الزبدة الفقهيّة - ج ٩

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٩

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: كيميا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-6307-62-0
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٧٠٧

(عاقلا) ، لأن القصاص ليس بمال فلا يتعلق به الحجر فيهما ، ولأنه موضوع للتشفي وهو أهل له ، (ويجوز له العفو) أيضا عنه(والصلح على مال) لكن لا يدفع إليه.

(وفي جواز استيفاء) ولي المقتول مديونا (١) (القصاص من دون ضمان الدين)

______________________________________________________

ـ أنه يستوفيه وليه مع المصلحة أو ينتظر به حتى يكمل.

وإذا كان المحجور عليه غير مسلوب العبارة سواء كان لفلس أو سفه فله استيفاء القصاص لاختصاص الحجر عليهما بالمال والقصاص ليس منه ، ولهما العفو سواء كان بمال أو لا ، فإن كان بمال فهو ليس تصرفا في مال بل هو تكسب والتكسب ليس محرما عليها ، غايته هذا المال يرجع إلى غرماء المفلس إذا كان الحجر لإفلاس ، وإلى مال السفيه. ويمنع من التصرف فيه ، وإن كان العفو مجردا عن التقابل بالمال فجائز لأن المحجور عليه لا يجب عليه التكسب.

(١) المديون حال من المقتول ، وعليه فلو قتل عمدا وعليه دين فإن أخذ الورثة الدية صرفت في ديون المقتول ووصاياه كباقي أمواله بلا خلاف ولا إشكال لرواية عبد الحميد بن سعيد : (سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن رجل قتل وعليه دين ولم يترك مالا وأخذ أهله الدية من قاتله ، أعليهم أن يقضوا الدين؟ قال : نعم ، قلت : وهو لم يترك شيئا؟

قال عليه‌السلام : إن أخذوا الدية فعليهم أن يقضوا الدين) (١).

ثم لو أراد الورثة استيفاء القصاص فهل يجب عليهم ضمان ما عليه من الديون ، ذهب ابن إدريس وجماعة إلى جواز الاستيفاء من دون الضمان ، للأصل من عدم وجوب الضمان ولعموم قوله تعالى : (فَقَدْ جَعَلْنٰا لِوَلِيِّهِ سُلْطٰاناً) (٢).

وذهب الشيخ في النهاية والقاضي وابن زهرة بل قيل : إنه المشهور ، إلى أنه لا يجوز الاستيفاء مع عدم الضمان لخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (في الرجل يقتل وعليه دين وليس له مال ، فهل للأولياء أن يهبوا دمه لقاتله؟ فقال : إن أصحاب الدين هم الخصماء للقاتل ، فإن وهب أولياؤه دمه للقاتل فجائز ، وإن أرادوا القود فليس لهم ذلك حتى يضمنوا الدية للغرماء) (٣) ، إلا أن الخبر نفسه قد رواه الشيخ في التهذيب : (إن أصحاب الدين هم الخصماء للقاتل فإن وهب أولياؤه دمه للقاتل ضمنوا الدية ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الدين والقرض حديث ١.

(٢) الإسراء الآية : ٣٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الدين والقرض حديث ٢.

٥٤١

(على الميت قولان) أصحهما الجواز ، لأن موجب العمد القصاص ، وأخذ الدية اكتساب ، وهو غير واجب على الوارث في دين مورثه ، ولعموم الآية (١). وذهب الشيخ وجماعة إلى المنع استنادا إلى روايات مع سلامة سندها (٢) لا تدل على مطلوبهم (٣).

(ويجوز التوكيل في استيفائه) (٤) ، لأنه من الأفعال التي تدخلها النيابة إذ لا تعلق لغرض الشارع فيه بشخص معين(فلو عزله) الموكل(واقتص) الوكيل(ولما)

______________________________________________________

ـ للغرماء وإلّا فلا) (١) فالضمان عند الهبة لا عند استيفاء القصاص بعد ما كان القصاص حقا لهم وليس فيه تفويت على الغرماء بخلاف العفو.

وفي خبر ثالث قد جعل الضمان على الورثة عند العفو ، وعلى الإمام عند القتل وهو خبر أبي بصير عن علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام ـ إلى أن قال ـ : (إن وهبوا دمه ضمنوا الدين ، قلت : فإن أرادوا قتله؟ قال : إن قتل عمدا قتل قاتله وأدى عنه الإمام الدين من سهم الغارمين) (٢).

فهذه الرواية مع تبدل متنها ، لا تصلح أن تكون مستندا للحكم.

(١) سورة الإسراء : الآية ٣٣.

(٢) لأن الجميع قد رواه أبو بصير وهو مشترك بين الثقة وغيره.

(٣) لتبدل متنها.

(٤) أي استيفاء القصاص ، وهو مما لا خلاف فيه ولا إشكال ، لأن الشارع لم يتعلق له غرض في استيفاء القصاص بشخص معيّن ، بل يريد نفس إيقاع الفعل ، وهو مما تجوز فيه الوكالة بلا إشكال ، ثم لو لم يعزله واستمر على ذلك حتى استوفى الوكيل الحق ، فلا كلام لأنه قد وقع موقعه كما لو فعله الموكل. ولو رجع الموكل بالوكالة فلا يخلو الأمر فإما أن يعلم الوكيل بالعزل أو لا ، فإن علم الوكيل بالعزل قبل الاستيفاء ومع ذلك استوفى فعلى الوكيل القصاص لأنه متعد ، وإن لم يعلم بالعزل قبل الاستيفاء فعلى الخلاف المتقدم في كتاب الوكالة فإن قلنا أنه لا ينعزل إلا بالعلم بالعزل فلا شي‌ء عليه لو استوفى كمثل ما لو استوفى ثم عزله. وإن قلنا أنه ينعزل بمجرد العزل وإن لم يعلم ، فلو استوفى الوكيل فلا قصاص عليه لأنه مأذون به ظاهرا فليس بمتعد ، ولكن عليه الدية للمباشرة ويرجع فيها على الموكل للتغرير.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب قصاص النفس حديث ١ و ٢.

