الزبدة الفقهيّة - ج ٥

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٥
ISBN: 964-8220-36-0
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٦٠٠

بقبض حقه (١) حذرا من إنكاره (٢) فيضمن له ثانيا (٣) ، أو يلزمه (٤) اليمين.

(وكذا) حكم (٥) (كل من عليه حق وإن كان (٦) وديعة يقبل قوله) في ردها ، لافتقاره إلى اليمين (٧) ، فله دفعها (٨) بالإشهاد وإن كان صادقا.

ولا فرق في ذلك (٩) بين من (١٠) يكون له على الحق بينة ، وغيره ، لما ذكرناه من الوجه (١١) ، هذا هو أجود الأقوال في المسألة. وفرّق بعضهم (١٢) بين من يقبل

______________________________________________________

وذهب يحيى بن سعيد إلى أن من يقبل قوله في الرد كالودعي ، لا يجوز له الامتناع كما تقدم ، وبين من لا يقبل قوله في الرد كالمستعير فإن كان الأخذ ببينة فله الامتناع حتى يشهد وإلا فلا ، لأنه مع عدم الأخذ ببينة يمكن له إنكار أصل الحق على وجه يصدق بأن يقول : لا يستحق عندي شيئا فيقبل قوله مع يمينه ، لأنه منكر ، بخلاف ما لو ثبت الحق عنده ببينة فلا يمكنه إنكار أصل الحق بل يحتاج إلى إثبات الدفع ، وهذا لا يتحقق إلا بالإشهاد فله الامتناع عن التسليم حتى يشهد حينئذ ، وقد نسب هذا التفصيل إلى الشافعية.

وعن مشهور المتأخرين أنه يجوز لمن عنده مال للغير أو دين الامتناع من التسليم حتى يشهد سواء قبل قوله في الرد أم لا ، لأن قبول قوله في الرد محتاج إلى اليمين ، وتكلف اليمين ضرر عظيم وإن كان صادقا وقد أذن فيه الشارع ، خصوصا في بعض الناس فإن ضرر الغرامة عليهم أسهل من اليمين.

(١) أي بقبض الموكل حقه.

(٢) إنكار الموكل.

(٣) أي فيضمن الوكيل للموكل ثانيا.

(٤) أي يلزم الوكيل اليمين ، وفيه : أنه مما لا يقبل قوله في الرد فكيف يلزم باليمين ، نعم يجري هذا في الودعي.

(٥) من الامتناع حتى يشهد وهذا قول مشهور المتأخرين.

(٦) أي الحق.

(٧) عند قبول قوله في الرد.

(٨) دفع اليمين.

(٩) من أن له الامتناع حتى يشهد.

(١٠) أي صاحب الحق سواء كان له على الحق بينة أم لا.

(١١) وهو افتقار الغريم إلى اليمين فله دفعها بالإشهاد.

(١٢) وهو الشيخ في المبسوط.

٤٨١

قوله في الرد (١) ، وغيره (٢) ، وآخرون (٣) بين من عليه بقبض الحق بينة (٤) ، وغيره (٥) ، ودفع ضرر اليمين يدفع ذلك كله خصوصا في بعض الناس ، فإن ضرر الغرامة عليهم أسهل من اليمين.

(والوكيل في الوديعة (٦) لمال شخص عند آخر (لا يجب عليه الإشهاد) على المستودع ، (بخلاف الوكيل في قضاء الدين (٧) ، وتسليم المبيع (٨) فليس له ذلك (٩) (حتى يشهد).

______________________________________________________

(١) فليس له الامتناع.

(٢) فله الامتناع.

(٣) وهو يحيى بن سعيد.

(٤) فله الامتناع حتى يشهد إذا كان ممن لا يقبل قوله في الرد.

(٥) ممن ليس على قبضه بنية وكان ممن لا يقبل قوله في الرد فليس له الامتناع عن الدفع.

(٦) الوكيل في الإيداع ـ أي إيداع مال شخص عند الودعي ـ لا يجب عليه الإشهاد عند الدفع للودعي ، بحيث لو أنكر الودعي فيما بعد لا يضمن الوكيل بسبب عدم الإشهاد ، إذ عدم إقامة الإشهاد عند الإيداع لا يعد تفريطا منه ، بلا خلاف فيه كما في الجواهر ، لأن الإيداع مبني على الإخفاء فعدم الإشهاد عليه هو السيرة ، والوكيل لم يخالفها عند عدم إشهاده فلا يكون مفرّطا.

نعم استشكل العلامة في التذكرة في عدم وجوب الإشهاد ، ويرده ما تقدم.

ثم لو أنكر المالك على الوكيل الدفع للودعي ، فالقول قول الوكيل لأنه أمين ، فلا يجب عليه الإشهاد من هذه الحيثية حتى يدفع إنكار المالك ، إذ يمكن له دفعه باليمين.

(٧) لو وكّل في قضاء دين عن المديون ، وقضى الدين ولم يشهد على الدائن بالقبض ، فأنكر الدائن الدفع إليه فيما بعد فالوكيل ضامن هنا ، لأنه مفرّط ، لأن قضاء الدين مبني على الإجهار به فيناسبه الإشهاد عليه ، ومع عدم إشهاد الوكيل يكون قد خالف السيرة في ذلك ، فهو مفرّط ضامن كما عن الشيخ والعلامة وولده والشهيدين والمحقق الثاني.

وفي الشرائع والقواعد للعلامة التردد به ، بل جزم الأردبيلي بعدم الضمان لعدم صدق التفريط عرفا ، إذ السيرة ليست قائمة على الإشهاد في قضاء الدين ، ولا أقل من الشك في ذلك والأصل عدم الضمان.

(٨) ما يجري في قضاء الدين يجري في التسليم المذكور.

(٩) من قضاء الدين وتسليم المبيع.

٤٨٢

والفرق أن الوديعة مبنية على الإخفاء ، بخلاف غيرها ، ولأن الإشهاد (١) على الودعي لا يفيد ضمانه (٢) لقبول قوله في الرد ، بخلاف غيره (٣) (فلو لم يشهد) (٤) على غير الوديعة (ضمن) ، لتفريطه ، إذا لم يكن الأداء (٥) بحضرة الموكل ، وإلا (٦) انتفى الضمان ، لأن التفريط حينئذ مستند إليه (٧).

