الزبدة الفقهيّة - ج ٩

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٩

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: كيميا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-6307-62-0
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٧٠٧

ابتداء. ومثله ما لو بناه على غير أساس مثله (١) (ضمن) (٢) ما يتلف بسببه من نفس ، أو مال ، (وإلا) يتفق ذلك بقيوده أجمع (٣) بأن لم يعلم بفساده حتى وقع مع كونه مؤسّسا على الوجه المعتبر في مثله ، أو علم ولكنه لم يتمكن من إصلاحه حتى وقع ، أو كان ميله إلى ملكه ، أو ملك أذن فيه ولو بعد الميل(فلا) ضمان ، لعدم العدوان ، إلا أن يعلم على تقدير علمه بفساده ، كميله إلى ملكه (٤) بوقوع أطراف الخشب والآلات إلى الطريق فيكون كميله إلى الطريق ، ولو كان الحائط لمولى عليه (٥) فإصلاحه وضمان حدثه متعلق بالولي(ولو وضع عليه إناء) ونحوه (٦) (فسقط) فأتلف(فلا ضمان إذا كان) الموضوع(مستقرا) على الحائط(على العادة) ، لأن له التصرف في ملكه كيف شاء فلا يكون عاديا ، ولو لم يكن مستقرا استقرار مثله ضمن للعدوان بتعريضه للوقوع على المارة والجار. ومثله ما لو وضعه على سطحه (٧) أو شجرته الموضوعة في ملكه ، أو مباح.

(ولو وقع الميزاب) (٨) المنصوب إلى الطريق(ولا تفريط) بأن كان مثبتا على

______________________________________________________

(١) أي بناه على أساس ضعيف لمثل هذا الحائط.

(٢) للتعدي.

(٣) بحيث لو انتفى قيد مما تقدم فلا يضمن.

(٤) بحيث يعلم أنه مائل إلى ملكه ويعلم بأنه لو سقط سيسقط في ملكه لكن الآلات التي فيه كالأخشاب ستقع في ملك الغير فيضمن حينئذ للتعدي.

(٥) كالصبي ، كان الضمان على الولي مع التفريط كما عن العلّامة في التحرير.

(٦) فسقط وأتلف فلا ضمان ، لأن له التصرف في حائطه فلا يكون وضعه عدوانا فلا يستعقبه الضمان بلا خلاف ولا إشكال ، نعم لو وضعه مائلا إلى الطريق ضمن كما في القواعد كمثل ما لو بنى الحائط مائلا إلى الطريق ، وكذا لو وضعه على وجه يسقط مثله فيضمن كمثل ما لو بنى الحائط على أساس ضعيف.

(٧) أي ومثل الوضع على الحائط ، فلا ضمان في الجميع لأنه تصرف في ملكه ما لم يكن عدوانا.

(٨) نصب الميازيب إلى الطرق جائز ، وعليه عمل الناس في جميع الأعصار والأمصار ، وعن السرائر نفي الخلاف عنه ، وفي المروي : (كان للعباس ميزاب إلى المسجد وكان رخّص له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلعه عمر يوما لما قطر عليه منه ، فخرج العباس فقال له : أتقلع ميزابا نصبه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيده؟ فقال عمر : والله لا ينصبه إلا من رقى على ظهري ، فرقى العباس ـ

٥٨١

عادة أمثاله(فالأقرب عدم الضمان) للإذن في وضع الميازيب شرعا كذلك فلا يتعقبه الضمان ، ولأصالة البراءة.

وقيل : يضمن وإن جاز وضعه ، لأنه سبب الإتلاف وإن أبيح السبب كالطبيب ، والبيطار ، والمؤدّب (١) ، ولصحيحة أبي الصباح الكناني عن الصادق عليه‌السلام قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام من أضر بشي‌ء من طريق المسلمين فهو له ضامن ، ولرواية السكوني عن الصادق عليه‌السلام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من أخرج ميزابا ، أو كنيفا ، أو أوتد وتدا ، أو أوثق دابة ، أو حفر بئرا في طريق المسلمين فأصاب شيئا فعطب فهو له ضامن ، وهو نص في الباب لو صح طريقه (٢).

______________________________________________________

ـ على ظهره فنصبه في الجدار) (١) ، وفي طرقنا : (أنه نصبه أمير المؤمنين عليه‌السلام من غير رضا عمر) (٢).

ولكن على نحو لا يضرّ بالمارة ، فإذا سقط الميزاب أو سقط شي‌ء منه فهلك به إنسان أو مال ففي الضمان قولان :

الأول : ما اختاره الشيخ المفيد وابن إدريس من عدم الضمان لأنه من ضرورة البناء ، وللإذن في وضعه شرعا فلا يستعقبه الضمان.

الثاني : ما ذهب إليه الشيخ في المبسوط والخلاف وابن زهرة في الغنية أنه يضمن ، والإذن في وضعه بشرط السلامة ، فمع عدم السلامة لا بد أن يضمن ، ولصحيحة أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (من أضرّ بشي‌ء من طريق المسلمين فهو له ضامن) (٣) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (كل شي‌ء يضرّ بطريق المسلمين فصاحبه ضامن) (٤) ، وخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أخرج ميزابا ، أو كنيفا ، أو وتدا ، أو أوثق دابة ، أو حفر بئرا في طريق المسلمين فأصاب شيئا فهو له ضامن) (٥) وهي نص في الباب.

(١) فإنهم مأذونون في عملهم ومع ذلك فعليهم الضمان عند التلف.

(٢) لأن السكوني عامي.

__________________

(١) الخلاف ج ٢ ص ٤٠٧ ، مفتاح الكرامة ج ١٠ ص ٢٩٩.

(٢) مفتاح الكرامة ج ١٠ ص ٣٠٠.

(٣) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب موجبات الضمان حديث ٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب موجبات الضمان حديث ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب موجبات الضمان حديث ١.

٥٨٢

وفصل آخرون (١) فحكموا بالضمان مطلقا (٢) إن كان الساقط الخارج منه عن الحائط ، لأن وضعه في الطريق مشروط بعدم الإضرار كالروشن والساباط ، وبضمان النصف إن كان الساقط الجميع ، لحصول التلف بأمرين أحدهما غير مضمون لأن ما في الحائط منه بمنزلة أجزاء الحائط وقد تقدم أنها لا توجب ضمانا (٣) حيث لا تقصير في حفظها.

(وكذا) القول(في الجناح والروشن) (٤) لا يضمن ما يتلف بسببهما ، إلا مع التفريط ، لما ذكر (٥) ، وعلى التفصيل لو كانت خشبة موضوعة في حائط ضمن النصف إن سقطت أجمع ، وإن انتصفت وسقط الخارج عنه ، أو كانت موضوعة على غير ملكه ضمن الجميع هذا كله في الطريق النافذة (٦) أما المرفوعة (٧) فلا يجوز

______________________________________________________

(١) منهم العلّامة ، وذلك لأن الميزاب تارة يكون بحذاء الحائط مسمرا عليه وأخرى يكون بعضه في الحائط والبعض الآخر خارجا عن الحائط.

