إثبات الوصية للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام

أبو الحسن علي بن الحسين بن علي الهذلي المسعودي

إثبات الوصية للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام

المؤلف:

أبو الحسن علي بن الحسين بن علي الهذلي المسعودي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
الطبعة: ٣
ISBN: 964-438-486-5
الصفحات: ٢٧٩

وجذبت الريح الهواء فرجعت الروح الى مسكنها في البدن. واذا لم يأذن الله بردّ الروح الى صاحبها ، جذبت الهواء الريح ، وجذبت الريح الروح فلم ترجع الى صاحبها الى أن يبعثه الله تبارك وتعالى. واما الذكر والنسيان فان قلب الرجل في مثل حق وعليه طبق فان سمّى الله وذكره وصلّى ـ عند نسيانه ـ على محمّد وآله انكشف ذلك الطبق وهو غشاوة عن ذلك الحق وأضاء القلب وذكر الرجل ما كان نسي. وان هو لم يصل على محمّد وآله بعد ذكر الله عز وجل انطبقت تلك الغشاوة على ذلك الحق فأظلم القلب فنسي الرجل ما ذكر. وأما المولود الذي يشبه الأعمام والأخوال فان الرجل إذا أتى أهله فواطأها بقلب ساكن وعروق هادئة وبدن غير مضطرب ، استكنت تلك النطفة في جوف الرحم وخرج الرجل يشبه أباه وأمّه. وإن هو أتاها بقلب غير ساكن وعروق غير هادئة وبدن مضطرب اضطربت النطفة فوقعت في اضطرابها على بعض العروق ، فان وقعت على عرق من عروق الأعمام أشبه الولد أعمامه ، وان وقعت على عرق من عروق الأخوال أشبه الولد أخواله.

فقال الرجل : أشهد أن لا إله إلّا الله ولم أزل أشهد بها ، وأشهد أن محمّدا صلّى الله عليه وآله رسول الله ولم أزل أشهد بها ، وأشهد أنّك وصيّه وخليفته والقائم بحجته ـ وأشار الى أمير المؤمنين عليه السّلام ـ وأشهد انّك وصيّه والقائم بحجّته ـ وأشار الى الحسن ـ وأشهد أن أخاك الحسين وصيّ أبيك ووصيّك والقائم بحجّته بعدك ، وأشهد أن علي بن الحسين القائم بأمر الحسين وأشهد أن محمّد بن علي القائم بأمر علي بن الحسين ، وأشهد أن جعفر بن محمد بن علي القائم بأمر الله بعد أبيه وحجّته ، وأشهد أن موسى بن جعفر القائم بأمر الله بعد أبيه جعفر ، وأشهد أن علي بن موسى القائم بأمر الله بعد أبيه ، وأشهد أن محمد بن علي القائم بأمر الله بعد أبيه ، وأشهد أن علي بن محمّد القائم بأمر الله بعد أبيه محمّد بن علي ، وأشهد أن الحسن بن علي القائم بأمر أبيه علي بن محمد ، وأشهد أن رجلا من ولد الحسين بن علي لا يسمّى ولكن يكنّى حتى يظهر الله أمره يملأها عدلا كما ملئت جورا ، والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته.

ومضى ، فقال أمير المؤمنين : اتبعه يا أبا محمد فانظر أين يقصد؟

١٦١

قال : فخرج الحسن بن علي عليه السّلام في أثره ، فلما وضع الرجل رجله خارج المسجد لم يدر كيف أخذ من أرض الله.

فرجع إليه فأعلمه فقال : يا أبا محمد أتعرفه؟

قال : الله ورسوله وأمير المؤمنين أعلم به.

قال : ذاك الخضر عليه السّلام.

وروي أن الناس على عهد أمير المؤمنين عليه السّلام تحدّثوا بأن الحسن لم تظهر منه خطابة ولا علم. فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام وقد بلغه ذلك : يا بني أن الناس قد تحدّثوا فيك بما أنت على خلافه ، فاعل المنبر واخطب الناس وبيّن عن نفسك حتى يسمعوك.

فصعد عليه السّلام فحمد الله وأثنى عليه وذكّرهم بأيام الله ثم قال : يا معاشر الناس ان أمير المؤمنين باب حطّة ، من دخله كان آمنا ، وسفينة نوح من لحق به نجا ، ومن تخلّف عنه غرق وهلك ، فلا يبعد الله إلّا من ظلم ثم نزل.

فقام أمير المؤمنين عليه السّلام وقبّل بين عينيه ثم قال : ذريّة بعضها من بعض والله سميع عليم.

وكان أشبه الناس لغة وخلقا وخلقا برسول الله صلّى الله عليه وآله.

ثم كان خبره في السمّ الذي دسّه إليه ابن آكلة الأكباد ما رواه الناس فاعتل عليه السّلام فدخل إليه أخوه أبو عبد الله عليه السّلام فقال له : كيف تجد نفسك يا سيدي؟

قال : أجدني في آخر يوم من الدّنيا وأول يوم من الآخرة على كره مني لفراقك وفراق اخوتي والأحبة.

ثم قال : استغفر الله على محبّة مني للقاء رسول الله صلّى الله عليه وآله وأمير المؤمنين وأمي فاطمة وحمزة وجعفر.

ثم أوصى إليه وسلّم إليه الاسم الأعظم ومواريث الأنبياء والوصيّة التي كان أمير المؤمنين سلّمها إليه. وقبض (صلّى الله عليه) بعد خمسين سنة من الهجرة ؛ وسنه سبع وأربعون سنة ، فأقام مع رسول الله صلّى الله عليه وآله سبع سنين وستة أشهر ، ومع أمير المؤمنين ثلاثين سنة ، ومنفردا بالوصية والامانة عشر سنين ، ودفن بالبقيع مع سيّدة النساء أمه

١٦٢

فاطمة في قبر واحد.

وكان الحسين عليه السّلام قد عزم على دفنه مع رسول الله صلّى الله عليه وآله فمنعت عائشة من ذلك وركبت بغلة لها وخرجت تؤلّب الناس عليه وتحرّضهم.

