الزبدة الفقهيّة - ج ٩

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٩

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: كيميا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-6307-62-0
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٧٠٧

وهي ما عدا الإبهام(من اليد اليمنى ويترك له الراحة والإبهام) هذا إذا كان له خمس أصابع.

أما لو كانت ناقصة (١) اقتصر على الموجود من الأصابع وإن كانت واحدة عدا الإبهام ، لصحيحة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام قال : قلت له : من أين يجب القطع؟ فبسط أصابعه وقال : من هاهنا ، يعني من مفصل الكف (٢). وقوله في رواية أبي بصير : القطع من وسط الكف ولا يقطع الإبهام (٣) ، ولا فرق بين كون المفقود خلقة ، أو بعارض ولو كان له إصبع زائدة لم يجز قطعها (٤) ، حملا على المعهود ، فلو توقف تركها (٥) على إبقاء إصبع أخرى (٦) وجب (٧) ولو كان على

______________________________________________________

ـ الراحة وخلّيت الإبهام ، ثم أمر بنا فحبسنا في بيت يطعمنا فيه السمن والعسل حتى برئت أيدينا ، ثم أمر بنا فأخرجنا وكسانا فأحسن كسوتنا ثم قال لنا : إن تتوبوا وتصلحوا فهو خير لكم يلحقكم الله بأيديكم في الجنة ، وإلّا تفعلوا يلحقكم الله بأيديكم إلى النار) (١) وخبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : (أتي أمير المؤمنين عليه‌السلام بقوم لصوص قد سرقوا فقطع أيديهم من نصف الكف وترك الإبهام ولم يقطعها ، وأمرهم أنّ يدخلوا إلى دار الضيافة ، وأمر أيديهم أن تعالج فأطعمهم السمن والعسل واللحم حتى برئوا فدعاهم فقال : يا هؤلاء إن أيديكم سبقتكم إلى النار ، فإن تبتم وعلم الله منكم صدق النية تاب عليكم وجررتم أيديكم إلى الجنة ، فإن لم تتوبوا ولم تقلعوا عمّا أنتم عليه جرّتكم أيديكم إلى النار) (٢).

(١) اجتزئ بقطع الموجود من الأصابع ما عدا الإبهام ، بلا خلاف لأن الميسور لا يسقط بالمعسور.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب حد السرقة حديث ١.

(٣) الوسائل ـ ٤ ـ من أبواب حد السرقة حديث ٢.

(٤) لظهور الأخبار المتقدمة في قطع الأصابع الأربعة المعروفة فقط ، وما زاد فلا يجب قطعه.

(٥) أي ترك الزائدة.

(٦) أصلية.

(٧) أي وجب إبقاء الأصلية حينئذ لأن الزائدة يحرم إتلافها ويجب إبقاؤها ، وبقاؤها متوقف على إبقاء الأصلية فيجب إبقاء الأصلية من باب المقدمة.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب حد السرقة حديث ١ و ٢.

٣٨١

المعصم كفان قطع أصابع الأصلية إن تميزت ، وإلا فإشكال (١).

(ولو سرق ثانيا) (٢) بعد قطع يده(قطعت رجله اليسرى من مفصل القدم ، وترك العقب) يعتمد عليه حالة المشي ، والصلاة ، لقول الكاظم عليه‌السلام (٣) : تقطع يد السارق ، ويترك إبهامه ، وصدر راحته ، وتقطع رجله ويترك له عقبه يمشي عليها.

والظاهر أنه لا التفات إلى زيادة الأصبع هنا (٤) ، لأن الحكم مطلق في القطع

______________________________________________________

(١) ناشئ من وجوب قطع الأصلية وبما أنها مشتبهة فيتوقف تحصيل الامتثال على قطعهما.

ومن أن الزائد يحرم إتلافها ويجب إبقائها ، وحفظها متوقف على حفظ الجميع للاشتباه ، ويحتمل القرعة لأنها لكل أمر مشكل.

(٢) بعد قطع يده فتقطع رجله اليسرى بلا خلاف للأخبار منها : خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (القطع من وسط الكف ولا يقطع الإبهام ، وإذا قطعت الرجل ترك العقب ولم يقطع) (١).

خبر سماعة بن مهران (إذا أخذ السارق قطعت يده من وسط الكف ، فإن عاد قطعت رجله من وسط القدم ، فإن عاد استودع السجن ، فإن سرق في السجن قتل) (٢).

وصحيح عاصم بن حميد عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام (قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في السارق إذا سرق قطعت يمينه ، وإذا سرق مرة أخرى قطعت رجله اليسرى ، ثم إذا سرق مرة أخرى سجنه وتركت رجله اليمنى يمشي عليها إلى الغائط ويده اليسرى يأكل بها ويستنجي بها ، فقال : إني لأستحي من الله أن أتركه لا ينتفع بشي‌ء ولكني أسجنه حتى يموت في السجن وقال : ما قطع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من سارق بعد يده ورجله) (٣).

(٣) في خبر إسحاق بن عمار ، الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب حد السرقة حديث ٤.

(٤) أي في الرجل اليسرى ، بل يقطع الزائد لأن الحكم قد تعلق بقطع الرجل مهما كانت أصابعها ، وفيه : إن هذا يأتي في اليد اليمنى لأن الحكم قد تعلق بقطعها كما في خبر صحيح عاصم بن حميد المتقدم ، ويكفينا قوله تعالى : (وَالسّٰارِقُ وَالسّٰارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمٰا) (٤).

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب حد السرقة حديث ٢ و ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب حد السرقة حديث ١.

(٤) المائدة الآية : ٣٨.

٣٨٢

من المفصل من غير نظر إلى الأصابع ، مع احتماله (١) ، ولو كان قدمان على ساق واحد فكالكف (٢).

(وفي) السرقة(الثالثة) بعد قطع اليد والرجل(يحبس أبدا) (٣) إلى أن يموت ، ولا يقطع من باقي أعضائه.

(وفي الرابعة) بأن سرق من الحبس ، أو من خارجه لو اتفق خروجه لحاجة ، أو هرب به(يقتل) (٤).

(ولو ذهبت يمينه (٥) ...

______________________________________________________

(١) أي احتمال عدم قطع الزائد لأن المعهود هو قطع القدم من المفصل بأصابعها الخمسة فقط ، وهو ضعيف إذ إبقاء الأصبع الزائد يستدعي إبقاء شي‌ء من القدم بخلاف إبقاء الزائد من اليد فهو وإن واجب ترك الكف إلا أنه لا يجب قطع الكف في اليد ولذا فرّق بين الزائد في اليد فيترك والزائد في الرجل فيقطع.

(٢) من اعتبار الأصلية إن تميزت وإلا فإشكال.

(٣) بلا خلاف فيه للأخبار وقد تقدم بعضها.

(٤) بلا خلاف فيه للأخبار وقد تقدم بعضها.

