الزبدة الفقهيّة - ج ٦

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٦

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: كيميا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-6307-59-0
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٦٤٨

وتكره الحرام» ، أو غيره من الدعاء(وتفعل المرأة كذلك) فتصلي ركعتين بعد الطهارة وتدعو الله تعالى بمعنى ما دعا.

(وليكن) الدخول(ليلا) (١) كالعقد ، قال الصادق عليه‌السلام : زفّوا نساءكم ليلا ، وأطعموا ضحى(ويضع يده على ناصيتها) (٢) وهي ما بين نزعتيها من مقدّم رأسها عند دخولها عليه ، وليقل : «اللهمّ على كتابك تزوّجتها ، وفي أمانتك أخذتها ، وبكلماتك استحللت فرجها ، فإن قضيت في رحمها شيئا فأجعله مسلما سوّيا ، ولا تجعله شرك شيطان» (ويسمي) الله تعالى(عند الجماع (٣) دائما (٤) عند

______________________________________________________

(١) لخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام (زفّوا عرائسكم ليلا وأطعموا ضحى) (١) ، ولأنه أوفق بالستر والحياء ، بل قيل : إنه يستحب إضافة الستر المكاني.

(٢) عند دخولها عليه لخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث (فإذا دخلت عليه فليضع يده على ناصيتها ويقول : اللهم على كتابك تزوجتها ، وفي أمانتك أخذتها ، وبكلماتك استحللت فرجها ، فإن قضيت في رحمها شيئا فاجعله مسلما سويا ، ولا تجعله شرك شيطان ، قلت : وكيف يكون شرك شيطان؟ فقال : إن الرجل إذا دنا من المرأة وجلس مجلسه حضره الشيطان ، فإن هو ذكر اسم الله تنحّى الشيطان عنه ، وإن فعل ولم يسمّ أدخل الشيطان) (٤) ذكره ، فكان العمل منهما جميعا والنطقة واحدة ، قلت : فبأي شي‌ء يعرف هذا جعلت فداك؟ قال : بحبنا وبغضنا) (٢).

(٣) لخبر أبي بصير المتقدم.

(٤) ففي مرسل الصدوق عن الصادق عليه‌السلام (إذا أتى أحدكم أهله فلم يذكر الله عند الجماع وكان منه ولد كان شرك الشيطان ، ويعرف ذلك بحبنا وبغضنا) (٣) ، وخبر الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في الرجل إذا أتى أهله وخشي أن يشاركه الشيطان يقول : بسم الله ويتعوذ بالله من الشيطان) (٤) وخبر ابن القداح عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إذا جامع أحدكم فليقل : بسم الله وبالله ، اللهم جنّبني الشيطان وجنّب الشيطان ما رزقتني قال : فإن قضى الله بينهما ولدا لا يضره الشيطان بشي‌ء أبدا) (٥).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ١.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٦٨ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ٦ و ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ٦٨ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ٣.

١٢١

الدخول بها ، وبعده ، ليتباعد عنه الشيطان ويسلم من شركه.

(ويسأل الله الولد الذكر السّوي الصالح) قال عبد الرحمن بن كثير : «كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فذكر شرك الشيطان فعظّمه حتى أفزعني ، فقلت جعلت فداك فما المخرج من ذلك؟ فقال : إذا أردت الجماع فقل : بسم الله الرّحمن الرّحيم الّذي لا إله إلّا هو بديع السّماوات والأرض ، اللهم إن قضيت منّي في هذه اللّيلة خليفة فلا تجعل للشّيطان فيه شركا ولا نصيبا ولا حظّا ، واجعله مؤمنا مخلصا صفيّا من الشيطان ورجزه جلّ ثناؤك» (١) (وليولم) (٢) عند الزفاف(يوما ، أو)

______________________________________________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦٨ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ٤.

(٢) يستحب الوليمة عند الزفاف للأخبار.

منها : خبر هشام عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين تزوج ميمونة بنت الحارث أو لم عليها ، وأطعم الناس الحيس) (١) والحيس بفتح الحاء تمر ينزع نواه ويدقّ مع أقط ويعجنان بالسمن ثم يدلك باليد حتى يبقى كالثريد ، وربما جعل معه سويق كما في مجمع البحرين ، وخبر الوشاء عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام (إن النجاشي لما خطب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آمنة بنت أبي سفيان فزوجه دعا بطعام وقال : إن من سنن المرسلين الإطعام عند التزويج) (٢) ، وفي الخبر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (لا وليمة إلا في خمس : في عرس أو ضرس ، أو عذار أو وكار أو ركاز) (٣) وهي التزويج والنفاس بالولد والختان وشراء الدار والقدوم من مكة.

وعن الشافعي القول بوجوبها لما روته العامة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال لعبد الرحمن بن عوف (أولم ولو بشاة) (٤) ، وهو محمول على الاستحباب بقرينة تركه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك في جملة من أزواجه ، هذا والظاهر أن المدار في الوليمة على مسماها كما وكيفا فقد تقدم في الخبر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أطعم الناس الحيس ، وقد روت العامة أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (أو لم على صفية بسويق وتمر) (٥) ، وقد روت العامة عن أنس (أنه ما أو لم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على امرأة من نسائه ما أولم على زينب ، جعل يبعثني فأدعو الناس ، فأطعمهم خبزا ولحما حتى شبعوا) (٦) ، وأما وقتها ففي المسالك والروضة عند الزفاف ، وفي جامع المقاصد أنه هل هو بعد الدخول ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ٣ و ١ و ٥.

(٤) سنن البيهقي ج ٧ ص ٢٥٨.

(٥ و ٦) سنن البيهقي ج ٧ ص ٢٦٠.

١٢٢

(يومين) (١) تأسيا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد أولم على جملة من نسائه ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إن من سنن المرسلين الإطعام عند التزويج» وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الوليمة أول يوم حق ، والثاني معروف ، وما زاد رياء وسمعة».

(ويدعو المؤمنين) إليها (٢) ، وأفضلهم الفقراء (٣) ، ويكره أن يكونوا كلهم أغنياء ولا بأس بالشركة ، (ويستحب) لهم(الإجابة) استحبابا مؤكدا (٤) ، ومن كان صائما ندبا فالأفضل له الإفطار (٥) ، خصوصا إذا شق بصاحب الدعوة

______________________________________________________

ـ أو قبله ، لم أجد به تصريحا ، مع أن خبر السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام (زفوا عرائسكم ليلا وأطعموا ضحى) (١) ظاهر في كون الوليمة بعد الدخول ، كما أن خبر الوشاء المتقدم ظاهر في أن الوليمة بعد العقد ، ولعل الجمع بين الأخبار يقتضي تجويز كلا الأمرين من كون الوليمة قبل الدخول وبعده بشرط أن تكون بعد العقد.

(١) للنبوي (الوليمة في أول يوم حق ، والثاني معروف ، والثالث رياء وسمعة) (٢) ، وفي الخبر عن أبي جعفر عليه‌السلام (الوليمة يوم ، ويومان مكرمة ، وثلاثة أيام رياء وسمعة) (٣).