فلما رأى الحسين عليه السّلام ذلك دفنه بالبقيع مع أمّه ، ولقتها بعض بني هاشم ـ وروي ان ابن عباس لقيها ـ منصرفة الى منزلها فقال لها : اما كفاك أن يقال يوم الجمل حتى يقال يوم البغل؟ يوما على جمل ويوما على بغل بارزة عن حجاب رسول الله صلّى الله عليه وآله تريدين إطفاء نور الله ؛ والله متمّ نوره ولو كره المشركون ، انّا لله وانّا إليه راجعون.

فقالت له : إليك عني أفّ لك.

وروي ان الحسين عليه السّلام عند ما فعلت عائشة وجّه إليها بطلاقها ، وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله جعل طلاق أزواجه بعده الى أمير المؤمنين عليه السّلام وجعله أمير المؤمنين بعده الى الحسن وجعله الحسن الى الحسين عليهما السّلام.

وقال النبيّ (صلوات الله عليه) : ان في نسائي من لا تراني يوم القيامة وتلك من يطلّقها الأوصياء بعدي.

الحسين الشهيد عليه السّلام

وقام الحسين مقام الحسن بأمر الله بعده.

وروي عن عالم أهل البيت عليهم السّلام انّه قال : ان جبرئيل عليه السّلام هبط على رسول الله صلّى الله عليه وآله فأخبره ان فاطمة ابنته تلد ابنا ، وأمره أن يسمّيه الحسين ، وعرفه ان أكثر أمته يجتمع على قتله. فعرّف رسول الله صلّى الله عليه وآله أمير المؤمنين وفاطمة عليهما السّلام ذلك ، فقالت فاطمة : لا حاجة لي فيه وسألت الله أن يعفيها من ذلك.

فأوحى الله جلّ وعلا الى نبيّه صلّى الله عليه وآله أن يعرّفهما انّه يعوّض للحسين عن القتل أن يجعل الإمامة وميراث النبوّة والوصيّة والعلم والحكمة في ولده الى يوم القيامة.

فعرّفهما النبيّ صلّى الله عليه وآله ذلك ، فقالا : قد رضينا بما يحكم الله لنا.

فروي ان فاطمة عليها السّلام ولدت الحسن عليه السّلام أوّل النهار وحملت بالحسين عليه السّلام في ذلك

١٦٣

اليوم ؛ لأنّها كانت طاهرة مطهّرة ولم يصبها ما يصيب النساء.

وكان الحمل به ستة أشهر ، وكانت ولادته مثل ولادة رسول الله وأمير المؤمنين والحسن (صلوات الله عليهم).

قال : فلما ولد الحسين ، هبط جبرئيل عليه السّلام في ألف ملك يهنّون النبيّ صلّى الله عليه وآله بولادته ، فمر بملك من الملائكة يقال له (فطرس) في جزيرة من جزائر البحر بعثه الله عز وجل في أمر من الامور فأبطأ فيه فكسر جناحه وأزيل عن مقامه وأهبط الى تلك الجزيرة ، فمكث فيها خمسمائة عام ؛ وكان صديقا لجبرئيل عليه السّلام فيما مضى. فقال له : أين تريد؟

قال : انّه قد ولد لمحمّد النبيّ صلّى الله عليه وآله مولود في هذه الليلة فبعثني الله في ألف ملك لأهنّئه.

فقال له : يا جبرئيل احملني إليه لعلّه يدعو لي.

فحمله ، فلما أدّى جبرئيل عليه السّلام الرسالة ، ونظر النبي الى فطرس قال : يا جبرئيل من هذا؟

فأخبره بقصّته.

فالتفت إليه رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال : هل امسح جناحك على هذا المولود؟

فمسح فطرس جناحه على الحسين عليه السّلام فردّه الله الى حالته الاولى.

فلما نهض قال له النبيّ صلّى الله عليه وآله : فان الله قد شفعني فيك ، فالزم أرض كربلاء ، فأخبرني بكلّ من يأتي الحسين زائرا الى يوم القيامة.

قال : فذلك الملك يسمّى عتيق الحسين عليه السّلام.

فأقام الحسين مع النبيّ صلّى الله عليه وآله سبع سنين ، وتولّى رسول الله تغذيته وتأديبه وتعليمه ، وأنزل الله تبارك وتعالى (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).

وروي ان أمير المؤمنين والحسن والحسين صلوات الله عليهم كانوا شركاء في الوصية والإمامة ، فتقدّم أمير المؤمنين عليه السّلام بما خصّه الله ـ عز وجل ـ به وتقدّم الحسن بالكبر.

١٦٤

وأقام الحسين مع أمير المؤمنين عليه السّلام ثلاثين سنة ، ومع أبي محمد عشر سنين ، فلما حضرت وفاة أبي محمّد عليه السّلام أحضره وسلّم إليه جميع مواريث الأنبياء ، فقام بأمر الله عز وجل ؛ والملك في ذلك الوقت لمعاوية.

ثم توفي معاوية في سنة ستين من الهجرة وعهد الى اللعين ابنه يزيد (لعنه الله) فملك بعد أبيه وطالب أبا عبد الله عليه السّلام بمبايعته ، فامتنع عليه من ذلك.

وروي انّه لمّا أصيب رسول الله صلّى الله عليه وآله بإبراهيم ابنه من مارية القبطية جزع عليه جزعا شديدا حتى قال صلّى الله عليه وآله : القلب يجزع والعين تدمع وانّا عليك لمحزونون وما نقول ما يسخط الربّ.

فهبط عليه جبرئيل عليه السّلام فقال له : الرّب جل جلاله يقرأ عليك سلامه ويقول : اما ان يختار حياة إبراهيم فيردّه الله حيّا ويورثه النبوّة بعدك فيقتله أمتك فيدخلها الله النّار ، أو يبقى الحسين سبطك ويجعله الله إماما بعدك فيقتله نصف أمتك بين قاتل له ومعين عليه وخاذل له وراض بذلك ومبغض فيدخلهم الله بذلك النار.

