الزبدة الفقهيّة - ج ٩

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٩

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: كيميا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-6307-62-0
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٧٠٧

كالنكاح ، ونفي وجوب مجمع عليه (١) كركعة من الصلوات الخمس ، وعكسه (٢) كوجوب صلاة سادسة يومية.

والضابط إنكار ما علم من الدين ضرورة ، ولا فرق في القول بين وقوعه عنادا (٣) ، أو اعتقادا (٤) ، أو استهزاء (٥) حملا على الظاهر (٦) ويمكن رد هذه الأمثلة إلى الأول (٧) حيث يعتقدها من غير لفظ. والثالث (٨) ما تعمده استهزاء صريحا بالدين ، أو جحودا له (٩) كإلقاء مصحف ، أو بعضه في قاذورة قصدا ، أو سجود لصنم.

ويعتبر فيما خالف الإجماع : كونه مما يثبت حكمه في دين الإسلام ضرورة كما ذكر (١٠) لخفاء كثير من الإجماعيات على الآحاد (١١) ، وكون الإجماع من أهل

______________________________________________________

(١) والأولى ففي وجوب ثابت عنده ، إذ الكثير من الإجماعات لا تقيد حتى الظن.

(٢) أي إيجاب ما علم نفيه.

(٣) بحيث أنكرها عنادا مع اليقين القلبي بالثبوت.

(٤) بحيث أنكرها لفظا مع عدم اليقين بالثبوت.

(٥) بحيث يعتقد بها ولكن أنكرها لفظا من باب الاستهزاء والسخرية بها.

(٦) قيد للاستهزاء.

(٧) بمعنى إجراء هذه الأمثلة الثلاثة في القسم الأول بحيث لا يعتقد بالأصول عنادا وإن قام الدليل عنده ، أو لا يعتقد بها لأن اعتقاده على خلافها أو لا يعتقد بها استهزاء وإن قام الدليل عنده عليها والأولى تفسير كلامه بتفسير آخر وهو : أن الأمثلة المتقدمة من نفي الصانع وتكذيب رسول وتحليل حرام وتحريم حلال ونفي وجوب ما ثبت أو إثبات ما علم نفيه كما تجري باللفظ تجري في الاعتقاد بأن يعتقد نفي الصانع وتكذيب الرسول وهكذا من غير تلفظ بلفظ ، ويساعده قوله فيما بعد : (حيث يعتقدها من غير لفظ).

(٨) وهو الكفر بصدور فعل مكفّر.

(٩) أي يفعل فعلا فيه استهزاء بالدين أو جحود به كإلقاء المصحف في القاذورة أو السجود لصنم.

(١٠) ليكون نفيه نفيا لضرورة من ضروريات الدين ، ونفي الضرورة مستلزم لنفي النبوة ، ومن هنا تعرف أن المدار على نفي ما هو معلوم أنه من الدين فيثبت نفي النبوة به ، وليس المدار على نفي ما ثبت بالإجماع.

(١١) أي آحاد المسلمين ، فما خفي عنهم لا يكون من الأمور الضرورية لأن الضروري ما ـ

٤٢١

الحل والعقد (١) من المسلمين فلا يكفر المخالف في مسألة خلافية (٢) وإن كان نادرا(٣).

وقد اختلفت عبارات الأصحاب وغيرهم في هذا الشرط (٤) فاقتصر بعضهم على اعتبار مطلق الإجماع ، وآخرون على إضافة ما ذكرناه (٥) وهو الأجود (٦) ، وقد يتفق للشيخ «رحمه‌الله» الحكم بكفر مستحل ما خالف إجماعنا خاصة (٧) كما تقدم نقله عنه في باب الأطعمة. وهو نادر (٨) ، وفي حكم الصنم (٩) ما يقصد به العبادة للمسجود له فلو كان مجرد التعظيم مع اعتقاد عدم استحقاقه للعبادة لم يكن كفرا (١٠) ، بل بدعة قبيحة وإن استحق التعظيم بغير هذا النوع (١١) ، لأن الله تعالى لم ينصب السجود تعظيما لغيره.

(ويقتل) المرتد (١٢) (إن كان) ارتداده(عن فطرة) الإسلام لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من

______________________________________________________

ـ علمه الجاهل فضلا عن العالم ، وفيه أن المدار على نفي ما علمه المنكر سواء علمه غيره أو لا.

(١) تقييد الإجماع به لا معنى له ، نعم عليه أن يقيده بما كان إجماعا بين المسلمين ليكون ضروريا.

(٢) لأنها مما لم يجمع عليها المسلمون.

(٣) أي المخالف.

(٤) وهو كون الإجماع ضروريا.

(٥) من كونه ضروريا.

(٦) ليكون نفيه مستلزما لنفي النبوة الموجب للكفر.

(٧) أي ما كان ضروريا في المذهب لا في الدين.

(٨) أي لم يذهب إليه أحد سوى الشيخ ، وقد عرفت أن المناط على إنكار المعلوم ولا يستوحش من قلة سالكي الحق.

(٩) أي وفي حكم السجود للصنم الموجب للكفر كل سجود يقصد به العبادة للمسجود له.

(١٠) لعدم نفيه لما ثبت من أن السجود بعنوان العبادة منحصر في السجود لله (جل وعلا).

(١١) من السجود ، هذا تقسيم الشارح للكفر ولغيره تقسيم آخر ، والمدار في الجميع على عدم الاعتقاد وبالله وعدم الاعتقاد وبالنبوة الخاصة ، فكل ما ينافي اعتقاد هذين الأصلين فهو موجب للكفر.

(١٢) المرتد إما عن فطرة وإما عن ملة ، والمرتد الفطري من كان مسلما وقد ارتد فلا تقبل ـ

٤٢٢

بدل دينه فاقتلوه» (١) وصحيحة محمد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام «من رغب عن الإسلام وكفر بما أنزل على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد إسلامه فلا توبة له ، وقد وجب قتله ، وبانت منه امرأته ، ويقسم ما تركه على ولده» (٢) وروى عمار (٣) عن الصادق عليه‌السلام قال : «كل مسلم بين مسلمين ارتد عن الإسلام وجحد محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبوته وكذبه فإن دمه مباح لكل من سمع ذلك منه ، وامرأته بائنة منه يوم ارتد فلا تقربه ، ويقسّم ماله على ورثته وتعتد امرأته عدة المتوفى عنها زوجها ، وعلى الإمام أن يقتله ولا يستتيبه» (ولا تقبل توبته) ظاهرا (٤) لما ذكرناه ، وللإجماع فيتعين قتله مطلقا (٥). وفي قبولها باطنا قول قوي (٦). حذرا من تكليف ما لا يطاق لو كان

______________________________________________________

ـ توبته ويتحتم قتله وتبين منه زوجته وتعتد عدة الوفاة وتقسم أمواله بين ورثته. بلا خلاف في شي‌ء من ذلك للأخبار منها : صحيح الحسين بن سعيد (قرأت بخط رجل إلى أبي الحسن الرضا عليه‌السلام : رجل ولد على الإسلام ثم كفر وأشدك وخرج عن الإسلام هل يستتاب ، أو يقتل ولا يستتاب؟ فكتب عليه‌السلام : يقتل) (١).

