الزبدة الفقهيّة - ج ٨

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٨

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: كيميا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-6307-61-2
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٤٠٠

(الحاصل) بينهما ، لتساويهما في سبب الاستحقاق ، وإمكان الجمع بينهما فيه (١) بالقسمة ، وإن (٢) لم يمكن الجمع بينهما للأخذ (٣) من مكان واحد.

هذا (٤) إذا لم يزد المعدن عن مطلوبهما ، وإلا (٥) أشكل القول بالقسمة لعدم اختصاصهما به (٦) حينئذ (٧) ، (وإلا) يمكن القسمة بينهما لقلة المطلوب (٨) ، أو لعدم قبوله لها (٩) (أقرع) ، لاستوائهما في الأولوية وعدم إمكان الاشتراك ، واستحالة الترجيح فأشكل المستحق فعيّن بالقرعة ، لأنها (١٠) لكل أمر مشكل أخرجته القرعة أخذه أجمع ، ولو (١١) زاد عن حاجتهما ولم يمكن أخذهما دفعة

______________________________________________________

ـ برضاهما فلا بحث ، وإن لم يمكن الجمع أقرع بينهما لاستوائهما في الأولوية مع عدم إمكان الاشتراك واستحالة الترجيح فأشكل المستحق ، والقرعة لكل أمر مشكل ، وعليه فمن أخرجته القرعة ، قدّم ويأخذ حاجته.

وقيل كما في الشرائع والتذكرة أنه ينصب الحاكم من يقسّمه بينهما لاستوائهما في الاستحقاق مع انتفاء المرجح لأحدهما بالتقديم واستحسنه المحقق في الشرائع وغيره ، وقيّده الشارح والماتن في المسالك والدروس بقبول المعدن للقسمة وإلا فمع العدم فالقرعة أحسن.

(١) في الحاصل.

(٢) وصلية.

(٣) تعليل لعدم إمكان الجمع بينهما من ناحية ضيق المكان ، ومع ذلك فالقسمة لأن الحاصل قابل للقسمة بينهما مع إيفاء غرض كل منهما بالمقسوم.

(٤) أي الحكم بالقسمة بينهما.

(٥) فإن زاد.

(٦) أي لعدم اختصاص المتوافيين بالمعدن.

(٧) أي حين زيادته عن مطلوبهما ، ولا وجه للإشكال لأن المدار على تقسيم الحاصل لا تقسيم جميع المعدن.

(٨) أي لقلة الحاصل من المعدن فلا يفي بغرضهما ، والتفريق بين المعدن الذي يفي بالغرض وغيره مما ستأتي له تتمة فانتظر.

(٩) أو لعدم قبول الحاصل للقسمة.

(١٠) أي القرعة.

(١١) شرطية.

٢٠١

لضيق المكان (١) فالقرعة أيضا (٢) وإن أمكن القسمة. وفائدتها (٣) تقديم من أخرجته في أخذ حاجته (٤).

ومثله (٥) ما لو ازدحم اثنان على نهر ، ونحوه (٦) ولم يمكن الجمع (٧) ، ولو تغلب أحدهما على الآخر (٨) أثم وملك هنا (٩) ، بخلاف تغلبه على أولوية التحجير (١٠) ، والماء الذي لا يفي بغرضهما (١١). والفرق : إن الملك (١٢) مع

______________________________________________________

(١) فالسبب لعدم الجمع عرضي من ناحية ضيق مكان الأخذ وليس من ناحية قلة المطلوب أو عدم إمكان قسمته.

(٢) لأن تقديم أحدهما على الآخر في الأخذ مشكل بعد عدم ترجيح أحدهما على الآخر واستوائها في أصل التقديم.

(٣) أي القرعة هنا.

(٤) في أخذ حاجته أولا.

(٥) ومثل الورود على المعدن دفعة واحدة مع ضيق المكان.

(٦) مع ضيق المكان أيضا.

(٧) أي الجمع بينهما في التقديم والورود.

(٨) من دون الرجوع إلى القرعة ، مع الزيادة عن حاجتهما.

(٩) في المباح الذي تعلق به حق الجميع ، لتحقق الحيازة الموجبة للملك وإن كان آثما في المقدمات.

(١٠) فلو حجّر على شي‌ء متغلبا على الآخر من دون الرجوع إلى القرعة ، فالغلبة لا تفيد الملك لأن الأولوية لهما ، فلو تغلّب فلا يفيد التحجير حقا لتعلق حق الغير به.

(١١) بناء على أن الماء الذي لا يفي بغرضهما موجب للأولوية لهما ، فلو تغلّب أحدهما على الآخر فيأثم ولا يملك لتعلق حق الآخر به ، بخلاف الصورة السابقة فلم يتعلق حقهما بالماء المعين فلو أخذه المتغلب قهرا ملكه بسبب الحيازة وإن كان آثما بسبب القهر وعدم الرجوع إلى القرعة. وفي هذا الفرع بتمامه إشكال وهو أن الملك تابع للحيازة فلو حاز المتغلب ملك وإن كان مأثوما في مقدمات الحيازة ومثله القول في التغلب على أولوية التحجير ، وأما التفريق بين قلة الماء وعدم إيفاء الغرض وكثرته وإيفاء الغرض مما لا يرجع إلى محصّل ولذا قال في الجواهر بعد ما عرض هذا القول من الشارح في الروضة الذي تابع فيه المحقق الثاني في جامعه وعرض غيره من الأقوال : (وبالجملة كل ذلك مجرد تهجس لا تطابق عليه الأدلة التي مقتضاها ما ذكرناه ـ إلى أن قال ـ بل المتجه أيضا ترتب الملك على الحيازة المزبورة لو قهر صاحبه فمنعه منها وإن كان ظالما) انتهى.

(١٢) أي زيادة الماء عن غرضهما.

٢٠٢

الزيادة (١) لا يتحقق (٢) ، بخلاف ما لو لم يزد.

(و) المعادن(الباطنة (٣) تملك ببلوغ نيلها) وذلك (٤) هو احياؤها (٥) وما دونه تحجير ، ولو كانت (٦) على وجه الأرض (٧) ، أو مستورة بتراب يسير لا يصدق معه الإحياء عرفا لم يملك بغير الحيازة كالظاهرة (٨).

