الزبدة الفقهيّة - ج ٧

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٧

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: كيميا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-6307-60-4
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٥٧٢

لتعذره (١) بموتها(وورثها (٢) ، لبقاء الزوجية(وعليه الحد للوارث) بسبب القذف ، لعدم تقدم مسقطه (٣) (وله (٤) أن يلاعن لسقوطه) وإن لم يكن بحضور الوارث ، لأنه (٥) إما شهادات ، أو أيمان. وكلاهما لا يتوقف على حياة المشهود عليه ، والمحلوف لأجله ، ولعموم (٦) الآية وقد تقدم : إن لعانه يسقط عنه الحد ، ويوجب الحد عليها ، ولعانهما يوجب الأحكام الأربعة فإذا انتفى الثاني (٧) بموتها بقي الأول (٨) خاصة فيسقط الحد (٩) (ولا ينتفي الارث بلعانه بعد الموت) كما لا تنتفي الزوجية بلعانه قبله (١٠) (إلا على رواية أبي بصير) عن الصادق عليه‌السلام قال : «إن قام رجل من أهلها فلا عنه فلا ميراث له ، وإن أبى أحد منهم فله الميراث» ، ومثله روى عمرو بن خالد عن زيد عن آبائه عليه‌السلام ، وبمضمونها عمل جماعة.

والروايتان مع إرسال الأولى ، وضعف سند الثانية مخالفتان للأصل من حيث (١١) إن اللعان شرّع بين الزوجين فلا يتعدى ، وإن لعان الوارث متعذر ، لأنه (١٢)

______________________________________________________

الوارث ملازما لها أو للمنسوب إليه في تلك الساعة على وجه يعلم انتفاء الفعل ، كما في نظائره من الشهادات على النفي المحصور ، وبأن المعتبر لعان واحد من طرف الزوجة فيكتفي بلعان واحد من الورّاث ، ومع التعدد يتخيّر الوارث إن بذل الجميع أو يقرع بينهم مع التشاح ، ومع كل هذا فهي تصلح مؤيدا.

(١) أي اللعان.

(٢) أي الزوج.

(٣) أي مسقط حد القذف.

(٤) للزوج.

(٥) أي اللعان.

(٦) دليل ثان على جواز اللعان وإن لم يكن بحضور الوارث.

(٧) وهو لعانهما.

(٨) وهو لعانه.

(٩) أي يسقط حد القذف بسبب لعانه.

(١٠) قبل الموت.

(١١) بيان للأصل ومفاده أن الأصل عدم قيام غير الزوجة مقامها في اللعان.

(١٢) لأن الوارث.

٣٠١

إن أريد مجرد حضوره (١) فليس بلعان حقيقي ، وأن اريد ايقاع الصيغ المعهودة من الزوجة فبعيد ، لتعذر (٢) القطع من الوارث على نفي فعل غيره غالبا ، وايقاعه (٣) على نفي العلم تغيير للصورة المنقولة (٤) شرعا ، ولأن (٥) الارث قد استقر بالموت فلا وجه لإسقاط اللعان المتجدد له (٦).

(ولو كان الزوج أحد الأربعة) الشهود بالزنا(فالأقرب حدها (٧) لأن شهادة

______________________________________________________

(١) بدون تلفظه بالشهادات والغضب.

(٢) وجه الاستبصار.

(٣) أي إيقاع اللعان من الوارث.

(٤) أي تغيير لصورة اللعان المنقولة شرعا ، إذا المنقول هو لعانها على نفي الفعل المنسوب إليها.

(٥) أي والأصل يقتضي أن الإرث.

(٦) للإرث.

(٧) لو شهد أربعة على المرأة بالزنا ، أحدهم الزوج ففي ثبوت حد الزنا عليها بشهادتهم قولان ، فعن الأكثر أنها تحد ، وحدها هنا الرجم لأنها محصنة لخبر إبراهيم بن نعيم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن أربعة شهدوا على امرأة بالزنا ، أحدهم زوجها ، قال : تجوز شهادتهم) (١).

ويؤيده قوله تعالى في آية اللعان (وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدٰاءُ إِلّٰا أَنْفُسُهُمْ) (٢) ، وهو مشعر بأن نفسه شاهد أيضا لو حصل معه تمام العدد.

وعن الصدوق وابن البراج وجماعة أنها لا تحدّ ، بل يحدّ الشهود. الثلاثة ويلاعن الزوج لخبر زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام (في أربعة شهدوا على امرأة بالزنا أحدهم زوجها ، قال : يلاعن الزوج ويجلّد الآخرون) (٣) ، ويؤيده قوله تعالى : (لَوْ لٰا جٰاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ) (٤) بناء على رجوع الضمير في (جاءوا) إلى القاذفين ومنهم الزوج ، ولذا لا يقال : جاء الإنسان بنفسه ، فلا بدّ من أربعة شهود غير الزوج القاذف.

والشيخ وجماعة حملوا الخبر الثاني على اختلال بعض شرائط قبول شهادتهم ، وهو ليس

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من كتاب اللعان حديث ١.

(٢) سورة النور ، الآية : ٦.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من كتاب اللعان حديث ٢.

(٤) سورة النور ، الآية : ١٣.

٣٠٢

الزوج مقبولة على زوجته(إن لم تختل الشرائط) المعتبرة في الشهادة (١) (بخلاف ما إذا سبق الزوج بالقذف) فإن شهادته ترد لذلك (٢) ، وهو (٣) من جملة اختلال الشرائط ، (أو اختلّ غيره (٤) من الشرائط) كاختلاف كلامهم في الشهادة ، أو أدائهم الشهادة مختلفي المجلس ، أو عداوة أحدهم لها ، أو فسقه ، أو غير ذلك(فإنها (٥) حينئذ (٦) (لا تحدّ) ، لعدم اجتماع شرائط ثبوت الزنا(ويلاعن الزوج) لإسقاط الحد عنه بالقذف ، (وإلا) يلاعن(حدّ) ، ويحد باقي الشهود للفرية.