(ويجوز للوكيل تولي طرفي العقد (٨) بإذن الموكل) ، لانتفاء المانع حينئذ (٩). ومغايرة الموجب للقابل يكفي فيها الاعتبار (١٠). ولو أطلق له الإذن (١١) ففي

______________________________________________________

(١) دليل ثان لعدم ضمان الوكيل لو لم يشهد في الإيداع وحاصله أن الإشهاد على الإيداع لا يفيد ، لأنه لو ادعى الودعي التلف فالبينة بالقبض لا توجب عليه الضمان ، لأن البينة المذكورة توجب قبض المال ، وبدعواه التلف لا يضمن ، لأنه مصدق في دعواه التلف والرد كما تقدم في بابه.

(٢) ضمان الودعي.

(٣) غير الودعي ، من الدائن والمشتري فالإشهاد على الدفع إليهما يخرج المديون والبائع عن عهدة الضمان لو لم يعترف الخصم بالقبض.

(٤) أي الوكيل.

(٥) أي الدفع.

(٦) أي وإن كان الأداء بحضرة الموكل فلا يجب على الوكيل الإشهاد ، لأنه وكيل بالدفع فقط ، وعدم الإشهاد حينئذ مستند إلى الموكل لا إلى الوكيل.

(٧) إلى الموكل.

(٨) لو أذن الموكل لوكيله في بيع ماله من نفسه ، فيجوز للوكيل تولي طرفي الإيجاب والقبول ، فالإيجاب من حيثية الوكالة والقبول من حيثية الأصالة ، على الأكثر ، لوجود المقتضي وانتفاء المانع ، أما المقتضي لوجود إذن المالك في البيع المذكور ، وأما عدم المانع إذ ليس المانع إلا كونه وكيلا ، وهذا لا يصلح للمانعية لإطلاق أدلة البيع.

وعن الشيخ وجماعة المنع للتهمة ، وفيه منع التهمة مع وجود الاذن ومراعاة مصلحة الموكل المعتبرة في فعل كل وكيل.

(٩) حين إذن الموكل.

(١٠) بالأصالة في القبول والوكالة في الإيجاب.

(١١) لو أطلق الموكل لوكيله الاذن في بيع ماله ، فيجوز للوكيل حينئذ أن يبيع على نفسه كما عن الشيخ في النهاية والعلامة وولده والشهيد في بعض الحواشي والحلبي ، لوجود المقتضي وعدم المانع على ما تقدم.

٤٨٣

توليهما (١) لنفسه قولان منشأهما : دخوله (٢) في الإطلاق. ومن ظاهر (٣) الروايات الدالة على المنع. وهو أولى.

واعلم أن توليه طرفي العقد أعم من كون البيع ، أو الشراء (٤) لنفسه (٥) وموضع الخلاف مع عدم الإذن (٦) توليه لنفسه ، أما لغيره (٧) بأن يكون وكيلا

______________________________________________________

وعن المشهور المنع للتهمة ، ولأن إطلاق الاذن منصرف إلى غير الوكيل ، إذ المفهوم من الاستنابة في البيع البيع على غيره ، ولخبر هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا قال لك الرجل اشتر لي فلا تعطه من عندك ، وإن كان الذي عندك خيرا منه) (١) ، وخبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن الرجل يبعث إلى الرجل فيقول له : ابتع لي ثوبا فيطلب له في السوق فيكون عنده مثل ما يجد له في السوق فيعطيه من عنده ، قال عليه‌السلام : لا تقربنّ هذا ، ولا يدنس نفسه ، إن الله عزوجل يقول : (إِنّٰا عَرَضْنَا الْأَمٰانَةَ عَلَى السَّمٰاوٰاتِ وَالْأَرْضِ ...) الآية ، وإن كان ما عنده خيرا مما يجد له في السوق فلا يعطيه من عنده) (٢) ومثلها غيرها.

وهي محمولة على الكراهة عند أصحاب القول الأول لظهور بعضها في ذلك كقوله عليه‌السلام (ولا يدنس نفسه) ، وللجمع بينها وبين خبر ميسر (قلت له : يجيئني الرجل فيقول : تشتري لي ويكون ما عندي خيرا من متاع السوق ، قال : إن أمنت أن لا يتهمك فاعطه من عندك ، وإن خفت أن يتهمك فاشتر له من السوق) ٣ هذا واعلم أن النزاع هنا ليس من جهة واحدة بل من حيثية الأخبار وانصراف الاذن ومن حيثية التهمة ومن أن المغايرة الاعتبارية بين الأصيل والوكيل تحقق التغاير حتى يجوز للوكيل تولي طرفي العقد.

(١) أي طرفي العقد.

(٢) أي دخول الوكيل في إطلاق الاذن وهو دليل الجواز.

(٣) دليل المنع.

(٤) لو وكله في شراء شي‌ء.

(٥) لنفس الوكيل.

(٦) أي عدم الاذن صريحا من الموكل.

(٧) أي لغير الوكيل بأن يبيع مال الموكل لشخص آخر ، أو يشتري لشخص مال الموكل ، وكان الغير موكلا له كذلك.

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب التجارة حديث ١ و ٢ و ٤.

٤٨٤

لهما (١) فلا إشكال إلا على القول بمنع كونه موجبا قابلا ، وذلك (٢) لا يفرق فيه بين إذن الموكل وعدمه (ولو اختلفا في أصل الوكالة حلف المنكر (٣) لأصالة عدمها ، سواء كان منكرها الموكل أم الوكيل.

وتظهر فائدة إنكار الوكيل فيما لو كانت الوكالة مشروطة في عقد لازم لأمر لا يتلافى حين النزاع (٤) ، فيدّعي الموكل حصولها ليتم له العقد وينكرها الوكيل ليتزلزل ويتسلط على الفسخ.

(ولو اختلفا في الرد حلف الموكل (٥) ، لأصالة عدمه ، سواء كانت الوكالة

______________________________________________________

(١) للبائع والمشتري.

(٢) أي على القول بمنع تولي طرفي العقد.

(٣) فالقول قول المنكر مع يمينه ، بلا خلاف ولا إشكال ، وهو منكر بحسب ظاهر كلامه ، ولأصالة عدمها ، سواء كان المنكر الموكّل أو الوكيل ، أما إنكار الوكالة من الموكل فواضح إذ هو الغالب ، وأما إنكار الوكالة من الوكيل والموكل يدعيها فيما لو وقع بينهما عقد لازم واشترط فيه إيقاع التوكيل في وقت معين.

