحد قتل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) رواه ابن هشام في السيرة (٢ / ٤١٢) عن ابن اسحاق قال : حدثني بعض أهل العلم. والبيهقي في السنن (٩ / ١١٨) وذكره ابن القيم في زاد المعاد (٣ / ٤٠٨) وهو حديث حسن بمجموع طرقه.

(٢) رواه أحمد في المسند (٤ / ٣٦٣) ، والطيالسي (٦٧١) ، والطبراني في الكبير (٢٣١١) ، والحاكم (٤ / ٨٠ و ٨١) وصححه ووافقه الذهبي. من حديث جرير بن عبد الله رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (المهاجرون والأنصار بعضهم أولياء بعض في الدنيا والآخرة والطلقاء من قريش. والعتقاء من ثقيف بعضهم أولياء بعض في الدنيا والآخرة) وإسناده حسن ورواه أبو يعلى (٥٠٣٣) والبزار رقم (٢٨١٣) من حديث عبد الله بن مسعود رضي‌الله‌عنه. وهو حديث حسن بمجموع طرقه.

(٣) رواه مسلم (١٧٦٣) ، والترمذي (٣٠٨١) من حديث عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه. وذكره القرطبي في التفسير (٨ / ٣١) من حديث عبد الله بن مسعود. وإسناده منقطع. لكن يشهد له رواية عمر رضي‌الله‌عنه.

(٤) رواه البيهقي في السنن (٩ / ٦٨) من حديث ابن عباس رضي‌الله‌عنهما قال : جعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في فداء الأسارى أهل الجاهلين أربعمائة وهو حديث حسن.

(٥) رواه البيهقي في دلائل النبوة (٣ / ٢٨٠) وابن كثير في البداية والنهاية (٤ / ٤٦) والبيهقي في السنن (٩ / ٦٥) وابن حجر في الفتح (١٠ / ٥٣٠) وقال البيهقي في البداية والنهاية : حدثنا أبو العباس محمد ـ

٣٢

أبي بن خلف طعنه بالحربة فخدشه في عنقه فاحتقن الدم فقال : قتلني والله محمد ، فقال له كفار قريش : ذهب والله فؤادك أن بك من بأس. قال : إنه قد كان قال بمكة إني أقتلك فو الله لو بصق عليّ لقتلني. فمات عدو الله بسرف وهم قافلون إلى مكة. وكان المسلمون يوم أحد سبعمائة رجل والمشركون ثلاثة آلاف معهم مائتا فارس (١).

وفي البخاري أن سعد بن معاذ قال لأمية بن خلف : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول إنه قاتلك بمكة. قال : لا أدري. ففزع لذلك فزعا شديدا ، فلما كان يوم بدر استنفر أبو جهل الناس فقال : أدركوا عيركم ، فكره أمية أن يخرج فأتاه أبو جهل فقال : يا أبا صفوان إنك متى بركت برك الناس ، وإن تخلّفت وأنت سيد أهل هذا الوادي تخلّفوا معك ، فلم يزل به حتى قال : أما إذا غلبتني لأشترينّ أجود بعير بمكة. ثم قال أمية : يا أمّ صفوان جهزيني. فقالت له : يا أبا صفوان قد نسيت ما قال لك أخوك اليثربي ، قال : لا وما أريد أن أجوز معهم إلا قريبا فلما خرج أمية أخذ لا ينزل منزلا إلا عقل بعيره فلم يزل كذلك حتى قتله الله ببدر (٢).

وفي معاني النحاس : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قتل أمية بن خلف بيده وهو غلط.

