الزبدة الفقهيّة - ج ٥

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٥
ISBN: 964-8220-36-0
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٦٠٠

بسببها شرعت المعاملة ، ولو عيّنا أحدهما كان أولى.

(فإذا تمّ النضال) وهو المراماة. وتمامه بتحقق (١) الإصابة المشروطة لإحدهما (٢) ، سواء أتم العدد أجمع (٣) أم لا (٤) (ملك الناضل) وهو الذي غلب الآخر (العوض) (٥) ، سواء جعلناه (٦) لازما كالإجارة أم جعالة (٧).

أما الأول (٨) فلأن العوض في الإجارة وإن كان (٩) يملك بالعقد (١٠) إلا أنه (١١)

______________________________________________________

(١) الباء للسببيّة.

(٢) أي بتحقق الإصابة المشروطة في ضمن الرشق على نحو المبادرة أو المحاطّة لأحد المتراميين.

(٣) كما في المحاطّة.

(٤) كما في المبادرة.

(٥) إذا تم النضال يملك صاحب الأكثر العوض بلا خلاف فيه ولا إشكال ، لأنه مقتضى العقد المحكوم بصحته شرعا.

(٦) أي عقد المسابقة.

(٧) إشارة إلى إشكال ، وهو : إن الشروع في الرمي ما لم تتحقق الإصابة المشروطة لا يوجب تملك العوض ، وهذا على خلاف الإجارة من أن العوض يتملك بالعقد فكيف ذهب بعضهم إلى أن عقد المسابقة إجارة ، وأن تحقق الإصابة المشروطة موجب لتملك العوض وإن لم يكمل العدد من الرشق وهذا على خلاف الجعالة من أن العوض يملك بتمام العمل ، فكيف ذهب بعضهم إلى جعل عقد المسابقة جعالة.

والتزاما بالإشكال وبغيره ذهب بعضهم ومنهم الشارح في المسالك إلى أن عقد المسابقة عقد مستقل برأسه وإن شابه الإجارة والجعالة ببعض أحكامهما.

(٨) أي إذا كان لازما ، هذا واعلم أن الإشكال له شقان ، شق على جعل العقد إجارة وشق على جعله جعالة ، وأراد الشارح دفع الإشكال بشقه الأول ، وحاصل الدفع أن العوض في المسابقة للغالب ، ولا يعرف الغالب إلا بتحقق الإصابة ، فلذا لم يملك العوض بمجرد العقد ، والدفع عليل لأن العقد لو كان إجارة لوجب القول أن الغالب منهما يملك العوض بمجرد العقد ، وينكشف الغالب عند تحقق الإصابة.

(٩) أي العوض.

(١٠) أي عقد الإجارة.

(١١) أي العوض.

٥٦١

هنا (١) لمّا كان (٢) للغالب (٣) ، وهو (٤) غير معلوم ، بل يمكن عدمه (٥) أصلا (٦) توقف الملك (٧) على ظهوره (٨) ، وجاز (٩) كونه (١٠) لازما برأسه (١١) يخالف الإجارة في هذا المعنى (١٢) ، وأما على الجعالة (١٣) فلأن المال إنما يملك فيها (١٤) بتمام العمل (١٥).

وجواز الرهن عليه (١٦) قبل ذلك (١٧) وضمانه (١٨) ،

______________________________________________________

(١) في المسابقة.

(٢) أي العوض.

(٣) من المتراميين.

(٤) أي الغالب.

(٥) عدم الغالب عند تساويهما.

(٦) أي واقعا ، وفي هذه الصورة لو كان العقد إجارة والعوض يملك بالعقد كما هو مبنى الإشكال لكان عند التساوي ينكشف أن العوض لم يملك لواحد منهما.

(٧) أي ملك العوض.

(٨) أي ظهور الغالب ، وظهوره عند تحقق الإصابة ، فلذا كان تحقق الإصابة موجبا للتملك ، وقد عرفت ضعف هذا الرد.

(٩) جواب ثان عن الإشكال بشقه الأول ، وهو الالتزام بكون المسابقة عقدا برأسه وإن شابه الإجارة ببعض أحكامها.

(١٠) أي كون السبق.

(١١) أي عقدا مستقلا.

(١٢) من تملك العوض عند ظهور الغالب.

(١٣) دفع للإشكال بشقه الثاني المبني على كون السبق جعالة ، وحاصل الدفع أن العوض في الجعالة متوقف على تمام العمل ، وتمام العمل في السبق ليس الرشق بل تحقق الإصابة المعينة من الرشق ، وقد تحققت بحسب الفرض ، فلا خلاف بين عقد السبق والجعالة.

(١٤) في الجعالة.

(١٥) وهو الإصابة المعينة لا الرشق في عقد المسابقة.

(١٦) على العوض.

(١٧) قبل تمام العمل.

(١٨) عطف على الرهن ، هذا إشكال على كون العقد جعالة ، وحاصله أن العقد لو كان الجعالة فالعوض لا يثبت إلا بعد تمام العمل مع أنه يجوز الرهن والضمان على العوض قبل تمام

٥٦٢

نظرا (١) إلى وجود السبب المملّك وهو العقد.

وهذا (٢) يتم في الرهن ، أما في الضمان فيشكل (٣) بأن مجرد السبب غير كاف (٤) ، كيف ويمكن تخلفه (٥) بعدم الإصابة ، فليس بتام (٦).

وهذا (٧) مما يرجح كونه (٨) جعالة.

(وإذا نضل أحدهما صاحبه) بشي‌ء (فصالحه (٩) على ترك النضل لم يصح) ،

______________________________________________________

العمل في عقد المسابقة ، وقد تقدم أن الرهن والضمان إنما هما على المال الثابت له في الذمة ، ولما جاز الرهن والضمان على العوض قبل تمام العمل في عقد المسابقة كشف عن كون العوض ثابتا للمناضل بسبب العقد.

(١) علة للجواز.

