الزبدة الفقهيّة - ج ٥

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٥
ISBN: 964-8220-36-0
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٦٠٠

والأقوى الرجوع فيه (١) إلى العرف ، فإن انتفى (٢) أو اضطرب فعلى المستأجر لأن الواجب على المؤجر إنما هو العمل ، لأن ذلك (٣) هو المقصود من إجارة العين ، أما الأعيان فلا تدخل في مفهوم الإجارة على وجه يجب اذهابها لأجلها (٤) ، إلا في مواضع نادرة تثبت على خلاف الأصل كالرضاع ، والاستحمام. ومثله (٥) الخيوط للخياطة (٦) ، والصبغ للصباغة ، والكش (٧) للتلقيح ، (وكذا يجب) على المؤجر (المفتاح في الدار) (٨)،

______________________________________________________

(١) فيما يتوقف استيفاء المنفعة عليه.

(٢) أي العرف ولا عادة في البين.

(٣) أي العمل.

(٤) أي يجب إذهاب الأعيان لأجل الإجارة ، لأنه قد قصد من عقد الإجارة خصوص العمل ، وبما أن العمل متوقف على أعيان خارجية ، فالأصل أن تكون على المستأجر إلا في مواضع فتكون على المؤجر ، وهذه المواضع هي الإرضاع والاستحمام.

أما الأول كمن يستأجر امرأة على إرضاع ولده ، فالإجارة قد وقعت على نفس العمل أعني المراضعة والإرضاع ، وهذا العمل متوقف على عين خارجية وهي اللبن ، وبما أن اللبن داخل في مفهوم الإرضاع الذي هو مورد للإجارة فيجب اللبن على الأجير لدخوله في مفهوم الإجارة دون المستأجر.

وأما الثاني كمن يوقع عقد إجارة بينه وبين صاحب الحمام لينتفع بالحمام بالاستحمام فيه ، والاستحمام متوقف على الماء ، فالماء داخل هنا في مفهوم الإجارة فيجب على صاحب الحمام المؤجر دون المستأجر.

(٥) أي مثل ما ذكر من الإرضاع والاستحمام.

(٦) فهي على الأجير دون المستأجر.

(٧) بالضم وهو الغبار الذي يؤخذ من ذكور النخل ليوضع في إناثها ، ففي هذه الأمور الثلاثة فالخيوط والصبغ والكش على الأجير لدخولها في مفهوم الإجارة بخلاف الباقي فالأعيان المتوقف عليها العمل هي على المستأجر ، وإن كان في الثلاثة الأخيرة إشكال واضح لعدم دخول الخيوط والصبغ والكش في مفهوم الإجارة بعد كون العقد قد قصد منه العمل فقط ، والعرف غير قاض بكونها على الأجير ، ولو جعل العرف هو الحاكم لكان متينا.

(٨) المراد به مفتاح الفلق ، والفلق هو القفل الثابت في الباب ، فكما يجب على المؤجر تسليم الدار ، ومن توابعها الفلق فيجب عليه تسليم الفلق ، ومن توابع الفلق مفتاحه فيجب

٤٤١

لأنه (١) تابع للغلق المثبت الذي يدخل في الإجارة ، بل هو (٢) كالجزء منه (٣) وإن كان (٤) منقولا ، ومن شأن المنقول أن لا يدخل في إجارة العقار الثابت. وأما مفتاح القفل فلا يجب تسليمه كما لا يجب تسليم القفل ، لانتفاء التبعية عرفا.

(السابعة ـ لو اختلفا في عقد الإجارة حلف المنكر) لها (٥) ، سواء كان هو المالك أم غيره ، لأصالة عدمها.

ثم إن كان النزاع قبل استيفاء شي‌ء من المنافع رجع كل مال إلى صاحبه (٦) ، وإن كان (٧) بعد استيفاء شي‌ء منها (٨) ، أو الجميع (٩) الذي يزعم من يدعي وقوع الإجارة أنه (١٠) متعلق العقد وكان المنكر (١١)

______________________________________________________

عليه وهذا بخلاف مفتاح القفل والقفل هو القفل المنقول دون الثابت فلا يجب تسليمه ولا تسليم مفتاحه لانتفاء التبعية بينه وبين الدار لكونه منقولا.

(١) أي المفتاح.

(٢) أي المفتاح.

(٣) من الفلق.

(٤) أي المفتاح.

(٥) للإجارة ، لو تنازعا في أصل الإجارة فالقول قول منكرها مع يمينه ، كما في كل منكر ، لأصالة عدم وقوعها ، سواء كان المنكر هو المالك أم المستأجر ، بلا خلاف ولا إشكال.

(٦) بحيث كانت العين تحت يد غير مالكها ، وكان لهذا الغير مال تحت يد المالك ، فادعى المالك الإجارة وأن هذا المال عوض ، وأنكر الآخر وأن تقديم الدار كان تبرعا فترجع الدار إلى مالكها ويرجع المال إلى صاحبه.

(٧) أي النزاع المذكور.

(٨) من المنافع.

(٩) أي جميع المنافع بحيث من يدعي الإجارة يدعيها لسنة ، والدار هي تحت يد الطرف الآخر سنة فلو ثبتت الإجارة لكان المستأجر قد استوفى جميع منافعه منها.

(١٠) أي الجميع الذي استوفاه غير المالك.

(١١) وعلى هذا التقدير الأخير من كون النزاع بعد استيفاء المنافع أو بعضها فتارة يكون المالك مدعيا للإجارة وأخرى يكون المستأجر.

وعلى الثاني فالمالك منكر فيحلف وتنتفي الإجارة ، ثم لو أنكر المالك الاذن في التصرف في العين أيضا كما أنكر الإجارة فيحلف على عدم الاذن وله أجرة مثل المنافع المستوفاة

٤٤٢

المالك ، فإن أنكر مع ذلك (١) الإذن في التصرف وحلف (٢) استحق (٣) أجرة المثل (٤) ، وإن زادت عن المسمى بزعم الآخر (٥) ، ولو كان المتصرف يزعم تعينها (٦)

______________________________________________________

من العين ، وعليه فهذه الأجرة أما مساويه للمسمى في العقد الذي انتفى وإما أزيد وإما أقل.