وكانت وقعة أحد يوم السبت لسبع خلون من شوال على رأس اثنين وثلاثين شهرا من الهجرة من كتاب المفضل وقال غيره للنصف من شوال ، وفي كتاب آخر وبعضه من المدونة : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أتي بأبي أمامة سيد أهل اليمامة ، ويقال أثاثة بن أثال أسيرا فأمر به فربط في المسجد ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعرض عليه الإسلام كل يوم ثلاث مرات ، ثم خيّره بين أن يعتقه أو يفاديه أو يقتله فقال : إن تقتل تقتل عظيما ، وإن تفاد تفاد عظيما ، وإن تعتق تعتق عظيما وأما أن أسلم فو الله لا أسلم قسرا أبدا. فأمر به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأطلق فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله (٣).

قال أصبغ في كتاب ابن الموّاز : وينبغي للإمام إذا أراد أن يقتل أسيرا أن يدعوه إلى الإسلام ، ويسأله هل له عند أحد عهد ممن أسره. وقال ابن جريج والسدي في قول الله عزوجل : (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) [محمّد : الآية ٤]. هي في أهل الأوثان من كفار العرب وهي

__________________

ابن يعقوب ـ قال : أخبرنا الربيع بن سليمان ، قال : أخبرنا الشافعي رحمه‌الله وذكره. وهذا سند صحيح إلى الشافعي رحمه‌الله.

(١) أخرجه ابن هشام (٢ / ٨٤) بلا سند. وأورده ابن كثير (٢ / ٦٣) من رواية ابن الأسود عن عروة بن الزبير. ومن رواية الزهري عن سعيد بن المسيب. وكلاهما مرسل. وهو ضمن حديث مطول أخرجه ابن جرير من طريق السدي مرسلا كما في ابن كثير (٢ / ٤٤).

(٢) رواه البخاري رقم (٣٩٥٠).

(٣) رواه البخاري (٤٦٩) و (٤٣٧٢) ، ومسلم (١٧٦٤) ، وأبو داود (٢٦٧٩) ، وابن خزيمة (٢٥٢) من حديث أبي هريرة رضي‌الله‌عنه. وانظر ابن كثير في التفسير (٤ / ١٧٣).

٣٣

منسوخة بقوله عزوجل (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [التّوبة : الآية ٥]. وقال ابن عباس : خيّر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الأسرى بين الفداء والمن والقتل والاستعباد يفعل ما يشاء. وعلى هذا القول أكثر العلماء (١).

وفي كتاب الخطابي أتي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأسير يرعد فقال : «أدفئوه» يريد أدفئوه من الدفء ولم يكن من لغته صلى‌الله‌عليه‌وسلم الهمز فذهبوا به فقتلوه فوداه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولو أراد قتله لقال دافوه ودافوا عليه بالتثقيل.

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في قريظة والنضير ورد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حكم قريظة إلى سعد بن معاذ

في البخاري ومسلم والنسائي : نزل يهود بني قريظة على حكم سعد بن معاذ ، وهذا اللفظ للنسائي. أخبرنا قتيبة بن سعد عن الليث عن أبي الزبير عن جابر قال : رمي يوم الأحزاب سعد ابن معاذ فقطع أكحله (٢). وفي البخاري : رماه رجل من قريش يقال له حبان بن العرقة رماه في الأكحل (٣). قال في النسائي : فحسمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالنار فانتفخت يده فتركه فنزفه الدم فحسمه أخرى فانتفخت يده فلما رأى ذلك قال : اللهم لا تخرج نفسي حتى تقرّ عيني من بني قريظة. فاستمسك عرقه فما قطر قطرة حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ. فأرسل إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال في البخاري في حديث أبي سعيد الخدري وكان قريبا فجاء على حمار فلما دنا من المسجد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قوموا إلى سيدكم» (٤) ، قال في غير البخاري فقال : المهاجرون من قريش : إنما أراد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الأنصار ، وقالت الأنصار : إنما عم بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقاموا إليه فجاء فجلس إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال له : «إن هؤلاء نزلوا على حكمك» (٥). ووقع في البخاري في موضع آخر عن عائشة : أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أتى بني قريظة فنزلوا على حكمه فرد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الحكم إلى سعد فقال سعد : إني أحكم فيهم أن تقتل المقاتلة وأن تسبى النساء والذرية وأن تقسم أموالهم. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لقد حكمت فيهم بحكم الملك» (٦). قال في غير البخاري : «من

__________________

(١) ذكره ابن كثير في التفسير (٤ / ١٧٣) باب قوله تعالى (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) وقال : رواه العوفي عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما. وقاله قتادة والضحاك والسدي وابن جريج ـ وقال آخرون وهم الأكثرون : ليست منسوخة إنما الإمام مخير بين المن على الأسير ومفاداته فقط. ولا يجوز له قتله.

