الزبدة الفقهيّة - ج ٩

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٩

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: كيميا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-6307-62-0
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٧٠٧

(والديوث والكشخان والقرنان (١) قد تفيد القذف في عرف القائل فيجب الحد للمنسوب إليه) مدلول هذه الألفاظ من الأفعال ، وهو أنه قواد على زوجته أو غيرها من أرحامه(وإن لم تفد) ذلك(في عرفه) نظرا إلى أنها لغة غير موضوعة لذلك ، ولم يستعملها أهل العرف فيه(وأفادت شتما) لا يبلغ حد النسبة إلى ما يوجب الحد(عزّر) القائل كما في كل شاتم بمحرّم. والديوث الذي لا غيرة له قاله الجوهري.

وقيل : الذي يدخل الرجال على امرأته. قال تغلب : والقرنان والكشخان لم أرهما في كلام العرب. ومعناه عند العامة مثل معنى الديوث أو قريب منه.

وقيل : القرنان من يدخل على بناته ، والكشخان من يدخل على أخواته.

(ولو لم يعلم) القائل(فائدتها أصلا) بأن لم يكن من أهل العرف بوضعها لشي‌ء من ذلك ، ولا اطلع على معناها لغة(فلا شي‌ء عليه وكذا) القول(في كل قذف جرى على لسان من لا يعلم معناه) لعدم قصد شي‌ء من القذف ولا الأذى وإن أفاد في عرف المقول له(والتأذي) (٢) أي قول ما يوجب أذى المقول له من

______________________________________________________

(١) هذه الألفاظ الثلاثة غير موضوعة لمعنى بحسب أصل اللغة وإنما هي ألفاظ تداولتها العامة فيما بينهم ، وقد اختلف في تحديد معانيها العرفية ولذا قال الشارح في المسالك : «هذه الألفاظ ليست موضوعة لغة لمعنى يوجب القذف ، وإنما هي ألفاظ عرفية يرجع فيها إلى عرف القائل ، فإن أفادت القذف لزمه الحد وإلّا فلا ، قال تغلب : القرنان والكشخان لم أرهما في كلام العرب ، ومعناه عند العامة مثل معنى الديوث أو قريب منه ، وقد قيل : إن الديوث هو الذي يدخل الرجال على امرأته ، وقيل : القرنان يدخلهم على بناته ، والكشخان على أخواته ، وعلى هذا فإن كان ذلك متعارفا عند القاذف ثبت عليه الحد ترجيحا لجانب العرف على اللغة ، وإلا فإن أفادت فائدة يكرهها المواجه دون ذلك ـ أي دون الزنا واللواط والقيادة لهما ـ فعليه التعزير ، وإن انتفى الأمران فلا شي‌ء».

ومنه تعرف ضعف ما أطلقه صاحب الجواهر عن أهل اللغة : (القرنان القذف بالأخت والكشخان القذف بالأم والديوث القذف بالزوجة).

(٢) أي لو قال شخص لآخر قولا يوجب أذيته كقوله : «يا خسيس أو يا حقير أو يا وضيع ، أو يا فاسق ، أو يا خائن ، ونحو ذلك مما يوجب الأذية ولم يصل إلى حد القذف ، فعليه ـ

٣٠١

الألفاظ الموجبة له مع العلم (١) بكونها مؤذية وليست موضوعة للقذف عرفا ولا وضعا (والتعريض) (٢) بالقذف دون التصريح به(يوجب التعزير) ، لأنه محرم(لا الحد) لعدم القذف الصريح(مثل قوله : هو ولد حرام) هذا يصلح مثالا للأمرين ، لأنه يوجب الأذى وفيه تعريض بكونه ولد زنا ، لكنه محتمل لغيره بأن يكون ولد بفعل محرم وإن كان من أبويه بأن استولده حالة الحيض أو الإحرام عالما. ومثله لست بولد حلال ، وقد يراد به عرفا أنه ليس بطاهر الأخلاق ، ولا وفيّ بالأمانات والوعود ، ونحو ذلك فهو أذى على كل حال. وقد يكون تعريضا بالقذف.

(أو أنا لست بزان) (٣) هذا مثال للتعريض بكون المقول له أو المنبه عليه

______________________________________________________

ـ التعزير بلا خلاف للأخبار.

منها : خبر أبي مريم عن أبي جعفر عليه‌السلام : (قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في الهجاء بالتعزير) (١) وخبر جرّاح المدائنيّ عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (قال : إذا قال الرجل أنت خبيث أو أنت خنزير فليس فيه حدّ ولكن فيه موعظة وبعض العقوبة) (٢) وخبر قرب الإسناد عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما‌السلام : (في رجل قال لرجل : يا شارب الخمر يا آكل الخنزير قال : لا حدّ عليه ولكن يضرب أسواطا) (٣).

(١) لأنه مع الجهل لم يقصد أذيته.

(٢) أي التعريض بالقذف دون التصريح به كقوله : إنه ليس بولد حلال أو إنه ولد حرام ، فهو تعريض بالقذف لاحتمال إرادة الزنا ولاحتمال أنه انعقدت نطفته حال الحيض أو الإحرام أو أنه غير نقي القلب وليس بطاهر النفس وغير حسن الأخلاق إذ يطلق ابن الحلال في العرف على المتصف بنقاوة القلب أو طهارة النفس أو الأخلاق الصالحة.

فإنه يعزر بلا خلاف لصحيح عبد الرحمن : (سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل سبّ رجلا بغير قذف فعرّض به هل يجلد؟ قال : لا ، عليه تعزير) (٤).

وخالف ابن إدريس في لفظ : «ولد الحرام» وجعله كولد الزنا موجب لحد القذف لأنهما عند العرف واحد ، وفيه : إن العرف كثيرا ما يطلق هذا اللفظ على خبيث النفس وسيّئ الأخلاق وقبيح الفعل ، ومعه لا يكون هذا اللفظ صريحا في القذف ، ولا أقل من الاحتمال الموجب لسقوط الحد لأن الحدود تدرأ بالشبهات.

(٣) فلا حدّ لاعتبار التصريح في ألفاظ القذف تمسكا بصحيح عبد الرحمن حيث التعريض ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب حد القذف حديث ٥ و ٢ و ١٠.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب حد القذف حديث ١.

٣٠٢

زانيا ، (ولا أمي زانية) تعريض بكون أم المعرّض به زانية.

(أو يقول لزوجته : لم أجدك عذراء) (١) أي بكرا فإنه تعريض بكونها زنت قبل تزويجه وذهبت بكارتها مع احتماله (٢) غيره (٣) بأن يكون ذهابها بالنزوة (٤) أو الحرقوص (٥) فلا يكون حراما. فمن ثم كان تعريضا ، بل يمكن دخوله فيما يوجب التأذي مطلقا (٦). وروى زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام في رجل قال لامرأته : لم أجدك عذراء قال : «ليس عليه شي‌ء ، لأن العذرة تذهب بغير جماع» وتحمل على أن المنفي الحد ، لرواية أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : يضرب.