٥٤٢

(يعلم) بالعزل(فلا شي‌ء عليه) (١) من قصاص ولا دية لأن الوكيل لا ينعزل إلا مع علمه بالعزل كما تقدم فوقع استيفاؤه موقعه.

أما لو عفا الموكل (٢) فاستوفى الوكيل بعده (٣) قبل العلم فلا قصاص أيضا لكن عليه الدية لمباشرته ، وبطلان وكالته بالعفو ، كما لو اتفق الاستيفاء بعد موت الموكل ، أو خروجه (٤) عن أهلية الوكالة ، ويرجع بها (٥) على الموكل لغروره بعدم إعلامه بالعفو ، وهذا يتم مع تمكنه من الإعلام ، وإلا فلا غرور ، ويحتمل حينئذ (٦) عدم وجوبها على الوكيل ، لحصول العفو بعد وجود سبب الهلاك (٧) كما لو عفا بعد رمي السهم.

(ولا يقتص من الحامل (٨) حتى تضع) وترضعه اللباء مراعاة لحق الولد

______________________________________________________

(١) بناء على أنه لا ينعزل بمجرد العزل.

(٢) نفس الصورة السابقة إلا أن الموكل لم يعزل الوكيل وإنما عفا عن الجاني ، فالعفو تارة قبل استيفاء الوكيل وأخرى بعده ، فإن كان بعده فلا حكم له ولا أثر لعدم موضوعه ، وإن كان قبله فإن علم الوكيل بالعفو ومع ذلك استوفى القصاص ، فعليه القصاص لأنه متعد ، وإن لم يعلم فلا قصاص عليه إلا أنه تجب الدية للمباشرة ويرجع فيها على الموكل للتغرير.

(٣) بعد العفو.

(٤) أي الموكل.

(٥) أي بالدية.

(٦) أي حين عدم التمكن من الإعلام.

(٧) وهو التوكيل في الاستيفاء.

(٨) المرأة الحامل لا يقام عليها القصاص قبل الوضع ، لما في إقامته من إهلاك الجنين مع أنه بري‌ء لا يهلك بجريرة غيره ، ولقوله تعالى : (فَقَدْ جَعَلْنٰا لِوَلِيِّهِ سُلْطٰاناً فَلٰا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) (١) وقتل الجنين معها إسراف في القتل ، بلا فرق بين أن يكون الولد من حلال أو حرام ، وكذلك لا فرق بين كون نشوء تكونه قبل وجوب العقوبة أو بعده ، ثم إذا وضعته فلا بدّ من تأخير القصاص حتى ترضعه اللباء ، لأنه لا يعيش إلا به غالبا.

ثم إذا أرضعته اللباء فإن لم يكن هناك من يرضعه ولو بلبن بهيمة فيجب الصبر إلى حين وجود مرضعة يعيش بها لئلا يموت.

__________________

(١) الإسراء الآية : ٣٣.

٥٤٣

(ويقبل قولها في الحمل (١) وإن لم تشهد القوابل) به ، لأن له أمارات قد تخفى على غيرها ، وتجدها من نفسها فتنتظر المخيلة (٢) إلى أن تستبين الحال.

وقيل : لا يقبل قولها مع عدم شهادتهن ، لأصالة عدمه ، ولأن فيه دفعا للولي عن السلطان الثابت له بمجرد الاحتمال (٣) والأول أجود ، ولا يجب الصبر بعد ذلك (٤) إلا أن تتوقف حياة الولد على إرضاعها فينتظر مقدار ما تندفع حاجته.

(ولو هلك قاتل العمد (٥) ، ...

______________________________________________________

(١) لو ادعت المرأة الحمل وشهدت لها القوابل الأربعة بذلك ، فيثبت الحمل بلا خلاف ، لأن شهادة النساء الأربع كافية في ثبوته ، وإن تجمدت دعواها عن شهادة القوابل ، قيل : لا يؤخذ بدعواها لأن فيه دفعا للولي عن سلطانه المنصوص عليه في قوله تعالى : (فَقَدْ جَعَلْنٰا لِوَلِيِّهِ سُلْطٰاناً) (١) ، وذهب الفاضل وجماعة أنه يؤخذ بدعواها حتى يقطع بالعدم ، لأن للحيض أمارات ظاهرة وخفية ، ومع خفاء الأمارات فيتعذر إقامة البينة عليها ومقتضى الاحتياط مراعاة قولها حتى يثبت العكس.

(٢) بصيغة اسم الفاعل ، والمراد أن الأمارة التي أوجبت العلم بوجود الحمل لا بد من التريث لأجلها.

(٣) عند اللوث.

(٤) بعد الوضع وإرضاع اللباء.

(٥) قد عرفت أن موجب العمد هو القصاص لا غير على مبني المشهور ، وعلى مبني ابن الجنيد هو التخيير بين القصاص والدية ، وعلى الثاني فلو هلك قاتل العمد فيتعين وجوب الدية بعد فوات محل القصاص ، وعلى الأول فهل يقع بدل للقصاص بعد فوات محله؟ فقد اختلفت كلمات الأصحاب في ذلك.

فذهبت جماعة منهم الشيخ في المبسوط وابن إدريس مدعيا الإجماع إلى العدم ، لأن الثابت هو القصاص بالأصالة وقد فات محله بالهلاك ، ولا تثبت الدية إلا بالتراضي والمفروض هلاك الجاني.

وذهب الأكثر منهم الشيخ في النهاية وابن زهرة مدعيا الإجماع إلى وجوب الدية في تركة ـ

__________________

(١) الإسراء الآية : ٣٣.

٥٤٤

(فالمروي) عن الباقر عليه‌السلام (١) (أخذ الدية من ماله ، وإلا يكن) له مال(فمن الأقرب) إليه(فالأقرب) وإنما نسب الحكم إلى الرواية لقصورها عنه من حيث السند فإنهما روايتان في إحداهما ضعف ، وفي الأخرى إرسال لكن عمل بها جماعة ، بل قيل أنه إجماع ويؤيده قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يطل دم امرئ مسلم» وذهب ابن إدريس إلى سقوط القصاص لا إلى بدل لفوات محله بل ادعى عليه الإجماع وهو غريب (٢).