فقال : يا ربّ لا أحبّ أن تدخل أمتي كلّها النار. وبقاء الحسين أحبّ ، ولا تفجع فاطمة به.

قال : وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله إذا قبّل ثنايا الحسين ولثاته قال له : فديت من فديته بإبراهيم.

ولمّا عزم الحسين عليه السّلام على الخروج الى العراق بعد ان كاتبه أهل الكوفة ووجّه مسلم ابن عقيل إليهم على مقدّمته فكان من أمره ما كان وأراد الخروج بعثت إليه أم سلمة : انّي اذكّرك الله يا سيدي أن لا تخرج.

قال : ولم؟

قالت : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول : يقتل الحسين ابني بالعراق. وأعطاني من التربة قارورة أمرني بحفظها ومراعاة ما فيها.

فبعث إليها : والله يا امّاه اني لمقتول لا محالة فأين المفر من قدر الله المقدور؟ ما من الموت بدّ واني لأعرف اليوم والساعة والمكان الذي اقتل فيه ، وأعرف مكان مصرعي

١٦٥

والبقعة التي أدفن فيها ، وأعرفها كما أعرفك ، فان أحببت أن أريك مضجعي ومضجع من يستشهد معي فعلت.

قالت : قد شئت وحضرته.

فتكلّم باسم الله عز وجل الأعظم فتخفّضت الأرض حتى أراها مضجعه ومضجعهم ، وأعطاها من التربة حتى خلطتها معها بما كان.

ثم قال لها : اني أقتل في يوم عاشوراء وهو اليوم العاشر من المحرّم بعد صلاة الزوال ، فعليك السلام .. رضي الله عنك يا أمّاه برضانا عنك.

وكانت أم سلمة تسأل عن خبره وتراعي قرب عاشوراء.

وخرج محمد ابن الحنفية يشيّعه فقال له عند الوداع : يا أبا عبد الله! الله الله في حرم رسول الله.

فقال له : أبى الله إلّا أن يكنّ سبايا.

وكان من مصيره الى النهرين ما رواه الناس.

وتوجّه عبيد الله بن زياد (لعنه الله) بالجيوش من قبل يزيد في ثمانية وعشرين ألفا.

فلما صافه للحرب عليه السّلام صلّى الحسين بأصحابه الغداة. وروي انّه كان ذلك من يوم العاشر من المحرم سنة إحدى وستين .. قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وقال لأصحابه :

«ان الله عز وجل قد اذن في قتلكم اليوم وقتلي وعليكم بالصبر والجهاد».

وروي ان عدتهم في ذلك اليوم كانت واحدا وستين رجلا وان الله ـ عز وجل ـ انتصر وينتصر لدينه منذ أوّل الدهر الى آخره بألف رجل.

فسئل عن تفصيلهم ؛ فقال : ثلاثمائة وثلاثة عشر أصحاب طالوت ، وثلاثمائة وثلاثة عشر أصحاب يوم بدر مع النبيّ صلّى الله عليه وآله ، وثلاثمائة وثلاثة عشر أصحاب القائم عليه السّلام. بقي واحد وستون رجلا هم الذين قتلوا مع الحسين عليه السّلام في يوم الطف.

فروي ان الحسين عليه السّلام قال في خطبة ذلك اليوم ـ فيما حفظ من كلامه ـ : ألا وان الدعيّ ابن الدعي قد ركز بين اثنتين ؛ بين السلّة والذلّة. وهيهات منّا الذلّة. يأبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت. نؤثر مصارع الكرام على طاعة اللئام.

١٦٦

ألا واني زاحف بهذه العصابة على قلّة العدد وكثرة الخذلة والعدوّ ثم أنشد يقول :

فان نهزم فهزّامون قدما

وان نغلب فغير مغلبينا

وما ان طبنا جبن ولكن

منايانا ودولة آخرينا

ثم أمر أصحابه بالقتال. فقال عمر بن سعد بن أبي وقاص (لعنه الله) : يا أبا عبد الله لم لا تنزل على حكم الأمير عبيد الله بن زياد؟

فقال له : يا شقي انّك لا تأكل من بر العراق بعدي إلّا قليلا. فشأنك وما اخترته لنفسك.

فقام رجل من القوم ، فناداه وقال : ابشر يا حسين بالنار.

فقال له : من أنت؟

قال : أنا ابن جويرة.

فقال : اللهم جرّه الى النار.

فنفرت دابته تحته فاذا هو على أم رأسه فقتلته ثم دارت عليه فلم تزل تدوسه حتى بضعته اربا اربا فلم يبق منه إلّا رجلاه.

ثم أحضر علي بن الحسين عليه السّلام وكان عليلا فأوصى إليه بالاسم الأعظم ومواريث الأنبياء عليهم السّلام وعرّفه ان قد دفع العلوم والصحف والمصاحف والسلاح الى أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ وأسرّها أن تدفع جميع ذلك إليه.

وروي انّه عليه السّلام دعا ذلك اليوم ابنته الكبرى فاطمة فدفع إليها كتابا ملفوفا وأمرها أن تسلّمه الى أخيها علي بن الحسين عليه السّلام.

فسئل العالم عليه السّلام : أي شيء كان في الكتاب؟

فقال : فيه ـ والله ـ جميع ما يحتاج إليه ولد آدم الى فناء الدّنيا وقيام الساعة.

وقتل عليه السّلام يوم الجمعة عاشر محرّم سنة إحدى وستين من الهجرة ؛ وسنه في ذلك سبع وخمسون سنة ؛ منها مع النبي سبع سنين. وبعد أن أفضى أمر الله إليه عشر سنين. ودفن بكربلاء عليه السّلام.

وروي ان السماء بكت عليه أربعة عشر يوما ، فسئل علامة بكاء السماء فقال : كانت

١٦٧

الشمس تطلع في حمرة وتغيب في حمرة.

وروي ان الدم لم يسكن حتى خرج المختار بن أبي عبيدة فقتل به سبعين ألفا ، وان المختار قال : قتلت بالحسين سبعين ألفا ـ والله ـ لو قتلت أهل الأرض جميعا لما وفوا بقلامة ظفره.