فالموكل يدعيها ليخرج عن عهدة الشرط ويبقى العقد لازما ، والوكيل ينكرها ليثبت تخلف الشرط فيتزلزل العقد ويصير له الفسخ بخيار تخلف الشرط.

(٤) أي الأمر الذي هو الشرط في العقد اللازم ، وهو الوكالة لا يتلافى حين النزاع ، لأنه مقيّد بوقت خاص ، وإلا لو شرط أصل الوكالة من دون تحديد لها بوقت خاص ، لكان الموكل حين النزاع يوكله ويحقق الشرط.

(٥) بأن ادعاه الوكيل وأنكره الموكل ، فإن كانت وكالته بجعل كلّف الوكيل البينة ، لأنه مدع والموكل منكر فالقول قوله مع يمينه لأصالة عدم الرد.

وإن كانت وكالته بغير جعل فقيل يقبل قول الوكيل مع يمينه على المشهور ، لأنه محسن كالودعي ، ولأنه أمين إذ قبض المال بإذن مالكه.

وعن ابن إدريس وعليه مشهور المتأخرين أنه يقبل قول الموكل المالك مع يمينه ، لأصالة عدم الرد ، وكون الوكيل أمينا لا يستلزم القبول ، لأن الأمانة أعم من قبول قوله وعدمه في الرد ، نعم أمانته تفيده في قبول قوله في التلف كما سيأتي ، وأما الإحسان فكذلك لا ينافي عدم قبول قوله.

إن قلت : المحسن لا سبيل عليه مع أن عدم قبول قوله مستلزم لثبوت الحق عليه بيمين الخصم ، ويمين الخصم عليه سبيل.

٤٨٥

بجعل أم لا (١).

(وقيل) (٢) : يحلف (الوكيل ، إلا أن تكون بجعل) فالموكل. أما الأول (٣) فلأنه (٤) أمين ، وقد قبض المال لمصلحة المالك فكان محسنا محضا كالودعي ، وأما الثاني (٥) فلما مر (٦) ، ولأنه (٧) قبض لمصلحة نفسه كعامل القراض ، والمستأجر (٨).

ويضعّف (٩) بأن الأمانة لا تستلزم القبول (١٠) ، كما لا يستلزمه (١١) في الثاني (١٢) مع اشتراكها (١٣) في الأمانة ، وكذلك الإحسان (١٤) ، والسبيل المنفي (١٥)

______________________________________________________

قلت : نفي السبيل على المحسن عام ، وما من عام إلا وقد خصّ ، وإلا فلو يكن مخصّصا بما ذكر للزم تقديم قول الوكيل في دعوى الرد ، ولا يقبل قوله إلا مع اليمين ، مع أن إثبات اليمين عليه سبيل وهو منفي بالآية ، ولو قدم قوله بدون يمين فهو على خلاف الاتفاق.

(١) وهو قول مشهور المتأخرين.

(٢) هو مشهور القدماء.

(٣) حلف الوكيل إذا كانت الوكالة بغير جعل.

(٤) أي الوكيل.

(٥) حلف الموكل إذا كانت الوكالة بجعل.

(٦) من أصالة عدم الرد الموافق لقول الموكل.

(٧) أي الوكيل.

(٨) ولا يقبل قولهما في الرد مع اليمين ، بل يقبل قول خصمهما مع اليمين.

(٩) أي تقديم قول الوكيل في الرد فيما إذا كانت الوكالة بغير جعل.

(١٠) فيما لو كانت الوكالة بغير جعل.

(١١) أي الأمانة لا تستلزم القبول.

(١٢) فيما إذا كانت الوكالة بجعل.

(١٣) أي اشتراك الصور ، الثانية للأولى في الأمانة ، لأن الوكيل فيهما قد قبض مال المالك بإذنه.

(١٤) أي أنه أعم من الصورتين ، غايته مع عدم الجعل يكون محسنا محضا.

(١٥) في قوله تعالى : (مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) (١).

__________________

(١) سورة النساء الآية ١٤١.

٤٨٦

مخصوص (١) ، فإن اليمين (٢) سبيل.

(و) لو اختلفا (في التلف) (٣) أي تلف المال الذي بيد الوكيل كالعين الموكّل في بيعها وشرائها (٤) ، أو الثمن (٥) ، أو غيره (حلف الوكيل) لأنه أمين (٦) ، وقد يتعذر إقامة البينة على التلف فاقتنع بقوله ، وإن كان مخالفا للأصل ولا فرق ، بين دعواه التلف بأمر ظاهر ، وخفي (٧) ، (وكذا) يحلف لو اختلفا (في التفريط) (٨). والمراد به ما يشمل التعدي ، لأنه منكر ، (و) كذا يحلف لو اختلفا (في القيمة) (٩) على تقدير ثبوت الضمان ، لأصالة عدم الزائد.

______________________________________________________

(١) أي له موارد معينة ، ليس هذا منها لأنه لو قدمنا قوله تمسكا بالآية لقدمناه مع اليمين ، وإثبات اليمين عليه سبيل ، وهو منفي بالآية أيضا كما أن إثبات يمين الخصم عليه سبيل منفي ، فلزم من التمسك بالآية بنفي السبيل عنه تقديم قوله بلا يمين وهو ما لا يمكن الالتزام به ، ومن هنا تعرف عدم صحة التمسك بالآية في هذا المورد.

(٢) له أو عليه.

(٣) يقدم قول الوكيل مع يمينه بلا خلاف ولا إشكال للإجماع المدعى كما عن المبسوط والسرائر وجامع المقاصد والمسالك.

وتقديم قوله على خلاف الأصل إذ هو مدع للتلف ، لأنه لو لم يقدم قوله لطولب بإقامة البينة ولو تعذرت أو تعسّرت لوجب عليه رد نفس العين ، ولو كان صادقا في دعواه لتعذر الرد وهذا ما يلزم منه التخليد في الحبس وهو عسر وحرج منفيان.

(٤) إذا تلفت بعد الشراء.

(٥) وهو ما لو تلف بعد البيع فيما لو وكل في البيع ، أو تلف قبله إذا وكّل في الشراء.

(٦) لا يصح التعليل بالأمانة إذ هي أعم من قبول قوله وعدمه ، نعم الدليل الإجماع لئلا يلزم تخليده في السجن كما علمت.

(٧) وعن الشافعي التفريق ففي الأول يلزم بالبينة وفي الثاني يكتفى منه باليمين.