(٥) فهنا مسائل :

الأولى : لا تقطع اليسار مع وجود اليمين الصحيحة بلا خلاف للأخبار المتقدمة بل تقطع اليمين.

الثانية : لو كانت اليمين شلاء واليسار صحيحة لا تقطع اليسار ، بل تقطع اليمين لعموم الأدلة الموجبة لقطع اليمين.

الثالثة : لو كانت اليسار شلاء واليمين صحيحة ، فمقتضى الأدلة قطع اليمين لوجود المقتضى لقطعها وانتفاء المانع ، إذ المانع ليس إلا شكل اليسرى ولم يثبت كونه مانعا شرعا ، ولصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في رجل أشلّ اليد اليمنى أو أشل الشمال فسرق ، قال : تقطع يده اليمنى على كل حال) (١).

وذهب ابن الجنيد إلى اليسار إذا كانت شلاء لم تقطع اليمين لأن الشلاء كالمعدومة فلو قطعت اليمين والحال هذه لبقي بلا يدين ، ولم يعهد من حكمة الشارع إبقاءه بدون يدين ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب حد السرقة حديث ١.

٣٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ ولمرسل المفضل بن صالح عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا سرق الرجل ويده اليسرى شلاء لم تقطع يمينه ولا رجله) (١)

ولو كانتا شلاءين فلا قطع عنده بالأولى ، وعند المشهور تقطع اليمين على كل حال ، والمرسل لا يقاوم الصحيح المتقدم فالمتعين هو قول المشهور.

الرابعة : لو لم يكن له يسار ، إما مقطوعة في قصاص أو معدومة خلقة ، وكانت له يمين صحيحة فإذا سرق هل يقطع؟

ذهب الشيخ في المبسوط وتبعه الأكثر أنه تقطع اليمين لعموم الأدلة ، وذهب ابن الجنيد إلى أنه لا تقطع يمينه لأنه لم يعرف من حكمة الشارع تركه بلا يدين ولصحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن ابن عبد الله عليه‌السلام (لو أن رجلا قطعت يده اليسرى في قصاص فسرق ما يصنع به؟ فقال : لا يقطع ولا يترك بغير ساق) (٢).

الخامسة : لو كانت له يمين حين السرقة وذهبت قبل القطع فهل تقطع اليسار أو يسقط الحكم بالقطع ، فلا خلاف بينهم في سقوط الحكم ولا تقطع اليسار لأن الحكم قد تعلق باليمين ، ويذهب الحكم بذهابها.

السادسة : لو سرق ولا يمين له إما خلقة وإما قصاصا ، فهل يسقط الحكم أو يتعلق باليسار أو برجله

قال الشيخ في النهاية : تقطع يساره لعموم قوله تعالى : (فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمٰا) (٣) الصادق على قطع اليسار ، غايته تقديم اليمنى عليها للأخبار عند وجودها ، فإذا لم توجد قطعت اليسار لوجوب امتثال الأمر.

وقال في المبسوط : ينتقل إلى رجله اليسرى لأنها محل القطع حدا للسرقة بعد قطع اليمين ، واليمين هنا مفقودة فينتقل إلى الرجل.

والأولى القول بسقوط الحكم لأنه تعلق باليمين فيذهب بذهابها كما في المسألة الخامسة.

السابعة : لو لم يكن له يد يمنى ولا يسرى وسرق أول مرة ، فعن المبسوط أنه تقطع رجله اليسرى لما تقدم ، وعن النهاية أنه تقطع الرجل اليمنى لأنها أقرب لليد اليمنى ، والأولى القول بسقوط الحكم لأنه تعلق باليمنى فيذهب بذهابها. ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب حد السرقة حديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب حد السرقة حديث ٣.

(٣) المائدة الآية : ٣٨.

٣٨٤

(بعد السرقة لم يقطع اليسار) (١) ، لتعلق الحكم بقطع اليمين وقد فاتت ، أما لو ذهبت اليمين قبل السرقة بغيرها (٢) ففي قطع اليد اليسرى ، أو الرجل قولان. ولو لم يكن له يسار (٣) قطعت رجله اليسرى قطع به العلامة وقبله الشيخ. كما أنه لو لم يكن له رجل حبس (٤).

ويحتمل سقوط قطع غير المنصوص (٥) مرتبا وقوفا في التجري على الدم المحترم على موضع اليقين ، ولأنه تخط عن موضع النص من غير دليل ، ولظاهر قول علي عليه‌السلام (٦) : إني لأستحي من ربي أن لا أدع له يدا يستنجي بها أو رجلا يمشي عليها ، وسأل عبد الله بن هلال أبا عبد الله عليه‌السلام عن علة قطع اليد اليمنى ورجله اليسرى فقال : ما أحسن ما سألت إذا قطعت يده اليمنى ، ورجله اليمنى سقط على جانبه الأيسر ولم يقدر على القيام. فإذا قطعت يده اليمنى ، ورجله اليسرى اعتدل واستوى قائما (٧).

______________________________________________________

ـ الثامنة : ولو سرق ولا يد ولا رجل ، ففي النهاية حبس دائما لأن الحبس قد ثبت عقوبة في السرقة عند فقد اليد والرجل ، وهو فاقد لهما ، وفيه : إن الحبس عقوبة إنما يثبت بعد قطع اليد والرجل عقوبة ، والشرط هنا غير متحقق فالأقرب القول بسقوط الحكم لما تقدم ، وقد توقف جماعة في هذه الثلاثة الأخيرة لعدم النص وقال المحقق في الشرائع : «وفي الكل إشكال من حيث إنه تخط عن موضع القطع فيقف على إذن الشارع وهو مفقود» ، وقد عرفت أن مقتضى القواعد سقوط الحكم لذهابه بذهاب موضوعه كما وقع الاتفاق على ذلك في المسألة الخامسة.

(١) المسألة الخامسة.

(٢) أي بغير السرقة وهي المسألة السادسة.

(٣) المسألة السابعة.

(٤) وهي المسألة الثامنة.

(٥) أي ففي السرقة الأولى تقطع اليمين على كل حال وفي الثانية تقطع الرجل اليسرى على كل حال ، وفي المرة الثالثة الحبس وإلا فلا حكم عليه عند اختلال أي قيد من القيود المذكورة.

(٦) في صحيح عبد الرحمن بن الحجاج ، الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب حد السرقة حديث ٩.

(٧) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب حد السرقة حديث ٨.

٣٨٥

(ويستحب) بعد قطعه(حسمه بالزيت المغلي) (١) إبقاء له وليس بواجب للأصل. ومئونته عليه إن لم يتبرع به أحد أو يخرجه الحاكم من بيت المال.