وروي ان الله ـ جل وعز ـ أهبط إليه أربعة آلاف ملك هم الذين هبطوا على رسول الله صلّى الله عليه وآله يوم بدر ، وخيّره النصر على أعدائه أو لقائه.

فأمر الملائكة بالمقام عند قبره ، فهم شعث غبر ينتظرون قيام القائم من ولده.

وروي انّه قتل بيده ذلك اليوم ألفا وثمانمائة مقاتل وانّه دعاهم الى البراز وأخذ يتقدّم الواحد ثم العشرة ثم صاروا مائة على واحد ثم اجتمع الجيش كلّه مع كثرتهم عليه فأحاطوا به من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله.

وروي انّه ما رفع حجر إلّا وجد تحته دم عبيط وان الله جلّ وعلا رفع لأصحابه منازلهم من الجنّة حتى رأوها فحاربوا شوقا إليها وطلبا لها وحرصا عليها.

وغلب اللعين يزيد على الملك ، وعادت الإمامة مكتومة مستورة.

واستخفى بها علي بن الحسين عليه السّلام مع من تبعه من المؤمنين.

علي السجاد عليه السّلام

وقام أبو محمد علي بن الحسين عليه السّلام بالأمر مستخفيا على تقيّة شديدة في زمان صعب.

وروي عن العالم عليه السّلام انّه لما أنزل الله جل ذكره (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) كانت هذه الآية في الإمامة وكان أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السّلام شركاء ـ على ما بيّناه في باب الحسين ـ ثم أنزل الله جلّ جلاله : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) فكانت هذه الآية خاصة في إمامة علي بن الحسين عليه السّلام.

وروي عن جابر بن عبد الله الأنصاري انّه قال : رأيت في يد فاطمة لوحا أخضر

١٦٨

ظننت انّه زمرّد فيه كتاب أبيض يشبه نور الشمس فقلت : بأبي أنت وأمي ما هذا اللوح؟

فقالت : لوح أهداه الله الى نبيّه صلّى الله عليه وآله فيه اسمه واسم ابن عمّه أمير المؤمنين واسماء ابنيّ الحسن والحسين وأسماء الأوصياء من ولد الحسين عليهم السّلام فأعطانيه يبشّرنا به ويأمرني بحفظه وخزنه.

ثم دفعته إليّ وقرأته واستنسخته فكانت نسخته :

بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب من الله العزيز العليم لمحمّد نبيّه ونوره وسفيره وحجابه ودليله نزل به الروح الأمين من عند ربّ العالمين. عظّم يا محمد أسمائي واشكر نعمائي فاني أنا الله لا إله إلّا أنا قاصم الجبابرة ومديل المظلومين وديّان الدين. فمن رجا غير فضلي أو خاف غير عدلي عذّبته عذابا أليما لا أعذّبه أحدا من العالمين فإياي فاعبد وعليّ فتوكل اني لم أبعث نبيّا فأكملت أيامه وانقضت مدّته إلّا جعلت له وصيّا واني فضلتك على الأنبياء وفضّلت وصيّك عليّا على الأوصياء وأكرمتك بسبطيك حسن وحسين وجعلت حسنا معدن علمي وجعلت حسينا خازن وحيي وأكرمته بالشهادة وختمت له بالسعادة وهو أفضل من استشهد وأرفعهم درجة وجعلت كلمتي التامة معه وحجتي البالغة عنده بعترته أثيب وأعاقب ؛ أوّلهم : علي سيّد العابدين وزين أوليائي الماضين. وابنه شبيه جدّه المحمود محمد الباقر لعلمي والمعدن لحكمتي. وسيهلك المرتابون في جعفر الرادّ عليه كالرادّ على حق القول مني ، لأكرمن مثوى جعفر ولأسرنّه في أنصاره وأشياعه وأوليائه تنتج بعده فتنة عمياء حندس لأن فرضي لا ينقطع وحجتي لا تخفى وأوليائي لا يشقون. ألا ومن جحد واحدا منهم فقد جحد نعمتي ومن غيّر آية من كتابي فقد افترى عليّ. فويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدّة عبدي موسى حبيبي وخيرتي. ان المكذّب لعليّ وليّي وناصري مكذّب لكلّ أوليائي. يقتله عفريت مستكبر. يدفن في المدينة التي بناها العبد الصالح الى جنب شرّ خلقي. حق القول مني لأقرّن عينه بمحمّد ابنه وخليفته من بعده ووارث علمه فهو معدن علمي وموضع سرّي وحجتي على خلقي ، جعلت الجنّة مأواه وشفعته في سبعين من أهل بيته كلّهم قد استوجبوا النار. وأختم بالسعادة لابنه علي وليّي وناصري والشاهد في خلقي

١٦٩

منه الدّاعي الى سبيلي والخازن لعلمي الحسن. ثم أكمل ذلك بابنه رحمة للعالمين .. عليه كمال موسى وبهاء عيسى وصبر أيوب .. يستذلّ أوليائي في زمانه وتهدى رءوسهم كما تتهادى رءوس الترك والديلم فيقتلون ويحرقون ويكونون خائفين مرعوبين وجلين .. تصبغ الأرض بدمائهم ويفشو الويل والرنة في نسائهم .. أولئك أوليائي .. حقا ، بهم أدفع كلّ فتنة عمياء حندس ، وبهم أكشف الزلازل وأرفع الآصار والأغلال ، أولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة ، وأولئك هم المهتدون.

وروي ان أبا محمّد ولد سنة ثمان وثلاثين من الهجرة وكانت أمه جهان شاه بنت (يزدجرد ملك) آخر ملوك الفرس وهو يزدجرد بن شهريار. وكان من حديثها أنّها واختها سبيتا في أيام عمر بن الخطاب فأقدمتا ، وأمر عمر أن ينادى عليهما مع السبي المحمول ، فمنع أمير المؤمنين عليه السّلام من ذلك وقال : ان بنات الملوك لا يبعن في الأسواق.