(وكذا يعزر بكل ما) أي قول(يكرهه المواجَه) ، بل المنسوب إليه وإن لم

______________________________________________________

ـ موجبا للتعزير ، وإن كان قد قصد لازم المعنى من نسبة الزنا إلى المخاطب.

(١) فعليه التعزير لخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (في رجل قال لامرأته : لم أجدك عذراء ، قال : يضرب فإنه يوشك أن ينتهي) (١) وحمل الضرب على التعزير دون الحد مع أنه يشملهما لخبر يونس عن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (في رجل قال لامرأته : لم تأتني عذراء ، قال : ليس بشي‌ء لأن العذرة تذهب بغير جماع) (٢) فيكون المنفي في الخبر هو الحد.

وخالف في ذلك ابن عقيل فأوجب الحد لصحيح ابن سنان : (إذا قال الرجل لامرأته لم أجدك عذراء وليست له بينة يجلد الحد ويخلى بينه وبين امرأته) (٣) وحمل على ما لو قال ذلك مع قرينة تدل على إرادة نسبة الزنا إليها ، وإلّا فالاقتصار على هذا اللفظ المحتمل أن يكون مقصوده ذهاب بكارتها بغير الزنا مع العلم بأنه يشترط التصريح بالقذف ليس في محله.

(٢) احتمال قوله : لم أجدك عذراء.

(٣) غير الزنا.

(٤) أي القفزة.

(٥) بالضم دويبة كالبرغوث حمّتها كحمّة الزنبور والقراد ، تدخل في فروج الجواري كما عن قاموس اللغة.

(٦) سواء عرّض بالزنا أو لا.

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب اللعان حديث ٢ و ١ و ٥.

٣٠٣

يكن حاضرا ، لأن ضابط التعزير فعل المحرم وهو غير مشروط بحضور المشتوم(مثل الفاسق ، وشارب الخمر وهو مستتر) (١) بفسقه وشربه فلو كان متظاهرا بالفسق لم يكن له حرمة(٢).

(وكذا الخنزير والكلب والحقير والوضيع) والكافر والمرتد ، وكل كلمة تفيد الأذى عرفا ، أو وضعا مع علمه بها فإنها توجب التعزير(إلا مع كون المخاطب مستحقا للاستخفاف) به ، لتظاهره بالفسق فيصح مواجهته بما تكون نسبته إليه حقا ، لا بالكذب.

وهل يشترط مع ذلك (٣) جعله على طريق النهي (٤) فيشترط شروطه أم يجوز الاستخفاف به مطلقا (٥) ظاهر النص والفتاوى الثاني والأول أحوط.

(ويعتبر في القاذف) الذي يحد(الكمال) بالبلوغ والعقل (٦) (فيعزر الصبي)

______________________________________________________

(١) وقد تقدم البحث في التأذي.

(٢) فلو كان المقول له مستحقا للاستخفاف به إما لكفره أو لتجاهره بالفسق أو لكونه صاحب بدعة فلا حد ولا تعزير في توجيه كلام يؤذيه بلا خلاف فيه بل ففي الخبر : (إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له ولا غيبة) (١) وفي النبوي : (إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم وأكثروا من سبهم والقول فيهم وأهينوهم ـ وفي نسخة وباهتوهم ـ) (٢).

نعم أذيتهم بالقول مشروط بعدم كونه قذفا لصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (نهى عن قذف من ليس على الإسلام إلا أن يطلع على ذلك منهم ، وقال : أيسر ما يكون أن يكون قد كذب) (٣).

(٣) مع كونه مستحقا للاستخفاف.

(٤) أي النهي عن المنكر.

(٥) ولو لدواعي هزلية.

(٦) بلا خلاف فيه ، ففي صحيح الفضيل عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (لا حدّ لمن لا عليه حد ، يعني لو أن مجنونا قذف رجلا لم أر عليه شيئا ، ولو قذفه رجل فقال له : يا زاني لم ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٥٤ ـ من أحكام العشرة حديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الأمر والنهي حديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب حد القذف حديث ١.

٣٠٤

خاصة(ويؤدب المجنون) (١) بما يراه الحاكم فيهما. والأدب (٢) في معنى التعزير كما سلف(وفي اشتراط الحرية في كمال الحد) فيحد العبد والأمة أربعين ، أو عدم الاشتراط فيساويان الحرّ(قولان) (٣) أقواهما وأشهرهما الثاني ، لعموم (وَالَّذِينَ

______________________________________________________

ـ يكن عليه حد) (١) وفي خبر أبي مريم عن أبي جعفر عليه‌السلام : (سأله عن الغلام لم يحتلم يقذف الرجل هل يحدّ؟ قال : لا ، وذلك لو أن رجلا قذف الغلام لم يحد) (٢) وهي تدل على اشتراط البلوغ والعقل في القاذف والمقذوف.

(١) بشرط أن يكون ذا شعور والصبي مميزا وإلّا فلا وجه للتعزير لا عقلا ولا شرعا.

(٢) أي التأديب في معنى التعزير وإن كان التعزير يشمل المكلف وغيره بخلاف التأديب فإنه يختص بغير المكلف.

(٣) فعلى المشهور شهرة عظيمة أنه لا تشترط الحرية وحد العبد كحد الحر لعموم الآية : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمٰانِينَ جَلْدَةً) (٣) ولحسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إذا قذف العبد الحر جلد ثمانين ، قال : هذا من حقوق الناس) (٤) ومن التعليل يستفاد كلما كان من حقوق الناس لا ينتصف الحد على العبد وخبر سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (في الرجل إذا قذف المحصنة جلد ثمانين ، حرا كان أو مملوكا) (٥) ومثله غيره من الأخبار.

وذهب الصدوق في الهداية والشيخ في المبسوط إلى أنه لو كان عبدا فيضرب نصف حد الحر لأصالة البراءة عن الزائد ، ولقوله تعالى : (فَإِنْ أَتَيْنَ بِفٰاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مٰا عَلَى الْمُحْصَنٰاتِ مِنَ الْعَذٰابِ) (٦) ولخبر القاسم بن سليمان : (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن العبد إذا افترى على الحر كم يجلد؟ قال : أربعين) (٧).

وأجيب بأن مع عموم آية القذف وتلك الأخبار ينقطع الأصل ، والآية التي استدل بها الشيخان مختصة بالزنا لا بالقذف ، وخبر القاسم بن سليمان شاذ كما صرح نفس الشيخ في التهذيب فلا يعمل به. ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب مقدمات الحدود حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب حد القذف حديث ١.

(٣) النور الآية : ٤.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب حد القذف حديث ٤ و ١.

(٦) النساء الآية : ٢٥.