فإن كانت مساوية فلا كلام ، فله تمام أجرة المثل ، وإن كانت أزيد فإمّا أن يكون قد قبض المسمى أو لا ، فإن قبض المسمى فله حق المطالبة بالزيادة ، وإن لم يقبض فله حق المطالبة بالمثل بما فيه الزيادة عن المسمى.

وإن كانت أجرة المثل أنقص من المسمى فتارة يكون المسمى مقبوضا وأخرى لا يكون مقبوضا ، فمع قبض المسمى يجب على المالك رد الزيادة لاعترافه بعدم استحقاقه الزائد من المسمى عن المثل ، لأنه منكر للإجارة ، وإن كان لا يجوز لخصمه طلب هذه الزيادة منه ، لأن الخصم معترف بكون المالك مستحقا لها ، لأنه معترف بالمسمى وأنه للمالك عند دعواه الإجارة.

ومع عدم قبض المسمى فليس للمالك طلب الزيادة ، لأنه غير مستحق لها ، وإن وجب على الخصم إيصالها إليه بطريق من الطرق الشرعية.

وأما على الأول من كون المالك مدعيا للإجارة وخصمه المنكر فسيأتي.

(١) مع إنكاره الإجارة.

(٢) أي حلف المالك ، وظاهره أنه عليه حلف واحد ، مع أنه قد عرفت لا بدّ من حلفين ، واحد لنفي الإجارة وآخر لنفي الاذن في التصرف ، لأنه إذا انتفت الإجارة وثبت الاذن في التصرف فلا يستحق أجرة المثل ، فإثبات أجرة المثل متوقف على حلفين منه.

(٣) أي المالك.

(٤) وهذا في صورة مساواة المثل للمسمى.

(٥) متعلق بقوله (المسمى) وهذه هي الصورة الثانية ، وكلامه يشمل الصورة الثالثة أيضا مع أنك قد عرفت أنه في الثالثة لا يستحق من أجرة المثل إلا بمقدار المسمى.

(٦) أي تعين أجرة المسمى ، بحيث يدعي الإجارة ويدعي أن أجرتها معينة ، وما تقدم كان في دعواه الأجرة على نحو كلي في الذمة.

وعليه فأجرة المسمى إما أن تكون من النقد الغالب أو لا ، وعلى الأول يجب على المالك أخذ المسمى المتعين في النقد الغالب على التفصيل المتقدم ، بحيث لو ساوى المسمى أجرة المثل فهو ، وإن نقص المسمى عن المثل فيجب أخذ المسمى وعلى المتصرف الزيادة حتى يساوي المثل ، وإن زاد المسمى فيجب على المالك رد الزيادة وإن لم يجز للمتصرف طلبها هذا كله إذا كانت مقبوضة ، ومع عدم القبض لا يجوز للمالك طلب الزيادة عن المثل من

٤٤٣

في مال مخصوص وكان (١) من جنس النقد الغالب لزم المالك قبضه عن أجرة المثل فإن ساواها (٢) أخذه ، وإن نقص (٣) وجب على المتصرف الإكمال ، وإن زاد (٤) صار الباقي مجهول المالك (٥) ، لزعم المتصرف استحقاق المالك وهو (٦) ينكر ، وإن كان (٧) مغايرا له ، ولم يرض المالك به (٨) وجب عليه (٩) الدفع من الغالب ، وبقي ذلك (١٠) بأجمعه مجهولا ، ويضمن العين (١١) بانكار الإذن (١٢) ، ولو اعترف به (١٣) فلا ضمان.

وإن كان المنكر المتصرف (١٤)

______________________________________________________

المسمى ولا بدّ للمتصرف من إيصالها إليه بطريق من الطرق الشرعية.

وعلى الثاني سيأتي بحثه.

(١) أي المال المخصوص.

(٢) أي ساوى المتعين لأجرة المثل.

(٣) أي نقص المتعين عن أجرة المثل.

(٤) أي زاد المتعين عن أجرة المثل.

(٥) فما زاد من المتعين لا يجوز للمالك قبضه لاعترافه بعدم استحقاقه لكونه منكرا للإجارة ، ويجب على المتصرف دفعه لاعترافه بكونه للمالك لأن المتصرف يدعي الإجارة وأن المتعين أجرتها ، فمن هنا صار الزائد مجهول المالك.

(٦) أي المالك ينكر استحقاقه للزائد بإنكاره لأصل الإجارة.

(٧) أي كان المسمى المتعين في مال مخصوص بحسب زعم المتصرف مغايرا للنقد الغالب وهو الشق الثاني المتقدم ، فعلى المتصرف الدفع من الغالب بمقدار أجرة المثل ، ويبقى المسمى المتعين مجهولا لأن المتصرف معترف بكونه للمالك فيخرج عنه ، ولا يجوز للمالك قبضه لأنه معترف بعدم استحقاقه له.

(٨) بالمعين بدلا عن أجرة المثل.

(٩) أي على المتصرف أن يدفع من الغالب بمقدار أجرة المثل.

(١٠) أي المتعين.

(١١) أي يضمن المتصرف العين لأن المالك منكر للإجارة ومنكر للاذن ، فيد المتصرف على العين يد عدوان وضمان ، نعم لو اعترف المالك بالاذن وإن أنكر الإجارة فلا ضمان.

(١٢) من قبل المالك.

(١٣) أي لو اعترف المالك بالاذن فلا ضمان على المتصرف.