(٨) إذ يدعيه الموكل وينكره الوكيل ، فالقول قول الوكيل مع يمينه ، لأنه منكر بحسب ظاهر قوله وليس المراد من التفريط خصوص الأمر العدمي في قبال التعدي الذي هو الأمر الوجودي ، بل ما يعمهما إذ المراد منه ما هو غير مأذون فيه.

(٩) لو ثبت الضمان على الوكيل عند تلف العين إما لاقراره بالتفريط ، وإما لإقامة البينة على ذلك ، فادعى الموكل أن قيمة التالف مائة ، وأنكر الوكيل وقال : خمسون ، قدم قول الوكيل مع يمينه ، لأنه منكر لأصالة عدم ثبوت الزائد في ذمته.

٤٨٧

(ولو زوجه امرأة بدعوى الوكالة) منه (فأنكر الزوج) الوكالة (١)

______________________________________________________

(١) بحيث أنكر الموكل الوكالة كان القول قوله مع يمينه ويلزم الوكيل بمهر الزوجة المسمى في العقد كما عن الشيخ في النهاية وابن حمزة في الوسيلة والآبي في كشفه والعلامة في التحرير والإرشاد والقواعد وجماعة ، أما تقديم قول الموكل مع يمينه لأنه منكر لأصالة عدم وقوع الوكالة بلا خلاف في ذلك ، وأما إلزام الوكيل بتمام المهر لخبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (عن رجل زوّجته أمه وهو غائب ، قال : النكاح جائز إن شاء المتزوج قبل وإن شاء ترك ، فإن ترك المتزوج تزويجه فالمهر لازم لأمه) (١) بناء على تنزيله على دعوى الوكالة ، ولأن المهر يجب بالعقد وقد حصل فلا بد أن يثبت تمامه ، وتنصيفه بالطلاق قبل الدخول غير جار هنا إذ لا طلاق بحسب الفرض. وعن المشهور أن الوكيل يلزم بنصف المهر لخبر عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في رجل قال لآخر : اخطب لي فلانة فما فعلت من شي‌ء مما قاولت من صداق أو ضمنت من شي‌ء أو شرطت فذلك لي رضا وهو لازم لي ، ولم يشهد على ذلك.

فذهب وخطب له وبذل عنه الصداق وغير ذلك مما طلبوه وسألوه ، فلما رجع إليه أنكر ذلك كله ، قال عليه‌السلام : يغرم لها نصف الصداق عنه ، وذلك أنه هو الذي ضيّع حقها ، فلما لم يشهد عليه بذلك الذي قال له حلّ لها أن تتزوج ولا يحلّ للأول فيما بينه وبين الله عزوجل إلا أن يطلقها ، لأن الله تعالى يقول : (فَإِمْسٰاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسٰانٍ) ، فإن لم يفعل فإنه مأثوم فيما بينه وبين الله عزوجل ، وكان الحكم الظاهر حكم الإسلام ، وقد أباح الله عزوجل لها أن تتزوج) (٢) ، وصحيح أبي عبيدة الحذاء عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث : (فقال بعض من حضر : فإن أمره أن يزوجه امرأة ولم يسمّ أرضا ولا قبيلة ثم جحد الآمر أن يكون أمره بذلك بعد ما زوّجه ، فقال عليه‌السلام : إن كان للمأمور بيّنة أنه كان أمره أن يزوّجه كان الصداق على الآمر ، وإن لم يكن له بينة كان الصداق على المأمور لأهل المرأة ، ولا ميراث بينهما ولا عدة عليها ، ولها نصف الصداق إن فرض لها صداقا ، وإن لم يكن سمّى لها فلا شي‌ء لها) (٣) بناء على أن المراد من الصداق أولا هو نصف الصداق بدليل ما ورد فيما بعد.

وعن المحقق في الشرائع ومال إليه جماعة منهم العلامة وولده والشارح والمحقق الثاني أنه يحكم ببطلان العقد ظاهرا لعدم ثبوت الوكالة بعد حلف الموكل على عدمها ، ولا يغرم

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد حديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب الوكالة حديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد حديث ١.

٤٨٨

(حلف) (١) ، لأصالة عدمها (٢) (وعلى الوكيل نصف المهر (٣) لرواية عمر بن حنظلة عن الصادق عليه‌السلام ، ولأنه (٤) فسخ قبل الدخول فيجب معه نصف المهر كالطلاق ، (ولها التزويج) بغيره لبطلان نكاحه بإنكاره الوكالة (ويجب على الزوج) فيما بينه ، وبين الله تعالى (الطلاق إن كان وكّل) في التزويج ، لأنها حينئذ زوجته فإنكارها (٥) وتعريضها (٦) للتزويج بغيره محرّم ، (ويسوق نصف المهر إلى الوكيل (٧) ، للزومه له (٨) بالطلاق ، وغرم الوكيل له بسببه (٩).

(وقيل : يبطل) العقد (ظاهرا ، ولا غرم على الوكيل (١٠) ، لعدم ثبوت عقد حتى

______________________________________________________

الوكيل ولا الموكل لعدم ثبوت العقد والمهر من لوازم العقد ، نعم يجب على الموكل أن يطلقها فيما بينه وبين الله عزوجل إن كان الوكيل صادقا وهو عالم بذلك ، وأن يسوق إليها نصف المهر إن لم يكن دفعه الوكيل بحسب الواقع ، وإلا فقد عرفت أنه ظاهرا لا يثبت شي‌ء من المهر لا على الموكل ولا على الوكيل ، وإلا فيدفعه للوكيل لأنه غرّم بسببه.

وأما المرأة فلا إشكال ولا خلاف في أن لها التزويج وإن لم يطلق الموكل ، إذا لم تكن عالمة بالوكالة ، لأنها خلية في ظاهر الشرع كما هو صريح خبر عمر بن حنظلة ، وأما لو كانت عالمة بالوكالة فلا يجوز لها التزويج قبل حصول الطلاق ، لأنها معترفة بزوجيتها للموكل ، فإن وقع الطلاق من الموكل فهو ، وإن امتنع فهل يجبر على الطلاق دفعا للضرر أو لا يجبر لانتفاء النكاح ظاهرا.

وعلى الثاني من عدم إجباره على الطلاق فهل تتسلّط على الفسخ دفعا للضرر أو يتسلط الحاكم لأن له ولاية على الممتنع أو تبقى العلقة الوصفية حتى يطلق أو يموت أوجه ثلاثة ، ولكن مقتضى الأخبار جواز التزويج مطلقا.