(الثانية عشرة ـ لو تكررت السرقة) (٢) ولم يرافع بينها(فالقطع واحد) ، لأنه

______________________________________________________

(١) للنبوي (أنه أتي بسارق فقال : اذهبوا فاقطعوه ثم احسموه) (١) ، ولخبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (أتي أمير المؤمنين عليه‌السلام بقوم لصوص قد سرقوا فقطع أيديهم من نصف الكف وترك الإبهام ولم يقطعها ، وأمرهم أنّ يدخلوا إلى دار الضيافة ، وأمر بأيديهم أن تعالج) (٢) ، ولخبر حذيف بن منصور عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوم لصوص قطعت أيديهم في زمن أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : (يا قنبر ضمّهم إليك فداو كلومهم وأحسن القيام عليهم فإذا برئوا فأعلمني) (٣).

نعم مئونته على السارق وليس على الحاكم ، نعم يجوز للحاكم إخراجه من بيت المال لأنه معدّ لمصالح المسلمين ومداواتهم من مصالحهم.

(٢) لو تكررت السرقة ولم يرافع بينها ثم ظفر به ، فالحد واحد عليه بلا خلاف كما في الجواهر ، بشرط أن تكون البينتان قد أقيمتان دفعة أو أقرّ بالسرقتين دفعة واحدة لخبر بكير بن أعين عن أبي جعفر عليه‌السلام (في رجل سرق فلم يقدر عليه ، ثم سرق مرة أخرى فأخذ ، فجاءت البينة فشهدوا عليه بالسرقة الأولى والسرقة الأخيرة.

فقال عليه‌السلام : تقطع يده بالسرقة الأولى ، ولا تقطع رجله بالسرقة الأخيرة ، فقال : كيف ذاك؟ فقال عليه‌السلام : لأن الشهود شهدوا جميعا في مقام واحد بالسرقة الأولى والأخيرة قبل أن تقطع بالسرقة الأولى ، ولو أن الشهود شهدوا عليه بالسرقة الأولى ثم أمسكوا حتى تقطع يده ، ثم شهدوا عليه بالسرقة الأخيرة قطعت رجله اليسرى) (٤).

وقد اختلفوا في أن القطع للأولى أو للأخيرة ، فعن الكافي والمقنعة والمقنع والقواعد أن القطع للأولى لدلالة الرواية على ذلك ، وعن المحقق أنه للأخيرة لأنه أخذ بها ، وفيه : أنه اجتهاد في قبال النص.

وقيل : تظهر الفائدة بين القولين فيما لو عفى من له الحكم بالقطع ، فإن قلنا إن القطع للأولى وعفى أصحاب المال المسروق بالسرقة الأولى فيسقط الحد ولو عفى أصحاب المال المسروق بالأخيرة لا يسقط ، والعكس على القول الثاني. ـ

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٨ ص ٢٧١.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب حد السرقة حديث ٢ و ٣.

(٤) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب حد السرقة حديث ١.

٣٨٦

حدّ فتتداخل أسبابه لو اجتمعت كالزنا ، وشرب الخمر.

وهل هو بالأولى ، أو الأخيرة؟ قولان.

وتظهر الفائدة فيما لو عفى من حكم بالقطع له والحق أنه يقطع على كل حال حتى لو عفى الأول قطع بالثاني ، وبالعكس. هذا إذا أقرّ بها دفعة أو شهدت البينات بها كذلك.

(ولو شهدا عليه بسرقة ، ثم شهدا عليه بأخرى قبل القطع (١) فالأقرب عدم تعدد القطع) كالسابق ، لاشتراكهما في الوجه وهو كونه حدا فلا يتكرر بتكرر سببه إلى أن يسرق بعد القطع.

وقيل : تقطع يده ورجله ، لأن كل واحدة توجب القطع فتقطع اليد للأولى ، والرجل للثانية. والأصل عدم التداخل.

ولو أمسكت البينة الثانية حتى قطعت يده ، ثم شهدت ففي قطع رجله قولان (٢) أيضا ، وأولى بالقطع هنا لو قيل به ثمّ.

______________________________________________________

ـ وردّ كما في كشف اللثام بأنه لا عفو بعد المطالبة وحسب الفرض أن البينات قد أقيمت عند الحاكم فلا مجال للعفو ، وفيه : إن البينة قد تقوم حسبة مغ غياب أصحاب المال فيجوز لهم العفو ، نعم لو اتى صاحب المال بالسارق وأقيمت البينة فلا عفو حينئذ.

ورد الفائدة الشارح في المالك بقوله : (والحق أنه يقطع على كل حال حتى لو عفى أحدهما قطع بالأخرى ، لأن كل واحدة سبب تام في استحقاق القطع مع المرافعة ، وتداخل الأسباب على تقدير الاستيفاء لا يقتضي تداخلها مطلقا لأنه على خلاف الأصل) وأشكل عليه في الجواهر بأنه اجتهاد وفي قبال النص.

(١) فلم تجتمع البينات دفعة ولكن كانت الثانية قبل القطع للأولى ، فذهب الصدوق والشيخ في النهاية والخلاف إلى أنه تقطع اليد للأولى ورجله للثانية ، وادعى الشيخ في الخلاف الوفاق عليه ، واستدلوا برواية بكير بن أعين المتقدمة بحسب ذيله.

وقول الشيخ في المبسوط عن هذا القول وتبعه عليه الحلي والفاضلان والشهيدان وغيرهم من المتأخرين إلى أنه تقطع يده بالأولى فقط لأن رواية ابن أعين أثبتت القطع للرجل اليسرى بعد قطع اليد الأولى ، ومفروض مسألتنا أن اليد لم تقطع للأولى فلا مجال للتمسك بها ولا بد من الاحتياط في الدم.

(٢) أقول للشيخ في النهاية وابني حمزة وسعيد والصدوق إلى أنه تقطع رجله اليسرى بالثانية ـ

٣٨٧

والأقوى عدم القطع أيضا ، لما ذكر (١) ، وأصالة البراءة وقيام الشبهة الموجبة لدرء الحد. ومستند القطع رواية بكير بن أعين عن الباقر عليه‌السلام وفي الطريق ضعف (٢).

(الفصل السادس ـ في المحاربة)

(وهي (٣) ...

______________________________________________________

ـ بعد قطع يده بالأولى تمسكا بذيل خبر بكير المتقدم وهو نص في ذلك وقول للشيخ في المبسوط وابن إدريس والعلامة في التحرير والمختلف بل عن المحقق الاعتراف بقوته إلى أنه لا تقطع رجله اليسرى بالثانية ، لضعف خبر بكير بن أعين بسهل بن زياد وللاحتياط في الدماء فلا بد من التوقف.

وفيه : إن الخبر معمول به عند الأصحاب بحسب صدره فسنده منجبر على أن الأمر في سهل سهل.

(١) من التداخل في الأسباب.

(٢) علّق الشارح بقوله : (في طريقها سهل بن زياد وهو ضعيف مع أنه رواها عن الحسن بن محبوب ولم توجد في كتاب مشيخته).