فعلى الأول لا يضمن مثله مثل ما لو سقط الحائط ، وعلى الثاني فإن سقط من الميزاب ما هو خارج عن الحائط فقط فعليه الضمان ، وإن سقط من أصله فالضمان لعموم الأخبار السابقة وعدم الضمان كاملا لأن التلف قد حصل من مباح مطلق وهو ما كان مسمرا في الحائط ومن مباح بشرط السلامة ، وهو ما كان خارجا عن الحائط وعليه فيضمن النصف لأن سبب التلف سببان : أحدهما غير مضمون والآخر مضمون.

(٢) نفسا ومالا بتمام الدية لا بنصفها.

(٣) ومنه تعرف عدم الضمان في الميزاب المسمّر بحذاء الحائط.

(٤) الجناح ما يخرج عن الحائط لا لإرادة الضوء ، بل لتوسعة البيت تشبيها له بجناح الطائر ، والروشن ما يخرج عن الحائط لإرادة الضوء وهو شبيه الجناح ، والساباط هو سقف ما بين حائطه والحائط المقابل والطريق بينهما ، وهذا السقف يضم إلى البيت من أجل التوسعة.

وعليه فيجوز إخراج الرواشن والأجنحة والساباطات إذا لم تضرّ بالمارة ، بحيث تكون رفيعة لا يتضرر بها الراكب ولا الحامل ولا غيرهما ، ولو أضرت منع صاحبها منها وضمن ما يتولد منها من التلف.

ومع عدم الضرر فلو سقطت وأتلفت فالخلاف فيها كالخلاف في الميزاب من عدم الضمان مطلقا للإذن الشرعي ، ومن الضمان لعموم الأخبار ، ومن التفصيل.

(٥) من الإذن الشرعي فلا يستعقب ضمانا.

(٦) أي النافذة إلى طريق أخرى.

(٧) وهي الممنوعة عن النفوذ لكونها ملك لجماعة تنتهي إلى أبوابهم فقط.

٥٨٣

فعل ذلك فيها ، إلا بإذن أربابها (١) أجمع ، لأنها ملك لهم وإن كان الواضع أحدهم ، فبدون الإذن يضمن مطلقا (٢) ، إلا القدر الداخل في ملكه لأنه سائغ لا يتعقبه ضمان.

(السابعة (٣) ـ لو أجّج نارا في ملكه) ولو للمنفعة (٤) (في ريح معتدلة ، أو ساكنة ولم تزد) النار(عن قدر الحاجة) التي أضرمها لأجلها(فلا ضمان) ، لأن له التصرف في ملكه كيف شاء(وإن عصفت) (٥) الريح بعد إضرامها(بغتة) ، لعدم التفريط.(وإلا) يفعل كذلك بأن كانت الريح عاصفة حالة الإضرام على وجه يوجب ظن التعدي إلى ملك الغير ، أو زاد عن قدر الحاجة وإن كانت ساكنة(ضمن) سرايتها إلى ملك غيره. فالضمان على هذا مشروط بأحد الأمرين (٦): الزيادة أو عصف الريح.

وقيل : يشترط اجتماعهما معا (٧).

وقيل : يكفي ظن التعدي (٨) إلى ملك الغير مطلقا (٩). ومثله القول في

______________________________________________________

(١) ممن يجوز له الاستطراق فيها.

(٢) سواء سقط الجميع أو البعض الخارجي.

(٣) لو أجج نارا فتارة في ملك الغير وأخرى في ملكه ، فإن أججها في ملك الغير فإنه يضمن لأنه عدوان محض سواء قصد الإتلاف أم لا ، وإن أججها في ملكه فمع عدم احتمال التعدي لا يضمن ولو اتفق أنها سرت إلى ملك الغير بلا خلاف فيه بشرط عدم تجاوز قدر الحاجة منها لأن له التصرف في ملكه.

وإن زادت على قدر الحاجة مع غلبة الظن بالتعدي كما في أيام الأهوية فإنه يضمن لو سرت بلا خلاف ولا إشكال لكونه متعديا حينئذ.

وعن المحقق أنه يضمن إن غلب على ظنه التعدي بسبب الأهوية وإن لم تزد عن قدر الحاجة ، وعن الشهيد أنه يكفي أحدهما إما ظن التعدي وإما الزيادة عن قدر الحاجة.

(٤) منفعة نفسه بلا قصد العدوان.

(٥) إن وصلية.

(٦) هو قول الشهيد.

(٧) هو موطن وفاق.

(٨) هو قول المحقق.

(٩) سواء زاد عن قدر الحاجة أو لا.

٥٨٤

إرسال الماء وقد تقدم الكلام في ذلك كله في باب الغضب ولا وجه لذكرها في هذا المختصر مرتين.

(ولو أجج في موضع ليس له ذلك فيه) كملك غيره(ضمن الأنفس والأموال) مع تعذر التخلص في ماله (١) ، ولو قصد الإتلاف فهو عامد يقاد في النفس مع ضمان المال ، ولو أججها في المباح (٢) فالظاهر أنه كالملك ، لجواز التصرف فيه.

(الثامنة (٣) ـ لو فرط في حفظ دابته فدخلت على أخرى فجنت) عليها

______________________________________________________

(١) أي يضمن في ماله ، لأنه شبيه العمد بدون قصد الإتلاف ، ومع قصد الإتلاف يكون عمدا موجبا للقصاص بلا خلاف ولا إشكال.

(٢) لم أجد من خالف في أن حكمه حكم ما لو أجج في ملكه.

(٣) لو هجمت دابة على أخرى فجنت الداخلة ، فعن الشيخين والديلمي والقاضي وابن حمزة ضمن مالكها ، وإن جنت المدخول عليها كان هدرا بلا خلاف ولا إشكال ، أما الأول فلخبر مصعب بن سلام التميمي عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن أبيه عليه‌السلام : (أن ثورا قتل حمارا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فرفع ذلك إليه وهو في أناس من أصحابه فيهم أبو بكر وعمر ، فقال : يا أبا بكر اقض بينهم ، فقال : يا رسول الله بهيمة قتلت بهيمة ما عليها شي‌ء ، فقال : يا عمر ، اقض بينهم ، فقال مثل قول أبي بكر ، فقال : يا علي اقض بينهم ، فقال : نعم يا رسول الله ، إن كان الثور دخل على الحمار في مستراحه ضمن أصحاب الثور ، وإن كان الحمار دخل على الثور في مستراحه فلا ضمان عليهم ، فرفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يده إلى السماء فقال : الحمد لله الذي جعل منّي من يقضي بقضاء النبيين) (١).

إلا أن السند ضعيف مع عدم الجابر له وهذا يمنع من العمل به على إطلاقه ، فلذا ذهب المحقق وجماعة المتأخرين إلى تقييد الضمان بكون مالك البهيمة الداخلة قد فرّط في حفظها ويدل عليه مرسل الحلبي عن أبي جعفر عليه‌السلام : (بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا إلى اليمن ، فأفلت فرس لرجل من أهل اليمن ومرّ يعدو ، فمرّ برجل فنفحه برجله فقتله ، فجاء أولياء المقتول إلى الرجل فأخذوه فرفعوه إلى علي عليه‌السلام ، فأقام صاحب الفرس البينة عند علي عليه‌السلام أن فرسه أفلت من داره ونفح الرجل فأبطل علي عليه‌السلام دم ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب موجبات الضمان حديث ١.