(٧) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب حد القذف حديث ١٥.

٣٠٥

يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ) (١) ولقول الصادق عليه‌السلام في حسنة الحلبي : «إذا قذف العبد الحر جلد ثمانين جلدة» وغيرها من الأخبار. والقول بالتنصيف على المملوك للشيخ في المبسوط ، لأصالة البراءة من الزائد ، وقوله تعالى : (فَإِنْ أَتَيْنَ بِفٰاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مٰا عَلَى الْمُحْصَنٰاتِ مِنَ الْعَذٰابِ) (٢) ولرواية القاسم بن سليمان عنه (٣).

ويضعف بأن الأصل قد عدل عنه للدليل ، والمراد بالفاحشة (٤) : الزنا كما نقله المفسرون ويظهر (٥) من اقترانهن بالمحصنات (٦). والرواية (٧) مع ضعف سندها (٨) وشذوذها لا تعارض الأخبار الكثيرة ، بل الإجماع على ما ذكره المصنف وغيره ، والعجب أن المصنف في الشرح (٩) تعجب من المحقق والعلّامة حيث نقلا فيها قولين ولم يرجحا أحدهما مع ظهور الترجيح. فإن القول بالأربعين نادر جدا (١٠) ثم تبعهم (١١) على ما تعجب منه هنا.

(ويشترط في المقذوف الإحصان) (١٢) وهو يطلق على التزويج كما في قوله

______________________________________________________

(١) النور الآية : ٤.

(٢) النساء الآية : ٢٥.

(٣) عن الصادق عليه‌السلام.

(٤) في الآية التي استدل بها الشيخان.

(٥) أي كون المراد من الفاحشة هو الزنا.

(٦) أي اقتران الإماء بالمحصنات ، ووجه الظهور أن الفاحشة التي تأتي بها المحصنة لا بد أن تكون الزنا.

(٧) رواية القاسم بن سليمان.

(٨) لأن القاسم بن سليمان لم يمدح ولم يذم.

(٩) شرح الإرشاد.

(١٠) تعليل لتعجب المصنف من المحقق والعلامة لأن القول بالأربعين نادر فلا بد من ترجيح قسيمه فلم تركا الترجيح.

(١١) أي ثم المصنف تابعهم على عدم الترجيح هنا في اللمعة.

(١٢) قد تقدم أن الإحصان يطلق على التزويج وعلى الإسلام وعلى الحرية وعلى غيرها ، والمراد منه هنا البلوغ والعقل والحرية والإسلام والعفة ، فمن استكملها وجب الحد بقذفه وإلا ـ

٣٠٦

تعالى : (وَالْمُحْصَنٰاتُ مِنَ النِّسٰاءِ) (١). و (مُحْصَنٰاتٍ غَيْرَ مُسٰافِحٰاتٍ) (٢) وعلى الإسلام ومنه قوله تعالى : (فَإِذٰا أُحْصِنَّ) (٣) ، قال ابن مسعود : إحصانها إسلامها (٤). وعلى الحرية ومنه قوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنٰاتِ) (٥) ، وقوله تعالى : (وَالْمُحْصَنٰاتُ مِنَ الْمُؤْمِنٰاتِ وَالْمُحْصَنٰاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ) (٦) ، وعلى اجتماع الأمور الخمسة التي نبه عليها هنا بقوله : (وأعني) بالإحصان هنا (البلوغ والعقل. والحرية. والإسلام. والعفة فمن اجتمعت فيه) هذه الأوصاف الخمسة(وجب الحد بقذفه ، وإلا) تجتمع بأن فقدت جمع أو أحدها بأن قذف صبيا ، أو مجنونا ، أو مملوكا ، أو كافرا أو متظاهرا بالزنا(فالواجب التعزير) كذا أطلقه المصنف والجماعة غير فارقين بين المتظاهر بالزنا

______________________________________________________

ـ التعزير ، بلا خلاف فيه ، أما البلوغ والعقل فقد تقدم دليلهما ، وأما الحرية فلأخبار منها : صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (من افترى على مملوك عزّر لحرمة الإسلام) (١) وصحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (في الحر يفتري على المملوك قال : يسأل فإن كانت أمه حرة جلد الحد) (٢) ومثله غيره.

وأما الإسلام فلخبر إسماعيل بن الفضل : (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الافتراء على أهل الذمة وأهل الكتاب هل يجلد المسلم الحد في الافتراء عليهم؟ قال : لا ، ولكن يعزّر) (٣) ، ومثله غيره.

وأما العفة فقد تقدم من كان متجاهرا بالفسق فلا حرمة له.

(١) النساء الآية : ٢٤.

(٢) النساء الآية : ٢٥.

(٣) النساء الآية : ٢٥.

(٤) غير أن سياق الآية يدل على أنه بمعنى الزواج لا الإسلام.

(٥) النساء الآية : ٢٥ ، قال تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنٰاتِ الْمُؤْمِنٰاتِ فَمِنْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ) وهي ظاهرة بدليل التقابل أن الإحصان بمعنى الحرية.

(٦) النساء الآية : ٥.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب حد القذف حديث ١٢ و ١١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب حد القذف حديث ٤.

٣٠٧

وغيره. ووجهه عموم الأدلة. وقبح القذف مطلقا (١) ، بخلاف مواجهة المتظاهر به بغيره (٢) من أنواع الأذى كما مر ، وتردد المصنف في بعض تحقيقاته في التعزير بقذف المتظاهر به. ويظهر منه الميل إلى عدمه محتجا بإباحته استنادا إلى رواية البرقي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له ولا غيبة» (٣). وفي مرفوع محمد بن بزيع : «من تمام العبادة الوقيعة في أهل الريب» (٤). ولو قيل بهذا لكان حسنا.

(ولو قال لكافر أمه مسلمة (٥) : يا بن الزانية فالحد لها) ، لاستجماعها لشرائط وجوبه ، دون المواجه(فلو) ماتت أو كانت ميتة و (ورثها الكافر فلا حد (٦) ، لأن المسلم لا يحدّ للكافر بالأصالة فكذا بالإرث ، ويتصور إرث الكافر

______________________________________________________

(١) سواء تظاهر بالفاحشة أو لا.

(٢) أي المتظاهر بالزنا بأن يخاطب بغير الزنا من أنواع الأذى فجائز كما تقدم ، وفيه : إن المتظاهر بالزنا لو خوطب بما يفعل فلا حد لأنه لا حرمة له كما في الخبر وسيأتي الاستشهاد به من الشارح.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٥٤ ـ من أبواب أحكام العشرة حديث ٤.

(٤) لم أعثر عليه عاجلا في الوسائل والمستدرك.

(٥) يا ابن الزانية فالحد لها دون المواجه ، لأنها مسلمة مستجمعة لشرائط الإحصان ، فعليه حد قذفها إن طالبت.