(٢) لأن المؤمنين أفضل من غيرهم ، وأولى بالمودة وأقرب إلى إجابة الدعوة كما في الجواهر ، نعم لو لم يمكن تخصيصهم فليجمعهم مع غيرهم ، ولا يشترط فيهم عدد مخصوص.

(٣) للنبوي (شر الولائم ما يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء) (٤).

(٤) للنبوي (من دعي إلى وليمة ولم يجب فقد عصى الله ورسوله) (٥) ، وفي نبوي آخر (من دعى إلى وليمة فليأتها) ٦ ، ولكن لعدم شرائط حجيتها وجب حملها على الندب بل على تأكده ، فما عن بعض العامة من أنه تجب الاستجابة لهذه الأخبار ضعيف.

نعم يكره الترك إذا كان الداعي مؤمنا ففي الخبر (ومن حقه على أخيه إجابة دعوته) (٧).

(٥) لخبر الرقي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لإفطارك في منزل أخيك من صيامك سبعين ضعفا) (٨) وصحيح جميل عن أبي عبد الله عليه‌السلام (من دخل على أخيه فأفطر عنده ولم ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ٢.

(٢) سنن البيهقي ج ٧ ص ٢٦٠.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ٢.

(٤) سنن البيهقي ج ٧ ص ٢٦٢.

(٥ و ٦) سنن البيهقي ج ٧ ص ٢٦٢ وص ٢٦١.

(٧) الوسائل الباب ـ ١٢٢ ـ من أبواب أحكام العشرة حديث ١٥.

(٨) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب آداب الصائم حديث ٦ و ٣.

١٢٣

صيامه (١).

(ويجوز أكل نثار العرس وأخذه بشاهد الحال) (٢) أي مع شهادة الحال بالأذن في أخذه ، لأن الحال يشهد بأخذه دائما.

وعلى تقدير أخذه به (٣) فهل يملك بالأخذ (٤) ، أو هو مجرد إباحة ، قولان أجودهما الثاني.

وتظهر الفائدة في جواز الرجوع (٥) فيه ما دامت عينه باقية.

(ويكره الجماع) (٦) مطلقا(عند الزوال) إلا يوم الخميس ، فقد روي أن

______________________________________________________

ـ يعلمه بصومه فيمنّ عليه كتب الله له صوم سنة) (١).

(١) لما روته العامة (أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حضر دار بعضهم فلما تقدم الطعام أمسك بعض القوم ، وقال : إني صائم ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يتكلف لك أخوك المسلم وتقول : إني صائم ، أفطر ثم اقض يوما مكانه) (٢).

(٢) لا خلاف في جواز نثر المال في الأعراس مأكولا كان أو غيره وليس من السفه والسرف لكونه من متممات السرور المطلوب في هذه المواضع ، نعم لم يثبت استحبابه لعدم الدليل عليه.

وعلى كل فيجوز أكل ما ينثر في الأعراس بلا خلاف ولا إشكال عملا بشاهد الحال الذي عليه السيرة ، وكذا يجوز أخذه لشاهد الحال ، أما لو وضع على الخوان فقط فشاهد الحال أنه إذن بأكله دون نقله.

(٣) بالنثار.

(٤) كما عن المبسوط والمهذب والإرشاد والتذكرة للسيرة القطعية على معاملته معاملة المملوك بالبيع ونحوه ، بل السيرة قائمة على ذلك في كل مال أعرض عنه صاحبه ، وهنا قد أعرض عنه بنثاره.

وعن الشارح في المسالك أنه ما زال باقيا على ملك مالكه للأصل حتى يحصل مسبب يقتضي النقل ، وما وقع لا يفيد أكثر من الإباحة.

(٥) على القول بالإباحة دون القول بالتملك.

(٦) من آداب الخلوة كراهة الجماع في ثمانية أوقات : الأول عند الزوال حذرا من الحول ففي الخبر (إن قضى بينكما ولد في ذلك الوقت يكون أحول ، والشيطان يفرح بالحول في ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب آداب الصائم حديث ٦ و ٣.

(٢) سنن البيهقي ج ٧ ص ٢٦٤.

١٢٤

الشيطان لا يقرب الولد الذي يتولد حينئذ حتى يشيب(وبعد الغروب (١) حتى يذهب الشفق) الأحمر ومثله ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، لوروده معه في الخبر ، (وعاريا) (٢) للنهي عنه ، رواه الصدوق عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، (وعقيب الاحتلام قبل الغسل (٣) ، أو الوضوء) (٤) قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يكره أن يغشي

______________________________________________________

ـ الإنسان) (١) إلا زوال يوم الخميس فيستحب كما في الخبر المتقدم (لأن الشيطان لا يقرب من يقضي بينهما حتى يشيب ويكون فهما ويرزق السلامة في الدين والدنيا) (٢).

(١) لصحيح سالم عن أبي جعفر عليه‌السلام (قلت : هل يكره الجماع في وقت من الأوقات وإن كان حلالا؟ قال : نعم ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، ومن مغيب الشمس إلى مغيب الشفق ، وفي اليوم الذي تنكسف فيه الشمس ، وفي الليلة التي ينكسف فيها القمر ، وفي الليلة واليوم الذين يكون فيهما الريح السوداء والريح الحمراء والريح الصفراء ، واليوم والليلة الذين يكون فيهما الزلزلة ، وقد بات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند بعض أزواجه في ليلة انكسف فيها القمر فلم يكن منه في تلك الليلة ما كان يكون منه في غيرها حتى أصبح ، فقالت : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ألبغض كان هذا منك في هذه الليلة؟ قال : لا ، ولكن هذه الآية ظهرت في هذه الليلة فكرهت أن أتلذذ وألهو فيها ، وقد عيّر الله أقواما فقال جل وعزّ في كتابه : وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون ، ثم قال أبو جعفر عليه‌السلام : وأيم الله لا يجامع أحد في هذه الأوقات التي نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنها ، وقد انتهى إليه الخبر فيرزق ولدا فيرى في ولده ذلك ما يحب) (٣).

(٢) ففي خبر محمد بن العيص عن أبي عبد الله عليه‌السلام (أجامع وأنا عريان ، فقال عليه‌السلام : لا ، ولا تستقبل القبلة ولا تستدبرها) (٤) ، وقد ورد (٥) أنه من فعل الحمار وأن الملائكة تخرج من بينهما.

(٣) للنبوي (يكره أن يغشى الرجل امرأته وقد احتلم ، حتى يغتسل من احتلامه الذي رأى ، فإن فعل فخرج الولد مجنونا فلا يلومنّ إلّا نفسه) (٦).

(٤) كما في النهاية والمهذب والوسيلة والقواعد وغيرها ، وقال في الجواهر (ولم نعرف له ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١٤٩ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ١ ، والباب ـ ١٥١ منها حديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٦٢ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٦٩ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ٣.

(٦) الوسائل الباب ـ ٧٠ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ١.

١٢٥

الرجل المرأة وقد احتلم حتى يغتسل من احتلامه الذي رأى ، فإن فعل ذلك وخرج الولد مجنونا فلا يلومنّ إلا نفسه» ، ولا تكره معاودة الجماع بغير غسل للأصل (١).

