الزبدة الفقهيّة - ج ٨

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٨

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: كيميا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-6307-61-2
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٤٠٠

سبحته (١) وما يشدّ به وسطه ، وخفه(باقيا) (٢) في الموضع(و) مع ذلك (٣) (ينوي العود). فلو فارق لا بنية العود سقط حقه وإن كان رحله باقيا.

وهذا الشرط (٤) لم يذكره كثير. وهو (٥) حسن ، لأن (٦) الجلوس يفيد أولوية فإذا فارق بنية رفع الأولوية سقط حقه منها (٧) ، والرحل لا مدخل له في الاستحقاق (٨) بمجرده (٩) مع احتماله (١٠) ، لإطلاق النص (١١) والفتوى (١٢) ، وإنما تظهر الفائدة على الأول (١٣) لو كان رحله لا يشغل من المسجد مقدار حاجته في الجلوس والصلاة ، لأن ذلك (١٤) هو المستثنى (١٥) على تقدير الأولوية (١٦). فلو

______________________________________________________

(١) بالضم خرزات يسبّح بها كما في مجمع البحرين.

(٢) إن قام عنه ناويا العود إليه فإن كان رحله باقيا فيه فهو أحق به لما قال في المبسوط : (فمن سبق إلى مكان في المسجد كان أحق به ، فإن قام وترك رحله فيه فحقه باق ، وإن حوّل رحله منه انقطع حقه منه ، ولا خلاف فيه ، وفيه نص لنا عن الأئمة عليهم‌السلام) انتهى.

نعم لو ترك رحله مع عدم نية العود فلا حق له للإعراض ورفع اليد عنه ، وبقاء الرحل ليس تحجيرا حتى يثبت له حقا ، والرحل لغة ما يجعل على ظهر البعير كالسّرج وما تستصحبه من الأثاث في السفر.

(٣) من بقاء الرحل.

(٤) وهو نية العود في صورة بقاء الرحل.

(٥) أي الشرط متعين فلا معنى لاستحسانه فقط.

(٦) تعليل لحسن الشرط بل لتعينه.

(٧) من الأولوية.

(٨) أي استحقاق الأولوية.

(٩) أي مجرد الرحل.

(١٠) أي احتمال كون الرحل له مدخل في الاستحقاق.

(١١) لا نص في الرحل إلا ما سمعته من كلام الشيخ في المبسوط ، وهو مرسل ولم ينقل ألفاظه ليكون له إطلاق في البين.

(١٢) باعتبار أن الكثير من الفقهاء ذكروا الرحل ولم يشترطوا نية العود.

(١٣) أي على اعتبار نية العود مع بقاء الرحل.

(١٤) أي كون الرحل غير شاغل من المسجد فهو المستثنى من حرمة تصرف الغير فيه على تقدير أولوية المتأخر إذا لم ينو السابق العود.

(١٥) من حرمة تصرف الغير فيه.

(١٦) أي أولوية المتأخر لأن السابق لم ينو العود.

١٨١

كان (١) كبيرا يسع ذلك (٢) فالحق باق (٣) من حيث عدم جواز رفعه (٤) بغير إذن مالكه ، وكونه (٥) في موضع مشترك كالمباح ، مع احتمال سقوط حقه (٦) مطلقا (٧) على ذلك التقدير (٨) فيصح رفعه (٩) لأجل غيره (١٠) حذرا من تعطيل بعض المسجد ممن لا حق له (١١).

ثم على تقدير الجواز (١٢) هل يضمن الرحل رافعه يحتمله (١٣) ، لصدق التصرف (١٤) ، وعدم المنافاة بين جواز رفعه ، والضمان. جمعا بين الحقين (١٥) ،

______________________________________________________

(١) أي الرحل.

(٢) أي يسع مقدار حاجته في الجلوس والصلاة.

(٣) أي فحق السابق باق وإن لم ينو العود ، لا من ناحية بقاء الحق ببقاء الرحل فقط ، لأن الكلام على تقدير بقاء الحق ببقاء الرحل مع نية العود ، وهي مفقودة هنا ، بل الحق للسابق باق من ناحية عدم جواز رفعه ، لحرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه.

(٤) رفع الرحل.

(٥) عطف على قوله (عدم جواز رفعه) والمعنى فالحق باق من حيث كون الرحل موجودا في موضع مشترك كوجوده في مكان مباح فلا يجوز للغير مزاحمته في هذا المكان برفع رحله عنه.

(٦) حق السابق.

(٧) سواء كان رحله كبيرا يشغل مقدار حاجته أم لا.

(٨) أي تقدير اشتراط نية العود في بقاء الحق عند بقاء الرحل.

(٩) رفع الرحل.

(١٠) لأجل غير صاحب الرحل.

(١١) ومن لا حق له هو المفارق مع عدم نية العود ، مع أن الحق مشروط بنية العود وبقاء الرحل ، والأول منتف.

(١٢) أي جواز رفع الرحل.

(١٣) أي يحتمل الرفع الضمان.

(١٤) أي التصرف في مال الغير بغير إذنه فيندرج تحت عموم (على اليد ما أخذت حتى تؤدي).

(١٥) حق صاحب الرحل في الضمان وحق غيره في التصرف ببعض المسجد ، فيجوز رفعه مع الضمان لصاحبه.

١٨٢

ولعموم اليد ما أخذت حتى تؤدي ، وعدمه (١) ، لأنه (٢) لا حق له (٣) فيكون تفريغه (٤) منه (٥) بمنزلة رفعه من ملكه (٦).

ولم أجد في هذه الوجوه كلاما يعتد به ، وعلى تقدير بقاء الحق لبقائه (٧) ، أو بقاء رحله (٨) فأزعجه (٩) مزعج فلا شبهة في اثمه.

وهل يصير (١٠) أولى منه (١١) بعد ذلك (١٢) يحتمله (١٣) لسقوط حق الأول بالمفارقة (١٤) ، وعدمه (١٥) ، للنهي فلا يترتب عليه (١٦) حق.

______________________________________________________

(١) عطف على قوله (ويحتمله) والمعنى والرفع الجائز يحتمل عدم الضمان.

(٢) لأن السابق الذي ترك رحله مع عدم نية العود.

(٣) إذ الحق مبني على بقاء الرحل مع نية العود ، وهو لم ينو العود.

(٤) أي تفريغ بعض المسجد.

(٥) من الرحل.

(٦) من ملك الرافع هذا وقال في الجواهر بعد نقل كلام الشارح في المسالك المتضمن لاحتمال عدم الضمان : (لا يخفى عليك ضعف الاحتمال المزبور ، لما ذكرناه غير مرة من أصالة الضمان مطلقا لقاعدة اليد وغيرها ، بل قد يقال : إن سقوط أحقيته لا يقتضي جواز التصرف في ماله بعد أن كان وضعه بحق ولم تنحصر الصلاة في موضع مخصوص) انتهى.