(٢) جواب عن الإشكال المذكور وحاصله أن الإشكال المذكور وحاصله إن الإشكال يتم في الرهن ، وأما في الضمان فلا.

وفيه أن هذا تفكيك بين الضمان والرهن ، وهذا مخالف لما صرّح به الشارح في كتاب الضمان من عدم الفرق بينهما من ناحية المتعلق ، لأن الماتن قال هناك : والمال المضمون ما جاز أخذ الرهن عليه ، وقال الشارح : وهو المال الثابت في الذمة.

وإذا ثبت أن متعلق الرهن لا بدّ أن يكون ثابتا في الذمة فكيف حكم الشارح هنا بجواز الرهن على عوض المسابقة بمجرد العقد مع أنه لا يملكه المناضل ولا يثبت في ذمة الباذل إلا بعد تمامية العمل.

(٣) أي جواز الضمان على العوض بمجرد العقد.

(٤) أي غير كاف في ثبوت العوض حتى يصح ضمانه.

(٥) أي تخلف سبب تملك العوض عند عدم الغلبة ، وذلك عند تساويهما ، وهو يأتي في الرهن عليه أيضا.

(٦) أي الإشكال السابق من جواز ضمان العوض قبل تمام العمل ليس بتام ، وقد عرفت أن جواز الرهن عليه كذلك ليس بتام.

(٧) أي حكم المصنف من تملك المناضل للعوض عند تمامية العمل.

(٨) أي كون عقد السبق.

(٩) بحيث قال المسبوق للسابق : اطرح الفضل بكذا من المال حتى يتساويا ، فعن المشهور عدم الجواز ، لمنافاته لغرض العقد ، وهو التسابق ، ولمخالفته للحكمة المسوّغة للعقد ، وهي الحضّ على التمرن ولا يكون إلا بأصل الفوز.

٥٦٣

لأنه (١) مفوّت للغرض (٢) من المناضلة ، أو مخالف لوضعها (٣) (ولو ظهر استحقاق العوض (٤)

______________________________________________________

وتوقف المحقق في الشرائع ، لأن المال هنا في الصلح على عمل محلّل فيندرج تحت عموم (أَوْفُوا) (١) ، والمنع لانحصار المقصود بالنضال بالحث على التمرن ، إذ يجوز النضال لكسب المال ، ولكونه شرطا سائغا فيندرج تحت عموم (المؤمنون عند شروطهم) (٢).

(١) أي الصلح على ترك النضل.

(٢) وهو التسابق وإبانة حذق الرامي وجودة رميه.

(٣) أي وضع المناضلة ، لأنها شرعت لإظهار الغالب.

(٤) لو فسد العقد قبل العمل بأن كان العوض خمرا أو مجهولا فعن الشيخ والمحقق والشهيد أنه لا شي‌ء للسابق ، فلا مسمى لفساد العقد ، ولا أجرة المثل لأن السابق لم يعمل للباذل ولم يعد نفع عمله على الباذل ، بل عمل لنفسه ، بخلاف العامل في الإجارة والجعالة الفاسدتين ، فالعامل يرجع إلى أجرة المثل ، لرجوع العمل للمستأجر والجاعل.

وعن العلامة والمحقق الثاني وجماعة أن السابق يرجع إلى أجرة المثل لأنه عقد استحق المسمى في صحيحه ، وما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ، ولا نسلم أن وجوب أجرة المثل في العقود الفاسدة لرجوع العمل إلى المستأجر والجاعل ، لأن العمل في المضاربة قد لا ينتفع بها المالك عند عدم الربح ، ومع ذلك يكون العمل مضمونا عليه لو تبين فساد العقد.

وفي دليل كل منهما نظر ، لأن الفرق بين العقود الفاسدة كالإجارة والجعالة التي حكم فيها بأجرة المثل وبين عقد المسابقة أن في الإجارة والجعالة قد أمر العامل بالعمل في قبال عوض ، فإن لم يسلم له العوض لفساد العقد ينتقل إلى أجرة المثل ، لاحترام عمله بعد الأمر به ،

وأما في المسابقة فلا أمر على السابق بالعمل ، لأن قول الباذل : سابقتك على أن من سبق منّا فله كذا ، ليس بأمر ، فإن لم يسلم له العوض لفساد العقد فعمله وإن كان محترما لكن لم يؤمر به حتى يضمنه الآمر بأجرة المثل ، ومنه تعرف ضعف كلا الدليلين ، وإن اقتضى ما ذكرناه عدم ثبوت أجرة المثل عند فساد عقد المسابقة.

ولو فسد العقد بعد إتمام العمل كما لو ظهر العوض المعيّن مستحقا للغير ، بحيث وقع العقد متزلزلا وهو غير باطل ، لأنه صحيح موقوف على إجازة مالك العوض ، فلو لم يجز

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية : ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور حديث ٤.

٥٦٤

المعين (١) في العقد (٢) (وجب على الباذل مثله (٣) أو قيمته) ، لأنهما أقرب إلى ما وقع التراضي عليه (٤) من العوض الفاسد كالصداق إذا ظهر فساده (٥)

ويشكل بأن استحقاق العوض (٦) المعين يقتضي فساد المعاملة كنظائره (٧) ، وذلك (٨) يوجب الرجوع إلى أجرة المثل ، لا العوض الآخر (٩)

______________________________________________________

المالك ، وكان ذلك منه بعد تمام العمل فقد فسد العقد ، فعن جماعة منهم المحقق في الشرائع بل قيل هو المشهور أنه يجب على الباذل مثل العوض أو قيمته ، لأن العقد لم يكن فاسدا من رأس ، وعليه فقد تشخص العوض عند انعقاد العقد ، فإذا طرأ الفساد على العقد لعدم إجازة مالك العوض وجب الرجوع إلى أقرب شي‌ء إلى العوض ، لأنه قد تشخص ، وأقرب شي‌ء إليه مثله إن كان مثليا وقيمته إن كان قيميّا ، كالصداق في المهر إذا ظهر استحقاقه للغير.