ثم أمر امرأة من الأنصار حتى أخذت بأيديهما فدارت بهما على مجالس المهاجرين والأنصار تعرضهما على من يتزوّج بهما. فأول من طلع الحسن والحسين فوقفا فخطباهما لأنفسهما. فقالتا : لا نريد غيركما.

فتزوّج الحسن ب (شهربانو) وتزوّج الحسين ب (جهانشاه). فقال أمير المؤمنين للحسين عليه السّلام : احتفظ بها وأحسن إليها فستلد لك خير أهل الأرض بعدك.

فولدت علي بن الحسين. فكان مولده ومنشؤه مثل مواليد آبائه عليهم السّلام ومنشئهم. وتوفيت بالمدينة في نفاسها فابتيعت له داية تولّت رضاعه وتربيته ؛ وكان يسمّيها أمي. فلما كبرت زوّجها بسلام مولاه فكان بنو أميّة يقولون : ان علي بن الحسين زوّج أمه بغلامه. ويعيّرونه بذلك.

وكان يسمّى عليه السّلام سيّد العابدين ؛ لأنّه روي انّه كان يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة.

وحضر يوم الطف مع أبيه وكان عليلا به بطن قد سقط عنه الجهاد. فلما قرب استشهاد أبي عبد الله عليه السّلام دعاه وأوصى إليه وأمره أن يتسلّم ما خلّفه عند أم سلمة ـ رحمها الله ـ مع مواريث الأنبياء والسلاح والكتاب.

فلما استشهد حمل علي بن الحسين مع الحرم وأدخل على اللعين يزيد وكان لابنه

١٧٠

أبي جعفر عليه السّلام سنتان وشهور ، فأدخل معه. فلما رآه يزيد قال له : كيف رأيت يا علي بن الحسين [صنع الله؟] قال : رأيت ما قضاه الله ـ عز وجل ـ قبل أن يخلق السماوات والأرض.

فشاور يزيد جلساءه في أمره. فأشاروا بقتله وقالوا له : لا تتخذ من كلب سوء جروا.

فابتدر أبو محمّد الكلام ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال ليزيد (لعنه الله) : لقد أشار عليك هؤلاء بخلاف ما أشار جلساء فرعون عليه ، حيث شاورهم في موسى وهارون ، فانّهم قالوا له : أرجه وأخاه ، وقد أشار هؤلاء عليك بقتلنا ، ولهذا سبب.

فقال يزيد : وما السبب؟

فقال : ان أولئك كانوا لرشدة وهؤلاء لغير رشدة. ولا يقتل الأنبياء وأولادهم إلّا أولاد الأدعياء.

فأمسك يزيد مطرقا ثم أمر بإخراجهم ـ على ما قص وروي ـ.

فاستخفى علي بن الحسين عليه السّلام بالإمامة مع من اتّبعه من المؤمنين.

وفي السنة الثالثة من إمامته مات يزيد اللعين ، وبويع لابنه معاوية بن يزيد ، فأقام في الملك ثلاثة أشهر ومات ثم كانت فتنة ابن الزبير بالحجاز في سنة أربع وستين وكانت مدّتها تسع سنين.

وفي سنة اثني عشر من إمامة علي بن الحسين ، بويع اللعين طريد رسول الله وابن طريده ولعينه وابن لعينه الأزيرق مروان بن الحكم بن أبي العاص ، فاستخفى في أيامه المؤمنون وصعب الزمان واشتد على أهله ، وكانت الشيعة تطلب في أقطار الأرض .. تهدر دماؤهم وأموالهم.

وأظهروا لعن أمير المؤمنين عليه السّلام على منابرهم. وأقام (لعنه الله) في ملكه عشرة أشهر وأياما ثم توفي ، وبويع ابنه عبد الملك بن مروان ، فقلّد عبد الملك الحجاج بن يوسف خلافته على العراقين ثم كتب إليه : بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد فانظر في دماء بني عبد المطلب فاحقنها واحذر سفكها وتجنبها فاني رأيت آل أبي سفيان لمّا ولغوا فيها لم يلبثوا إلّا قليلا حتى اخترموا.

١٧١

وأنفذ الكتاب سرّا من كلّ قريب وبعيد وخاص به وعام ، الى الحجاج وأمره أن يكتمه.

قال العالم : فكتب إليه علي بن الحسين عليهما السّلام في ذلك اليوم من ذلك الشهر : بسم الله الرحمن الرحيم. من علي بن الحسين الى عبد الملك بن مروان. أما بعد ؛ فانّك كتبت في ساعة كذا من يوم كذا في شهر كذا الى الحجاج بن يوسف بكذا وكذا وكذا وان الله عز وجل قد عرف ذلك لك وأمهلك في ملكك وزاد فيه برهة من دهرك.

وطوى الكتاب وأنفذه إليه. فلما قرأه عبد الملك اشتدّ سروره ، فأوقر راحلة الرسول عينا وورقا.

وكانت مدّة عبد الملك نيفا وعشرين سنة ثم مات وبويع لابنه الوليد في سنة ست وثمانين من الهجرة وذلك في سنة ست وعشرين من إمامة أبي محمّد علي بن الحسين عليه السّلام ، ونازعه عمّه محمد بن الحنفية في الإمامة وادّعى ان الأمر له بعد أخيه الحسين عليه السّلام فناظره واحتجّ عليه بآي من القرآن وقول الله عز وجل (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) وان هذه الآية جرت فيه ونزلت له ولولده من بعده.

فلم يثنه ذلك عن منزلته ، فقال له عليه السّلام : فنتحاكم الى الحجر الأسود.

فقال له محمد : كيف تحاكمني الى حجر لا يسمع ولا يجيب؟ وكيف يخلو المكان من الناس وأهل الموسم؟

فأعلمه ان الله ـ جل جلاله ـ يحسّه وينطقه بالحكم فينا.

فمضى محمد معه متعجبا حتى انتهيا الى الحجر الأسود. فقال علي عليه السّلام : يا عم فكلّمه.

فتقدّم محمّد فوقف حياله وكلّمه. فأمسك عنه ولم يجبه.