(٦) حد القذف يورّث بلا خلاف ولا إشكال للأخبار منها : خبر عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إن الحد لا يورث كما تورث الدية والمال والعقار ، ولكن من قام به من الورثة وطلبه فهو وليه ، ومن تركه ولم يطلبه فلا حق له ، وذلك مثل رجل قذف رجلا وللمقذوف أخوان ، فإن عفا أحدهما عنه كان للآخر أن يطالبه بحقه ، لأنها أمهما جميعا والعفو إليهما جميعا) (١)

وليس إرثه على حد إرث المال بحيث يكون لكل واحد حصة بل هو مجرد ولاية على استيفائه فالواحد من الورثة له الحق بالمطالبة بتمام الحد ، إلا أنك عرفت أن الكفر مانع من إرث المال فيكون مانعا من إرث الحد ، فلا يقام الحد على المسلم القاذف لأن المسلم لا يحدّ للكافر لو قذفه فكيف يحدّ له لو كان الحد بالإرث.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب حد القذف حديث ٢.

٣٠٨

للمسلم (١) على تقدير موت المسلم مرتدا عند الصدوق وبعض الأصحاب ، أما عند المصنف فغير واضح (٢) وقد فرض المسألة كذلك في القواعد (٣) ، لكن بعبارة أقبل من هذه للتأويل (٤).

(ولو تقاذف المحصنان) بما يوجب الحد(عزرا (٥) ولا حد على أحدهما ، لصحيحة أبي ولاد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : أتي أمير المؤمنين عليه‌السلام برجلين قذف كل واحد منهما صاحبه بالزنا في بدنه فقال : يدرأ عنهما الحد وعزّرهما.

______________________________________________________

(١) إذا كان هناك كافر أسلم ثم ارتد ومات فعلى المشهور كان ميراثه لولده المسلم ولو لم يكن له وارث إلا الكافر ورثه الإمام حينئذ ، وذهب ابن بابويه والشيخ في النهاية أن ميراثه لولده الكافر عند عدم المسلم من الورّاث اعتمادا على رواية ابن أبي عمير عن إبراهيم بن عبد الحميد (قلت للصادق عليه‌السلام : نصراني أسلم ثم رجع إلى النصرانية ثم مات ، قال : ميراثه لولده النصراني ، ومسلم تنصّر ثم مات قال : ميراثه لولده المسلمين) (١) والخبر دال على إرث الكافر للمسلم بشرط أن يكون مرتدا وأن يكون ارتداده مليا ، فلو سلم بهذا القول فيقتصر على المرتد الملي وإلا فقد عرفت أن الكافر لا يرث المسلم لأن الكفر مانع.

(٢) إذ عبارته هنا (فلو ورثها الكافر فلا حد) ، ولم يبين كيف يرثها الكافر مع أن المفروض أن الكفر مانع من الإرث إلا في

خصوص المرتد الملي.

(٣) أي فرض العلاقة إرث الكافر للمسلم.

(٤) إذ قال في القواعد (ولو قال لكافر أمه مسلمة : يا ابن الزانية وإن كانت ميتة ، ولا وارث لها سوى الكافر لم يحد) ووجه الأقبلية : أن ظاهر العبارة أن الكافر يرثها ولكن من المحتمل أن يكون مراده أنه لا وارث لها سوى كافر ولم يحكم العلاقة بإرثه إذ لم يقل ورثها بخلاف المصنف حيث حكم بإرث الكافر من المسلم فافهم.

(٥) ويسقط الحد بلا خلاف فيه لصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن رجلين افترى كل واحد منهما على صاحبه قال : يدرأ عنهما الحد ويعزران) (٢) وصحيح أبي ولّاد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (أتي أمير المؤمنين عليه‌السلام برجلين ، قذف كلّ منهما صاحبه بالزنا في بدنه فدرأ عنهما الحد وعزّرهما) (٣).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب موانع الإرث حديث ١.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب حد القذف حديث ١ و ٢.

٣٠٩

(ولو تعدد المقذوف تعدد الحد (١) ، سواء اتحد القاذف ، أو تعدد) ، لأن كل واحد سبب تام في وجوب الحد فيتعدد المسبب.

(نعم لو قذف) الواحد(جماعة بلفظ واحد) بأن قال : أنتم زناة ونحوه(واجتمعوا في المطالبة) له بالحد(فحد واحد ، وإن افترقوا) في المطالبة(فلكل واحد حد) لصحيحة جميل عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل افترى على قوم جماعة

______________________________________________________

(١) سواء كان القذف من واحد أولا ، أما لو تعدد المقذوف والقاذف فيتعدد الحد وهذا واضح لعموم أدلة وجوب حد القاذف. وأما لو تعدد المقذوف والقاذف واحد كأن يقذف فلانا وفلانا وفلانا فيتعدد الحد سواء جاءوا به مجتمعين أو متفرقين بلا خلاف فيه إلا من الإسكافي وسيأتي بيان مذهبه ، ومستند المشهور قاعدة تعدد المسبب بتعدد السبب وخبر بريد العجلي عن أبي جعفر عليه‌السلام (في الرجل يقذف القوم جميعا بكلمة واحدة فإذا لم يسمهم فإنما عليه حدّ واحد وإن سمّى فعليه لكل واحد حد) (١) ، وصحيح الحسن العطار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في رجل قذف قوما جميعا ، فقال : بكلمة واحدة ، قال : نعم ، قال : يضرب حدا واحدا ، وإن فرّق بينهم في القذف ضرب لكل واحد منهم حدا) (٢).

وصدره دال على أنه لو قذفهم بكلمة واحدة فعليه حدّ واحد بشرط أن يأتوا به مجتمعين ، وأما لو طالبوا به متفرقين فلكل واحد حدّ اعتمادا على صحيح جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سألته عن رجل افترى على قوم جماعة قال : إن أتوا به مجتمعين ضرب حدا واحدا ، وإن أتوا به متفرقين ضرب لكل منهم حدا) (٣) ، وخبر محمد بن حمران عن أبي عبد الله (سألته عن رجل افترى على قوم جماعة ، فقال : إن أتوا به مجتمعين به ضرب حدا واحدا ، وإن أتوا به متفرقين ضرب لكلّ رجل حدا) ٤ ، وعن الإسكافي فلو قذف الجميع بلفظ واحد فعليه حد واحد سواء أتوا به متفرقين أو مجتمعين ، وإن قذفهم مع تسمية كل واحد فإن جاءوا به مجتمعين فعليه حد واحد ، وإن تفرقوا فلكل واحد حدّ ، ونفى عنه العلامة في المختلف البأس ، اعتمادا على صحيح جميل المتقدم في الاجتماع والتفريق في المطالبة ، واعتمادا على صحيح العطار وخبر بريد فيما لو كان ذلك مع تسمية كل واحد منهم ، وأن لو كان بلفظ واحد من دون تسمية فعليه حدّ واحد ، على عكس جمع المشهور.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب حد القذف حديث ٥ و ٢.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب حد القذف حديث ١ و ٣.