واعلم أن الروايتين دلتا على وجوب الدية على تقدير هرب القاتل إلى أن مات. والمصنف جعل متعلق المروي هلاكه مطلقا (٣) وليس كذلك مع أنه في

______________________________________________________

ـ الجاني لقوله عليه‌السلام : (لا يبطل دم امرئ مسلم) (١) فإذا فات القصاص لفوات موضوعه فتثبت الدية.

ولخبر أبي بصير : (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل قتل رجلا متعمدا ثم هرب القاتل فلم يقدر عليه ، قال : إن كان له مال أخذت الدية من ماله ، وإلا فمن الأقرب فالأقرب ، فإن لم يكن له قرابة أدّاه الإمام فإنه لا يبطل دم امرئ مسلم) (٢).

وخبر البزنطي عن أبي جعفر عليه‌السلام : (في رجل قتل رجلا عمدا ثم فرّ ، فلم يقدر عليه حتى مات ، قال : إن كان له مال أخذ منه ، وإلا أخذ من الأقرب فالأقرب) (٣) والخبران صريحان في الدية عند تفويت القصاص بهروبه مع وجوب التمكين عليه مع أن فتوى المشهور على مطلق هلاكه ولو كان الهلاك بسبب عدم تقصيره ، ولذا ذهب البعض إلى اختصاص وجوب الدية في مورد ما لو كان هلاكه بسبب تقصيره في عدم التمكين للولي حتى يقتص.

وأشكل على الخبرين بأن الأول ضعيف لأن أبا بصير مشترك ، وبأن الثاني مرسل لأن البزنطي لم يدرك الإمام الباقر عليه‌السلام ، وأجيب بأن المراد من أبي جعفر في الخبر الثاني الجواد وقد أدركه البزنطي فلا إرسال.

(١) وهو خبر البزنطي وقد عرفت أنه مروي عن الجواد عليه‌السلام.

(٢) لذهاب الأكثر إلى عكسه مع دعوى ابن زهرة الإجماع على عكسه أيضا.

(٣) سواء هرب أو لم يهرب.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب قصاص النفس حديث ١ ، وكذلك في الباب ـ ٤٦ ـ حديث ٢.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب العاقلة حديث ١ و ٣.

٥٤٥

الشرح أجاب عن حجة المختلف «بوجوب الدية (١) من حيث إنه فوّت العوض (٢) مع مباشرة إتلاف العوض (٣) فيضمن البدل» بأنه لو مات فجأة (٤) أو لم يمتنع من القصاص ولم يهرب حتى مات لم يتحقق منه تفويت. قال : اللهم إلا أن تخصص الدعوى بالهارب فيموت. وبه نطقت الرواية ، وأكثر كلام الأصحاب ، وهذا مخالف لما أطلقه هنا كما لا يخفى.

______________________________________________________

(١) كلام المختلف.

(٢) أي فوّت الجاني العوض ، والمراد به القصاص.

(٣) أي مباشرة إتلاف الجاني المعوّض وهو المقتول فلا بد أن يضمن البدل وهو الدية ، لأنه بدل القصاص.

(٤) جواب المصنف في الشرح عن حجة المختلف.

٥٤٦

كتاب الديات

٥٤٧
٥٤٨

(كتاب الديات)

الديات جمع دية (١) ، والهاء عوض عن واو فاء الكلمة يقال : وديت القتيل : أعطيت ديته وفيه فصول أربعة :

(الأول)

(في مورد الدية) بفتح الميم وهو موضع ورودها مجازا (٢). والمراد بيان ما تجب فيه الدية من أنواع القتل (إنما تثبت الدية بالأصالة في الخطأ) (٣) المحض(وشبهه) (٤) وهو العمد الذي يشبه الخطأ. واحترز بالأصالة عما لو وجبت صلحا فإنها تقع حينئذ عن العمد(فالأول) (٥) وهو الخطأ المحض(مثل أن يرمي حيوانا)

______________________________________________________

(١) بكسر الدال وتخفيف الياء ، وتشديدها لحن ، والهاء فيها عوض عن فاء الكلمة إذ الأصل فيها ودي كوعد ، فتقول : وعد يعد عدة ووعدا وأيضا تقول : ودى يدي وديا ودية.

ووديت القتيل أي أديت ما لا دية له ، ويقال للدية عقلا لمنعها من الجرأة على الدم ، لأن بها يعصم الجاني من القتل ، ومن معاني العقل المنع.

والمراد بالدية : هي المال الواجب بالجناية على الحر في النفس أو ما دونها ، سواء كان له تقدير شرعي أو لا ، وربما اختصت الدية بالأول ، ويسمى الثاني بالحكومة أو الأرش.

(٢) ووجه المجاز أن الخطأ سبب للدية وليس محلا لها ، فالتعبير بالمورد عن السبب مجاز ، والمراد من المورد ما يجب فيه الدية.

(٣) تعيينا كما تقدم في القصاص.

(٤) أي شبه الخطأ وهو المسمى بشبيه العمد وتقدم أيضا في كتاب القصاص.

(٥) أي الخطأ المحض ، وضابط التفريق بين الأقسام الثلاثة للقتل هو : فإذا قصد القتل أو ـ

٥٤٩

(فيصيب إنسانا ، أو إنسانا معينا فيصيب غيره) ومرجعه إلى عدم قصد الإنسان ، أو الشخص (١). والثاني لازم للأول.

(والثاني) وهو الخطأ الشبيه بالعمد ، وبالعكس (٢) : أن يقصدهما (٣) بما لا يقتل غالبا وإن لم يكن عدوانا(مثل أن يضرب للتأديب) ضربا لا يقتل عادة(فيموت) المضروب.

(والضابط) في العمد وقسيميه : (إن العمد هو أن يتعمد الفعل والقصد) بمعنى أن يقصد قتل الشخص المعين.

وفي حكمه (٤) تعمد الفعل ، دون القصد إذا كان الفعل مما يقتل غالبا كما سبق(٥).

(والخطأ المحض أن لا يتعمد فعلا ولا قصدا) بالمجني عليه وإن قصد الفعل في غيره.