٥٨٥

(ضمن) جنايتها ، لتفريطه(ولو جني عليها) أي جنت المدخول عليها على دابته(فهدر) ولو لم يفرط في حفظ دابته بأن انتقلت من الإسطبل الموثوق ، أو حلها غيره فلا ضمان ، لأصالة البراءة.

وأطلق الشيخ وجماعة ضمان صاحب الداخلة ما تجنيه ، لقضية علي عليه‌السلام في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. والرواية ضعيفة السند فاعتبار التفريط وعدمه متجه.

(ويجب حفظ البعير المغتلم) (١) أي الهائج لشهوة الضراب ، (والكلب العقور) وشبههما على مالكه(فيضمن) ما يجنيه(بدونه (٢) إذا علم) بحاله وأهمل حفظه ، ولو جهل حاله ، أو علم ولم يفرط فلا ضمان.

وفي إلحاق الهرة الضارية بهما (٣) قولان من استناد التلف إلى تفريطه في

______________________________________________________

ـ صاحبهم ، فجاء أولياء المقتول من اليمن إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا : يا رسول الله ، إن عليا ظلمنا وأبطل دم صاحبنا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن عليا ليس بظلّام ولم يخلق للظلم ، إن الولاية لعليّ من بعدي والحكم حكمه والقول قوله ، ولا يردّ حكمه وقوله وولايته إلا كافر ، ولا يرضى ولايته وقوله وحكمه إلا مؤمن ، فلما سمع اليمانيون قول رسول الله في عليّ ، قالوا : يا رسول الله رضينا بحكم علي عليه‌السلام فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هو توبتكم عما قلتم) (١).

(١) المغتلم هو الهائج من شهوة الضراب ، فيجب حفظ الدابة الصائلة والبعير المغتلم والكلب العقور والفرس العضوض والبغل الرامح بلا خلاف فيه لقاعدة الضرر ، ولخبر الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (سئل عن بختيّ اغتلم فقتل رجلا ، فجاء أخو الرجل فضرب الفحل بالسيف فعقر ، فقال : صاحب البختي ضامن للدية ، ويقتص ثمن بختيه) (٢) ومثله غيره ، نعم لو جهل المالك حال الدابة ، أو علم ولم يفرّط في الحفظ فلا ضمان بلا خلاف لأصالة البراءة بعد عدم كونه متعديا.

(٢) بدون الحفظ.

(٣) بالبعير والكلب ، فقال الشيخ : يضمن بالتفريط مع الضراوة وتبعه عليه ابن حمزة وابن إدريس والعلّامة ، واستبعد المحقق الضمان إذ لم تجر العادة بربطها وحفظها بخلاف الدواب ، نعم اتفقوا على جواز قتلها كقتل غيرها من المؤذيات.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب موجبات الضمان حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب موجبات الضمان حديث ١.

٥٨٦

حفظها ، وعدم جريان العادة بربطها. والأجود الأول. نعم يجوز قتلها(ولو دافعها عنه إنسان فأدى الدفع إلى تلفها ، أو تعيبها فلا ضمان) ، لجواز دفعها عن نفسه فلا يتعقبه ضمان ، لكن يجب الاقتصار على ما يندفع به. فإن زاد عنه ضمن. وكذا لو جنى عليها لا للدفع(وإذا أذن له قوم في دخول دار (١) فعقره كلبها ضمنوه) وإن لم يعلموا أن الكلب فيها حين دخوله ، أو دخل بعده ، لإطلاق النص والفتوى ، وإن دخلها بغير إذن المالك لم يضمن ولو أذن بعض من في الدار ، دون بعض. فإن كان ممن يجوز الدخول مع إذنه (٢) اختص الضمان به وإلا فكما لو لم يأذن (٣) ، ولو اختلفا في الإذن قدم المنكر (٤).

(التاسعة (٥) ـ ...

______________________________________________________

(١) فعقره كلبها ، ضمنوا إن دخل بإذنهم وإلا فلا ضمان بلا خلاف فيه للأخبار منها : خبر السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل دخل دار قوم بغير إذنهم فعقره كلبهم فقال : لا ضمان عليهم ، فإن دخل بإذنهم ضمنوا) (١) ، وإطلاق النص عدم الفرق بين كون الكلب حاضرا في الدار عند الدخول وعدمه ، وعدم الفرق بين علمهم بكونه يعقر الداخل وعدمه ، وعدم الفرق بين علمهم بوجود الكلب حين الدعوة وعدمه.

(٢) كصاحب الدار أو وكيله.

(٣) فيما لو كان الإذن من الطفل أو الضيف أو الخادم.

(٤) للأصل لأن البينة على المدعي واليمين على من أنكر ، والمنكر هنا هو صاحب الدار فيقدم قوله مع يمينه.

(٥) يضمن راكب الدابة ما يجنيه يديها بلا خلاف فيه للأخبار منها : خبر العلاء بن الفضيل عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (سئل عن رجل يسير على طريق من طرق المسلمين على دابته فتصيب برجلها ، قال : ليس عليه ما أصابت برجلها ، وعليه ما أصابت بيدها ، وإذا وقفت فعليه ما أصابت بيدها ورجلها ، وإن كان يسوقها فعليه ما أصابت بيدها ورجلها) (٢) ، وصحيح الحلبي عنه عليه‌السلام : (سئل عن الرجل يمرّ على طريق من طرق المسلمين فتصيب دابته إنسانا برجلها فقال : ليس عليه ما أصابت برجلها ولكن عليه ما ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب موجبات الضمان حديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب موجبات الضمان حديث ٢.

٥٨٧

(يضمن راكب الدابة ما تجنيه بيديها ورأسها) (١) دون رجليها (٢) (والقائد لها كذلك) (٣) يضمن جناية يديها ورأسها خاصة(والسائق يضمنها مطلقا (٤) وكذا) يضمن جنايتها مطلقا(لو وقف بها الراكب (٥) ، أو القائد) (٦) ومستند التفصيل أخبار كثيرة ، نبّه في بعضها على الفرق بأن الراكب والقائد يملكان يديها ورأسها ويوجهانها كيف شاءا ، ولا يملكان رجليها ، لأنهما خلفهما. والسائق يملك الجميع.

(ولو ركبها اثنان (٧) تساويا) في الضمان ، لاشتراكهما في اليد والسببية إلا أن يكون أحدهما ضعيفا ، لصغر أو مرض ، فيختص الضمان بالآخر ، لأنه المتولي أمرها.

______________________________________________________

ـ أصابت بيدها ، لأن رجلها خلفه إن ركب ، فإن كان قائدها فإنه يملك بإذن الله يدها يضعها حيث يشاء) (١).

(١) فالضمان كما ذهب إليه الشيخ في المبسوط والفاضلان والشهيدان وغيرهم لمساواة الرأس لليدين في التمكن من حفظهما ، وذهب الشيخ في الخلاف إلى عدم الضمان لأصالة البراءة وللاقتصار على المتيقن فيما خالف الأصل من الضمان مع عدم التفريط.