وصحيح علي بن جعفر (سأل أخاه عليه‌السلام عن مسلم ارتد ، قال : يقتل ولا يستتاب ، قال : نصراني أسلم ثم ارتد عن الإسلام ، قال : يستتاب فإن رجع وإلا قتل) (٢).

وخبر عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (كل مسلم بين مسلمين ارتد عن الإسلام وجحد محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبوته وكذبه فإن دمه مباح لكل من سمع ذلك منه ، وامرأته بائنة منه يوم ارتد فلا تقربه ، ويقسّم ماله على ورثته ، وتعتدّ امرأته عدة المتوفي عنها زوجها ، وعلى الإمام أن يقتله ولا يستتيبه) (٣).

(١) كما في خبر دعائم الإسلام ، مستدرك الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب حد المرتد حديث٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب حد المرتد حديث ٢.

(٣) قد تقدم الخبر.

(٤) بمعنى لو تاب فلا يسقط حكم القتل عنه وبينونة امرأته وقسمة أمواله بين ورثته ، فهي ثابتة على كل حال.

(٥) تاب أو لا.

(٦) بمعنى أنه لا يعاقب في الآخرة ، والدليل إما أن يبقى مكلفا أو لا ، وعلى الثاني يلزم ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب حد المرتد حديث ٦ و ٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب حد المرتد حديث ٣.

٤٢٣

مكلفا بالإسلام ، أو خروجه عن التكليف ما دام حيا كامل العقل ، وهو باطل بالإجماع ، وحينئذ (١) فلو لم يطلع أحد عليه (٢) ، أو لم يقدر على قتله (٣) ، أو تأخر قتله بوجه وتاب قبلت توبته فيما بينه بين الله تعالى ، وصحت عباداته ومعاملاته ، وطهر بدنه ، ولا يعود ماله وزوجته إليه بذلك (٤) عملا بالاستصحاب ، ولكن يصح له (٥) تجديد العقد عليها بعد العدة ، وفي جوازه فيها وجه (٦) ، كما يجوز للزوج العقد على المعتدة عنه بائنا.

وبالجملة فيقتصر في الأحكام بعد توبته على الأمور الثلاثة (٧) في حقه ، وحق غيره وهذا أمر آخر وراء القبول باطنا.

(وتبين منه زوجته ، وتعتد للوفاة) وإن لم يدخل على الأصح (٨) لما تقدم (٩) (وتورث أمواله) الموجودة حال الردة(بعد قضاء ديونه) السابقة عليها (١٠) (وإن)

______________________________________________________

ـ خروجه عن التكليف وهو حائز لشرائطه وهو باطل عقلا وعلى الأول فلو كان مكلفا ولا يقبل منه واقعا للزم التكليف بالمحال وهو محال ، فيتعين قبول توبته واقعا حينئذ.

(١) أي وحين القول بقبول توبته واقعا.

(٢) عند كفره.

(٣) أي أو لم يقدر الحاكم على قتله.

(٤) أي بتوبته وإن حكمنا بقبولها واقعا.

(٥) لكونه مسلما بتوبته.

(٦) أي جواز العقد في العدة وجه ناشئ من كون حرمة العقد على الأجنبية في العدة خوفا من اختلاط مائه بماء غيره ، وهذا منتف هنا لأن الجميع ماؤه ، ولذا يجوز للزوج العقد على البائنة في عدتها ، ونقيده بالبائنة لأن الرجعية ليست بحاجة إلى عقد بل يكفي الرجوع والعدول عن الطلاق.

(٧) من تحتم قتله واعتداد زوجته وتقسيم أمواله.

(٨) لأن المرتد الفطري بحكم الميت لوجوب قتله ، فضلا عن التصريح بعدة الوفاة في خبر عمار الساباطي المتقدم ، وهو شامل للدخول وعدمه وقد أورد فخر المحققين دليل العدم بأنه نكاح قد انفسخ بغير الموت قبل الدخول فلا يجب فيه العدة للأصل ، وفيه : إنه اجتهاد في قبال النص.

(٩) من خبر عمار.

(١٠) على الردة ، لأن الدين متعلق بأصل التركة ، دون الديون بعد الردة فهي لا تتعلق بأصل المال لانتقاله إلى الورثة بالارتداد.

٤٢٤

(كان حيا باقيا) ، لأنه في حكم الميت في ذلك.

وهل يلحقه باقي أحكامه (١) من إنفاذ وصاياه السابقة على الردة ، وعدم قبوله التملك بعدها (٢) نظر من مساواته له (٣) في الأحكام ، وكونه حيا (٤) ولا يلزم من مساواته الميت في جملة من الأحكام (٥) إلحاقه به مطلقا (٦). ولو أدخلنا المتجدد في ملكه كالاحتطاب والاحتشاش صار إرثا (٧) ، وعلى هذا لا ينقطع إرثه ما دام حيا وهو بعيد (٨) ومعه (٩) ففي اختصاص وارثه عند ارتداده به (١٠) أو عند التكسب (١١)

______________________________________________________

(١) أي هل يلحق المرتد الذي لم يقتل حكم الميت من نفوذ وصاياه حال إسلامه وجهان وذكر الشارح دليلهما.

(٢) بعد الردة.

(٣) دليل الإلحاق والمعنى أن المرتد بحكم الميت في كل شي‌ء فتنفذ وصاياه السابقة على الردة.

(٤) دليل عدم الإلحاق والمعنى أن المرتد ما زل حيا فكيف تنفذ وصاياه السابقة المقيدة بعد الموت ، والموت لم يتحقق.

(٥) من تقسيم ماله واعتداد زوجته عدة الوفاة.

(٦) أي إلحاق المرتد بالميت في كل حكم لعدم الدليل على العموم.

(٧) لحكم الشارع بكونه إرثا بين ورثته.

