الزبدة الفقهيّة - ج ٨

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٨

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: كيميا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-6307-61-2
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٤٠٠

كتاب اللقطة

٦١
٦٢

(كتاب اللقطة (١)

(اللقطة) بضم اللام وفتح القاف اسم للمال الملقوط ، أو (٢) للملتقط. كباب فعلة (٣) كهمزة ولمزة أو بسكون القاف اسم للمال (٤) وأطلق (٥) على ما يشمل

______________________________________________________

(١) بضم اللام وفتح القاف اسم للمال الملقوط كما صرح به غير واحد من أهل اللغة ، بل عن أبي عبيدة أن التحريك عليه عامة أهل العلم ، وعن الأزهري أنه قول جميع أهل اللغة وحذّاق النحويين.

وعن الخليل بن أحمد ـ كما في التذكرة ـ أنها بالسكون للمال ، وبالفتح اسم للملتقط ، لأن ما جاء على وزن فعله مثل (همزه لمزه) فهو اسم فاعل وعلى كل فاللقطة لغة وعرفا هي المال ، إلا أن بعض الفقهاء أطلقوها تجوزا على ما يشمل الآدمي وهي الحر ، وبعضهم خصّها بالمال وأفرد للّقيط بابا آخر والدليل على مشروعيتها الأخبار الكثيرة.

منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (واللقطة يجدها الرجل ويأخذها قال : يعرّفها سنة ، فإن جاء لها طالب ، وإلا فهي كسبيل ماله) (١).

(٢) الترديد باعتبار الخلاف الواقع بين أهل اللغة والخليل بن أحمد ، وليس هو تعميما للمعنى.

(٣) قيد للأخير فقط كما هو واضح.

(٤) لا خلاف بينهم في أنها بالتسكين اسم للمال ، لكن بحثوا في أن التسكين من لحن العامة أو لا.

(٥) أي اسم اللقطة.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب اللقطة حديث ١.

٦٣

الإنسان (١) تغليبا(وفيه فصول).

الأول في اللقيط

(اللقيط) (٢) وهو فعيل بمعنى مفعول كطريح وجريح. ويسمى منبوذا (٣). واختلاف اسميه باعتبار حالتيه إذا ضاع فإنه ينبذ أولا أي يرمى ثم يلقط(وهو (٤) إنسان ضائع لا كافل له) (٥) حالة الالتقاط(ولا يستقل بنفسه) (٦) أي بالسعي على ما يصلحه ويدفع عن نفسه المهلكات الممكن دفعها عادة(فيلتقط الصبيّ (٧)

______________________________________________________

(١) أي اللقيط والملقوط.

(٢) اللقيط هو الملقوط ، لأن فعيل بمعنى مفعول كجريح وطريح ، فهما في معنى واحد ، هذا واعلم أنهم قسّموا الملقوط إلى أقسام ثلاثة ، وهي اللقيط للإنسان الملقوط ، والضالة للحيوان الملقوط ، واللقطة للمال الملقوط ، وقد صح التقسيم باعتبار أن لكل واحد من هذه الأقسام الثلاثة حكما يخصه كما سيأتي بيانه.

(٣) أي ويسمى اللقيط منبوذا ، والمنبوذ هو المطروح ، وقد صح تسميته بالمنبوذ وباللقيط باعتبار حالتيه ، فإنه ينبذ أولا ثم يلتقط.

(٤) أي اللقيط.

(٥) ففي النافع والقواعد والتذكرة أنه كل صبي ضائع لا كافل له حال الالتقاط ، وفي الجواهر أنه لا أجد خلافا في غير المميز.

وعلى كل احترز بالصبي عن البالغ ، فإنه مستغني عن الحضانة والتعهد فلا معنى لالتقاطه ، نعم لو وقع في معرض هلاك وجب تخلصه كفاية ، واحترز بالضائع عن غيره المنبوذ وإن لم يكن له كافل ، فإنه لا يصدق عليه اسم اللقيط ، وإن كانت كفالته واجبة كفاية كالضائع ، إلا أنه لا يسمى لقيطا.

واحترز بأنه لا كافل له عن الضائع المعروف النسب ، فإن أباه وجده ومن يجب عليه حضانته مختصون بحكمه ، ولا يلحقه حكم الالتقاط وإن كان ضائعا نعم يجب على من وجده أخذه وتسليمه إلى من يجب عليه حضانته كفاية من باب الحسبة.

(٦) احتراز عن البالغ العاقل ، لأنه وصف للصبي والمجنون.

(٧) الصبي إما مميز أو لا ، والثاني يجوز التقاطه ، لأنه المتيقن من نصوص اللقيط وسيأتي بعضها ، وهو المتيقن من كلام أهل اللغة والسيرة ، بلا خلاف فيه ولا إشكال.

والأول يجوز التقاطه كما عليه المشهور لصدق كونه لقيطا ، ولعجزه عن دفع ضروراته ، ولعجزه عن التربية والتعهد وإن كان قادرا على دفع ضروراته ، وعن البعض كما في ـ

٦٤

(والصبية) وإن ميّزا على الأقوى ، لعدم استقلالهما بأنفسهما(ما لم يبلغا) فيمتنع التقاطهما حينئذ (١) ، لاستقلالهما ، وانتفاء الولاية عنهما.

نعم لو خاف على البالغ التلف في مهلكة وجب إنقاذه كما يجب إنقاذ الغريق ، ونحوه ، والمجنون بحكم الطفل (٢) ، وهو داخل في إطلاق التعريف وإن لم يخصه في التفصيل وقد صرح بإدخاله في تعريف الدروس (٣). واحترز بقوله : لا كافل له ، عن معلوم الولي ، أو الملتقط (٤) (فإذا علم الأب ، أو الجد) وإن علا،

______________________________________________________

ـ الرياض عدم جواز التقاطه لبلوغه حدا يحفظ نفسه من الهلاك فيكون أمره إلى الحاكم كالبالغ.