واعلم أن الأخبار ، وكلام الأصحاب اختلف في هذه المسألة فروى إبراهيم بن نعيم عن الصادق عليه‌السلام جواز شهادة الأربعة الذين أحدهم الزوج ، ولا معنى للجواز هنا (٧) إلا الصحة التي يترتب عليها (٨) أثرها ، وهو (٩) حد المرأة ، وعمل

______________________________________________________

قولا آخر بل هو عين القول الأول ضرورة عدم الخلاف في عدم السماع مع اختلال الشرائط.

نعم عن السرائر والوسيلة والجامع الجمع بين الخبرين المتقدمين بأنه إذا سبق الزوج بالقذف فلا بد من أربعة شهداء غيره ، لأنه بالقذف ترد شهادته ولذا قال تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمٰانِينَ جَلْدَةً وَلٰا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهٰادَةً أَبَداً وَأُولٰئِكَ هُمُ الْفٰاسِقُونَ) (١) ، بل الآية صريحة أنه مع قذفه لا بد من شهادة أربعة ليس الزوج واحدا منهم وأما إذا لم يسبق الزوج بالقذف فيكفي ثلاثة غيره ويكون الزوج رابعا وعليه يحمل خبر قبول شهادتهم.

(١) أي في قبولها.

(٢) للقذف.

(٣) قذف الزوج لزوجته.

(٤) غير قذف الزوج.

(٥) أي الزوجة.

(٦) حين اختلال الشرائط.

(٧) أي في الشهادة.

(٨) على شهادة الأربعة.

(٩) الأثر.

__________________

(١) سورة النور ، الآية : ٤.

٣٠٣

بها جماعة (١) ، ويؤيدها قوله تعالى : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدٰاءُ إِلّٰا أَنْفُسُهُمْ) فإن ظاهرها (٢) أنه (٣) إذا كان غيره (٤) فلا لعان ، وقوله تعالى (وَاللّٰاتِي يَأْتِينَ الْفٰاحِشَةَ مِنْ نِسٰائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) (٥) فإن الظاهر كون الخطاب للحاكم ، لأنه (٦) المرجع في الشهادة فيشمل (٧) الزوج وغيره (٨) ، وروى زرارة عن أحدهما عليه‌السلام في أربعة شهدوا على امرأة بالزنا أحدهم زوجها قال : «يلاعن ويجلد الآخرون» وعمل بها الصدوق وجماعة ، ويؤيدها قوله تعالى : (لَوْ لٰا جٰاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ) (٩).

والمختار القبول (١٠) ،

ويمكن الجمع بين الروايتين مع تسليم أسنادهما بحمل الثانية (١١) على اختلال شرائط الشهادة كسبق الزوج بالقذف ، أو غيره كما نبه عليه المصنف بقوله : إن لم تختل الشرائط ، وأما تعليلها (١٢) بكون الزوج خصما لها فلا تقبل شهادته عليها ، فهو (١٣) في حيز المنع.

______________________________________________________

(١) بل هو الأكثر.

(٢) أي الآية.

(٣) أي الزوج.

(٤) أي إذا كان غيره متمما للعدد.

(٥) سورة النساء ، الآية : ١٥.

(٦) أي الحاكم.

(٧) أي ظاهر الآية.

(٨) بخلاف ما لو كان الخطاب للأزواج فلا بدّ من أربعة ليس هو منهم.

(٩) سورة النور ، الآية : ١٣ ، وهي ظاهرة في لابدية الأربعة من غير الزوج.

(١٠) قبول شهادتهم وإن كان الزوج واحدا عنهم.

(١١) وهي رواية زرارة الدالة على رد شهادتهم.

(١٢) أي تعليل رواية زرارة الدالة على رد شهادتهم ، لعدم قبول شهادة الزوج في حقها ، لأنه خصم لها حين شهادته عليها ، وشهادة الخصم غير مقبولة على خصمه هذا والتعليل من ابن البراج ليس في محله ، لأنه لا بدّ أن يكون خصما لها قبل شهادته لا بسبب شهادته.

(١٣) أي التعليل.

٣٠٤

كتاب العتق

٣٠٥
٣٠٦

(كتاب العتق (١)

وهو لغة الخلوص ، ومنه (٢) سميت جياد الخيل عتاقا (٣) ، والبيت الشريف عتيقا (٤). وشرعا (٥) خلوص المملوك الآدمي ، أو بعضه من الرق ، وبالنسبة (٦) إلى

______________________________________________________

(١) العتق ـ بالكسر على ما قيل ـ هو الحرية ، وبالفتح مصدر كالإعتاق ، ويقال : عتق العبد أي خرج عن الرق فهو عتيق ، وقال الشارح هنا وفي المسالك تبعا للفاضل في التحرير بأنه لغة هو الخلوص ، ومنه سمي البيت الشريف عتيقا لخلوصه من أيدي الجبابرة ، والخيل الجياد عتاقا ، وشرعا خلوص المملوك الآدمي أو بعضه من الرق بالنسبة إلى مطلق العتق ، وبالنسبة إلى المباشرة ـ التي هي مقصود الكتاب ـ تخليص الآدمي أو بعضه من الرق منجّزا بصيغة مخصوصة.

وعلّق صاحب الجواهر عليه بأنه لم يجد المعنى المزبور فيما حضره من كتب اللغة المتقدمة عليهما ، بل نقل عن الصحاح أن وصف البيت بالعتيق لقدمه ، والخيل بالعتاق لجودتها وأن من معاني العتق الحرية ، ولذا فسّر العتق بالحرية الفاضل المقداد في التنقيح.