(٧) أي بقاء صاحب الحق.

(٨) مع نية العود.

(٩) أي أزعج صاحب الحق مزعج ، وأزعجه قلعه من مكانه ، فلا شبهة في إثم المزعج لإبعاد صاحب الحق عن حقه.

(١٠) أي المزعج.

(١١) من صاحب الحق.

(١٢) بعد إزعاجه.

(١٣) أي يحتمل أن يصير المزعج أولى.

(١٤) وفيه : أن المفارقة أوجبت سقوط الحق لأنها متضمنة لرفع اليد عن المكان ، وهو مع الإزعاج لم يرفع اليد.

(١٥) عطف على قوله (يحتمله) والمعنى أنه يحتمل عدم صيرورة المزعج أولى للنهي عن الإزعاج فلا يترتب على الإزعاج حق للمزعج ، وقد عرفت أن عدم حق المزعج لعدم بطلان حق السابق بالإزعاج فتأمل.

(١٦) على الإزعاج المنهي عنه.

١٨٣

والوجهان (١) آتيان في رفع كل أولوية ، وقد ذكر جماعة من الأصحاب : أن حق أولوية التحجير لا يسقط بتغلب غيره (٢) ، ويتفرع على ذلك (٣) صحة صلاة الثاني (٤) ، عدمها (٥) ، واشترط المصنف في الذكرى في بقاء حقه مع بقاء الرحل أن لا يطول المكث (٦) ، وفي التذكرة (٧) استقرب بقاء الحق مع المفارقة لعذر كإجابة داع ، وتجديد وضوء ، وقضاء حاجة ، وإن لم يكن له رحل.

(ولو استبق اثنان) دفعة إلى مكان واحد (٨) (ولم يمكن الجمع) بينهما(أقرع) ، لانحصار الأولوية فيهما ، وعدم إمكان الجمع فهو (٩) لأحدهما إذ منعهما معا باطل ، والقرعة لكل أمر مشكل مع احتمال العدم (١٠) لأن القرعة لتبيين المجهول عندنا المعيّن في نفس الأمر ، وليس كذلك هنا (١١).

وقد تقدم (١٢) أن الحكم بالقرعة غير منحصر في ما ذكر (١٣) ، وعموم

______________________________________________________

(١) من أولوية المزعج وعدمها.

(٢) وفي هذا تأييد للوجه الثاني.

(٣) من أولوية المزعج وعدمها.

(٤) وهو المزعج.

(٥) أي عدم الصحة.

(٦) وإلا بطل حقه وقال في الذكرى : (ولا بأس به خصوصا مع حضور الجماعة واستلزام تجنب موضعه وجود فرجة في الصف للنهي عن ذلك ، بل استثنى بعضهم ذلك مطلقا وحكم بسقوط حقه حينئذ ولا بأس به) انتهى ، وقال عنه في الجواهر : (أن ذلك مجرد اعتبار لا يقتضي سقوط الحق الثابت بالدليل) انتهى.

(٧) تبعا للشرائع وقد تقدم البحث فيه.

(٨) لو استبق اثنان إلى محل مخصوص من المسجد فتوافيا إليه على حد سواء فإن أمكن الجمع بينهما بأن كان متسعا لهما جاز ، وإلا فمع التعاسر يقرع بينهما ، لأن القرعة لكل أمر مشكل ، ومن خرجت القرعة باسمه يكون بمنزلة السابق.

(٩) أي المكان الواحد.

(١٠) أي عدم القرعة.

(١١) لعدم تعيين أحدهما واقعا ، لعدم سبق أحدهما على الآخر.

(١٢) في كتاب العتق.

(١٣) من تعيين المجهول عندنا وهو معيّن في الواقع.

١٨٤

الخبر (١) يدفعه (٢) ، والرجوع إليها (٣) هنا (٤) هو الوجه ، ولا فرق في ذلك (٥) كله بين المعتاد لبقعة معينة ، وغيره ، وإن كان اعتياده لدرس وإمامة ، ولا بين المفارق في أثناء الصلاة ، وغيره ، للعموم (٦).

واستقرب المصنف في الدروس بقاء أولوية المفارق في أثنائها (٧) اضطرارا ، إلا أن يجد مكانا مساويا للأول (٨) ، أو أولى منه (٩) محتجا بأنها صلاة واحدة فلا يمنع من إتمامها.

ولا يخفى ما فيه (١٠).

______________________________________________________

(١) أي خبر القرعة وهو (أنها لكل أمر مشكل).

(٢) يدفع الانحصار فيما ذكر.

(٣) إلى القرعة.

(٤) في التسابق إلى مكان واحد.

(٥) من جريان القرعة عند التسابق وعدم سبق أحدهما ، وهذا ما يقتضيه السياق بالنظر للكلام السابق ، ولكن كلامه الآتي يستدعي تفسير قوله هنا بأنه لا فرق في أن السابق إلى مكان هو أحق به ما لم يفارقه ولو كان لضرورة.

(٦) أي عموم (من سبق إلى موضع فهو أحق به) كما في مرسل محمد بن إسماعيل عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١).

(٧) أي أثناء الصلاة.

(٨) أي لمكانه الأول.

(٩) أو يجد مكانا أولى من مكانه الأول.

(١٠) ووجه الضعف أن حق المفارق تابع لاستقراره بعد فرض عدم الرحل ، وهو لم يستقر لأنه فارق ، وإتمام الصلاة لا يتوقف على مكان الشروع إذ يمكن له إتمام الصلاة في مكان آخر من المسجد.

إن قلت مكانه الأول أقرب للعود وقد يوجب المكان الآخر بطلان صلاته.

قلت : قرب المكان الأول لا يقتضي بقاء الأولوية ، مع أن بطلان صلاته لو لم يعد لا يوجب له حق الأولوية في مكانه الأول الذي فارقه.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب أحكام المساجد حديث ١.

١٨٥

(ومنها (١) المدرسة ، والرباط (٢) ـ فمن سكن بيتا منهما) ، أو أقام بمكان مخصوص (٣) (ممن له السكنى) بأن (٤) يكون متصفا بالوصف المعتبر في الاستحقاق (٥) ، إما في أصله (٦) بأن (٧) يكون مشتغلا بالعلم في المدرسة أو بحسب (٨) الشرط بأن (٩) تكون موقوفة على قبيلة مخصوصة ، أو نوع من العلم ، أو المذاهب ويتصف الساكن به (١٠) (فهو (١١) أحق به (١٢) وإن تطاولت المدة ، إلا مع مخالفة شرط الواقف) بأن (١٣) يشترط الواقف أمدا فينتهي.

واحتمل المصنف في الدروس في المدرسة ، ونحوها (١٤) الازعاج تم غرضه

______________________________________________________

(١) أي من المشتركات.