٣١٠

قال : «إن أتوا به مجتمعين ضرب حدا واحدا وإن أتوا به متفرقين ضرب لكل واحد منهم حدا».

وإنما حملناه على ما لو كان القذف بلفظ واحد مع أنه أعم (١) جمعا بينه وبين صحيحة الحسن العطار عنه عليه‌السلام في رجل قذف قوما جميعا قال عليه‌السلام : بكلمة واحدة؟ قلت : نعم ، قال : يضرب حدّا واحدا فإن فرّق بينهم في القذف ضرب لكل واحد منهم حدا بحمل الأولى (٢) على ما لو كان القذف بلفظ واحد (٣) والثانية على ما لو جاءوا به مجتمعين.

وابن الجنيد(رحمه‌الله) عكس فجعل القذف بلفظ واحد موجبا لاتحاد الحد مطلقا (٤) ، وبلفظ متعدد موجبا للاتحاد إن جاءوا مجتمعين ، وللتعدد إن جاءوا متفرقين ، ونفى عنه في المختلف البأس محتجا بدلالة الخبر الأول (٥) عليه وهو أوضح طريقا. (٦)

وفيه نظر (٧) ، لأن تفصيل الأول (٨) شامل للقذف المتحد والمتعدد فالعمل به يوجب التفصيل فيهما (٩).

______________________________________________________

(١) فيشمل ما لو كان القذف بكلمة واحدة للجميع أو مع تسمية الجميع.

(٢) أي صحيحة جميل.

(٣) بخلاف الإسكافي فقد حملها على ما لو كان القذف مع تسمية كل واحد.

(٤) أتوا مجتمعين أو متفرقين في المطالبة.

(٥) أي صحيح جميل.

(٦) لأن الرواة في سنده كلهم إماميون ثقات بخلاف صحيح العطار فإن في سنده أبان وهو مشترك بين الثقة وغيره ، هذا من جهة ومن جهة أخرى فصحيح جميل يدل على تفصيل الإسكافي بدعوى أن لفظ (جماعة) الوارد في الصحيح هو صفة للقذف المدلول عليه بالفعل ، فيكون القذف متعددا.

وفيه : إن لفظ (جماعة) صفة للقوم بحسب الظاهر فيكون الصحيح شاملا لما تعدد القذف أو اتحد فلا بد من ضمه إلى صحيح العطار المفصل بين وحدة القذف فعليه حدّ واحد وبين تعدده فيتعدد الحد.

(٧) أي في قول ابن الجنيد الذي نفى عنه البأس العلامة في المختلف.

(٨) أي صحيح جميل.

(٩) بعد الجمع بينه وبين صحيح العطار.

٣١١

والظاهر أن قوله فيه (١) : «جماعة» صفة للقوم ، لأنه أقرب وأنسب بالجماعة ، لا للقذف (٢) ، وإنما يتجه قوله (٣) لو جعل (٤) صفة للقذف المدلول عليه بالفعل ، وأريد بالجماعة القذف المتعدد (٥). وهو بعيد جدا.

(وكذا الكلام في التعزير (٦) فيعزر قاذف الجماعة بما يوجبه (٧) بلفظ متعدد (٨) متعددا (٩) مطلقا ، (١٠) وبمتحد (١١)

______________________________________________________

(١) أي قول السائل في صحيح جميل.

(٢) كما هو مستند العلامة في المختلف.

(٣) قوله ابن الجنيد

(٤) اي لفظ جماعة

(٥) كما استدل بذلك العلامة هذا كله اذا كان مستند ابن الجنيد خصوص صحيح جميل كما جعله العلامة مع انك قد عرفت ان الجمع بين الاخبار قد يكون مستندا لقول ابن الجنيد وقد يكون مستندا لقول المشهور.

(٦) فلو قذف جماعة من المماليك أو المجانين أو الكفار الذين لا يثبت عليه الحد بقذفهم ، فعليه التعزير لقذفهم ، لكن لو قذفهم مع تسمية كل واحد فعليه تعزير لكل واحد سواء أتوا به مجتمعين أو متفرقين ، ولو قذفهم بلفظ واحد فإن أتوا به مجتمعين فعليه تعزير واحد ، وإن أتوا به متفرقين فلكل واحد تعزير ، هذا ما عليه المشهور ودليلهم الأولوية لأن التفصيل المذكور ثابت في الحد فثبوته في التعزير الذي هو أقل من الحد كميّة من طريق أولى ، وذهب ابن إدريس إلى عدم ثبوت التفصيل المذكور في التعزير لقاعدة تعدد المسبب بتعدد السبب مع منع الأولوية المذكورة لأنها من القياس الممنوع.

وذهب جماعة منهم المحقق في الشرائع بأنه لا معنى للاختلاف ضمن لأن التعزير منوط بنظر الحاكم ، وليس له حد محدود فهو يؤدب قاذف الجماعة بما يراه سواء كان بعنوانه عدة تعزيرات أو بعنوان تعزير واحد وسواء كان قذفهم بلفظ واحد أو متعدد.

(٧) فيراد من الموصول التعزير ، وضمير الفاعل راجع إلى القذف.

(٨) بأن قذف كل واحد باسمه.

(٩) متعلق بفعل (يعزّر) ، والمعنى فيعزر تعزيرات متعددة أن قذف الجماعة بأسمائهم لكل واحد حدّ.

(١٠) أتوا به مجتمعين أو متفرقين في المطالبة.

(١١) عطف على قوله (بلفظ متعدد) ، أي قذفهم بلفظ واحد من دون تسمية لكل واحد منهم ، فيعزّر تعزيرات متعددة إن جاءوا به متفرقين.

٣١٢

إن جاءوا به متفرقين ، ومتحد (١) إن جاءوا به مجتمعين ، ولا نص فيه (٢) على الخصوص ، ومن ثم أنكره ابن إدريس وأوجب التعزير لكل واحد مطلقا (٣) محتجا بأنه قياس (٤) ، ونحن نقول بموجبه (٥) ، لأنه قياس مقبول ، لأن تداخل الأقوى يوجب تداخل الأضعف بطريق أولى ، ومع ذلك فقول ابن إدريس لا بأس به.

في هذا الفصل(«مسائل» حد القذف ثمانون جلدة (٦) إجماعا ، ولقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ) إلى قوله : (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمٰانِينَ جَلْدَةً) (٧) ، ولا فرق في القاذف بين الحر والعبد على أصح القولين (٨) ، ومن ثم أطلق(ويجلد) القاذف(بثيابه (٩)

______________________________________________________

(١) عطف على قوله (متعددا) أي يعزّر قاذف الجماعة تعزيرا متحدا أي واحدا إن قذف الجماعة بلفظ واحد من دون تسمية لكل واحد إن جاءوا به مجتمعين.