(٨) وجه البعد ، أن القول بكون ماله إرثا منافيا لقبول توبته واقعا ، لأنه مع قبول التوبة فهو مسلم ولا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس ، نعم تحمل الأخبار على تقسيم ماله أي ماله الموجود حال الردة لا المتجدد بعد التوبة.

(٩) أي ومع القول بأن كل مال يدخل في ملك المرتد يصير إرثا بين الورثة ، فيصح التساؤل أن الوارث بملكه من حين الردة أو من حين التكسب.

(١٠) والمعنى ففي اختصاص وارثه بالمال منه ارتداده ، ودليله لأن الردة هي سبب انتقال الورثة.

(١١) لا من حين الردة لأنه لا مال له بحسب الفرض حال الردة لأنه متجدد ، وتظهر الفائدة فيما لو كان للمرتد ولدان عند الارتداد ، ومات أحدهما عن ولد قبل التكسب ، فعلى الأول يكون المال المتجدد بين الولد وعمه ، وعلى الثاني يختص العم بالمال المتجدد لأنه الوارث حال التكسب ، وبهذا علّق الشارح بقوله : (منشأهما كون سبب الانتقال هو الارتداد فيكون المعتبر هو الوارث عنده ، وتظهر الفائدة فيما لو كان للمرتد ولدان عند ـ

٤٢٥

وجهان ويعتبر في تحقق الارتداد البلوغ (١) والعقل والاختيار (٢).

(ولا حكم لارتداد الصبي ، والمجنون ، والمكره) لكن يؤدب الأولان. والسكران في حكم المجنون (٣) فلا يرتد بتلفظه في حالته بكلمة الكفر أو فعله (٤) ما يوجبه (٥) ، كما لا يحكم بإسلامه بكلمة الإسلام لو كان كافرا.

وإلحاقه بالصاحي في وجوب قضاء العبادات لا يوجب إلحاقه به مطلقا (٦)

______________________________________________________

ـ الارتداد ، ومات أحدهما عن ولد قبل التكسب ، فعلى الأول يكون المال المكتسب بين الولد وعمه ، وعلى الثاني يختص به العم لأنه الوارث حينئذ ، كما لو ارتد عن ولد وولد ولد).

(١) لحديث رفع القلم ، ولكن يؤدب إذا كان مميزا ، وعن الشيخ في الخلاف قد اعتبر إسلام المراهق وحكم بقتله لو ارتد إن لم يتب للخبر (الصبي إذا بلغ عشر سنين أقيمت عليه الحدود التامة واقتص منه ، وتنفذ وصيته وعتقه) (١) وهو مع شذوذه معارض بما هو أقوى منه فلا يلتفت إليه.

(٢) لعدم الحد على المجنون والمكره لحديث رفع القلم وحديث الرفع ، ولكن يؤدب المجنون إذا كان له شعور وتمييز.

(٣) لارتفاع العقل في كليهما ، غايته في المجنون غير اختياري وفي السكران بالاختيار.

خلافا للشيخ حيث ألحق السكران بالصاحي في الارتداد والإسلام ، بحيث لو ارتد حال السكر أو أسلم في هذه الحال فيترتب الأثر عليه ، بدليل أنه يجب على السكران قضاء ما فاته من العبادات حال السكر كما يحكم على الصاحي وهذا كاشف عن ثبوت التكليف في حقه.

وردّ بأن العقل شرط في التكليف وهو مرتفع حال السكر فلا بد أن يرتفع المشروط ، وأما وجوب القضاء عليه بعد الصحوة فإنما هو بأمر جديد ، نعم لو دل نفس دليل الأداء على القضاء لكان كاشفا عن ثبوت التكليف في حقه حال السكر وأنى له بإثبات ذلك.

(٤) فعل السكران.

(٥) ما يوجب الكفر.

(٦) في جميع الأحكام لكون القضاء بأمر جديد.

__________________

(١) أورده في الجواهر ج ٤١ ص ٦٠٩ ، ولم أعثر عليه عاجلا في الوسائل.

٤٢٦

مع العلم بزوال عقله الرافع للخطاب.

وكذا لا حكم لردة الغالط ، والغافل ، والساهي ، والنائم ، ومن رفع الغضب قصده (١) وتقبل دعوى ذلك كله (٢) ، وكذا الإكراه مع القرينة كالأسر.

وفي قبول دعوى عدم القصد (٣) إلى مدلول اللفظ مع تحقق الكمال نظر من الشبهة الدارئة للحد (٤) ، وكونه خلاف الظاهر (٥).

(ويستتاب) المرتد (٦) (إن كان) ارتداده(عن كفر) أصلي(فإن تاب ، وإلا قتل ، ومدة الاستتابة ثلاثة أيام (٧) في المروي) عن الصادق عليه‌السلام بطريق ضعيف.

______________________________________________________

(١) والمغمى عليه أيضا ، لعدم العبرة بألفاظهم لأنها صدرت من غير قصد لمعانيها ، ويدل على البعض خبر علي بن عطية عن أبي عبد الله عليه‌السلام (كنت جالسا عنده وسأله رجل عن رجل يجي‌ء من الشي‌ء على حد الغضب ، يؤاخذه الله ، فقال : الله أكرم من أن يستغلق عبده) (١).

(٢) ترجيحا لحقن الدم ولاستصحاب الإسلام ، ولدرء الحد بالشبهات.

(٣) من دون غفلة ولا غلط ولا سهو ، وإنما لم يقصد المعنى فقط وهو ملتفت إلى ذلك.

(٤) وجه عدم الحد.

(٥) وجه ثبوت الحد.

(٦) يستتاب المرتد الملي فإن تاب وإلا قتل ، بلا خلاف للأخبار وقد تقدم بعضها.

وخالف بعض العامة فجعل جميع أقسام المرتد واحدا وحكمه أن يستتاب وإلا قتل ، وهو ضعيف بما سمعت من النصوص.

وخالف أبو حنيفة والشافعي وجعلا الاستتابة مستحبة وليست بواجبة لعموم النبوي (من بدّل دينه فاقتلوه) (٢) ، وهو ضعيف لأن ظاهر الأمر في الاستتابة في النصوص المتقدمة أنه للوجوب.

(٧) ذهب الشيخ إلى عدم تحديد المدة بل ترجى‌ء ما دام يؤمل منه الاستتابة كما في المبسوط وعليه العمل بين المشهور ، وقيل ولم يعرف القائل كما في الجواهر أن مدة الاستتابة ثلاثة أيام لخبر مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إن أمير المؤمنين قال : المرتد يعزل ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب حد القذف حديث ١.