وفيه : أن قوله تعالى : (قٰالَ قٰائِلٌ مِنْهُمْ لٰا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيٰابَتِ الْجُبِّ ، يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيّٰارَةِ ، إِنْ كُنْتُمْ فٰاعِلِينَ) (١) دال على إطلاق الالتقاط على يوسف عليه‌السلام ، وهو كان مميّزا كما تشهد به رؤياه التي قصّها على أبيه قبل رميه في البئر ، ومنه تعرف ضعف استثناء المحقق الثاني والشهيدين للمراهق قبل البلوغ ، لأنه مستغني عن التعهد والتربية فكان كالبالغ في حفظ نفسه ، ويدفعه إطلاق الالتقاط على يوسف وهو مستغني عن التعهد والتربية.

(١) حين بلوغهما.

(٢) فالمجنون وإن كان بالغا فهو غير مستقل بنفسه فلو ضاع ولا كافل له فهو يندرج تحت تعريف المصنف للّقيط هنا ، وقد صرّح بإدخاله في الدروس ، وتبعه الكركي والشارح في المسالك.

وعن الجواهر العدم لعدم شمول اللقيط لغة للمجنون البالغ ، ولعل العرف يساعد عليه أيضا كما في الجواهر ، هذا ووجوب حفظه عن التلف وإنقاذه من الهلكة كالعاقل لا يثبت له حكم الالتقاط ، ويكفي فيه إيصاله إلى الحاكم المتولي لأمره.

(٣) حيث قال في الدروس : (اللقيط كل صبي أو صبية أو مجنون ضائع لا كافل له).

(٤) أي معلوم الملتقط ، وهو الصبي الملقوط فإنه في يد الملتقط ، ويصدق أن له كافلا ، فلا يجوز التقاطه ثانيا ، بل لو ضاع أو نبذه الملتقط الأول فيرد إلى الملتقط الأول على تقدير ضياعه ، ويلزم يأخذه على تقدير نبذه ، لتعلق الحكم به بأخذه عند التقاطه أولا ، ولا دليل على سقوطه عنه بنبذه أو ضياع اللقيط.

__________________

(١) سورة يوسف ، الآية : ١٠.

٦٥

والأم وإن صعدت(أو الوصي ، أو الملتقط السابق) مع انتفاء الأولين (١) (لم يصح) التقاطه(وسلم إليهم) وجوبا ، لسبق تعلق الحق بهم فيجبرون على أخذه.

(ولو كان اللقيط مملوكا (٢) حفظ) وجوبا(حتى يصل إلى المالك) (٣) أو وكيله

______________________________________________________

(١) وهما الأب والجد إذا قرئت بالتثنية ، وهذا يكون بالنظر إلى عبارة الماتن ، ويصح قراءتها بالعكس فيكون جمعا يراد به الأب والجد والأم ، ويكون بالنظر إلى عبارة الشارح وهو الأولى.

(٢) إذا ضاع المملوك سواء كان ذكرا أم أنثى ، صغيرا كان أو كبيرا ، جاز التقاطه كما صرح بذلك غير واحد ، لأنه مال ضائع فيجوز التقاطه ، ويكون لقطة حينئذ لا لقيطا.

وبهذا يحصل الفرق بين الحر والمملوك حيث يشترط الصغر في الحر دون المملوك ، لأن المملوك لا يخرج بالبلوغ عن المالية بخلاف الحر فإنه يحفظ نفسه عند البلوغ عادة ، مع أن القصد من اللقيط حفظه وحضانته فيختص بالصغير.

هذا وعن الشيخ في المبسوط وجماعة أن جواز التقاط المملوك مختص بالصغير الذي لا يتحفظ بنفسه ، لأن البالغ يستقل بنفسه في الحفظ فيكون كالضالة الممتنعة بنفسها وهي البعير فقد ورد المنع عن التقاطها كما في صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سأل رجل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الشاة الضالة بالفلاة ، فقال للسائل : هي لك أو لأخيك أو للذئب ، قال : وما أحبّ أن أمسّها ، وسئل عن البعير الضالّ ، فقال للسائل : ما لك وله خفه حذاؤه ، وكرشه سقاؤه ، خلّ عنه) (١).

وفيه : أن المملوك الكبير مال فإذا ضاع يندرج تحت موضوع لقطة المال ، فيجوز التقاطه ، ويدل عليه صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (سألته عن اللقطة إذا كانت جارية هل يحلّ فرجها لمن التقطها؟ قال : لا ، إنما يحلّ له بيعها بما أنفق عليها) (٢) ، وهو صريح في جواز التقاطها ، وهي كبيرة قابلة لاستحلال فرجها.

(٣) إذا جاز التقاط المملوك فيجب حفظه لأنه مال للغير ، ويجب إيصاله إلى مالكه إن علم ولا يجوز تملكه كما عن العلامة في الإرشاد والشهيد في الدروس لصحيح علي بن جعفر المتقدم حيث حصر البيع بالإنفاق ولازمه عدم مشروعية التملك مطلقا ، فضلا عن أصالة بقاء المملوك على ملك مالكه وعن العلامة في القواعد قطع بجواز تملك الصغير بعد التفريق حولا ، وهو قول الشيخ في المبسوط وقوّاه الشارح في المسالك ، لأنه مال ضائع ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب اللقطة حديث ٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب اللقطة حديث ٨.

٦٦

ويفهم من إطلاقه عدم جواز تملكه (١) مطلقا ، وبه صرح في الدروس.

واختلف كلام العلامة. ففي القواعد قطع بجواز تملك الصغير بعد التعريف حولا. وهو قول الشيخ ، لأنه مال ضائع يخشى تلفه ، وفي التحرير أطلق المنع من تملكه محتجا بأن العبد يتحفظ بنفسه كالإبل. وهو (٢) لا يتم في الصغير (٣) ، وفي قول (٤) الشيخ قوة(٥).

ويمكن العلم برقبته (٦) بأن يراه يباع في الأسواق مرارا قبل أن يضيع ولا يعلم مالكه ، لا بالقرائن (٧) من اللون وغيره ، لأصالة الحرية.