(١) أي الزوج.

(٢) عدم الوكالة.

(٣) قول المشهور وهو القول الثاني المتقدم في الشرح.

(٤) أي إنكار الزوج.

(٥) أي إنكار الوكالة ، أو إنكار زوجيته منها.

(٦) أي تعريض الزوجة.

(٧) سرا إن أبى عن الجهار كما في الرياض.

(٨) أي لزوم نصف المهر للزوج بسبب الطلاق.

(٩) أي تغريم الوكيل للنصف بسبب الزوج لأنه أنكر.

(١٠) لا تمام المهر ولا نصفه ، وهو قول المحقق ومن تبعه ، وهو القول الثالث المتقدم في الشرح.

٤٨٩

يحكم بالمهر ، أو نصفه ، ولأنه (١) على تقدير ثبوته إنما يلزم الزوج ، لأنه (٢) عوض البضع. والوكيل ليس بزوج ، والحديث (٣) ضعيف السند ، وإلا لما كان عنه عدول مع عمل الأكثر بمضمونه (٤) ، والتعليل بالفسخ فاسد (٥) فالقول الأخير (٦) أقوى.

نعم لو ضمن الوكيل (٧) المهر كله ، أو نصفه لزمه حسب ما ضمن ، وإنما يجوز للمرأة التزويج إذا لم تصدّق الوكيل عليها (٨) ، وإلا لم يجز لها التزويج قبل الطلاق ، لأنها (٩) يزعمها زوجة ، بخلاف ما إذا لم تكن عالمة بالحال ، ولو امتنع من الطلاق ، حينئذ (١٠) لم يجبر عليه (١١) ، لانتفاء النكاح ظاهرا ، وحينئذ (١٢) ففي تسلطها على الفسخ دفعا للضرر ، أو تسلط الحاكم عليه (١٣) أو على الطلاق ، أو بقاؤها كذلك (١٤) حتى يطلق أو يموت (١٥) ، أوجه ، ولو أوقع الطلاق معلقا على

______________________________________________________

(١) أي المهر.

(٢) أي المهر.

(٣) أي خبر عمر بن حنظلة ، وضعفه لاشتمال سنده على داود بن الحصين وهو واقفي ، وعلى دينار بن الحكم وهو مجهول.

(٤) وفيه : إن عمل الأصحاب جابر لوهن السند فلا يصح رده من حيثية ضعف سنده حينئذ ، فضلا عن وجود صحيح أبي عبيدة المتقدم.

(٥) من أثبت المهر أو نصفه على الوكيل قد علّله بأن العقد قد انفسخ بحلف الزوج على نفي الوكالة ، والتعليل عليل لأن مثل هذا ليس بفسخ حقيقي وإلا لو كان كذلك لما وجب على الزوج واقعا أن يطلق على تقدير وكالته.

(٦) من عدم المهر ولا نصفه لا على الوكيل ولا على الموكل كما هو قول المحقق ومن تبعه.

(٧) للزوجة تمام المهر أو نصفه عن الزوج فيجب على الوكيل حينئذ للضمان لا للخبر المتقدم الذي قد عرفت ضعف سنده.

(٨) على الوكالة.

(٩) أي المرأة.

(١٠) أي حين تصديقها للوكيل بالوكالة.

(١١) لم يجبر الزوج على الطلاق.

(١٢) أي حين عدم إجباره على الطلاق.

(١٣) على الفسخ.

(١٤) أي زوجة.

(١٥) وفي نسخة (أو تموت) ، وهو ليس بصحيح لأن فسخ الزوجية عنها إنما يحصل بطلاقها أو بموت زوجها ، أما مع موتها فلا معنى للحكم سواء كانت زوجة أم لا.

٤٩٠

الشرط (١) كإن كانت زوجتي فهي طالق صح ، ولم يكن إقرارا ، ولا تعليقا مانعا ، لأنه (٢) أمر يعلم حاله ، وكذا في نظائره كقول من يعلم أن اليوم الجمعة : إن كان اليوم الجمعة فقد بعتك كذا ، أو غير من العقود.

(ولو اختلفا في تصرف الوكيل (٣) بأن قال : بعت ، أو قبضت ، أو اشتريت (حلف) الوكيل ، لأنه أمين وقادر على الإنشاء (٤) ، والتصرف إليه ومرجع الاختلاف إلى فعله وهو أعلم به.

______________________________________________________

(١) أي شرط زوجيتها ، والألف واللام عهدية ، صح الطلاق ، لأن هذا ليس تعليقا على شرط متوقع أو صفة مترقبة ، وإنما الشرط دائر مدار علمه ، فإن كان قد صدر منه التوكيل فهي زوجة ويصح جعل الزوجية حينئذ شرطا ، بل هو جعل لشي‌ء حاصل فلا تعليق واقعا ، لأن التعليق هو جعل لشي‌ء سيحصل أو يتوقع حصوله.

(٢) أي الشرط المذكور.

(٣) بحيث ادعى الوكيل وقوع التصرف الموكّل به وأنكره الموكل ، كأن يدعي الوكيل بيع المتاع الذي وكّل ببيعه وقد تلف الثمن ، فأنكر الموكل البيع ، أو ادعى الوكيل شراء المتاع الذي وكّل بشرائه وأنه سرق فأنكر الموكل الشراء. قيل : يقدم قول الوكيل ، لأنه أمين ، ولأنه أقرّ بما له أن يفعله فيندرج تحت القاعدة (من ملك شيئا ملك الإقرار به) ، وهو مالك للتصرف فيملك الإقرار به ، ولأن الاختلاف راجع إلى فعله وهو أعلم به ، وإلى هذا القول ذهب غير واحد.

وقيل : يقدم قول الموكل ، لأصالة عدم الفعل ، وإليه ذهب المحقق الثاني ، واختلف كلام العلامة هنا ففي القواعد جزم بتقديم قول الوكيل من غير نقل خلاف ، وفي التذكرة جزم بتقديم قول الموكل إن كان النزاع بعد عزل الوكيل ، واستقرب كون الحكم كذلك قبل العزل ، وتوقف في التحرير.