(٢) رواه الترمذي (١٥٨٢) وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.

(٣) رواه البخاري (٤١٢٢) من حديث عائشة رضي‌الله‌عنها.

(٤) رواه البخاري (٣٠٤٣) من حديث أبي سعيد الخدري رضي‌الله‌عنه.

(٥) رواه أحمد في المسند (٣ / ٢٢) و (١١١٦٨) ، ومسلم (١٧٦٨) ، والنسائي في الكبرى (٨٢٢٢) وعبد بن حميد في المنتخب (٩٩٥) من حديث أبي سعيد رضي‌الله‌عنه.

(٦) رواه البخاري (٤١٢٢) ، ومسلم (١٧٦٩) من حديث عائشة رضي‌الله‌عنها.

٣٤

فوق سبعة أرقعة» (١). ثم استنزلوا فحبسهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالمدينة بدار بنت الحارث امرأة من بني النجار ثم خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى سوق المدينة فخندق فيها ، ثم بعث فيهم فضرب أعناقهم في تلك الخنادق وفيهم حيي بن أخطب ، وكعب بن أسد رئيسهم وهم ستمائة أو سبعمائة والمكثر لهم يقول كانوا بين الثمانمائة إلى الألف. وقالوا لكعب بن أسد وهم يذهب بهم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أرسالا : يا كعب ما تراه يصنع بنا؟ قال : أفي كل موطن لا تعقلون ألا ترون أن الداعي لا ينزع والذاهب منكم لا يرجع! هو والله القتل (٢). قالت عائشة : ولم يقتل من نسائهم إلا امرأة اسمها بنانة وهي التي طرحت الرحى على خلاد بن سويد فقتلته (٣).

وفي جامع المستخرجة في سماع ابن القاسم قال مالك : قال عبد الله بن أبي بن سلول لسعد بن معاذ في أمر بني قريظة إنهم أحد جناحي وهم ثلاثمائة دارع وستمائة حاسر فقال له سعد : قد تألى سعد ألّا تأخذه في الله لومة لائم.

وفي كتاب النسائي : وكانوا أربعمائة فلما فرغ من قتلهم انفتق عرقه فمات (٤).

وفي كتاب ابن سحنون : روي أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم نهى أن تقبل من العدو النزول على حكم الله لأنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم وأنزلهم على حكمك ، قال سحنون : فإن جهل الإمام فأنزلهم على حكم الله ، يعني إذا طلبوا ذلك فهي شبهة فليردّوا إلى مأمنهم إلى أن يجيبوا إلى الإسلام.

قال محمد : وليعرض عليهم الإسلام قبل ردهم فإن أبوا عرضت عليهم الجزية. من النوادر قال سحنون : وإن نزلوا على حكم الله وحكم فلان فحكم بالسيف أو بسبي الذرية أو أخذ المال لم ينفذ وكأنهم نزلوا على حكم الله وحده.

قال ابن شهاب في مختصر المدونة : كانت وقعة بني النضير في المحرّم سنة ثلاث ، وقال

__________________

(١) رواه الخطابي في إصلاح خطأ المحدثين ص (٥٢) ، وابن كثير في البداية والنهاية (٤ / ١٠٨) ، وفي عيون الأثر لابن سيد الناس (٢ / ٧٣) وقال : قال ابن إسحاق : حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن عبد الرحمن ابن عمرو بن سعد بن معاذ ، عن علقمة بن وقاص الليثي قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع أرقعة». وفي إسناده عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ لم نقف له على ترجمته. وعلقمة بن وقاص الليثي قال الحافظ : أخطأ من زعم أن له صحبة فالحديث مرسل وفيه مجاهيل.