هذا (٩) كله إذا كان المعدن في أرض مباحة ، فلو كان في أرض مملوكة فهو بحكمها (١٠) ، وكذا لو أحيا أرضا مواتا فظهر معدن (١١) فإنه يملكه (١٢) وإن كان

______________________________________________________

(١) عند الورود دفعة ، بل يبقى الماء على إباحته فمن سبق إليه ملك وإن كان آثما في مقدمات السبق.

(٢) أي لم يزد الماء عن غرضهما فالأولوية لهما معا وقد تعلق حقهما فيه ، فحيازة المتغلب لا تفيد ملكا لتعلق حق الآخر به حينئذ.

(٣) المعادن الباطنة التي لا تظهر إلا بالعمل كمعادن الذهب والفضة والنحاس والرصاص ونحوها تملك بالإحياء الذي هو العمل حتى يبلغ نيلها ، بلا خلاف فيه بين من تعرض له كما في الجواهر سواء قلنا بأنها للإمام بناء على أن جميع المعادن له لأنها من الأنفال فهي تملك بالإحياء مع إذنه أم قلنا إنها للناس بمعنى إنها من المباحات فحيازتها حينئذ بالإحياء المذكور ، ومنه تعرف أنها إذا كانت من الأنفال فيكفي الإحياء من دون قصد التملك ، وإن كانت من المباح فتملك بالإحياء المحقّق للحيازة مع قصد التملك كما هو الشأن في ملكية كل مباح.

(٤) أي بلوغ النيل.

(٥) ولكن مع قصد التملك لأنها من المباحات ، ولذا قال في المسالك : (والأول منها يملك بالإحياء وهو الحفر والعمل فيه بقصد التملك إلى أن يبلغ نيله ، وقبل ظهوره يكون العمل تحجيرا يفيد أولوية لا ملكا كما لو حفر بئرا في الموات على قصد التملك فإنه إذا وصل إلى الماء ملكه وإلا فلا) انتهى.

(٦) أي المعادن الباطنة.

(٧) وكانت على وجه الأرض لسيل ونحوه.

(٨) أي كالمعادن الظاهرة فإنها تؤخذ بالحيازة مع قصد التملك.

(٩) أي حكم المعادن الباطنة من ملكها بإحيائها.

(١٠) أي فالمعدن بحكم الأرض المملوكة ، لأن المعدن جزء منها بلا خلاف فيه بيننا.

(١١) أي ظهر معدن باطن.

(١٢) تبعا للأرض بلا خلاف فيه ، لأن المعدن جزء منها فيملك المعدن بإحياء الأرض كما يملك جميع أجزائها به ، بلا فرق بين أن يعلم به حين إحيائها أو لا.

٢٠٣

ظاهرا (١) ، إلا أن يكون ظهوره سابقا على إحيائه (٢).

وحيث يملك المعدن يملك حريمه (٣) ، وهو منتهى عروقه عادة ، ومطرح ترابه ، وطريقه ، وما يتوقف عليه عمله (٤) إن عمله عنده (٥) ، ولو كان المعدن في الأرض المختصة بالإمام عليه‌السلام فهو له تبعا لها (٦) ، والناس في غيره (٧) شرع على الأقوى. وقد تقدم الكلام في باب الخمس.

______________________________________________________

(١) فكذلك يملكه تبعا لملكية الأرض.

(٢) فإنه لا يملكه إلا بالحيازة ، وفيه أن التفريق بين الظاهر والباطن مشكل ، بعد كون كل منهما جزءا من الأرض ، فإذا ملك الباطن بالتبعية فيملك الظاهر أيضا بها.

(٣) قد تقدم سابقا في إحياء الموات أنه لا يصح إحياء مرافق العامر وحريمه التي يرجع فيها إلى العرف المختلف باختلاف الأحوال والأمكنة ، فلذا صرح هنا غير واحد من الأصحاب بأنه إذا أحيا المعدن فهو له مع مرافقه وحريمه التي لا بد منها بحسب الحاجة ، وفسرت المرافق والحريم بأن منتهى عروقه ومطرح ترابه وطريقه وما يتوقف عليه عمله.

(٤) أي عمل المعدن.

(٥) عند المعدن.

(٦) أي للأرض سواء كان ظاهرا أم باطنا وقد تقدم البحث فيه.

(٧) أي غير المعدن الذي في أرض الإمام ، سواء كان ظاهرا أم باطنا وذلك في الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين ، وأما في المملوكة فهو تابع للأرض بالملكية ، يبقى إشكال عليه وهو أنه إذا كان المعدن تابع للأرض الموات وهو للإمام عليه‌السلام فكيف حكم سابقا بكونه لمن أحيا ويندفع الإشكال أن المعدن للإمام ما دامت الأرض مواتا أما إذا أحياها محيّي فتخرج عنه كونها ملكا له عليه‌السلام وتصير ملكا لمن أحياها فيملك حينئذ ما ظهر فيها من المعادن وما بطن على تقدير ظهوره ، وأما ما بطن ولم يظهر فهو باق على ملك الإمام يملكه من أحياه بالحفر فافهم.

٢٠٤

كتاب الصيد والذباحة

٢٠٥
٢٠٦

(كتاب الصيد والذباحة (١)

وفيه فصول ثلاثة)

(الأول ـ في آلة الصيد يجوز الاصطياد (٢) ...

______________________________________________________

(١) خصّ الكتاب بالصيد والذباحة لأن الحيوان المأكول يصير مذكى بطريقين :

الأول : الذبح والنحر وذلك في الحيوان المقدور عليه.

والثاني : القتل المزهق للروح في أي موضع كان من جسم الحيوان ، وذلك في الحيوان غير المقدور عليه ، والقتل في القسم الثاني إنما يتم بآلة الاصطياد التي هي حيوانية أو جمادية ، فالأولى الكلب المعلّم والثانية كالسهم والسيف والرمح. نعم لم يذكر النحر تغليبا للذبح عليه.

(٢) الاصطياد يطلق على معنيين :

المعنى الأول : إثبات اليد على الحيوان الممتنع بالأصالة ، وإثبات اليد عليه رافع لامتناعه وإنما يتم إثبات اليد بآلة الاصطياد مهما كانت الآلة حيوانية أو جمادية من دون تخصيص بفرد أو جنس أو صنف ، إن بقي بعد ذلك على الحياة وأمكن تذكيته بالذبح ، وهذا المعنى الأول للصيد جائز بالاتفاق بكل آلة يتوصل بها من كلب أو سبع أو جارح أو سيف أو رمح أو سهم ، قال تعالى : (وَإِذٰا حَلَلْتُمْ فَاصْطٰادُوا) (١) ، وقال تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعٰامُهُ مَتٰاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيّٰارَةِ ، وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مٰا دُمْتُمْ حُرُماً) (٢).