(١٤) هذا هو الشق الأول من كون النزاع بين المالك وخصمه بعد استيفاء المنافع ، وهو ما لو

٤٤٤

وحلف وجب عليه (١) أجرة المثل ، فإن كانت (٢) أزيد من المسمى بزعم المالك (٣) لم يكن له (٤) المطالبة به إن كان دفعه ، لاعترافه باستحقاق المالك له ووجب عليه دفعه (٥) إن لم يكن دفعه ، وليس للمالك قبضه (٦) لاعترافه بأنه لا يستحق أزيد من المسمى ، وإن زاد المسمى عن أجرة المثل كان للمنكر المطالبة بالزائد إن كان دفعه (٧) ، وسقط (٨) ان لم يكن ، والعين ليست مضمونة عليه (٩) هنا (١٠) ، لاعتراف المالك بكونها أمانة بالإجارة.

______________________________________________________

كان المالك مدعيا للإجارة والمتصرف منكرا ، فيحلف المتصرف وتنتفي الإجارة إلا أنه على المتصرف أجرة المثل عن المنافع المستوفاة من العين ، لأن المالك لم يقدمها بنية التبرع ، بل في قبال أجرة المسمى ولم تسلم له. ثم إن أجرة المثل إما أن تكون مساوية للمسمى في العقد وإما أزيد وإما أقل ، وعلى الأول لا كلام في أن تمام أجرة المثل للمالك ، وعلى الثاني بأن كانت أجرة المثل أزيد فلا يخلو الأمر إما أن يكون المسمى قد قبضه المالك أولا ، فمع قبضه يجب على المتصرف دفع الزائد من المثل عن المسمى ، لاعترافه باستحقاق المالك الأجرة المثل بالغا ما بلغت ، لأنه منكر للإجارة ، ومع عدم القبض فيجب على المتصرف دفع المثل بما فيه الزيادة عن المسمى ، لاعترافه باستحقاق المالك لتمام المثل ، إلا أن المالك لا يجوز له طلب الزيادة ، لأنه معترف بعدم استحقاقه إلا بمقدار المسمى.

وعلى الثالث بأن كانت أجرة المثل أنقص ، فإن كانت أجرة المسمى مقبوضة من المالك فيجب على المالك ، الزيادة من المسمى ، لثبوت بطلان الإجارة ظاهرا بسبب حلف المتصرف ، وإن كان المسمى غير مقبوض من المالك فلا يجب على المتصرف الدفع إلا بمقدار المثل لبطلان الإجارة ظاهرا فلا مسمى ولا يثبت على المتصرف إلا أجرة مثل المنافع المستوفاة.

(١) على المتصرف.

(٢) أي أجرة المثل.

(٣) متعلق بقوله (المسمى).

(٤) أي المتصرف فلا يجوز له المطالبة بالزائد إن كان قد دفع الزائد.

(٥) أي ووجب على المتصرف دفع الزائد إن لم يكن قد دفعه.

(٦) أي قبض الزائد ، لأن المالك معترف بأنه لا يستحق أزيد من المسمى.

(٧) أي على تقدير قبض المالك للمسمى.

(٨) أي وسقط الزائد عن المتصرف فلا يدفع إلا بمقدار المسمى لاعتراف المالك بعدم استحقاقه للزائد عن المسمى لدعواه الإجارة.

(٩) أي على المتصرف لاعتراف المالك بكون العين أمانة بالإجارة.

(١٠) فيما لو ادعى المالك الإجارة وقد أنكرها المتصرف.

٤٤٥

(ولو اختلفا في قدر الشي‌ء المستأجر) (١) بفتح الجيم وهو العين المستأجرة ، بأن قال : آجرتك البيت (٢) بمائة ، فقال : بل الدار أجمع بها (٣) (حلف النافي) ، لأصالة عدم وقوع الإجارة على ما زاد عما اتفقا عليه. وقيل : يتحالفان وتبطل الإجارة ، لأن كلا منهما مدع ومنكر ، (وفي ردّ العين (٤) حلف المالك) ، لأصالة عدمه ، والمستأجر قبض لمصلحة نفسه فلا يقبل قوله فيه (٥) مع مخالفته للأصل.

(وفي هلاك (٦) المتاع المستأجر عليه حلف الأجير) ، لأنه أمين ، ولإمكان

______________________________________________________

(١) فقال المستأجر : آجرتني الدار بمائة ، فقال المالك : بل آجرتك نصفه أو الجانب الفلاني منه أو الغرفة الفلانية منه بمائة ، فالقول قول منكر الزيادة ، وهو المالك غالبا ، لأصالة عدم وقوع الإجارة على ما زاد عما اتفقا عليه.

وقال الشارح في المسالك : وربما قيل بالتحالف ، وقال في الجواهر : واحتمال التحالف لأن كلا منهما مدع ومنكر ضعيف ، لأن ضابط التحالف عدم اتفاقهما على شي‌ء في مورد العقد ، كأن يقول المستأجر : الإجارة على البيت بمائة ، فيقول المالك : بل الإجارة على البستان بمائة ، وأما في مسألتنا فقد اتفقا على شي‌ء أنه مورد العقد واختلفا في الزائد فيقدم قول المنكر.

(٢) البيت هو غرف الدار ، والدار هو البيت مع الساحة.

(٣) بالمائة.

(٤) بأن قال المستأجر : رددت العين ، فأنكر المالك ، حلف المالك لأنه منكر بحسب ظاهر قوله ، ولأصالة عدم الرد.

قد قبل قول الودعي في رد الوديعة فليقبل قول المستأجر هنا في الرد.

قبول قول الودعي هناك للنص بكونه أمينا ، ولأنه قبض لمصلحة المودع ، بخلاف المستأجر فقد قبض لمصلحة نفسه.

(٥) أي لا يقبل قول المستأجر في الرد.

(٦) لو ادعى الصانع هلاك المتاع عنده من غير تفريط ولا تعدي ، وأنكر المالك. فالمشهور أن الصانع يكلف بالبينة ، ومع عدمها يحلف المالك ويضمّن الصانع ، للأخبار.

منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سئل عن رجل جمّال استكرى منه إبلا ، وبعث معه بزيت إلى أرض فزعم أن بعض زقاق الزيت انخرق فأهراق ما فيه؟ فقال : إن شاء أخذ الزيت ـ إلى أن قال ـ ولكن لا يصدق إلا ببينة عادلة) (١) ومثله غيره وقيل يقدم

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الإجارة حديث ١.

٤٤٦

صدقه فيه (١) ، فلو لم يقبل قوله فيه (٢) لزم تخليده في الحبس (٣) ، ولا فرق بين دعواه تلفه بأمر ظاهر كالغرق ، أو خفي كالسرق (٤).

(وفي كيفية الاذن) في الفعل (كالقباء ، والقميص) (٥) بأن قطعه الخياط قباء فقال المالك : أمرتك بقطعه قميصا (حلف المالك) ، لأنه منكر لما يدعيه الخياط من التصرف في ماله ، والأصل عدم ما يدعيه الخياط من الاذن ، ولقبول قول المالك

______________________________________________________

قول الصانع مع يمينه كما عليه جماعة منهم الشيخ وابن إدريس والعلامة ، بل في السرائر أنه الأظهر في المذهب وعليه العمل للأخبار.

منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سألته عن الصّباغ والقصار فقال : ليس يضمنان) (١) ، وخبر بكر بن حبيب (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أعطيت جبّة إلى القصّار فذهبت بزعمه ، فقال : إن اتهمته فاستحلفه ، وإن لم تتهمه فليس عليه شي‌ء) (٢) ومثلها غيرها من الأخبار ، وقد ادعى الشيخ إجماع الفرقة وأخبارهم على هذا القول.

(١) في الهلاك فيصدق لأنه أمين.

(٢) في الهلاك.

(٣) لأنه لو لم يقبل قوله فيه ، وقبل قول خصمه للمكلّف بالرد ، ولو كان تالفا واقعا لاستحال عليه الرد ، ولو استحال لكان غير مؤد لحقوق الناس فيجب حبسه ، وبما أنه يستحيل الرد مطلقا فيلزم تخليده في السجن.

(٤) خلافا للشافعي حيث فرّق بينهما ، ففي الظاهر كلّفه بالبينة ، وفي الخفي اكتفى منه باليمين.

(٥) فلو قطع الخياط الثوب قباء مدعيا الاذن من المالك ، فقال المالك لم آمرك بذلك ، وإنما أمرتك بقطعه قميصا.

فقيل : القول قول المالك مع يمينه على المشهور ، لأن قول المالك مقدم في أصل الاذن عند وقوع الخلاف فكذا يقدم في صنعة الاذن عند الاختلاف ، ولأن الخياط يدعي التصرف المسقط للضمان بالاذن على الوجه القبائي ، والمالك ينكر ذلك.

وقيل : وهو للشيخ في الخلاف ووكالة المبسوط يقدم قول الخياط ، لأن المالك بدعواه يدعي على الخياط الأرش ، والخياط بنكر ، والأصل عدم الأرش.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الإجارة حديث ١٤ و ١٦.

٤٤٧

في أصل الاذن ، وكذا في صفته ، لأن مرجع هذا النزاع إلى الاذن على وجه مخصوص.

وقيل : يحلف الخياط لدعوى المالك عليه ما يوجب الارش ، والأصل عدمه (١).

وعلى المختار (٢) إذا حلف المالك يثبت على الخياط ارش الثوب ما بين كونه مقطوعا قميصا وقباء ولا أجرة له على عمله ، وليس له فتقه (٣) ليرفع ما أحدثه من العمل إن كانت الخيوط للمالك ، إذ لا عين له (٤) ينزعها ، والعمل ليس بعين وقد صدر عدوانا ظاهرا.

ولو كانت الخيوط للخياط فالأقوى أن له نزعها كالمغصوب.

______________________________________________________

(١) عدم الأرش.

(٢) من تقديم قول المالك مع يمينه ، فإذا حلف المالك فلا أجرة للخياط على عمله ، لأنه عمل من غير إذن المالك ، وعلى الخياط أرش الثوب ما بين كونه مقطوعا قميصا وبين كونه مقطوعا قباء ، لأنه مأذون بالقطع القميصيّ ، وما زاد عنه إلى القطع القبائي لا إذن فيه فيتحمل أرشه.

(٣) أي وليس للأجير فتق الثوب القبائي لو أراد رفع ما أحدثه من العمل ، وهو القبائية إذا كانت الخيوط من المالك ، إذ ليس للخياط عين يمكن انتزاعها ولا يمكن انتزاع العمل لأنه ليس بعين ، فهو كما لو نقل متاع الغير من مكان إلى آخر عدوانا فليس له رده إلى محله الأول إلا بطلب من المالك.

ولو كان الخيوط من الأجير ففيه وجهان :

الأول : جواز أخذها ، لأنها عين ماله وهي باقية والناس مسلطون على أموالهم ، وعدوانه لا يسقط حرمة ماله.

الثاني : لا يجوز الأخذ ، لأن الأخذ يستلزم التصرف في مال الغير ، ولأن الخياط يدعي أن الخيوط ملك للمالك تبعا للعمل القبائي الذي يدعيه الخياط ، ويدعي أن المالك قد ظلمه بالإنكار.

وفيه : إن نزع الخيوط وإن استلزم تصرفا في مال الغير ، فإن أحدث نقصا في العين فيجبر بالأرش ، وأما دعوى الخياط أن الخيوط للمالك تبعا للعمل القبائي فهو يدعي ذلك بعقد وقد انفسخ ظاهرا بحلف المالك.

(٤) للأجير.

٤٤٨

ووجه المنع (١) استلزامه التصرف في مال الغير ، ولو طلب المالك أن يشد في طرف كل خيط منها (٢) خيطا لتصير خيوطه (٣) في موضع خيوط الخياط إذا سلها (٤) لم يجب اجابته ، لأنه (٥) تصرف في مال الغير يتوقف على إذنه (٦) ، كما لا يجب عليه (٧) القبول لو بذل له المالك قيمة الخيوط (٨).