(٢) لصريح النصوص المتقدمة.

(٣) أي كالراكب فيضمن ما تجنيه بيديها دون رجليها لذيل صحيح الحلبي المتقدم ، وأما الرأس فنفس الخلاف المتقدم.

(٤) أي الذي يسوقها من خلفها فيضمن ما تجنيه بيديها ورجليها بلا خلاف ولذيل خبر العلاء المتقدم.

(٥) بلا خلاف فيه لخبر العلاء بن فضيل المتقدم.

(٦) لأن حكمه حكم الراكب.

(٧) اشتركا في الضمان ، وعن كشف اللثام أن الأصحاب قاطعون به لصدق الراكب على كل منهما مع أن الضمان على الراكب فيتناصفان الضمان ، ولخبر سلمة بن تمام عن علي عليه‌السلام : (في دابة عليها ردفان فقتلت الدابة رجلا أو جرحت ، فقضى في الغرامة بين الردفين بالسوية) (٢).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب موجبات الضمان حديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب موجبات الضمان حديث ١.

٥٨٨

(ولو كان صاحبها معها) (١) مراعيا لها(فلا ضمان على الراكب) وبقي في المالك ما سبق من التفصيل باعتبار كونه سائقا ، أو قائدا (٢) ولو لم يكن المالك مراعيا لها بل تولى أمرها الراكب ضمن دون المالك.

(ويضمنه مالكها) (٣) الراكب أيضا(لو نفّرها فألقته) ، لا أن ألقته بغير سببه ، ولو اجتمع للدابة سائق ، وقائد (٤) ، أو أحدهما وراكب ، أو الثلاثة اشتركوا في ضمان المشترك واختص السائق بجناية الرجلين.

ولو كان المقود أو المسوق قطارا (٥) ففي إلحاق الجميع بالواحد حكما وجهان : من صدق السوق والقود للجميع ، ومن فقد علة الضمان وهي القدرة على حفظ ما يضمن جنايته. فإن القائد لا يقدر على حفظ يدي ما تأخر عن الأول غالبا ، وكذا السائق بالنسبة إلى غير المتأخر. وهذا أقوى. نعم لو ركب

______________________________________________________

(١) فلا ضمان على الراكب إذا كان صاحبها مراعيا لها كما ذهب إليه المحقق في النافع والعلّامة في القواعد ، ويشكل ذلك على إطلاقه إلا إذا كان المالك هو الموكل بحفظها وسيرها دون الراكب وذلك فيما لو كان طفلا أو صغيرا ، وهذا لا اختصاص له بالراكب بل لا ضمان على القائد إذا فرض كون المراعاة بيد المالك.

(٢) فإن كان سائقا فيضمن الجميع ، وإن كان قائدا فلا يضمن ما تجنيه برجلها.

(٣) أي ويضمن مالك الدابة راكبها ، إذا ألقته بتنفيره ، لأنه متعد حينئذ ، نعم لو ألقته بدون تنفير المالك فلا ضمان كما صرح بذلك جماعة لأصالة البراءة بعد عدم التعدي وعدم التفريط من المالك.

(٤) فلو اجتمع سائق وقائد وراكب فيضمن الجميع موطن الاشتراك وهو ما جنته بيديها ورأسها ، ويختص السائق بضمان جناية الرجلين ؛ ولو اجتمع سائق وقائد اشتركا في جناية اليدين والرأس وينفرد السائق بجناية الرجلين ، ومثله ما لو اجتمع سائق وراكب ، ولو اجتمع قائد وراكب اشتركا في جناية اليدين والرأس ولا يضمنان جناية الرجلين.

(٥) بحيث كان كل واحد من الإبل تلو الآخر مرتبطا به ، فالمسوق هو الذي يسوقها من خلف والمقود هو الذي يقودها من أمام ، فهل يلحق القطار بالواحد حكما وجهان ، من صدق القود أو السوق فحكم الجميع كحكم الواحد وهذا ما ذهب إليه في الوسيلة ، ومن فقد علة الضمان وهي القدرة على الحفظ ، فالقائد لا يقدر على حفظ يديّ ما تأخر عن الأول ، والسائق بالنسبة إلى غير المتأخر.

٥٨٩

واحدا وقاد الباقي تعلق به حكم المركوب ، وأول المقطور ، وكذا لو ساق مع ذلك واحدا ، أو أكثر.

(العاشرة (١) ـ يضمن المباشر لو جامعه السبب دونه) لأنه أقوى وأقرب (٢). هذا مع علم المباشر بالسبب(ولو جهل المباشر ضمن السبب). فالسبب(كالحافر) للبئر في غير ملكه ، (و) المباشر(كالدافع) فيها. فالضمان على الدافع ، دون الحافر ، إلا أن تكون البئر مغطاة ولا يعلم بها الدافع فالضمان على الحافر ، لضعف المباشر بالجهل(ويضمن أسبق السببين) (٣) لو اجتمعا(كواضع الحجر)

______________________________________________________

(١) يضمن المباشر لو جامعه السبب ، كالدافع إلى البئر مع حافره ، فالأول مباشر والثاني سبب ، والذابح مع الممسك فالأول مباشر والثاني سبب ، وجاذب المنجنيق مع واضع الحجر في كفته.

وضمان المباشر لكونه أقوى من السبب ، ولأن القتل أو التلف مستند إلى المباشر لا إلى السبب ، لأن التلف والقتل من فعل المباشر عرفا ، بلا خلاف فيه كما في الجواهر ، إلا إذا ضعف المباشر وكان السبب أقوى كما لو جهل المباشر حال السبب فإنه يضمن المسبّب كمن حفر بئرا في غير ملكه وغطاها فدفع غيره ثالثا ولم يعلم بالبئر فالضمان على الحافر لأنه السبب في التلف بلا خلاف فيه.

(٢) الأقوائية لأن التلف يسند إليه ، والأقربية واضحة.

(٣) إذا اجتمع سببا الهلاك قدّم الأول منهما ، والمراد بالأول هو الأسبق جناية ، ووجه ضمانه دون الثاني أنه بالجناية قد تحققت نسبة الضمان إليه قبل الثاني فيستصحب ، كما لو حفر بئرا في محل عدوانا ـ في غير ملكه ـ ووضع الآخر حجرا قريبا من البئر فعثر رجل بالحجر فوقع في البئر فمات ، فالضمان على واضع الحجر لأنه متعد وصاحب الجناية أولا وإن كان حفر البئر قبل وضع الحجر. ومثله من حفر بئرا عدوانا وقام الآخر بنصب سكين في قعرها عدوانا ، فوقع ثالث في البئر فأصابته السكين فقتل فالضمان على الحافر.

وفي المسألة احتمالان آخران :

الأول : تساوي السببين في الضمان لأن التلف حصل منهما ، وكلاهما متعد ولا ترجيح لأحدهما على الآخر.

الثاني : ترجيح السبب الأقوى كما لو كان السكين قاطعا في قاع البئر مع كون عمق البئر لا يقتل غالبا فيختص الضمان بناصب السكين دون حافر البئر ، إلا أن القول الأول عليه العمل دون هذين الاحتمالين ، وهما احتمالان أوردهما المحقق في الشرائع.