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية : ٢.

(٢) سورة المائدة ، الآية : ٩٦.

٢٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ المعنى الثاني : عقر الحيوان الممتنع بالأصالة بحيث يكون عقره مزهقا لروحه ، ويكون بآلة الصيد الحيوانية أو الجمادية ، وهذا المعنى للصيد جائز بالاتفاق ، قال تعالى : (يَسْئَلُونَكَ مٰا ذٰا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبٰاتُ ، وَمٰا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوٰارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمّٰا عَلَّمَكُمُ اللّٰهُ فَكُلُوا مِمّٰا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ عَلَيْهِ) (١) وللأخبار المتواترة وسيأتي التعرض لبعضها.

نعم الصيد بالمعنى الثاني يتحقق بالكلب المعلّم بالاتفاق ، واختلفوا في غيره من جوارح الطير والسباع فالمشهور على عدم وقوع الصيد بها ، لقوله تعالى : (وَمٰا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوٰارِحِ مُكَلِّبِينَ) (٢) فإن الجوارح عامة تشمل غير الكلب إلا أن «مكلّبين» حال من الضمير في «علّمتم» ، وهو المخصّص للجوارح بالكلاب ، فإن المكلّب هو مؤدّب الكلاب ، فضلا عن الأخبار :

منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في كتاب أمير المؤمنين عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (وَمٰا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوٰارِحِ مُكَلِّبِينَ) ، قال : هي الكلاب) (٣) ، وخبر أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سأله عن صيد البزاة والصقورة والكلب والفهد ، قال : لا تأكل صيد شي‌ء من هذه إلا ما ذكيتموه إلا الكلب المكلّب ، قلت : فإن قتله؟ قال : كل ، لأن الله عزوجل يقول : (وَمٰا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوٰارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمّٰا عَلَّمَكُمُ اللّٰهُ فَكُلُوا مِمّٰا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ) (٤) ، ورواه علي بن إبراهيم في تفسيره عن سيف بن عميرة مثله وزاد بقوله : (كل شي‌ء من السباع تمسك الصيد على نفسها إلا الكلاب المعلّمة فإنها تمسك على صاحبها ، وقال : إذا أرسلت الكلب المعلّم فاذكر اسم الله عليه فهو ذكاته) ٥ ، وخبر زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (وأما خلاف الكلب مما تصيد الفهود والصقور وأشباه ذلك فلا تأكل من صيده إلا ما أدركت ذكاته ، لأن الله عزوجل قال : مكلبين ، فما كان خلاف الكلب فليس صيده بالذي يؤكل إلا أن تدرك ذكاته) (٦) ومثلها غيرها.

وعن ابن أبي عقيل حلّ صيد ما أشبه الكلب من الفهد والنمر وغيرهما ، لعموم قوله ـ

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية : ٤.

(٢) سورة المائدة ، الآية : ٤.

(٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب الصيد والذبائح حديث ١ و ٣ و ٤.

(٦) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من كتاب الصيد والذبائح حديث ٣.

٢٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ تعالى : (وَمٰا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوٰارِحِ مُكَلِّبِينَ) (١) ، ولصحيح البزنطي (سأل زكريا بن آدم أبا الحسن عليه‌السلام وصفوان حاضر عما قتل الكلب والفهد فقال : قال جعفر بن محمد عليه‌السلام : الفهد والكلب سواء قدرا) (٢) ، وخبز زكريا بن آدم (سألت أبا الحسن الرضا عن الكلب والفهد يرسلان فيقتل قال : هما مما قال الله : مكلبين ، فلا بأس بأكله) (٣) ، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إن أصبت كلبا معلّما أو فهدا بعد أن تسمّى فكل ما أمسك عليك ، قتل أو لم يقتل ، أكل أو لم يأكل ، وإن أدركت صيده فكان في يدك حيا فذكه فإن عجّل عليك فمات قبل أن تذكيه فكل) (٤).

وحملت على التقية لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام كان أبي عليه‌السلام يفتي وكان يتقي ونحن نخاف في صيد البزاة والصقورة ، وأما الآن فإنا لا نخاف ولا يحلّ صيدها إلا أن تدرك ذكاته ، فإنه في كتاب علي عليه‌السلام : إن الله عزوجل قال : (وَمٰا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوٰارِحِ مُكَلِّبِينَ) ، في الكلاب (٥) ، وخبر أبان بن تغلب (سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : كان أبي يفتي في زمن بني أمية أن ما قتل البازي والصقر فهو حلال وكان يتقيهم ، وأنا لا أتقيهم وهو حرام ما قتل) (٦) ومنه تعرف ضعف ما قاله الشارح في المسالك عن الشيخ (واختلف تأويل الشيخ لهذه الأخبار فتارة خصّها بموردها وجوّز صيد الفهد كالكلب محتجا بأن الفهد يسمى كلبا في اللغة ، وتارة حملها على التقية ، وثالثة على حال الضرورة ، ولا يخفى ضعف هذه التأويلات الثلاثة) انتهى.

ثم لا فرق في الكلاب بين السلوقي وغيره والأسود وغيره على المشهور لعموم الأدلة المتقدمة ، وعن ابن الجنيد حرّم صيد الكلب الأسود البهيم لخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : الكلب الأسود البهيم لا تأكل صيده ، لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بقتله) (٧) ، وهو محمول على الكراهة لضعفه عن معارضة عموم الكتاب والسنة واتفاق الأصحاب على حل صيد الكلب مطلقا ، هذا كله في الآلة الحيوانية وأما الآلة الجمادية فسيأتي البحث فيها.

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية : ٤.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من كتاب الصيد والذبائح حديث ٥ و ٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من كتاب الصيد والذبائح حديث ٣.

(٥ و ٦) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من كتاب الصيد والذبائح حديث ٣ و ١٢.

(٧) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من كتاب الصيد والذبائح حديث ٢.