(٢) أي ومن الخلوص.

(٣) من الهجنة.

(٤) لخلوصه من أيدي الجبارة ، أو لتخلصه من الطوفان.

(٥) أي والعتق شرعا هو خلوص المملوك الآدمي أو بعضه من الرق ، سواء كان خلوصه قهريا كما لو نكّل به مولاه أو ملكه أحد أبنائه ، أو كان اختياريا كما لو باشر مولاه عتقه بالصيغة المخصوصة ، وهذا بالنسبة إلى مطلق العتق.

(٦) عطف على المعنى الشرعي للعتق ، غير أن المتقدم بالنسبة لمطلق العتق ، وهذا بالنسبة

٣٠٧

عتق المباشرة المقصود بالذات من الكتاب (١) تخلص المملوك الآدمي ، أو بعضه من الرق منجزا (٢) بصيغة مخصوصة.(وفيه أجر عظيم (٣) قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤) : «من

______________________________________________________

لمباشرة العتق من المولى ، وهو من باب عطف الخاص على العام ، والمباشرة المذكورة هي مقصود كتاب العتق.

(١) أي كتاب العتق.

(٢) أي فعلا.

(٣) اتفق المسلمون على فضل العتق خصوصا في يوم عرفة وعشيتها ، ففي خبر الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (يستحب للرجل أن يتقرب إلى الله عشية عرفة ويوم عرفة بالعتق والصدقة) (١) ، وفي خبر زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه‌السلام (أن أمير المؤمنين عليه‌السلام أعتق ألف مملوك من كدّ يده) (٢) ، وفي خبر إبراهيم بن أبي البلاد عن أبيه رفعه قال : (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أعتق مؤمنا أعتق الله بكل عضو منه عضوا من النار ، فإن كانت أنثى أعتق الله بكل عضوين منها عضوا منه من النار ، لأن المرأة بنصف الرجل) (٣) ، وفي صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أعتق مسلما أعتق الله العزيز الجبار بكل عضو منه عضوا منه النار) (٤) ، وفي صحيح حفص البختري عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في الرجل يعتق المملوك قال : يعتق الله عزوجل بكل عضو منه عضوا من النار) (٥).

ففي بعضها قد ذكر المملوك ، وفي آخر المسلم وفي ثالث المؤمن ، ومن الممكن الجمع بينها فيكون الجزاء المذكور وهو الفكاك من النار مترتبا على عتق المؤمن.

وهذا لا يقلّل من استحباب مطلق العتق لقوله تعالى : (فَكُّ رَقَبَةٍ) (٦) ، ولأنه قد جعله الله كفارة لقتل المؤمن ولغيره ، ولما فيه من تخليص الآدمي المعصوم الدم من ضرر الرق ، ولما فيه من تمليك الرق منافعه وتكميل أحكامه.

(٤) كما في مرفوع ابن أبي البلاد المتقدم.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من كتاب العتق حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب العتق حديث ٦.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من كتاب العتق حديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب العتق حديث ٢.

(٥) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب العتق حديث ١.

(٦) سورة البلد ، الآية : ١٣.

٣٠٨

أعتق مؤمنا أعتق الله العزيز الجبّار بكلّ عضو عضوا له من النار فإن كان أنثى اعتق الله العزيز الجبّار بكلّ عضوين منها عضوا من النار لأن المرأة نصف الرجل». وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : «من أعتق رقبة مؤمنة كانت فداءه من النار» ، ولما فيه من تخليص الآدمي من ضرر الرق وتملكه منافعه ، وتكمّل أحكامه.

ويحصل العتق باختيار سببه (٢) ، وغيره (٣).

فالأول (٤) بالصيغة (٥) المنجزة (٦) ، والتدبير ، والكتابة ، والاستيلاد ، وشراء الذكر أحد (٧) العمودين ، أو المحارم (٨) من النساء ، والأنثى (٩) أحد العمودين ، وإسلام المملوك في دار الحرب قبل مولاه (١٠) مع خروجه منها (١١) قبله ، وتنكيل المولى به (١٢).

______________________________________________________

هذا إذا كان المعتق ذكرا ، وأما لو كان أنثى فالظاهر من العلة المذكورة أنه يعتق من النار العضو في قبال العضو ، ويؤيده مرسل محمد بن جمهور عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام (أن فاطمة بنت أسد قالت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوما : إني أريد أن أعتق جاريتي هذه ، فقال لها : إن فعلت أعتق الله بكل عضو منها عضوا منك من النار) (١).

(١) كما في خبر غوالي اللئالي (٢).

(٢) أي سبب العتق.

(٣) أي غير الاختيار.

(٤) وهو حصول العتق باختيار سببه.

(٥) وهو عتق المباشرة.

(٦) أي غير المعلّقة.

(٧) من أبويه وأبنائه.

(٨) عطف على أحد العمودين ، والمعنى وشراء الذكر المحارم من النساء كالأخت والعمة والخالة.

(٩) عطف على الذكر ، والمعنى وشراء الأنثى أحد العمودين.

(١٠) أي قبل إسلام مولاه.

(١١) أي مع خروج المملوك من دار الحرب قبل خروج مولاه.

(١٢) كقطع المولى أنف عبده أو أذنه ، وسيأتي كل في بابه.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب العتق حديث ٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب العتق حديث ١٣.

٣٠٩

والثاني (١) بالجذام ، والعمى ، والإقعاد ، وموت المورّث (٢) ، وكون أحد الأبوين حرا إلا أن يشترط رقه (٣) على الخلاف. وهذه الأسباب ، منها تامة في العتق ، كالاعتاق بالصيغة ، وشراء القريب ، والتنكيل ، والجذام والإقعاد.