(٢) مستدرك الوسائل ـ ١ ـ من أبواب حد المرتد حديث ٢.

٤٢٧

والأقوى تحديدها بما يؤمل معه عوده ، ويقتل بعد اليأس منه وإن كان (١) من ساعته.

ولعل الصبر عليه ثلاثة أيام أولى رجاء لعودته (٢) ، وحملا للخبر على الاستحباب.

(و) المرتد عن ملة(لا يزول ملكه (٣) عن أمواله إلا بموته) ولو بقتله لكن

______________________________________________________

ـ عن امرأته ولا تؤكل ذبيحته ويستتاب ثلاثة أيام فإن تاب وإلا قتل يوم الرابع) (١).

ورد بأن في السند محمد بن الحسن بن شمون وهو ضعيف جدا وفاسد المذهب ولا يلتفت إليه ولا إلى وصفاته وسائر ما ينسب إليه كما في الخلاصة ، بالإضافة إلى أنه من رضى بخبر أبي الطفيل (أن بني ناجية قوما كانوا يسكنون الأسياف ، وكانوا قوما يدعون في قريش نسبا وكانوا نصارى فأسلموا ، ثم رجعوا عن الإسلام ، فبعث أمير المؤمنين عليه‌السلام معقل بن قيس التميمي فخرجنا معه ، فلما انتهينا إلى القوم جعل بيننا وبينه أمارة ، فقال : إذا وضعت يدي على رأسي فضعوا فيهم السلاح ، فأتاهم فقال : ما أنتم عليه؟ فخرجت طائفة فقالوا : نحن نصارى فأسلمنا لا نعلم دينا خيرا من ديننا فنحن عليه ، وقالت طائفة : نحن كنا نصارى ثم أسلمنا ثم عرفنا أنه لا خير من الدين الذي كنا عليه ، فرجعنا إليه ، فدعاهم إلى الإسلام ثلاث مرات فأبوا ، فوضع يده على رأسه ، قال : فقتل مقاتليهم وسبى ذراريهم ، فأتى بهم عليا عليه‌السلام فاشتراهم مصقلة بن هبيرة بمائة ألف درهم فأعتقهم ثم حمل إلى عليّ (عليه الصلاة والسلام) خمسين ألفا فأبى أن يقبلها ، قال : فخرج بها فدفنها في داره ولحق بمعاوية ، قال : فخرّب أمير المؤمنين عليه‌السلام داره وأجاز عتقهم) (٢) والخبر ظاهر في عدم وجوب الاستتابة ثلاثة أيام.

(١) أي وإن كان اليأس من ساعة الارتداد.

(٢) حتى مع اليأس احتياطا بالدم وحملا للخبر على الاستحباب.

(٣) بلا خلاف فيه ، للاستصحاب مع عدم وجود نص دال على خروج المال عن ملكه بالردة ، ولا يزول إلا بموته ولو كان موته بالقتل كغيره ، وتركته لورثته المسلمين دون غيرهم ، فإن لم يكن له وارث مسلم فهو للإمام دون أقربائه من الكفار.

وأيضا لا خلاف ـ كما في الجواهر ـ أنه يحجر الحاكم على أمواله ، والتحجير هو منعه ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب حد المرتد حديث ٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب حد المرتد حديث ٦.

٤٢٨

يحجر عليه بنفس الردة عن التصرف فيها فيدخل في مكله ما يتجدد ويتعلق به الحجر ، وينفق عليه منه ما دام حيا (١) (و) كذا(لا) تزول(عصمة نكاحه (٢) إلا ببقائه على الكفر بعد خروج العدة) التي تعتدها زوجته من حين ردته(وهي عدة الطلاق) فإن خرجت ولما يرجع بانت منه(وتؤدى نفقة واجب النفقة) عليه من والد ، وولد ، وزوجة ، ومملوك(من ماله) (٣) إلى أن يموت(ووارثهما) أي المرتدّين فطريا ومليا ورثتهما(المسلمون ، لا بيت المال) عندنا ، لما تقدم (٤) ولو لم يكن لهما(وارث) مسلم(فالإمام) ولا يرثهما الكافر مطلقا (٥) ، لأنهما (٦) مرتبة فوق الكافر (٧) ودون المسلم (٨).

(والمرأة لا تقتل (٩) وإن كانت) ردتها(عن فطرة ، بل تحبس دائما ، وتضرب)

______________________________________________________

ـ من التصرف فيها حتى ما يتجدد له من ملك جديد بعد الردة باحتطاب واتهاب وتجارة وغير ذلك ، لئلا يتصرف فيها بالإتلاف مما فيه الضرر على وارثه المسلم ، فالمال بعد الردة بحكم الموقوف على الوارث نعم إن عاد إلى الإسلام فهو أحق بماله من غيره.

(١) أي وينفق على المرتد المحجور عليه من ماله ما دام حيا سواء كان في ضمن مدة الاستتابة أو بعدها ، لأنه ما لم يتحقق قتله يبقى المال في ملكه ، غايته محجور عليه بالتصرف ليس إلا.

(٢) ينفسخ العقد بينه وبين زوجته بمجرد ردته لعدم جواز نكاح الكافر على المسلمة ابتداء واستدامة ، ويجب عليها أن تعتد عدة الطلاق ، فإن تاب داخل العدة فهو أحق بزوجته ، وإن تاب خارج العدة فهو بحاجة إلى عقد جديد.

(٣) لأن المال ما زال على ملكه فيخرج من المال ديونه ونفقة نفسه ومن يجب عليه نفقته كولده ووالده وزوجته ضرورة أنه ما زال مخاطبا بالإنفاق غايته محجور عليه فلا يخرجها بنفسه بل يخرجها الحاكم نيابة عنه.

(٤) في كتاب الإرث.

(٥) أي سواء كان لهما وارث مسلم أو لا ، لأن الكفر مانع من الإرث كما تقدم.

(٦) المرتد الفطري والملي.

(٧) لتشرفهما بالإسلام مدة.

(٨) لخروجهما عن الإسلام ، وليس هذا الاستحسان دليلا على منع إرث الكافر لهما بل الدليل ما تقدم في كتاب الإرث من كون الكفر مانعا.