(٢) ما يبنى على الطرق الموقوف لرباط الخيل والمارة والنزّال والغرباء وأشباههم ، وهو والمدرسة موقوفان على قبيل خاص ، ومن يتصف بشرط الوقف يجوز له السكن فيهما ، ولو سكن في بيت فيهما فهو أحق به ولا يجوز لغيره إزعاجه بلا خلاف فيه ، لأن الساكن أحد المستحقين لذلك ، فإزعاجه ظلم قبيح عقلا ونقلا ، وإن تطاولت مدة سكناه ما لم يشترط الواقف أحدا معينا فيلزمه الخروج عند انقضائه بلا فصل وإن لم يؤمر به.

(٣) من المدرسة أو الرباط.

(٤) تفسير لمن له السكنى.

(٥) في استحقاق سكنى المدرسة والرباط.

(٦) أصل الاستحقاق.

(٧) تفسير لاتصافه بأصل الاستحقاق.

(٨) أي مستحق بحسب شرط الواقف.

(٩) تفسير لاستحقاقه بحسب شرط الواقف.

(١٠) بالشرط.

(١١) أي المتصف بالوصف المعتبر في الاستحقاق.

(١٢) بالبيت.

(١٣) تفسير لمخالفة شرط الواقف.

(١٤) مثل دار القرآن قال في الدروس : (ويحتمل في المدرسة ودار القرآن الإزعاج إذا تمّ غرضه من ذلك ، ويقوى الاحتمال إذا ترك التشاغل بالعلم والقرآن وإن لم يشترطهما الواقف ، لأن موضوع المدرسة ذلك ، أما الربط فلا غرض فيه فيجوز الدوام فيه) انتهى.

وفيه : إنه إن خرج عن الموضوع بتمام الغرض أزعج قطعا وإلا فلا وجه للاحتمال ، وأما إذا ترك التشاغل فلا بد من الخروج لفقد شرط الاستحقاق أو فقد وصفه.

١٨٦

من ذلك ، وقوّى الاحتمال إذا ترك التشاغل بالعلم وإن لم يشترط الواقف ، لأن موضوع المدرسة ذلك (١) (وله (٢) أن يمنع من يشاركه) ، لما فيها (٣) من الضرر(إذا كان المسكن) الذي أقام به(معدّا لواحد) فلو أعدّ (٤) لما فوقه (٥) لم يكن له (٦) منع الزائد عنه (٧) إلّا أن يزيد (٨) عن النصاب المشروط (٩).

(ولو فارق) (١٠) ساكن المدرسة والرباط(لغير عذر بطل حقه) سواء بقي رحله أم لا ، وسواء طالت مدة المفارقة أم قصرت لصدقها (١١) ، وخلو المكان الموجب (١٢) لاستحقاق غيره إشغاله.

ومفهومه (١٣) : أنه لو فارق لعذر لم يسقط حقه مطلقا (١٤).

______________________________________________________

(١) أي التشاغل بالعلم.

(٢) للساكن ، وهو السابق المستحق.

(٣) في المشاركة.

(٤) أي المسكن.

(٥) أي فوق الواحد.

(٦) أي للساكن.

(٧) عن الساكن أو الواحد ، والأول أنسب.

(٨) أي يزيد الزائد عن الساكن.

(٩) من قبل الواقف.

(١٠) اعلم أنه لا يبطل حق الساكن بالخروج لحاجة كشراء مأكول ومشروب وثوب وقضاء حاجة ، ولا يلزمه تخليف أحد مكانه ولا أن يترك رحله فيه للسيرة القائمة ، وهي دالة على بقاء المسكن تحت يده وهذا ما نص عليه العلّامة في التذكرة والشارح في المسالك وغيرهما.

أما لو فارق المكان لغير عذر بطل حقه سواء بقي رحله أم لا ، وسواء طالت مدة المفارقة أم قصرت ، لأن المفارقة رفع لليد عن المسكن ، وبالرفع يسقط حقه.

(١١) أي صدق المفارقة المسقطة للأولوية لرفع اليد عن المسكن.

(١٢) أي خلو المكان.

(١٣) أي مفهوم قول الماتن.

(١٤) بقي رحله أولا ، طالت المدة أو قصرت ، عدم سقوط الحق لو فارق المكان لعذر قد نسبه المحقق في الشرائع إلى القيل ، وقال عنه في الجواهر : (ولم نعرف القائل ممن تقدمه) انتهى ، واستدل له لصدق كونه سابقا وأن ما سبق إليه ما زال في يده وفي قبضته. ـ

١٨٧

ويشكل (١) مع الطول المدة ، وأطلق الأكثر بطلان حقه بالمفارقة.

وفي التذكرة : إنه إذا فارق أياما قليلة لعذر فهو أحق ، وشرط بعضهم (٢) بقاء الرحل ، وعدم طول المدة.

وفي الدروس ذكر في المسألة (٣) أوجها (٤):

زوال حقه كالمسجد. وبقاؤه مطلقا (٥) ، لأنه (٦) باستيلائه جرى مجرى المالك. وبقاؤه (٧) إن قصرت المدة ، دون ما إذا طالت ، لئلا يضر بالمستحقين ، وبقاؤه إن خرج لضرورة وإن طالت المدة ، وبقاؤه إن بقي رحله ، أو خادمه ، ثم استقرب تفويض الأمر إلى ما يراه الناظر (٨) صلاحا.

والأقوى أنه (٩) مع بقاء الرحل وقصر المدة لا يبطل حقه (١٠) ، وبدون

______________________________________________________

ـ وفيه مع صدق المفارقة المتضمنة لرفع اليد فلا بد من سقوط حقه ولذا ذهب الأكثر إلى السقوط وهو الأقوى.

ومنه تعرف ضعف ما في التذكرة أنه لو فارق لعذر أياما قليلة فهو أحق إذا عاد.

(١) أي عدم سقوط الحق مشكل مع طول مدة الغياب ، وفيه : أن تخصيص الإشكال بطول المدة ليس في محله ما دام حقه قد سقط بالمفارقة بلا فرق بين طول المدة وقصرها.

(٢) وهو المحقق الثاني في جامع المقاصد حيث قال : (والظاهر أن مفارقته من غير أن يبقى رحله مسقط لأولويته ولو قصر الزمان جدا ، كما لو خرج لغرض لا ينفك عن مثله عادة ولا يخرج في العادة عن كونه ساكنا ففي بقاء حقه قوة) انتهى.

(٣) أي في مسألة المفارقة.

(٤) قال في الدروس : (لو فارق ساكن المدرسة والرباط ففيه أوجه : زوال حقه كالمسجد ، وبقاؤه مطلقا ، لأنه باستيلائه جرى مجرى المالك ، وبقاؤه إن قصرت المدة دون ما إذا طالت لئلا يضرّ بالمستحقين ، وبقاؤه إن خرج لضرورة كطلب تأدية مهمة وإن طالت المدة ، وبقاؤه إن بقي رحله وخادمه ، والأقرب تفويض ذلك إلى ما يراه الناظر) انتهى.