(٢) ذكره في عيون الأثر لابن سيد الناس (٢ / ٧٣). عن ابن اسحاق. قال : ثم استنزلوا فحبسهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذكره.

(٣) رواه أبو داود (٢٦٧١) في الجهاد. باب في قتل النساء من حديث عائشة رضي‌الله‌عنها. وإسناده حسن.

(٤) رواه الترمذي (١٥٨٢) من حديث جابر رضي‌الله‌عنه. وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح. وهو كما قال.

٣٥

غيره : سنة أربع خرج إليهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عشية الجمعة لتسع مضين من ربيع الأول ، وحوصروا ثلاثا وعشرين يوما وقالت عائشة : خمسة وعشرين يوما. وفي البخاري : بعد بدر بستة أشهر. قاله عروة (١).

وفي حكم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في بني قريظة من الفقه : أن أهل الذمة إذا حاربوا والإمام عادل ، فليستحل بذلك نساءهم وذراريهم ، ومن ضعف من رجالهم من شيخ وذي زمانة. قاله الأوزاعي ، وابن الماجشون ، وأصبغ ، وابن حبيب ، وابن الموّاز ، وخالفهم ابن القاسم في الشيخ الكبير ومن به زمانة ، أو من يرى أنه مغلوب منهم. فقال : لا يستباحوا ولا يسترقوا.

قال أبو عبيد : إنما استحل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دماء بني قريظة لمظاهرتهم الأحزاب عليه ، وكانوا في عهده فرأى ذلك نكثا لعهدهم. قال أبو عبيد : وقال سفيان بن عيينة : إنا لا نعلم أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عاهد قوما فنقضوا العهد إلا استحل قتلهم غير أهل مكة فإنه منّ عليهم ، وكان نقضهم أن قاتلت حلفاؤهم من بني بكر حلفاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من خزاعة. فنصر أهل مكة بني بكر على حلفائه ، فاستحل غزوهم. قال المفضل : حاصرهم إحدى وعشرين ليلة ، ثم سألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الصلح ، فأبى ذلك عليهم إلا على أن يخرجوا من المدينة على ما يأمرهم به عليه‌السلام ، فرضوا فأمرهم أن يحمل كل ثلاثة أبيات على بعير ما شاءوا من متاعهم ، وما بقي فلرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فخرجوا إلى الشام وهو حشرهم.

وذكر أبو عبيد في كتاب الأموال : أن اليهود قيل لهم : انزلوا على حكم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قالوا :

ننزل على حكم سعد ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «انزلوا على حكم سعد» (٢).

وفي مصنف أبي داود : كان النضير أشرف من قريظة ، وكلاهما من ولد هارون النبيّ عليه‌السلام (٣).

وفي كتاب المفضل : وكان سبب النضير أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سار إليهم ومعه نفر من

__________________

(١) رواه البخاري تعليقا في ترجمة باب (١٤) في المغازي حديث بني النضير. ومخرج رسول الله إليهم في دية الرجلين وما أرادوا من الغدر برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وقال : قال الزهري عن عروة بن الزبير كانت على رأس ستة أشهر من وقعة بدر قبل أحد. وقال الحافظ في الفتح : وصله عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن الزهري أتم من هذا ، ولفظه عن الزهري وهو في حديثه عن عروة ثم كانت غزوة بني النضير. وهم طائفة من اليهود على رأس ستة أشهر من وقعة بدر. وكانت منازلهم ونخلهم بناحية المدينة. فحاصرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى نزلوا على الجلاء. وعلى أن لهم ما أقلت الإبل من الأمتعة والأموال لا الحلقة يعني السلاح. فأنزل الله فيهم (سَبَّحَ لِلَّهِ) إلى قوله (لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) [الحشر : ١ ، ٢].