وقيل : يجب أجرة المثل هنا ، لأن العوض المسمى إذا فات وجب قيمة العمل المبذول ، وهذا يستدعي أجرة المثل ، وبالإضافة إلى أن المالك لو لم يجز انفسخ العقد وبطل من رأس ، لا من حين عدم الإجازة ، فيصير العوض المعيّن كالمعدوم ابتداء وتكون مسألتنا كالمسألة السابقة وقد حكم فيها بأجرة المثل.

(١) لأنه لو كان كليا فلا يبطل العقد ، لأنه يجب على الباذل دفع مصداق الكلي من جيبه إن لم يجز الغير في المصداق المدفوع.

(٢) هذا إذا طرأ الفساد على العقد بعد تمام العمل ، وذلك فيما لو ظهر العوض المعين مستحقا للغير ولم يجز المالك ، وكان ذلك بعد إتمام العمل.

(٣) مثل العوض.

(٤) لأن العقد كان صحيحا قبل طريان الفساد ، وهو موجب لتشخص العوض.

(٥) وأنه مستحق للغير.

(٦) من باب إضافة المصدر لمفعوله ، أي استحقاق الغير للعوض.

(٧) أي نظائر عوض المسابقة ، وهذه الأعواض لو ظهرت مستحقة للغير ولم يجز المالك فتفسد المعاملة من رأس ، لا من حين الفسخ وعليه فيرجع إلى أجرة المثل لو كان هناك أمر بالعمل ، وأما في مفروض مسألتنا فلا أمر بالعمل ، فيجب أن لا يثبت له شي‌ء من أجرة المثل كما لو كان العقد فاسدا قبل تمام العمل ، وعليه فحكم الشارح هنا بوجوب الرجوع إلى أجرة المثل ليس في محله.

(٨) أي الفساد.

(٩) وهو مثل العوض أو قيمته ، وهو الآخر لأنه يثبت عند تعذر العوض المسمى.

٥٦٥

نعم لو زادت أجرة المثل عن مثل المعين ، أو قيمته اتجه سقوط الزائد ، لدخوله (١) على عدمه وهذا هو الأقوى. والمراد بأجرة المثل هنا (٢) ما يبذل لذلك العمل الواقع من المستحق له (٣) عادة ، فإن لم تستقر العادة على شي‌ء رجع إلى الصلح (٤).

وربما قيل (٥) : بأنه أجرة مثل الزمان الذي وقع العمل فيه ، نظرا إلى أن ذلك أجرة مثل الحر لو غصب تلك المدة. والأجود الأول (٦).

______________________________________________________

(١) أي دخول السابق على عدم الزائد ، إذ أقدم على أن يسلم له العوض لا الزائد عليه.

(٢) في عقد المسابقة والرماية ما يبذل بحسب العادة للسابق والناضل فيما سبق به أو ناضل بملاحظة مجموع عمله ، لا بخصوص ما زاد به على الآخر فقط.

(٣) متعلق بقوله : (ما يبذل) والمعنى : ما يبذل الذي يستحق العمل للعامل في قبال عمله.

(٤) لعدم العادة مع خيّرية الصلح.

(٥) لم يعرف قائله.

(٦) وهو أجرة مثل العمل ، لأن الحر لا يضمن لا عينا ولا قيمة.

٥٦٦

كتاب الجعالة

٥٦٧
٥٦٨

(كتاب الجعالة (١)

وهي لغة مال يجعل على فعل ، وشرعا (٢) (صيغة ثمرتها (٣) تحصيل المنفعة (٤)

______________________________________________________

(١) بتثليث الجيم كما في المسالك والكسر أشهرها ، وأقتصر جماعة على الكسر فقط ، كما اقتصر آخرون على الكسر والفتح.

وهي على ما صرح به غير واحد كما في الجواهر اسم لما يجعل للإنسان على شي‌ء يفعله ، والمصدر الجعل بالفتح.

(٢) لا حقيقة لها في الشرع غير ما في اللغة ، نعم لا تتحقق الجعالة إلا بإنشاء الالتزام بعوض على عمل محلّل مقصور.

وعلى كل فلا خلاف في مشروعيتها للإجماع على ذلك بين المسلمين مضافا إلى الكتاب والسنة ، أما الكتاب فقوله تعالى حكاية عن يوسف : (وَلِمَنْ جٰاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) (١) ، وأما السنة فأخبار.

منها : خبر عبد الله بن سنان قال : (سمعت أبي سأل أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا أسمع فقال : ربما أمرنا الرجل فيشتري لنا الأرض والغلام والدار والجارية فنجعل له جعلا ، قال عليه‌السلام : لا بأس) (٢).

(٣) أي ثمرة العينة.

(٤) للجاعل.

__________________

(١) سورة يوسف ، الآية : ٢٧.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب الجعالة حديث ١.

٥٦٩

بعوض مع عدم اشتراط العلم فيهما (١) أي في العمل والعوض ، كمن رد عبدي فله نصفه مع الجهالة به (٢) وبمكانه (٣) ، وبهذا (٤) تتميز (٥) عن الإجارة على تحصيل

______________________________________________________

(١) أي في العمل وفي العوض ، أما في العمل فلا يشترط العلم به بلا خلاف فيه إلا من ابن حمزة في الوسيلة ، لأن الغرض من مشروعية الجعالة تحصيل الأعمال المجهولة غالبا ، كردّ الآبق ولم يعلم مكانه ، وكذا ردّ الدابة ، فاغتفر الجهل في العمل لمسيس الحاجة إلى ذلك.

وعن ابن حمزة اشتراط اليقين ، وفيه : إنه مع الاشتراط المذكور لا يبقى مورد للجعالة إلا نادرا ، وهذا مخالف لحكمة تشريعها ، ومخالف للنصوص.

منها : خبر وهب بن وهب عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سألته عن جعل الآبق والضالة فقال : لا بأس) (١) مع أن العمل في ردهما مجهول إذ لا يعلم مكانهما.