(٣) عرّف المحارب بأنه كل من جرّد السلاح لإخافة الناس ، وهو شامل للذكر والأنثى عند المشهور ، بل عن كنز العرفان نسبته إلى القدماء ، لعموم الآية (إِنَّمٰا جَزٰاءُ الَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اللّٰهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسٰاداً أَنْ يُقَتَّلُوا) (١) وللأخبار منها : صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (من شهر السلاح في مصر من الأمصار فعقر اقتص منه ونفي من تلك البلد) (٢) ولفظ (من) عام ، وخالف في ذلك ابن الجنيد فخص المحارب بالذكور فقط ، وهو قول بعض العامة أيضا ، نظرا إلى ضمير المذكر في قوله تعالى : (الَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اللّٰهَ) مع عود الضمائر عليه بالتذكير ، وفيه : إنه يراد منه كل من وصف بالمحاربة وهو شامل للإناث ، ولو سلم تخصيصه بالرجال فالأخبار عامة تشمل الأنثى.

والتعريف شامل للصغير والكبير ، ولا بدّ من تقييده بالمكلف لأن الحدّ منوط بالتكليف ، وإن كان الصغير يضمن المال والنفس مع الإتلاف كما يضمن ما يتلفه في غير هذا الفرض.

__________________

(١) المائدة الآية : ٣٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب حد المحارب حديث ١.

٣٨٨

(تجريد (١) السلاح (٢) برا أو بحرا (٣) ، ليلا أو نهارا (٤) ، لإخافة الناس في مصر وغيره ، من ذكر أو أنثى ، قوي أو ضعيف (٥) من أهل الريبة أم لا (٦). قصد الإخافة أم لا (٧) على أصح الأقوال ، لعموم الآية (٨) المتناول لجميع من ذكر.

وخالف ابن الجنيد فخص الحكم بالرجال بناء على أن الضمير في الآية للذكور.

ودخول الإناث فيهم مجاز.

______________________________________________________

(١) وهو إظهار السلاح وحمله للمقاتلة.

(٢) خص أبو حنيفة المحارب بمن شهر السلاح من الحديد ، واحتمله العلامة في التحرير ، وعند الأكثر ما يشمل حتى المحدد والعصا وكل ما يحقق عنوان المحاربة لعموم الأدلة.

(٣) وسواء كان في مصر أو بادية لصدق عنوان المحاربة تمسكا بعموم الآية والأخبار ، وبعض العامة حضه في البرد في المواضع البعيدة عن العمران ، وهو ضعيف بما سمعت.

(٤) لعموم الآية ولخبر ضريس عن أبي جعفر عليه‌السلام (من حمل السلاح بالليل فهو محارب إلا أن يكون رجلا ليس من أهل الريبة) (١).

(٥) فلو ضعف المجرّد للسلاح عن الإخافة بسلاحه ، فهل ينطبق عليه عنوان المحاربة إشكال ، لانطباق عنوان المحاربة لغة لتجريده السلاح ، وعدم الانطباق عرفا لعدم تحقق الإخافة ، وذهب المحقق والشارح في المسالك إلى الانطباق إذا قصد الإخافة ، ومع عدم القصد فلا.

(٦) ذهب الأكثر إلى عدم اشتراط أن يكون من أهل الريبة لعموم الآية والأخبار ، وذهب الشيخ في النهاية والقاضي والراوندي والشهيد في الدروس إلى اشتراط كونه من أهل الريبة استنادا إلى مفهوم خبر ضريس المتقدم ، وردّ بأن مفهومها من حمل السلاح في الليل ولم يكن من أهل الريبة فهو ليس بمحارب ، ولا تفيد عدم حكم المحارب على من قصد الإخافة ولم يكن من أهل الريبة.

(٧) أما في الضعيف فقد عرفت اشتراط القصد عند الشارح في المسالك وأما في القوي فكذلك ، ولذا قال في الجواهر : «ولكن في الروضة قصد الإخافة أم لا على أصح الأقوال ، وإن كنا لم نجده قولا صريحا لأحد ، وعلى تقديره فلا ريب في شذوذه وإن كان قد يستدل له بإطلاق الأدلة» ولكن الإطلاق منزل عرفا على قصد الإخافة فلو شهر السلاح لا لقصد الإخافة بل للتباهي به فلا يعدّ محاربا عرفا.

(٨) المائدة الآية : ٣٣ وقد تقدمت.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب حد المحارب حديث ١.

٣٨٩

وفيه مع تسليمه أن في صحيحة محمد بن مسلم (١) «من شهر السلاح» ، و «من» عامة حقيقة للذكور والإناث ، والشيخان (٢) حيث شرطا كونه من أهل الريبة وعموم النص يدفعه ، وأخذ «تجديد السلاح» تبع (٣) فيه الخبر (٤) ، وإلا فالأجود عدم اعتباره. فلو اقتصر على الحجر والعصا والأخذ بالقوة فهو محارب ، لعموم الآية ، وشمل إطلاقه (٥) كغيره الصغير والكبير ، لعموم الأدلة.

ويشكل في الصغير فإن الحد مشروط بالتكليف خصوصا القتل ، وشرط ابن الجنيد فيه البلوغ ورجحه المصنف في الشرح ، وهو حسن.

(لا الطليع) (٦) للمحارب وهو الذي يرقب له من يمر بالطريق فيعلمه به ، أو يرقب له من يخاف عليه منه فيحذره منه(والردء) (٧) بكسر الراء فسكون الدال فالهمز وهو المعين له في ما يحتاج إليه من غير أن يباشر متعلّق المحاربة فيما فيه أذى الناس ، وإلا كان محاربا.

(ولا يشترط) في تحقق المحاربة(أخذ النصاب) (٨) ، ولا الحرز (٩) ، ولا أخذ شي‌ء ، للعموم.

(وتثبت) المحاربة(بشهادة ذكرين عدلين (١٠) ، وبالإقرار) بها(ولو)

______________________________________________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب حد المحارب حديث ١.

(٢) أي وخالف الشيخان ومقصوده الشيخ والقاضي كما صرح بذلك في المسالك.

(٣) أي تبع المصنف في هذا القيد.

(٤) وهو صحيح محمد بن مسلم المتقدم.

(٥) أي إطلاق تعريف المصنف للمحارب كتعريف غيره للكبير والصغير.

(٦) وهو المراقب للمحارب ليخبره بمن يمرّ على الطريق ، أو يترقب له ممن يخاف المحارب منه ، فلا يصدق عليه عنوان المحارب فلا يشمله حكمه.

(٧) وهو المعين للمحارب فيما يحتاج إليه من غير أن يباشر معه ما يحقق عنوان المحاربة عليه كأن يعينه على ضبط الأموال عند سلبها أو إمداده بالطعام وتسليته ونحو ذلك.

(٨) لأن المحارب صادق على من جرّد السلاح لإخافة الناس.

(٩) أي هتك الحرز.

(١٠) بلا خلاف ولا إشكال لعموم ما دل على اعتبار البينة العادلة.