(والجماع عند ناظر إليه) (٢) بحيث لا يرى العورة ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «والذي نفسي بيده لو أنّ رجلا غشى امرأته وفي البيت مستيقظ يراهما ويسمع كلامهما ونفسهما ما أفلح أبدا ، إن كان غلاما كان زانيا ، وإن كانت جارية كانت زانية» ، وعن الصادق عليه‌السلام قال : «لا يجامع الرجل امرأته ، ولا جاريته وفي البيت

______________________________________________________

ـ سندا كما اعترف به في كشف اللثام) نعم أورد بعضهم أنه يحتمل أن يكون المستند بعد التعدي من الاحتلام إلى الجماع مرسل عثمان بن عيسى عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا أتى الرجل جاريته ثم أراد أن يأتي الأخرى توضأ) (١).

(١) أصالة عدم استحباب الوضوء أو الغسل عند المعاودة ، ويرده إطلاق ما عن الرسالة الذهبية المنسوبة إلى الإمام الرضا عليه‌السلام (الجماع بعد الجماع من غير فصل بينهما بغسل يورث الولد الجنون) (٢) ، وهو مطلق يشمل ما لو عاود الجماع على نفس المرأة أو على امرأة أخرى.

(٢) يكره أن يجامع وعنده من ينظر إليه من ذوي التمييز على وجه يراهما ويسمع نفسهما ففي خبر زيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : والذي نفسي بيده لو أن رجلا يغشى امرأته وفي البيت صبي مستيقظ يراهما ويسمع كلامهما ونفسهما ما أفلح أبدا ، إن كان غلاما كان زانيا أو جارية كانت زانية ، وكان علي بن الحسين عليهما‌السلام إذا أراد أن يغشى أهله أغلق الباب وأرخى الستور وأخرج الخدم) (٣) وخبر راشد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا يجامع الرجل امرأته ولا جاريته وفي البيت صبي ، فإن ذلك مما يورّث الزنا) (٤) ، وخبر جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام (إياك والجماع حيث يراك صبي يحسن أن يصف حالك ، قلت : يا ابن رسول الله كراهة الشنعة؟ قال : لا ، فإنك إن رزقت ولدا كان شهرة علما في الفسق والفجور) (٥) ، ثم صرح غير واحد بعدم الفرق بين المميّز وغيره كما هو إطلاق خبر راشد ، ولكن حمله على المميز بقرينة باقي الأخبار أولى.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٥٥ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ١.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ـ ١١٧ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ١٩.

(٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ٢ و ١ و ٨.

١٢٦

صبي ، فإن ذلك مما يورث الزنا».

وهل يعتبر كونه مميزا وجه ، يشعر به الخبر الأول ، وأما الثاني فمطلق.

(والنظر إلى الفرج حال الجماع) (١) وغيره ، وحال الجماع أشد كراهة ، وإلى باطن الفرج أقوى شدة ، وحرمه بعض الأصحاب ، وقد روي أنه يورث العمى في الولد.

(والجماع مستقبل القبلة ومستدبرها) (٢) للنهي عنه(والكلام) من كل منهما(عند التقاء الختانين إلا بذكر الله تعالى) قال الصادق عليه‌السلام (٣) : «اتقوا الكلام عند ملتقى الختانين فإنه يورث الخرس» ومن الرجل آكد «ففي وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يا علي لا تتكلم عند الجماع كثيرا ، فإنه إن قضي بينكما ولد لا يؤمن أن يكون أخرس» (٤) (وليلة الخسوف ، ويوم الكسوف ، وعند هبوب الريح الصفراء ، أو)

______________________________________________________

(١) للأخبار :

منها : موثق سماعة (سألته عن الرجل ينظر في فرج المرأة وهو يجامعها ، قال : لا بأس به إلا أنه يورّث العمى) (١) ، وفي آخر (لا ينظر الرجل إلى فرج امرأته ، وليغض بصره عند الجماع ، فإن النظر إلى الفرج يورّث العمى في الولد) (٢).

وعن ابن حمزة الحرمة وهو ضعيف لما سمعته من موثق سماعة ، ولخبر أبي حمزة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (أينظر الرجل إلى فرج امرأته وهو يجامعها؟ فقال : لا بأس) (٣) ، نعم المستفاد كراهة النظر إلى الفرج مطلقا للنبوي (وكره النظر إلى فروج النساء ، وقال : إنه يورّث العمى) (٤).

(٢) لخبر محمد بن العيص المتقدم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (أجامع وأنا عريان ، قال عليه‌السلام : لا ، ولا تستقبل القبلة ولا تستدبرها) (٥) ومثله غيره.

(٣) كما في خبر عبد الله بن سنان (٦) ، وأما استثناء ذكر الله تعالى لأنه حسن على كل حال بل وما دل على استحباب البسملة وقد تقدم بالإضافة إلى انصراف الكلام المنهي عنه إلى كلام الآدميين.

(٤) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ٣.

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ٣ و ٥ و ٢ و ٦.

(٥) الوسائل الباب ـ ٦٩ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ١.

(٦) الوسائل الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ١.

١٢٧

(السوداء ، أو الزلزلة) (١) فعن الباقر عليه‌السلام أنه قال : «والذي بعث محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنبوة ، واختصه بالرسالة ، واصطفاه بالكرامة ، لا يجامع أحد منكم في وقت من هذه الأوقات فيرزق ذرية فيرى فيها قرة عين» (٢) (وأول ليلة من كل شهر (٣) إلا شهر رمضان ، ونصفه) عطف على أول (٤) ، لا على المستثنى ، ففي الوصية «يا علي لا تجامع امرأتك في أول الشهر ، ووسطه ، وآخره ، فإن الجنون والجذام والخبل يسرع إليها ، وإلى ولدها». وعن الصادق عليه‌السلام : «يكره للرجل أن يجامع في أول ليلة من الشهر وفي وسطه وفي آخره (٥) ، فإنه من فعل ذلك خرج الولد مجنونا ، ألا ترى أن المجنون أكثر ما يصرع في أول الشهر ، ووسطه ، وآخره ، وروى الصدوق عن علي عليه‌السلام أنه قال : يستحب للرجل أن يأتي أهله أول ليلة من شهر رمضان لقوله عزوجل : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيٰامِ الرَّفَثُ إِلىٰ نِسٰائِكُمْ)(٦).

(وفي السفر مع عدم الماء) للنهي (٧) عنه عن الكاظم عليه‌السلام مستثنيا منه خوفه على نفسه.

______________________________________________________

(١) كل ذلك لصحيح سالم عن أبي جعفر عليه‌السلام (١) وقد تقدم.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ٢.

(٣) كما في وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام (لا تجامع امرأتك في أول الشهر ووسطه وآخره ، وفيها أيضا : يا علي لا تجامع أهلك في أول ليلة من الهلال ولا في ليلة النصف ، ولا في آخر ليلة) (٢) ومثلها غيرها.

(٤) أي فيكون النصف كالأول مكروها.

(٥) الوسائل الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ٣.

(٦) الوسائل الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ٤.