(و) الخطأ(الشبيه بالعمد أن يتعمد الفعل) ويقصد إيقاعه بالشخص المعين(ويخطئ في القصد إلى القتل) أي لا يقصد ، مع أن الفعل لا يقتل غالبا. (فالطبيب يضمن (٦) ...

______________________________________________________

ـ قتل بما يقتل غالبا فهو عمد لتحفقه عرفا فيهما ، وإن قصد الفعل ولم يقصد القتل وكان الفعل مما لا يقتل غالبا فاتفق موته فهو شبيه العمد ، وإن لم يقصد القتل ولم يقصد إيقاع الفعل المعين على الشخص المعين إلا أنه اتفق وقوع الفعل على الشخص المعين وأماته فهو الخطأ المحض ، كما لو قصد رمي طائر فأصاب إنسانا فقتله.

(١) أي الشخص المعين.

(٢) أي العمد الشبيه بالخطإ.

(٣) أي يقصد الإنسان أو الشخص المعين بشرط عدم قصد القتل بالفعل الذي لا يقتل غالبا ولذا قيده الشارح بقوله : لم يكن عدوانا.

(٤) أي حكم قصد القتل.

(٥) في باب القصاص من أن العمد متحقق بقصد القتل أو بصدور الفعل القاتل غالبا.

(٦) لو أتلف الطبيب المريض بعلاجه ، فتارة يكون الطبيب قاصرا بالمعرفة أو كان المعالج طفلا أو مجنونا بدون إذن الولي أو كان المعالج بالغا ولم يأذن في العلاج فلا خلاف في أنه ـ

٥٥٠

(في ماله ما يتلف بعلاجه) نفسا وطرفا (١) ، لحصول التلف المستند إلى فعله ، ولا يطلّ دم امرئ مسلم ، ولأنه قاصد إلى الفعل مخطئ في القصد. فكان فعله شبيه عمد(وإن احتاط واجتهد وأذن المريض) ، لأن ذلك لا دخل له في عدم الضمان هنا ، لتحقق الضمان مع الخطأ المحض. فهنا أولى (٢) وإن اختلف الضامن (٣).

وقال ابن إدريس : لا يضمن مع العلم والاجتهاد ، للأصل ولسقوطه بإذنه ،

______________________________________________________

ـ يضمن ما أتلفه لقاعدة الضمان على كل متلف خصوصا في الدماء لأنه لا يبطل دم امرئ مسلم.

إن قلت : الطبيب يقدم على العلاج من باب الإحسان ومقدمة لحفظ النفس وعليه فلا ضمان.

قلت : وإن وجب العلاج حفظا للنفس إلا أنه لا ينافي الضمان الذي هو من باب الأسباب وإسناد التلف إلى فاعله كما لو أدّب الرجل زوجته أو ولده لمصلحة المضروب بل قد يجب التأديب ومع ذلك يضمن لو أتلفه الضرب.

وأخرى يكون الطبيب حاذقا ، وهو العارف في العلم والعمل وأذن له المريض في العلاج ، ففي الضمان قولان ، ذهب ابن إدريس إلى عدم الضمان للأصل ، ولأن الضمان يسقطه الإذن ، ولأنه فعل سائغ شرعا بل واجب كفائيا فلا يستعقبه الضمان ، وإنما الذي يتعقبه الضمان هو المنهي عنه.

وذهب الشيخان وابن البراج وأبو الصلاح والطبرسي والفاضل وغيرهم إلى أنه يضمن لمباشرته الإتلاف ، لقاعدة الضمان على المتلف ، والإذن إنما كان للعلاج وليس إذنا في الإتلاف ، والجواز أو الوجوب الشرعي لا ينافي الضمان كما لا ينافيه التأديب ، ولرواية السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (أن عليا عليه‌السلام ضمّن ختّانا قطع حشفة غلام) (١) بحملها على ما لو أذن الولي ، على أنه يمكن حمل الرواية على ما لو لم يأذن الولي ـ وهو بعيد ـ إلا أن الخبر ضعيف لأن السكوني عامي والأكثر يطرحون ما ينفرد به.

وعلى القول بالضمان ، فيكون من مال الطبيب بلا خلاف ولا إشكال لكون الفعل شبيه العمد بعد قصد الفعل وإن لم يقصد القتل.

(١) أي ما أوجب القتل أو أتلف العضو.

(٢) لأنه شبيه العمد.

(٣) حيث إن الضامن في الخطأ هو العاقلة ، وفي شبيه العمد هو نفس الفاعل.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب موجبات الضمان حديث ٢.

٥٥١

ولأنه فعل سائغ شرعا فلا يستعقب ضمانا.

وفيه : أن أصالة البراءة تنقطع بدليل الشغل (١). والإذن في العلاج لا في الإتلاف ، ولا منافاة بين الجواز والضمان ، كالضارب للتأديب وقد روي أن أمير المؤمنين عليه‌السلام ضمّن ختانا قطع حشفة غلام والأولى الاعتماد على الإجماع فقد نقله المصنف في الشرح وجماعة لا على الرواية لضعف سندها بالسكوني.

(ولو أبرأه) المعالج (٢) من الجناية قبل وقوعها(فالأقرب الصحة) ، لمسيس الحاجة إلى مثل ذلك إذ لا غنى عن العلاج.

______________________________________________________

(١) أي دليل الاشتغال.

(٢) فإذا أبرأ المريض الطبيب من الضمان قبل العلاج فهل يبرأ؟ قيل : نعم ، والقائل به الشيخان وأبو الصلاح وفخر المحققين بل في المسالك أنه المشهور لرواية السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : من تطبب أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليه وإلّا فهو ضامن) (١) ، ولأن العلاج مما تمسّ الحاجة إليه فلو لم يشرع الإبراء لتعذر العلاج لإعراض الأطباء عن الطبابة بسبب الضمان.

وقيل : لا يبرأ ، والقائل به ابن إدريس ، لأنه إسقاط حق قبل ثبوته مع احتمال حمل الخبر على البراءة بعد الجناية ، والحاجة الماسّة لا تصلح دليلا لتشريع الحكم ، مع أن الرواية ضعيفة بالسكوني هذا فضلا عن عدم الموجب لأخذ البراءة من وليّ المريض مع أنه في كمال العقل وأهلية التصرف فلو كانت البراءة كافية في عدم الضمان فلتكن منه لا من وليه.