(ولا يضمن) (٨) لو تلف ، أو أبق(إلا بالتفريط) للإذن في قبضه شرعا فيكون أمانة (٩).(نعم الأقرب المنع من أخذه) (١٠) أي أخذ المملوك(إذا كان)

______________________________________________________

ـ يخشى تلفه وكل مال ضائع يخشى تلفه يجوز التقاطه ، ويجوز تملكه بعد تعريفه حولا على ما سيأتي بيانه في لقطة المال ، وهو ضعيف للصحيح المتقدم ، وبه يستثنى حكم اللقطة من التملك بعد تعريفها سنة.

(١) أي إطلاق الماتن.

(٢) أي تملك المملوك كبيرا كان أو صغيرا.

(٣) أي احتجاج العلامة في التحرير.

(٤) لأنه لا يتحفظ بنفسه ، وعليه لا خلاف بين قولي العلامة في التحرير والقواعد.

(٥) وهو قول العلامة في القواعد.

(٦) أي ويعلم كون اللقيط مملوكا مع الجهل بمالكه برؤيته قبل ضياعه أنه يباع مرة بعد أخرى ، ولا يعلم مالكه ، هذا من جهة ومن جهة أخرى لا تكفي القرائن الظنية ولا اللون على أنه مملوك لأصالة الحرية.

(٧) أي ولا يمكن الاعتماد على رقيته بالقرائن ولا اللون.

(٨) بعد ما التقط المملوك فلو أبق أو ضاع من غير تفريط فلا يضمن الملتقط بلا خلاف فيه ولا إشكال ، لأن يد الملتقط على اللقيط يد أمانة شرعية ، للأذن له في الالتقاط من قبل الشارع فلا يكون مضمونا عليه لو تلف أو ضاع أو عاب في يده إلا مع تعد أو تفريط فيضمن بلا خلاف فيه ولا إشكال لعدوانه حينئذ.

(٩) أي أمانة شرعية لا مالكية.

(١٠) أي التقاطه.

(١١) كما هو قول الشيخ في المبسوط وجماعة وقد تقدم دليله.

٦٧

(بالغا (١) ، أو مراهقا) أي مقاربا للبلوغ ، لأنهما كالضالة الممتنعة (٢) بنفسها ، (بخلاف الصغير الذي لا قوة معه) على دفع المهلكات عن نفسه.

ووجه الجواز (٣) مطلقا (٤) أنه (٥) مال ضائع يخشى تلفه ، وينبغي القطع بجواز أخذه (٦) إذا كان مخوف التلف ولو بالإباق ، لأنه (٧) معاونة على البر ، ودفع لضرورة المضطر (٨). وأقل مراتبه (٩) الجواز (١٠). وبهذا (١١) يحصل الفرق بين الحر والمملوك ، حيث اشترط في الحر الصغر ، دون المملوك ، لأنه (١٢) لا يخرج بالبلوغ عن المالية (١٣) ، والحر إنما يحفظ عن التلف ، والقصد من لقطته حضانته وحفظه فيختص (١٤) بالصغير ، ومن ثمّ قيل (١٥) : إن المميز (١٦) لا يجوز لقطته.

______________________________________________________

(١) عن المهلكات.

(٢) أي جواز التقاط المملوك.

(٣) كبيرا كان أو صغيرا.

(٤) أي المملوك.

(٥) أي التقاط المملوك ولو كان كبيرا.

(٦) أي أخذ المملوك والتقاطه ولو كان كبيرا.

(٧) وقد قال تعالى : (وَتَعٰاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوىٰ) (١).

(٨) وهو المالك.

(٩) أي مراتب التعاون على البر ، ومراتب دفع ضرورة المضطر.

(١٠) قال في الجواهر بعد ما ذهب إلى جواز التقاط المملوك ولو كان كبيرا مستدلا عليه بصحيح علي بن جعفر قال : (كما أن الاستدلال على المختار بالمعاونة والإحسان عند خوف التلف ، حتى أنه قال في الروضة : ينبغي القطع بالجواز مع ذلك ، لا يخلو من نظر ، ضرورة عدم ثبوت الالتقاط الذي له أحكام مخصوصة بذلك ، وإلا فنصوص رد الآبق كثيرة ، فالعمدة حينئذ ما ذكرناه) انتهى.

(١١) من جواز التقاط المملوك ولو كان كبيرا ، لأنه مال ضائع يخشى تلفه.

(١٢) أي المملوك.

(١٣) وهي السبب في جواز الأخذ.

(١٤) أي يختص التقاط الحر.

(١٥) كما عن البعض على ما في الرياض وقد تقدم بحثه فراجع.

(١٦) أي المميز الحر.

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية : ٢.

٦٨

(ولا بد من بلوغ الملتقط وعقله) (١) فلا يصح التقاط الصبي والمجنون بمعنى أن حكم اللقيط في يديهما ما كان عليه قبل اليد ، ويفهم من إطلاقه (٢) اشتراطهما (٣) ، دون غيرهما : أنه (٤) لا يشترط رشده (٥) فيصح من السفيه ، لأن حضانة اللقيط ليست مالا. وإنما يحجر على السفيه له (٦) ، ومطلق كونه (٧) مولّى عليه غير مانع (٨).

واستقرب المصنف في الدروس اشتراط رشده ، محتجا بأن الشارع لم يأتمنه على ماله فعلى الطفل وماله أولى بالمنع ، ولأن الالتقاط ائتمان شرعي والشرع لم يأتمنه.

______________________________________________________

(١) هذا واعلم أنه إذا التقط العبد ولم يوجد من ينفق عليه أنفق عليه نفس الملتقط بنية الرجوع على مالكه ، فإن تعذر عليه استيفاء المنفعة من المالك باعه في النفقة ، لصحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (سألته عن اللقطة إذا كانت جارية ، هل يحلّ فرجها لمن التقطها؟ قال : لا ، إنما يحلّ له بيعها بما أنفق عليها) (١).