٣٩٠

(مرة) (١) واحدة ، لعموم إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ، خرج منه ما اشترط فيه التكرار بدليل خارج ، فيبقى غيره على العموم(مع كمال المقر) (٢) وحريته (٣) واختياره (٤).

(ولا تقبل شهادة بعض المأخوذين لبعض (٥) ، للتهمة). نعم لو شهد اثنان على بعض اللصوص أنهم أخذوا مال غيرهما وشهد ذلك الغير على بعض آخر ، غير الأول أنه أخذ الشاهدين حكم بالجميع ، لعدم التهمة (٦) ، وكذا لو قال الشاهدان : عرضوا لنا جميعا وأخذوا هؤلاء خاصة (٧).

(والحد) للمحارب (٨) (القتل ، أو الصلب ، أو قطع يده اليمنى ورجله)

______________________________________________________

(١) لعموم حديث (إقرار العقلاء وعلى أنفسهم جائز) (١) نعم عن الديلمي في المراسم والعلامة في المختلف أن كل حد يثبت بشهادة عدلين فيعتبر فيه الإقرار مرتين ، وردّ بأنه لا دليل على هذه الكلية فالمحكّم عموم الإقرار.

(٢) ببلوغه وعقله لحديث رفع القلم.

(٣) لأن إقرار العبد إقرار في حق الغير فلا يؤخذ به إلا إذا صدّقه المولى.

(٤) إذ لا عبرة بإقرار المكره لحديث الرفع.

(٥) بأن يكون المحارب قد أخذ من أهل القافلة ، فلو شهد بعضهم على أنه قد أخذ حال البعض الآخر لا تقبل الشهادة للتهمة الحاصلة منهم على القاطع ، ولخبر محمد بن الصلت عن الرضا عليه‌السلام سأله (عن رفقة كانوا في طريق ، قطع عليهم الطريق وأخذوا اللصوص فشهد بعضهم لبعض ، قال : لا تقبل شهادتهم إلا بإقرار من اللصوص أو شهادة من غيرهم عليهم) (٢).

(٦) وفيه أن التهمة حاصلة إذا كان اللصوص قد تعرض للجميع وإن كان بعض اللصوص قد أخذ مال بعض أهل القافلة ، والبعض الآخر من اللصوص سطا على البعض الآخر من القافلة ، فشهد كل فريق للآخر مع تغاير الآخذ لإطلاق الخبر المتقدم.

(٧) فالقبول مبني على أن التهمة منفية لعدم الأخذ من الشاهدين ، وإطلاق الخبر ينفي القبول فتأمل.

(٨) فهو القتل أو الصلب أو القطع مخالفا بمعنى قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى أو النفي ، ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب كتاب الإقرار حديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الشهادات حديث ٢.

٣٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ ويدل عليه قوله تعالى : (إِنَّمٰا جَزٰاءُ الَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اللّٰهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسٰاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلٰافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيٰا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذٰابٌ عَظِيمٌ) (١). واختلف الأصحاب في هذه العقوبات أنها على نحو التخيير أو الترتيب حسب جناياتهم ، فذهب المفيد والصدوق والديلمي والحلي والعلامة في أحد قوليه ، بل قيل : عليه أكثر المتأخرين إلى أنها على نحو التخيير لأن (أو) للتخيير لغة ويدل عليه خبر أبي حمزة عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام (أن عليا عليه‌السلام قال : فوّض الله إلى الناس في كفارة اليمين كما فوّض إلى الإمام في المحارب أن يضع ما يشاء ، وقال : كل شي‌ء في القرآن أو فصاحبه فيه بالخيار) (٢) ، ولحسنة جميل بن دراج (٣) وقد نقلها الشارح في المتن.

وذهب الشيخ وأتباعه وأبو الصلاح والعلامة في أحد قوليه بل في كشف اللثام بعد نسبته إلى أكثر الكتب قد ادعى عليه الإجماع وأنها على نحو الترتيب بحسب جناياتهم ويدل عليه صحيح بريد بن معاوية (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله (عزوجل) : (إِنَّمٰا جَزٰاءُ الَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اللّٰهَ وَرَسُولَهُ) ، قال : ذلك على الإمام يفعل ما شاء ، قلت : فمفوّض ذلك إليه؟ قال : لا ولكن نحو الجناية) (٤).

واختلفوا في الترتيب فعن النهاية والمهذب وفقه الراوندي والتلخيص للعلامة إلى أنه يقتل قصاصا إن قتل بشرط أن يكون المقتول مكافئا له ولم يعف الولي ، وإن عفى أو كان المقتول غير مكافئ قتله الإمام حدا ، ولو قتل وأخذ المال استعيد منه المال عينا أو قيمة وقطعت يده اليمنى ورجله اليسرى ثم يقتل ويصلب ، وإن أخذ المال ولم يقتل قطع مخالفا ونفي ، ولو جرح ولم يأخذ المال أقتص منه ونفي ، ولو اقتصر على شهر السلاح نفي لا غير.

ومستند هذا التفصيل روايات منها : رواية عبد الله بن إسحاق المدائنيّ عن أبي عبد الله عليه‌السلام عند ما سأله عن آية (إِنَّمٰا جَزٰاءُ الَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اللّٰهَ) ، قال عليه‌السلام : (خذها أربعا بأربع ، إذا حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فسادا فقتل قتل ، وإن قتل وأخذ المال قتل وصلب ، وإن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف ، ـ

__________________

(١) المائدة الآية : ٣٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الكفارات حديث ٧.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب حد المحارب حديث ٣ و ٢.

٣٩٢

(اليسرى) للآية الدالة بأو على التخيير وإن احتملت غيره (١) لما روي صحيحا (٢) أن «أو» في القرآن للتخيير حيث وقع ، ولحسنة جميل بن دراج (٣) عن الصادق عليه‌السلام حيث سأله عن قوله تعالى : (إِنَّمٰا جَزٰاءُ الَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اللّٰهَ وَرَسُولَهُ) الآية ، وقال : أي شي‌ء عليه من هذه الحدود التي سمّى الله(عزوجل)؟ قال عليه‌السلام : ذاك إلى الإمام إن شاء قطع ، وإن شاء صلب ، وإن شاء نفى ، وإن شاء قتل ،

______________________________________________________

ـ ومن حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فسادا ولم يقتل ولم يأخذ من المال نفي من الأرض) (١).

وصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (من شهر السلاح في مصر من الأمصار فعقر اقتص منه ونفي من تلك البلدة ، ومن شهر السلاح في مصر من الأمصار وضرب وعقر وأخذ المال ولم يقتل فهو محارب ، فجزاؤه جزاء المحارب وأمره إلى الإمام إن شاء قتله وصلبه ، وإن شاء قطع يده ورجله ، قال : وإن ضرب وقتل وأخذ المال فعلى الإمام أن يقطع يده اليمنى بالسرقة ثم يدفعه إلى أولياء المقتول فيتبعونه بالمال ثم يقتلونه) (٢) وخبر عبيد بن بشر الخثعمي (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قاطع الطريق ، وقلت : الناس يقولون : إن الإمام فيه مخيّر أيّ شي‌ء شاء صنع؟ قال : ليس أي شي‌ء شاء صنع ولكنه يصنع بهم على قدر جنايتهم ، من قطع الطريق فقتل وأخذ المال قطعت يده ورجله وصلب ، وإن لم يقتل قطعت يده ورجله ، ومن قطع الطريق فلم يأخذ مالا ولم يقتل نفي من الأرض) (٣).