(وفي قدر الأجرة حلف المستأجر) (٩) ، لأصالة عدم الزائد ، وقيل : يتحالفان كما لو اختلفا في قدر المستأجر ، لأن كلا منهما مدع ومنكر. وهو ضعيف ، لاتفاقهما على وقوع العقد ، ومقدار العين ، والمدة ، وإنما تخالفا على القدر الزائد عما يتفقان عليه فيحلف منكره.

______________________________________________________

(١) أي منع نزع الخيوط.

(٢) من خيوط الخياط.

(٣) أي خيوط المالك.

(٤) أي سلها الخياط.

(٥) أي شد خيط المالك بخيط الخياط.

(٦) أي أذن الغير وهو الخياط هنا.

(٧) على الخياط.

(٨) لأن الناس مسلطون على أموالهم فلا يجبرون على البيع.

(٩) لو قال المستأجر : الأجرة خمسون ، فقال المالك : إنها مائة ، قدم قول المستأجر مع يمينه ، لأنه منكر للزيادة بعد أصالة عدم وقوع الزيادة.

وقيل : بالتحالف ، ولم يعلم قائله ، ووجهه أن كلا منهما مدع ومنكر ، وهو ضعيف ، لأن مورد التحالف ما لو لم يتفقا على شي‌ء من الأجرة ، وهنا قد اتفقا على قدر معين واختلفا في الزائد فيقدم قول منكره وبه تم بحث الإجارة ، ولله الحمد أولا وآخرا.

٤٤٩
٤٥٠

كتاب الوكالة

٤٥١
٤٥٢

(كتاب الوكالة)

«الوكالة» (١) بفتح الواو وكسرها (وهي استنابة في التصرف) بالذات (٢) ، لئلا يرد الاستنابة في نحو القراض ، والمزارعة ، والمساقاة ، وخرج بقيد الاستنابة الوصية بالتصرف ، فإنها إحداث ولاية ، لا استنابة ، وبالتصرف الوديعة ، فإنها استنابة في الحفظ خاصة ، وتفتقر إلى إيجاب وقبول (٣) ، لأنها من جملة العقود وإن كانت جائزة.

______________________________________________________

(١) قال في مصباح المنير : (وكّلته توكيلا فتوكل قبل الوكالة ، وهي بفتح الواو ، والكسر لغة) انتهى ، وهي لغة التفويض ، وقد عرفت شرعا بأنها (الاستنابة في التصرف) ، فالاستنابة بمنزلة الجنس يشمل الأمانات المالكية كالوديعة والعارية والقراض ونحوها مما فيها قبض بإذن المالك. نعم بقيد (الاستنابة) تخرج الوصية ، فالوصية بالتصرف إحداث ولاية على العين لا استنابة عن المالك بالتصرف.

وبقيد (في التصرف) تخرج الوديعة ، فهي استنابة في الحفظ خاصة ، ومع هذا تبقى المزارعة والمساقاة والقراض مندرجة في التعريف ، ويمكن إخراجها بزيادة قيد (بالذات على التعريف ، لأن الاستنابة في التصرف في هذه المذكورات ضمنية ، لأن المقصود بالذات منها هو العمل زرعا أو مسقيا سقيا أو ربحا.

ويبقى إشكال وهو أن المتبادر من التعريف المتقدم خصوص الاستنابة في التصرف الفعلي دون القولي ، مع أن الوكالة تصح في الأفعال والأقوال ، ولذا ذهب بعضهم إلى تعريفها بأنها (عقد يفيد نيابة الغير في شي‌ء).

(٢) قيد لإخراج القراض والمزارعة والمساقاة.

(٣) لما كانت الوكالة معاملة بين شخصين فهي عقد مؤلف من إيجاب وقبول.

٤٥٣

(وإيجابها (١) وكلتك ، أو استنبتك ،) أو ما شاكله من الألفاظ الدالة على الاستنابة في التصرف ، وإن لم تكن على نهج الألفاظ المعتبرة في العقود (٢) ، (أو الاستيجاب والإيجاب (٣) كقوله : وكلني في كذا ، فيقول : وكلتك ، (أو الأمر)

______________________________________________________

(١) لما كانت الوكالة من العقود الجائزة كما سيأتي فيصح إيقاع إيجابها وقبولها بكل لفظ دال عليهما ، ولا تخصيص للألفاظ الصريحة كما هو مبنى القوم في العقود الجائزة.

بل ولا تشترط الماضوية في الإيجاب لخبر عروة البارقي عند ما قال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (اشتر لنا شاة بدينار فذهب واشترى شاتين بدينار) (١) وهو دال على إنشاء الإيجاب بالأمر بالتصرف ، ودال على تحقق القبول بالرضا الفعلي لا القولي ، ولذا توسعوا في عقد الوكالة بالخصوص ما لم يتوسعوا في غيره من العقود الجائزة ، فذهبوا إلى أن الإيجاب يتحقق بالماضي كقوله : وكّلتك ، وبالأمر (كن وكيلي أو اشتر لي كذا وكذا) ، بل لو قال الموكل : نعم عقيب الاستفهام التقريري من الوكيل : كوكلتني في كذا فقال الموكل نعم : لكفى في الإيجاب.

وذهبوا إلى أن القبول يتحقق باللفظ الماضي (قبلت) ، وبكل لفظ يدل على الرضا بالإيجاب وإن لم يكن ماضويا ، وبالفعل الدال على الرضا بالإيجاب ، وقال العلامة في التذكرة : (والأصل في ذلك أن الذين وكّلهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم ينقل عنهم سوى امتثال أمره) انتهى ، فضلا عن دلالة خبر عروة البارقي المتقدم عليه ، وهذا كله مما لا خلاف فيه كما في الرياض.

ولكن قد عرفت أكثر من مرة كفاية كل ما عليه العرف في إنشاء الإيجاب والقبول ولو كان العقد لازما ، ولذا يصح الإنشاء بالماضي وبالأمر وبالجملة الاسمية ، وبالقول المجاز وبالفعل ، ولا خصوصية للوكالة في هذا.