وأجيب عن إشكال المتن بجوابين :

الأول : للمحقق في نكت النهاية حيث قال : «وإنما عدل إلى الولي لأنه المطالب على تقدير التلف ، فلما شرّع الإبراء قبل الاستقرار لمكان الضرورة صرف إلى من يتولى المطالبة بتقدير وقوع ما يبرأ منه» انتهى ، وفيه : إن الولي وإن كان هو المطالب على تقدير وقوع الجناية لكن لا يرفع هذا سلطنة المريض على نفسه قبل وقوع الجناية فيجب أخذ البراءة من المريض لا من وليّه.

والثاني : بأن الولي المقصود من الخبر هو المريض ، لأنه يتولى المطالبة بالضمان إذا كانت الجناية لا توجب الهلاك ، وفيه : إنه على خلاف ظاهر الخبر.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب موجبات الضمان حديث ١.

٥٥٢

وإذا عرف الطبيب أنه لا مخلص له عن الضمان توقف عن العمل مع الضرورة إليه ، فوجب في الحكمة شرع الإبراء. دفعا للضرورة ، ولرواية السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : من تطبّب أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليه وإلّا فهو ضامن» وإنما ذكر الولي ، لأنه هو المطالب على تقدير التلف فلما شرع الإبراء قبل الاستقرار صرف إلى من يتولى المطالبة. وظاهر العبارة (١) أن المبرئ المريض. وحكمه كذلك (٢) للعلة الأولى.

ويمكن بتكلف إدخاله (٣) في الولي (٤).

أو لأن المجنى عليه إذا أذن في الجناية سقط ضمانها فكيف بإذنه في المباح (٥) المأذون في فعله.

ولا يخفى عليك ضعف هذه الأدلة فإن الحاجة لا تكفي في شرعية الحكم بمجردها ، مع قيام الأدلة على خلافه. والخبر سكوني (٦) ، مع أن البراءة (٧) حقيقة لا تكون إلا بعد ثبوت الحق ، لأنها إسقاط لما في الذمة من الحق وينبه عليه (٨) أيضا أخذها من الولي إذ لا حق له قبل الجناية وقد لا يصار إليه بتقدير عدم بلوغها القتل إذا أدت إلى الأذى. ومن ثم ذهب ابن إدريس إلى عدم صحتها (٩) قبله. وهو حسن (١٠) ...

______________________________________________________

(١) أي عبارة المصنف.

(٢) أي لو أبرأه المريض لسقط الضمان عن الطبيب بنفس العلة الأولى من مسيس الحاجة إلى الطبابة.

(٣) أي إدخال المريض.

(٤) فيتطابق كلام المصنف مع الخبر ، ويرتفع الإشكال عن الخبر كما تقدم ولكن قد عرفت أنه على خلاف الظاهر.

(٥) وهو الطبابة.

(٦) إشكال في مسند الخبر.

(٧) إشكال في متن الخبر.

(٨) على ضعف الخبر.

(٩) أي عدم صحة الإبراء قبل وقوع الجناية.

(١٠) هذا ولا بد من التنبيه على فوائد : ـ

٥٥٣

(والنائم يضمن) (١) ما يجنيه(في مال العاقلة) لأنه مخطئ في فعله

______________________________________________________

ـ الأولى : إن هذا فيما لو تولى الطبيب العلاج بنفسه. وأما لو قال : أظن أن هذا الدواء نافع لهذا المرض ، أو لو كنت أنا لفعلت كذا ففعل المريض ما قاله الطبيب فلا ضمان على الطبيب لعدم المباشرة ، وللأصل مع الشك.

الثانية : قد وردت أخبار تصرح بعدم الضمان منها : خبر إسماعيل بن الحسن المتطبب عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إني رجل من العرب ولي بالطب بصر ، وطبي طب عربي ولست آخذ عليه صفدا ، قال : لا بأس ، قلت : إنّا نبط الجرح ونكوي بالنار ، قال : لا بأس ، قلت : ونسقي هذه السموم الاسمحيقون والفاريقون ، قال : لا بأس ، قلت : إنه ربما مات ، قال : وإن مات) (١) ومثله غيره من الأخبار إلا أن تحمل على عدم المباشرة من الطبيب أو على أخذ البراءة من المريض.

الثالثة : وردت الأخبار الكثيرة بالحث على التطبيب منها : خبر أبان بن تغلب عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (كان المسيح (على نبينا وآله وعليه‌السلام) يقول : إن التارك شفاء المجروح من جرحه شريك لجارحه لا محالة ، وذلك أن الجارح أراد فساد المجروح والتارك لإشفائه لم يشأ صلاحه ، فإذا لم يشأ صلاحه فقد شاء فساده اضطرارا) (٢) وفي المرسل : (أن موسى (على نبينا وآله وعليه‌السلام) مرض فعاده بنو إسرائيل ووصفوا له دواء فامتنع منه ، فأوحى الله إليه إن الله يأمره بذلك وإلّا لم يشفه) (٣) ، وهما يدلان على وجوب المعالجة على الطبيب إذا كان المريض بحاجة إليها وعلى وجوب السعي على المريض إذا توقف مرضه على ذلك.

(١) النائم غير الظئر ـ والظئر هي المرضعة لغير ولدها وسيأتي الكلام فيها إن شاء الله تعالى ـ إذا أتلف نفسا أو طرفا بانقلابه أو بحركته على وجه يستند الإتلاف إليه ، فذهب الشيخ في النهاية والمفيد في المقنعة وابن سعيد في الجامع والعلامة في التحرير إلى أنه شبيه العمد ، فتكون الدية في ماله ، وهو الذي استقر عليه ابن إدريس في سرائره ونسبه إلى الرواية حيث قال : (وروي أن من نام فانقلب على غيره فقتله كان ذلك شبيه العمد يلزمه الدية في ماله خاصة ، وليس عليه القود).