والتفصيل المذكور لا يستفاد من واحد من هذه الروايات وإنما يجمع بينها على اختلاف فيها ليتم هذا القول ، وذهب الشيخ في التبيان والمبسوط والخلاف إلى أنه إن قتل قتل ، وإن قتل وأخذ المال قتل وصلب ، وإن اقتصر على أخذ المال قطعت يده ورجله من خلاف ولم يقتل ، وإن اقتصر على الإخافة فالنفي.

(١) أي غير التخيير لأن أو قد تكون بمعنى الواو.

(٢) وقد تقدم في خبر أبي حمزة.

(٣) وقد تقدم تخريجها في الهامش.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب حد المحارب حديث ٤ ، وقد أشار إليه إشارة إلا أن الشيخ قد رواه في التهذيب ج ١٠ ص ٣١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب حد المحارب حديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب حد المحارب حديث ٥.

٣٩٣

قلت : ينفى إلى أين؟ قال عليه‌السلام : ينفى من مصر إلى آخر وقال : إن عليا عليه‌السلام نفى رجلين من الكوفة إلى البصرة ومثله حسنة بريد ، أو صحيحته عنه عليه‌السلام (١).

ولم يذكر المصنف هنا النفي ولا بد منه ، لأنه أحد أفراد الواجب المخير في الآية ، والرواية (٢) وليس في المسألة قول ثابت يشتمل على تركه. ولعل تركه سهوا.

نعم لو قتل المحارب تعين قتله (٣) ولم يكتف بغيره من الحدود ، سواء قتل مكافئا أم لا ، وسواء عفا الولي أم لا ، على ما ذكره جماعة من الأصحاب (٤) ، وفي بعض أفراده نظر (٥).

(وقيل) والقائل الشيخ وجماعة : إن ذلك لا على جهة التخيير ، بل(يقتل إن قتل قودا) إن طلب الولي قتله(أو حدا) إن عفا عنه ، أو لم يطلب ، (وإن قتل وأخذ المال قطع مخالفا ، ثم قتل وصلب) مقتولا.

(وإن أخذ المال لا غير) قليلا كان أم كثيرا من حرز وغيره(قطع مخالفا ونفي) ولا يقتل.

(ولو جرح ولم يأخذ مالا) ولا قتل نفسا ولو بسراية جراحته(اقتص منه)

______________________________________________________

(١) قد تقدمت ، وهي دالة على الترتيب بحسب الجناية لا على التخيير.

(٢) رواية جميل بن دراج المتقدمة في المتن.

(٣) بناء على القول بالترتيب ، وأما على القول بالتخيير فقد يختار الإمام غير القتل ، وهذا كله في القتل بما هو حدّ ، وأما قتله قصاصا فهو بيد أولياء الدم وقد يعفون ، وقول الشارح فيما بعد : سواء عفى الولي أم لا ، شاهد على أن المراد من القتل بما هو حد.

(٤) وهم أصحاب القول بالترتيب وقد تقدمت الإشارة إليهم.

(٥) أي بعض أفراد الحكم بقتله على كل حال نظر من ناحية أن قتله ليس حدا بل بعنوان القصاص فلا بد أن يكون المقتول مكافئا ولم يعف الولي ، ولذا قال في الجواهر «فلو عفى ولي الدم أو كان المقتول ممن لا يقتص له من القاتل سقط القتل قصاصا وثبت حدا مخيّرا بينه وبين باقي الأفراد ولعله إلى هذا نظر شيخنا في الروضة حيث تنظّر في ما أطلقه الجماعة من تعين القتل في تلك الصورة).

٣٩٤

بمقدار الجرح(ونفي).

(ولو اقتصر على شهر السلاح والإخافة) فلم يأخذ مالا ولم يقتل ولم يجرح(نفي لا غير).

ومستند هذا التفصيل روايات لا تخلو من ضعف في سند ، وجهالة (١) ، واختلاف في متن تقصر بسببه عن إفادة ما يوجب الاعتماد عليه ومع ذلك (٢) لم يجتمع جميع ما ذكر من الأحكام في رواية منها وإنما يتلفق كثير منه (٣) من الجميع (٤) ، وبعضه لم نقف عليه في رواية (٥) ، وبسبب ذلك (٦) اختلف كلام الشيخ «رحمه‌الله» أيضا ففي النهاية ذكر قريبا مما ذكر هنا ، وفي الخلاف أسقط القطع على تقدير قتله وأخذه المال ولم يذكر حكم ما لو جرح ، ولكن يمكن استفادة حكمه من خارج. فإن الجارح عمدا يقتصّ منه مطلقا (٧) فالمحارب أولى ، ومجرد المحاربة (٨) يجوّز النفي وهي حاصلة معه.

لكن فيه أن القصاص حينئذ (٩) ليس حدا فلا وجه لإدخاله في بابه (١٠) ، ولو لوحظ جميع ما يجب عليه لقيل مع أخذه المال : إنه يؤخذ منه عينه ، أو مثله ، أو قيمته مضافا إلى ما يجب عليه (١١) ...

______________________________________________________

(١) إلا رواية محمد بن مسلم فهي صحيحة إلا أنها لا تفي بهذا التفصيل وقد تقدمت.

(٢) أي ومع الضعف والجهالة والاختلاف.

(٣) من التفصيل المذكور.

(٤) أي جميع الروايات.

(٥) وهو فيما لو جرح وأخذ المال ، أو جرح فقط ، نعم في صحيح محمد بن مسلم تعرض للعقر الذي هو الجرح لكن لا يوافق ما في التفصيل المذكور.

(٦) من كون بعض الأحكام في التفصيل غير موجودة في الروايات ، مع اختلاف في الروايات وضعف أسانيدها.

(٧) سواء كان محاربا أو لا.

(٨) تجوّز النفي ، فإذا كانت مع الجرح فأيضا ينفى مع الاقتصاص منه ، ولوضوح هذا الحكم لم يذكره الشيخ في الخلاف.

(٩) حين استفادته من الخارج.

(١٠) أي باب المحاربة بما هو حد.

(١١) على المحارب من قتل أو صلب أو قطع.

٣٩٥

وهو (١) خروج عن الفرض (٢) ، أو قصور في الاستيفاء (٣).

وفي هذا التقسيم (٤) مع ذلك تجاوز لما يوجد في الروايات (٥) وليس بحاصر للأقسام ، فإن منها (٦) أن يجمع بين الأمور كلها فيقتل ويجرح آخر ، ويأخذ المال.