ومنها ناقصة تتوقف على أمر آخر ، كالاستيلاد (٤) لتوقفه (٥) على موت المولى وأمور أخر ، والكتابة لتوقّفها على أداء المال ، والتدبير لتوقفه على موت المولى ، ونفوذه (٦) من ثلث ماله ، وموت (٧) المورث ، لتوقفه (٨) على دفع القيمة إلى مالكه ، وغيره مما يفصّل في محله إن شاء الله تعالى.

ويفتقر الأول (٩) إلى صيغة مخصوصة ، (وعبارته الصريحة التحرير (١٠) مثل)

______________________________________________________

(١) وهو حصول العتق بغير اختيار سببه.

(٢) أي موت مورّث العبد فينعتق جبرا كما سيجي‌ء.

(٣) أي رق الولد ، وقد تقدم في كتاب نكاح العبيد والإماء.

(٤) فهو لا يوجب عتق الأمة ما لم ينضم إليه موت المولى ، وبقاء ولدها حيا.

(٥) أي توقف الاستيلاد المؤثر في العتق.

(٦) أي نفوذ تدبير المولى.

(٧) عطف على التدبير والكتابة والاستيلاد.

(٨) أي توقف موت المورّث المؤثر في عتق الوارث.

(٩) وهو العتق بالصيغة المنجزة ، هذا واعلم أنه لا بد لوقوع العتق من صيغة تدل عليه كغيره من الأحكام المتوقف وقوعها على الصيغ الخاصة.

(١٠) قد اتفق الأصحاب ـ كما في المسالك ـ على وقوع العتق بصيغة التحرير ، كأن يقول : أنت أو هو أو فلان حر ، وقد استعمل لفظ التحرير في العتق صراحة في قوله تعالى : (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) (١).

واتفقوا أيضا على عدم وقوع العتق بالكناية المحتملة له ولغيره ، وإن قصد العتق بها ، كقوله : فككت رقبتك أو أنت سائبة أو لا سبيل لي عليك ونحو ذلك ضرورة كون المدار على ما ثبت من النصوص في إنشاء العتق ، ولم يثبت فيها ما يدل على كفاية الكناية فضلا عن اشتراط اللفظ الصريح في العتق ، لأنه إيقاع لازم ، والكناية غير صريحة ، ومنه

__________________

(١) سورة النساء ، الآية : ٩٢.

٣١٠

(أنت) مثلا ، أو هذا ، أو فلان(حر). ووقوعه بلفظ التحرير موضع وفاق ، وصراحته فيه (١) واضحة. قال الله تعالى : (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) (وفي قوله : أنت عتيق ، أو معتق خلاف) منشؤه الشك في كونه (٢) مرادفا للتحرير ، فيدل عليه (٣) صريحا أو كناية (٤) عنه فلا يقع به.

(والأقرب وقوعه) به (٥) ، لغلبة استعماله فيه (٦) في اللغة ، والحديث (٧) ، والعرف. وقد تقدم بعضه (٨) ، واتفق الأصحاب على صحته (٩) في قول السيد لأمته : اعتقتك وتزوجتك (١٠) الخ.

______________________________________________________

تعرف ضعف ما عن العامة من كفاية الكناية.

نعم اختلفوا في لفظ الإعتاق كقوله : اعتقتك ومنشؤه ورود لفظ الإعتاق في بعض النصوص الواردة في العتق كما تقدم في كتاب النكاح فيمن قال لأمته : أعتقتك وتزوجتك (١) ، وما ورد (لا عتق إلا ما أريد به وجه الله تعالى) (٢) وما ورد (لا عتق إلا ما طلب به وجه الله عزوجل) (٣) ، ولأن الإعتاق دال على العتق لغة وعرفا وشرعا فضلا عن استعماله الكثير في ذلك ولازمه القطع بوقوعه به ، لأن الإعتاق صريح فيه ، ومنه تعرف ضعف التردد عن المحقق في الشرائع بدعوى احتمال كونه كناية عن العتق.

(١) أي وصراحة التحرير في العتق.

(٢) كون الإعتاق.

(٣) أي فيدل الإعتاق على العتق صريحا ولازمه وقوعه به.

(٤) عطف على قوله (مرادفا) والمعنى والشك في كون الإعتاق كناية عن العتق ، فلا يقع به.

(٥) أي والأقرب وقوع العتق بالإعتاق.

(٦) أي لغلبة استعمال الإعتاق في العتق.

(٧) كالخبر المتقدم (لا عتق إلا ما أريد به وجه الله تعالى) (٤).

(٨) أي قد تقدم بعض استعمال الإعتاق في العتق في نكاح العبيد والإماء.

(٩) أي صحة العتق بالإعتاق.

(١٠) وجعلت مهرك عتقك.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من كتاب العتق حديث ١ و ٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من كتاب العتق حديث ١.

٣١١

(ولا عبرة بغير ذلك (١) من الألفاظ) التي لم توضع له (٢) شرعا(صريحا كان) في إزالة الرق(مثل أزلت عنك الرق ، أو فككت رقبتك ، أو كناية عنه (٣) تحتمل غير العتق(مثل أنت) بفتح التاء(سائبة (٤) ، أو لا ملك لي عليك ، أو لا سلطان ، أو لا سبيل ، أو أنت مولاي (٥) ، ويدخل في غير ذلك (٦) ما دل على الاعتاق بلفظ الماضي (٧) الذي يقع به (٨) غيره (٩) كأعتقتك. بل الصريح (١٠) محضا كحررتك.