هذا وقال الشارح في المسالك : (واعلم أنه لا يحتاج إلى تقييد التصرف في فرض المسألة ، بكون الثمن قد تلف في يد الوكيل ، بأن يقول : بعت وقبضت الثمن وتلف في يدي ، كما ذكره بعضهم تبعا لتقييده بذلك في التحرير ، لأن الكلام في دعوى الوكيل التلف قد ذكر سابقا مطلقا ، وهو أمر خارج عن هذه المسألة ، وإنما حاصل هذه دعوى الموكل عدم التصرف بالبيع ونحوه ليرتجع العين ، والوكيل يدعي الفعل سواء ترتب عليه مع ذلك دعوى التلف أم لا) انتهى.

(٤) أي الإقرار به ، لأنه مالك للتصرف فيملك الإقرار به.

٤٩١

(وقيل) : يحلف (الموكل) ، لأصالة عدم التصرف ، وبقاء الملك على مالكه والأقوى الأول.

ولا فرق بين قوله في دعوى التصرف : بعت وقبضت الثمن وتلف في يدي ، وغيره (١) ، لاشتراك الجميع في المعنى ودعوى التلف أمر آخر ، (وكذا الخلاف لو تنازعا في قدر الثمن الذي اشتريت به السلعة) كأن قال الوكيل : اشتريته بمائة والحال أنه يساوي مائة (٢) ، ليمكن صحة البيع فقال الموكل : بل بثمانين ، يقدّم قول الوكيل (٣) ، لأنه أمين ، والاختلاف في فعله ودلالة الظاهر على كون الشي‌ء إنما يباع بقيمته وهو الأقوى.

وقيل : قول الموكل ، لأصالة براءته (٤) من الزائد ، ولأن في ذلك (٥) إثبات حق للبائع عليه (٦) فلا يسمع.

______________________________________________________

(١) من دون دعوى التلف.

(٢) كما ذكره العلامة في التحرير ، وإلا لم يكن الشراء صحيحا لما تقدم من حمل الإطلاق في الاذن على ثمن المثل ، إذا تعلق الغرض به فلا يجوز بالأدنى كما لا يجوز بالأعلى.

(٣) كما عن الشيخ في المبسوط وجماعة ، لأنه أمين والفعل فعله وهو أعلم به ، ولأن الظاهر أن الشي‌ء يشترى بثمن مثله ، وهو يدعي ذلك فيكون قوله موافقا لهذا الظاهر.

وعن العلامة في الإرشاد وجماعة تقديم قول الموكل ، لأصالة براءة الموكل من الزائد ، لأنه غارم ، ولأن تقديم قول الوكيل تقديما لحق البائع على الموكل مع إنكاره فلا يسمع ، لأن إقرار الغير نافذ في حقه لا في حق غيره.

وردّ بأن قول الوكيل نافذ في حقه بعد ما كان أمينا ، وعليه لا معنى لجريان أصل البراءة مع أمانة الوكيل.

(٤) أي براءة الموكل.

(٥) أي تقديم قول الوكيل.

(٦) على الموكل.

٤٩٢

كتاب الشفعة

٤٩٣
٤٩٤

(كتاب الشفعة (١)

(وهي) فعلة من قولك : شفعت كذا بكذا إذا جعلته شفعا به أي زوجا كأنّ

______________________________________________________

(١) لا خلاف ولا إشكال في مشروعيتها للأخبار الكثيرة.

منها : خبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا تكون الشفعة إلا لشريكين ما لم يتقاسما) (١)، والمرسل عن أحدهما عليه‌السلام (الشفعة لكل شريك لم يقاسم) (٢)

وخالف جابر بن زيد والاصم فأنكرا الشفعة ، وهما محجوجان بهذه النصوص. هذا والشفعة وزان غرفة ، قال الشارح في المسالك : (مأخوذة من قولك : شفعت كذا بكذا ، إذا جعلته شفعا به ، كأن الشفيع يجعل نصيبه شفعا بنصيب صاحبه ، ويقال : أصل الكلمة التقوية والإعانة ، ومنه الشفاعة والشفيع ، لأن كل واحد من الوترين يتقوى بالآخر ، ومنه شاة شافع للتي معها ولدها لتقويها به) انتهى.

هذا واختلف في أنها مأخوذة من الشفع بمعنى الضم ، أو من الشفع بمعنى الزيادة ، أو من الشفع بمعنى التقوية ، أو من الشفاعة أقوال أربعة ، وعن أكثر من واحد من أصحابنا أنها مأخوذة من الزيادة ، لأن سهم الشريك يزيد مما يضم إليه ، ولذا قال في مجمع البحرين : (الشفعة كغرفة قد تكرر ذكرها في الحديث ، وهي في الأصل التقوية والإعانة ، وفي الشرع استحقاق الشريك الحصة المبيعة في شركة ، واشتقاقها على ما قيل من الزيادة ، لأن الشفيع يضم المبيع إلى ملكه فيشفعه به ، كأن كان واحدا وترا فصار زوجا شفعا ، والشافع : الجاعل الوتر شفعا ، ويقال : الشفعة اسم للملك المشفوع مثل اللقمة ، اسم للشي‌ء الملقوم ، وتستعمل بمعنى التملك لذلك الملك) انتهى.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من كتاب الشفعة حديث ١ و ٣.

٤٩٥

الشفيع يجعل نصيبه شفعا بنصيب شريكه ، وأصلها التقوية والإعانة ، ومنه (١) الشفاعة والشفع. وشرعا (٢) (استحقاق الشريك الحصة المبيعة في شركته) ، ولا يحتاج إلى قيد الاتحاد (٣) ، وغيره (٤) مما يعتبر في الاستحقاق (٥) ، لاستلزام الاستحقاق (٦) له (٧).

______________________________________________________

(١) أي ومن هذا المعنى وهو التقوية الإعانة ، حيث إن في الشفاعة تقوية وإعانة للمشفوع له على ذنبه ، ومن هذا المعنى الشفع بمعنى الزوج ، لأنه يتقوى بالآخر.

(٢) فعن أبي الصلاح وابني زهرة وإدريس أنها (استحقاق الشريك المخصوص على المشتري تسليم المبيع بمثل ما بذل فيه أو قيمته) ، وعن القواعد للعلامة هي (استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكه المنتقلة عنه بالبيع) ، وفي الشرائع (استحقاق أحد الشريكين حصة شريكه بسبب انتقالها بالبيع) ، وفي النافع (استحقاق حصة الشريك لانتقالها بالبيع) إلى غير ذلك من التعريفات التي يقصد منها التمييز في الجملة ، فلا يضرها عدم مساواتها للمعرّف ، قال في الجواهر : (ضرورة معلومية كون المراد منها التمييز في الجملة ، لترتب الأحكام عليها ، وإلا فتمامه ـ أي تمام المعنى ـ يعلم بالإحاطة التامة بالأدلة التي ستعرفها إن شاء الله ، وليس المراد منها التحديد الحقيقي) ، وقال في الرياض (والتحقيق أن هذه التعريفات اللفظية لا يقدح فيها ما يورد ، أو يرد عليها من النقض والمناقشة ، فإنما المقصود منها التمييز في الجملة) انتهى.