ثم لا إشكال ولا كلام في مشروعية الوكالة ، ولعلها من ضروريات الدين كما في الجواهر ، ويدل عليه فضلا عن النصوص الكثيرة قوله تعالى : (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هٰذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهٰا أَزْكىٰ طَعٰاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ) (٢).

(٢) أي وإن لم تكن بصيغ الماضي.

(٣) أي يكفي الاستيجاب من الوكيل والإيجاب من الموكل ، بمعنى تأخر الإيجاب والاكتفاء عن القبول بالاستيجاب كقوله : وكّلني في كذا فقال : وكلتك.

__________________

(١) المغني لابن قدامة ج ٥ ص ٤٥.

(٢) سورة الكهف ، الآية : ٢٠.

٤٥٤

(بالبيع ، والشراء (١) كما دل عليه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعروة البارقي : اشتر لنا شاة.

(وقبولها قولي) كقبلت ، ورضيت ، وما أشبهه (٢) ، (وفعلي) كفعله (٣) ما أمره بفعله ، (ولا يشترط فيه) أي في القبول (الفورية) (٤) بل يجوز تراخيه عن الإيجاب وإن طالت المدة (٥) ، (فإن الغائب يوكل) والقبول (٦) متأخر ، وكأن جواز توكيل الغائب موضع وفاق فلذا جعله شاهدا على الجواز ، وإلا (٧) فهو فرع المدّعى.

(ويشترط فيها التنجيز (٨) فلو علّقت على شرط متوقع (٩) كقدوم المسافر ، أو صفة مترقبة (١٠) كطلوع الشمس لم يصح (١١).

وفي صحة (١٢)

______________________________________________________

(١) أي يكفي في الإيجاب الأمر بالفعل الذي يريد أن يوكله فيه.

(٢) من الألفاظ الدالة على الرضا بالإيجاب وإن لم تكن بالماضي.

(٣) أي كفعل الوكيل ما أمره الموكل بفعله.

(٤) فلو صدر الإيجاب من الموكل وبعد سنة قبل الوكيل صح عقد الوكالة ، وعن تذكرة العلامة أنه إجماعي ، واستدل بعضهم عليه بجواز توكيل الغائب ، ولا بدّ أن يتأخر قبوله لأنه غائب عن بلد الموكل.

وردّ بأنه مستلزم للدور ، لأن جواز توكيل الغائب فرع تراخي القبول عن الإيجاب ، فلو كان تراخي القبول متوقفا على جواز توكيل الغائب للزم الدور.

وأجيب بأننا نستدل على جواز التراخي في مطلق القبول بالإجماع ، والدليل على صحة وقوع الإجماع إجماعهم على صحة توكيل الغائب إذ لا خصوصية في قبول الغائب.

(٥) إلى سنة.

(٦) الواو حالية.

(٧) وإن لم يجعله شاهدا بل دليلا للزم منه الدور.

(٨) شرط الوكالة أن تقع منجزة بلا خلاف فيه ، فلو علّقها على شرط لبطلت ، لأن التعليق مناف للجزم في إرادة المعنى من اللفظ عند الإنشاء ، مع أنه يشترط في العقود الجزم الفعلي للمعنى حتى يتحقق الإنشاء.

(٩) وهو ما يمكن وقوعه وعدمه.

(١٠) وهي ما كان وجودها في المستقبل محقّقا.

(١١) أي التعليق فتبطل الوكالة.

(١٢) قد تقدم بطلان الوكالة لو علقت على شرط متوقع أو صفة مترقبة ، فإذا تصرف الوكيل

٤٥٥

التصرف بعد حصول الشرط (١) ، أو الصفة (٢) بالإذن الضمني قولان منشأهما : كون الفاسد (٣) بمثل ذلك (٤) إنما هو العقد ، أما الإذن الذي هو مجرد إباحة تصرف فلا (٥) ، كما لو شرط في الوكالة عوضا مجهولا فقال : بع كذا على أن لك العشر من ثمنه فنفسد الوكالة ، دون الإذن ولأن الوكالة (٦) أخص من مطلق الإذن ، وعدم الأخص (٧) أعم (٨) من عدم الأعم (٩) ، وأن الوكالة (١٠) ليست أمرا

______________________________________________________

بعد فساد العقد ، فهل يصح تصرفه كما عن العلامة في التذكرة ، لأن فساد العقد لا يوجب فساد الاذن الضمني للتصرف ، إذ الاذن بالتصرف أعم من العقد ، وبطلان الخاص لا يدل على بطلان العام ، ولذا لو قال : بع كذا بعوض مجهول على أن لك العشر من ثمنه ، تبطل الوكالة ولكن إذا باع صح الشرط لوجود الاذن في البين. أو لا يصح تصرفه ، لأن الاذن وإن كان أعم من الوكالة ، إلا أن الاذن الضمني بالتصرف ليس بأعم بل هو مساو ، فانتفاء الوكالة انتفاء للاذن حينئذ.

وأما ما استدل به من التنظير ليس في محله ، لأن الجعل المشروط بأن له العشر من ثمنه ليس جزءا من الوكالة ، وإنما هو شرط زائد عليها ، لصحة الوكالة بدون هذا الشرط.

وإذا تقرر ذلك فبطلان الوكالة في العوض المجهول مستلزم لبطلان الاذن الضمني فيها ، ويبقى الجعل على حاله ومن ضمنه الاذن الحاصل فيه ، فلو باع بعد بطلان الوكالة كان له العشر من الثمن لوجود الاذن في الجعل.

(١) أي الشرط المتوقع.

(٢) أي الصفة المتوقعة ومعهما تبطل الوكالة فهل يصح التصرف من الوكيل بالاذن الضمني حينئذ.

(٣) دليل الصحة.

(٤) أي بمثل الشرط والصفة عند ما علقت الوكالة عليهما.