(٥) أي بقاء حقه سواء بقي رحله أم لا ، وسواء طالت المدة أم لا.

(٦) أي الساكن.

(٧) أي بقاء حق الساكن.

(٨) وهو المتولي على الوقف.

(٩) أن الشأن والواقع.

(١٠) حق الساكن لعدم تحقق رفع اليد بالمفارقة لوجود رحله ، ولذا اشترط الشارح بقاء الرحل لبقاء حقه.

١٨٨

الرحل يبطل ، إلا أن يقصر الزمان بحيث لا يخرج عن الإقامة عرفا (١).

ويشكل الرجوع إلى رأي الناظر (٢) مع إطلاق النظر (٣) إذ ليس له إخراج المستحق اقتراحا (٤) فرأيه (٥) حينئذ (٦) فرع الاستحقاق (٧) وعدمه.

نعم لو فوّض إليه (٨) الأمر مطلقا (٩) فلا إشكال.

(ومنها (١٠) الطرق (١١) ـ وفائدتها) في الأصل(الاستطراق ، والناس فيها شرع (١٢) بالنسبة إلى المنفعة المأذون فيها (١٣) (ويمنع من الانتفاع بها (١٤) في غير)

______________________________________________________

(١) فلا يبطل حقه وإن لم يبق رحله ، لعدم تحقق رفع اليد عن المسكن في هذه الصورة أيضا.

(٢) كما استقربه الماتن في الدروس.

(٣) أي مع إطلاق النظر إلى الناظر من قبل الواقف ، وإلا لو لم يجعله متوليا للإخراج وعدمه فليس له الإخراج قطعا.

(٤) أي بدون سبب.

(٥) أي رأي الناظر.

(٦) أي حين إطلاق النظر إليه.

(٧) أي استحقاق الساكن للإخراج.

(٨) إلى الناظر ، وقد فوّض إليه الأمر من قبل الواقف.

(٩) سواء استحق الساكن الإخراج أم لا.

(١٠) ومن المشتركات.

(١١) فائدة الطرق الأصلية الاستطراق ، والناس فيها شرع ، فلا يجوز الانتفاع في الطرق بغير الاستطراق إلا ما لا يفوت به منفعة الاستطراق كالجلوس غير المضرّ بالمارة والمعاملة ووقف الدواب للسيرة على ذلك في جميع الأمصار والإعصار.

(١٢) بفتح الراء وسكونها ، قال في مجمع البحرين : (في الحديث : الغلام والجارية شرع سواء ، هو مصدر يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع والمذكر والمؤنث ، وتفتح الراء وتسكن ، أي متساويان في الحكم لا فضل لأحدهما على الآخر ، وقوله : شرع سواء كأنه من عطف البيان ، لأن الشرع هو السواء) انتهى.

(١٣) وهي الاستطراق.

(١٤) بالطرق.

١٨٩

(ذلك) المذكور وهو (١) الاستطراق(مما يفوت به منفعة المارة) لا مطلقا (٢) (فلا يجوز الجلوس) بها (٣) (للبيع والشراء) ، وغيرهما من الأعمال ، والاكوان (٤) (إلا مع السعة (٥) حيث لا ضرر) على المارة لو مروا في الطريق بغير موضعه (٦) ، وليس لهم (٧) حينئذ (٨) تخصيص الممر بموضعه (٩) إذا كان لهم عنه مندوحة (١٠) ، لثبوت الاشتراك (١١) على هذا الوجه (١٢) ، وإطباق الناس على ذلك (١٣) في جميع الأصقاع (١٤) ، ولا فرق في ذلك (١٥) بين المسلمين وغيرهم ، لأن لأهل الذمة منه (١٦) ما للمسلمين في الجملة.

(فإذا فارق) المكان الذي جلس فيه للبيع ، وغيره(بطل حقه (١٧) ...

______________________________________________________

(١) أي المذكور.

(٢) أم لا تفوت به منفعة المارة فغير ممنوع.

(٣) بالطرق.

(٤) كالوقوف من دون مشي.

(٥) أي السعة على المارة.

(٦) أي موضع الجالس.

(٧) للمارة.

(٨) حين جلوسه مع عدم ضرر المارة.

(٩) بموضع الجالس.

(١٠) الندح بالضم الكثرة والسعة.

(١١) في الطريق.

(١٢) بحيث كان هناك سعة للمارة فلا يجوز لهم مزاحمة الجالس.

(١٣) على عدم مزاحمة الجالس لو كان هناك سعة للمارة.

(١٤) الصقع بالضم الناحية.

(١٥) في الانتفاع بالطريق في غير الاستطراق مما لا يضر بالمارة.

(١٦) من الطريق قال في المسالك : (وفي ثبوت هذا الارتفاق لأهل الذمة وجهان ، أصحهما ذلك ، لثبوت حق الاستطراق لهم فيتبعه غيره) انتهى.

(١٧) إذا قام الجالس غير المضرّ بالمارة بعد استيفاء غرضه وعدم نية العود بطل حقه وقال في الجواهر : (بل يمكن تحصيل الإجماع عليه) انتهى. وعليه فلو عاد إليه وقد سبقه سابق إليه لم يكن له دفع الثاني ضرورة ثبوت الحق للثاني بسبقه. ـ

١٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ أما لو قام وهو ينوي العود فقيل : كان أحق بمكانه ، وفي الجواهر (وإن كنا لم نعرف القائل).

وعن الشيخ في المبسوط والعلامة في جملة من كتبه والشهيد في الدروس بقاء حقه إن ترك رحله فيه لثبوت الحق في المسجد ، والسوق مثله لما ورد في مرسل الفقيه (قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : سوق المسلمين كمسجدهم ، فمن سبق إلى مكان فهو أحق به إلى الليل) (١).

وفيه : أنه مثله من ناحية حق السبق باعتبار ذيله ، وليس من ناحية بقاء الحق مع المفارقة.

وعن العلامة في التذكرة أنه أحق به إلى الليل باعتبار ذيل الخبر المتقدم ، وفيه : أنه غير معمول به عند الأصحاب ، فلذا ذهب غير واحد كما في الجواهر إلى عدم بقاء حقه ما دام قد فارق المكان المتضمن لرفع اليد عنه ولو نوى العود إليه سواء استوفى غرضه أم لا ، وسواء كان له رحل أم لا ، وسواء كان مع نية العود أم لا ، وسواء كان زمان المفارقة طويلا أم لا ، وسواء أذن الحاكم له بالجلوس أم لا.