٢٠٩

بمعنى (١) إثبات الصيد (٢) وتحصيله(بجميع آلاته (٣) التي يمكن تحصيله (٤) بها (٥) من السيف ، والرمح ، والسهم ، والكلب ، والفهد ، والبازي ، والصقر والعقاب والباشق والشرك (٦) ، والحبالة (٧) ، والشبكة (٨) ، والفخ (٩) والبندق (١٠) ، وغيرها(و) لكن(لا يؤكل منها) أي من الحيوانات المصيدة المدلول عليها (١١) بالاصطياد(ما لم يذكّ) بالذبح بعد إدراكه حيا(فلو أدركه) بعد رميه(ميتا) ، أو مات قبل تذكيته لم يحل(إلا ما قتله (١٢) الكلب المعلّم) دون غيره (١٣) على أظهر الأقوال (١٤) ، والأخبار.

ويثبت تعليم الكلب بكونه (١٥) (بحيث يسترسل) أي ينطلق(إذا أرسل)

______________________________________________________

(١) أي المعنى الأول للاصطياد ، وقد تقدم.

(٢) المراد بالصيد هنا المصيد ، والمعنى إثبات المصيد بوضع اليد عليه.

(٣) أي آلات الاصطياد.

(٤) أي تحصيل المصيد.

(٥) بآلات الاصطياد.

(٦) بالتحريك حبائل الصيد وما ينصب للطير.

(٧) بضم الحاء التي يصاد بها كما في الصحاح.

(٨) تطلق في عرفنا على ما يصاد بها السمك.

(٩) المصيدة والجمع فخاخ كما في القاموس.

(١٠) يعمل من حجر أو طين ويرمى به للصيد.

(١١) على الحيوانات المصيدة حيث لم تذكر سابقا ، وإنما ذكر المصدر.

(١٢) إشارة إلى القسم الثاني من الاصطياد ، وقد تقدم معناه.

(١٣) من جوارح الطير والسباع.

(١٤) في قبال قول ابن أبي عقيل حيث جوّز الصيد بجوارح الطير والسباع مطلقا ، وفي قبال قول الشيخ حيث جوّز صيدها في حال الضرورة.

(١٥) بكون الكلب ، هذا واعلم أنه لا خلاف ولا إشكال في أنه يشترط في الكلب لإباحة ما يقتله أن يكون معلّما ، وقد تقدم الدليل عليه ، ولكن اعتبروا في صيرورة الكلب معلّما ثلاثة أمور حتى يتحقق الصدق العرفي للتعليم : الأمر الأول : أن يسترسل بإرسال صاحبه وإشارته ، والمعنى أنه إذا أغراه بالصيد هاج عليه ، الأمر الثاني : أن ينزجر بزجره ، هكذا أطلق الأكثر ، إلا أن العلامة في التحرير والشهيد في الدروس والشارح في المسالك قيّدوا الانزجار بما إذا لم يكن بعد إرساله للصيد ، لأنه لا يكاد ينزجر بعد الإرسال. ـ

٢١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ الأمر الثالث : أن لا يأكل مما يمسكه ، وفي هذا الأمر الثالث اعتبار وضعين ، أحدهما أنه يحفظه ولا يخلّيه ، والثاني أن لا يأكل منه على وجه الاعتياد ، فإن أكل منه نادرا لم يقدح في إباحة ما يقتله وفي كونه معلّما وإن أكل منه ثلثه أو نصفه على المشهور بين الأصحاب للأخبار :

منها : صحيح ابن مسلم وغير واحد عنهما عليه‌السلام (أنهما قالا في الكلب يرسله الرجل ويسمّي قالا : إن أخذه فأدركت ذكاته فذكه ، وإن أدركته وقد قتله وأكل منه فكل ما بقي ، ولا ترون ما يرون في الكلب) (١) ، وخبر سالم الأشل (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الكلب يمسك على صيده ويأكل منه؟ فقال : لا بأس بما يأكل هو لك حلال) (٢) وخبر زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (أنه قال في صيد الكلب : إن أرسله الرجل وسمّى فليأكل مما أمسك عليه وإن قتل ، وإن أكل فكل ما بقي) (٣) ومثلها غيرها كثير.

وفي قبالها أخبار تدل على عدم جواز الأكل منه لو أكل المعلّم من صيده.

منها : صحيح رفاعة (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الكلب يقتل فقال : كل ، قلت : إن أكل منه؟ قال : إذا أكل منه فلم يمسك عليك وإنما أمسك على نفسه) (٤) ، وموثق سماعة (سألته عما أمسك عليه الكلب المعلّم للصيد ـ إلى أن قال ـ قال : لا بأس أن تأكلوا مما أمسكها الكلب مما لم يأكل الكلب منه ، فإذا أكل الكلب منه قبل أن تدركه فلا تأكل منه) (٥) ومثله غيره.

وقد حملت على ما لو كان معتادا للأكل فلا يحلّ صيده بخلاف من يأكل نادرا وعليه تحمل الطائفة الأولى.

وعن الصدوقين وابن أبي عقيل حل صيد الكلب أكل منه أم لم يأكل ، وحمل العلامة في المختلف كلامهم على ما لو كان معتادا أو غيره ، وعلى هذا الحمل فضعف القول ظاهر للجمع بين الأخبار كما تقدم ، نعم في الدروس احتمال تنزيل كلامهم على الندرة وحينئذ فيرتفع الخلاف في أصل المسألة.

إذا تقرر ذلك فالأمور الثلاثة المعتبرة في التعليم لا بدّ أن تتكرر مرة بعد أخرى حتى يصدق صفة المعلّم على الكلب عرفا ولذا لم يقدّر أكثر الأصحاب عدد المرات ، لأن المعتبر على العرف في ذلك وطباع الكلاب مختلفة ، واكتفى أبو يوسف وغيره من العامة ثلاث مرات ، وبعضهم مرتين ، والأقوى الرجوع إلى العرف ، وكما يعتبر التكرار في ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من كتاب الصيد والذبائح حديث ٢ و ٣ و ٧.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من كتاب الصيد والذبائح حديث ١٧ و ١٦.