(٩) بل تحبس دائما وتضرب أوقات الصلاة بلا خلاف للأخبار ، منها : صحيح حريز عن أبي ـ

٤٢٩

(أوقات الصلوات) بحسب ما يراه الحاكم (١) (وتستعمل) في الحبس(في أسوإ الأعمال ، وتلبس أخشن الثياب) المتخذة للّبس عادة(وتطعم أجشب الطعام) وهو ما غلظ منه وخشن قاله ابن الأثير ، ويعتبر فيه عادتها (٢) فقد يكون الجشب حقيقة في عادتها صالحا ، وبالعكس يفعل بها ذلك كله(إلى أن تتوب (٣) ، أو تموت) لصحيحة الحلبي (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام وغيرها في المرتدة عن الإسلام قال عليه‌السلام : «لا تقتل ، وتستخدم خدمة شديدة ، وتمنع عن الطعام والشراب إلا ما يمسك نفسها ، وتلبس أخشن الثياب ، وتضرب على الصلوات».

وفي خبر آخر عنه عليه‌السلام (٥) «المرأة تستتاب فإن تابت ، وإلا حبست في السجن وأضرّ بها» ولا فرق فيها بين الفطرية والملية. وفي إلحاق الخنثى بالرجل ، أو بالمرأة وجهان تقدما في الإرث وأن الأظهر إلحاقه بالمرأة (٦).

(ولو تكرر الارتداد) (٧) والاستتابة من الملي(قتل في الرابعة) ، أو الثالثة على

______________________________________________________

ـ عبد الله عليه‌السلام (لا يخلد في السجن إلا ثلاثة : الذي يمسك على الموت والمرأة ترتد عن الإسلام والسارق بعد قطع اليد والرجل) (١).

وصحيح حماد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في المرتدة عن الإسلام لا تقتل وتستخدم خدمة شديدة ، وتمنع الطعام والشراب إلا ما تمسك نفسها ، وتلبس خشن الثياب وتضرب على الصلوات) (٢).

(١) بالنسبة للضرب.

(٢) أي ما يعتبر جشبا بحسب عادتها.

(٣) لمرسل ابن محبوب عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام (والمرأة إذا ارتدت عن الإسلام استتيبت ، فإن تابت وإلا خلدت في السجن وضيّق عليها في حبسها) (٣) وهو ظاهر في أنها لو تابت فلا شي‌ء عليها.

(٤) أشير إليه في الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب حد المرتد حديث ١.

(٥) وهو خبر عباد بن صهيب ، الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب حد المرتد حديث ٤.

(٦) للشك في ذكورية الخنثى الموجب للشك في قتله ، لأن القتل مختص بالمرتد الذكر ، والحدود تدرأ بالشبهات.

(٧) من الملي مع تخلل الاستتابة وتوبته في كل مرة ، فقال الشيخ في الخلاف يقتل في الرابعة ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب حد المرتد حديث ٣ و ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب حد المرتد حديث ٦.

٤٣٠

الخلاف السابق ، لأن الكفر بالله تعالى أكبر الكبائر وقد عرفت أن أصحاب الكبائر يقتلون في الثالثة ، ولا نص هنا بالخصوص (١) والاحتياط في الدماء يقتضي قتله في الرابعة.

(وتوبته الإقرار بما أنكره) (٢) فإن كان الإنكار لله ، وللرسول فإسلامه بالشهادتين ولا يشترط التبري من غير الإسلام (٣) وإن كان آكد ، وإن كان مقرا بهما منكرا عموم نبوته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤) لم تكف الشهادتان ، بل لا بد من الإقرار بعمومها ، وإن كان بجحد فريضة علم ثبوتها من الدين ضرورة فتوبته الإقرار بثبوتها على وجهها (٥) ، ولو كان باستحلال محرم فاعتقاد تحريمه مع إظهاره (٦) إن كان أظهر الاستحلال. وهكذا(ولا تكفي الصلاة) في إسلام الكافر مطلقا (٧) وإن كان

______________________________________________________

ـ مدعيا عليه الإجماع ، وفي المبسوط قال : «روي عنهم عليهم‌السلام أن أصحاب الكبائر يقتلون في الرابعة».

نعم في خبر يونس عن أبي الحسن الماضي (أصحاب الكبائر كلها إذا أقيم عليهم الحد مرتين قتلوا في الثالثة) (١) ، غير أن الاحتياط في الدماء ولما قاله الشيخ في المبسوط أنه مروي يقتضي القتل في الرابعة.

وقد ورد في خبر علي بن حديد (قيل لجميل بن دراج فما تقول : إن تاب ثم رجع عن الإسلام قال : يستتاب ، قيل : فما تقول إن تاب ثم رجع؟ قال : لم أسمع في هذا شيئا ولكنه عندي بمنزلة الزاني الذي يقام عليه الحد مرتين ثم يقتل بعد ذلك) (٢) إلا أنه لا يمكن الاعتماد عليه لأنه فتوى لجميل وليس قولا لمعصوم.

(١) قد عرفت أن الشيخ في المبسوط أشار إلى أن القتل في الرابعة مروي.

(٢) لو أقرّ بما كان سببا في خروجه عن الإسلام لكان إقراره موجبا لدخوله في الدين حينئذ.

(٣) لأن الإسلام ناف لغيره من الاعتقادات المضلة.

(٤) كما لو اعتقد أن الرسول بين العرب فقط فلا بد من الإقرار بعموم النبوة.

(٥) من وجوب أو استحباب.

(٦) أي مع إظهار اعتقاد التحريم.

(٧) سواء كان كفره بالنية أو بالقول أو بالفعل ، فقد ذهب بعض العامة إلى أن الكافر يكفي ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب مقدمات الحدود حديث ١.

(٢) الكافي الجزء السابع باب حد المرتد حديث ٥.

٤٣١

يجحدها ، لأن فعلها أعم من اعتقاد وجوبها فلا يدل عليه وإن كان كفره (١) بجحد الإلهية ، أو الرسالة وسمع تشهده فيها ، لأنه لم يوضع شرعا ثمّ للإسلام ، بل ليكون جزء من الصلاة وهي لا توجبه ، فكذا جزؤها ، بخلاف قولها منفردة لأنها موضوعة شرعا له.

(ولو جنّ بعد ردته) (٢) عن ملة(لم يقتل) ما دام مجنونا ، لأن قتله مشروط بامتناعه من التوبة ولا حكم لامتناع المجنون ، أما لو كان عن فطرة قتل مطلقا.

(ولا يصح له تزويج ابنته) (٣) المولّى عليها ، بل مطلق ولده لأنه محجور عليه في نفسه ، فلا تثبت ولايته على غيره ، ولأنه كافر وولاية الكافر مسلوبة عن المسلم.

(قيل : ولا أمته) (٤) ...