(٧) الوسائل الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ١ ، والخبر هو خبر إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم عليه‌السلام (عن الرجل يكون معه أهله في سفر لا يجد الماء يأتي أهله؟ قال : ما أحب أن يفعل إلا أن يخاف على نفسه ، قلت : فيطلب بذلك اللذة أو يكون شبقا إلى النساء؟ فقال : إن الشبق يخاف على نفسه).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦٢ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ١.

١٢٨

(ويجوز النظر إلى وجه امرأة يريد نكاحها) (١)

______________________________________________________

(١) يجوز النظر إلى من يريد التزويج بها بلا خلاف فيه ، ولكن اختلفوا في مقدار ما ينظر إليه من جسدها فعن المشهور أنه مختص بالوجه والكفين لصحيح الفضلاء هشام بن سالم وحماد بن عثمان وحفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا بأس بأن ينظر إلى وجهها ومعاصمها إذا أراد أن يتزوجها) (١) ، والمعاصم جمع معصم وهو موضع السوار من الساعد ، والمراد منها الكفان ، وصحيح الحسن بن السري (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام (الرجل يريد أن يتزوج المرأة يتأملها وينظر إلى خلفها وإلى وجهها ، قال عليه‌السلام : نعم لا بأس بأن ينظر الرجل إلى المرأة إذا أراد أن يتزوجها ، ينظر إلى خلفها وإلى وجهها) (٢) مثلها غيرها ، وعن المشايخ الثلاثة وجماعة من الأصحاب إضافة الشعر لصحيح عبد الله بن سنان (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يريد أن يتزوج المرأة أينظر إلى شعرها؟ فقال عليه‌السلام : نعم إنما يريد أن يشتريها بأغلى الثمن) (٣)، ومرسل عبد الله بن الفضل عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قلت : أينظر الرجل إلى المرأة يريد تزويجها فينظر إلى شعرها ومحاسنها؟ قال عليه‌السلام : لا بأس بذلك إذا لم يكن متلذذا) (٤).

وقد قيل إن هذين الخبرين معارضان لما سبق باعتبار أن ما سبق وارد في مقام بيان التحديد لموضوع النظر وقد خصّه بالوجه والكفين فقط فلا محالة يكون معارضا لما دل على جواز النظر إلى غيرهما من الشعر ، والترجيح للطائفة الأولى ، وهو مردود لأن صحيح السري المتقدم اقتصر على الوجه دون الكفين فكيف يقال إنه وارد في مقام بيان تحديد الموضوع.

والحاصل أنه لا مانع من العمل بالجميع فيجوز النظر إلى الوجه والكفين والشعر خصوصا مع كون الدال على الشعر هو صحيح ابن سنان المتقدم ، نعم مال البعض ومنهم صاحب الجواهر إلى جواز النظر إلى جميع بدنها ما عدا العورة لإطلاق صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (عن الرجل يريد أن يتزوج المرأة أينظر إليها؟ قال عليه‌السلام : نعم إنما يشتريها بأغلى الثمن) (٥) وموثق يونس (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يريد أن يزوج المرأة يجوز له أن ينظر إليها؟ قال عليه‌السلام : نعم وترقق له الثياب ، لأنه يريد أن يشتريها بأغلى الثمن) (٦)بناء على أن ترقيق الثياب من أجل النظر إلى ما تحتها من سائر البدن.

وفيه : أما الأول فلا إطلاق فيه لأن السؤال عن أصل جواز النظر والجواب تجويز ذلك وهو ليس بصدد بيان ما ينظر إليه حتى يتمسك بإطلاقه ، بالإضافة إلى أنه محمول على ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ٢.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ٣ و ٧ و ٥.

(٥ و ٦) الوسائل الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ١ و ١١.

١٢٩

وإن لم يستأذنها (١) ، بل يستحب له النظر ليرتفع عنه الغرر ، فإنه مستام (٢) يأخذ بأغلى ثمن كما ورد في الخبر (٣) ، (ويختص الجواز بالوجه والكفين) : ظاهرهما وباطنهما إلى الزندين ، (وينظرها قائمة وماشية) ، وكذا يجوز للمرأة نظره كذلك (٤)

______________________________________________________

ـ المعهود من كون غير الوجه واليدين مستورا بالثياب فلا ينعقد له ظهور في الإطلاق.

وأما الثاني فغير معروف أن الترقيق لكشف ما تحته من البدن ، بل الترقيق لكشف حجم المفاتن من الثديين والوركين ونحوهما.

واعلم أنه سيأتي جواز النظر إلى وجه المرأة الأجنبية وكفيها في الجملة ، وإذا وجب الاقتصار هنا على هذا المقدار فينشأ سؤال ما هو الفرق بين من يريد تزويجها وبين الأجنبية ، والجواب أنه من وجوه.

الأول : الجواز هنا موضع وفاق وهناك محل اختلاف.

الثاني : في الأجنبية مشروط بعدم خوف الفتنة وهنا غير مشروط بذلك.

الثالث : في الأجنبية مقصور على أول نظرة فلا يجوز التكرار وهنا يجوز.

الرابع : النظر في الأجنبية مكروه وهنا لا كراهية إن لم يكن مستحبا.

(١) بلا خلاف فيه منا لإطلاق النصوص المتقدمة ، ومنه تعرف ضعف ما عن مالك من العامة من أن جواز النظر متوقف على إذنها.

(٢) أي مشتري ، ففي خبر الباهلي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا بأس بأن ينظر الرجل إلى محاسن المرأة قبل أن يتزوجها فإنما هو مستام ، فإن يقضي أمر يكن) (١) وخبر غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام (عن رجل ينظر إلى محاسن امرأة يريد أن يتزوجها ، قال : لا بأس إنما هو مستام فإن يقضي أمر يكون) (٢).

(٣) كما في صحيح محمد بن مسلم وصحيح ابن سنان المتقدمين.

(٤) أي إلى الوجه والكفين منه وإلى كونه قائما وماشيا كما عن القواعد وغيره ، للتعليل في النصوص السابقة لأنه إذا جاز للرجل النظر لئلا يضيع ماله فجوازه للمرأة لئلا يضيع بضعها أولى ، ولما ورد في المرسل عن المجازات النبوية (أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لرجل من أصحابه وقد خطب امرأة : لو نظرت إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما) (٣) ومقتضى عموم العلة جواز نظرها إليه ، والخبر ضعيف السند ، ولذا ذهب صاحب الجواهر إلى المنع وجماعة منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ١٢ و ٨.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب النكاح حديث ١٣.

١٣٠

(وروى) عبد الله بن الفضل مرسلا عن الصادق عليه‌السلام : (جواز النظر إلى شعرها ، ومحاسنها) وهي مواضع الزينة إذا لم يكن متلذذا ، وهي مردودة بالارسال ، وغيره (١).

ويشترط العلم بصلاحيتها للتزويج بخلوها من البعل ، والعدة ، والتحريم (٢) وتجويز اجابتها ، ومباشرة المريد بنفسه (٣) فلا يجوز الاستنابة فيه (٤) وإن كان (٥) أعمى ، وأن لا يكون (٦) بريبة ، ولا تلذذ (٧) ، وشرط بعضهم أن يستفيد بالنظر فائدة (٨) ، فلو كان عالما بحالها قبله لم يصح. وهو حسن ، لكن النص مطلق ، وأن يكون الباعث على النظر إرادة التزويج (٩) ، دون العكس (١٠). وليس بجيد ، لأن المعتبر قصد التزويج (١١) قبل النظر كيف كان الباعث.