وتقدّم علي عليه السّلام فوضع يده المباركة الطاهرة عليه ثم قال : اللهم انّي أسألك باسمك المكتوب في سرادق العظمة. ـ ودعا بما أحب ـ لما انطقت هذا الحجر.

ثم قال : أيها الحجر أسألك بالذي جعل فيك مواثيق العباد والشهادة لمن وافاك واستلمك ، لما أخبرت لمن الوصيّة والإمامة بعد الحسين بن علي عليه السّلام؟

١٧٢

قال : فتزعزع الحجر حتى كاد أن يزول ثم أنطقه الله جل وعز فقال : يا محمّد سلّم الإمامة لعلي بن الحسين.

فقال علي عليه السّلام : اللهم اسمح واغفر.

فرجع محمد بن علي عليه السّلام عن منازعته وسلّم إليه واستغفر.

وروي عن العالم عليه السّلام : ان علي بن الحسين أخذ بيد أبي حمزة ديران بن أبي صفية الثمالي فقال : يا أبا حمزة علّمنا منطق الطير وأوتينا من كلّ شيء ان هذا لهو الفضل المبين.

وروي انّه كان معه في بعض أسفاره الى مكّة فبينا هم جلوس إذ جاءت ظبية فوقفت بازائه فحمحمت وعيناها تدمعان فقال لأصحابه : تدرون ما تقول هذه الظبية؟

فقالوا : الله ورسوله وأولياؤه أعلم.

فقال : انّها تذكر انّها عند فلان القرشي ولها خشف قد حبس عنها ولم يطعم شيئا منذ يوم وليلة.

ثم وجّه الى القرشي فأحضره واستوهب منه الظبية والخشف وحضر طعامه فجعل يطعمها ثم أمر أن تخرج الى البر فتخلّى لها السبيل. فمضت وهي تحمحم ومعها خشفها ، فقال : ما تدرون ما تقول؟

قلنا : لا.

فقال : انها تدعو لنا وتجزي خيرا.

وروي ان رجلا صار إليه وعنده أصحابه فقال له : من أنت؟

قال : أنا رجل منجم قايف عرّاف.

فنظر إليه ثم قال له : هل أدلّك على رجل قد مر منذ دخلت علينا في أربعة عشر ألف عام؟

قال : من هو؟

فقال له : ان شئت نبأتك بما أكلت وما ادّخرت في بيتك؟

فقال له : نبئني.

١٧٣

فقال له : أكلت في هذا اليوم حيسا ولك في بيتك عشرون دينارا ؛ منها ثلاثة دنانير دارية.

فقال له الرجل : اشهد انّك الحجّة العظمى والمثل الأعلى وكلمة التقوى.

فقال له : وأنت صديق قد امتحن الله قلبه للإيمان فآمنت.

وروي عن أبي حمزة الثمالي قال : كنت عنده فسمع صوت العصافير فقال : يا أبا حمزة هل تدري ما تقول هذه العصافير؟

قلت : لا.

قال : تقدّس ربّها وتطلب منه قوت يومها.

... الى غير ذلك من دلائله عليه السّلام ، فانها كثيرة وقد بيّنا في آخر بابه بعضها.

فلما قربت أيامه صلّى الله عليه أحضر أبا جعفر ابنه وأوصى إليه ، فحضر جماعة من خواصّه الوصية الظاهرة وسلّم إليه بعد ذلك الاسم الأعظم ومواريث الأنبياء.

وكان فيما قاله من أمر ناقته ان يحسن إليها ويقدم لها العلف ولا تحمل بعده على الكد والسفر وتكون في الحظيرة. وقد كان حجّ عليها عشرين حجّة ما قرعها بخشبة.

ومضى (صلّى الله عليه) في سنة خمس وتسعين من الهجرة ؛ وسنه سبع وخمسون.

ودفن بالبقيع في قبر أبي محمد الحسن بن علي عليه السّلام.

فأقام مع أمير المؤمنين عليه السّلام سنتين وشهورا. وروي عنه أحاديث كثيرة ، وأقام مع أبيه وعمّه عليهما السّلام عشرين سنة ، ومنفردا بالإمامة خمسا وثلاثين سنة وشهورا.

فروي ان الناقة خرجت الى قبره بالبقيع فضربت بجرانها عليه ولم تزل دموعها تجري وتهمل من عينها ، فبعث ابو جعفر عليه السّلام بمن يردّها الى موضعها فعادت. فعلت ذلك ثلاث مرّات ثم أقيمت فلم تقم حتى ماتت. فأمر أبو جعفر عليه السّلام فحفر لها ودفنت.

وروي عن سعيد بن المسيب قال : قحط الناس يمينا وشمالا فمددت عيني فرأيت شخصا أسود على تل قد انفرد ، فقصدت نحوه فرأيته يحرّك شفتيه. فلم يتمّ دعاءه حتى أقبلت غمامة. فلما نظر إليها حمد الله وانصرف. وأدركنا المطر حتى ظنناه الغرق. فاتبعته حتى دخل دار علي بن الحسين عليه السّلام فدخلت إليه فقلت له : يا سيدي في دارك غلام أسود

١٧٤

تفضّل علي بيعه.

فقال : يا سعيد ولم لا يوهب لك؟

ثم أمر القيم على غلمانه يعرض كلّ من في الدار عليه فجمعوا فلم أر صاحبي بينهم. فقلت : فلم أره. فقال : انّه لم يبق إلّا فلان السائس. فأمر به فأحضر فاذا هو صاحبي.

فقلت له : هذا هو.

فقال له : يا غلام ان سعيدا قد ملكك فامض معه.

فقال لي الأسود : ما حملك على ان فرّقت بيني وبين مولاي؟

فقلت له : اني رأيت ما كان منك على التل.

فرفع يده الى السماء مبتهلا ثم قال : ان كانت سريرة ما بينك وبيني قد أذعتها عليّ فاقبضني إليك.

فبكى علي بن الحسين وبكى من حضره وخرجت باكيا. فلما صرت الى منزلي وافاني رسوله فقال لي : ان أردت أن تحضر جنازة صاحبك فافعل.