٢١١

(وينزجر) ويقف عن الاسترسال(إذا زجر) عنه ، (ولا يعتاد أكل ما يمسكه) من الصيد ، (ويتحقق ذلك الوصف) وهو الاسترسال والانزجار ، وعدم الأكل(بالتكرار على هذه الصفات) الثلاث مرارا (١) يصدق بها (٢) التعليم عليه عرفا. فإذا تحقق كونا معلما حلّ مقتوله ، وإن خلا عن الأوصاف (٣) إلى أن يتكرر فقدها على وجه يصدق عليه زوال التعليم عرفا ، ثم يحرم مقتوله ، ولا يعود (٤) إلى أن يتكرر اتصافه بها (٥) كذلك (٦) وهكذا.

(ولو أكل نادرا ، أو لم يسترسل نادرا لم يقدح) في تحقق التعليم عرفا ، ولا في زواله (٧) بعد حصوله (٨). كما لا يقدح حصول الأوصاف له نادرا (٩) ، وكذا لا يقدح (١٠) شربه الدم.

(ويجب) مع ذلك (١١) بمعنى الاشتراط (١٢) أمور (١٣): (التسمية) لله تعالى من

______________________________________________________

ـ حصول التعليم عرفا فكذا لا بد من فقد الشروط الثلاثة أو بعضها مرات حتى يحصل الزوال عرفا.

هذا من جهة ومن جهة أخرى لما كان اعتياد الأكل مضرا بالتعليم فلا يضر شربه للدم ، لأنه غير مقصود للصائد.

(١) قيد للتكرار من غير تقييده بعدد معين.

(٢) بالصفات الثلاث.

(٣) الثلاثة.

(٤) صدق التعليم عليه.

(٥) بالصفات الثلاث.

(٦) أي التكرار بحيث يصدق عليه التعليم عرفا.

(٧) أي زوال التعليم.

(٨) حصول التعليم ، والمعنى لا يقدح في التعليم بعد صدقه لو أكل نادرا أو استرسل نادرا ، والأنسب لو قال : لم يقدح في تحقق التعليم عرفا ولا في استمراره بعد حصوله.

(٩) أي كما لا يقدح في كونه غير معلّم حصول هذه الأوصاف له نادرا.

(١٠) في كونه معلّما.

(١١) أي مع كون الكلب معلّما.

(١٢) أي إن الوجوب يراد منه الشرطية ، والمراد اشتراط حلية الصيد بالتسمية ، لأن الصيد ليس بواجب حتى يجب شرطه.

(١٣) شروع في شروط المرسل وهي أربعة ، الأول : التسمية عند الإرسال ، بلا خلاف فيه ـ

٢١٢

المرسل(عند إرساله) الكلب المعلّم. فلو تركها عمدا حرم (١) ولو كان (٢) نسيانا حلّ (٣) ، إن لم يذكر قبل الإصابة (٤) ، وإلا (٥) اشترط استدراكها عند الذكر (٦) ولو مقارنة لها (٧) ، ولو تركها جهلا بوجوبها (٨) ففي الحاقة بالعامد ، أو الناسي

______________________________________________________

ـ لقوله تعالى : (وَلٰا تَأْكُلُوا مِمّٰا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّٰهِ عَلَيْهِ) (١) ، وقوله تعالى : (قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبٰاتُ وَمٰا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوٰارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمّٰا عَلَّمَكُمُ اللّٰهُ فَكُلُوا مِمّٰا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ عَلَيْهِ) (٢) ، وللأخبار.

منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (من أرسل كلبه ولم يسمّ فلا يأكله) (٣) ، وخبر القاسم بن سليمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا صاد الكلب وقد سمّى فليأكل ، وإذا صاد ولم يسمّ فلا يأكل ، وهذا مما علّمتم من الجوارح مكلّبين) (٤) ومثله غيره ، وعليه فلو ترك التسمية عمدا لم يحلّ ما يقتله بلا خلاف فيه لتصريح صحيح الحلبي المتقدم ، نعم لو ترك التسمية نسيانا فلا يضر بلا خلاف للأخبار:

منها : خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام (كل مما قتل الكلب إذا سمّيت عليه ، فإن كنت ناسيا فكل منه أيضا ، وكل من فضله) (٥) ، وخبر زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا أرسل الرجل كلبه ونسي أن يسمّى فهو بمنزلة من ذبح ونسي أن يسمّي ، وكذلك إذا رمى بالسهم ونسي أن يسمّي) (٦) ، وفي الفقيه بإسناده عن موسى بن بكر مثله وزاد (وحلّ ذلك) (٧).

(١) أي حرم أكل الصيد ، وليس المعنى أنه حرم ترك التسمية.

(٢) تركها.

(٣) أي حلّ أكل الصيد.

(٤) أي قبل إصابة السهم ، وإصابة الكلب للمصيد.

(٥) أي وإن ذكر قبل الإصابة.

(٦) أي التذكر.

(٧) أي ولو مع مقارنة التسمية للإصابة ، وهذا مبني على أن وقت التسمية من حين الإرسال إلى حين الإصابة كما هو قول في المسألة وسيأتي البحث فيه.

(٨) أي بوجوب التسمية ، نعم لو ذكرها وإن لم يعتقد وجوبها فلا إشكال في الحل لعموم الأدلة الدالة على حل ما ذكر اسم الله عليه.

__________________

(١) سورة الأنعام ، الآية : ١٢١.

(٢) سورة المائدة ، الآية : ٤.

(٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من كتاب الصيد والذبائح حديث ٥ و ١ و ٤.

(٦ و ٧) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من كتاب الصيد والذبائح حديث ٢ وملحقه.

٢١٣

وجهان. من (١) أنه (٢) عامد ومن (٣) أن الناس في سعة مما لم يعلموا ، وألحقه المصنف في بعض فوائده بالناسي.

ولو تعمد تركها (٤) عند الارسال ثم استدركها قبل الإصابة ففي الإجزاء قولان (٥) ، أقربهما الإجزاء ، لتناول الأدلة له (٦) ، مثل (وَلٰا تَأْكُلُوا مِمّٰا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّٰهِ عَلَيْهِ) (٧) (فَكُلُوا مِمّٰا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ عَلَيْهِ) (٨) ، وقول

______________________________________________________

(١) دليل لإلحاق الجاهل بالعامد فيحرم أكل ما صاده بسبب ترك التسمية ، وهو ظاهر الأصحاب على ما اعترف به في الدروس كما في الجواهر.

(٢) أي الجاهل بوجوبها عامد للترك.