(٢) في التعزير.

(٣) اجتمعوا أو تفرقوا في المطالبة ، وكان القذف بلفظ واحد أو متعدد.

(٤) ردّ على مستند المشهور من جريان التفصيل في التعزير لأنه جار في الحد بطريق أولى.

(٥) أي بموجب القياس هذا لأنه من قسم الأولوية العقلية فيكون خارجا عن القياس الممنوع المنحصر في القياس المساوي ، وهذا ردّ من الشارح على ابن إدريس.

وفيه : إن أدلة القياس تشمل المادي والأولى ، نعم الأولوية اللفظية حجة إلا أنها راجعة إلى دلالة اللفظ وظهوره وهذا خارج تخصصا عن القياس المنهي عنه بجميع أقسامه.

(٦) بلا خلاف فيه وتدل عليه الآية الشريفة (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمٰانِينَ جَلْدَةً) (١) وللأخبار قد تقدم بعضها.

(٧) النور الآية : ٤.

(٨) قد تقدم الخلاف فيه وعرفت أن الأصح عدم التفريق لأنه من حقوق الناس.

(٩) ولا يجرد ، وعليه الاتفاق للأخبار منها : خبر السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن لا ينزع من ثياب القاذف إلا الرداء) (٢) وخبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (يجلد الزاني أشدّ الحدين ، قلت : فوق ثيابه ، قال : لا ولكن يخلع ثيابه ، قلت : فالمفتري؟ قال : ضرب بين الضربين فوق الثياب يضرب جسده كله) (٣).

__________________

(١) سورة النور الآية : ٤.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب حد القذف حديث ٤ و ٦.

٣١٣

المعتادة (١) ، ولا يجرد كما يجرد الزاني ، ولا يضرب ضربا شديدا ، بل(حدا متوسطا (٢) ، دون ضرب الزنا ، ويشهّر (٣) القاذف(ليجتنب شهادته).

(ويثبت) القذف(بشهادة عدلين) (٤) ذكرين (٥) ، لا بشهادة النساء منفردات ، ولا منضمات وإن كثرن(والإقرار مرتين (٦) من مكلّف حر مختار (٧). فلا عبرة بإقرار الصبي ، والمجنون ، والمملوك مطلقا (٨) ، والمكره عليه. ولو انتفت البينة والإقرار فلا حد ولا يمين على المنكر (٩).

(وكذا ما يوجب التعزير) (١٠) لا يثبت إلا بشاهدين ذكرين عدلين ، أو

______________________________________________________

(١) فالمعتاد منها غير مانع من التألم ، وأما إذا لم تكن معتادة ولبسها لتجنب الألم فإنها تنزع.

(٢) كما دل عليه خبر إسحاق المتقدم ولخبر مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الزاني أشد ضربا من شارب الخمر ، وشارب الخمر أشدّ ضربا من القاذف ، والقاذف أشد ضربا من التعزير) (١).

(٣) بمعنى يعلم الناس بحاله لتتجنب شهادته كما يشهر شاهد الزور ، بقوله تعالى : (وَلٰا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهٰادَةً أَبَداً) (٢) ، وهو لا يتحقق إلا بالتشهير.

(٤) بلا خلاف لعموم ما دل على حجية الشهادة.

(٥) لما مرّ من أن قول النساء منفردات أو منضمات غير مسموع في الحدود.

(٦) قال في الجواهر «لا أجد فيه خلافا وإن لم نظفر بنص خاص فيه ، وعموم إقرار العقلاء يقتضي الاجتزاء به مرة ، اللهم إلا أن يكون من جهة بناء الحدود على التخفيف فينزل إقراره منزلة الشهادة على نفسه فيعتبر فيها التعدد».

(٧) أما المكلف فهو البالغ العاقل إذ لا عبرة بإقرار الصبي والمجنون لحديث رفع القلم ، واعتبار الحرية لأن إقرار العبد في حق الغير لا في حق نفسه ، واعتبار الاختيار إذ مع الإكراه لا أثر لإقراره لحديث الرفع.

(٨) سواء كان قنا أو لا.

(٩) بمعنى لو أنكر القذف وقد ادعاه عليه غيره مع عدم الشهادة من قبل المدعى ولا إقرار بالنسبة للمدعي عليه ، فلا يطالب المنكر باليمين في الحدود لأنها مبنية على التخفيف.

(١٠) من حقوق الله تعالى ، فإنه يثبت بشاهدين بلا خلاف ، لعموم ما دل على اعتبار البينة ، ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب حد القذف حديث ٥.

(٢) النور آية : ٤.

٣١٤

الإقرار من المكلف الحر المختار.

ومقتضى العبارة اعتباره مرتين مطلقا ، (١) وكذا أطلق غيره مع أنه (٢) تقدم حكمه (٣) بتعزير المقر باللواط دون الأربع الشامل للمرة ، إلا أن يحمل ذلك على المرتين فصاعدا.

وفي «الشرائع» نسب اعتبار الإقرار به مرتين إلى قول مشعرا بتمريضه ولم نقف على مستند هذا القول (٤).

(وهو) أي حد القذف(موروث) (٥) لكل من يرث المال : من ذكر وأنثى لو مات المقذوف قبل استيفائه والعفو عنه(إلا للزوج والزوجة (٦) ، وإذا كان الوارث جماعة) فلكل واحد منهم المطالبة به. فإن اتفقوا على استيفائه فلهم حد واحد ،

______________________________________________________

ـ ويثبت بالإقرار مرتين على المشهور لكن لا نص فيه مع أن إقرار العقلاء على أنفسهم عام يقتضي الاجتزاء بالمرة ولذا نسب هذا الحكم إلى القيل المحقق في الشرائع مشعرا بتمريضه ، وقد عرفت أن الحدود مبنية على التخفيف فينزل إقراره منزلة الشهادة على نفسه فلذا اعتبر فيه التعدد كما اعتبر فيها.

(١) أي اعتبار الإقرار مرتين مطلقا في ثبوت التعزير سواء كان في القذف أو اللواط أو غيرهما.

(٢) الشأن والواقع.

(٣) حكم المصنف بالتعزير دون الأربع وهو شامل للمرة.

(٤) وقد عرفت مستنده.

(٥) إذا لم يكن قد استوفاه المقذوف ولم يعف عنه ، بلا خلاف فيه للأخبار منها : موثق الساباطي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إن الحد لا يورث كما تورث الدية والمال والعقار ، ولكن من قام به من الورثة وطلبه فهو وليه ، ومن تركه ولم يطلبه فلا حق له ، وذلك مثل رجل قذف رجلا وللمقذوف أخوان ، فإن عفا أحدهما عنه كان للآخر أن يطالبه بحقه) (١).

(٦) وما شابههما من الأسباب إلا الإمام على قول ولكن ليس له العفو ، وعليه الإجماع كما في التقية وقال في الرياض : «هو الحجة».