(٢) شروع في شروط الملتقط ، فيشترط فيه البلوغ والعقل بلا خلاف فيه فلا يصح التقاط الصبي والمجنون لقصورهما عن الولاية والحضانة وعدم أهليتهما لشي‌ء من ذلك.

ولو فرض التقاط الصبي والمجنون فحكم اللقيط باق على ما كان عليه قبل اليد ، فما عن التذكرة أنه بذلك يخرج عن حكم اللقيط وتكون الولاية للحاكم ليس في محله. هذا وعن الأكثر عدم اعتبار الرشد ، لأن السفيه محجور في التصرف وليست حضانته مالا حتى يمنع منها ، وكونه مولى عليه لا يمنع من ولايته.

وعن الدروس اشتراط الرشد محتجا بأن الشارع لم يأتمنه على ماله فعلى الطفل وماله أولى بالمنع ، وبأن الالتقاط ائتمان شرعي والشرع لم يأتمنه.

وفيه : أن الشارع لم يأتمنه على المال ، أما على غيره فلا بل جوّز له التصرف فيه.

(٣) أي إطلاق الماتن.

(٤) أي اشتراط البلوغ والعقل.

(٥) أن الشأن والواقع.

(٦) أي للمال.

(٧) أي كون السفيه.

(٨) أي غير مانع من ولايته على غيره.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب اللقطة حديث ٨.

٦٩

وفيه نظر ، لأن الشارع إنما لم يأتمنه على المال ، لا على غيره ، بل جوّز تصرفه في غيره (١) مطلقا (٢) ، وعلى تقدير أن يوجد معه (٣) مال يمكن الجمع بين القاعدتين الشرعيتين وهما : عدم استئمان البذر على المال وتأهيله (٤) لغيره (٥) من التصرفات التي من جملتها الالتقاط والحضانة ، فيؤخذ المال منه (٦) خاصة (٧).

نعم لو قيل : إن صحة التقاطه (٨) يستلزم وجوب إنفاقه (٩). وهو (١٠) ممتنع من المبذر ، لاستلزامه (١١) التصرف المالي ، وجعل التصرف فيه (١٢) لآخر يستدعي الضرر على الطفل بتوزيع أموره (١٣) ، أمكن (١٤) تحقق الضرر بذلك (١٥) وإلا (١٦) فالقول بالجواز أجود.

(وحريته) (١٧) فلا عبرة بالتقاط العبد(إلا بإذن السيد) ، لأن منافعه

______________________________________________________

(١) أي غير المال.

(٢) سواء كان له أم لغيره.

(٣) مع اللقيط.

(٤) أي تأهيل المبذر السفيه بمعنى كونه أهلا.

(٥) أي لغير المال.

(٦) من الملتقط السفيه ، وهو المال الذي بحوزة اللقيط.

(٧) دون اللقيط.

(٨) أي التقاط السفيه.

(٩) أي إنفاق السفيه على اللقيط.

(١٠) أي الإنفاق.

(١١) أي الإنفاق.

(١٢) في الإنفاق على اللقيط.

(١٣) بأن تكون حضانته على شخص وإنفاقه على آخر ، فضلا عن أن الولاية أمر واحد فلا تتجزى فإما أن تثبت مطلقا أو تنتفي مطلقا.

(١٤) جواب لقوله : (نعم لو قيل).

(١٥) بتوزيع أموره.

(١٦) أي وإن لم يتحقق الضرر على الطفل بتوزيع أموره فالقول بجواز التقاط السفيه له مع جعل إنفاقه على آخر أجود.

(١٧) يشترط في الملتقط الحرية ، فلا يصح التقاط العبد بلا إشكال ولا خلاف ، لأنه لا يقدر ـ

٧٠

له (١) ، وحقه (٢) مضيق ، فلا يتفرغ (٣) للحضانة ، أما لو أذن له فيه (٤) ابتداء (٥) أو أقره عليه (٦) بعد وضع يده (٧) جاز ، وكان السيد في الحقيقة هو الملتقط والعبد نائبه ، ثم لا يجوز للسيد الرجوع فيه (٨).

ولا فرق (٩) بين القنّ ، والمكاتب ، والمدبّر ، ومن تحرر بعضه ، وأم الولد ،

______________________________________________________

ـ على شي‌ء إذ هو مشغول باستيلاء المولى على منافعه حتى ورد في الخبر عن أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سأله ذريح عن المملوك يأخذ اللقطة ، فقال : وما للمملوك واللقطة ، والمملوك لا يملك من نفسه شيئا فلا يعرض لها المملوك) (١) بلا فرق بين القن والمدبر والمكاتب ولو تحرر بعضه وأم الولد ، لأن منافعه للمولى ، واللقطة تحتاج إلى التعريف سنة ، هذا في غير الذي تحرر بعضه ، وأما فيه فالالتقاط يستدعي الحضانة منه وهي مستلزمة للتصرف في حق المولى المتعلق به ، فيتوقف التقاطه على إذن مولاه ، نعم لو أذن له المولى صح ، كما لو أخذه المولى ودفعه إليه ، بلا خلاف فيه ، ويكون الملتقط في الحقيقة هو المولى والعبد نائبه ، فيلحقه أحكامها دون العبد.

نعم يجب على العبد إنقاذ الطفل الضائع الذي لا كافل له كما يجب عليه إنقاذ غيره عند الوقوع في الهلكة بلا خلاف فيه ولا إشكال ، إلا أن ذلك ليس من الالتقاط بشي‌ء ، ويجب عليه الإنقاذ من باب حفظ النفس بالوجوب العقلي الكفائي ، فما عن الشهيد في الدروس أنه يجوز التقاطه حينئذ ليس في محله.

(١) أي لأن منافع العبد للسيد.

(٢) أي حق العبد في نفسه مضيق لأنه ليس له إلا الصلاة والنوم ولا يحفظ نفسه من الأكل والشرب ، دون حفظ غيره.

(٣) أي العبد.

(٤) أي أما لو أذن السيد للعبد في الالتقاط.