ثم إذا صحت الجعالة على المجهول فتصح على المعلوم بطريق أولى ، وما ذهب إليه بعض الشافعية من اشتراط الجهل بالعمل ، لأنه الثابت من شرعيتها ليس في محله ، وعلى ما تقدم فتصح الجعالة على المجهول كما لو قال : من ردّ عبدي فله كذا ، وتصح على المعلوم كما لو قال : من خاط ثوبي هذا فله كذا.

وأما العوض فعلى المشهور اشتراط العلم به ، لأنه يشترط العلم في عوض الإجارة فكذا في عوض الجعالة ، ولأنه لا حاجة إلى احتمال الجهالة في العوض بخلاف العمل ، ولأنه لا يكاد يرغب أحد في العمل إذا لم يعلم بالجعل فلا يحصل مقصود العقد ، وعلى اشتراط العلم فلا بدّ أن يكون العوض معلوما بالكيل أو بالوزن أو بالعدّ بحسب ما جرت به العادة في معرفته ، وعن بعضهم أنه يكفي في العلم المشاهدة.

وعن جماعة منهم العلامة في التذكرة والمحقق الثاني عدم اشتراط العلم في العوض ، لأن الجعالة لما بنيت على الجهالة في أحد العوضين الذي هو العمل فصار أمرها مبنيا على احتمال الغرر فلا يضرها جهالة العوض ، ولأنه كما تمسّ الحاجة إلى جهالة العمل قد تمسّ الحاجة إلى جهالة العوض ، بأن لا يريد الجاعل أن يبذل غير المجعول عليه فيقول : من يردّ عبدي فله نصفه.

(٢) أي بالعبد فيلزم جهالة العوض.

(٣) حال كونه آبقا فيلزم جهالة العمل ، وهو مثال لجهالة العمل والعوض معا.

(٤) من عدم اشتراط العلم في العمل والعوض.

(٥) أي الجعالة.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب الجعالة حديث ١. (فيه : عن علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن عليه‌السلام).

٥٧٠

منفعة معينة (١) ، لأن التعيين (٢) شرط في الإجارة ، وكذا عوضها (٣). أما عدم اشتراط العلم بالعمل هنا فموضع وفاق (٤) ، وأما العوض ففيه خلاف يأتي تحقيقه.

(ويجوز (٥) على كل عمل محلل (٦) مقصود (٧) للعقلاء (غير واجب على العامل (٨) فلا يصح على الأعمال المحرمة كالزنا ، ولا على ما لا غاية له معتدا بها عقلا كنزف ماء البئر (٩) ، والذهاب ليلا إلى بعض المواضع الخطيرة ونحوهما مما يقصده العابثون. نعم لو كان الغرض به (١٠) التمرن على الشجاعة وإضعاف الوهم ونحوه من الأغراض المقصودة للعقلاء صح ، وكذا لا يصح على الواجب عليه (١١) كالصلاة.

(ولا يفتقر إلى قبول (١٢)

______________________________________________________

(١) وعليه أن يزيد : بعوض معين.

(٢) أي تعيين المنفعة.

(٣) أي عوض الإجارة فيشترط تعيينه.

(٤) وقد عرفت خلاف ابن حمزة فيه.

(٥) تذكير الضمير باعتبار الجعل بالفتح ، لا باعتبار تأنيث الجعالة.

(٦) أي مباح بالمعنى الأعم فيشمل المستحب والمكروه ، فلا يصح الجعل على المحرّم كالزنا وشرب الخمر ، لأنه محرم مع عدم العوض فمع العوض كذلك ، ولأن بذل العوض إزاء المحرم سنة وهو منهي عنه.

(٧) أي مقصود في نظر العقلاء على وجه يخرج عن كونه سفها ، كما لو نقل ولو أمن ماء الفرات إلى دجلة

(٨) لأنه لو كان واجبا فلا يجوز أخذ العوض عليه ، لأنه واجب عليه على كل حال شرعا ، ولحرمة أخذ الأجرة عن الواجبات.

(٩) أي نزح مائة حيث لا غرض في النزح.

(١٠) بالذهاب.

(١١) على العامل.

(١٢) اختلف الأصحاب في كون الجعالة من العقود أو الإيقاعات ، فعن العلامة في التذكرة مدعيا الإجماع والمحقق الثاني مدعيا الاتفاق على أنها من العقود الجائزة ، وعليه فتحتاج إلى القبول من العامل ، لكن لا يشترط فيه أن يكون قبولا لفظيا ، بل يكفي القبول الفعلي ، وهو الشروع في العمل مع الرضا الباطني بالإيجاب ، كما هو مقتضى القاعدة في العقود

٥٧١

لفظي (١) ، بل يكفي فعل مقتضى الاستدعاء به (٢) (ولا إلى مخاطبة شخص معين (٣) فلو قال : من رد عبدي ، أو خاط ثوبي) بصيغة العموم (فله كذا صح ، أو فله مال ، أو شي‌ء) (٤) ، ونحوهما من العوض المجهول (صح ، إذ العلم بالعوض غير شرط في تحقق الجعالة وإنما هو (٥) شرط في تشخصه ، وتعينه (٦) فإن أراد) ذلك (التعيين فليذكر جنسه وقدره (٧) ، وإلا) يذكره (٨) ، أو ذكره ولم يعينه (ثبت بالرد (٩) أجرة المثل).

ويشكل (١٠) بأن ثبوت أجرة المثل لا تقتضي صحة العقد ، بل

______________________________________________________

الجائزة ، إذ لا يشترط فيها ألفاظ مخصوصة في الإيجاب والقبول.

وعن جماعة أنها من الإيقاعات ، وهو المطابق لتعريفهم لها ، حيث جعلوها التزاما بعوض على عمل ، وهذا يكفي فيه الإيجاب ، ولأنه لا يشترط تعيين العامل في الإيجاب فلو قال : من ردّ عليّ عبدي فله كذا صح ، وإذا لم يكن العامل معيّنا فلا يتصور قبول.