وظاهرهم عدم وقوعه (١١) بهما (١٢)

______________________________________________________

(١) أي بغير التحرير والإعتاق ، هذا واعلم أن المعتبر في إنشاء العتق كون اللفظ صريحا فيه وقد ورد النص فيه ، فلو كان صريحا ولم يرد فيه نص ، مثل أزلت عنك الرق ، أو ورد فيه نص ولم يكن صريحا كقوله فككت رقبتك ، فلا يقع العتق بهما ، أما الأول فلأن أسباب العتق توقيفية لأنه عبادة أو شبههما لاشتراط قصد التقرب فيه ، وما كان عبادة يكون توقيفيا فيقتصر فيها على المنصوص ، وأما الثاني فلأن العتق لازم فيقتصر فيه على اللفظ الصريح ، وإن استعمل في العتق في النصوص كما هو المفروض ، إلا أن الاستعمال أعم من الحقيقة.

(٢) للعتق.

(٣) والمعنى أو كان اللفظ كناية عن العتق.

(٤) قال ابن الأثير في نهايته : (قد تكرر في الحديث ذكر السائبة والسوائب ، كان الرجل إذا أعتق عبدا يقال : هو سائبة فلا عقل بينهما ولا ميراث) انتهى.

(٥) المولى يأتي بمعنى السيد ويأتي بمعنى المعتق.

(٦) المراد من (غير ذلك) ما ورد في عبارة الماتن سابقا : (ولا عبرة بغير ذلك من الألفاظ) ، وقد عرفت أن المراد من غير ذلك هو غير التحرير والإعتاق الصريحين والواردين شرعا.

(٧) وهو قوله : أعتقتك.

(٨) بلفظ الماضي.

(٩) غير العتق كالبيع والنكاح.

(١٠) أي ما دل على العتق صراحة وهو التحرير ، فماضيه وهو : حررتك داخل في غير ذلك من عبارة الماتن.

(١١) عدم وقوع العتق.

(١٢) بماضي الإعتاق وماضي التحرير ، هذا وقد عرفت أن المدار على المنصوص مع الصراحة في صيغة العتق ، وعرفت أن التحرير والإعتاق صريحان ، إلا أن المنصوص منهما هو

٣١٢

ولعله لبعد الماضي عن الانشاء ، وقيامه مقامه (١) في العقود على وجه النقل خلاف الأصل فيقتصر فيه (٢) على محله (٣) ، مع احتمال الوقوع به (٤) هنا (٥) ، لظهوره فيه(٦).

(وكذا لا عبرة بالنداء مثل يا حر (٧) ، ويا عتيق ، ويا معتق(وإن قصد التحرير بذلك (٨) المذكور من اللفظ غير المنقول شرعا (٩) ، ومنه (١٠) الكناية (١١) ، والنداء (١٢)

______________________________________________________

(أنت حر وأعتقتك) فقط فلا بد من الاقتصار على هاتين الصيغتين ، ولا يصح إنشاء العتق بغير هما وإن كان مشتقا من التحرير أو الإعتاق.

هذا من جهة ومن جهة أخرى فالعجب من الشارح حيث استظهر اتفاقهم على عدم وقوع العتق بماضي الإعتاق مع أنه قد صرح سابقا باتفاق الأصحاب على صحة العتق به في قول السيد لأمته : أعتقتك وتزوجتك ومن جهة ثالثة تعرف عدم وقوع العتق بقوله : أنت عتيق أو معتق لأنه غير منصوص ، فما استقربه الماتن وتبعه عليه الشارح سابقا ليس في محله.

(١) أي وقيام الماضي مقام الإنشاء.

(٢) في هذا القيام.

(٣) ومحله العقود دون الإيقاع والعتق إيقاع.

(٤) بلفظ الماضي.

(٥) في العتق.

(٦) أي لظهور ماضي الإعتاق والتحرير في العتق.

(٧) إذا قال لعبده يا حرّ ، وقد قصد النداء وباسمه الموضوع قبل ذلك ، أو أحدث له ذلك الاسم وناداه به لم يعتق قطعا ، لعدم قصد الإنشاء ، وإن قصد التحرير والعتق ، فلا يقع العتق لأنه بغير الصيغة المعهودة شرعا ، وعن بعض العامة الوقوع ،

لأن حرف الإشارة إلى المملوك غير معتبر بخصوصه وإنما الغرض تميّزه وهو حاصل ولو بحرف النداء ، وصيغة التحرير حاصلة بقوله : حرّ أو ما في معناه ، ولا أقل من كونه كناية والعتق يقع بها ، ومما تقدم تعرف ضعفه.

(٨) أي بالنداء.

(٩) إذ المذكور موضوع للنداء ولم ينقل شرعا إلى الإنشاء.

(١٠) أي ومن اللفظ غير المنقول شرعا إلى الإنشاء.

(١١) مثل يا عتيق إن قصد به الإنشاء.

(١٢) مثل يا عتيق إن قصد به النداء.

٣١٣

(كلّه) اقتصارا في الحكم بالحرية على موضع (١) اليقين ، ولبعد النداء عن الإنشاء (٢).

وربما احتمل الوقوع به (٣) من حيث إن حرف الإشارة (٤) إلى المملوك لم يعتبره الشارع بخصوصه ، وإنما الاعتبار بالتحرير ، والاعتاق (٥) واستعمال يا بمعنى أنت ، أو فلان مع القصد (٦) جائز.

ويضعّف بأن غاية ذلك (٧) أن يكون كناية ، لا صريحا فلا يقع به (٨) ، ولا يخرج الملك المعلوم عن أصله (٩).

وحيث لا يكون اللفظ مؤثرا شرعا في الحكم (١٠) لا ينفعه ضم القصد (١١) إليه (١٢). ونبّه (١٣) بالغاية على خلاف من اكتفى بغير الصريح (١٤) إذا انضم إلى النية (١٥) من العامة

ويقوى الإشكال لو كان اسمها حرة فقال : أنت حرة وشك في قصده (١٦) ،

______________________________________________________

(١) وموضعه ما لو كان اللفظ صريحا ومنصوصا.