فرجعت معه ووجدت العبد قد مات بحضرته.

وروي عن أبي خالد الكابلي انّه قال : كنت أقول بمحمد بن الحنفية زمانا ، فلقيني يحيى بن أم الطويل ابن داية علي بن الحسين عليه السّلام فدعاني الى صاحبه ، فامتنعت عليه.

فقال لي : ما يضرّك ان تقضي حقّي وان تلقاه مرّة واحدة؟

فصرت معه إليه فوجدته جالسا في بيت مفروش بالمعصفر ملبس الحيطان .. عليه ثياب مصبغة. فلم أطل عنده.

فلما نهضت قال لي : صر إليّ في غد إن شاء الله.

فخرجت من عنده وقلت ليحيى : ادخلتني الى رجل يلبس المصبغات

وعزمت أن لا أرجع إليه ، ثم فكّرت في ان رجوعي غير ضائر ، فصرت إليه في الوقت ، فوجدت الباب مفتوحا ولم أر أحدا ، فهممت بالرجوع ، فناداني من داخل الدار ثلاثة أصوات ، فظننت انّه يريد غيري .. حتى صاح بي (يا كنكر) ادخل ـ وهذا اسم سمّتني أمي به ولم يسمعه ولا علم به أحد غيري ـ فدخلت إليه فوجدته جالسا في بيت

١٧٥

مطين على حصير بردي وعليه قميص كرابيسي.

فقال لي : يا أبا خالد اني قريب عهد بعروس ، وان الذي رأيت بالأمس من آلة المرأة ، ولم أحبّ مخالفتها.

فما برحت ذلك اليوم من عنده حتى رأيت العجائب ، فقلت بإمامته وهداني الله به وعلى يديه.

وروي عن أمير المؤمنين عليه السّلام انّه قال : لا تكون الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين ولا تخرج من الأعقاب الى يوم القيامة.

وروي عن علي بن الحسين عليه السّلام انّه قال : ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم : المدخل فينا من ليس منّا ، والمخرج منّا من هو منّا ، والقائل ان لهما في الاسلام نصيبا ـ يعني هذين الصنمين ـ.

محمد الباقر عليه السّلام

وقام بالأمر بعده أبو جعفر محمّد بن علي عليهما السّلام.

روي عن العالم عليه السّلام انّه تزوج أبو محمد علي بن الحسين عليه السّلام بأم عبد الله بن الحسن بن علي عمّه وهي أم جعفر عليه السّلام وكان يسمّيها الصديقة ويقول : لم يدرك في آل الحسن مثلها امرأة.

روي عن أبي جعفر عليه السّلام انّه قال : كانت أمي أم عبد الله بنت الحسن جالسة عند جدار فتصدّع الجدار فقالت بيدها : لا وحق المصطفى ما اذن الله ـ جل وعز ـ لك في السقوط حتى أقوم.

فبقي معلقا حتى قامت وبعدت ثم سقط ، فتصدّق عنها علي بن الحسين بمائة دينار.

وكان مولد أبي جعفر عليه السّلام في سنة ثمان وخمسين من الهجرة قبل أن يصاب الحسين عليه السّلام وكان مولده ومنشؤه مثل مواليد آبائه عليهم السّلام.

فلما شبّ ودخل المسجد مع أبيه أتاه جابر بن عبد الله الأنصاري فقبّل رأسه ثم قال له : ان رسول الله صلّى الله عليه وآله جدّك يقرأ عليك السّلام وكان قال لي : تعيش حتى ترى محمد بن

١٧٦

علي بن الحسين ابني ، فاذا رأيته فاقرأ عليه سلامي.

ثم أتاه في وقت آخر فقبّل رأسه ثم قال له : يا باقر.

فلما فعل جابر ذلك ، أمر علي بن الحسين أبا جعفر عليه السّلام ألا يخرج من الدار. فكان جابر يأتيه طرفي النهار فيسلّم عليه. فلما مضى علي بن الحسين عليه السّلام كان أبو جعفر يمضي الى جابر لسنّه وصحبته جدّه رسول الله صلّى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السّلام في الوقت بعد الوقت.

وروي عن عدّة من أصحابه انّهم قالوا : كنّا معه فمر به زيد بن علي عليه السّلام فقال لنا : لترون أخي هذا والله ليخرجن بالكوفة وليقتلن وليصلبن ويطاف برأسه.

وروي ان أصحابه كانوا مجتمعين عنده إذ سقط بين يديه ورشان ومعه انثاه فرقّا لهما ، فوقفا ساعة ثم طارا. فقال عليه السّلام : علّمنا منطق الطير وأوتينا من علم كلّ شيء. كلّ شيء أسمع لنا وأطوع وأعرف بحقّنا من هذه الأمة. إنّ هذا الورشان ظن بزوجته ظن سوء وصار إليّ فشكاها وأتى بها معه فحاكمها فحلفت له بالولاية انّها ما خانته فأخبرته بأنّها صادقة ونهيته عن ظلمها ؛ لأنّه ليس من بهيمة ولا طائر يحلف بولايتنا كاذبا إلّا ابن آدم. فاصطلحا وطارا.

وروي عن محمد بن سالم قال : كنت مع أبي جعفر عليه السّلام في طريق مكّة إذ بصرت بشاة منفردة من الغنم تصيح الى سخلة لها قد انقطعت عنها وتسرع السير فقال أبو جعفر عليه السّلام : أتدري ما تقول هذه الشاة لولدها؟

قلت : لا يا سيدي.

قال : تقول لها : اسرعي في القطيع فان أخاك عام أوّل تخلّف عني وعن القطيع في هذا المكان فاختلسه الذئب.

قال محمد بن مسلم : فدنوت من الراعي فقلت له : أرى هذه الشاة تصيح سخلتها فلعلّ الذئب أكل قبل هذا الوقت سخلا لها في هذا الموضع؟

قال : قد كان ذاك عام أوّل ، فما يدريك؟

وروي ان الأسود بن سعيد كان عند أبي جعفر عليه السّلام فابتدأ أبو جعفر فقال له : نحن

١٧٧

حجج الله ونحن لسان الله ونحن وجه الله ونحن ولاة أمر الله.