(٥) أي قبل الالتقاط.

(٦) على الالتقاط.

(٧) أي يد العبد.

(٨) أي في الاذن على ما صرح به الفاضل والكركي والشهيدان ، لأنه هو الملتقط حقيقة فلا يجوز له الإعراض عن اللقيط بعد أخذه.

(٩) أي في العبد الذي لا يجوز التقاطه.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب اللقطة حديث ١.

٧١

لعدم جواز تبرع واحد منهم بماله ، ولا بمنافعه (١) إلا بإذن السيد ، ولا يدفع ذلك (٢) مهاياة المبعض (٣) وإن وفّى زمانه (٤) المختص بالحضانة ، لعدم لزومها (٥) فجاز تطرق المانع (٦) كل وقت.

نعم لو لم يوجد للّقيط كافل غير العبد وخيف عليه (٧) التلف بالإبقاء فقد قال المصنف في الدروس : إنه يجب حينئذ (٨) على العبد التقاطه (٩) بدون إذن المولى. وهذا (١٠) في الحقيقة لا يوجب إلحاق حكم اللقطة ، وإنما دلت الضرورة على الوجوب (١١) من حيث إنقاذ النفس المحترمة من الهلاك ، فإذا وجد من له أهلية الالتقاط وجب عليه (١٢) انتزاعه منه (١٣) وسيده من الجملة (١٤) ، لانتفاء (١٥)

______________________________________________________

(١) وهذا ما قاله في التذكرة وفيه : أن من تحرر بعضه فله التبرع بمقدار ما فيه من الحرية ، نعم ليس له الحضانة لأنه يلزم منه التصرف في حق المولى.

(٢) من عدم جواز التقاط من تحرر بعضه.

(٣) المهاياة هي تقسيم الوقت بين المولى والعبد الذي تحرر بعضه ، فلو هاياه مولاه ، وكان زمن العبد وافيا بحضانة اللقيط لوجب القول بجواز التقاطه المبعّض.

ومع ذلك لا يجوز الالتقاط لعدم لزوم المهاياة فيجوز لكل من المولى والعبد فسخها ، فجاز تطرق المانع الذي يمنع الحضانة في كل وقت ، وهي لازمة للملتقط ، لذلك لم نجوّز التقاط المبعّض.

(٤) أي زمان المبعّض.

(٥) أي لزوم المهاياة على كل من المولى والعبد.

(٦) أي المانع من الحضانة.

(٧) على اللقيط.

(٨) حين عدم الكافل غير العبد.

(٩) قد تقدم الكلام فيه.

(١٠) أي وجوب أخذه ، وهو إشكال من الشارح على ما قاله المصنف في الدروس.

(١١) أي وجوب أخذه.

(١٢) على من له أهلية الالتقاط.

(١٣) أي انتزاع اللقيط من العبد.

(١٤) أي جملة من له أهلية الالتقاط.

(١٥) تعليل لوجوب انتزاع اللقيط من العبد.

٧٢

أهلية العبد له (١).

(وإسلامه (٢) إن كان اللقيط محكوما بإسلامه) لانتفاء السبيل للكافر على المسلم ، ولأنه لا يؤمن أن يفتنه (٣) عن دينه ، فإن التقطه الكافر لم يقرّ في يده ، ولو كان اللقيط محكوما بكفره جاز التقاطه للمسلم ، وللكافر (٤) ، لقوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيٰاءُ بَعْضٍ) (قيل) والقائل الشيخ والعلامة في غير التحرير : (وعدالته (٥) ، لافتقار الالتقاط إلى الحضانة وهي استئمان لا يليق

______________________________________________________

(١) للالتقاط.

(٢) أي ويشترط في الملتقط الإسلام إذا كان اللقيط محكوما بالإسلام ظاهرا ، كما إذا أخذ من دار الإسلام على المشهور في ذلك ، لأن الالتقاط نوع سبيل وقال تعالى : (وَلَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) (١) ، ولأنه لا يؤمن مخادعته في الدين لو كان الملتقط كافرا ، وقد ورد في النصوص تعليل المنع عن تزويج العارفة من المخالف بأن المرأة تأخذ من أدب زوجها (٢) ، وقد تقدم عرض بعضها في كتاب النكاح.

فما عن المحقق في الشرائع والنافع وتلميذه الآبي من التردد في الحكم لأصالة الجواز ، ولأن الالتقاط ليس سبيلا عليه حتى يمنع ليس في محله ، لأن الالتقاط فيه نوع من السبيل لاستلزامه الحضانة ، والسبيل منفي بالآية المتقدمة ، وبه تنقطع أصالة الجواز.

(٣) ضمير الفاعل للكافر وضمير المفعول للّقيط.

(٤) بلا إشكال فيه ، للأصل ، ولكون المانع مختصا بغير هذا الفرض ، ولقوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيٰاءُ بَعْضٍ) (٣).

واللقيط المحكوم بالكفر هو المأخوذ في دار الحرب والكفر مع عدم إمكان تولده من مسلم هناك.

(٥) فعن الشيخ في المبسوط والعلامة في بعض كتبه اعتبار العدالة في الملتقط ، وعن الأكثر عدمه ، وعن المحقق الثاني التفصيل بين ما إذا كان للقيط مال فالأول ، وإلا فالثاني.

ووجه الأول أن الالتقاط يفتقر إلى الحضانة ، وهي استئمان لا تليق بالفاسق ، وأيضا لا يؤمن أن يسترقه ويأخذ ماله.

ووجه الثاني ، لأصالة الجواز ، ولأن المسلم محل الأمانة مع أنه ليس استئمانا حقيقيا ، ـ

__________________

(١) سورة النساء ، الآية : ١٤١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر حديث ٢ من كتاب النكاح.

(٣) سورة الأنفال ، الآية : ٧٣.

٧٣

بالفاسق ، ولأنه لا يؤمن أن يسترقه ويأخذ ماله.