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب حد القذف حديث ٢.

٣١٥

وإن تفرقوا في المطالبة ولو عفا بعضهم(لم يسقط) عنه شي‌ء(بعفو البعض) ، بل للباقين استيفاؤه كاملا (١) على المشهور (٢).

(ويجوز العفو) من المستحق الواحد والمتعدد(بعد الثبوت كما يجوز قبله) (٣) ولا اعتراض للحاكم ، لأنه حق آدمي تتوقف إقامته على مطالبته ويسقط

______________________________________________________

(١) قد تقدم حكمه في موثق الساباطي.

(٢) علّق الشارح بقوله : (نبّه بالمشهور على أن مستند الحكم رواية عمار ، وهي مع ما يعلم بحاله مقطوعة ، لكن لا نعلم مخالفا في ذلك) انتهى.

هذا والساباطي واقفي رواياته ليست مقطوعة لأن الشيخ في التهذيب قد رواها عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن محبوب عن هشام بن سالم عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

(٣) حد القذف قابل للإسقاط لأنه من حقوق الآدميين القابلة للسقوط بالإسقاط وغيره ، بلا فرق بين قذف الزوجة وغيرها ، ولا فرق في العفو قبل مراجعة الحاكم وقبل الثبوت أو بعده ، لأن العفو أصل في كل حق آدمي ولخبر ضريس عن أبي جعفر عليه‌السلام (لا يعفى عن الحدود التي لله دون الإمام ، فأما ما كان من حق الناس في حد فلا بأس بأن يعفى عنه دون الإمام) (١).

نعم لو عفا فليس له المطالبة بعد العفو للأصل ولخبري سماعة ، وفي أحدهما عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سألته عن الرجل يفتري على الرجل ثم يعفو عنه ، ثم يريد أن يجلده الحد بعد العفو ، قال : ليس ذلك له بعد العفو) (٢).

خلاف للشيخ في الاستبصار والتهذيب وليحيى بن سعيد من عدم العفو للزوجة بعد المرافعة لصحيح ابن مسلم (سألته عن الرجل يقذف امرأته ، قال : يجلد ، قلت : أرأيت إن عفت عنه ، قال : لا ولا كرامة) (٣) وقد حمل الخبر على ما لو كان العفو بعد المطالبة ، وفيه : إنه حمل بلا شاهد ، ولذا ذهب الشيخ الصدوق اعتمادا على هذه الرواية إلى عدم جواز العفو عن الزوج لو قذفها مطلقا قبل المرافعة أو بعدها ، والرواية مضمرة قد أعرض عنها المشهور فترد إلى أهلها.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب حد القذف حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب حد القذف حديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب حد القذف حديث ٤.

٣١٦

بعفوه ، ولا فرق في ذلك بين قذف الزوج لزوجته ، وغيره ، خلافا للصدوق حيث حتّم عليها استيفاءه ، وهو شاذ.

(ويقتل) القاذف(في الرابعة لو تكرر الحد ثلاثا) (١) على المشهور ، خلافا لابن إدريس حين حكم بقتله في الثالثة كغيره من أصحاب الكبائر ، وقد تقدم الكلام فيه ، ولا فرق بين اتحاد المقذوف ، وتعدده هنا (٢) (ولو تكرر القذف) لواحد(قبل الحد فواحد) (٣) ولو تعدد المقذوف تعدد الحد مطلقا (٤) إلا مع اتحاد الصيغة كما مرّ.

(ويسقط الحد بتصديق المقذوف) (٥) على ما نسبه إليه من الموجب للحد(والبينة) على وقوعه منه(والعفو) أي عفو المقذوف عنه ، (وبلعان الزوجة) لو كان القذف لها. وسقوط الحد في الأربعة لا كلام فيه ، لكن هل يسقط مع ذلك

______________________________________________________

(١) إذا تكرر الحد بتكرر القذف مرتين قتل في الثالثة كما عن ابن إدريس لصحيح يونس (إن أصحاب الكبائر يقتلون في الثالثة) (١) ، وقيل : يقتل في الرابعة ، وهو المشهور ، للاحتياط في التهجم على الدم وقد مضى نظيره فراجع.

(٢) في تكرار حد القذف ، فالمدار على تكرار الحد كفعل ، والحد كفعل يثبت بالتفصيل المتقدم فيما لو قذف الجميع بلفظ واحد أو متعدد وجاءوا مطالبين به متفرقين أو مجتمعين.

(٣) بلا خلاف لصحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (في الرجل يقذف الرجل فيعود عليه بالقذف ـ أي يكرر ـ قال : إن قال له إن الذي قلت لك حق لم يجلد ، وإن قذفه بالزنا بعد ما جلد ففيه الحد ، وإن قذفه قبل أن يجلد بعشر قذفات لم يكن عليه إلا حدّ واحد) (٢).

(٤) أي سواء حد قبل قذف الثاني أو لا.

(٥) قد عرفت أن من شروط الحد على القاذف إحصان المقذوف ، وإحصانه مشتمل على عفته ، فمع تصديقه للقاذف يتبين في نفس الأمر أنه غير عفيف فلا حد على القاذف ، وعليه فالحد يسقط عن القاذف إما بالبينة كما في الآية أو بتصديق المقذوف أو بعفوه ، وهذه الثلاثة مشتركة ، ويزاد أمر رابع في قذف الزوجة فإن الحد يسقط عن الزوج باللعان وقد تقدم في كتابه.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب مقدمات الحدود حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب حد القذف حديث ١.

٣١٧

التعزير (١)؟ يحتمله ، خصوصا في الأخيرين (٢) ، لأن الواجب هو الحد وقد سقط والأصل عدم وجوب غيره ، ويحتمل ثبوت التعزير في الأولين (٣) لأن قيام البينة والإقرار بالموجب لا يجوز القذف ، لما تقدم من تحريمه مطلقا (٤) ، وثبوت التعزير به (٥) للمتظاهر بالزنا (٦) فإذا سقط الحد بقي التعزير على فعل المحرّم ، وفي الجميع (٧) ، لأن العفو عن الحد لا يستلزم العفو عن التعزير ، وكذا اللعان (٨) ، لأنه بمنزلة إقامة البينة على الزنا (٩) (ولو قذف المملوك فالتعزير له لا للمولى (١٠) فإن عفي لم يكن لمولاه المطالبة كما أنه لو طالب فليس لمولاه العفو (و) لكن(يرث المولى تعزير عبده) وأمته(لو مات) المقذوف(بعد قذفه) ، لما تقدم من أن الحد يورث ، والمولى وارث مملوكه (١١).