(١) ظاهر المتن أنها من الإيقاعات فلا تحتاج إلى قبول لفظي ولا فعلي ، وظاهر الشرح عند ما قيّد القبول المنفي باللفظي أنها من العقود ، وتحتاج إلى القبول ولو فعلا.

(٢) أي بالعوض والمعنى أن مقتضى الاستدعاء بالعوض هو العمل ، وهذا يكفي في قبول الجعالة.

(٣) لا يشترط في الإيجاب أن يكون موجّها إلى شخص معين ، لأن الإيجاب في الجعالة هو كل ما يدل على الاذن بالعمل واستدعائه بالعوض ، فلا خلاف فيه ، ولا فرق حينئذ بين قول الجاعل : من ردّ ، وهو لم يخاطب معينا ، وبين قوله : إن رددت عليّ ، وقد خوطب به معين.

(٤) مما يقتضي الجهل في العوض ، لما تقدم من عدم اشتراط العلم بالعوض كما هو مذهب غير المشهور.

(٥) أي العلم بالعوض.

(٦) أي تعين العوض ، لأنه مع عدم العلم لا يتعين العوض بجنسه وقدره.

(٧) بحسب الكيل والوزن والعدّ ، وقد تقدم الكلام فيه.

(٨) أي وإن لم يذكر العوض.

(٩) أي برد العبد يثبت أجرة المثل ، وثبوت أجرة المثل بالرد عند عدم تعيين العوض بالجهالة موطن اتفاق بينهم ، لأن عمله محترم ولم يتبرع به فيثبت له أجرة المثل.

(١٠) إشكال من الشارح على الماتن ، حيث حكم الماتن بصحة الجعالة مع كون العلم بالعوض ليس بشرط ، وحكم عند عدم ذكر العوض تثبت أجرة المثل ، وهما حكمان متناقضان.

٥٧٢

هي (١) ظاهرة في فساده (٢) ، وإنما أوجبها (٣) الأمر بعمل له أجرة عادة كما لو استدعاه ولم يعين عوضا ، إلا أن يقال : إن مثل ذلك (٤) يعد جعالة أيضا فإنها (٥) لا تنحصر في لفظ ، ويرشد إليه (٦) اتفاقهم على الحكم (٧) من غير تعرض للبطلان.

وفيه (٨) : أن الجعالة مستلزمة لجعل شي‌ء ، فإذا لم يذكره (٩) لا يتحقق مفهومها وإن ترتب عليها العوض (١٠)

وقيل (١١) : إن كانت الجهالة (١٢) لا تمنع من التسليم لزم بالعمل العوض

______________________________________________________

لأن الحكم بأجرة المثل إنما يكون عند فساد العقد المتضمن للأمر بعمل ما ، فأقدم العامل بسبب الأمر فإن لم يسلم له العوض لفساد العقد ، وإن كان فساده لعدم ذكر العوض ، فيرجع إلى أجرة المثل لاحترام عمله.

ومع الحكم بأجرة المثل الكاشفة عن فساد العقد عند عدم العوض كيف يحكم بصحته عند عدم ذكر العوض ، مع أن عدم ذكر العوض موجب لفساد العقد الموجب لثبوت أجرة المثل.

(١) أي أجرة المثل.

(٢) فساد العقد.

(٣) أوجب أجرة المثل.

(٤) أي مثل الأمر بعمل له أجرة عادة ، شروع في دفع الإشكال وحاصله أن الجعالة تتحقق بكل لفظ دال على الاذن بالفعل ، وهنا الأمر بالعمل الذي له أجرة عادة هو جعالة ، وإن ثبت فيها أجرة المثل ، وعليه فاجرة المثل هنا لا تدل على فساد العقد حتى يأتي الإشكال.

(٥) أي الجعالة.

(٦) إلى كون الأمر بالعمل الذي له أجرة هو جعالة.

(٧) وهو لزوم ثبوت أجرة المثل مع عدم التعرض منهم لبطلان الجعالة.

(٨) أي في دفع الإشكال ، وحاصله أن الجعالة قضاء لحق مفهومها تستلزم جعل شي‌ء ، وهو العوض ، فإذا لم يذكر بطل مفهومها ، وعليه فمع عدم ذكر العوض لا جعالة ، وثبوت أجرة المثل من باب فساد العقد وعليه يرجع الإشكال جذعا.

(٩) للشي‌ء المجعول.

(١٠) أي وإن ترتب عليها عند الفساد أجرة المثل.

(١١) وهو قول غير المشهور المتقدم من عدم اشتراط العلم بالعوض.

(١٢) أي الجهالة في العوض بحيث لا تمنع من تسليم المجعول عليه ، كما لو قال : من ردّ

٥٧٣

المعين ، لا أجرة المثل كمن ردّ عبدي فله نصفه ، فرده من لا يعرفه (١) ولا بأس به (٢). وعلى هذا (٣) فيصح جعله (٤) صبرة مشاهدة مجهولة المقدار ، وحصة من نماء شجر على عمله (٥) ، وزرع كذلك (٦) ، ونحوها.

والفرق بينه (٧) ، وبين الشي‌ء والمال : مقولتيهما (٨) على القليل ، والكثير المفضي إلى التنازع والتجاذب فلم يصح على هذا الوجه ، بخلاف ما لا يمنع من التسليم فإنه (٩) أمر واحد لا يقبل الاختلاف ، ومسماه لتشخصه لا يقبل التعدد ، وقبوله (١٠) للاختلاف قيمة بالزيادة والنقصان قد قدم عليه العامل كيف كان. ويمكن التبرع به ، فإذا قدم على العوض الخاص (١١) انتفى الغرر (١٢) ، لأنه معين في حد ذاته.

______________________________________________________

عبدي فله نصفه ، ونصف العبد غير معروف إلا للشخص الذي يعرف العبد ، فلو رده من لا يعرفه فالجهالة في العوض هنا لا تمنع من تسليم المجعول عليه.

(١) أي من لا يعرف العبد.