هذا وفي الشرائع وجملة من كتب العلامة والمسالك فصّلوا بين الجلوس للاستراحة والجلوس للبيع والشراء ، ففي الأول كان النزاع المتقدم ، وفي الثاني بحثوا في أصل الجلوس وقالوا : بجواز الجلوس للبيع والشراء في الرحاب المتسعة نظرا إلى العادة ، وهذا قيد في معنى عدم إضرار المارة ، وعليه فلا فرق بين القسمين ولذا أشكل عليه في الجواهر بقوله : (أشكل الفرق حينئذ بينه وبين غيره مع فرض عدم الضرر ـ إلى أن قال ـ وأوحش منه ما في المسالك واتباعها في شرح المتن المزبور من أنهم اختلفوا في جواز الجلوس للبيع والشراء فمنعه بعضهم مطلقا ، لأنه انتفاع بالتبعة في غير ما أعدّت له فكان كالانتفاع بالوقوفات الخاصة في غير ما عيّنت له من الجهة والمشهور التفصيل ، وهو المنع من ذلك في الطريق المسلوك الذي لا يؤمن تأذي المارة به غالبا ، وجوازه في الرحاب المتسعة في خلاله بحيث يؤمن تأذي المارة به. إذ هو ـ مع أن ما حكاه من القول الأول لم نعرفه لأحد من العامة والخاصة ، وقد نقل هو وغيره إجماع الناس في جميع الإعصار على فعل ذلك مع عدم الضرر من غير فرق بين الجلوس للبيع وغيره ـ أن التفصيل المزبور لم نعرفه أيضا لأحد) انتهى كلامه.

وعليه فلا معنى للتفصيل بين الجلوس للاستراحة وغيره كالبيع والشراء بعد اتحاد المناط ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب آداب التجارة حديث ١.

١٩١

مطلقا (١) ، لأنه (٢) كان متعلقا بكونه (٣) فيه (٤) وقد زال (٥) وإن (٦) كان رحله باقيا ، لاختصاص ذلك (٧) بالمسجد ، وأطلق المصنف (٨) في الدروس وجماعة بقاء حقه مع بقاء رحله ، لقول أمير المؤمنين عليه‌السلام : «سوق المسلمين كمسجدهم» والطريق على هذا الوجه (٩) بمنزلة السوق ، ولا فرق مع سقوط حقه على التقديرين (١٠) بين تضرره بتفرق معامليه وعدمه (١١).

واحتمل في الدروس بقاءه (١٢) مع الضرر ، لأن أظهر المقاصد (١٣) أن يعرف

______________________________________________________

ـ في الجميع وهو الجواز مع عدم الضرر بالمارة ، والمنع مع الضرر.

وعلى كل فلو جلس للبيع والشراء ثم قام فإن كان رحله باقيا فهو أحق به لما ذكر سابقا من الدليل ، والقائلون بذلك هنا هم القائلون بذلك هناك ، وقد عرفت ضعفه.

ومع عدم بقاء الرحل فإن كان ناويا للعود كان أحق به لئلا يتفرق معاملوه فيستضر ، وهو قول الجويني من العامة ، واحتمله الشهيد في الدروس إلا مع طول المفارقة فيبطل حقه لاستناد الضرر إليه.

وعن العلامة في التذكرة بقاء حقه إلى الليل للمرسل السابق وعن غير واحد من الأصحاب بطلان حقه إذ لا سبب للاختصاص بعد مفارقته ، وذيل المرسل لا جابر له ، ثم قالوا على التفصيل هذا كله في المستوطن وأما الجوال الذي يقعد كل يوم في موضع من السوق فلا إشكال في بطلان حقه إذا فارق المكان ، بل هذا خارج بنية المفارقة فلا يدخل في قسم ناوي العود ، ولا يفتقر إلى استثناء.

(١) بقي رحله أم لا ، ودخل الليل أم لا ، وطال زمن المفارقة أم لا.

(٢) أي حقه.

(٣) بكون الجالس.

(٤) في المكان.

(٥) أي زال الكون بسبب المفارقة فيزول الحق.

(٦) وصلية.

(٧) من بقاء الحق ببقاء الرحل.

(٨) وإطلاقه بالنسبة إلى السوق والمسجد.

(٩) من بقاء الحق فيها ببقاء الرحل.

(١٠) مع عدم الرحل على الثاني ، ومطلقا على الأول.

(١١) عدم التضرر.

(١٢) بقاء الحق.

(١٣) أي أظهر مقاصد البائع.

١٩٢

مكانه ليقصده المعاملون. إلا مع طول زمان المفارقة (١) ، لاستناد الضرر حينئذ (٢) إليه.

وفي التذكرة قيد بقاء حقه مع الرحل ببقاء النهار. فلو دخل الليل سقط حقه محتجا بالخبر السابق حيث قال فيه (٣) : فمن سبق إلى مكان فهو أحق به إلى الليل.

ويشكل بأن الرواية تدل بإطلاقها على بقاء الحق إلى الليل ، سواء كان له رحل أم لا (٤).

والوجه بقاء حقه مع بقاء رحله ما لم يطل الزمان ، أو يضر بالمارة ولا فرق في ذلك (٥) بين الزائد عن مقدار الطريق شرعا ، وما دونه (٦) ، إلا أن يجوز إحياء الزائد فيجوز الجلوس فيه (٧) مطلقا.

وحيث يجوز له الجلوس (٨) يجور التظليل عليه بما لا يضر بالمارة (٩) ، دون التسقيف ، وبناء دكة ، وغيرها (١٠) ، إلا على الوجه المرخص في الطريق مطلقا (١١) وقد تقدم (١٢). وكذا الحكم (١٣) في مقاعد الأسواق المباحة ، ولم يذكرها (١٤)

______________________________________________________

(١) فيبطل حقه وإن تفرق معاملوه ، لاستناد الضرر إليه.

(٢) حين طول زمان المفارقة.

(٣) أي حيث قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في الخبر.

(٤) مع أن العلامة قيّد بقاء الحق ببقاء الرحل ، هذا وقد عرفت عدم الجابر لهذا الذيل.

(٥) في بقاء حقه ببقاء رحله مع عدم طول زمان المفارقة وعدم ضرر المارة.

(٦) أي دون الزائد بأن كان الجلوس للبيع في الطريق ، وفي هذا تعريض بمن قال بحرمة الجلوس للبيع في الطريق مطلقا وقد عرفت ما فيه سابقا.

(٧) في الزائد المحيا ويكون ملكه بالإحياء فيجوز الجلوس فيه سواء أضرّ بالمارة أم لا.

(٨) أي الجلوس في الطريق للبيع ونحوه.

(٩) كما نص عليه غير واحد كما في الجواهر.

(١٠) لأنه مانع من الاستطراق الذي هو المنفعة الأهلية من الطريق.

(١١) فالوجه المرخص ما لا يمنع الاستطراق ، والإطلاق لمن أراد الجلوس وغيره.