(ولا يعزّر الكفار لو تنابزوا بالألقاب) (١٢) أي تداعوا بألقاب الذم(أو عيّر)

______________________________________________________

(١) وجهان من أن الثابت عليه هو الحد وقد سقط ولا دليل على ثبوت التعزير ، ومن أن القذف وإن جاز إظهاره عند الحاكم لإقامة الحد عليه لكن يجوز مع البينة ، فإذا عدمت فهو أمر محرم ومن الكبائر التي يثبت فيها التعزير كما تقدم.

(٢) العفو واللعان.

(٣) تصديق المقذوف والبينة.

(٤) سواء كان القاذف صادقا أو كاذبا.

(٥) بالقذف.

(٦) فلغيره من باب أولى.

(٧) أي يحتمل ثبوت التعزير في الجميع ، أما الأولان فلما ذكر وأما الأخيران فلأن العفو إلخ ...

(٨) لا يسقط فيه التعزير كالعفو.

(٩) وفيه : إن إطلاق الآية تدل على عدم الحد وعدم التعزير لو جاء بالشهادة أولا عن زوجته.

(١٠) لأن القذف له فهو من حقه ، وهذا مما يحق له التعرف فيه من دون الرجوع إلى مولاه لأنه ليس من حقوق المالية.

(١١) قد عرفت أن القذف وإن كان موروثا إلا أنه لا يرثه الزوج والزوجة وكل من يتقرب به بسبب أن الإمام على قول ، ولذا علّق الشارح (نسب في الشرائع ذلك إلى القيل مشعرا بتمريضه ولم نقف على مستنده).

(١٢) التنابز بالألقاب بين المسلمين يوجب التعزير لأنه فعل محرم ، وأما بين الكفار فلا تعزير ـ

٣١٨

(بعضهم بعضا بالأمراض) من العور والعرج وغيرهما ، وإن كان المسلم يستحق بها التعزير.

(إلا مع خوف) وقوع(الفتنة) بترك تعزيرهم على ذلك فيعزرون حسما لها (١) بما يراه الحاكم.

(ولا يزاد في تأديب الصبي على عشرة أسواط ، وكذا المملوك) (٢) ، سواء كان التأديب لقذف أم غيره ..

وهل النهي عن الزائد على وجه التحريم أم الكراهة؟ ظاهره الأول والأقوى الثاني ، للأصل ، ولأن تقدير التعزير إلى ما يراه الحاكم.

______________________________________________________

ـ على المشهور ، بل لم يذكر فيه خلاف كما في المسالك ، نعم في الشرائع نسبه إلى القيل مشعرا بتمريضه ، ولعل مستند عدم التعزير هو استحقاق الكافر للاستخفاف به بخلاف المسلم إلا أنه لا نص عليه.

(١) للفتنة.

(٢) لمرسل الفقيه : (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يحلّ لوال يؤمن بالله واليوم الآخر أن يجلد أكثر من عشرة أسواط إلا في حد) (١) وظاهرة الحرمة في الزيادة على العشرة ، ويؤيده خبر حماد بن عثمان : (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : في أدب الصبي والمملوك ، فقال : خمسة أو ستة وأرفق) (٢) ، وخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إن أمير المؤمنين عليه‌السلام ألقى صبيان الكتّاب ألواحهم بين يديه ليخير بينهم ، فقال : أما إنها حكومة والجور فيها كالجور في الحكم ، أبلغوا معلمكم إن ضربكم فوق ثلاث ضربات في الأدب أقتص منه) (٣) وخبر زرارة بن أعين ، (سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن المملوك كم أضربه؟ قال : ثلاثة أربعة خمسة) (٤).

ولكن حملت الزيادة ، على العشرة على الكراهة لأن التعزير بنظر الحاكم ، نعم يجب أن يكون تأديب الصبي والمملوك بداعي التأديب الراجع إلى مصلحة المضروب ، لا بداعي الغضب والدواعي النفسانية ولذا قال في الجواهر : «فينبغي أن يعلم أن مفروض الكلام في التأديب الراجع إلى مصلحة الصبي مثلا ، لا ما يثيره الغضب النفساني فإن المؤدّب حينئذ قد يؤدب».

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب بقية الحدود حديث ٢.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب بقية الحدود حديث ١ و ٢ و ٣.

٣١٩

(ويعزر كل من ترك واجبا ، أو فعل محرما) (١) قبل أن يتوب(بما يراه الحاكم ، ففي الحر لا يبلغ حدّه) أي مطلق حده فلا يبلغ أقله وهو خمسة وسبعون. نعم لو كان المحرم من جنس ما يوجب حدا مخصوصا كمقدمات الزنا فالمعتبر فيه حد الزنا. وكالقذف بما لا يوجب الحد فالمعتبر فيه حدّ القذف(وفي) تعزير(العبد لا يبلغ حده) كما ذكرناه.

(وسابّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) ،

______________________________________________________

(١) بشرط أن يكون المحرم أو ترك الواجب من الكبائر لا الصغائر بلا خلاف فيه ، لأن الصغائر مكفر عنها باجتناب الكبائر لقوله تعالى (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ)(١) ، هذا من جهة ومن جهة أخرى لا بدّ أن يكون قد ردعه أولا بالنهي ثم بالتوبيخ فإن لم يرتدع يعزر بالضرب والدليل عليه نفس التدرج في أخبار النهي عن المنكر من القلب إلى اللسان إلى اليد ، ولذا قال صاحب الرياض بعد إيراد مضمون ما تقدم : «فلا دليل على التعزير إلا في مواضع مخصوصة».

ومن جهة ثالثة فالتعزير منوط بنظر الحاكم حسب ما يراه ، لكن بشرط أن لا يبلغ حد الحر في الحر وهو مائة ، ولا حد العبد في العبد وهو خمسون.

وقيل : يجب أن لا يبلغ أدنى الحد في الحر وهو خمسة وسبعون وأن لا يبلغ أدنى الحد في العبد وهو أربعون.

وقيل : إن ما ناسب الزنا من المحرمات يجب أن لا يبلغ حده وإن تجاوز حد غيره وما ناسب القذف أو الشرب أن لا يبلغ حدهما ، وفيما لا مناسب له أن لا يبلغ أدنى الحدود وهو خمسة وسبعون سوطا ، والأخير للشيخ والفاضل في المختلف.

وقد ورد في خبر حماد بن عثمان أنه يضرب دون حد العبد ، والخبر عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (قلت له : كم التعزير؟ قال : دون الحد ، قلت : دون ثمانين ، قال : لا ، ولكن دون أربعين فإنها حد المملوك ، قلت : وكم ذاك؟ قال : على قدر ما يراه الوالي من ذنب الرجل وقوة بدنه) (٢) والعمل عليها قوي إذ كل موارد التعزير أدنى من أربعين.

(٢) يقتل بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (سئل عمن شتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : يقتله الأدنى فالأدنى قبل أن يرفع إلى ـ

__________________

(١) النساء الآية : ٣١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب بقية الحدود حديث ٣.

٣٢٠