______________________________________________________

ـ في رجوعه أن يصلي في دار الكفر ، أما لو صلى في دار الإسلام فلا لاحتمال التقية.

وردّ بأن الصلاة أعم من إسلامه لاحتمال الرياء فيها ولو في دار الكفر.

(١) إن وصليه ، والمعنى أن الصلاة لا تدل على إسلامه إذا كان كفره بسبب جحوده الألوهية أو النبوة وإن تشهد بالشهادتين في الصلاة ، وذلك لأن الصلاة لم توضع شرعا للدلالة على إسلامه فكذلك جزؤها أعني التشهد بطريق أولى ، نعم لو تشهد الشهادتين منفردة فهذا يدل على إسلامه لأن الشهادتين موضوعة للدلالة على الإسلام شرعا ، وفيه : إن الشهادتين منفردة تدل على الإسلام لما في معناها من الإقرار بالألوهية والنبوة فكذلك لها نفس هذا المعنى حال كونها جزءا في الصلاة.

(٢) وقبل استتابته لا يقتل ، لأن القتل مشروط بامتناعه عن التوبة ولا حكم لامتناع المجنون ، نعم لو طرأ الجنون بعد الامتناع المبيح لقتله قتل كما يقتل الفطري مطلق إذا جن بعد ردته سواء امتنع أو لا لوجوب قتله على كل حال.

(٣) لا يصح للمرتد الفطري والملي أن يزوج ابنته المسلمة بلا خلاف ، لقصور ولايته على التسلط على المسلم لقوله تعالى : (وَلَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) (١).

ويزاد في الملي أنه محجور عليه في نفسه فلا تكون له الولاية على غيره من باب أولى.

(٤) فعن المحقق في الشرائع والعلامة في التحرير أنه يصح للمرتد تزويج أمته لاستصحاب ـ

__________________

(١) النساء الآية : ١٤١.

٤٣٢

مسلمة كانت الأمة أم كافرة (١) ، لما ذكر في البنت ، واستقرب في التحرير بقاء ولايته عليها مطلقا (٢) مع جزمه في القواعد بزوالها كالولد. وحكايته هنا قولا يشعر بتمريضه. نظرا إلى الأصل (٣) وقوة الولاية المالكية مع الشك في المزيل ، وثبوت الحجر يرفع ذلك كله.

(ومنها ـ الدفاع عن النفس والمال والحريم وهو جائز في الجميع (٤) مع عدم ظن العطب (٥). وواجب في الأول (٦) والأخير (٧) (بحسب القدرة) ومع العجز يجب الهرب مع الإمكان ، أما الدفاع عن المال فلا يجب إلا مع اضطراره إليه.

______________________________________________________

ـ الولاية المالكية الثابتة له قبل الارتداد ، وذهب العلامة في القواعد والشهيد في الدروس إلى زوال الولاية المالكية عن الأمة فلا يصح له تزويجها لانتفاء السبيل له عليها ، وللحجر الثابت عليه المانع من التصرف في الأمة ، لأنها مال ولا يصح له التصرف المالي.

(١) فيستدل على عدم صحة تزويجها له بالحجر.

(٢) سواء كانت الأمة مسلمة أو كافرة.

(٣) أي الاستصحاب.

(٤) بلا خلاف ولا إشكال للأخبار منها : خبر غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام (إذا دخل عليك رجل يريد أهلك : ومالك فأبدره بالضربة إن استطعت ، فإن اللص محارب لله ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فما تبعك منه من شي‌ء فهو عليّ) (١).

(٥) سيأتي البحث فيه.

(٦) وهو الدفاع عن النفس ، ووجوبه لوجوب حفظ النفس وإن علم بالهلاك ، لأنه هالك بدون الدفاع أيضا.

(٧) وهو الدفاع عن العرض للأخبار منها : خبر غياث المتقدم ومرسل البرقي عن الإمام الرضا عليه‌السلام (عن الرجل يكون في السفر ومعه جارية له فيجي‌ء قوم يريدون أخذ جاريته أيمنع جاريته من أن تؤخذ وإن خاف على نفسه القتل؟ قال : نعم.

قلت : وكذلك إذا كانت معه امرأة؟ قال : نعم ، قلت : وكذلك الأم والبنت وابنة العم والقرابة يمنعهن وإن خاف على نفسه القتل؟ قال : نعم ، قلت : وكذلك المال يريدون أخذه في سفر فيمنعه وإن خاف القتل؟ قال : نعم) (٢).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب الدفاع حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب جهاد العدو حديث ١٢.

٤٣٣

وكذا يجوز الدفع في غير من ذكر (١) مع القدرة ، والأقرب وجوبه مع الضرورة ، وظن السلامة(معتمدا) في الدفاع مطلقا (٢) (على الأسهل) فالأسهل (٣) كالصياح ، ثم الخصام ثم الضرب ، ثم الجرح ، ثم التعطيل (٤) ، ثم التدفيف (٥).

______________________________________________________

ـ وخبر أبي مريم عن أبي جعفر عليه‌السلام (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قتل دون مظلمته فهو شهيد ، ثم قال : يا أبا مريم هل تدري ما دون مظلمته؟ قلت : جعلت فداك ، الرجل يقتل دون أهله ودون ماله وأشباه ذلك ، فقال : يا أبا مريم إن من الفقه عرفان الحق) (١) ، وهذه النصوص تجوز الدفاع عن العرض وإن استلزم قتل النفس ، إلا أن العلامة في التحرير وغيره استشكل في ذلك ، وذهب إلى جواز حفظ العرض إن سلمت النفس وإلا لوجب حفظ النفس وهو مقدم على حفظ العرض ، وهو اجتهاد في قبال النصوص المتقدمة ، نعم لو عجز عن الدفاع واستطاع الهرب بعرضه أو بنفسه فيجب حينئذ.

وأما الدفاع عن المال فمقتضى رواية غياث المتقدمة وجوب الدفاع إلا أنه محمول على الجواز لخبر أبي بصير (سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرجل يقاتل عن ماله ، فقال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من قتل دون ماله فهو بمنزلة شهيد ، فقال له : أيقاتل أفضل؟ فقال : إن لم يقاتل فلا بأس ، أما أنا لو كنت لتركته ولم أقاتل) (٢) ولا يجب الدفاع عن ماله إلا إذا كان حفظ النفس متوقفا على المال فيكون الدفاع عن ماله دفاعا عن نفسه ، ومن باب أولى إذا علم بإتلاف نفسه فلا يجب عليه الدفاع عن ماله بل يحرم ، ومن هنا تعرف أن قيد الشارح مع عدم ظن العطب إنما هو قيد في الدفاع عن المال مطلقا وفي الدفاع عن الحريم على قول.