(١٢) في أول بحث الطرق.

(١٣) أي ما قيل في الطريق من جواز الجلوس فيه للبيع ونحوه مما لا يضرّ بالمارة يجري في مقاعد الأسواق وهي الأماكن المعدة في الأسواق للاستراحة ، فيجوز الجلوس فيها للبيع ونحوه على التفصيل المتقدم.

(١٤) أي مقاعد الأسواق.

١٩٣

المصنف هنا ، وصرح في الدروس بإلحاقها (١) بما ذكر في حكم الطريق.

(ومنها (٢) المياه المباحة (٣) كمياه العيون في المباح (٤) ، والآبار المباحة ، الغيوث (٥) ، والأنهار الكبار كالفرات ، ودجلة ، والنيل ، والصغار التي لم يجرها مجر بنية التملك. فإن الناس فيها شرع(فمن سبق إلى اغتراف شي‌ء منها فهو أولى به ، ويملكه مع نية التملك (٦) لأن المباح لا يملك إلا بالاحراز والنية ، ومقتضى

______________________________________________________

(١) أي بإلحاق مقاعد الأسواق.

(٢) ومن المشتركات.

(٣) الماء أصله الإباحة بلا خلاف فيه للنبوي (الناس شركاء في ثلاثة : النار والماء والكلاء) (١) ، وخبر محمد بن سنان عن أبي الحسن عليه‌السلام (وسألته عن ماء الوادي فقال : إن المسلمين شركاء في الماء والنار والكلاء) (٢) ولكن قد يعرض له الملك بالإحراز في آنية ونحوه بلا خلاف فيه ، بل لعله ضروري كما في الجواهر ، وعن بعض العامة عدم الملك للماء ، بدعوى أن الحيازة سبب في ملك المباحات لا المشتركات ، والخبران السابقان دالّان على اشتراك الناس أو المسلمين في الماء فلا يملك بالحيازة.

وفيه : أنه ليس المراد بالشركة معناها المعروف من كون الماء ملكا للجميع والإلزام عدم جواز التصرف فيه إلا بإذن الجميع وهو بديهي البطلان ، بل المراد من الشركة هو الانتفاع به فهو من المباحات والناس فيه شرع سواء فيشمله النبوي (من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له) (٣).

وتملك الماء إما بالحيازة كما لو أحرز شيئا من الماء بآنية مع قصد التملك فهو لمحرزه يجوز له التصرف بأنواع التصرفات من حبس وبيع وغيرهما ولا يجب عليه بذل الفاضل منه عن حاجته من هذا الماء بلا خلاف فيه كما في الجواهر ، وإما بأسباب أخرى سيأتي البحث فيها.

(٤) الذي لم يعرض له وجه مملّك.

(٥) أي الأمطار.

(٦) الحيازة مع نية التملك سبب للملك في المباح ، أما الحيازة فلما تقدم من النبوي (من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له) (٤) ، وأما نية التملك فلأنه بدونها يكون بالحيازة عابثا ، والعبث مما لا أثر له في مقاصد العقلاء.

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ـ ٤ ـ من كتاب إحياء الموات حديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من كتاب إحياء الموات حديث ١.

(٣ و ٤) مستدرك الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب إحياء الموات حديث ٤.

١٩٤

العبارة (١) أن الأولوية تحصل بدون نية التملك ، بخلاف الملك (٢) ، تنزيلا (٣) للفعل (٤) قبل النية منزلة التحجير ، وهو (٥) يشكل هنا (٦) بأنه إن نوى بالاحراز الملك فقد حصل الشرط (٧) ، وإلا (٨) كان كالعابث لا يستفيد أولوية.

(ومن أجرى منها) أي من المياه المباحة(نهرا (٩) بنية التملك(ملك الماء المجرى فيه) على أصح القولين ، وحكي عن الشيخ إفادته (١٠) الأولوية خاصة استنادا إلى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الناس شركاء في ثلاث : النار ، والماء ، والكلاء ، وهو (١١) محمول على المباح منه (١٢) دون المملوك (١٣) اجماعا.

______________________________________________________

(١) أي عبارة الماتن.

(٢) فإنه لا يحصل إلا بنية التملك.

(٣) تعليل لحصول الأولوية بالسبق من دون نية التملك.

(٤) من السبق والحيازة.

(٥) أي الإحراز الموجب للأولوية.

(٦) في المباح بخلاف الإحياء فإنه موجب للملك بدون القصد ، والشروع فيه موجب للتحجير.

(٧) أي شرط الملك وهو نية التملك.

(٨) أي وإن لم ينو بالإحراز الملك.

(٩) إذا حفر نهرا في مباح أو ملك وأوصله بالنهر المباح فدخل فيه الماء فلا خلاف في أولوية الحافر بالماء المذكور ، وأنه ليس لأحد مزاحمته فيه للسقي ولا في غيره ، ولا في ملكيته لنفس المجرى بمعنى جواز البيع والمعارضة عليه ، وإنما الخلاف تملكه الماء الذي يدخل فيه فالمشهور بين الأصحاب خصوصا المتأخرين أنه يملك الماء بهذا الحفر مع قصد نية التملك.

وذهب الشيخ في المبسوط إلى عدم ملك الماء بذلك ، لأنه ماء مباح دخل في ملكه فيبقى على أصل الإباحة ، وللنبوي (الناس شركاء في ثلاثة : النار والماء والكلاء) (١) ، نعم الحافر له أولوية به.

(١٠) أي إفادة حفر المجرى مع إيصاله إلى النهر المباح.

(١١) أي النبوي المذكور.

(١٢) من الماء.

(١٣) أي دون ما إذا عرض له سبب مملك كما هو في مفروض مسألتنا.

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ـ ٤ ـ من كتاب إحياء الموات حديث ٢.

١٩٥

(ومن أجرى عينا) بأن أخرجها من الأرض وأجراها على وجهها(فكذلك) يملكها مع نية التملك (١) ، ولا يصح لغيره أخذ شي‌ء من مائها إلا بإذنه ، ولو كان المجري جماعة ملكوه على نسبة عملهم (٢) ، لا على نسبة خرجهم ، إلا أن يكون الخرج تابعا للعمل. وجوّز في الدروس الوضوء ، والغسل ، وتطهير الثوب

______________________________________________________

(١) من حفر بئرا أو عينا بنية التملك فإنه يختص بالبئر أو العين كالمحجّر وإن وصل إلى الماء فقد ملك الماء والبئر لعموم (من سبق) بلا خلاف فيه ، ولكن الشيخ في المبسوط أوجب على المالك بذل الفاضل عن حاجته إلى غيره بغير عوض ، إذا احتاج الغير إليه لشربه أو شرب ماشيته لا لسقي الزرع والشجر ، نعم حاجة المالك قدرها بشربه وشرب ماشيته وزرعه ، لخبر جابر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (أنه نهى عن بيع فضل الماء) (١) ، وللنبوي الآخر (من منع فضل الماء ليمنع به الكلاء منعه الله فضل رحمته) (٢).