(٢) أي لبعد النداء عن إنشاء الحرية.

(٣) أي وقوع العتق بالنداء.

(٤) وهو (يا).

(٥) وهما حاصلان عند قول : يا حر ويا عتيق.

(٦) أي قصد العتق والتحرير.

(٧) أي غاية النداء مع قصد التحرير.

(٨) أي فلا يقع العتق بالنداء.

(٩) والملك المعلوم هو العبد المملوك لسيده فيبقى على المملوكية عند الشك في تحقق التحرير بالكناية.

(١٠) في العتق والتحرير.

(١١) أي قصد التحرير.

(١٢) إلى اللفظ غير المؤثر شرعا.

(١٣) أي نبّه الماتن بالغاية وهي قوله (وإن قصد التحرير بذلك).

(١٤) من الكناية والنداء.

(١٥) أي نية التحرير.

(١٦) لو كان اسمها حرة فقال مولاها : أنت حرة ، فإن قصد الإخبار لم تنعتق قطعا لعدم قصد

٣١٤

لمطابقة (١) اللفظ للمتفق على التحرير به (٢) ، واحتمال (٣) الإخبار بالاسم.

والأقوى عدم الوقوع (٤) ، نعم لو صرّح بقصد الإنشاء صح (٥) ، كما أنه لو صرح بقصد الأخبار قبل (٦) ولم يعتق.

(وفي اعتبار التعيين) للمعتق(نظر) (٧) منشؤه : النظر إلى عموم الأدلة الدالة

______________________________________________________

التحرير ، وإن قصد الإنشاء صح قطعا ، لأنه لفظ صريح ومنصوص.

وإن جهل الأمران رجع في قوله إلى نيته ، لأن اللفظ مشترك بين معنيين فيرجع إليه في صرفه إلى أحدهما كما في كل مشترك ، ويقبل قوله في ذلك.

وإن لم يمكن الاستعلام فيه عن نيته لموت ونحوه لم يحكم بالحرية قطعا لعدم اليقين بقصد الإنشاء فتبقى على أصالة الرق ، ومع ذلك تردد المحقق في الشرائع لأن اللفظ صريح في إنشاء العتق والصريح لا يحتاج إلى الإخبار عن القصد ، وفيه أن احتمال الأخبار مساو لاحتمال الإنشاء فلا غلبة لأحدهما على الآخر حتى يحمل اللفظ عليه عند عدم القرينة الخارجية.

(١) وجه وقوع العتق بهذا اللفظ عند الشك في القصد.

(٢) والمتفق على التحرير به هو : أنت حر أو حرة.

(٣) وجه عدم وقوع العتق بهذا اللفظ عند الشك في القصد.

(٤) أي عدم وقوع العتق بهذا اللفظ عند الشك في القصد.

(٥) أي صح العتق.

(٦) أي قبل قوله.

(٧) ذهب الأكثر إلى عدم اشتراط تعيين المعتق ، لإطلاق أدلة العتق ، وعن الشهيد في الدروس التوقف ، وعن الفخر الجزم باشتراط التعيين لعدم صلاحية تعلق الحكم المعيّن بالمبهم ولذا كان الحكم المعيّن لا بد له من محل معين ، وهو ممنوع ، لأن الإبهام واقع في الشرع كثيرا ، وفي موردنا ففي خبر محمد بن مسلم (سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرجل يكون له المملوكون فيوصي بعتق ثلثهم فقال : كان علي عليه‌السلام يسهم بينهم) (١) ، وفي خبر محمد بن مروان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : (إن أبي ترك ستين مملوكا وأوصى بعتق ثلثهم فأقرعت بينهم فأخرجت عشرين فأعتقتهم) (٢) ومثلها غيرها فإخراج قدر الثلث بالقرعة دليل على جواز إبهام المعتق وعدم اشتراط تعيينه.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٦٥ ـ من كتاب العتق حديث ١ و ٢.

٣١٥

على وقوعه (١) بالصيغة الخاصة ، وأصالة (٢) عدم التعيين ، وعدم (٣) مانعية الابهام في العتق شرعا من حيث وقع (٤) لمريض أعتق عبيدا يزيدون عن ثلث ماله ولم يجز الورثة (٥) ، والالتفات (٦) إلى أن العتق أمر معين فلا بد له من محل معين.

وقد تقدّم مثله في الطلاق المصنف رجّح في شرح الإرشاد الوقوع (٧) ، وهنا توقف. وله (٨) وجه إن لم يترجح اعتباره (٩) ، فإن لم يعتبر التعيين فقال : أحد عبيدي حر صحّ ، وعيّن من شاء (١٠).

وفي وجوب الانفاق عليهم (١١) قبله (١٢) ، والمنع من استخدام أحدهم ، وبيعه وجهان. من (١٣) ثبوت النفقة قبل العتق (١٤)

______________________________________________________

وحيث جاز وقوع العتق مبهما فالمرجع إليه في التعيين ، كما لو قال : أحد عبيدي حر صح ورجع في تعيينه إلى مولاه على المشهور ، وقيل يرجع إلى القرعة ، لأنها لكل أمر مشكل ، وهو ضعيف إذ لا معيّن هنا في نفس الأمر حتى يستخرج بالقرعة ، لأن مورد القرعة ما كان معيّنا واقعا مشتبها ظاهرا.

(١) وقوع العتق.

(٢) دليل ثان على عدم التعيين ، والمراد منه أصالة عدم اشتراط التعيين عند الشك في الاشتراط.

(٣) دليل ثالث على عدم اعتبار التعيين.

(٤) أي الإبهام.