(٣) دليل لإلحاق الجاهل بالناسي فيحلّ أكل ما صاده بسبب تركه التسمية ، وهو كالناسي ، لأن الجهل عذر كعذر النسيان ، وقال في الرياض : (وإلحاق الجاهل بالناسي قياس فاسد في الشريعة سيّما مع وجود الفارق بينهما بافتراق حكمهما في مواضع متعددة) انتهى.

(٤) ترك التسمية.

(٥) فعن العلامة في التحرير والقواعد والشهيدين في الدروس والمسالك والروضة هنا عدم اشتراط مقارنة التسمية للإرسال ، بل تكفي التسمية قبل الإصابة ، لإطلاق الكتاب والسنة الدالة على التسمية عند الصيد من غير تعيين وقت ، ولأنه إذا أجزأت التسمية عند الإرسال فالأولى أجزاؤها بعد ذلك خصوصا عند الإصابة لأنه وقت التذكية حقيقة.

وعن الصدوق والمفيد والشيخ وابن زهرة وابن إدريس وغيرهم أنه يشترط مقارنة التسمية للإرسال ، ففي صحيح الحذاء (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يسرّح كلبه المعلّم ويسمي إذا سرحه قال : يأكل ممّا أمسك عليه) (١) ، وخبر الحضرمي المروي في تفسير علي بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا أرسلت الكلب المعلّم فاذكر اسم الله عليه فهو ذكاته) (٢) ومثله غيره ، مؤيّدا بأنه يجب أن يقارن بها فعل المرسل كما يقارن بها فعل الذابح ، والمرسل لا فعل له سوى الإرسال فيجب اقتران التسمية به ، وبهذه الأخبار يقيّد الإطلاق السابق.

(٦) للاستدراك قبل الإصابة.

(٧) سورة الأنعام ، الآية : ١٢١.

(٨) سورة المائدة ، الآية : ٤.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب الصيد والذبائح حديث ٢ و ٤.

٢١٤

الصادق عليه‌السلام (١) : كل ممّا قتل الكلب إذا سمّيت عليه ، ولأنه (٢) أقرب إلى الفعل المعتبر في الذكاة (٣) فكان (٤) أولى.

ووجه المنع (٥) دلالة بعض الأخبار على أن محلها (٦) الإرسال ، ولأنه (٧) إجماعي ، وغيره (٨) مشكوك فيه (٩) ، ولا عبرة بتسمية غير المرسل (١٠).

______________________________________________________

وقد سمّوا عليها فلما أن مضت الكلاب دخل فيها كلب غريب لا يعرفون ـ (١) كما في خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام (كل مما قتل الكلب إذا سمّيت عليه ، فإن كنت ناسيا فكل منه أيضا ، وكل من فضله) (١).

هذا ويجمع الكل إطلاق أدلة الكتاب والسنة على التسمية عند الصيد من غير تعيين وقت.

(٢) أي الاستدراك قبل الإصابة.

(٣) المراد منه الإزهاق والذبح ، والفعل الموجب لذلك في الصيد هو الإصابة.

(٤) أي الاستدراك قبل الإصابة وخصوصا عندها أولى من التسمية حين الإرسال.

(٥) أي منع الاستدراك قبل الإصابة.

(٦) محل التسمية.

(٧) أي التسمية عند الإرسال هو المتيقن في حلية الصيد بالإجماع فغيره يبقى على أصالة التحريم في الصيد حتى يثبت الحل ، وهو هنا مشكوك.

(٨) أي وغير التسمية حال الإرسال.

(٩) فيبقى على أصالة التحريم.

(١٠) بلا إشكال ولا خلاف لظاهر الأخبار المتقدمة الدالة على اعتبار التسمية من نفس المرسل ، ولخصوص صحيح محمد بن مسلم (سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن القوم يخرجون جماعتهم إلى الصيد ، فيكون الكلب لرجل منهم ، ويرسل صاحب الكلب كلبه ويسمّي غيره أيجزي ذلك؟ قال : لا يسمّي إلا صاحبه الذي أرسله) (٢) ، ومرسل أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا يجزي أن يسمّي إلا الذي أرسل الكلب) (٣).

ومما تقدم تعرف أنه لو أرسل كلبه وسمّى فأرسل الآخر كلبه ولم يسمّ واشترك الكلبان في قتل الصيد لم يحلّ ، لأنه صيد لسببين ، أحدهما محل والآخر محرم ، فيغلب جانب التحريم ، ومثله ما لو دخل مع الكلب المرسل كلب غريب لم يرسله مرسل من غير خلاف لخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سألته عن قوم أرسلوا كلابهم وهي معلّمة كلها

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من كتاب الصيد والذبائح حديث ٤.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من كتاب الصيد والذبائح حديث ١ و ٢.

٢١٥

ولو اشترك في قتله كلبان معلّمان اعتبر تسمية مرسليهما. فلو تركها أحدهما لو كان أحد الكلبين غير مرسل ، أو غير معلّم لم يحل (١) ، والمعتبر من التسمية هنا (٢) ، وفي إرسال السهم ، والذبح ، والنحر ذكر الله (٣) المقترن بالتعظيم ، لأنه (٤) المفهوم منه (٥) كإحدى (٦) التسبيحات الأربع.

وفي اللهمّ اغفر لي وارحمني ، أو صلّ على محمد وآله قولان (٧). أقربهما الإجزاء ،

______________________________________________________

ـ له صاحبا فاشتركت جميعها في الصيد فقال : لا يؤكل منه ، لأنك لا تدري أخذه معلّم أم لا) (١) ومرسل الفقيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا أرسلت كلبك على صيد وشاركه كلب آخر فلا تأكل منه إلا أن تدرك ذكاته) (٢) وهو دال على لابدية إرسال الكلب ، فلو أرسل كلبا وشاركه كلب آخر غير مرسل لم يحل الصيد.

وكذا لو أرسل كلبا معلما وشاركه كلب غير معلم ولو كان مرسلا لم يحلّ الصيد لخبر أبي عبيدة عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث صيد الكلب : (وإن وجدت معه كلبا غير معلّم فلا تأكل منه) (٣).

(١) أي الصيد.

(٢) في إرسال الكلب المعلّم.