وهي أخبار عامية لا جابر لها وهي أعم من المدعى ، وظاهرها النهي عن منع فضل مائه مطلقا حتى لو كان لزرع الغير وهو لا يقول به ، نعم هي ظاهرة في إرادة الماء المباح الذي لم يعرض له وجه مملّك كمياه الأنهار العامة والأمطار ومياه العيون والآبار المباحة ، فإن الناس في هذه شرع سواء حتى لو دخل منها شي‌ء في أملاك الناس لم يملكوه إلا بنية الحيازة على تفصيل قد تقدم ، ومما تقدم تعرف أن الماء أصله مباح ويملكها بالحيازة أو بحفر البئر أو العين في ملكه أو المباح ، ويملك أيضا بما إذا أجرى من المياه المباحة نهرا بحيث حفر مجرى أوصله إلى الماء المباح فدخل فيه ، وهذه هي أسباب تملك الماء.

(٢) لو كان الحافر أو المجري واحدا فلا بحث وأما إذا كان جماعة فإن وسعهم على وجه لا يقع بينهم تعاسر أو لم يسعهم ولكن تراضوا على المهاياة وقسمة مائه بحسب الزمن فلا بحث ، وإن تعاسروا قسّم بينهم بالأجزاء بأن توضع خشبة صلبة أو صخرة فيها ثقوب متساوية على قدر حقوقهم في صدر الماء هذا إذا كانوا متساويين في العمل وإلا فلكل بحسب عمله ، لأن الحيازة تابعة للعمل.

وعن الشيخ في المبسوط أنه مع التعاسر يقسّم بينهم على سعة الضياع التي هي لهم لا على قدر عملهم ولا نفقاتهم ، لعدم ملكهم الماء وإنما هم أحق به لأجل ملكهم ، فلو كان لبعضهم مائة جريب وللآخر ألف جعل للأول عشر ما للثاني ، وفيه أن الماء مملوك بالعمل لا بحسب سعة الضياع فالتقسيم تابع للعمل.

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٦ ص ١٥.

(٢) كنز العمال ج ٣ ص ٥١٨ رقم الحديث : ٣٩٧٥.

١٩٦

منه (١) عملا بشاهد الحال (٢) ، إلا مع النهي (٣) ولا يجوز ذلك (٤) من المحرز في الإناء (٥) ، ولا مما يظن الكراهية فيه (٦) مطلقا (٧).

ولو لم ينته الحفر في النهر ، والعين إلى الماء بحيث (٨) يجري فيه فهو تحجير يفيد الأولوية كما مر (٩).

(وكذا) يملك الماء(من احتقن (١٠) شيئا من مياه الغيث ، أو السيل) لتحقق الاحراز مع نية التملك كإجراء النهر (١١).

ومثله (١٢) ما لو أجرى ماء الغيث في ساقية (١٣) ، ونحوها (١٤) إلى مكان بنية التملك ، سواء أحرزها (١٥) فيه (١٦) أم لا (١٧) ، حتى لو أحرزها في ملك الغير وإن

______________________________________________________

(١) من الماء المملوك بالحفر مع قصد التملك.

(٢) فيشمل صورة الشك في الاذن.

(٣) ومعه لا معنى لشاهد الحال.

(٤) من الوضوء والغسل وتطهير الثوب منه.

(٥) لعدم شاهد الحال فيه.

(٦) أي مما يظن كراهية استعماله فلا يجوز الوضوء ونحوه منه إذ لا معنى لشاهد الحال مع الكراهة كما أنه لا معنى له مع النهي.

(٧) سواء محرزا في الإناء أم في النهر أم في غيرهما.

(٨) قيد للحفر المنفي وليس للنفي كما هو واضح.

(٩) وقد مرّ في إحياء الموات ، والحفر إحياء للعين أو البئر فالشروع فيه يفيد تحجيرا موجبا للأولوية.

(١٠) أي حبسه.

(١١) أي كمسألة من حفر نهرا في مباح وأوصله بالنهر المباح فدخل فيه الماء ، فإنه يملك الماء لتحقق الإحراز مع نية التملك ، بل كل من الحفر والاحتقان آلة لتحصيل الماء المباح كالشبكة التي هي آلة لحيازة السمك من البحر.

(١٢) أي ومثل الاحتقان.

(١٣) وهي النهر الصغير.

(١٤) نحو الساقية كالقناة والترعة بحيث أجرى ماء الغيث في هذه المذكورات إلى مكان.

(١٥) أي المياه.

(١٦) في المكان الذي أجرى الماء إليه.

(١٧) لتحقق الإحراز بالجريان فلا داعي لإحرازها في المكان المذكور.

١٩٧

كان غاصبا للمحرز فيه ، إلا إذا أجراها (١) ابتداء في ملك الغير فإنه (٢) لا يفيد ملكا مع احتماله (٣) ، كما لو أحرزها في الآنية المغصوبة بنية التملك.

(ومن حفر بئرا (٤) ملك الماء) الذي يحصل فيه(بوصوله إليه) أي إلى الماء إذا قصد التملك(ولو قصد الانتفاع بالماء والمفارقة (٥) فهو أولى به ما دام نازلا عليه) فإذا فارقه بطل حقه ، فلو عاد بعد المفارقة ساوى غيره على الأقوى (٦) ، ولو تجرد عن قصد التملك والانتفاع فمقتضى القواعد السابقة (٧) عدم الملك والأولوية معا كالعابث.

(ومنها (٨) ـ المعادن (٩) وهي قسمان : ظاهرة وهي التي لا يحتاج تحصيلها

______________________________________________________

(١) أي الغيوث.

(٢) أي الجريان في ملك الغير لا يفيد ملكا ، للنهي عن التصرف في مال الغير ، فلا يفيد هذا التصرف المنهي عنه ملكا ، وفيه أن النهي في المعاملات غير مفسد بعد كون الملك متوقفا على الحيازة مع نية التملك ، والحيازة ، صادقة في هذا التصرف المنهي عنه.

(٣) أي احتمال الملك.

(٤) مثله ما لو حفر عينا ، وقد تقدم البحث فيه هناك.

(٥) لو حفر بئرا أو عينا لا بقصد التملك وإنما بقصد الانتفاع بها ما دام في ذلك المكان فهو أحق بها مدة مقامه عليها كما صرح به الشيخ وابن إدريس والعلامة والشهيدان والكركي معللين بأنه لا ينقص عن التحجير بعد انتفاء الملك لعدم القصد ، وعليه فلو فارق مفارقة إعراض ثم عاد ساوى غيره فمن يسبق إليها فهو أحق بالانتفاع بها بلا خلاف بين من تعرض له ولا إشكال كما في الجواهر بناء على سقوط حقه بالإعراض نعم قيل ما قبل المفارقة يجب عليه بذل الفاضل من حاجته ولم يعرف القائل كما اعترف في الجواهر بذلك نعم في التذكرة قال : فالأقوى اختصاصه به ، وفي الشرائع نسبه إلى القيل ، وهو ضعيف إذ مقتضى تعلق حقه عدم وجوب بذل فاضله كالمملوك.