(٢) رواه أحمد في المسند (٦ / ١٤١ و ١٤٢) ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٦ / ١٢٨) ، وقال : رواه أحمد وفيه محمد بن عمرو بن علقمة. وهو حسن الحديث. وبقية رجاله ثقات. وقال في الفتح (١١ / ٤٣) وسنده حسن.

(٣) رواه أبو داود (٣٥٩١) من حديث ابن عباس رضي‌الله‌عنهما. وهو حديث صحيح.

٣٦

أصحابه ، فكلّمهم في أن يعينوه في دية الكلابيين اللّذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري ، فقالوا : نفعل يا أبا القاسم ، وخلا بعضهم ببعض فتوامروا فيه وهموا بالغدر به ، وقال عمرو بن جحاش النضيري : أنا أظهر على البيت ، وأطرح عليه صخرة ، وذكر غيره رحى فقال لهم سلام بن مشكم : لا تفعلوا فو الله ليخبرن بما هممتم به وإنه لنقض العهد الذي بيننا وبينه. وجاء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الخبر بما همّوا به. قال غيره : نزل جبريل ـ عليه‌السلام ـ فأخبره فنهض مسرعا فتوجه إلى المدينة ، ولحقه أصحابه فقالوا : قمت ولم نشعر. فقال : «همّت يهود بالغدر فأخبرني الله عزوجل بذلك» ، وبعث إليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أن اخرجوا من بلدي لا تساكنوني ، وقد هممتم بغدري وقد أجّلتكم عشرا فمن رئي بعد ذلك ضربت عنقه». فأقاموا أياما يتجهزون ، وأرسل إليهم عبد الله ابن أبي : لا تخرجوا من دياركم فإنّ معي ألفين يدخلون معكم حصنكم فيموتون حولكم ، وتنصركم قريظة وحلفاؤكم من غطفان. فطمع حيي فيما قال له وبعث إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنا لا نخرج من ديارنا فافعل ما بدا لك. فأظهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم التكبير ، فسار إليهم ، وعلي بن أبي طالب يحمل رايته فلما رأوه قاموا على حصونهم ومعهم النبل والحجارة ، واعتزلتهم قريظة ، وخانهم ابن أبيّ وحلفاؤهم من غطفان ، وحاصرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقطع نخلهم فقالوا : نخرج من بلدك. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا نقبل ذلك. ولكن اخرجوا ولكم دماؤكم وما حملت الإبل إلا الحلقة» يعني السلاح ، فنزلوا على ذلك وقبض النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الأموال والحلقة ، وكانت أموال بنو النضير خالصة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لنوائبه ولم يخمّسها لأن الله عزوجل أفاءها عليه ، ولم يوجف المسلمون عليها بخيل ولا ركاب ، فهذا جزاء بني النضير الذي قال الله عزوجل : (فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) [البقرة : الآية ٨٥]. وقوله عزوجل : (وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ) [الحشر : الآية ٥] (١).

وأما قريظة فسار إليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ثلاثة آلاف من المسلمين فحاصرهم خمسة عشر يوما ، فأرسلوا إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أن يرسل إليهم أبا لبابة فأرسله إليهم فشاوروه في أمرهم فأشار إلى حلقه أنه الذبح ، ثم ندم فاسترجع فقال : خنت الله ورسوله فلم يرجع إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وسار إلى المسجد ، وارتبط بسارية ولم يأت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى أنزل الله توبته. ثم نزلوا على حكم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأمر بهم عليه‌السلام محمد بن مسلمة فكتفوا ونحوا ناحية ، واستعمل عليهم عبد الله بن سلام ، فجمع أمتعتهم وما وجد في حصونهم من الحلقة والأثاث فوجد فيها ألفين وخمسمائة سيف ، وثلاثمائة درع وألف رمح وخمسمائة ما بين ترس وحجفة. ووجد عندهم جرار خمر فأهرق ، ولم يخمّس ، وكلّمت الأوس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيهم : أن يهبهم لهم وكانوا حلفاءهم ، فجعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الحكم فيهم إلى سعد بن معاذ ، فحكم فيهم بقتل المقاتلة ، وسبي النساء والذرية ، وأن تقسم