وذهب المتأخرون إلى أنه من الخطأ المحض ، لأن النائم غير عامد في فعله ولا في قصده ، والخطأ في الفعل والقصد هو ضابط الخطأ المحض فتكون الدية على العاقلة ، ـ

__________________

(١) روضة الكافي ج ٨ ص ١٩٣.

(٢) روضة الكافي ج ٨ ص ٣٤٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب الاحتضار حديث ٧.

٥٥٤

وقصده (١). فيكون خطأ محضا.

(وقيل) والقائل الشيخ(رحمه‌الله) : إنه يضمنه(في ماله) جعلا له من باب الأسباب (٢) ، لا الجنايات والأقوى الأول اطرادا للقاعدة (٣).

(وحامل المتاع يضمن (٤) لو أصاب به إنسانا في ماله) (٥). أما أصل الضمان

______________________________________________________

ـ وأما الرواية فلم يشر إليها أحد غير ابن إدريس فمثلها مرسلة ، فلا تصلح لتخصيص الأصول القطعية في تشخيص الخطأ المحض.

(١) أي غير قاصد للفعل ، وغير قاصد للقتل.

(٢) أي جعلا لفعل النائم من باب الأسباب ، فيكون فعله سببا للإتلاف فيضمن لقاعدة الضمان.

(٣) أي قاعدة الخطأ المحض في الجنايات ، وإلّا لو تمسكنا بعموم قاعدة الضمان لما كان هناك مورد للخطأ المحض الجاري في إتلاف النفس والطرف المسمى بالجناية.

(٤) من حمل على رأسه متاعا فكسره أو أصاب به إنسانا فقتله أو جرحه ، كان عليه ضمان المال التالف أو الجناية الحاصلة من فعله ، والضمان في ماله لرواية داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (في رجل حمل متاعا على رأسه فأصاب إنسانا فمات أو انكسر منه ، قال : هو ضامن) (١).

واستشكل في المسالك على سند الرواية بأن فيه سهل بن زياد ، وعلى متنها من أنه مخالف للقواعد ، لأن الضمان لا يكون في ماله في الجنايات إلا إذا قصد الفعل ليكون شبيه العمد ، وهنا لم يقصد بالحمل ضرب الغير بالمتاع فهو من الخطأ المحض ، وردّ إشكاله بأن الأمر في سهل سهل على أن الرواية مروية بطريق صحيح في الفقيه ، والأولى القول بأنه إذا كان مأمونا فلا ضمان وإذا كان غير مأمون فعليه الضمان ويدل عليه صحيح أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (في الرجل يستأجر الحمال فيكسر الذي يحمل عليه أو يهريقه قال : إن كان مأمونا فليس عليه شي‌ء وإن كان غير مأمون فهو ضامن) (٢) ويؤيده أن خبر داود بن سرحان المروي في الفقيه فقد قال عليه‌السلام : (هو مأمون) بدل هو ضامن ، وهذا ما يؤكد عدم كون فعله من الأسباب الموجبة للضمان.

(٥) متعلق بقوله : يضمن.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب موجبات الضمان حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب أحكام الإجارة حديث ١١.

٥٥٥

فلاستناد تلفه إلى فعله ، وأما كونه في ماله فلقصده الفعل الذي هو سبب الجناية.

ويشكل إذا لم يقصد الفعل بالمجنى عليه. فإنه حينئذ يكون خطأ محضا كما مر ، إلا أنهم أطلقوا الحكم هنا.

(وكذا) يضمن(المعنّف بزوجته (١) جماعا) قبلا ، أو دبرا(أو ضما فيجني عليها) في ماله أيضا ، وهو واضح ، لقصده الفعل وإنما أخطأ في القصد وكذا القول في الزوجة إذا أعنفت به.

وللشيخ قول بأنهما إن كانا مأمونين فلا شي‌ء عليهما ، وإن كانا متهمين فالدية ، استنادا إلى رواية مرسلة. والأقوى الأول ، لرواية سليمان بن خالد عن الصادق عليه‌السلام ، ولتحقق الجناية وليست بخطإ محض ، ونفي التهمة ينفي العمد ، لا أصل القتل.

______________________________________________________

(١) إذا أعنف الرجل بزوجته جماعا في قبل أو دبر ، أو ضمّا فماتت فعليه الدية من ماله ، وكذا الزوجة لو أعنفت بزوجها ولو ضما فعليها ديته من مالها ، وعليه مشهور المتأخرين ، لأن المعنّف قد قصد الفعل الذي لا يقتل غالبا وهو ضابط شبيه العمد ، ولصحيح سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (سئل عن رجل أعنف على امرأته فزعم أنها ماتت من عنفه ، قال : الدية كاملة ولا يقتل الرجل) (١) وخبر زيد عن أبي جعفر عليه‌السلام : (في رجل نكح امرأة في دبرها فألح عليها حتى ماتت من ذلك ، قال : عليه الدية) (٢).

وذهب الشيخ في النهاية وابن سعيد في الجامع إلى أنه لو كان مأمونا فلا شي‌ء عليه ، لمرسلة يونس عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (سألته عن رجل أعنف على امرأته ، وامرأة أعنفت على زوجها فقتل أحدهما الآخر ، فقال : لا شي‌ء عليهما إذا كانا مأمونين ، فإن اتّهما ألزما باليمين بالله أنهما لم يردا القتل) (٣).

وأشكل على الخبر بأنه مرسل وبأن في سنده صالح بن سعيد وهو مجهول ولا جابر للخبر ، ومتنه الحاكم بدون شي‌ء عليهما مخالف للقواعد القطعية في تشخيص شبيه العمد الموجب للدية في مال الجاني ، بل يمكن حمل الخبر على ما لو ادعى على الآخر العمد حتى يثبت القود فيحلف حتى ترتفع التهمة بالعمد وهذا خارج عن موردنا ، لأن الكلام في أصل القتل المتحقق مع عدم العمد فهل يلحق بالخطإ المحض أو بشبيهه.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٣١ ـ من أبواب موجبات الضمان حديث ١ و ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣١ ـ من أبواب موجبات الضمان حديث ٤.