ثم قال : يا أسود ان بيننا وبين الأرض ترا مثل تر البناء فاذا أمرنا بأمر في الأرض جذبنا بذلك التر فأقبلت إلينا تلك الأرض.

وروي عن الحكيم بن أبي نعيم قال : أتيت أبي جعفر عليه السّلام بالمدينة فقلت له : علي نذر بين الركن والمقام ان انا لقيتك الا أخرج من المدينة حتى أعلم انّك قائم آل محمّد.

فلم يجبني بشيء.

فأقمت ثلاثين يوما ثم استقبلني في طريق فقال : يا حكيم وانك لهاهنا.

قلت : قد أخبرتك بما جعلت لله على نفسي فلم تأمرني ولم تنهني.

وقال : بكر عليّ الى المنزل.

فغدوت إليه فقال : سل عن حاجتك.

فقلت : قد جعلت عليّ نذرا صياما وصدقة إن أنا لقيتك لم أخرج من المدينة حتى أعلم انّك قائم آل محمّد أو لا. فان كنت أنت رابطتك وان لم تكن انتشرت في الأرض وطلبت المعاش.

فقال : يا حكيم كلّنا قائم بأمر الله.

قلت : فأنت المهدي؟

قال : كلّنا نهدي الى الله.

قلت : فأنت صاحب السيف.

قال : كلّنا صاحب السيف ووارث السيف.

قلت : وأنت تقتل أعداء الله وتعزّ أولياء الله ويظهر بك دين الله.

قال : يا حكيم كيف أكون أنا هو وقد بلغت هذا السن. ان صاحب هذا الأمر أقرب عهد باللبن مني.

ثم قال ـ بعد كلام طويل ـ : سر في حفظ الله والتمس معاشك.

وروي عن عنبسة بن مصعب عن جابر بن يزيد الجعفي قال : سئل أبو جعفر عليه السّلام عن القائم ، فضرب بيده على أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السّلام فأخبرته بذلك. قال : صدق

١٧٨

جابر ، وقال : لعلّكم ترون ان الامام ليس هو القائم بعد الإمام الذي كان قبله. هذا اسم لجميعهم.

وروي عن محمد بن عمير عن عبد الصمد بن بشير عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السّلام قال ان رسول الله صلّى الله عليه وآله دعا عليّا في المرض الذي مضى فيه فقال له : يا علي ادن مني حتى أسرّ إليك بما أسرّه الله إليّ وائتمنك على ما ائتمني الله عليه.

فدنا منه فأسرّ إليه.

وفعل علي بالحسن.

وفعل الحسن بالحسين.

وفعل الحسين بأبي.

وفعل أبي بي.

وروي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله انّه قال : أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وأخي علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم. فاذا استشهد فابني الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم. ثم ابني الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم. فاذا استشهد فابنه علي بن الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم وستدركه يا علي. ثم ابني محمد بن علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وستدركه يا حسين.

وقد روى هذا الحديث عبد الله بن عباس واسامة بن زيد وعبد الله بن جعفر الطيار ـ رحمهم الله ـ.

وروي عن أبي بصير قال : قلت : لأبي جعفر أنتم ورثة رسول الله؟

فقال لي : نعم. رسول الله وارث الأنبياء ونحن ورثته وورثتهم.

قلت : تقدرون على أن تحيوا الموتى وتبرءوا الاكمه والأبرص؟

فقال لي : باذن الله.

ثم قال : ادن مني يا أبا محمد.

فمسح يده على وجهي فأبصرت الشمس والسماء والأرض وكلّ شيء في الدار.

فقال : أتحب أن تكون هكذا ولك ما للناس وعليك ما عليهم أو تعود على حالك

١٧٩

ولك الجنّة خالصا؟

قلت : أعود والجنة.

فمسح يده على عيني فرجعت كما كنت.

وروي عن أبي حمزة الثمالي عن جابر بن يزيد الجعفي قال : كنت يوما عند أبي جعفر عليه السّلام ، فالتفت الي فقال لي : يا جابر ما لك حمار فتركبه؟

قلت : لا يا سيدي.

فقال لي : اني أعرف رجلا بالمدينة له حمار يركبه فيأتي المشرق والمغرب في ليلة.

وروي عنه عليه السّلام انّه قال : نحن جنب الله ـ عز وجل ـ ونحن خيرة الله ونحن مستودع مواريث الأنبياء ونحن أمناء الله ونحن حجج الله ونحن حبل الله ونحن رحمة الله على خلقه. بنا يفتح الله وبنا يختم الله. من تمسّك بنا لحق ، ومن تخلّف عنّا غرق. ونحن القادة الغرّاء المحجلون.

ثم قال ـ بعد كلام طويل ـ : فمن عرفنا وعرف حقّنا وأخذ بأمرنا فهو منّا وإلينا.

وروي عن الفضيل بن يسار قال سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول : ان الامام منّا يسمع الكلام في بطن أمه فاذا وقع الى الأرض رفع له عمود من نور يرى به أعمال العباد.

وروي عن أبي حمزة قال سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول : لا والله لا يكون عالم بشيء جاهل بشيء. ان الله أجلّ وأكرم وأعز وأعدل من أن يفرض طاعة عبد ويجعله حجّة ثم يحجب عنه علم أرضه وسمائه.

ثم قال : لا يحجب ذلك عنه.

وروي ان حبابة الوالبية دخلت على أبي جعفر عليه السّلام فقال لها : يا حبابة ما الذي أبكاك؟

قالت : كثرة همومي وظهر في رأسي البياض.

قال : يا حبابة ادني.

فدنت منه فوضع يده في مفرق رأسها ودعا لها بكلام لم يفهم. ثم دعا لها بالمرآة فنظرت فاذا شمط رأسها قد أسود وعاد حالكا. فسرّت بذلك وسر أبو جعفر بسرورها.

١٨٠