٥٩٠

(وحافر البئر فيعثر بالحجر فيقع في البئر فيضمن واضع الحجر) لأنه أسبق السببين فعلا وإن تأخر الوضع عن الحفر ، ولو تقدم الحافر كما لو نصب إنسان سكينا في قعر البئر فوقع فيها إنسان من غير عثار فأصابته السكين فمات فالضمان على الحافر.

هذا إذا كانا متعديين (١) (فلو كان فعل أحدهما في ملكه فالضمان على الآخر) ، لاختصاصه بالعدوان.

(الحادية عشرة (٢) ـ لو وقع واحد في الزبية) بضم الزاي المعجمة وهي

______________________________________________________

(١) أما لو كان أحدهما متعديا دون الآخر كما لو حفر إنسان بئرا في ملكه فقام الآخر فنصب سكينا في القاع فالضمان على الناصب للسكين لأنه متعد.

(٢) حول مسألة الزبية المشهورة ، والزبية بضم الزاء ، حفيرة تحفر للأسد ، وسميت بذلك لأنهم كانوا يحفرون له الحفيرة في موضع عال فوق الأكمة ومنه المثل : بلغ السّيل الزبا ، والزبا جمع زابية مثل روابي جمع رابية ، وقد صغرت فسميت زبية أي حفيرة.

وهذه لها واقعة مشهورة في كتب الخاصة والعامة وهي : لو وقع أحد في زبية الأسد فتعلق بثان ، وتعلق الثاني بثالث ، وتعلق الثالث برابع فافترسهم الأسد ، فما الحكم؟ وقد قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في ذلك ، وفي نقل قضائه روايتان.

الأولى : خبر محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام : (قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في أربعة اطلعوا في زبية الأسد ، فخرّ أحدهم فاستمسك بالثاني ، واستمسك الثاني بالثالث ، واستمسك الثالث بالرابع حتى أسقط بعضهم بعضا على الأسد ، فقتلهم الأسد ، فقضى بالأول فريسة الأسد ، وغرّم أهله ثلث الدية لأهل الثاني ، وغرّم الثاني لأهل الثالث ثلثي الدية ، وغرّم الثالث لأهل الرابع الدية كاملة) (١) والخبر صحيح ، فما في المسالك أنها ضعيفة لاشتراك محمد بن قيس ليس في محله ، لأنه الثقة برواية عاصم بن حميد عنه كما اعترف بصحتها أكثر من واحد.

والرواية الثانية : هي رواية مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إن قوما احتفروا زبية للأسد فوقع فيها الأسد فازدحم الناس عليها ينظرون إلى الأسد ، فوقع رجل فتعلق بآخر ، فتعلق الآخر بآخر ، والآخر بآخر ، فجرحهم الأسد فمنهم من مات من جراحة الأسد ومنهم من أخرج فمات ، فتشاجروا في ذلك حتى أخذوا السيوف ، ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب موجبات الضمان حديث ٢.

٥٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : هلموا أقضي بينكم فقضى أن للأول ربع الدية والثاني ثلث الدية والثالث نصف الدية والرابع الدية كاملة ، وجعل ذلك على قبائل الذين ازدحموا ، فرضي بعض القوم وسخط بعض ، فرفع ذلك إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخبر بقضاء أمير المؤمنين عليه‌السلام فأجازه) (١).

وهذه الرواية ضعيفة بسهل بن زياد والأمر فيه سهل ، وضعيفة بمحمد بن الحسن بن شمون فهو غال ملعون ، وبعبد الله بن عبد الرحمن الأصم فهو غال ضعيف كان من كذبة أهل البصرة كما نص عليه علماء الرجال.

نعم ما روي من طرق العامة يوافق هذه الرواية الثانية إلا أن الأولى مشهورة وعليها عمل المشهور ، وهناك من توقف عن العمل بها وجعلها قضية في واقعة لمخالفتها للقواعد إلا أن من عمل بها قد وجّهها.

والتوجيه هو أن الأول لم يعتد عليه أحد فهو فريسة الأسد ، إلا أن الثاني قد قتله الأول فيستحق الدية إلا أنه يسقط منها بحسب ما جنى وهو قد جنى قتل الثالث والرابع فيسقط من ديته الثلثان لأنه جنى على الثالث والرابع ويبقى له ثلث لأنه جني عليه.

والثالث قد قتله اثنان ، وهما الأول والثاني وهو قد قتل واحدا وهو الرابع ، فيستحق تمام الدية إلا أنه يسقط منه بمقدار ما جنى وهو الثلث ويبقى له الثلثان ، وأما الرابع فقد قتله ثلاثة وهو لم يقتل أحدا فيستحق تمام الدية ، إلا أن هذا التوجيه ضعيف من جهتين :

أولا : فلا يلزم من قتله لغيره سقوط حصته عن قاتله.

وثانيا : يجب أن يكون ثلثا دية الثالث على الثاني والأول مع أنه في الرواية هما على الثاني فقط ، ويجب أن تكون الدية الكاملة للرابع على الثلاثة مع أنها في الرواية على الثالث فقط. وحاول ابن أبي عقيل في كتابه المستمسك على ما نقل عنه أن يدفع الضعف من الجهة الثانية بدعوى أن دية الرابع على الثلاثة وإنما نسبت إلى الثالث فقط لأن الثالث له على من قتله ثلثا الدية فيضيف إليها الثلث الذي عليه من دية الرابع فتصير دية كاملة ، وتدفع إلى الرابع.

وثلثا دية الثالث على الثاني والأول إلا أن الثاني سيأخذ ثلثا من الأول ويضيف إليه ثلثا فيصير المجموع ثلثين فيدفعان إلى الثالث ولذا نسبت الثلثين إلى الثاني. فالأول سيدفع ثلثا للثاني والثاني يضم إليه ثلثا ويدفع الثاني الثلثين للثالث ، والثالث يضم إليها ثلثا فتصير ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب موجبات الضمان حديث ١.

٥٩٢

الحفرة تحفر للأسد سميت بذلك لأنهم كانوا يحفرونها في موضع عال ، وأصلها الزابية التي لا يعلوها الماء وفي المثل بلغ السيل الزبا(فتعلق) الواقع(بثان ، والثاني بثالث ، والثالث برابع) فوقعوا جميعا(فافترسهم الأسد ففي رواية محمد بن قيس عن الباقر عن علي عليه‌السلام أنه قضى في ذلك. أن الأول فريسة الأسد) لا يلزم أحدا(ويغرم أهله ثلث الدية للثاني ، ويغرم الثاني للثالث ثلثي الدية ويغرم الثالث للرابع الدية كاملة) وعمل بها أكثر الأصحاب. لكن توجيهها على الأصول مشكل ، ومحمد بن قيس كما عرفت مشترك وتخصيص حكمها بواقعتها ممكن ، فترك العمل بمضمونها مطلقا (١) متوجه.

وتوجيهها بأن الأول لم يقتله أحد. والثاني قتله الأول ، وقتل هو (٢) الثالث والرابع. فقسطت الدية على الثلاثة فاستحق منها بحسب ما جني عليه. والثالث قتله اثنان وقتل هو واحدا فاستحق ثلثين كذلك. والرابع قتله الثلاثة فاستحق تمام الدية ، تعليل بموضع النزاع (٣) ، إذ لا يلزم من قتله لغيره سقوط شي‌ء من ديته عن قاتله.