والأكثر على العدم ، ولأن المسلم محل الأمانة ، مع أنه (١) ليس استئمانا حقيقيا ، ولانتقاضه (٢) بالتقاط الكافر مثله ، لجوازه (٣) بغير خلاف.

وهذا هو الأقوى ، وإن كان اعتباره (٤) أحوط. نعم لو كان له (٥) مال فقد قيل (٦) : باشتراطها (٧) ، لأن الخيانة في المال (٨) أمر راجح الوقوع.

ويشكل. بإمكان الجمع (٩) بانتزاع الحاكم ماله منه (١٠) كالمبذّر وأولى بالجواز التقاط المستور (١١) ، والحكم بوجوب نصب الحاكم مراقبا عليه (١٢) لا يعلم به إلى أن تحصل الثقة به ، أو ضدها فينتزع منه ، بعيد (١٣).

______________________________________________________

ـ ولأنه يجوز التقاط الكافر لمثله مع أنه قد يسترقه ويأخذ ماله. ووجه الثالث أن الخيانة في المال من الفاسق راجح الوقوع فيمنع من التقاطه ، والأقوى ما عليه الأكثر للسيرة وإطلاق الأدلة ، والأصل في المسلم الائتمان ولذا ائتمنه الشارع في كثير من الأمور كالطهارة والتذكية.

(١) أي الالتقاط.

(٢) أي انتقاض القول الأول.

(٣) أي جواز التقاط الكافر مثله ، مع أنه لا يؤمن أن يسترقه ويأخذ ماله.

(٤) أي اعتبار العدالة.

(٥) للقيط.

(٦) كما عن المحقق الثاني.

(٧) أي العدالة.

(٨) من الفاسق.

(٩) بين جواز التقاط الفاسق للصبي ، وعدم جواز ولايته على مال اللقيط.

(١٠) أي بانتزاع الحاكم مال اللقيط من الفاسق كما قلناه في السفيه المبذّر.

(١١) أي مستور الحال وهو من لم يعلم عدالته ولا فسقه ، وهو أولى بالجواز من معلوم الفسق ، ووجه الأولوية عدم الحكم بالفسق على مستور الحال.

(١٢) على مستور الحال ليعرف أمانته ولكن بحيث لا يؤذيه كما في الدروس.

(١٣) خبر لقوله (والحكم بوجوب نصب الحاكم ...) ووجه البعد أنه يجوز لمستور الحال فضلا عن الفاسق الالتقاط ، ولهما الولاية والحضانة على اللقيط لما تقدم من الأدلة.

٧٤

(وقيل) : يعتبر أيضا(حضره (١) ، فينتزع من البدوي ومن يريد السفر به (٢) ، لأداء التقاطهما (٣) له (٤) إلى ضياع نسبه بانتقالهما عن محل ضياعه الذي هو مظنة ظهوره (٥).

ويضعّف بعدم لزوم ذلك (٦) مطلقا (٧) ، بل جاز العكس (٨) ، وأصالة عدم الاشتراط (٩) تدفعه (١٠) ، فالقول بعدمه (١١) أوضح ، وحكايته (١٢) اشتراط هذين (١٣) قولا يدل على تمريضه. وقد حكم في الدروس بعدمه (١٤) ، ولو لم يوجد غيرهما (١٥) لم ينتزع قطعا ، وكذا لو وجد مثلهما

(والواجب) على الملتقط(حضانته بالمعروف) (١٦)

______________________________________________________

(١) أي يشترط في الملتقط الحضر كما عن الشيخ في المبسوط ، فلو التقطه البدوي الذي لا استقرار له أو حضري يريد السفر به ينتزع من يده ، لأنه يؤدي إلى ضياع نسبه في بلد الغربة ، حيث يطلب غالبا في محل الالتقاط.

وعن العلامة والمحقق الثاني والشهيدين وجماعة الجواز ، عملا بالأصل ، وعدم صلاحية ما ذكر للمانعية ، لعدم انضباط الحال في ذلك فقد يؤدي السفر به إلى ظهور نسبه ، بأن كان أصله من مكان بعيد عن محل الالتقاط ويدخله المسافر اتفاقا.

(٢) باللقيط.

(٣) وهما البدوي ومن يريد السفر.

(٤) للقيط.

(٥) أي ظهور النسب.

(٦) من ضياع النسب.

(٧) أي في كل الأحوال.

(٨) بأن يكون السفر به مؤديا إلى ظهور نسبه.

(٩) أي عدم اشتراط الحضرية.

(١٠) أي تدفع القول باشتراط الحضرية.

(١١) بعدم الاشتراط.

(١٢) أي حكاية الماتن.

(١٣) من العدالة والحضرية.

(١٤) أي بعدم اشتراط العدالة وعدم اشتراط الحضرية.

(١٥) غير الفاسق والبدوي.

(١٦) المشهور بين الأصحاب أن الواجب على الملتقط حضانته بالمعروف ، والمعروف من الحضانة ـ

٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ هو التعهد والقيام بضرورة تربيته بنفسه أو بغيره ، ولا يجب عليه الإنفاق من ماله ابتداء ، للأصل ، ولما دل من النصوص (١) على حصر من يجب الإنفاق عليه في أصناف الوالدين والزوجة والأولاد والخادم على ما تقدم في كتاب النكاح ، وليس اللقيط واحدا منهم.

وعليه فإن كان للصبي مال ينفق عليه منه بإذن الحاكم ، لأصالة عدم جواز التصرف في ماله بغير إذن وليّه وكذا لو وجد مال موقوف على أمثاله أو موصى به لأمثاله نعم ، مع تعذر الاذن ينفق عليه الملتقط بنفسه بدون الإذن ، وان لم يكن له مال فإن وجد سلطان يستعان به على نفقته من باب المال فيجب على السلطان الإنفاق ، لأن بيت المال معدّ لمصالح المسلمين ، أو ينفق عليه من الزكاة على تقدير وجودها من سهم الفقراء والمساكين ، أو من سهم سبيل الله.