(٣) التسمية هي ذكر الله تعالى بلا خلاف فيه لصحيح محمد بن مسلم (سألته عن رجل ذبح فسبّح أو كبّر أو هلّل أو حمد الله ، قال : هذا كله من أسماء الله ، لا بأس به) (٤) ، وعن العلامة الاجتزاء بلفظ (الله) ، لصدق ذكر اسم الله عليه ، وقد يناقش بأن العرف يقتضي كون المراد بالتسمية وذكر الله ذكره بصفة كمال أو ثناء.

ولا أقل من الشك في ذلك فلا بدّ من التعظيم لأصالة عدم التذكية.

(٤) أي الذكر المقترن بالتعظيم.

(٥) من ذكر الله.

(٦) تمثيل للذكر المقترن بالتعظيم ، وهو سبحان الله أو الحمد لله أو لا إله إلا الله أو الله أكبر.

(٧) لصدق اسم الله على قوله (اللهم) الوارد في العبارتين مع أن طلب الرحمة منه تعالى دال على تعظيمه ولذا يصح الاجتزاء بواحدة منهما ، وقواه الشارح في المسالك ، وعن الجواهر وغيره العدم لانصراف اسم الله عنه ولا أقل من الشك في ذلك فأصالة عدم التذكية جارية.

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من كتاب الصيد والذبائح حديث ٢ و ٣ و ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الذبائح حديث ١.

٢١٦

دون ذكر الله مجردا (١) ، مع احتماله (٢) ، لصدق الذكر ، وبه (٣) قطع الفاضل.

وفي اشتراط وقوعه (٤) بالعربية قولان (٥). من (٦) صدق الذكر ، وتصريح (٧) القرآن باسم الله العربي.

والأقوى الإجزاء ، لأن المراد من الله تعالى في الآية الذات ، لا الاسم.

وعليه (٨) يتفرع ذكر الله تعالى بأسمائه المختصة به (٩) غير الله.

فعلى الأول (١٠) يجزي (١١) ، لصدق الذكر ، دون الثاني (١٢) ، ولكن هذا (١٣) مما لم ينبهوا عليه(وأن يكون المرسل مسلما (١٤) ، أو بحكمه (١٥) كولده المميز غير

______________________________________________________

(١) أي مجردا عن التعظيم.

(٢) أي احتمال الإجزاء بذكر اسم الله مجردا عن التعظيم.

(٣) أي وبالإجزاء.

(٤) أي وقوع ذكر الله.

(٥) قال الماتن في الدروس : (وفي إجزاء التسمية بغير العربية نظر من صدق الذكر وتصريح القرآن باسم الله ، وقطع الفاضل بالإجزاء) انتهى. فمن لم يشترط العربية اكتفى بصدق الذكر ، وبأن المقصود من الله تعالى شأنه من الآية هو الذات المقدسة لا اسمه فيجزي ذكر أي اسم من أسمائه المختصة أو الغالبة بأي لغة اتفقت ومن اشترط العربية تمسك بأصالة عدم التذكية عند الشك في الحلية عند ذكر الله بغير العربية ، وأما الاستدلال بتصريح القرآن باسم الله العربي على الصيد فهو كما ترى ، لأن لغة القرآن عربية.

(٦) دليل لعدم اشتراط العربية.

(٧) دليل اشتراط العربية.

(٨) أي وعلى أن المراد من الآية هو الذات لا الاسم.

(٩) أو الغالبة عليه كما نصّ على ذلك في المسالك.

(١٠) من كون المراد من الله في الآية هو الذات.

(١١) أي يجزي التسمية باسمه المختص غير لفظ (الله).

(١٢) وهو كون المراد من الله في الآية هو الاسم.

(١٣) أي المراد من الآية مع التفريع عليه.

(١٤) الشرط الثاني من شروط المرسل أن يكون مسلما على المشهور ، لأن الإرسال نوع من التذكية وستعرف اشتراط الإسلام في المذكي على الخلاف الآتي هناك ، والخلاف في صيد المخالف كالخلاف في تذكيته وسيأتي البحث فيه.

(١٥) أي بحكم المسلم كغير البالغ الملحق بالمسلم ، نعم لا يحلّ صيد غير المميّز والمجنون لعدم القصد منهما مع أن القصد شرط كما ستعرفه في الذبح.

٢١٧

البالغ ذكرا كان ، أو أنثى. فلو أرسله الكافر لم يحل وإن سمّى ، أو كان ذميا على الأصح ، وكذا الناصب من المسلمين والمجسّم أما غيرهما من المخالفين ففي حل صيده الخلاف الآتي في الذبيحة ، ولا يحل صيد الصبي غير المميز ، ولا المجنون ، لاشتراط القصد ، وأما الأعمى فإن تصور فيه قصد الصيد حل صيده ، وإلا فلا.

(وأن يرسله للاصطياد (١) فلو استرسل من نفسه ، أو أرسله لا للصيد فصادف صيدا فقتله لم يحل وإن زاده (٢) اغراء. نعم لو زجره فوقف ثم أرسله حلّ (٣).

(وأن لا يغيب الصيد) عن المرسل(وحياته مستقرة (٤) ...

______________________________________________________

(١) الشرط الثالث من شروط المرسل أن يرسل الكلب المعلّم للاصطياد ، فلو استرسل من نفسه لم يحلّ مقتوله بلا خلاف لخبر القاسم بن سليمان (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن كلب أفلت ولم يرسله صاحبه فصاد ، فأدركه صاحبه وقد قتله أيأكل منه؟ فقال : لا) (١).

(٢) أي صاحب الكلب زاد كلبه إغراء بعد ما استرسل الكلب من نفسه وصادف صيدا.

(٣) لو استرسل الكلب من نفسه فزجره صاحبه عقيب الاسترسال فوقف ثم أرسله حلّ مقتوله بلا خلاف ، لأن الاسترسال الأول قد انقطع بوقوفه ، وصار الثاني إرسالا مستأنفا ، كالمبتدإ الواقع بعد إرسال سابق قد انقضى.

(٤) الشرط الرابع من شروط المرسل أن لا يغيب الصيد عنه وحياته مستقرة ، بلا خلاف فيه ، وإلا لو غاب عن عينه وحياته مستقرة ثم وجده مقتولا أو ميتا لم يحلّ لاحتمال أن لا يكون القتل بسبب الكلب المعلّم ، سواء وجد الكلب واقفا عليه أو بعيدا منه.