وربما قيل (٤) بأن دية الرابع على الثلاثة بالسوية ، لاشتراكهم جميعا في سببية قتله وإنما نسبها إلى الثالث ، لأن الثاني استحق على الأول ثلث الدية فيضيف إليه ثلثا آخر ويدفعه إلى الثالث فيضيف إلى ذلك ثلثا آخر ويدفعه إلى الرابع.

وهذا مع مخالفته لظاهر الرواية لا يتم في الآخرين (٥) ، لاستلزامه كون دية

______________________________________________________

ـ دية كاملة فيدفعها إلى الرابع.

وهذه المحاولة ليست في محلها لأنها على خلاف ظاهر الخبر ، ولأنها على خلاف القواعد لأن الثالث سبب في قتل الرابع فعليه دية الرابع بتمامها ، وكون الثاني قد قتل الثالث لا يسقط حق الرابع عن الثالث ، وكذلك في الثالث والثاني ، ولذا ذهبت جماعة إلى أنها قضية في واقعة لا يتعدى عنها إلى غيرها إذ لعل الإمام اطلع على ما يوجب ذلك فيها.

(١) سواء كان في الزبية أو غيرها ، وسواء كانوا أربعة أو لا.

(٢) أي الثاني.

(٣) خبر قوله : وتوجيهها.

(٤) توجيه ابن أبي عقيل.

(٥) وهما الثاني والثالث وإن تم في الرابع.

٥٩٣

الثالث على الأولين (١) ، ودية الثاني على الأول. إذ لا مدخل لقتله من بعده في إسقاط حقه كما مر ، إلا أن يفرض كون الواقع عليه سببا في افتراس الأسد له فيقرب (٢) ، إلا أنه خلاف الظاهر (٣).

(وفي رواية أخرى) رواها سهل بن زياد عن ابن شمون عن عبد الله الأصم عن مسمع عن أبي عبد الله عليه‌السلام أن عليا عليه‌السلام قال : (للأول ربع الدية وللثاني ثلث الدية ، وللثالث نصف الدية ، وللرابع الدية كاملة) وجعل ذلك(كله على عاقلة المزدحمين) ووجهت بكون البئر حفرت عدوانا ، والافتراس مستندا إلى الازدحام المانع من التخلص. فالأول مات (٤) بسبب الوقوع في البئر ، ووقوع الثلاثة فوقه ، إلا أنه بسببه ، وهو ثلاثة أرباع السبب فيبقى الربع على الحافر ، والثاني مات بسبب جذب الأول وهو ثلث السبب ووقوع الباقيين فوقه وهو ثلثاه ووقوعهما عليه من فعله فيبقى له ثلث ، والثالث مات من جذب الثاني ووقوع الرابع وكل منهما نصف السبب ، لكن الرابع من فعله فيبقى له نصف ، والرابع موته بسبب جذب الثالث فله كمال الدية.

والحق أن ضعف سندها يمنع من تكلف تنزيلها. فإن سهلا عامي ، وابن شمون غال والأصم ضعيف فردها مطلقا (٥) متجه.

______________________________________________________

(١) أي الثاني والأول مناصفة فيجب أن يأخذ الثاني من الأول النصف ويدفع النصف ، ولاستلزامه كون دية الثاني على الأول فقط بتمامها مع أن الرواية لم تصرح بذلك.

(٢) التوجيه ، بحيث يصير قتل كل واحد من الثاني والثالث مستندا إلى مجموع الجاذب له والواقع عليه لكن الوقوع عليه من فعله فيسقط ضمانه فيبقى من الدية النصف على الجاذب له ، فيبقى نصف دية الثالث على الثاني لا ثلثاها ، ونصف دية الثاني على الأول لا الثلث ، ولذا قال الشارح : يقرب ، ولم يقل : يتم.

(٣) أي ظاهر الرواية لأن الافتراس من ناحية الجذب له ، لا من ناحية الأعم من الجذب له والوقوع عليه.

(٤) بسببين : بسبب حفر البئر وبسبب وقوع الثلاثة عليه ، مع أن وقوع الثلاثة من فعله فيسقط من ديته بمقدار فعله فيبقى له الربع ، وهو على الحافر لأنه حفره عدوانا مع أن الرواية قد جعلته على عاقلة المزدحمين ، والأولى جعل السبب الأول هو الازدحام لا حفر البئر.

(٥) سواء كان في الزبية أو الحفيرة وسواء كانوا أربعة أو أقل أو أزيد.

٥٩٤

وردها المصنف بأن الجناية إما عمد أو شبهه وكلاهما يمنع تعلق العاقلة به (١) ، وأن في الرواية «فازدحم الناس عليها ينظرون إلى الأسد» وذلك ينافي ضمان حافر البئر (٢). وحيث يطرح الخبران فالمتجه ضمان كل دية من أمسكه أجمع ، لاستقلاله بإتلافه. وهو خيرة العلّامة في التحرير.

الفصل الثاني ـ في التقديرات

وفيه مسائل :

(الأولى ـ في النفس ، دية العمد أحد أمور ستة يتخير الجاني في دفع ما شاء منها (٣). وهي :

______________________________________________________

(١) أي بالعمد أو شبهه.

(٢) كما في التوجيه ، ومع أنك عرفت أن الأولى جعل السبب هو الازدحام فلا يأتي الإشكال.

(٣) لا خلاف بين الأصحاب في كون دية العمد واحدا من أمور ستة وهي : مائة من مسان الإبل ومائتا بقرة وألف دينار وعشرة آلاف درهم وألف شاة ومائتا حلة من حلل اليمن ويدل عليه الأخبار منها : صحيح عبد الرحمن بن الحجاج قال : (سمعت ابن أبي ليلى يقول : كانت الدية في الجاهلية مائة من الإبل فأقرها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم إنه فرض على أهل البقر مائتي بقرة وفرض على أهل الشاة ألف شاة ثنية وعلى أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق عشرة آلاف درهم وعلى أهل اليمن الحلل مائتي حلة ، قال عبد الرحمن بن الحجاج : فسألت أبا عبد الله عليه‌السلام عما روى ابن أبي ليلى فقال : كان علي عليه‌السلام يقول : الدية ألف دينار وقيمة الدينار عشرة دراهم وعشرة آلاف لأهل الأمصار ، وعلى أهل البوادي مائة من الإبل ولأهل السواد مائة بقرة أو ألف شاة) (١).

وصحيح جميل بن دراج : (في الدية قال : ألف دينار أو عشرة آلاف درهم ، ويؤخذ من أصحاب الحلل الحلل ، ومن أصحاب الإبل الإبل ، ومن أصحاب الغنم الغنم ، ومن أصحاب البقر البقر) (١) ، ومرسل يونس عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (الدية عشرة آلاف درهم أو ألف دينار أو مائة من الإبل) (٣) ، وما ورد معارضا لها لا بد من تأويله أو رده إلى أهله فقد ورد حصر الدية في الإبل كما في صحيحة محمد بن مسلم وزرارة وغيرهما ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات النفس حديث ١ و ٤ و ٧.