(٥) لكون الاذن أعم من العقد.

(٦) دليل ثان للصحة إلا أنه راجع للأول فلا تغفل.

(٧) تتمة للدليل الثاني ، والمراد من عدم الأخص هو عدم الوكالة وبطلانها.

(٨) أي لا يلازم.

(٩) أي عدم الاذن ، فلا يكون بطلان الوكالة الذي هو عدم الأخص مستلزما لعدم الاذن الذي هو عدم الأعم ، لاحتمال بطلان الوكالة مع بقاء الاذن.

(١٠) دليل عدم الصحة.

٤٥٦

زائدا على الإذن (١) ، وما يزيد عنه (٢) من مثل الجعل أمر زائد عليها (٣) ، لصحتها بدونه (٤) ، فلا يعقل فسادها مع صحته (٥).

(ويصح تعليق التصرف (٦) مع تنجيز الوكالة ، بأن يقول : وكلتك في كذا ، ولا تتصرف إلا بعد شهر. لأنه (٧) بمعنى اشتراط أمر سائغ زائد على أصلها (٨) الجامع (٩) لشرائطها (١٠) التي من جملتها (١١) التنجيز وإن كان (١٢) في معنى التعليق (١٣) ، لأن العقود المتلقاة من الشارع منوطة بضوابط فلا تقع بدونها (١٤) ، وإن أفاد فائدتها (١٥).

______________________________________________________

(١) أي الاذن الضمني فيها ، بل هما متساويان.

(٢) أي ما يزيد عن الاذن الضمني ، وفي هذا رد على التنظير المتقدم.

(٣) على الوكالة.

(٤) أي لصحة الوكالة بدون الجعل ، وهذا تعليل لزيادة الجعل على الوكالة.

(٥) أي لا يعقل فساد الوكالة مع صحة الاذن الضمني فيها.

(٦) كأن يقول : وكلتك في كذا ، ولا تتصرف إلا بعد شهر مثلا ، فالوكالة منجزة غير معلّقة ، وإن كان التصرف فيها معلّقا ، ومع تنجز الوكالة فلا بد من صحة عقدها ، والتصرف الذي علّق هو شرط زائد على أصل الوكالة المنجزة ، وله حق الشرط حتى لو كان الشرط هو تعليق التصرف بعد صحة الوكالة ، وهذا مما لا خلاف فيه.

(٧) أي تعليق التصرف.

(٨) أصل الوكالة.

(٩) صفة للأصل.

(١٠) أي شرائط الوكالة الصحيحة.

(١١) أي من جملة الشرائط.

(١٢) أي تعليق التصرف.

(١٣) أي تعليق الوكالة ، والمعنى أن تنجز الوكالة وتعليق التصرف وإن كان في معنى تعليق الوكالة إلا أن العقود لما كانت متلقاة من الشارع نيطت بهذه الضوابط التي من جملتها عدم تعليق العقود ، وتبطل إذا تجردت عنها ، وإن أفاد العقد الفاقد للضوابط فائدة العقد المشتمل عليها.

(١٤) أي فلا تقع العقود بدون هذه الضوابط.

(١٥) أي وإن أفاد المجرد عن الضوابط فائدة العقود المنوطة بهذه الضوابط.

٤٥٧

(وهي جائزة من الطرفين (١) فلكل منهما أبطالها في حضور الآخر وغيبته. لكن (٢)

______________________________________________________

(١) بلا خلاف فيه للأخبار التي سيأتي بعضها في عزل الموكل وكيله.

(٢) الكلام في موردين لو عزل الموكل الوكيل فلا خلاف ولا إشكال في بطلان الوكالة إذا كان الوكيل حاضرا ، وإنما الكلام في الوكيل الغائب ، فهل يحكم ببطلان الوكالة مع علم الوكيل بالعزل خاصة فلو تصرف قبل الإعلام نفذ على الموكل كما هو المشهور ، أو يحكم بالعزل بعد إعلامه إن أمكن وإلا فمع الإشهاد كما عن الشيخ في النهاية وأبي الصلاح وابني البراج وحمزة والحلي ، أم يحكم بالعزل مطلقا أعلمه أو لا وأشهد أو لا كما عن العلّامة في القواعد ، أقوال ثلاثة.

استدل للأول بالأخبار.

منها : صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في رجل وكلّ آخر على وكالة في أمر من الأمور ، وأشهد بذلك شاهدين فقام الوكيل فخرج لإمضاء الأمر ، فقال : اشهدوا إني قد عزلت فلانا عن الوكالة فقال عليه‌السلام : إن كان الوكيل أمضى الأمر الذي وكّل فيه قبل العزل ، فإن الأمر واقع ماض على ما أمضاه الوكيل ، كره الموكل أم رضي.

قلت : فإن الوكيل أمضى الأمر قبل أن يعلم بالعزل أو يبلغه أنه قد عزل عن الوكالة فالأمر على ما أمضاه ، قال عليه‌السلام : نعم.

قلت له : فإن بلغه العزل قبل أن يمضي الأمر ثم ذهب حتى أمضاه لم يكن ذلك بشي‌ء ، قال عليه‌السلام : نعم ، إن الوكيل إذا وكل ثم قام عن المجلس فأمره ماض أبدا والوكالة ثابتة حتى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة يبلّغه ، أو يشافهه بالعزل عن الوكالة) (١).

وصحيح معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه‌السلام (من وكّل رجلا على إمضاء أمر من الأمور فالوكالة ثابتة أبدا حتى يعلمه بالخروج كما أعلمه بالدخول منها) (٢) ومثلها غيرها.

والقول الثاني قد استدل عليه ابن زهرة بالإجماع في الغنية ولا دليل سواه ، والنصوص المتقدمة حجة عليه ، وهو اجتهاد في قبال النص.