__________________

(١) رواه ابن سعد في طبقاته (٢ / ٤٣ و ٤٤) ، وابن جرير الطبري (٢ / ٥٤٢) ، وابن هشام في السيرة (٢ / ١٧٤) باب أمر إجلاء بني النضير في سنة أربع من حديث ابن إسحاق.

٣٧

الأموال. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لقد حكمت فيهم بحكم الملك من فوق سبعة أرقعة» ، وانصرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأمر بهم فأدخلوا المدينة ، وجلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعامة أصحابه ، وأخرجوا رسلا رسلا فضربت أعناقهم. وكانوا ما بين ستمائة إلى سبعمائة ، واصطفى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لنفسه ريحانة بنت عمرو ، وأمر بالغنائم فجمعت وأخرج الخمس من المتاع والسبي ، ثم أمر بالباقي فبيع فيمن يزيد ، وقسمه بين المسلمين ، وكانت السهمان على ثلاثة آلاف واثنين وسبعين سهما للفرس سهمان ولصاحبه سهم ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعتق منه ويهب ويخدم (١). وكذلك قال مالك في المستخرجة : خمّس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قريظة ولم يخمّس بني النضير.

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في الأمان عام الفتح

في الموطأ والبخاري ومسلم والنسائي : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر ، فلما نزعه جاءه رجل فقال : يا رسول الله ابن خطل متعلق بأستار الكعبة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اقتلوه» (٢). هكذا رواه مالك عن ابن شهاب ، وروى غيره وعلى رأسه عمامة سوداء (٣). وذكر البخاري ومسلم وهو على راحلته وخلفه أسامة بن زيد.

وفي كتاب الأموال لأبي عبيد : فنادى أن لا يجهزنّ على جريح ولا يتّبعن مدبر ، ولا يقتلن أسير ، ومن أغلق بابه فهو آمن (٤).

وفي كتاب النسائي وغيره أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من دخل الكعبة فهو آمن ، ومن أغلق بيته فهو آمن ، ومن ألقى السلاح فهو آمن ، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن» ، وأمّن جميع الناس إلا أربعة رجال وامرأتين (٥). وذكر ابن حبيب : ستة رجال وأربع نسوة فقال : «اقتلوهم وإن تعلّقوا بأستار الكعبة». وهم على ما ذكره النسائي وغيره : عبد الله بن خطل ، وعكرمة بن أبي جهل ، ومقيس بن صبابة ، وعبد الله بن سعد بن سرح ، فأما عبد الله بن خطل فأدرك وهو متعلق بأستار الكعبة فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر فسبق سعيد عمارا وكان أشبّ الرجلين

__________________

(١) رواه ابن سعد في طبقاته (٢ / ٥٧) ، وابن جرير الطبري في التاريخ (٢ / ٥٨١) ، والمغازي للواقدي (٤٩٦) ، وفي سيرة ابن هشام (٢ / ١٩٤ و ٢٠٣) باب نزول بني قريظة على حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويحكم سعد.

(٢) رواه البخاري (٣٠٤٤) ، ومالك في الموطأ (١ / ٤٢٣) ، ومسلم (١٣٥٧) من حديث أنس رضي‌الله‌عنه.

(٣) رواه مسلم (١٣٥٨) ، وأبو داود (٤٠٧٦) ، والترمذي (١٧٣٥) ، وابن حبان (٣٧٢٠) من حديث جابر رضي‌الله‌عنه.