(٢) للفارق بينه وبين جعل العوض مالا أو شيئا ولم يعيّن ، لأن نصف العبد متحقق في الخارج لا يفضي إلى التنازع ، وغير قابل للزيادة والنقصان ، بخلاف المال والشي‌ء ، فإنهما قابلان للزيادة والنقصان ، ومفضيان للتنازع.

(٣) من القول بأن الجهالة بالعوض لا تمنع من التسليم فهو جائز.

(٤) أي جعل العوض.

(٥) متعلق بقوله (فيصح جعله) ، والمعنى فيصح جعل العوض بهذه المثابة على عمل العامل في الجعالة.

(٦) أي مجهولة المقدار.

(٧) بين العوض المجهول الذي لا يمنع من التسليم.

(٨) أي مقولة الشي‌ء والمال ، والمقولة هي الصدق والانطباق.

(٩) أي العوض المجهول الذي لا يمنع من التسليم.

(١٠) دفع دخل ، أما الدخل فهو أنه غير قابل للاختلاف والزيادة والنقصان بحسب الأجزاء والتشخص والمسمى ، إلا أنه قابل للاختلاف زيادة ونقيصة بحسب القيمة.

وأما الدفع فهو أن وحدته في نفسه موجبة لرفع الغرر في الجملة ، فيصح جعله عوضا ، والاختلاف في القيمة لا يضر مع عدم الغرر فيها ، على أنه قد يقدم العامل على العمل مع التبرع بهذا التفاوت في القيمة.

(١١) وهو نصف العبد مثلا.

(١٢) في الجملة لا من كل وجه.

٥٧٤

(ويشترط في الجاعل (١) الكمال) بالبلوغ ، والعقل ، (وعدم الحجر) لأنه باذل المال فيعتبر رفع الحجر عنه ، بخلاف العامل (٢) فإنه يستحق الجعل وإن كان صبيا مميزا بغير إذن وليه ، وفي غير المميز ، والمجنون وجهان (٣). من وقوع العمل المبذول عليه ، ومن عدم القصد.

(ولو عيّن الجعالة لواحد وردّ غيره (٤) فهو متبرع) بالعمل (لا شي‌ء له) ، للمتبرع ، ولا للمعين (٥) ، لعدم الفعل ، (ولو شارك المعين (٦) فإن قصد التبرع عليه (٧) فالجميع للمعين) ولوقوع الفعل بأجمعه له ، (وإلا) (٨) يقصد التبرع عليه بأن أطلق ، أو قصد العمل لنفسه ، أو التبرع على المالك (فالنصف) للمعين (٩) خاصة ، لحصوله (١٠) بفعلين : أحدهما مجعول له ، والآخر متبرع فيستحق النصف بناء على قسمة العوض على الرءوس (١١).

______________________________________________________

(١) يشترط في الجاعل أهلية الاستئجار ، بلا خلاف فيه ، فيشترط فيه البلوغ والعقل لرفع القلم عن الصبي والمجنون ، ويشترط فيه عدم الحجر ، لأن المحجور عليه ممنوع من التصرف المالي.

(٢) فلا يشترط فيه إلا إمكان تحصيل العمل ، فلو فعله الصبي أو المحجور عليه لاستحق العوض حينئذ.

(٣) من وقوع العمل وقد حصل الغرض من الجعالة فيستحق العوض ، ومن كون فعله بلا قصد ، وعليه فهو متبرع ، والمتبرع لا شي‌ء له.

(٤) فلا شي‌ء له ، بلا خلاف فيه ، لكونه متبرعا حينئذ ، لأن الجاعل لم يبذل له أجرة بخصوصه ، ولا لمن يشمله.

(٥) في العقد لعدم فعله.

(٦) أي شارك المتبرع المعين في الرد.

(٧) أي فإن قصد المشارك بعمله التبرع على المعيّن كان جميع العوض للمعين لوقوع الفعل بأجمعه منه ، فنصفه منه والنصف الآخر بالتبرع عليه.

(٨) أي وإن لم يقصد المشارك التبرع على العامل ، وهذا شامل ما لو أتى بالفعل مطلقا مع الغفلة عن قصد التبرع وما لو أتى بالفعل لنفسه ، أو متبرعا على المالك.

(٩) أي للعامل الذي عيّن في الجعالة.

(١٠) أي حصول الرد المجعول عليه ، كرد الآبق مثلا.

(١١) إذا كان العمل لا يقبل التفاوت بين العاملين.

٥٧٥

والأقوى بسطه (١) على عملهما ، فيستحق المعين بنسبة عمله ، قصر عن النصف أم زاد. وهو خيرة المصنف في الدروس (٢) ، ومثله (٣) ما لو عمل معه المالك.

(ولا شي‌ء للمتبرع ، وتجوز الجعالة من الأجنبي (٤) فيلزمه المال ، دون المالك إن لم يأمره به (٥) ، ولو جعله من مال المالك بغير إذنه فهو فضولي (٦) ، (ويجب عليه) أي على الجاعل مطلقا (٧) (الجعل مع العمل المشروط (٨) حيث يتعين (٩) ، وإلا (١٠) فما ذكر بدله (١١) (وهي جائزة (١٢) من طرف العامل مطلقا) قبل التلبس

______________________________________________________

(١) بسط العوض.

(٢) لم يصرح في كتب الفقه بخلافه ، حيث حكموا أن الجعل بين المتعاملين موزع على قدر العمل على تقدير تفاوته ، وإلا فعلى الرءوس.

(٣) أي ومثل مشاركة المتبرع للمعيّن ما لو عمل مع المعين المالك ، فالمعين له من العوض على نسبة عمله.

(٤) لو تبرع أجنبي بالجعل وجب عليه الجعل عند الرد ، وإن لم يعد إليه نفع العمل ، بلا خلاف فيه ولا إشكال ، لأنه كما يقدم العقلاء على بذل أموالهم لعمل يعود إليهم نفعه كذلك يقدمون على بذل مال على عمل يعود نفعه إلى غيرهم ، فيندرج تحت عوم أدلة الجعالة.