وإن لم يوجد سلطان ووجد من ينفق عليه من الزكاة فكذلك ، وإن لم يوجد فيستعين بالمسلمين فإن وجد فيهم متبرع فهو ، وإلا فيجب على الجميع بما فيهم الملتقط الإنفاق على اللقيط ، من باب الوجوب الكفائي لرفع ضرورة المضطر وحفظ نفسه من التلف والهلاك.

وإن تعذر ذلك كله أنفق الملتقط ويرجع عليه إذا أيسر اللقيط وقد نوى الملتقط الرجوع ، وإلا فلا يجوز له الرجوع.

وقد تردد المحقق الحلي في الشرائع في وجوب الإنفاق على المسلمين كفاية عند تعذر السلطان ، لإمكان الإنفاق عليه بالإقراض والرجوع عليه بعد قدرة اللقيط على الأداء ، وخالف ابن إدريس في جواز الرجوع على اللقيط بعد البلوغ إذا أنفق عليه الملتقط ، هذا والوارد في المسألة أخبار.

منها : خبر إسماعيل المدائني عن أبي عبد الله عليه‌السلام (المنبوذ حر ، فإن أحب أن يوالي غير الذي رباه والاه ، فإن طلب منه الذي رباه النفقة وكان موسرا ردّ عليه ، وإن كان معسرا كان ما أنفقه عليه صدقة) (٢) ، وخبر محمد بن أحمد (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن اللقيطة ، فقال : لا تباع ولا تشترى ولكن تستخدمها بما أنفقت عليها) (٣).

وهي ظاهرة في جواز إنفاق الملتقط والرجوع عليه من دون الرجوع إلى السلطان أو المسلمين ، وهذا ما قوّاه صاحب الجواهر.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب النفقات من كتاب النكاح.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من كتاب اللقطة حديث ٢ و ٤.

٧٦

وهو (١) تعهده ، والقيام بضرورة تربيته بنفسه (٢) ، أو بغيره ، ولا يجب عليه الإنفاق عليه من ماله (٣) ابتداء ، بل من مال اللقيط الذي وجد تحت يده ، أو الموقوف على أمثاله ، أو الموصى به لهم (٤) بإذن الحاكم مع إمكانه (٥) ، وإلا (٦) أنفق بنفسه (٧) ولا ضمان.

(ومع تعذره (٨) ينفق عليه من بيت المال) برفع الأمر إلى الإمام لأنه (٩) معد للمصالح وهو (١٠) من جملتها ، (أو الزكاة) من سهم الفقراء والمساكين ، أو سهم سبيل الله إن اعتبرنا البسط (١١) ، وإلا (١٢) فمنها (١٣) مطلقا (١٤) ، ولا يترتب أحدهما على الآخر (١٥).

______________________________________________________

ـ ولكن الجمع بين هذه النصوص وبين كون نفقة اللقيط من باب دفع الضرورة الثابتة على جميع المسلمين ولا خصوصية للملتقط بالالتقاط يقتضي الذهاب إلى المشهور ، ولا بد من نية الرجوع في الرجوع حتى يتحقق عنوان إقراضه.

(١) أي المعروف من الحضانة.

(٢) بنفس الملتقط.

(٣) أي ولا يجب على الملتقط الإنفاق على اللقيط.

(٤) لأمثاله.

(٥) أي إمكان الاذن.

(٦) إن لم يمكن الاذن.

(٧) أي أنفق الملتقط بنفسه من مال اللقيط من دون إذن الحاكم ولا ضمان عليه ، لأنه أنفق عليه ماله لحفظ نفسه فلا يعتبر تعديا ولا تفريطا ، بل هو إحسان منه.

(٨) أي تعذر مال اللقيط ، وكذا مال الموقوف على مثله والموصى به له.

(٩) أي بيت المال.

(١٠) أي الإنفاق على اللقيط المذكور.

(١١) أي البسط على الأصناف الثمانية.

(١٢) إن لم نعتبر البسط.

(١٣) من الزكاة.

(١٤) من دون تعيين سهم خاص.

(١٥) أي وليس الإنفاق من الزكاة مترتبا على الإنفاق من بيت المال ، وإن ذكر قبله ، بل يجوز من كل منهما مع وجودهما.

٧٧

(فإن تعذّر) ذلك (١) كله(استعان) الملتقط(بالمسلمين) ويجب عليهم مساعدته بالنفقة كفاية ، لوجوب إعالة المحتاج كذلك (٢) مطلقا (٣) فإن وجد متبرع منهم ، وإلا كان الملتقط ، وغيره ممن لا ينفق إلا بنية الرجوع سواء في الوجوب.

(فإن تعذر أنفق) (٤) الملتقط(ورجع عليه) بعد يساره (٥) (إذا نواه) (٦) ولو لم ينوه كان متبرعا لا رجوع له ، كما لا رجوع له (٧) لو وجد المعين المتبرع فلم يستعن به (٨) ، ولو أنفق غيره (٩) بنية الرجوع فله (١٠) ذلك (١١).

والأقوى عدم اشتراط الأشهاد في جواز الرجوع (١٢) وإن توقف ثبوته عليه (١٣) بدون اليمين ، ولو كان اللقيط مملوكا ولم يتبرع عليه متبرع بالنفقة رفع

______________________________________________________

(١) من بيت المال والزكاة.

(٢) أي كفاية.

(٣) بلا فرق بين الملتقط وغيره ، وليس الملتقط أولى بالوجوب من ناحية الالتقاط.

(٤) أي تعذر إنفاق الغير ولو بنية الرجوع.

(٥) أي ويرجع الملتقط على اللقيط بعد يسار الثاني.

(٦) أي نوى الملتقط الرجوع.

(٧) للملتقط وإن نوى الرجوع.

(٨) لأن رجوع الملتقط على اللقيط بما أنفقه ضرر على اللقيط في صورة وجود المتبرع ، والضرر منفي بالشريعة.

(٩) أي غير الملتقط.

(١٠) أي للملتقط.

(١١) من الإنفاق عليه بنية الرجوع ، وله الرجوع حينئذ لاشتراك الجميع في المقتضي.