(٤) رواه البزار (١٨٤٩) ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٦ / ٢٤٣) ، وقال : رواه البزار والطبراني في الأوسط. وفيه كوثر بن حكيم ضعيف متروك.

(٥) رواه مسلم (١٧٨٠) ، وأبو داود (٣٠٢٤) من حديث أبي هريرة رضي‌الله‌عنه.

٣٨

فقتله. وأما مقيس بن صبابة فأدركه الناس في السوق فقتلوه ، ولم يتعرض النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لحال ابن خطل (١) ، وذكر ابن هشام أن نميلة قتله وهو رجل من قومه. وأن عبد الله بن خطل قتله سعد بن حريث وأبو برزة الأسلمي اشتركا في دمه (٢). وذكر صاحب الشرف أن أبا برزة قتله. وقالت أخت مقيس شعرا :

لعمري لقد أخزى نميلة رهطه

وفجع أضياف الشتاء بمقيس

وأما عكرمة فركب البحر فأصابتهم عاصفة فقال أصحاب السفينة : أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم هاهنا شيئا. فقال عكرمة : والله لئن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص لا ينجيني في البر غيره. اللهم إن لك عليّ عهدا إن كنت عافيتني مما أنا فيه أن آتي محمدا حتى أضع يدي في يده فلأجدنّه عفوا كريما. فجاء فأسلم.

وأما عبد الله بن سعد بن أبي سرح فإنه اختبأ عند عثمان بن عفان ، فلما دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الناس إلى البيعة جاء به حتى أوقفه على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله بايع عبد الله. فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثا كل ذلك يأبى ، فبايعه بعد ذلك ، ثم أقبل على أصحابه فقال : «أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا ـ حين رآني كففت يدي عن بيعته ـ فيقتله». قالوا : ما يدرينا يا رسول الله ما في نفسك ، هلا أومأت إلينا برأسك. قال : «إنه ما ينبغي لنبيّ أن تكون له خائنة عين» (٣).

وفي كتاب ابن هشام : وذكره ابن حبيب أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر بقتل الحويرث بن نفير بن وهب ابن عبد مناف بن قصي سوى النفر المذكورين والمرأتين ، فقتله علي بن أبي طالب صبرا. ذكره ابن حبيب ، وذكر ابن حبيب امرأتين سواهما : هند ابنة عتبة بن ربيعة ، وسارة مولاة عمرو بن هشام. والمرأتين المذكورتين كانتا قينتين تغنيان بهجاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعبد الله بن خطل : فرتنا وقريبة.

فأسلمت فرتنا ، وبقيت حتى ماتت في خلافة عثمان ، وقتلت قريبة وسارة ، وأسلمت هند بنت عتبة وبايعت (٤) ، وذكر ابن إسحاق أن سارة أمّنها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد أن استؤمن لها ، فبقيت حتى أوطأها رجل فرسا في زمن عمر بن الخطاب بالأبطح فقتلها (٥). وذكر أبو عبيد في كتاب الأموال : أن سارة حملت كتاب حاطب إلى مكة (٦).

__________________

(١) رواه النسائي في السنن (٧ / ١٠٥ و ١٠٦) من حديث سعد بن أبي وقاص رضي‌الله‌عنه. وإسناده صحيح.

(٢) ذكره ابن هشام في السيرة (٢ / ٤٠٩). باب أسماء من أمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقتلهم وسبب ذلك.

(٣) رواه أبو داود (٢٦٨٣) ، والنسائي (٧ / ١٠٥ و ١٠٦) من حديث سعد بن أبي وقاص رضي‌الله‌عنهما.

وهو حديث صحيح.

(٤) ذكره ابن هشام في السيرة (٢ / ٤١٠) باب أسماء من أمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقتلهم وسبب ذلك.

(٥) ذكره ابن هشام في السيرة (٢ / ٤١١) باب أسماء من أمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقتلهم بدون سند.