وحكمه ، مضافا إلى ما سبق (٧) أن يقتص منه للجرح قبل القتل ، ولو كان في اليد (٨) ، أو الرجل فقبل القطع أيضا ، ومنها (٩) ما لو أخذ المال وجرح (١٠) ، ومنها ما لو قتل وجرح ولم يأخذ المال ، وحكمهما (١١) الاقتصاص للجرح (١٢) ، والقطع في الأولى (١٣) والقتل في الثانية.

(ولو تاب) المحارب(قبل القدرة عليه سقط الحد) (١٤) من القتل والقطع.

______________________________________________________

(١) أي أخذ المال عينا أو قيمة.

(٢) إذ المفروض التكلم في حد المحارب فقط.

(٣) أي إذا جوزنا التكلم عن استرداد المال من المحارب عند البحث في حكم المحارب ولم نذكر المال فيكون تقصيرا في استيفاء ما يجب على الحاكم عمله ضد المحارب.

(٤) أي تقسيم الشيخ في النهاية.

(٥) والتجاوز هو الحكم على المحارب فيما لو جرح سواء أخذ المال أو لا ، والروايات لم تذكر حكم الجرح إلا رواية محمد بن مسلم على ما تقدم ، وعرفت أن حكم الجرح فيها مغايرا لحكم الجرح في هذا التفصيل ، ولهذا التجاوز نعرف أن مراد الشارح من التقسيم هو تقسيم الشيخ في النهاية ، لأن تقسيمه في الخلاف لم يذكر فيه حكم من جرح بل أسقطه كما صرّح بذلك الشارح سابقا.

(٦) من الأقسام.

(٧) في تقسيم الشيخ في النهاية من قطع يده ورجله مخالفا وقتله وصلبه أن يقتص منه للجرح قبل القتل.

(٨) أي كان الجرح في اليد.

(٩) من الأقسام التي لم يذكرها الشيخ في النهاية.

(١٠) حيث لم يذكر الشيخ في التقسيم السابق إلا الجرح مع عدم أخذه للمال.

(١١) أي حكم القسمين الأخيرين.

(١٢) لأنه جرح في كلا القسمين.

(١٣) أي في المسألة الأولى المفروضة من القسمين.

(١٤) سقط الحد كغيره من الحدود بلا إشكال ويدل عليه قوله تعالى : (إِنَّمٰا جَزٰاءُ الَّذِينَ ـ

٣٩٦

والنفي(دون حق الآدمي) من القصاص في النفس ، والجرح ، والمال(وتوبته بعد الظفر) أي ظفر الحاكم به(لا أثر لها في إسقاط حد أو غرم) لمال ، (أو قصاص) في نفس ، أو طرف أو جرح. بل يستوفى منه جميع ما تقرر.

(وصلبه) (١) على تقدير اختياره (٢) ، أو وجود مرتبته (٣) في حالة كونه(حيا أو مقتولا (٤) على اختلاف القولين) فعلى الأول ، الأول ، وعلى الثاني الثاني.

(ولا يترك) على خشبته (٥) ...

______________________________________________________

ـ يُحٰارِبُونَ اللّٰهَ وَرَسُولَهُ) ـ إلى قوله ـ (إِلَّا الَّذِينَ تٰابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللّٰهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١) ومرسل داود الطائي عن أبي عبد الله عليه‌السلام في المحارب (وإذا أخذ ولم يقتل قطع وإن هو فرّ ولم يقدّر عليه ثم أخذ قطع إلا أن يتوب فإن تاب لم يقطع) (٢) هذا بالنسبة لحق الله ، وأما حقوق الأوليين فيما لو قتل أو جرح أو أخذ المال فلا يسقط إلا بإسقاط المستحق ولا مدخل للتوبة فيه.

وأما لو تاب بعد الظفر به والقدرة عليه فلا يسقط الحد بلا خلاف فيه للاستصحاب.

(١) اعلم أن الصلب أحد أقسام حد المحارب ، فعلى القول بالتخيير يصلب حيا ، وإلا إذا قتل وصلب فيكون الإمام قد اختار قسمين من أقسام الواجب المخير ، وعلى القول بالترتيب فإنه يصلب بعد القتل إن قتل وأخذ المال ، وعليه فعلى القول بالتخيير يصلب حيا فإن مات في الأيام الثلاثة من صلبه فهو وإلا أجهز عليه بالقتل لأنه يحرم إبقاؤه مصلوبا أكثر من ثلاثة كما سيأتي.

(٢) أي على تقدير اختيار الإمام له بناء على القول بالتخيير.

(٣) أي مرتبة الصلب بناء على القول بالترتيب.

(٤) فيصلب حيا على القول بالتخيير ويصلب مقتولا على القول بالترتيب.

(٥) مصلوبا أزيد من ثلاثة أيام بلا خلاف للأخبار منها : خبر السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام (أن أمير المؤمنين عليه‌السلام صلب رجلا بالحيرة ثلاثة أيام ، ثم أنزله في اليوم الرابع فصلّى عليه ودفنه) (٣) وخبره الآخر عنه عليه‌السلام (أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لا تدعوا المصلوب بعد ثلاثة أيام حتى ينزل فيدفن) (٤). ـ

__________________

(١) المائدة الآية : ٣٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب حد المحارب حديث ٦.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب حدّ المحارب حديث ١ و ٢.

٣٩٧

حيا ، أو ميتا ، أو بالتفريق (١) (أزيد من ثلاثة أيام) من حين صلبه ولو ملفقة (٢).

والظاهر أن الليالي غير معتبرة ، نعم تدخل الليلتان المتوسطتان تبعا للأيام ، لتوقفها عليهما ، فلو صلب أول النهار وجب إنزاله عشية الثالث مع احتمال اعتبار ثلاث ليال مع الأيام بناء على دخولها في مفهومها (٣).

(وينزل) بعد الثلاثة أو قبلها (٤) (ويجهّز) بالغسل ، والحنوط ، والتكفين ، إن صلب ميتا أو اتفق موته في الثلاثة ، وإلا جهز (٥) عليه قبل تجهيزه.

(ولو تقدم غسله وكفنه) وحنوطه قبل موته(صلّى عليه) (٦) بعد إنزاله(ودفن).

(وينفى) (٧) على تقدير اختيار نفيه أو وجود مرتبته(عن بلده) الذي هو بها

______________________________________________________

ـ وعن بعض العامة أنه يترك حتى يسيل صديدا ، وعن آخر منهم حتى يسيل صليبه وهو الدبر ، وسمي الصلب صلبا لسيلان صليب المصلوب وهو الورك ، وهما كما ترى بعد ما سمعت من النصوص.

(١) بأن صلب حيا ثم مات على الخشبة ، وعلى كل فلا يبقى أزيد من ثلاثة أيام من حين صلبه لا من حين موته ، لأنه المنساق من الأخبار الناهية عن إبقاء المصلوب أكثر من ثلاثة أيام.