ولا يلزم المالك لشي‌ء حينئذ ، لا للمتبرع لفرض تبرعه ، ولا للعامل لفرض أنه أقدم على العمل من غير إذن المالك.

(٥) أي لم يأمر المالك الأجنبي بالجعل.

(٦) متوقف على إجازة المالك ، فإن أجاز وإلا فيلزم الأجنبي بالدفع.

(٧) سواء كان مالكا أم أجنبيا ، فيجب عليه الجعل حين تمام العمل ، إن كان العوض معينا.

(٨) أي حين تمام العمل.

(٩) أي الجعل.

(١٠) وإن لم يتعين العوض.

(١١) قال الشارح في تعليقة له كما في الطبعة الحجرية : (أي بدل المعين من أجرة المثل ، والمعين شرعا كأجرة رد الآبق ، وما ألحق به على ما يأتي تفصيله إن شاء الله تعالى).

(١٢) الجعالة جائزة من الطرفين الجاعل والعامل ، سواء قلنا بكونها عقدا أم إيقاعا بلا خلاف فيه ، ومعنى الجواز تسلط الجانبين على فسخها قبل التلبس وبعده ، لأنها بمنزلة أمر للغير بعمل له أجرة عادة ، وعليه فلا يجب المضي فيه من الجانبين.

٥٧٦

بالعمل وبعده ، فله الرجوع متى شاء ، ولا يستحق شيئا لما حصل منه من العمل قبل تمامه مطلقا (١).

(وأما الجاعل فجائزة) من طرفه (قبل التلبس) بالعمل ، (وأما بعده فجائزة بالنسبة إلى ما بقي من العمل) فإذا فسخ فيه (٢) انتفى عنه (٣) بنسبته (٤) ، من العوض (أما الماضي (٥) فعليه أجرته (٦) وهذا في الحقيقة لا يخرج عن كونها (٧)

______________________________________________________

فإن كان الفسخ قبل التلبس بالعمل فلا شي‌ء للعامل ، لعدم العمل بحسب الفرض فلا يقابل بشي‌ء من العوض ، سواء كان الفسخ من الجاعل أم من العامل.

وإن كان الفسخ بعد التلبس ، فإن كان من العامل فلا شي‌ء له ، لأن المالك لم يجعل له العوض إلا في مقابلة مجموع العمل من حيث المجموع ، فلا يستحق العامل على بعض العمل شيئا ، لأنه بفسخه أسقط حقه.

وإن كان الفسخ من الجاعل فعليه للعامل عوض ما عمل ، لأن العامل إنما عمل بعوض لم يسلم له ، ولا تقصير من قبله ، وعمله محترم قد صدر بأمر من المالك فلا بد أن يقابل بعوض.

ثم هل للعامل أجرة مثل ما عمل ، أو له من العوض المسمى في العقد بنسبة ما فعل ، قال في المسالك : وجهان أظهرهما الثاني ، لأن المسمى هو العوض الذي اتفقا عليه ، فيثبت له من المسمى بنسبة ما فعل ، ووجه الأول أن العقد قد بطل بالفسخ ، ولما كان عمله محترما فتثبت أجرة المثل.

هذا خلاصة الكلام في المسألة ، لكن بعضهم عبّر بما يوحي اللزوم من طرف الجاعل بعد التلبس بالعمل ، كظاهر الشرائع والمبسوط وغيرهما من أنه ليس للجاعل الفسخ بدون أجرة ، وأن الجعالة لازمة من طرف الجاعل دون العامل.

وفيه : إن لزومها من طرف الجاعل لم يدل عليه دليل خصوصا بعد استصحاب جوازها الثابت قبل التلبس إلى ما بعده ، نعم لو فسخ الجاعل فعليه الأجرة بخلاف العامل فلو فسخ فلا شي‌ء له.

(١) سواء عيّن الجعل أم لا.

(٢) أي بعد التلبس.

(٣) عن الجاعل.

(٤) أي بنسبة ما بقي من العمل.

(٥) من العمل.

(٦) أي فعلى الجاعل أجرته.

(٧) كون الجعالة.

٥٧٧

جائزة من قبله (١) مطلقا (٢) فإن المراد بالعقد الجائز ، أو الإيقاع ما يصح فسخه لمن جاز من طرفه ، وثبوت العوض لا ينافي جوازه كما أنها بعد تمام العمل يلزمها (٣) جميع العوض ، مع أنها من العقود الجائزة ، وكذا الوكالة (٤) بجعل بعد تمام العمل.

واستحقاق الجعل لا يخرجها (٥) عن كونها عقدا جائزا ، فينبغي أن يقال : إنها (٦) جائزة مطلقا (٧) لكن إذا كان الفسخ من المالك ثبت للعامل بنسبة ما سبق من العمل إلى المسمى على الأقوى.

وقيل (٨) : أجرة مثله.

وربما أشكل (٩) ذلك (١٠) فيما لو كانت (١١) على رد ضالة مثلا ثم فسخ وقد صارت بيده (١٢) ، فإنه لا يكاد يتحقق للفسخ معنى حينئذ ، إذ لا يجوز له تركها ، بل يجب تسليمها إلى المالك ، أو من يقوم مقامه فلا يتحقق (١٣) فائدة للفسخ حينئذ.

______________________________________________________

(١) من قبل الجاعل.

(٢) قبل العمل وبعده.

(٣) يلزم الجعالة.

(٤) فيلزم جميع الجعل بعد تمام العمل ، واستحقاق العوض فيها لا يخرجها عن كونها عقدا جائزا.

(٥) اي لا يخرج الوكالة.

(٦) إن الجعالة.

(٧) من قبل الطرفين ، قبل التلبس وبعده.

(٨) قد أورده في المسالك وجها.

(٩) وحاصله أنه على القول بجواز الفسخ للجاعل بعد التلبس بالعمل فلو وصلت الضالة أو الآبق إلى يد العامل وقيل إيصاله إلى المالك ، فلو أراد المالك الفسخ لما كان له معنى ، إذ لا يجوز للعامل تركها ، بل يجب تسليمها إلى المالك ، ومع التسليم يتم العمل ولا يتحقق الفسخ قبل تمام العمل.