(٣) أي لا يحتاج التعريف المذكور إلى قيد اتحاد الشريك الذي يثبت له حق الشفعة ، والمعنى أن التعريف لا يحتاج إلى تقييد الشريك بالواحد ولا يحتاج إلى تقييد استحقاق الشريك الحصة من شريكه بسبب بيعها على ثالث ، ولا يحتاج إلى تقييد الحصة المبيعة من غير المنقول ، وبكون الشركة قابلة للقسمة ، لأن هذه الأمور الأربعة تذكر في الأحكام لا في تعريف الشفعة.

(٤) أي غير الاتحاد من بقية القيود.

(٥) الاستحقاق جنس أو بمنزلة الجنس يدخل فيه استحقاق مال بالإرث والحيازة والأحياء وغيرها ، وحتى يتخصص الاستحقاق بالشفعة لا بدّ من القيود التي ذكرها الماتن ولا بدّ من ذكر القيود الأربعة المتقدمة ، ولكن ذكر الأمور المتقدمة لا تدخل في التعريف لأنها تذكر في الأحكام.

(٦) أي الاستحقاق المذكور في التعريف.

(٧) لقيد الاتحاد ولغيره من بقية القيود الأربعة.

٤٩٦

وإنما يفتقر إلى ذكرها (١) في الأحكام ، ولا يرد النقض في طرده (٢) بشراء (٣) الشريك حصة شريكه ، فإنه (٤) بعد البيع يصدق (٥) استحقاق الشريك الحصة المبيعة في شركته ، إذ ليس في التعريف أنها (٦) مبيعة لغيره أو له (٧) ، وكما يصدق الاستحقاق بالأخذ (٨) يصدق بنفس الملك.

ووجه دفعه (٩) : أن الاستحقاق المذكور هنا (١٠) للشريك المقتضي لكونه شريكا (١١) حال شركته ، والأمر في البيع ليس كذلك (١٢) ، لأنه حال الشركة غير مستحق (١٣) ، وبعد الاستحقاق (١٤) ليس بشريك ، إذ المراد بالشريك هنا الشريك بالفعل ، لأنه (١٥) المعتبر شرعا (١٦) ، لا ما كان فيه شريكا مع ارتفاع الشركة (١٧) ،

______________________________________________________

(١) أي ذكر القيود الأربعة المتقدمة.

(٢) أي أنه غير مانع.

(٣) وحاصل الإشكال أنه لو باع أحد الشريكين حصته للآخر فإنه يصدق عليه التعريف المذكور ، لأن المشتري قد استحق حصة شريكه الآخر بسبب انتقالها بالبيع ، فالشريك كما يستحق الحصة المبيعة لغيره ، كذلك يستحق الحصة المبيعة لنفسه مع أن الثاني ليس بشفعة وهو مما يصدق عليه التعريف ، فلا يكون مانعا للأغيار.

(٤) أي الشأن والواقع.

(٥) أي يصدق التعريف على ما لو اشترى الشريك حصة شريكه مع أنه ليس بشفعة واقعا.

(٦) أي الحصة.

(٧) أي لغير الشريك أو له.

(٨) أي تعريف الشفعة بالاستحقاق كما يصدق على الأخذ بالشفعة يصدق على هذا البيع.

(٩) أي دفع الإشكال أن الشريك بعد بيع الحصة ليس بشريك بسبب زوال تلبس مبدأ الاشتراك عنه بعد البيع ، فهو بعد البيع ليس بشريك ، نعم قد كان شريكا.

(١٠) في تعريف الشفعة.

(١١) أي فعلا ولذا قال : حال شركته.

(١٢) ففي البيع لم يستحق الشريك حال شركته.

(١٣) لأنه لم يتحقق البيع

(١٤) وبعد البيع.

(١٥) أي الشريك الفعلي.

(١٦) ولذا يجب حمل الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة على الفعلية.

(١٧) فمع الارتفاع لا يكون شريكا إلا على القول بكون المشتق موضوعا للأعم.

٤٩٧

نظرا (١) إلى عدم اشتراط بقاء المعنى المشتق منه (٢) في المشتق.

نعم يمكن ورود ذلك (٣) مع تعدد الشركاء إذا اشترى أحدهم نصيب بعضهم مع بقاء الشركة في غير الحصة المبيعة ، ولو قيد (٤) المبيع بكونه لغير المستحق ، أو علّق الاستحقاق بتملك الحصة فقال : استحقاق الشريك تملك الحصة المبيعة إلى آخره (٥) سلم من ذلك (٦) ، لأن استحقاق التملك (٧) غير استحقاق الملك.

(ولا تثبت لغير) الشريك (الواحد) (٨) على أشهر القولين. وصحيح الأخبار

______________________________________________________

(١) تعليل للمنفي.

(٢) أي المبدأ.

(٣) أي النقض على التعريف بكونه غير مانع ، وهو الإشكال الثاني وحاصله ما لو تعدد الشركاء فإذا كانوا ثلاثة وباع أحدهم أحد الشريكين الباقيين فقد انتقلت حصة أحد الشريكين للآخر بسبب البيع ، مع أن هذا البيع ليس بشفعة ، والتعريف صادق عليه فلا يكون مانعا.

(٤) أي المصنف لو قال في تعريف الشفعة : استحقاق الشريك الحصة المبيعة لغيره في شركته لارتفع الإشكالان المتقدمان.

(٥) أي آخر ما ذكر في التعريف.

(٦) من الإشكالين السابقين.

(٧) بالشفعة غير استحقاق ملك الحصة بالبيع.

(٨) ذهب المشهور إلى عدم ثبوت الشفعة مع الزيادة على الشريكين ، للأخبار.