______________________________________________________

(١) وهو معارضتها للنصوص الدالة على حصر مواضع النظر على الوجه والكفين والترجيح للطائفة الثانية لا لها ، وقد عرفت أن صحيح ابن سنان دال على جواز النظر إلى الشعر ، وعرفت عدم التعارض بين الطائفتين.

(٢) لأن الظاهر من النصوص المتقدمة جواز النظر إلى من يجوز له نكاحها حال النظر ، وكذا الظاهر منها جواز النظر إلى من كانت إجابتها ممكنة عادة لا المعلوم عدم إجابتها ، فالنصوص منصرفة عن الأخير.

(٣) كما هو ظاهر النصوص السابقة.

(٤) في النظر.

(٥) أي المريد.

(٦) أي النظر.

(٧) كما صرح به غير واحد لاختصاص النصوص المتقدمة بالنظر للاطلاع ، فيرجع في غيره إلى عموم المنع ، بل وقد تقدم ما في مرسل عبد الله بن الفضل (لا بأس بذلك إذا لم يكن متلذذا) (١).

(٨) بحيث لا يكون مسبوقا بحالها فيكون النظر مفيدا له ، لانصراف النصوص إلى النظر للاطلاع ، فيرجع في غيره إلى عموم المنع.

(٩) كما هو صريح الأخبار المتقدمة ، والمراد منه إرادة التزويج منها بالخصوص.

(١٠) أي كون النظر باعثا إلى التزويج منها.

(١١) أي قصد مطلق التزويج وكان تعيين الزوجة مترتبا على النظر.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ٥.

١٣١

(ويجوز النظر إلى وجه الأمة) (١) أي أمة الغير ، (ويديها) ، وكذا(الذمية) (٢) ،

______________________________________________________

(١) يجوز النظر إلى وجه أمة الغير إذا أراد شراءها ، وكذا النظر إلى كفيها ومحاسنها وشعرها بلا خلاف فيه كما في المسالك وإن لم يكن بإذن المولى ، لأن عرضها للبيع قرينة الاذن في ذلك ، ولخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن الرجل يعترض الأمة ليشتريها ، قال عليه‌السلام : لا بأس أن ينظر إلى محاسنها ، ويمسّها ما لم ينظر إلى ما لا ينبغي النظر إليه) (١) ، وخبر حبيب بن المعلّى الخثعمي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إني اعترضت جواري المدينة فأفديت ، فقال عليه‌السلام : أمّا لمن يريد الشراء فليس به بأس ، وأما من لا يريد أن يشتري فإني أكرهه) (٢) ومثلها غيرها.

وهل يجوز الزيادة على ذلك من باقي جسدها ما عدا العورة ، فعن التذكرة الجواز لدعاء الحاجة للتطلع إليها لئلا يكون بها عيب ، وقيده في الدروس بتحليل المولى ، ومعه يجوز النظر إلى العورة أيضا ، وعن السرائر وغيره الحرمة.

ثم هل يجوز المسّ مع النظر أو لا ، صريح خبر أبي بصير الجواز ، وفي المسالك استحسانه مع توقف الغرض عليه وإلا فتركه أحسن إلا مع التحليل ، ثم الجواز مقيد بعدم التلذذ والريبة لأنه القدر المتيقن من النصوص ، فيبقى غيره تحت عموم حرمة النظر واللمس.

(٢) المشهور على جواز النظر إلى شعور نساء أهل الذمة وأيديهن لخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا حرمة لنساء أهل الذمة أن ينظر إلى شعورهن وأيديهن) (١) وخبر أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام (لا بأس بالنظر إلى رءوس النساء من أهل الذمة) (٢) ، واستدل للحكم المذكور بأن نساء أهل الذمة بمنزلة الإماء للمسلمين لأن الكفار في‌ء للمسلمين وإنما يحرّمهم الذمة فتكون نساء أهل الذمة بمنزلة الأمة المزوجة بالعبد ، وفيه : إن الملك إنما يكون بالاسترقاق.

واستدل للحكم بأنهن ملك الإمام عليه‌السلام كما في صحيح أبي بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام (إن أهل الكتاب مماليك الإمام) (٣) ، وخبر زرارة عنه عليه‌السلام (إن أهل الكتاب مماليك للإمام ، ألا ترى أنهم يؤدون الجزية كما يؤدي العبيد الضريبة إلى مواليهم) (٤) ، وصحيح أبي ولّاد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (وهم مماليك للإمام فمن أسلم ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب بيع الحيوان حديث ١ و ٢.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ١١٢ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ١ و ٢.

(٥) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه حديث ١.

(٦) الوسائل الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب العدد حديث ١.

١٣٢

وغيرها من الكفار بطريق أولى ، (لا لشهوة) (١) قيد فيهما (٢) (و) يجوز(أن ينظر الرجل إلى مثله) ما عدا العورتين (٣) (وإن كان) المنظور(شابا حسن الصورة ، لا لريبة) وهو خوف الفتنة ، (ولا تلذذ).

______________________________________________________

ـ منهم فهو حر) (١) ، وإذا ثبت أنهن مماليك للإمام فيجوز النظر إلى أمة الغير ، وفيه : إن جواز النظر إلى أمة الغير مختص بالمشتري وليس مطلقا كما هو المدعى هنا.

فالعمدة على الحكم ما ذكرناه ، نعم عن ابن إدريس المنع من النظر إليهن عملا بعموم الآية المحرّمة للنظر حيث قال تعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ، ذٰلِكَ أَزْكىٰ لَهُمْ إِنَّ اللّٰهَ خَبِيرٌ بِمٰا يَصْنَعُونَ) (٢) ، وتبعه على ذلك العلامة في المختلف ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ، وفيه : إن خبر السكوني الدال على الجواز منجبر بعمل الأصحاب ، ومعه يجوز تخصيص الآية بخبر الواحد ، والمنع من العمل بالخبر الواحد ليس في محله كما حرر في علم الأصول.

وإذا جاز النظر إلى نساء أهل الذمة فيجوز إلى غيرهن من مطلق الكفار بطريق أولى.

(١) جواز النظر إلى نساء أهل الذمة مقيّد بعدم التلذذ وبعدم الريبة لأن النصوص المجوّزة ظاهرة في ذلك ، فيرجع في غيره إلى عموم حرمة النظر ، والمراد بالتلذذ هو التلذذ بالنظر ، والمراد بالريبة هو خوف الوقوع في الحرام ، وهو المعبر عنه بخوف الفتنة.

(٢) في الأمة والذمية. هذا ويجوز النظر أيضا إلى نساء أهل البوادي والقرى من الأعراب بما جرت عادتهن على كشفه لخبر عباد بن صهيب عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا بأس بالنظر إلى رءوس نساء أهل تهامة والإعراب وأهل السواد والعلوج ، لأنهم إذا نهوا لا ينتهون) (٣) كما في رواية الكافي ، وفي رواية الصدوق (لا بأس بالنظر إلى شعور أهل تهامة والأعراب وأهل البوادي من أهل الذمة والعلوج لأنهن إذا نهين لا ينتهين) (٤) ، ولكن الجواز مقيد بعدم التلذذ والريبة لأنه القدر المتيقن من الخبر.