(٦) ذكره أبو عبيد في كتاب الأموال رقم (٢٩٦) من حديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة رضي‌الله‌عنه.

٣٩

قال ابن إسحاق : وإنما أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقتل عبد الله بن أبي سرح لأنه كان أسلم وكان يكتب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فارتد مشركا ، ثم أسلم بعد ، فولاه عمر بن الخطاب بعض أعماله ، ثم ولاه عثمان بعد عمر (١). وعبد الله بن خطل كان مسلما فبعثه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وبعث معه رجلا من الأنصار ، وكان معه مولى له يخدمه ، وكان مسلما فنزل منزلا وأمر المولى أن يذبح له تيسا فيصنع له طعاما فنام واستيقظ ولم يصنع له شيئا فعدا عليه فقتله ، ثم ارتد مشركا. والحويرث بن نفير كان ممن يؤذي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة ، وكان العباس بن عبد المطلب حمل فاطمة وأم كلثوم ابنتي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من مكة يريد بهما المدينة فنخس بهما الحويرث فرمى بهما إلى الأرض ، ومقيس قتل الأنصاري الذي كان قتل أخاه خطأ ، ورجع مشركا إلى مكة ، وقدم مقيس على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكة مسلما سنة ست : عام الحديبية ، وطلب دية أخيه ، فأمر له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بدية أخيه ، ثم قتل الذي قتل أخاه ، ورجع إلى مكة مشركا وقال في شعره :

حللت به وتري وأدركت ثورتي

وكنت إلى الأوثان أول راجع

وكان الذي قتل أخاه هشام بن صبابة رجل من رهط عبادة بن الصامت أصابه خطأ وهو يظن أنه من العدو في غزوة بني المصطلق في شعبان سنة ست (٢)

قال ابن هشام : وبلغني أن أول قتيل وداه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الفتح : جنيدب بن الأكوع ، قتلته بنو كعب ، فوداه بمائة ناقة (٣) وقال عليه‌السلام : «يا معشر خزاعة ارفعوا أيديكم عن القتل ، فقد كثر القتل إن يقع» (٤) قال ابن حبيب : وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أذن لخزاعة أن يضعوا السيوف في بني بكر إلى صلاة العصر. قال ابن هشام : وذلك أن الصلح الذي انعقد بين النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبين أهل مكة عام الحديبية وقع فيه من الشرط : أن من أحب أن يدخل في عقد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعهده ـ عليه‌السلام ـ دخل ، ومن أحب أن يدخل في عهد أهل مكة دخل. فدخلت خزاعة في عهد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ودخلت بنو بكر في عهد قريش ، ثم تظاهر بنو بكر وقريش على خزاعة ، ونقضوا عهدهم فيهم ، وأصابوا فيهم فخرج عمرو بن سالم الخزاعي حتى قدم المدينة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم واستنصره ، وكان مما أهاج فتح مكة. قال ابن سلام في تفسيره : وفي قتل خزاعة لمن قتلوه بمكة وذلك خمسون رجلا أنزل الله عزوجل : (وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) [التّوبة : الآية ١٤]. قال أبو سفيان : يا رسول الله

__________________

(١) ذكره البيهقي في دلائل النبوة (٥ / ٦٢) ، وابن هشام في السيرة (٤ / ٢٣). وفي إسناده أحمد بن عبد الجبار. قال الحافظ في التقريب : ضعيف.

(٢) رواه البيهقي في دلائل النبوة (٥ / ٦٢) وقال البيهقي : قال ابن اسحاق وذكره. وابن هشام في السيرة (٢ / ٤١٠). وقال : قال ابن اسحاق. وذكره بدون سند.

(٣) ذكره ابن هشام في السيرة (٢ / ٤١٦) باب أول قتيل وداه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الفتح.

(٤) ذكره ابن حجر في الفتح (١٢ / ٢٠٦) وفي البداية والنهاية (٤ / ٣٠٥) ـ من حديث ابن إسحاق ولم يذكر له سند.

٤٠