(١) وهو الدفاع عن نفس الغير وحريمه وماله ، بلا إشكال للأخبار منها : خبر السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من سمع رجلا ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم) (٣).

(٢) سواء كان الدفاع عن نفسه وماله وحريمه أو الدفاع عن الغير كذلك.

(٣) مع النصوص مطلقة ، وذلك لما تقدم من ضعف سند الكثير منها فلا بدّ من تقييدها بالقواعد الشرعية المقررة في النهي عن المنكر.

(٤) بأن يعطل أحد أعضائه.

(٥) بمعنى أن يجهز عليه فيقتله ، من دفّ بمعنى أجهز عليه.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب جهاد العدو حديث ٩.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب الدفاع حديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب الدفاع حديث ١.

٤٣٤

(ودم المدفوع هدر (١) حيث يتوقف) الدفاع على قتله ، وكذا ما يتلف من ماله إذا لم يمكن بدونه.

(ولو قتل) الدافع(كان كالشهيد) في الأجر (٢) ، أما في باقي الأحكام من التغسيل والتكفين فكغيره (٣) (ولا يبدأ إلا مع العلم) (٤) أو الظن(بقصده) ولو كفّ كف عنه. فإن عاد عاد ، فلو قطع يده مقبلا ورجله مدبرا ضمن الرجل. فإن سرتا (٥) ضمن النصف قصاصا (٦) أو دية (٧) ، ولو أقبل بعد ذلك (٨) فقطع عضوا

______________________________________________________

(١) بلا خلاف للنصوص منها خبر غياث المتقدم.

(٢) لما تقدم من خبر بصير (من قتل دون ماله فهو بمنزلة شهيد) ، وأما بقية أحكامه مثل التغسيل والتحنيط وغيرهما فيبقى تحت عموم الأدلة من وجوبها.

(٣) من موتى المسلمين.

(٤) لا إشكال ولا خلاف ـ كما في الجواهر ـ أنه لا يجوز للدافع أن يبدأ بالدفاع ما لم يتحقق قصد المهاجم من أنه يريد نفسه أو عرضه أو ماله ولو بالطريق الظني ، لأنه يكفي عادة الظن بالعدوان في الشروع بالدفاع.

وعلى ما تقدم فله دفعه ما دام مقبلا عليه ، ومع إدباره يجب الكف لعدم قصد الهجوم فلو قطع يده مقبلا ورجله مدبرا فلا شي‌ء عليه في قطع اليد لأنه مدافع وعليه ضمان قطع الرجل لأنه متعد ، وكذا لو ضربه معطله وانتهى الهجوم فلا يجوز للدافع أن يضربه فيما بعد أو يقتله ولو فعل ضمن.

(٥) أي اليد والرجل فمات المهاجم فيثبت على المدافع القصاص في النفس بعد ردّ نصف الدية عليه لأن المقتول قد قتل بسببين ، قطع اليد وقطع الرجل ، وأحدهما غير مضمون دون الآخر ، فيثبت على القاطع القتل في قبال القتل إلا أنه يرد عليه نصف الدية في قبال السبب غير المضمون.

وعن الشيخ في المبسوط أن عليه نصف الدية فقط ، واعترف في الجواهر بعدم وضوح مستنده.

(٦) على قول المشهور.

(٧) على قول الشيخ.

(٨) أي قطع المدافع يد المهاجم مقبلا ، رجله مدبرا في المرة الأولى ، ثم عاد المقطوع مهاجما فقطع المدافع عضوا ثالثا كيده الأخرى مثلا ، وسرت جميع الجراحات حتى مات فيثبت على المدافع إما القتل مع رد ثلثي الدية عليه على المشهور وإما أن يدفع ثلث الدية على قول الشيخ وهكذا.

٤٣٥

ثالثا رجع الضمان إلى الثلث.

(ولو وجد مع زوجته ، أو مملوكته ، أو غلامه) أو ولده (١) (من ينال دون الجماع (٢) فله دفعه) بما يرجو معه الاندفاع كما مر(فإن أتى الدفع عليه ، وأفضى إلى قتله) حيث لم يمكن دفعه بدونه(فهو هدر ، ولو قتله في منزله فادعى) القاتل(إرادة) المقتول(نفسه ، أو ماله) أو ما يجوز مدافعته عنه وأنه لم يندفع إلا بالقتل(فعليه البينة أن الداخل كان معه سيف مشهور مقبلا على رب المنزل) وإن لم تشهد بقصده القتل ، لتعذر العلم به فيكتفى بذلك ، لدلالة القرائن عليه المرجحة لصدق المدعي.

(ولو اطلع على عورة قوم) (٣) ولو إلى وجه امرأة ليست بمحرم للمطلع

______________________________________________________

(١) باعتبار أنهما من جملة عرضه ، وأن اللواط فحش من الزنا.

(٢) فإن أراد الجماع فقد تقدم في باب الزنا أن له قتل من يريد الزنا مطلقا من دون التدرج من الأسهل إلى غيره.

وإن أراد دون الجماع فلا إشكال ولا خلاف في وجوب دفعه من الأسهل إلى غيره متدرجا ، فإن أتى الدفع عليه وقتل فدمه هدر للأخبار منها : خبر غياث بن إبراهيم المتقدم عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام (إذا دخل عليك رجل يريد أهلك ومالك فأبدره بالضربة إن استطعت ، فإن اللص محارب لله ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فما تبعك منه من شي‌ء فهو عليّ) (١).

هذا كله فيما بينه وبين الله ، وأما في مقام الإثبات فلو ادعى أن المقتول كان يريد نفسه أو عرضه أو ماله فقتله فهو المدعي فإن صدقه ورثة المقتول فهو وإلا فإن أقام البينة على أن المقتول كان يريد ذلك فيسقط عنه الضمان وإذا لم يمكن له ذلك فالقول قول ورثة المقتول ، نعم بما أن قصد النفس والعرض والمال مما لا يمكن للرائي أن يعلمه لأن القصد من الأمور النفسانية الخفية فيكفي في البينة أن تشهد بعلامات مفيدة للاطمئنان على قصد الداخل كشهر سيفه ونحو ذلك.