(٣) يجوز لكل من الرجل والمرأة النظر إلى مماثله ما عدا العورتين بلا خلاف فيه ، ويشهد له النصوص الواردة في الحمام (٥) ، والواردة في تغسيل الأموات المتضمنة للأمر بأن يلقي على عورته خرقة(٦). ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب العاقلة حديث ١.

(٢) سورة النور : آية ٣٠.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ١١٣ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ١ وملحقه.

(٥) الوسائل الباب ـ ٤ و ٣١ ـ من أبواب آداب الحمام من كتاب الطهارة.

(٦) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب غسل الميت.

١٣٣

وكذا تنظر المرأة إلى مثلها كذلك (١) ، (والنظر إلى جسد الزوجة باطنا وظاهرا) (٢) ، وكذا أمته غير المزوجة والمعتدة (٣) ، وبالعكس (٤) ، ويكره إلى العورة

______________________________________________________

ـ بلا فرق بين حسن الصورة وقبيحها ، ولا بين الأمرد وغيره ما لم يكن بريبة أو تلذذ ، نعم يكره في الغلام حسن الوجه لما روته العامة (من أن وفدا قدموا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفيهم غلام حسن الوجه فأجلسه من ورائه ، وكان ذلك بمرأى من الحاضرين) (١) وإجلاسه ورائه تنزها منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتعففا وتعليما للناس.

ونعم يكره كشف المسلمة بين يدي اليهودية والنصرانية لما في صحيح حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا ينبغي للمرأة أن تنكشف بين يدي اليهودية والنصرانية ، فإنهن يصفن ذلك لأزواجهن) (٢) ، وهو ظاهر في الكراهة فما عن جماعة من المنع ليس في محله ، ثم مقتضى التعليل التعدي إلى غير اليهودية والنصرانية إذا كانت تصف لزوجها ما تراه من النساء المسلمات.

(١) بلا ريبة ولا تلذذ وإلى ما عدا العورتين.

(٢) يجوز لكل من الزوج والزوجة النظر إلى جسد الآخر ، أما الظاهر منه فهو الوجه والكفان ، وأما الباطن فهو باقي الجسد حتى العورة ، نعم بالنسبة للعورة فالنظر مكروه لأنه يورث العمى ، وقد تقدم النهي عنه ، وقد تقدم عن ابن حمزة حرمة النظر إلى فرج المرأة حال الجماع ، وتقدم ما فيه.

(٣) الأمة المملوكة كالزوجة بالنسبة إلى السيد بلا خلاف فيه ، نعم إذا حرم عليه نكاحها ذاتا لأنها متزوجة بغيره فلا يجوز النظر إليها بخلاف ما إذا حرم نكاحها عرضا كالحيض ونحوه فلا يحرم النظر إليها ، ويدل على أصل الحكم صحيح عبد الرحمن بن الحجاج (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يزوج مملوكته عبده ، أتقوم عليه كما كانت تقوم فتراه منكشفا أو يراها على تلك الحال؟ فكره ذلك وقال : قد منعني أن أزوج بعض خدمي غلامي لذلك) (٣) ومثله غيره.

إذا تقرر ذلك فلا يجوز النظر إلى جسد الأمة إذا كانت مزوجة أو معتدة لأن المعتدة بحكم الزوجة أو مشتركة أو وثنية أو مرتدة لحرمة نكاحها ذاتا حينئذ.

(٤) أي والأمة غير المتزوجة وغير المعتدة يجوز لها النظر إلى جسد مولاها ظاهرا وباطنا حتى العورة ، وكذا الزوجة يجوز لها النظر إلى جسد زوجها ظاهرا وباطنا حتى العورة.

__________________

(١) المغني لابن قدامة ج ٧ ص ٤٦٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٩٨ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب نكاح العبيد حديث ١.

١٣٤

فيهما (١) ، (وإلى المحارم) (٢) وهو من يحرم نكاحهن مؤبدا بنسب ، أو رضاع ، أو مصاهرة(خلا العورة) وهي هنا القبل والدبر.

وقيل : تختص الإباحة بالمحاسن (٣) جمعا بين قوله تعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ) (٤) ، وقوله تعالى : (وَلٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا لِبُعُولَتِهِنَّ) (٥) إلى آخره.

(ولا ينظر الرجل إلى) المرأة(الأجنبية) وهي غير محرم ، والزوجة ، والأمة(إلا مرة) واحدة(من غير معاودة) في الوقت الواحد عرفا (٦) ،

______________________________________________________

(١) أي في الزوج والزوجة وفي المولى وأمته من كلا الطرفين.

(٢) يجوز النظر إلى المحارم بلا خلاف فيه في الجملة ، وعلى المشهور جواز النظر إلى الجسد ما عدا العورة ويشهد له ما ورد من تغسيل المحارم مجردات ويلقي على عورتهن خرقة (١) ، والحكم مقيد بعدم التلذذ والريبة ، لأنه هو الظاهر من النصوص ، ومنه يعرف حكم نظرهن إليه للمساواة بين الرجل والمرأة ، وعن القواعد في آخر باب حد المحارب : ليس للمحرم التطلع على العورة والجسد عاريا ، وعن التنقيح ليس له النظر إلى الثدي حال الرضاع واستدل له بخبر أبي الجارود والمروي في تفسير علي بن إبراهيم عن أبي جعفر عليه‌السلام (في قوله تعالى : (وَلٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا) ، فقال عليه‌السلام : فهي الثياب والكحل والخاتم وخضاب الكف والسوار ، والزينة ثلاثة : زينة للناس وزينة للمحرم وزينة للزوج ، فأما زينة الناس فقد ذكرنا ، وأما زينة المحرم فموضع القلادة فما فوقها والدملج فما دونه ، والخلخال وما سفل منه ، وأما زينة الزوج فالجسد كله) (٢) ، وهو ضعيف السند لم يعمل به الأصحاب فلا جابر له.

ثم إن المراد بالمحارم ما يحرم عليه نكاحهن نسبا أو رضاعا أو مصاهرة.

(٣) على ما في خبر أبي الجارود المتقدم.

(٤) النور آية : ٣٠.

(٥) النور آية : ٣١.

(٦) يحرم نظر الرجل إلى الأجنبية فيما عدا الوجه والكفين بالاتفاق ، بلا فرق بين التلذذ وعدمه ولا بين خوف الفتنة وعدمه. ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب غسل الميت.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ـ ٨٥ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ٣.

١٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ وأما في الوجه والكفين فاختلفوا على أقوال : الأول الجواز وهو عن الشيخ وجماعة واختاره في الحدائق والمستند وشيخنا الأعظم في رسالة النكاح لصحيح الفضيل (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الذراعين من المرأة ، هما من الزينة التي قال الله تعالى : (وَلٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا لِبُعُولَتِهِنَّ)؟ قال عليه‌السلام : نعم ، وما دون الخمار من الزينة ، وما دون السوارين) (١) ، وظاهره أن الخمار يستر الشعر والرقبة وأما الوجه فهو خارج عنه ، وأن الكف فوق السوار لا دونه ، فيكونان خارجين من الزينة ، ولموثق زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في قول الله عزوجل : (إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا) ، قال عليه‌السلام : الزينة الظاهرة الكحل والخاتم) (٢) ، وهو ظاهر في كون الوجه والكفين من الزينة الظاهرة المستثناة ، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سألته عن قول الله عزوجل : (وَلٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا) ، قال عليه‌السلام : الخاتم والمسكة وهي القلب) (٣) والقلب بالضم هو السوار ، وخبر مسعدة بن صدقة (سمعت جعفرا عليه‌السلام وسئل عما تظهر المرأة من زينتها ، قال : الوجه والكفين) (٤) ، وقد تقدم خبر أبي الجارود (٥) الدال على كون زينة الناس هي الكحل والخاتم وخضاب الكف والسوار ، وهو ظاهر في جواز النظر إلى الوجه والكفين.

بالإضافة إلى قوله تعالى : (وَلٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا) (٦) فهو ظاهر على أن من الزينة ما هو ظاهر بنفسه ، ولا يكون إلا بظهور موضعها فيدل على أن بعض جسد المرأة مما يجوز إظهاره ولا يحرم كشفه ، وإذا جاز كشفه جاز النظر إليه.

ونوقش بأن الأخبار ضعيفة السند ، وأنها ظاهرة في جواز الكشف لا في جواز النظر وفيه : إنها منجبرة بعضها ببعض على أنها مؤيدة بظاهر القرآن ، والملازمة بين الكشف والنظر قائمة للسيرة ، ولأن قوله تعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ) (٧)غير دال على حرمة النظر بل دال على عموم الغض ، والغض هو غير ترك البصر.

القول الثاني : عدم الجواز كما عن العلامة في التذكرة والإرشاد وكاشف اللثام وصاحب الجواهر لعموم ما دل على وجوب غض البصر كقوله تعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ) (٨) وفيه : يظهر ضعفه مما تقدم ، ولقوله تعالى : (وَلٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) (٩) وفيه : ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ١٠٩ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ١ و ٣ و ٤ و ٥.

(٥) مستدرك الوسائل الباب ـ ٨٥ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ٣.

(٦ و ٧) سورة النور ، الآية : ٣١.

(٨ و ٩) سورة النور ، الآية : ٣٠.

١٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ إنه مقيد بما دل على جواز إبداء ما ظهر منها المفسّر بالوجه والكفين ، ولما في كنز العرفان من إطباق الفقهاء على أن بدن المرأة عورة إلا على الزوج والمحارم ، وفيه : مع هذا الخلاف القائم كيف يعتمد على هذا الإجماع ، واستدل بالسيرة بين المتدينين على الستر ، وفيه : إنه أعم من الوجوب ، واستدل بالنصوص المتضمنة للذم على النظر ومن أنها سهم من سهام إبليس (١) ، وأن زنا العين النظر (٢)، وفيه : إنه مختص بما يترتب على النظر من حرام فيختص بالنظر بشهوة.

واستدل بمكاتبة الصفّار إلى أبي محمد عليه‌السلام (في رجل أراد أن يشهد على امرأة ليس لها بمحرم ، هل يجوز له أن يشهد عليها وهي من وراء الستر ، يسمع كلامها إذا شهد رجلان عدلان أنها فلانة بنت فلان التي تشهدك ، وهذا كلامها ، أو لا يجوز له الشهادة حتى تبرز ويثبتها بعينها؟ فوقّع عليه‌السلام : تتنقب وتظهر للشهود) (٣) ، وفيه : إن الأمر بالتنقب محمول على الاستحباب بقرينة ما تقدم من الأخبار بجواز كشف الوجه والكفين ، مع أن المكاتبة دالة على كشف بعض الوجه وجواز النظر إلى هذا البعض.

واستدل بما ورد (من أن المرأة الخثعمية أتت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمنى في حجة الوداع تستفتيه ، وكان الفضل بن العباس رديف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأخذ ينظر إليها وتنظر إليه ، فصرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجه الفضل عنها ، وقال : رجل شاب وامرأة شابة ، أخاف أن يدخل الشيطان بينهما) (٤) ، نعم في الفقه الرضوي قد نقل الخبر فقال : (فاستقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعرابي وعنده أخت له أجمل ما يكون من النساء فجعل الأعرابي يسأل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجعل الفضل ينظر إلى أخت الأعرابي ، وجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يده على وجه الفضل يستره من النظر ، فإذا هو ستره من الجانب نظر من الجانب الآخر ، حتى إذا فرغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حاجة الأعرابي التفت إليه وأخذ بمنكبه ثم قال : أما علمت أنها الأيّام المعدودات والمعلومات لا يكف رجل فيهن بصره ولا يكف لسانه ويده ، إلا كتب الله له مثل حج قابل) (٥).

وفيه : إن الخبر دال على جواز الكشف وإلا لنهي المرأة عن الكشف ، والنهي محمول على النظر بشهوة كما يشهد به ذيل الخبر بطريقيه.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١٠٤ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ١ و ٢.

(٣) من لا يحضره الفقيه باب ـ ٢٩ ـ من أبواب القضاء حديث ٢.

(٤) تذكرة الفقهاء ج ٢ ص ٥٧٣.

(٥) مستدرك الوسائل الباب ـ ٨١ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ٧.

١٣٧

(إلا لضرورة (١) كالمعاملة ،)

______________________________________________________

ـ القول الثالث : جواز النظر إلى الوجه والكفين مرة ولا يجوز تكرار النظر كما عن جماعة منهم المحقق في الشرائع والعلامة في القواعد ، ووجه تحريم الزائد من المرة هو أن المعاودة ودوام النظر مظنة الفتنة وللخبر (أول نظرة لك والثانية عليك ولا لك ، والثالثة فيها الهلاك) (١) ، وفي آخر (النظرة بعد النظرة تزرع في القلب الشهوة وكفى بها لصاحبها فتنة) (٢)والنبوي (لا تتبع النظرة النظرة ، فليس لك يا علي إلا أول نظرة) (٣)ومثلها غيرها ، وهي محمولة على كون النظرة الثانية بشهوة وريبة كما هو الغالب ثم هذا كله إذا كان النظر لا بتلذذ وريبة ، وإلا فلا إشكال في الحرمة لحمل بعض النصوص المتقدمة على ذلك وظهور البعض الآخر.

(١) يستثنى من عدم جواز النظر إلى الأجنبية مواضع.

الأول : النظر إلى من يريد تزويجها وقد تقدم.

الثاني : مقام المعاملة إذا احتاج إلى النظر إليها لنفي الحرج.

الثالث : مقام الشهادة عليها تحملا وأداء إذا كان مضطرا إلى ذلك.

الرابع : المعالجة وما يتوقف عليها من معرفة النبض والكسر والجرح والفصد والحجامة لصحيح أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه‌السلام (سألته عن المرأة المسلمة يصيبها البلاء في جسدها ، إما كسر وإما جرح في مكان لا يصلح النظر إليه ، يكون الرجل أرفق بعلاجه من النساء ، أيصلح له النظر إليها؟ قال عليه‌السلام : إذا اضطرت فليعالجها إن شاءت) (٤) ، ومن الجواب تعرف أنه مع وجود المماثل المعالج فلا ضرورة ، وأنه إذا توقفت المعالجة على اللمس جاز للضرورة أيضا.