٥٩٥

(مائة من مسان الإبل) (١) وهي الثنايا فصاعدا (٢). وفي بعض كلام المصنف أن المسنة من الثنية إلى بازل عامها.

(أو مائتا بقرة) (٣) وهي ما يطلق عليه اسمها.

______________________________________________________

ـ عن أحدهما عليهما‌السلام : (في الدية قال : هي مائة من الإبل وليس فيها دنانير ولا دراهم ولا غير ذلك) (١).

وقد ورد في أخبار أن قيمة كل بعير عشرون شاة منها صحيحة معاوية بن وهب : (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن دية العمد فقال : مائة من فحولة الإبل المسانّ ، فإن لم يكن إبل فمكان كل جمل عشرون من فحولة الغنم) (٢) وهذه لا عامل بها ، فضلا عن معارضتها بما دل على أن الدية ألف شاة فلا بد من حملها على التقية لموافقتها للعامة كما في المغني لابن قدامة على ما قيل.

وقد ورد أن الدية إذا كانت من الدراهم فهي اثنا عشر ألف درهم ففي صحيح عبيد الله بن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (الدية ألف دينار أو اثنا عشر درهم) (٣) ومثله صحيح ابن سنان (٤).

وأما دليل تخيير الجاني في دفع ما شاء منها فسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى.

(١) قد تقدم خبر معاوية بن وهب فقال عليه‌السلام : (مائة من فحولة الإبل المسانّ) ومثله غيره ، والمسنّة كما نقل الشيخ في المبسوط عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (المسنّة هي الثنيّة فصاعدا) وعن حواشي الشهيد : (المسنّة من الثنيّة إلى بازل عامها) ، وفي المهذب البارع وغيره (المسانّ جمع مسنّة وهي من الإبل ما دخل في السادسة وتسمى الثنيّة أيضا ، فإن دخلت في السابعة فهي الرباع والرباعية ، فإن دخلت في الثامنة فهي السديس بكسر الدال ، فإن دخلت في التاسعة فهي بازل أي طلع نابه ، فإن دخلت في العاشرة فهي بازل عام ثم بازل عامين) ، وفي القاموس : «والمراد بالمسانّ الكبار» وعن المغرب : «الثني من الإبل الذي أثنى أي نبتت ثنيته وهو ما استكمل السنة الخامسة ودخل في السادسة».

(٢) سواء كان رباعيا أو سديسا أو بازلا.

(٣) اشترط في المهذب البارع والجامع لابن سعيد كون البقرة مسنة ، وليس لهما دليل بعد كون البقر اسم جنس يقع على الذكر والأنثى والمسنّ وغيره.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات النفس حديث ٧ و ٢.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات النفس حديث ١٠ و ٩.

٥٩٦

(أو مائتا حلّة) بالضم(كل حلة ثوبان (١) من برود اليمن) (٢) هذا القيد للتوضيح ، فإن الحلة لا تكون أقل من ثوبين قال الجوهري : الحلة إزار ورداء لا تسمى حلة حتى تكون ثوبين. والمعتبر اسم الثوب (٣).

(أو ألف شاة) وهي ما يطلق عليها اسمها (٤).

(أو ألف دينار) أي مثقال ذهب خالص (٥).

(أو عشرة آلاف درهم) (٦).

(وتستأدى) دية العمد(في سنة واحدة) (٧) لا يجوز تأخيرها عنها بغير رضى

______________________________________________________

(١) كما نص عليه أكثر الأصحاب وأهل اللغة ، فقال أبو عبيدة ـ كما في الصحاح ـ : (الحلل وبرود اليمن ، والحلة إزار ورداء ، لا تسمى حلة حتى تكون ثوبين) ، وعن النهاية الأثيرية : (الحلة واحدة الحلل ، وهي برود اليمن ولا تسمى حلّة إلا أن تكون ثوبين من جنس واحد) ، وعن المصباح المنير : (الحلة بالضم لا تكون إلّا ثوبين من جنس واحد).

(٢) كما في السرائر والشرائع والنافع والتحرير وغيرها ، وقد دل عليه صحيح عبد الرحمن المتقدم ، وزاد في السرائر : أو من برود نجران ، وقال في الجواهر : «لم أجد له شاهدا».

(٣) لا مجرد ما يستر العورة كما ربما يتوهم.

(٤) بلا خلاف فيه من غير فرق بين الذكر والأنثى.

(٥) بلا خلاف فيه ، ففي موثقة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (دية المسلم عشرة آلاف من الفضة وألف مثقال من الذهب ، وألف من الشاة) (١) ، هذا واعلم أن الدية توازي (٣٦٠٠) غراما من الذهب الخالص لأن المثقال الشرعي يساوي (٦ ، ٣) غراما ، وهي تعادل خمسمائة ليرة عثمانية من الذهب الخالص كما في الدرة البهية للسيد الأمين.

(٦) بلا خلاف فيه ، والدية تساوي حينئذ (٢٥٢٠٠) غراما من الفضة الخالصة لأن الدرهم الشرعي يساوي (٥٢ ، ٢) غراما.

(٧) بلا خلاف فيه ، لصحيح أبي ولّاد عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (كان عليّ عليه‌السلام يقول : تستأدى دية الخطأ في ثلاث سنين ، وتستأدى دية العمد في سنة) (٢) ، وعن أبي حنيفة أن أجلها إلى ثلاث سنين وهو ضعيف ، فلا يجب على الجاني المبادرة إلى إتمامها قبل تمام الحول ، كما لا يجوز تأخيرها عن السنة إلّا برضا المستحق.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب ديات النفس حديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب ديات النفس حديث ١.

٥٩٧

المستحق ، ولا يجب عليه المبادرة إلى أدائها قبل تمام السنة وهي(من مال الجاني) (١) حيث يطلبها الولي.

(ودية الشبيه) للعمد (٢) ...

______________________________________________________

(١) بلا خلاف ، لما ورد في خبر السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام : (أن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : العاقلة لا تضمن عمدا ولا إقرارا ولا صلحا) (١) ومثله خبر أبي بصير (٢) ، فضلا عن الأخبار المصرحة بكون دية العمد على الجاني منها : مضمرة سماعة :(سألته عمّن قتل مؤمنا متعمدا هل له من توبة؟ قال : لا ، حتى يؤدي ديته إلى أهله ويعتق رقبة ويصوم شهرين متتابعين ، ويستغفر الله ويتوب إليه ويتضرع ، فإني أرجو أن يتاب عليه إذا فعل ذلك ، قلت : فإذا لم يكن له مال؟ قال : يسأل المسلمين حتى يؤدي ديته إلى أهله) (٣).