٥٥٦

(والصائح بالطفل (١) ، أو المجنون ، أو المريض) مطلقا (٢) (أو الصحيح على حين غفلة يضمن) في ماله أيضا ، لأنه خطأ مقصود.

(وقيل) والقائل الشيخ في المبسوط : إن الضامن(عاقلته) جعلا له من قبيل الأسباب وهو ضعيف (٣) ، ولأن ضمان الغير جناية غيره على خلاف الأصل. فلا يصار إليه بمثل ذلك (٤).

ولو كان الصياح بالصحيح الكامل على غير غفلة فلا ضمان ، لأنه ليس من أسباب الإتلاف ، بل هو اتفاقي ، لا بسبب الصيحة ، إلا أن يعلم استناده إليها فالدية.

______________________________________________________

(١) الصياح كغيره من الأفعال الصادرة عن الإنسان ، فيرجع فيها إلى القواعد المقررة في باب الجنايات ، وعليه فلو صاح ببالغ صحيح غير غافل فمات فلا دية لعدم العلم باستناد الموت إلى الصيحة ، بل قيل : للعلم بعدم استناد الموت للصيحة لأن الموت حينئذ اتفاقي ، نعم لو قامت قرائن على استناد الموت إلى الصيحة توجب العلم اتجه الضمان في ماله لأنه شبيه العمد ، إذ لم يقصد الصائح القتل وقصد الفعل الذي لم يقتل غالبا فاتفق الموت.

وأما الصياح بالبالغ الغافل بحيث فاجأه بالصيحة فمات ، أو الصياح بالطفل سواء كان غافلا أو لا ، وكذا الصياح بالمجنون والمريض مع غفلتهما أو بدونها فلو تحقق الموت فيلزمه الدية في ماله لأنه شبيه العمد حيث لم يقصد القتل وقد قصد الفعل الذي لم يقتل غالبا بالنسبة للمذكورين ، هذا ما عليه الأكثر.

وذهب الشيخ إلى أن الدية على العاقلة جعلا له من باب الأسباب ، وهو ضعيف لأن الأسباب تقتضي كون الدية عليه لا على العاقلة كما التزم به في النائم. هذا من جهة ومن جهة أخرى فتفريق المشهور بين الغافل وغيره وبين البالغ وغيره وبين الصحيح والمريض ليس في محله على نحو الإطلاق بل يجب أن ينصب الكلام في كيفية الصيحة وسامعها وزمانها ومكانها وغير ذلك من أحوالها بحيث إن أوجبت القتل كانت الدية في ماله بل وإن قصد بها القتل كانت قتلا عمديا موجبا للقصاص.

وإن لم توجب القتل ولم يقصد بها القتل أيضا كانت من شبيه العمد بلا فرق بين الجميع تحكيما للقواعد المقررة في تشخيص شبيه العمد ، وموردنا منه.

(٢) غافلا كان أو لا.

(٣) إذ لو كان من الأسباب كما هو الحق لوجبت الدية في ماله لكونه شبيه العمد.

(٤) أي بقاعدة الأسباب ، بل بما تقرر في باب الجنايات.

٥٥٧

(والصادم) لغيره (١) (يضمن في ماله دية المصدوم) ، لاستناد التلف إليه مع قصد الفعل(ولو مات الصادم فهدر) لموته بفعل نفسه إن كان المصدوم في ملكه أو مباح ، أو طريق واسع.

(ولو وقف المصدوم في موضع ليس له الوقوف فيه) فمات الصادم بصدمه(ضمن) المصدوم(الصادم) ، لتعديه بالوقوف فيما ليس له الوقوف فيه(إذا لم يكن له) أي للصادم(مندوحة) في العدول عنه كالطريق الضيق.

(ولو تصادم حران (٢) فماتا فلورثة كل) واحد منهما(نصف ديته ويسقط)

______________________________________________________

(١) إذا صدم الأول الثاني ، فمات المصدوم فديته من مال الصادم ، إذا قصد الصدم دون القتل ، وإذا قصد القتل أو كان الصدم مما يقتل غالبا فالقصاص ، وأما الصادم لو مات فدمه هدر إذا كان المصدوم في ملكه أو في موضع مباح أو في طريق واسع أو نحو ذلك مما لا تفريط فيه من المصدوم سواء كان الصادم قاصدا أم لا بلا خلاف في شي‌ء من ذلك.

ولو كان المصدوم في طريق المسلمين الضيّق فمات الصادم من الصدمة فقد ذهب الشيخ في المبسوط إلى أن المصدوم يضمن دية الصادم ، لأنه فرّط بوقوفه في موضع ليس له الوقوف فيه ، كما إذا جلس في الطريق الضيّق فعثر به إنسان مما كان السبب للقتل أقوى من المباشر.

وأشكل عليه بعدم إتلاف الصادم لا تسبيبا ولا مباشرة بالنسبة للمصدوم ، لأن موت الصادم إنما حصل بفعل الصادم ، وأما الوقوف فإنما هو من مرافق المشي ، والمشي جائز فالوقوف مثله فلا يستعقب ضمانا.

هذا كله إذا كان المشي من الصادم لا عن قصد التصادم ، أما لو كان قاصدا لذلك وله مندوحة ومع ذلك قصد السير على نحو يقطع معه بالصدمة فدمه هدر ، وعليه ضمان المصدوم.

(٢) بالغان عاقلان قاصدان للتصادم دون القتل ، وكان التصادم مما لا يقتل غالبا ، فماتا فهو من شبيه العمد فيكون لورثة كل واحد منهما نصف الدية ويسقط النصف الآخر ، لأن موت كل منهما قد استند إلى فعله وفعل غيره ، فيهدر النصف مقابل فعله ويضمن شريكه النصف الآخر ، كما لو جرح نفسه وجرحه غيره فمات ، فيسقط نصف الدية وهذا مما لا خلاف فيه بيننا ، وعن بعض العامة وجوب الدية تامة على كل منهما وهو ضعيف لكون الفعل مشتركا بينه وبين غيره.

٥٥٨

(النصف) لاستناد موت كل منهما إلى سببين : أحدهما من فعله ، والآخر من غيره فيسقط ما قابل فعله وهو النصف.