(٣) بقصد النظر إلى ما يحرم عليه منهم ، فلهم زجره إذ هو من المدافعة عن الحريم ، فلو أصرّ فرموه بحجر أو عود فاتفق قتله كانت الجناية هدرا بلا خلاف فيه للأخبار منها : رواية العلاء بن الفضيل عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا اطلع رجل على قوم يشرف عليهم أو ينظر ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب الدفاع حديث ١.

٤٣٦

(فلهم زجره ، فإن امتنع) وأصرّ على النظر جاز لهم رميه بما يندفع به ، فإن فعلوا(فرموه بحصاة ونحوها فجني عليه كان هدرا) ولو بدروه من غير زجر ضمنوه (١) (والرحم) الذي يجوز نظره للمطلع عليهم(يزجر لا غير (٢) إلا أن يكون) المنظور امرأة(مجردة فيجوز رميه بعد زجره) كالأجنبي ، لمساواته له في تحريم نظر العورة. ويجب التدرج في المرمي به من الأسهل إلى الأقوى على وجه ينزجر به ، فإن لم يندفع إلا برميه بما يقتله فهدر ولا فرق بين المطلع من ملك المنظور وغيره حتى الطريق ، وملك الناظر (٣) ، ولو كان المنظور في الطريق لم يكن له رمي من ينظر إليه ، لتفريطه (٤) نعم له زجره ، لتحريم نظره مطلقا (٥) (ويجوز دفع الدابة الصائلة)

______________________________________________________

ـ من خلل شي‌ء لهم فرموه فأصابوه فقتلوه أو فقئوا عينه فليس عليهم غرم ، وقال : إن رجلا اطلع من خلل حجرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمشقص ليفقأ عينه فوجده قد انطلق ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أي خبيث ، أما والله لو ثبتّ لي لفقأت عينك) (١).

وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (أيّما رجل اطلع على قوم في دارهم لينظر إلى عوراتهم ففقئوا عينه أو جرحوه فلا دية عليهم) (٢).

(١) مقتضى إطلاق النصوص المتقدمة جواز المبادرة إلى الضرب والقتل والجرح من دون التقييد بالزجر ، إلا أنهم قيدوا النصوص بقواعد النهي من المنكر لضعف سند الكثير منها ، ولقد أجاد صاحب الجواهر حيث مال إلى العمل بإطلاق النصوص لأن كثرتها توجب الاطمئنان بصدورها فلا بد من العمل بإطلاقها من دون تقييدها بقواعد التدرج المقررة في باب النهي عن المنكر.

(٢) إذا نظر إلى ما يجوز له النظر منهن فيجوز لصاحب المنزل زجره ، نعم لو نظر إلى موطن لا يجوز للرحم النظر إليه كما لو كانت المرأة مجردة جاز زجره ورميه على النحو المتقدم في الأجنبي.

(٣) إذا كان المنظور داخل البيت.

(٤) أي تفريط المنظور بحيث خرجت إلى الطريق على نحو يمكن معه النظر إلى محاسنها.

(٥) أي لتحريم نظر الناظر سواء كان المنظور على نحو يسمح بالنظر إلى محاسنه أو لا ، وسواء كان المنظور في الطريق أو لا.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب القصاص في النفس حديث ٦ و ٧.

٤٣٧

(عن نفسه (١) ، فلو تلفت بالدفع) حيث يتوقف عليه(فلا ضمان) ولو لم تندفع إلا بالقتل جاز قتلها ابتداء (٢) ، ولا ضمان عليه (ولو أدّب الصبيّ). بل مطلق الولد الصغير(وليّه (٣) ، أو الزوجة زوجها فماتا ضمن ديتهما في ماله على قول) جزم به في الدروس ، لاشتراط التأديب بالسلامة.

ويحتمل عدم الضمان ، للإذن فيه فلا يتعقبه ضمان حيث لا تفريط كتأديب الحاكم وكذا معلم الصبية(ولو عضّ على يد غيره فانتزعها (٤) فندرت أسنانه) بالنون أي سقطت(فهدر) لتعديه(وله) أي للمعضوض(التخلص) منه(باللكم ،)

______________________________________________________

(١) وعن ماله ، فلو تعيبت أو تلفت بالدفع فلا ضمان بلا خلاف ، لأنه كما يجوز دفع أذى الغير الداخل عليه فيجوز دفع أذى ماله المتوجه إليه.

(٢) ولا معنى للتدرج من الزجر إلى الصياح إلى الدفع إلى الضرب ، لأنها ليست بذات شعور ، نعم لو توقف الدفع على ضربها فلا يجوز قتلها.

(٣) لو ضرب الأب أو الجد الابن للتأديب فاتفق موته فعلى الولي الضارب الدية من ماله لأن الإذن بالضرب يرفع الإثم ولا ينافي الضمان لعموم أدلته ولذا اشترط في جواز الضرب للتأديب السلامة.

وإنما الخلاف في تأديب الزوجة فالشيخ وجماعة ذهبوا إلى أن الحكم فيها كالحكم في الولد ، وبه قطع العلامة في الإرشاد.

والمحقق وجماعة استشكلوا في ذلك من حيث إن ضربها تعزير سائغ قد ورد الأمر به في الكتاب فلا ضمان كالتعزير السائغ من الحاكم ، وردّ الفرق بينهما واشترط في الجميع أن يكون الضرب للتأديب ، فلو كان الضرب للتشفي أو لغيره من الدواعي فإنه يضمن ، ومنه تعرف الحكم في ضرب المعلم وإن أذن الولي فعليه الضمان.

(٤) لو عضّ على يد إنسان ظلما ، فانتزع المعضوض يده فندرت وأسقطت أسنان العاضّ كان ذلك هدرا بلا خلاف فيه ، لأن سحب المعضوض يده دفاع وفي الدفاع لا ضمان وإلى ما روته العامة (أن رجلا فعل ذلك فأتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأهدر سنه) (١).

وخالف ابن أبي ليلى من العامة فحكم بالضمان ، وهو محجوج بما سمعت.

ولو تعذر التخلص فعليه أن ينتقل من الأسهل إلى غيره كضربه وجرحه وهكذا فلو تعسر جاز أن يبعجه بسكين ولو أدى إلى قتله لما عرفت من جواز الدفاع.

__________________

(١) الجواهر ج ٤١ ص ٦٦٥.

٤٣٨

(والجرح ، ثم السكين ، والخنجر) ونحوها(متدرجا) في دفعه(إلى الأيسر) ، فإن انتقل إلى الصعب مع إمكان ما دونه ضمن ، ولو لم يندفع إلا بالقتل فعل ، ولا ضمان.

٤٣٩
٤٤٠