الخامس : مقام الضرورة كما إذا توقف الاستنقاذ من الغرق أو الحرق أو نحوهما على النظر بل وعلى المس واللمس فيجوز لقاعدة نفي الضرر.

السادس : القواعد من النساء ومن اللواتي لا يرجون نكاحا فقد قعدن عن المحيض والولد ولا يطمعن في النكاح من جواز النظر إلى بعض الشعر والذراع ونحو ذلك مما يعتاد عدم ستره بالنسبة إليهن ، لا مثل الثدي والبطن مما يعتاد ستره لهن ، ويدل على أصل الحكم قوله تعالى : (وَالْقَوٰاعِدُ مِنَ النِّسٰاءِ اللّٰاتِي لٰا يَرْجُونَ نِكٰاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنٰاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيٰابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجٰاتٍ بِزِينَةٍ) (٥) ، وقد فسرت الثياب بالثياب الظاهرة كما ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١٠٤ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ٨ و ٦ و ١١.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٣٠ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ١.

(٥) سورة النور ، الآية : ٦١.

١٣٨

(والشهادة) عليها إذا دعي إليها (١) أو لتحقيق الوطء في الزنا وإن لم يدع (٢) ، (والعلاج) من الطبيب ، وشبهه (٣) ، (وكذا يحرم على المرأة أن تنظر إلى الأجنبي (٤) ،)

______________________________________________________

ـ في صحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (ما الذي يصلح لهن أن يضعن من ثيابهن؟ قال : الجلباب) (١) ، وصحيح الحلبي عنه عليه‌السلام (أنه قرأ أن يضعن ثيابهن ، قال عليه‌السلام : الخمار والجلباب ، قلت : بين يدي من كان؟ فقال : بين يدي من كان غير متبرجة بزينة) (٢) ومثلها غيرها.

وهذه النصوص ظاهرة في جواز كشف ما يستره الجلباب والخمار ، ومنه يستفاد جواز النظر إلى هذه المواضع وهي الشعر والرقبة وبعض الذراع ، ومما يدل عليه صحيح البزنطي عن مولانا الرضا عليه‌السلام (عن الرجل يحلّ له أن ينظر إلى شعر أخت امرأته ، فقال عليه‌السلام : لا ، إلا أن تكون من القواعد ، قلت له : أخت امرأته والغريبة سواء؟ قال عليه‌السلام : نعم ، قلت : فمالي من النظر إليه منها؟ فقال عليه‌السلام : شعرها وذراعها) (٣).

(١) لوجوب الأداء حينئذ لقوله تعالى : (وَلٰا يَأْبَ الشُّهَدٰاءُ إِذٰا مٰا دُعُوا) (٤).

(٢) ذكر ذلك العلامة في القواعد ، وعلّله في المسالك بأنه وسيلة إلى إقامة حدود الله تعالى ، ولما في المنع من عموم الفساد واجتراء النفوس على هذا المحرم وانسداد باب ركن من أركان الشرع.

(٣) كالحجام.

(٤) لقوله تعالى : (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنٰاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصٰارِهِنَّ) (٥) ، ويستثنى الوجه والكفان للسيرة القطعية ولما دل على الاستثناء في نظر الرجل للمرأة ، بل لو قيل بجواز النظر إلى الرجال بما تعارف كشفه منهم للسيرة القطعية لما كان بعيدا وظاهر الشهيدين هنا كما عليه جماعة عدم جواز النظر مطلقا إلا النظرة الأولى لإطلاق نصوص النظرة المتقدمة ، وقد عرفت ما فيها ثم من قال بعدم جواز نظر الرجل إلى الأجنبية مطلقا قال بمثله في نظر المرأة للرجل لعين ما تقدم ، وقد عرفت ما فيه ، ثم إن الأعمى كالبصير في حرمة نظر النساء إليه بالخلاف المتقدم ، ففي مرفوع أحمد بن أبي عبد الله (استأذن ابن أم مكتوم ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١١٠ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ١ و ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٠٧ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث.

(٤) سورة البقرة ، الآية : ٢٨٣.

(٥) سورة النور ، الآية : ٣١.

١٣٩

(أو تسمع صوته (١) إلا لضرورة) كالمعاملة ، والطب(وإن كان) الرجل(أعمى) ، لتناول النهي له (٢) ، ولقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأم سلمة وميمونة لما أمرهما بالاحتجاب من ابن أم مكتوم ، وقولهما إنه أعمى : «أعمياوان أنتما ألستما تبصرانه».

(وفي جواز نظر المرأة إلى الخصي المملوك لها ، أو بالعكس (٣) خلاف) (٤)

______________________________________________________

ـ على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعنده عائشة وحفصة فقال لهما : قوما فادخلا البيت ، فقالتا : إنه أعمى ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن لم يركما فإنكما تريانه) (٢) ، والمرسل عن أم سلمة قالت (كنت عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعنده ميمونة فأقبل ابن أم مكتوم وذلك بعد أن أمر بالحجاب فقال : احتجبا ، فقلنا : يا رسول الله ، أليس أعمى لا يبصرنا؟ قال : أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه) (٣).

(١) أما سماع المرأة صوت الأجنبي فلم يعرف في جوازه كلام أو إشكال ، ولذا قال في المستند : (ومن الغريب فتوى اللمعة بحرمته مع أنها تقرب مما يخالف الضرورة ، فإن تكلم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة وأصحابهم مع النساء مما يبلغ حدا لا يكاد يشك فيه) انتهى.

وأما سماع الرجل صوت الأجنبية فقد ذهب المشهور إلى الحرمة ولو كان بغير تلذذ ولا ريبة لما ورد من أن صوتها عورة ، ولموثق مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا تبدءوا النساء بالسلام ولا تدعوهن إلى الطعام ، فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : النساء عيّ وعورة ، فاستروا عيّهن بالسكوت واستروا عورتهن بالبيوت) (١) ، وخبر غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا تسلم على المرأة) (٢).

والأول غير ثابت ولذا قال في كشف اللثام (لا يحضرني الخبر بكون صوتها عورة مسندا ، وإنما رواه المصنف في المدنيات مرسلا ، ونفقات المبسوط تعطي العدم). والآخران قاصرا الدلالة بالإضافة إلى السيرة القطعية من كلام النساء في محضر المعصوم عليه‌السلام ، ولذا ذهب إلى الجواز العلامة في التذكرة والكركي وجماعة.

(٢) للأعمى في قوله تعالى : (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنٰاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصٰارِهِنَّ) (٣).

(٣) أي نظر الخصي المملوك إلى مالكته.

(٤) ذهب المشهور إلى العدم ، وذهب العلامة في المختلف إلى الجواز لقوله تعالى : (أَوْ مٰا ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١٢٩ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ١ و ٤.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ١٣١ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ١ و ٢.

(٥) سورة النور ، الآية : ٣١.

١٤٠