(١٠) أي جواز الفسخ للجاعل بعد التلبس بالعمل.

(١١) أي الجعالة.

(١٢) أي صارت الضالة بيد العامل.

(١٣) لأنه قد تم العمل.

٥٧٨

ويمكن دفعه (١) بأن فائدة البطلان عدم سلامة جميع العوض له (٢) على هذا التقدير ، بل يستحق لما سبق (٣) بنسبته ، ويبقى له فيما بعد ذلك أجرة المثل على ما يعمله إلى أن يتسلمه المالك ، وهو (٤) حفظه (٥) عنده ، ونحوه ، إذ لا يجب عليه حينئذ رده على المالك ، بل تمكينه (٦) منه أن كان قد علم بوصوله إلى يده ، وإن لم يعلم وجب إعلامه.

(ولو رجع) (٧) المالك فيها (٨) قبل العمل ، أو في أثنائه (ولم يعلم العامل رجوعه (٩) حتى أكمل (١٠) العمل فله كمال الأجرة (١١) ، ولو علم في الأثناء فله (١٢)

______________________________________________________

(١) وحاصل الدفع أن فائدة الفسخ حينئذ عدم وجوب السعي في إيصالها للمالك ، إذا الواجب على العامل إعلامه بها إن لم يكن عالما ، وأما بالنسبة للجاعل فلا يثبت عليه جميع الجعل ، بل عليه من الجعل بمقدار ما يعمل العامل إلى حين الفسخ ، وما بعد الفسخ لو عمل العامل من حفظ الدابة وعلفها فله أجرة المثل.

(٢) للعامل.

(٣) من العمل.

(٤) أي ما يعمله العامل بعد الفسخ إلى حين التسلم من قبل المالك.

(٥) أي حفظ الضال.

(٦) أي يجب تمكينه.

(٧) أي لو رجع المالك قبل إتمام العمل ، ولم يعمل العامل بذلك حتى أكمل العمل ، فيلزم على المالك تمام العوض كالوكيل إذا لم يعلم بالعزل ، فكما أن تصرف الوكيل نافذ فكذا العامل.

وأشكل على الحكم بعدم وجوب العوض على المالك بعد الفسخ ، وقياسه على الوكيل ليس في محله ، لأن مقتضى القواعد أن يحكم بأجرة المثل للعامل في قبال مجموع عمله ، لأنه أقدم على العوض ولم يسلم له ، وإما أن يحكم بأجرة العوض بنسبة عمله ما قبل الفسخ وبأجرة المثل لعمله فيما بعد الفسخ.

(٨) في الجعالة.

(٩) رجوع المالك.

(١٠) أي العامل.

(١١) الأجرة المسماة.

(١٢) من الأجرة المسماة.

٥٧٩

بنسبة ما سلف قبل العلم ، وينبغي أن يراد بالعلم ما يثبت به (١) ذلك (٢) شرعا (٣) ليشمل السماع من المالك ، والشياع المفيد للعلم ، وخبر العدلين ، لا الواحد وإن حكم به (٤) في عزل الوكالة بنص خاص (٥).

(ولو أوقع المالك صيغتين) للجعالة مختلفتين (٦) في مقدار العوض أو في بعض أوصافها (٧) (عمل بالأخيرة إذا سمعهما) العامل ، لأن الجعالة جائزة ، والثانية رجوع عن الأولى ، سواء زادت (٨) أم نقصت (وإلا) يسمعهما (٩) (فالمعتبر)

______________________________________________________

(١) بالعلم.

(٢) من رجوع المالك.

(٣) ويثبت لرجوع المالك شرعا بالسماع من المالك ، وبالشياع المفيد للعلم ، أو الاطمئنان الذي هو علم عادي ، وبخبر العدلين ، لأنهما بينة ، ولا يثبت بخبر الواحد ، لأنه ليس ببينة بعد حصر الحجة في الموضوعات في البينة.

(٤) أي بخبر الواحد.

(٥) وهو صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وقد تقدم في باب الوكالة.

(٦) بأن قال : من رد عبدي فله مائة درهم ، ثم قال : من ردّ عبدي فله خمسون ، فالجعالة جائزة ويصح فسخها قبل العمل وفي أثنائه وقد فسخ الأول بالثانية وعليه فإن كان فسخ الأولى قبل الشروع بالعمل كان عمل العامل على مقتضى الثانية ، وإن كان فسخ الأولى بعد الشروع فله من الأولى بنسبة ما عمل قبل فسخها بالثانية ، ومن الثانية بقية العوض ، كل ذلك بالنسبة.

هذا كله إذا سمع العامل الجعالتين ، وإلا فلو سمع إحداهما خاصة فالعبرة بما سمعه.

ويشكل بأن السماع إذا كان للثانية فلا إشكال ، وإن كان للأولى فعلى مبنى الماتن وجماعة كذلك ، ولكن قد تقدم الإشكال في ذلك ، وعليه فإن كان السماع للأول وقد فسخت قبل الشروع بالعمل ولم يعلم العامل حتى أكمل فله أجرة المثل ، وإن كان الفسخ في الأثناء فله من الأولى مقدار ما عمل من العوض بالنسبة ، لقدومه على المسمى ولم يسلم له ، وله من الثانية أجرة المثل لعدم قدومه على المسمى فيثبت له أجرة المثل.

(٧) أي أوصاف الجعالة ، كما لو قال : من بنى لي بيتا طوله وعرضه عشرة أمتار فله كذا ، ثم قال : من بنى لي بيتا طوله وعرضه عشرون مترا فله نفس العوض السابق.

(٨) أي سواء زادت الثانية عن الأولى أم نقصت.

(٩) العامل ، والمراد عدم سماع إحداهما ، لا عدم سماعهما معا ، بقرينة قوله (فالمعتبر ما سمع).

٥٨٠