(٥) فلم يجيز والزائد في الثلث ، فيعتق من العبيد بقدر ثلث التركة ، ويكون العتق حينئذ متعلقا بالمبهم لا بالمعيّن.

(٦) دليل اشتراط التعيين.

(٧) أي وقوع العتق على المبهم.

(٨) أي للتوقف.

(٩) أي اعتبار وقوع العتق على المبهم ، وقد عرفت قوة الاعتبار.

(١٠) وفي هذا رد على من ذهب إلى التعيين بالقرعة.

(١١) على العبيد اللذين تحرر أحدهم.

(١٢) قبل التعيين.

(١٣) دليل لوجوب الإنفاق عليهم.

(١٤) أي قبل عتق أحدهم المبهم.

٣١٦

ولم يتحقق (١) بالنسبة إلى كل واحد فيستصحب ، واشتباه (٢) الحر منهم بالرق مع انحصارهم فيحرم استخدامهم وبيعهم (٣) ، ومن استلزام (٤) ذلك الانفاق على الحر بسبب الملك (٥) ، والمنع (٦) من استعمال المملوك.

والأقوى الأول (٧) ، واحتمل المصنف استخراج المعتق بالقرعة (٨) ، وقطع بها (٩) لو مات قبل التعيين.

ويشكل كل منهما (١٠) بأن القرعة لاستخراج ما هو معين في نفسه غير متعين ظاهرا ، لا لتحصيل التعيين (١١).

فالأقوى الرجوع إليه فيه (١٢) ، أو إلى وارثه بعده (١٣) ، ولو عدل المعيّن عن

______________________________________________________

(١) أي العتق.

(٢) دليل لمنع استخدامهم وبيعهم.

(٣) كما هو الأصل في الشبهة المحصورة.

(٤) دليل لعدم وجوب الإنفاق عليهم.

(٥) أي بسبب الإنفاق على الملك ، فلا يجب الإنفاق على الملك حتى لا يلزم بالإنفاق على الحر.

(٦) عطف على الإنفاق ، والمعنى ومن استلزام منع استخدام الجميع المنع من استخدام المملوك ، والتالي باطل فالمقدم مثله في البطلان.

(٧) من وجوب النفقة على الجميع ومن منع استخدامهم وبيعهم.

(٨) ولا يرجع إلى المعتق في التعيين ، وقد عرفت ضعفه.

(٩) أي وقطع المصنف بالقرعة لو مات المعتق قبل التعيين ، وإليه ذهب الشيخ ، لأن الوارث غير مطلع على قصد المورّث فلا يمكنه التعيين فيتعين الرجوع إلى القرعة.

وأشكل الشارح في المسالك بأن تعيين المورّث مجرد اشتهاء لا يفتقر إلى شي‌ء آخر بعد صحة العتق مبهما ، والوارث قائم مقامه ، وليس هناك معتق معيّن في نفس الأمر حتى يشتبه على الوارث تعيينه ويشتبه عليه مقصود المورّث.

(١٠) من الاحتمال والقطع.

(١١) وإجراء القرعة هنا لتحصيل التعيين واقعا.

(١٢) والمعنى فالأقوى الرجوع إلى المعتق في التعيين.

(١٣) أي بعد موت المعتق.

٣١٧

من عيّنه لم يقبل (١) ، ولم ينعتق الثاني ، إذ لم يبق للعتق محل ، بخلاف ما لو اعتق معينا واشتبه (٢) ، ثم عدل فإنهما ينعتقان.

(ويشترط بلوغ المولى (٣) المعتق ، (واختياره ورشده (٤) ، وقصده) إلى العتق ، (والتقرب به (٥) إلى الله تعالى) ، لأنه عبادة ، ولقولهم عليه‌السلام : «لا عتق إلا ما أريد

______________________________________________________

(١) أي لم يقبل عدوله لعدم بقاء موضوع العتق بعد تعيينه السابق ، ولازمه بقاء من عدل إليه على أصل الرقية بعد فرض لغوية التعيين اللاحق.

(٢) أي لو أعتق معينا في نفسه ثم نسيه أرجئ حتى يتذكر ، لأن المعيّن هنا معيّن في نفس الأمر بخلاف السابق ، فإن ادعى أنه قد ذكره عمل بقوله وتعيّن من عيّنه للعتق ، فلو عدل إلى غيره بعد ذلك ، فلا يقبل منه هذا العدول ، لأنه إنكار بعد إقرار للغير بحق الحرية هذا بالنسبة للمعدول عنه ، وأما بالنسبة للمعدول إليه فيعتق أيضا مؤاخذة له بإقراره المتأخر.

(٣) يعتبر في المعتق البلوغ على الأكثر لسلب عبارة الصبي ، وخالف الشيخ فجوّز عتق الصبي وصدقته إذا بلغ عشرا لما رواه نفس الشيخ في التهذيب عن موسى بن بكر عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (إذا أتى على الغلام عشر سنين ، فإنه يجوز له من ماله ما أعتق وتصدق على وجه المعروف فإنه جائز) (١) ، وفي سندها موسى بن بكر وهو واقفي غير ثقة ، وابن فضال وهو فطحي وإن كان ثقة ، مع أن نفس الشيخ في كتاب الوصايا من التهذيب أوقفها على زرارة في موضع وأسندها إلى الباقر عليه‌السلام في آخر ، فلا تصلح لمعارضة ما دل على سلب عبارة الصبي إلا أن تحمل على أن ابن العشر قد يبلغ بغير السن كما لو خرج منه منّي وهذا أولى من اطراح الرواية ، ويعتبر في المعتق العقل أيضا بالاتفاق لسلب عبارة المجنون ، ويعتبر القصد والاختيار لعدم العبرة بالساهي وبالمكره ، لما تقدم في غيره من الأبواب ، ويعتبر في المعتق أيضا عدم الحجر بسفه أو فلس أو مرض فيما لو زاد عن الثلث ، لأنه ممنوع من التصرف لتعلق حق الغير حينئذ بالعبد المملوك.