(٦) قال في الجواهر : (بلا خلاف بين من تعرض له ولا إشكال).

(٧) السابقة في حصول الملك وحصول الأولوية.

(٨) من المشتركات.

(٩) المعادن على قسمين : ظاهرة وباطنة ، أما الظاهرة فهي التي لا تفتقر إلى إظهار ، بمعنى عدم احتياج الوصول إليها إلى مئونة كالملح والنفط والقارّ والكبريت والمومياء والبرام والكحل وغيرها مما هي ظاهرة بلا عمل ، وإنما السعي والعمل لأخذه ، فالظاهرة لا تملك بالإحياء لعدم تصور الإحياء بالحفر ونحوه بعد فرض ظهوره.

١٩٨

إلى طلب كالياقوت ، والبرام (١) والقير ، والنفط ، والملح ، والكبريت ، وأحجار الرّحا ، وطين الغسل ، وباطنة وهي المتوقف ظهورها على العمل كالذهب ، والفضة ، والحديد ، والنحاس ، والرصاص ، والبلور ، والفيروزج(فالظاهرة لا تملك بالإحياء) لأن إحياء المعدن إظهاره بالعمل ، وهو (٢) غير متصور في المعادن الظاهرة لظهورها ، بل بالتحجير أيضا (٣) ، لأنه (٤) الشروع بالإحياء ، وإدارة الحائط إحياء للأرض على وجه لا مطلقا (٥) ، بل الناس فيها (٦) شرع ، الإمام وغيره.

(ولا يجوز أن يقطعها السلطان العادل (٧) لأحد على الأشهر (٨) ، لاشتراك

______________________________________________________

(١) بكسر الباء وهو الحجر الذي يعمل منه القدر.

(٢) أي الإحياء.

(٣) أي ولا يختص بالمعادن الظاهرة من حجّر عليها ، لأن التحجير شروع في الأحياء والإحياء منتف هنا فينتفي التحجير أيضا.

(٤) أي التحجير.

(٥) بحيث يشمل المعادن.

(٦) في المعاون الظاهرة.

(٧) وهو المعصوم عليه‌السلام.

(٨) الاقتطاع أن يقتطع الإمام عليه‌السلام شيئا منها لأحد بخصوصه ، وقد تقدم جواز إقطاع المعصوم من الأرض الموات ، لأنها ملكه فيجوز له التصرف فيها كيفما شاء ، وأما في المعادن الظاهرة والطرق ومقاعد الأسواق فلا يجوز إقطاع المعصوم لأحد منها شيئا ، لأنها ليست ملكه وإنما هي مما قد تعلق بها حق جميع الناس أو المسلمين.

ثم هذا مبني على كون المعادن الظاهرة من المباحات والناس فيها شرع ، وهو المشهور ، وعن المفيد وسلّار وحكي عن الكليني وشيخه علي بن إبراهيم وعن الشيخ أيضا بأن جميع المعادن الظاهرة والباطنة للإمام عليه‌السلام لخبر إسحاق بن عمار المروي في تفسير علي بن إبراهيم (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الأنفال فقال : هي التي خربت ـ إلى أن قال ـ والمعادن منها) (١) ، وخبر أبي بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام (سئل عن الأنفال فقال : منها المعادن والآجام) (٢).

وفيه ضعف السند مع عدم الجابر له فضلا عن السيرة المستمرة في سائر الأمصار ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب الأنفال من كتاب الخمس حديث ٢٠ و ٢٨.

١٩٩

الناس فيها (١).

وربما قيل : بالجواز نظرا إلى عموم ولايته (٢) ، ونظره.

(ومن سبق إليها فله أخذ حاجته (٣) أي أخذ ما شاء وإن زاد عما يحتاج إليه ، لثبوت الأحقية بالسبق ، سواء طال زمانه (٤) أم قصر.

(فإن توافيا عليها (٥) دفعة واحدة (٦) (وأمكن القسمة) بينهما(وجب قسمة)

______________________________________________________

ـ والأعصار في زمن تسلطهم وغيره على أخذ المعادن بدون إذنهم حتى من الأرض الموات ، ومنه تعرف ضعف ما ذهب إليه البعض كالشارح في الروضة والشهيد في الدروس من التفصيل بين المورث في الأرض الموات فهو للإمام وبين غيره فهو من المباحات ، وعلى كل فعلى القول الثاني بأن جميع المعادن للإمام عليه‌السلام يجوز أن يقطع شيئا منها لواحد بخصوصه ، بعد عموم ولايته المستفادة من قوله تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) (١).

(١) في المعادن الظاهرة.

(٢) أي ولاية المعصوم.

(٣) بعد ما تقدم عدم تصوّر الإحياء في المعادن الظاهرة وأنها من المباحات التي ينتفع بها كل الناس فمن سبق إليها وأخذ شيئا بقصد نية التملك فهو له ، لعموم النبوي (من سبق إلى من لم يسبق إليه مسلم فهو له) (٢) ، وأما نية التملك فقد تقدم الدليل عليها ، هذا وإطلاق الأحقية الناشئة من السبق يقتضي أخذ ما حازه وإن كان أزيد من حاجته.

(٤) أي زمان السبق.

(٥) على المعادن الظاهرة بحيث تسابق اثنان فالسابق أولى بلا خلاف ولا إشكال لعموم (من سبق) المتقدم ، ولكن وقع البحث في أن السابق يأخذ بقدر حاجته وإن زاد على ما يعتاد لمثله كما عن الفاضل والشهيدين والكركي وهو المحكي عن المبسوط أو أنه يأخذ ما يعتاد لمثله وهو المحكي عن البعض كما في الجواهر ، وضعف الثاني واضح بعد إطلاق الأحقية الناشئة من السبق ، نعم لو أخذ بقدر بغيته فهل يجوز أخذ الزائد عن البغية والحاجة لتحقق الأولوية بالسبق ، أو لا يجوز لعكوف غيره المفيد للأولوية في الجملة ، والأصح أنه يجوز أخذ الزائد عن الحاجة ما لم يصل الأمر إلى حدّ المضارّة بالغير المسبوق.

(٦) بحيث لم يسبق أحدهما الآخر فإن أمكن أن يأخذ كل منهما حاجته دفعة أو تدريجا ـ

__________________

(١) سورة الأحزاب ، الآية : ٦.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب إحياء الموات حديث ٤.

٢٠٠