(٢) كدية العمد لأن الدية أحد هذه الأمور الستة المتقدمة ، كما هو إطلاق النصوص المتقدمة ، نعم دية شبيه العمد مخففة عن دية العمد بشيئين : الأول : في سن الإبل ، ففي العمد لا بد أن تكون مسنّة وهي ما دخلت في السادسة ، وفي شبيه العمد فالمائة من الإبل موزعة : ثلاث وثلاثون حقة وهي ما أكملت الثالثة وقد دخلت في الرابعة ، وثلاث وثلاثون بنت لبون وهي التي كمل لها سنتان ودخلت في الثالثة ، وأربعة وثلاثون ثنيّة طروقة الفحل وهي التي كمل لها الخامسة ودخلت في السادسة ، كما عن النهاية والقواعد واللمعة والروضة والنافع وغيرها ، بل عن الخلاف دعوى إجماع الفرقة وإخبارها به ، وفي النافع أنه أشهر الروايتين ، وفي المفاتيح أنه المشهور وبه روايتان ، والمقصود هما خبر أبي بصير وخبر العلاء بن فضيل وكلاهما غير دال على ما قالوه ، وذلك ففي خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (دية الخطأ إذا لم يرد الرجل القتل مائة من الإبل أو عشرة آلاف من الورق أو ألف من الشياه ، وقال : دية المغلظة التي تشبه العمد وليست بعمد أفضل من دية الخطأ بأسنان الإبل ، ثلاثة وثلاثون حقة ، وثلاثة وثلاثون جذعة وأربع وثلاثون ثنيّة كلها طروقة الفحل) (٤). فالخبر قد دل على الجذعة وهي التي دخلت في الخامسة مع أنهم اكتفوا ببنت لبون وهي التي دخلت في الثالثة.

ومثله خبر العلاء بن فضيل عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (والدية المغلظة في الخطأ الذي يشبه العمد الذي يضرب بالحجر والعصا بالضربة والاثنتين فلا يريد قتله فهي أثلاث : ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب العاقلة حديث ٢ و ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب قصاص النفس حديث ٥.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات النفس حديث ٤.

٥٩٨

مائة من الإبل أيضا ، إلا أنها دونها (١) في السن ، لأنها(أربع وثلاثون ثنية) سنها خمس سنين (٢) فصاعدا(طروقة الفحل) حوامل (٣) (وثلاث وثلاثون بنت لبون) سنها سنتان فصاعدا.(وثلاث وثلاثون حقة) سنها ثلاث سنين فصاعدا(أو أحد الأمور الخمسة) المتقدمة.

(وتستأدى في سنتين) يجب آخر كل حول نصفها(من مال الجاني) أيضا (٤).

______________________________________________________

ـ ثلاث وثلاثون حقة وثلاث وثلاثون جذعة وأربع وثلاثون ثنية كلها خلفة من طروقة الفحل) (١)والخلفة بفتح الخاء وكسر اللام وهي الحامل.

ولذا ذهبت جماعة منهم المحقق إلى الاعتماد على هذين الخبرين فاستبدلوا ثلاث وثلاثين بنت لبون بثلاث وثلاثين جذعة ، إلا أن الخبرين ضعيفان ، أما الأول فلاشتماله على علي بن أبي حمزة البطائني وهو ضعيف ، والثاني يشتمل على محمد بن سنان وهو لم يثبت توثيقه ، ولذا ذهب الصدوق في المقنع وابن يحيى في الجامع وابن زهرة في الغنية والعلّامة في التحرير إلى أن أسنان الإبل هي : ثلاثون بنت لبون وثلاثون حقة وأربعون خلفة استنادا على صحيح عبد الله بن سنان : (سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : في الخطأ شبه العمد أن يقتل بالسوط أو بالعصا أو بالحجر أن دية ذلك تغلّظ ، وهي مائة من الإبل منها أربعون خلفة من بين ثنية إلى بازل عامها ، وثلاثون حقة ، وثلاثون بنت لبون) (٢).

الفارق الثاني : في الزمن ، فدية شبيه العمد تستأدى في سنتين كما عن المفيد ونسب إلى الشهرة وادعى عليه الشيخ في المبسوط الإجماع ، ويؤيّد أن دية العمد إلى سنة ودية الخطأ إلى ثلاث سنين فيتعين أن تكون دية شبيه العمد إلى سنتين ، وعن ابن حمزة أنها تؤدى إلى سنة إن كان موسرا وإلا في سنتين ، وليس له دليل ولا موافق كما في الجواهر.

(١) أي دون الإبل في العمد.

(٢) أي أكملت الخمس فصاعدا.

(٣) تقييد لطروقة الفحل ، لأن الطروقة هي ما بلغت من السن بحيث تقبل الطروقة ، لكن قيّدت بالحوامل لما ورد في خبر العلاء بن فضيل المتقدم من كونها خلفة ، والخلفة هي الحامل كما عرفت.

(٤) للإجماع عن أكثر من واحد ، بعد حصر تحمل العاقلة لدية الخطأ فقط ، وعن الحلبي أنها ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات النفس حديث ١٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات النفس حديث ١.

٥٩٩

وتحديد أسنان المائة بما ذكر أحد الأقوال في المسألة. ومستنده روايتا أبي بصير والعلاء بن الفضيل عن الصادق عليه‌السلام واشتملت الأولى على كون الثنية طروقة الفحل ، والثانية على كونها خلفة بفتح الخاء فكسر اللام وهي الحامل فمن ثمّ فسرناها بها (١) وإن كانت بحسب اللفظ أعم ، لكن في سند الروايتين ضعف.

وأما تأديتها في سنتين فذكره المفيد وتبعه الجماعة ولم نقف على مستنده وإنما الموجود في رواية أبي ولّاد (٢) : تستأدى دية الخطأ في ثلاث سنين وتستأدى دية العمد في سنة.

(وفيها) أي في دية العمد (٣) (رواية أخرى) وهي صحيحة عبد الله بن سنان قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : في الخطأ شبه العمد أن يقتل بالسوط ، أو العصا ، أو الحجر : إن دية ذلك تغلّظ وهي مائة من الإبل. منها أربعون خلفة بين ثنية إلى بازل عامها ، وثلاثون حقة ، وثلاثون بنت لبون وهذه هي المعتمد لصحة طريقها. وعليها العلامة في المختلف والتحرير ، وهو في غيرهما على الأول (٤).

والمراد ببازل عامها ما فطر نابها أي انشق في سنته وذلك في السنة التاسعة ، وربما بزل في الثامنة ، ولما كانت الثنية ما دخلت في السنة السادسة كان المعتبر من الخلفة ما بين ذلك ، ويرجع في معرفة الحامل إلى أهل الخبرة فإن ظهر الغلط

______________________________________________________

ـ على العاقلة وهو واضح الفساد إذ لا دليل عليه ، وتحمل العاقلة للدية على خلاف الأصل فيقتصر فيه على المتيقن من دية الخطأ فقط.

(١) أي فسرنا الطروقة بالحامل.

(٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) ، وهي صحيحة السند ، والتمسك بإطلاق ذيلها يقتضي أن تكون دية شبيه العمد إلى سنة أيضا ، وفيه : إن الرواية ليس لها إطلاق لشبيه العمد بل هي في مقام تحديد أجل دية الخطأ والعمد ، فيبقى أجل شبيه العمد مجمل فيأتي استحسان المشهور من أنه بين الأجلين ، لأن شبيه العمد أغلظ من الخطأ وأخفّ من العمد.

(٣) أي شبيه العمد.

(٤) أي والعلّامة في غير المختلف والتحرير على القول الأول.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب ديات النفس حديث ١.

٦٠٠