(ولو كانا فارسين) (١) بل مطلق الراكبين(كان على كل منهما) مضافا إلى نصف الدية(نصف قيمة فرس الآخر) إن تلفت بالتصادم(ويقع التقاص) في الدية والقيمة ويرجع صاحب الفضل.

هذا إذا استند الصدم إلى اختيارهما ، أما لو غلبتهما الدابتان (٢) احتمل كونه كذلك (٣). إحالة على ركوبهما مختارين فكان السبب من فعلهما ، وإهدار الهالك (٤) إحالة على فعل الدابتين. ولو كان أحدهما فارسا ، والآخر راجلا (٥) ضمن الراجل نصف دية الفارس ، ونصف قيمة فرسه والفارس نصف دية الراجل ، ولو كانا صبيين (٦) والركوب منهما فنصف دية كل على عاقلة الآخر ، لأن فعلهما خطأ

______________________________________________________

(١) بلا فرق بين اتحاد جنس المركوب واختلافه وإن تفاوتا في القوة والضعف كما لا يفرّق بين الراجلين ، فلو تصادم الراكبان فماتا وهلكت دابتهما ، فأما الدية كما مرّ ، وأما الدابة فنصف قيمة الدابة على شريكه مقابل فعله ، والنصف الآخر هدر مقابل لفعله ، وأوجب بعض العامة كمال القيمة والدية وهو ضعيف كما تقدم.

(٢) بحيث غلبت الدابتان وجرى الاصطدام ، والراكبان مغلوبان لا يستطيعان إيقاف دابتيهما ففيه وجهان.

الأول : إن هلاكهما وهلاك الدابتين حينئذ هدر ، لأنه لا اختيار للراكبين فهو من جناية الدواب غير الصائلة فهو كما لو تلفوا بالآفة السماوية.

الثاني : الحكم هنا كما لو كانا غير مغلوبين ، لأن الركوب بالاختيار وما بعد الركوب وإن كان خارجا عن الاختيار إلّا أنه مستند إلى الركوب الاختياري فيكون اختياريا ، لأن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار.

وفيه : إن هذا يتم لو علما قبل الركوب بأنه ستخرج الدابتان عن الاختيار بعد الركوب مع أن مفروض المسألة أعم من ذلك.

(٣) أي الضمان في الدية وقيمة الدابة مناصفة.

(٤) أي ويحتمل إهدار الهالك من الراكب والمركوب.

(٥) فنصف الهالك من كل جانب على الجانب الآخر ، والنصف الآخر هدر وإن اختلفا قوة وضعفا في التصادم كالجراحات وإن اختلفا في الجراحة موضعا وشدة وضعفا.

(٦) فإن كان الركوب منهما فنصف دية كل منهما على عاقلة الآخر ، بلا خلاف ، لأن عمدهما خطأ ولا تقصير من وليّهما.

٥٥٩

مطلقا (١) ، وكذا لو أركبهما وليهما (٢) ، ولو أركبهما أجنبي ضمن ديتهما معا.

(ولو كانا عبدين بالغين (٣) فهدر) ، لأن نصيب كل منهما هدر وما على صاحبه فات بموته لا يضمنه المولى. ولو مات أحدهما خاصة (٤) تعلقت قيمته (٥) برقبة الحي. فإن هلك قبل استيفائها منه فاتت ، لفوات محلها ، ولو كان أحدهما حرا ، والآخر عبدا (٦) فماتا تعلقت نصف دية الحر برقبة العبد ، وتعلقت نصف قيمة العبد بتركة الحر فيتقاصان. ولو مات أحدهما خاصة تعلقت جنايته بالآخر كما مر.

(ولو قال الرامي حذار) (٧) بفتح الحاء وكسر آخره مبنيا عليه. هذا هو

______________________________________________________

(١) سواء قصد التصادم أو لا ، لأن عمدهما خطأ.

(٢) بشرط أن يكون الركوب لمصلحتهما فالضمان على عاقلة الصبيين وليس على الولي ، لأنه يجوز له هذا الفعل ، نعم لو أركبهما الولي لغير مصلحة لهما أو أركبهما الأجنبي فإن ضمان دية كل منهما بتمامها على المركّب وكذا قيمة الدابتين.

(٣) سقطت جنايتهما بلا خلاف ولا إشكال ، لأن نصيب كل واحد منهما هدر باعتبار كونه الجاني على نفسه ، وما على صاحبه من النصف الآخر قد فات بتلفه لأن جناية العبد تتعلق برقبته ولا يضمن المولى عن عبده شيئا سواء كانت جنايته عمدا أو خطأ.

(٤) أي أحد العبدين ، فتتعلق نصف قيمة الميت برقبة الحي وأما نصفه الآخر فهو هدر في قبال فعله.

وإذا تعلقت في رقبة الحي نصف قيمة الميت فلا يضمنه المولى ، لأن جناية العبد على رقبته فإن صار حرا فيؤديه وإلّا لو مات فلا شي‌ء لأن المولى لا يضمن.

(٥) والصحيح تعلق نصف قيمته.

(٦) فيتعلق نصف دية الحر برقبة العبد لأن المولى لا يضمن عنه شيئا ، ربما أن العبد قد مات فلا شي‌ء عليه لفوات المحل ، وأما نصف قيمة العبد ففي تركة الحر وإن زادت عن نصف دية الحر فتتحقق المقاصة كما في المسالك وللسيد أخذ الزيادة ، وعن بعضهم أن للمولى نصف قيمة العبد في تركة الحر وإن زادت بدون تقاصّ ، لأن نصف دية الحر ليس في عنق المولى بل في ماله وبالخصوص في العبد وقد فات بموته.

(٧) إذا مرّ شخص بين الرماة في مكان مباح له المرور فيه ، فأصابه سهم أحدهم فقتله ، فالدية على عاقلة الرامي بلا خلاف كما في الجواهر ، لكون الرامي لم يقصد القتل ولم يقصد إيقاع الفعل بالمقتول وإلا لو قصد أحدهما لكان عليه القصاص. ـ

٥٦٠