(٢) بأن صلب في وسط اليوم الأول فيبقى إلى وسط يوم الرابع ، إلا أن النصوص المتقدمة أعم من ذلك ، فلو صلب في أي جزء من اليوم يصدق عليه أنه مصلوب ذلك اليوم.

(٣) أي دخول الليالي في مفهوم الأيام ، والظاهر أن اليوم يبدأ من غروب شمس اليوم السابق ولذا اعتبر الله دخول شهر رمضان عند هلاله بعد غروب شمس آخر يوم من شعبان.

(٤) إشارة إلى عدم وجوب إبقائه مصلوبا ثلاثة أيام إذ يجوز إنزاله بعد تحقق عنوان الصلب هذا من جهة ومن جهة أخرى يحرم إبقاؤه أكثر من ثلاثة أيام.

(٥) إذا لم يتحقق قتله بالصلب لأن المراد من صلبه قتله ، فإن لم يتحقق القتل به وانتهى أمده فلا بد من تحقق القتل بغيره.

(٦) كما في نظائره من موتى المسلمين ، وتقديم الغسل والكفن والحنوط جائز للمصلوب وقد تقدم البحث فيه في بابه.

(٧) المراد بالنفي أن ينفى من بلده ويكتب إلى كل بلد يأوي إليه بالمنع من مؤاكلته ومشاربته ومجالسته ومبايعته للأخبار ، منها : خبر المدائنيّ عن الإمام الرضا عليه‌السلام (قلت : كيف ـ

٣٩٨

إلى غيرها(ويكتب إلى كل بلد يصل إليه بالمنع من مجالسته ، ومؤاكلته ، ومبايعته) وغيرها من المعاملات إلى أن يتوب فإن لم يتب استمر النفي إلى أن يموت(ويمنع من دخول بلاد الشرك فإن مكّنوه) من الدخول(قوتلوا حتى يخرجوه) (١) وإن كانوا أهل ذمة أو صلح (٢).

(واللص محارب) (٣) بمعنى أنه بحكم المحارب في أنه(يجوز دفعه) ولو

______________________________________________________

ـ ينفى وما حد نفيه؟ قال : ينفى من المصر الذي فعل فيه ما فعل إلى مصر آخر غيره ، ويكتب إلى أهل ذلك المصر بأنه منفي فلا تجالسوه ولا تبايعوه ولا تناكحوه ولا تؤاكلوه ولا تشاربوه فيفعل ذلك به سنة ، فإن خرج من ذلك المصر إلى غيره كتب إليهم بمثل ذلك حتى تتم السنة) (١).

وتقييد النفي بالسنة تبعا للخبر هو المحكي عن ابن سعيد ، والأكثر ذهبوا إلى أن النفي حتى يتوب أو يموت تمسكا بإطلاق حسنة جميل عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سأله عن النفي إلى أين؟ قال عليه‌السلام : من مصر إلى مصر آخر) (٢) مع حمل خبر المدائنيّ في تقييد النفي بالسنة على ما لو تاب ، وفيه : إن الحمل لا شاهد له ولا بد من تقييد خبر جميل بخبر المدائنيّ.

وعن بعض العامة أن المراد بالنفي هو السجن ، وهو مجموع بما سمعت من الأخبار.

(١) كما في خبر المدائنيّ المتقدم (قلت : فإن توجه إلى أرض الشرك ليدخلها ، قال : إن توجه إلى أرض الشرك ليدخلها قوتل أهلها).

(٢) لأن عليهم نفيه ، وإلا فيكونوا قد نقضوا شروط الذمة أو الصلح.

(٣) كما في إطلاق الفتاوى تبعا للنصوص منها : خبر منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (اللص محارب لله ورسوله فاقتلوه ، فما دخل عليك فعليّ) (٣) وخبر غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما‌السلام (إذا دخل عليك اللص يريد أهلك ومالك فإن استطعت أن تبدره وتضربه فابدره واضربه ، وقال : اللص محارب لله ورسوله فاقتله فما منك منه فهو عليّ) (٤).

فاللص محارب من ناحية كيفية الدفاع وإذا قتل فلا دية إلا أن الفقهاء قيدوا حكم دفاع اللص بالقواعد المقررة ، فإذا كان يريد المال فيجوز دفعه ولو بالمحاربة مع عدم التعزير ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب حد المحارب حديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب حد المحارب حديث ٣.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب حد المحارب حديث ١ و ٢.

٣٩٩

بالقتال(ولو لم يندفع إلا بالقتل كان) دمه(هدرا) أما لو تمكن الحاكم منه لم يحده حد المحارب مطلقا (١) وإنما أطلق عليه اسم المحارب تبعا لإطلاق النصوص. نعم لو تظاهر بذلك (٢) فهو محارب مطلقا وبذلك قيده (٣) المصنف في الدروس ، وهو حسن.

(ولو طلب) اللص(النفس وجب) على المطلوب نفسه(دفعه إن أمكن) مقتصرا فيما يندفع به على الأسهل فالأسهل (٤) ، فإن لم يندفع إلا بقتله فهدرا(وإلا) يمكن دفعه(وجب الهرب) ، لأنه أحد أفراد ما يدفع به عن النفس الواجب حفظها.

وفي حكم طلبه النفس طلبه الفساد بالحريم في وجوب دفعه مع الإمكان.

ويفهم منه أنه لو اقتصر على طلب المال لم يجب دفعه وإن جاز ، وسيأتي البحث في ذلك كله.

(ولا يقطع المختلس) (٥) وهو الذي يأخذ المال خفية من غير الحرز(ولا)

______________________________________________________

ـ بالنفس ، أما مع التعزير فلا يجب دفعه لخبر أبي بصير (سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرجل يقاتل عن ماله ، فقال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من قتل دون ماله فهو بمنزلة شهيد ، فقلنا : أيقاتل اللص؟ فقال : إن يقاتل فلا بأس أما لو كنت أنا لتركته) (١).

وإن كان اللص يريد مع المال العرض أو النفس فيجب دفعه مطلقا ففي مرسل أبان بن عثمان عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إذا دخل عليك اللص المحارب فاقتله ، فما أصابك فدمه في عنقي) (٢).

(١) سواء أخذ المال أو لا ، نعم مع أخذه للمال من حرزه يقطع.

(٢) بأن جرّد السلاح لإخافة الناس.

(٣) أي قيد اللص بعدم تظاهره بالمحاربة وإلا فهو محارب.

(٤) تبعا للتدرج في النهي عن المنكر ، ولا يؤخذ بالأخبار المتقدمة المجوّزة للقتل مطلقا لضعف سندها.

(٥) وهو الذي يأخذ الأموال من صاحبه خلسة ففي خبر أبي بصير عن أحدهما عليهما‌السلام (قال ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب الدفاع حديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب جهاد العدو حديث ٧.

٤٠٠