منها : صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا تكون الشفعة إلا لشريكين ما لم يتقاسما فإذا صاروا ثلاثة فليس لواحد منهم شفعة) (١) ومرسل يونس عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا كان الشي‌ء بين شريكين لا غيرهما فباع أحدهما نصيبه ، فشريكه أحق به من غيره ، فإن زاد على اثنين فلا شفعة لأحد منهم) (٢) ، وذهب ابن الجنيد إلى ثبوت الشفعة مطلقا ، وإن زاد الشركاء على اثنين ، لصحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في الدار بين قوم اقتسموها ، وأخذ كل واحد منها قطعة فبناها ، وتركوا بينهم ساحة ، فيها ممرهم ، فجاء رجل فاشترى نصيب بعضهم ، أله ذلك؟ قال عليه‌السلام : نعم ، ولكن يسدّ بابه ، ويفتح بابا إلى الطريق أو ينزل من فوق السطح ، فإن أراد

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من كتاب الشفعة حديث ١ و ٢.

٤٩٨

يدل عليه. وذهب بعض الأصحاب (١) إلى ثبوتها مع الكثرة ، استنادا إلى روايات (٢) معارضة بأقوى منها (وموضوعها) (٣) وهو المال الذي تثبت فيه على تقدير بيعه :

______________________________________________________

صاحب الطريق بيعه فإنهم أحق به وإلا فهو طريقه حتى يجلس على ذلك الباب) (١) ، وحسنة منصور بن حازم (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن دار فيها دور ، وطريقهم واحد في عرصة ، فباع بعضهم منزله من رجل ، هل لشركائه في الطريق أن يأخذوا في الشفعة؟ فقال عليه‌السلام : إن باع الدار وحوّل بابها إلى طريق غير ذلك فلا شفعة لهم ، وإن باع الطريق مع الدار فلهم الشفعة) (٢) ، وخبر السكوني عن جعفر بن محمد عليه‌السلام (الشفعة على عدد الرجال) (٣) وخبر طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (الشفعة على الرجال) (٤) وخبر عقبة بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالشفعة بين الشركاء) (٥) وهو جمع وأقله ثلاثة.

وذهب الصدوق إلى أن الشفعة تثبت للكثرة في الأرض ، ولا تثبت لغير الواحد من الشركاء في الحيوان ، لخبر عبد الله بن سنان (سألته عن مملوك بين شركاء ، وأراد أحدهم بيع نصيبه؟ قال : يبيعه ، قلت : فإنهما كانا اثنين فأراد أحدهما بيع نصيبه فلما أقدم إلى البيع قال لشريكه : أعطني ، قال : أحق به ثم قال : لا شفعة في حيوان إلا أن يكون الشريك فيه واحد) (٦) ، فهو مخصص بالعبد والحيوان ، وأما الأخبار المتقدمة الدالة على ثبوت الشفعة للأكثر من شريكين فهي واردة في الأراضي بعد حمل مطلقها على مقيدها.

هذا والأخبار المعارضة لقول المشهور محمولة على التقية لموافقتها العامة.

(١) وهو ابن الجنيد والصدوق ، ويكون إشارة إلى القولين الأخيرين.

(٢) بعضها صحيح.

(٣) أي موضوع الشفعة ، هذا واختلف الأصحاب في محل الشفعة من الأموال المنقولة بعد اتفاقهم على ثبوتها في العقار القابل للقسمة كالأرض والبساتين.

فأكثر المتقدمين وجماعة من المتأخرين على ثبوتها في كل منقول ، لمرسل يونس عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن الشفعة لمن هي؟ وفي أي شي‌ء هي؟ ولمن تصلح؟ وهل يكون في الحيوان شفعة؟ وكيف هي؟.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من كتاب الشفعة حديث ١ و ٢.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من كتاب الشفعة حديث ٥ وذيله.

(٥) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من كتاب الشفعة حديث ١.

(٦) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من كتاب الشفعة حديث ٧.

٤٩٩

(ما لا ينقل كالأرض والشجر) (١) إذا بيع منضما إلى مغرسه (٢) ، لا منفردا. ومثله

______________________________________________________

فقال عليه‌السلام : الشفعة جائزة في كل شي‌ء من حيوان أو أرض أو متاع ، إذا كان الشي‌ء بين شريكين لا غيرهما ، فباع أحدهما نصيبه فشريكه أحق به من غيره ، وإن زاد على اثنين فلا شفعة لأحد منهم) (١) ، ويعضده ما في خبر ابن سنان المتقدم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا شفعة في الحيوان إلا أن يكون الشريك فيه واحدا) (٢) ، وحسنة الغنوي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سألته عن الشفعة في الدور أشي‌ء واجب للشريك؟ ويعرض على الجار وهو أحق بها من غيره؟ فقال عليه‌السلام : الشفعة في البيوع إذا كان شريكا فهو أحق بها من غيره بالثمن) (٣) ، والأخير مطلق يشمل بيع المنقول وغيره.

وذهب مشهور المتأخرين إلى عدم ثبوت الشفعة إلا في غير المنقول مما يقبل القسمة عادة ، بل في التذكرة أنه المشهور استضعافا لمرسل يونس ، ولخبر جابر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (الشفعة في كل مشترك في أرض أو ربع أو حائط لا يصلح له أن يبيع حتى يؤذن شريكه فيأخذ أو يدع) (٤) ، وخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا شفعة في سفينة ولا في نهر ولا في طريق ولا في رحى ولا في حمام) (٥) ، وخبر سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (ليس في الحيوان شفعة) (٦) ، ومرسل الكافي (إن الشفعة لا تكون إلا في الأرضين والدور فقط) (٧) ومثلها غيرها.

(١) الشجر والأبنية إن بيعت مع الأرض التي هي فيها فلا إشكال في ثبوت الشفعة فيها تبعا للأرض لدخولها في عموم النص المتقدم الوارد بثبوت الشفعة في الربع والأرض ، وإن بيعت منفردة أو منضمة إلى أرض أخرى غير ما هي فيها فيبنى ثبوت الشفعة فيها وعدمه على القولين السابقين ، فمن عمّم أثبتها فيها ، ومن خصص موردها بالعقار لم يوجبها هنا ، لأنها لا تدخل منفردة ، وضم الشجر والبناء إلى غير أرضها لا ينفع لعدم التبعية للأرض المباعة.

(٢) اي الارض التي غرس فيها.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من كتاب الشفعة حديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من كتاب الشفعة حديث ٧.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من كتاب الشفعة حديث ١.

(٤) كنز العمال ج ٤ ص ٢ رقم الحديث ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من كتاب الشفعة حديث ١.

(٦) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من كتاب الشفعة حديث ٦.

(٧) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من كتاب الشفعة حديث ٣.

٥٠٠