(٤) أي غير سفيه.

(٥) بالعتق واشتراط التقرب إلى الله محل اتفاق للأخبار.

منها : صحيح حماد وجماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا عتق إلا ما أريد به وجه الله تعالى) (٢) ، وخبر علي بن أبي حمزة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا عتق إلا ما طلب به وجه

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٦ ـ من كتاب العتق حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من كتاب العتق حديث ١.

٣١٨

به وجه الله تعالى» (وكونه غير محجور عليه بفلس ، أو مرض فيما زاد على الثلث) فلا يقع من الصبي (١) وإن بلغ عشرا ، ولا من المجنون (٢) المطبق ، ولا غيره في غير وقت كماله ، ولا المكره (٣) ، ولا السفيه (٤) ، ولا الناسي (٥) ، والغافل والسكران ، ولا من غير المتقرب به إلى الله تعالى ، سواء قصد الرياء أم لم يقصد شيئا ، ولا من المفلّس بعد الحجر عليه. أما قبله (٦) فيجوز (٧) وإن استوعب دينه ماله ، ولا من المريض إذا استغرق دينه تركته ، أو زاد المعتق عن ثلث ماله بعد الدين إن كان (٨) ، إلا مع إجازة الغرماء (٩) والورثة (١٠).

وفي الاكتفاء بإجازة الغرماء في الصورة الأولى (١١) وجهان ، من أن (١٢) المنع من العتق لحقهم ، ومن (١٣) اختصاص الوارث بعين التركة.

والأقوى التوقف (١٤)

______________________________________________________

الله عزوجل) (١) ، وخبر عبد الأعلى عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا طلاق إلا على كتاب الله ولا عتق إلا لوجه الله) (٢).

(١) لاعتبار البلوغ.

(٢) لاعتبار العقل.

(٣) لاعتبار الاختيار.

(٤) لاعتبار الرشد.

(٥) هذا وما بعده لاعتبار القصد.

(٦) أي قبل الحجر.

(٧) لأن دين الغرماء متعلق بالذمة فقط ولم ينتقل إلى المال.

(٨) أي الدين.

(٩) فيما لو استوعب دين المريض تركته.

(١٠) فيما لو زاد المعتق عن ثلث ماله.

(١١) وهو ما لو استوعب دين المريض تركته.

(١٢) دليل للاكتفاء بإجازة الغرماء.

(١٣) دليل لعدم الاكتفاء.

(١٤) أي توقف نفوذ العتق.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من كتاب العتق حديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من كتاب الإيمان حديث ٩.

٣١٩

على إجازة الجميع (١).

(والأقرب صحة مباشرة الكافر) للعتق (٢) ، لإطلاق الأدلة (٣) ، أو عمومها (٤) ، ولأن العتق (٥)

______________________________________________________

(١) من الغرماء الورثة وهذا إذا كان المعتق أزيد من ثلث ماله وإلا فلا معنى لإجازة الورثة.

(٢) للأصحاب في إسلام المعتق ـ بالكسر ـ أقوال :

الأول : ما ذهب إليه الشيخ في الخلاف والمبسوط من عدم اشتراط إسلام المعتق مطلقا ، لأن العتق فك ملك وتصرف مالي ونفع للغير ، والكافر أهل لذلك ، بل ملكه أضعف من ملك المسلم ففكه أسهل ، ولأن الخبر المتقدم (لا عتق إلا ما أريد به وجه الله) (١) محمول على نفي الكمال لا على نفي الصحة ، ولذا وقع الاتفاق على بطلان عبادة الكافر المحضة ، دون عتقه وصدقته ونحوهما من التصرفات المالية المشتملة على العبادة ترجيحا لجانب المالية على العبادة.

القول الثاني : اشتراط الإسلام ، وإليه ذهب المحقق وابن إدريس والعلامة في أكثر كتبه ، لأن العتق مشروط بنية القربة لصحيح هشام بن سالم المتقدم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا عتق إلا ما أريد به وجه الله تعالى) (٢) ، ونية القربة متعذرة من الكافر ، ولذا أجمعوا على بطلان عبادته المشروطة بالنية ، ولأن العبادة ملزومة للثواب حيث تقع صحيحة ، ولا ثواب إلا بدخول الجنة حتى يثاب فيها ، ودخول الجنة ممتنع في حق الكافر ، والأصل في الخبر أن يحمل على نفي الحقيقة لمقام (اللا) النافية للجنس ، وحمله على نفي الكمال لأنه أقرب المجازات إنما يتم بعد كون المعنى الحقيقي غير مراد ، ولا دليل على عدم إرادته.

القول الثالث : ما اشتهر بين المتأخرين من التفصيل بين كون كفره بجحد الألوهية أصلا فلا يصح العتق منه لتعذر قصد القربة منه ، وبين كون كفره بجحد الرسول أو فريضة مع إقراره بالله تعالى كالكتابي فيصح العتق منه ، لإمكان تأتي قصد القربة منه ، والخبر المتقدم لا يدل على أزيد من الإقرار بالله حتى يصح قصد التقرب منه ، ولا يدل على ترتب الثواب في صحة العتق.

(٣) أي أدلة العتق.

(٤) الفرق بين العموم والإطلاق هو : أن المراد من العموم جميع الأفراد بطريق الاستغراق وضعا ، والمراد من الإطلاق فرد واحد لا على نحو التعيين ببركة مقدمات الحكمة.

(٥) دليل ثان على صحة عتق الكافر.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من كتاب العتق حديث ١.

٣٢٠