وعليه فالمدار على العلم باستناد القتل إلى عقر الكلب وعدمه ، فإن علم أن موت الصيد بسبب عقر الكلب فيحل أكله ولو غاب عن عين المرسل ، وإن لم يعلم فلا يحلّ كما لو عقره الكلب وكانت حياة الصيد مستقرة وقد غاب عن عين المرسل ثم وجده مقتولا فلا يعلم أن موته بسبب عقر الكلب فلذا لا يحل أكله بالإضافة إلى النصوص الواردة في السهم.

منها : صحيح حريز (سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الرمية يجدها صاحبها من الغد أيأكل منه ، قال : إن علم أن رميته هي التي قتلته فليأكل ، وذلك إذا كان قد سمّى) (٢) ، وخبر ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب الصيد حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الصيد حديث ٢.

٢١٨

بأن (١) يمكن أن يعيش ولو نصف يوم ، فلو غاب كذلك (٢) لم يحل ، لجواز استناد القتل إلى غير الكلب ، سواء وجد الكلب واقفا عليه أم لا ، وسواء وجد فيه أثرا غير عضّة الكلب أم لا ، وسواء تشاغل (٣) عنه أم لا.

وأولى منه (٤) لو تردى من جبل ، ونحوه (٥) وإن لم يغب ، فإن (٦) الشرط موته بجرح الكلب ، حتى لو مات بإتعابه (٧) ، أو غمه لم يحل.

نعم لو علم انتفاء سبب خارجي (٨) ، أو غاب بعد أن صارت حياته غير مستقرة وصار في حكم المذبوح ، أو تردّى كذلك (٩) حلّ (١٠). ويشترط مع

______________________________________________________

ـ سماعة (سألته عن رجل رمى حمار وحش أو ظبيا فأصابه ، ثم كان في طلبه فوجده من الغد وسهمه فيه؟ فقال : إن علم أنه أصابه وأن سهمه هو الذي قتله فليأكل منه ، وإلا فلا يأكل منه) (١).

وأولى منه ما لو غاب عن عينه وحياته غير مستقرة بأن كان الكلب قد عقره وأخرج حشوه وأفتق قلبه وقطع حلقومه ، ثم وجده مقتولا ، فالعلائم المذكورة موجبة للعلم العادي باستناد القتل إلى عقر الكلب فيحل أكله.

(١) تفسير لاستقرار الحياة.

(٢) أي وحياته مستقرة.

(٣) أي الكلب.

(٤) أي وأولى بعدم الحلية من الفرع السابق فرع آخر وهو ما لو تردى من جبل بعد عقر الكلب فمات فلا يحلّ أكله ، للقطع باستناد الموت إلى التردي وإن كان العقر مؤثرا أيضا.

(٥) كما لو وقع في بئر.

(٦) تعليل لعدم الحلية فيما لو تردى.

(٧) أي بسبب إتعاب الكلب له من دون جرح.

(٨) بحيث قطع بعدم سبب خارجي للقتل وقد مات بعد جرح الكلب له فيعلم أن قتله بسبب الجرح وهذا موجب للحلية وإن غاب عن العين وكانت حياته مستقرة حين الغيبوبة.

(٩) أي بعد أن صارت حياته غير مستقرة وصار في حكم المذبوح.

(١٠) للقطع باستناد القتل إلى الجرح فقط.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الصيد حديث ٣.

٢١٩

ذلك (١) كون الصيد ممتنعا (٢) ، سواء كان وحشيا أم أهليا. فلو قتل غير الممتنع من الفروخ ، أو الأهلية لم يحلّ.

(ويؤكل أيضا) من الصيد(ما قتله السيف (٣) ، والرمح ، والسهم وكل ما فيه)

______________________________________________________

(١) أي مع الشروط المتقدمة في المرسل وفي الكلب.

(٢) اعلم أن الحيوان المقدور لا يحلّ إلا بالذبح أو النحر على ما يأتي تفصيله ، وأما الحيوان غير المقدور عليه بأن كان متنفرا متوحشا فجميع أجزائه مذبح ما دام على توحشه وهو محل اتفاق بين المسلمين كما في المسالك ، وعليه فلو قتل بالسهم أو الرمح أو بعقر الكلب فهو ذكاته.

نعم لو صار الوحشي مستأنسا لا يحل بشي‌ء منهما وتتعين تذكيته بالذبح أو النحر ، لأنه مقدور عليه.

ولو توحش الأنسي أو تردى في البئر وشبهها ويتعذر نحره أو ذبحه فإنه كالوحشي يحل أكله بالقتل بواسطة سهم أو رمح أو سيف أو عقر الكلب بلا خلاف فيه بيننا للأخبار.

منها : صحيح الحلبي (قال أبو عبد الله عليه‌السلام في ثور تعاصى فابتدره قوم بأسيافهم وسمّوا فأتوا عليا عليه‌السلام فقال : هذه ذكاة وحيّة ـ أي سريعة ـ ، ولحمه حلال) (١) ، وخبر أبي البختري عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام (أن عليا عليه‌السلام قال : إذا استصعبت عليكم الذبيحة فعرقبوها ، وإن لم تقدروا أن تعرقبوها ، فإنه يحلّها ما يحلّ الوحش) (٢) ، ومثلها غيرها كثير. نعم لو كان الوحش غير ممتنع كفرخه فلا يحلّ صيده بالمعنى المتقدم ويشهد له بالإضافة إلى عدم امتناعه خبر الأفلح (سألت علي بن الحسين عليه‌السلام عن العصفور يفرّخ في الدار ، هل تؤخذ فراخه؟ فقال : لا ، إن الفرخ في وكرها في ذمة الله ما لم يطر ، ولو أن رجلا رمى صيدا في وكره فأصاب الطير والفراخ جميعا فإنه يأكل الطير ولا يأكل الفراخ ، وذلك أن الفراخ ليس بصيد ما لم يطر ، وإنما تؤخذ باليد ، وإنما يكون صيدا إذا طار) (٣).

(٣) شروع في الآلة الجمادية في الصيد ، وهي ما اشتمل على نصل كالسيف والرمح والسهم للأخبار الكثيرة.

منها : صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (كل من الصيد ما قتل السيف ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الذبائح حديث ١ و ٩.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الصيد حديث ١.

٢٢٠