(١٢) لا يجب على الملتقط الإشهاد لإثبات أن الإنفاق بنية الرجوع حتى يجوز له فيما بعد الرجوع على اللقيط عند إيساره ، كما صرح بذلك غير واحد ـ كما في الجواهر ـ لإطلاق الخبرين المتقدمين.

وعن العلامة في التذكرة اعتبار الإشهاد ، لأنه مع عدم الحاكم فيكون الإشهاد قائما مقام إذنه ، وهو ضعيف لعدم الدليل على هذه الملازمة.

(١٣) أي وإن توقف جواز الرجوع على الإشهاد لو ادعى أنه أنفق بنية الرجوع ، ولا يكتفي منه باليمين لأنه مدعي أن الإنفاق بنية الرجوع والأصل العدم.

٧٨

أمره إلى الحاكم لينفق عليه (١) ، أو يبيعه في النفقة (٢) ، أو يأمره به (٣) ، فإن تعذر (٤) أنفق (٥) عليه بنية الرجوع (٦) ثم باعه فيها (٧) إن لم يمكن بيعه تدريجا.

(ولا ولاء عليه للملتقط) (٨) ، ولا لغيره من المسلمين ، خلافا للشيخ بل هو سائبة يتولى من شاء ، وإن مات ولا وارث له (٩) فميراثه للإمام.

(وإذا خاف) واجده عليه التلف(وجب (١٠) أخذه كفاية) كما يجب حفظ كل

______________________________________________________

(١) من بيت المال أو الزكاة على التفصيل المتقدم في الحر.

(٢) أي يبيعه الحاكم بثمن نفقته.

(٣) أي يأمر الحاكم الملتقط بالبيع المذكور.

(٤) أي تعذر الحاكم.

(٥) أي الملتقط.

(٦) لأنه مع عدمها يكون متبرعا.

(٧) في النفقة.

(٨) لا ولاء للملتقط على اللقيط ، بل اللقيط سائبة يتولى من شاء ، بلا خلاف معتدّ فيه بيننا ، للأصل ، وللأخبار.

منها : خبر المدائني عن أبي عبد الله عليه‌السلام (المنبوذ حر ، فإن أحب أن يوالي غير الذي رباه وألاه) (١) ، وخبر العرزمي عن أبي عبد الله عن أبيه عليه‌السلام (المنبوذ حر ، فإذا كبر فإن شاء توالى الذي التقطه ، وإلا فليردّ عليه النفقة وليذهب فليوال من شاء) (٢) ، بالإضافة إلى النبوي (إنما الولاء لمن أعتق) (٣) ، وهو يدل على الحصر.

وخالف في ذلك بعض العامة فأثبت ولائه للملتقط وهو ضعيف ، وتبعه عليه الشيخ منا.

(٩) نسبا وولاية.

(١٠) أخذ اللقيط واجب على الكفاية كما عليه المعظم والأكثر ، لأنه تعاون على البر ، ولأنه دفع لضرورة المضطر ، وفيه أن التعاون على البر مستحب وليس بواجب ، وأن البحث في الالتقاط بما هو هو لا في حفظه من التلف ودفع الضرورة عنه الذي هو أعم من الالتقاط.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من كتاب اللقطة حديث ٢ و ٣.

(٣) سنن البيهقي ج ١٠ ص ٢٩٥.

٧٩

نفس محترمة عنه (١) مع الإمكان ، (وإلا) يخف عليه التلف(استحب) أخذه ، لأصالة عدم الوجوب مع ما (٢) فيه من المعاونة على البر.

وقيل : بل يجب كفاية مطلقا (٣) ، لأنه معرّض للتلف ، ولوجوب إطعام المضطر ، واختاره المصنف في الدروس.

وقيل (٤) : يستحب مطلقا (٥) ، لأصالة البراءة ، ولا يخفى ضعفه.

(وكل ما بيده) (٦) عند التقاطه من المال ، أو المتاع كملوبسه ، والمشدود في ثوبه(أو تحته) كالفراش ، والدابة المركوبة له(أو فوقه) كاللحاف ، والخيمة ، والفسطاط (٧) التي لا مالك لها معروف(فله (٨) ، لدلالة اليد ظاهرا على الملك.

______________________________________________________

ـ وعلى كل فلا يفيد الدليلان إلا الاستحباب ولذا ذهب إلى ذلك المحقق في الشرائع والنافع وصاحب الجواهر ، وعن الشهيد في الدروس واللمعة هنا التفصيل بين الخوف عليه من التلف وعدمه ، والوجوب بالأول والاستحباب بالثاني ، والظاهر أن التفصيل راجع إلى القول بالاستحباب لأن اللام في الالتقاط بما هو هو لا فيما توقف عليه حفظ النفس ، وإلا فلا يظن بأحد أن يشك في الوجوب حينئذ ، ولا يختص ذلك باللقيط بل الحكم يشمل غيره حتى الكبير.

(١) عن التلف.

(٢) دليل على استحبابه أيضا.

(٣) مع خوف التلف وعدمه.

(٤) كما عن المحقق في الشرائع والنافع.

(٥) حتى مع خوف التلف ، وقد عرفت ما في هذا القيد من الضعف.

(٦) لما كان الأصل في اللقيط الحرية ما لم يعرف غيرها فهو قابل للملك ، وله أهلية التملك والملك فتكون يده كيد البالغ أمارة الملكية ، بلا خلاف فيه ، وعليه فإذا وجد عليه حال الالتقاط ثوب قضى له به ، وكذا ما يوجد تحته أو فوقه من فراش أو غطاء أو غيرهما ، وكذا ما يكون مشدودا في ثيابه أو في جيبه أو مشدودا عليه ، وكذا لو كان على دابة أو وجد في خيمة أو فسطاط ، وكذا لو وجد في دار لا مالك لها ، لأن يده على الجميع بعد كون يد كل شي‌ء بحسب حاله.

(٧) بضم الفاء وكسرها بيت من الشعر كما في مصباح المنير.

(٨) فللقيط.

٨٠