والقول الثالث كما عن العلامة في القواعد ، فقد قيل أن به رواية تدل على مدعاه ، وفيه إنه لو سلم بذلك لكانت رواية مرسلة لا تقاوم هذه النصوص المتقدمة ، واستدل له بأن الوكالة عقد جائز ومن حق الموكل أن يفسخ على جميع الأحوال ، وفيه : إنه مع النص لا

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الوكالة حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب الوكالة حديث ١.

٤٥٨

إن عزل الوكيل نفسه بطلت مطلقا (١) ، (ولو عزله) الموكل (٢) (اشترط علمه) بالعزل (٣) فلا ينعزل بدونه في أصح الأقوال.

والمراد بالعلم هنا بلوغه الخبر بقول من يقبل خبره ، وإن كان عدلا واحدا (٤) ، لصحيحة هشام بن سالم عن الصادق عليه‌السلام ، ولا عبرة بخبر غيره (٥) وإن تعدد ، ما لم يحصل به (٦) العلم (٧) ، أو الظن المتاخم له (٨) ، (ولا يكفي) في انعزاله (الإشهاد) (٩) من الموكل على عزله على الأقوى ، للخبر السابق ، خلافا للشيخ وجماعة.

(و) حيث كانت جائزة (تبطل بالموت (١٠) ، والجنون ، والإغماء (١١) من كل واحد منهما ، سواء طال زمان الإغماء أم قصر ، وسواء أطبق الجنون أم كان أدوارا ، وسواء علم الموكل بعروض المبطل أم لم يعلم ، (وبالحجر على الموكل فيما)

______________________________________________________

يمكن الالتزام فيه بل لا بدّ من تقييده بمضمون الأخبار.

لو عزل الوكيل نفسه في حضور الموكل أو غيبته ينعزل وتبطل الوكالة ، لأن الوكالة لما ثبتت أنها جائزة من طرف الموكل كما هو مضمون الأخبار المتقدمة فهي جائزة من طرف الوكيل أيضا لعدم القائل بالفصل.

(١) مع حضور الموكل وغيابه.

(٢) ففي حضور الوكيل تبطل بلا خلاف.

(٣) على المشهور ، وهذا في غياب الوكيل.

(٤) لصحيح هشام بن سالم المتقدم ، فإنه قد صرح بكونه ثقة واحدا.

(٥) أي غير العدل.

(٦) بخبر الغير.

(٧) وحجيته ذاتية.

(٨) للعلم ، وهو الاطمئنان وهو العلم العادي ، وحجيته عرفية.

(٩) كما عن الشيخ وجماعة إذا لم يمكن إعلامه بالعزل.

(١٠) بموت كل منهما ، بلا خلاف فيه ، أما في موت الوكيل ، لأن الاذن من الموكل مختص بالوكيل فلا يعم وارثه حتى ينتقل إليه ، وأما في موت الموكل ، لأن العين الموكل بها قد انتقلت إلى الورثة ، ومعه يعتبر إذنهم لا إذن مورثهم.

(١١) الجنون والإغماء أدواريا أو مطبقا في كل من الوكيل والموكل بلا خلاف فيه ، وعليه الإجماع كما عن جماعة.

٤٥٩

وكّل فيه (١) بالسفه ، والفلس ، لأن منعه من مباشرة الفعل يقتضي منعه من التوكيل فيه.

وفي حكم الحجر طروّ الرق على الموكل (٢) بأن كان حربيا فاسترق ، ولو كان وكيلا (٣) أصبح بمنزلة توكيل عبد الغير.

(ولا تبطل بالنوم ولو تطاول (٤) ، لبقاء أهليه التصرف (ما لم يؤد إلى الإغماء) فتبطل من حيث الإغماء ، لا من حيث النوم. ومثله السكر (٥) ، إلا أن يشترط عدالته كوكيل الوكيل والولي (وتبطل بفعل الموكل ما تعلقت به الوكالة (٦) كما لو وكله في بيع عبد ثم باعه. وفي حكمه (٧) فعله ما ينافيها كعتقه.

(وإطلاق الوكالة في البيع يقتضي البيع بثمن المثل (٨) ، إلا بنقصان

______________________________________________________

(١) لأنه بالحجر يمنع من التصرف ، والوكالة تصرف بالعين بالنيابة ، فكما يمنع من التصرف بالأصالة فمن باب أولى يمنع من التصرف بالاستنابة.

(٢) فإنه يصير عبدا ، وكل فعل منه سواء كان بماله أو بغيره محتاج إلى اذن مولاه.

(٣) بأن طرأ عليه الرق فتبطل الوكالة ، لأنه يصير عبدا للغير ، فيحتاج إلى إذن سيده.

(٤) لأصالة الصحة في العقود ، ولمعلومية عدم معاملة الشارع للنوم معاملة الجنون.

(٥) أي ومثل النوم السكر ، لأصالة الصحة ولعدم معاملة السكران معاملة المجنون شرعا ، إلّا إذا اقتضى السكر فسقا ، وذلك عند السكر الاختياري وقد اشترط في الوكيل العدالة كوكيل الوكيل ووكيل ولي اليتيم.

(٦) كما لو وكّله في بيع عبد ثم باعه بنفسه ، أو وكله في بيع عبد ثم أعتقه فتبطل الوكالة لارتفاع موضوعها ، وكذا تبطل بتلف موضوعها كما لو وكله في بيع العبد ثم مات العبد ، أو وكله بشراء عبد بهذا الدينار فتلف الدينار.

(٧) أي حكم فعل ما تعلقت به الوكالة فعل ما ينافيها.

(٨) لو وكّله في بيع متاع ولم يعين ثمنا ، فيحمل الإطلاق على البيع بثمن المثل ، لأن ثمن المثل هو المتعارف ، والإطلاق محمول على المتعارف.

وقد استثنى الشارح في المسالك وهنا موضعين.

الأول : النقصان عن ثمن المثل بالشي‌ء اليسير الذي يتسامح الناس بمثله ولا يناقشون به كدرهم ودرهمين في الألف ، ووجهه أن هذا النقصان متعارف أيضا فيحمل الإطلاق عليه.

الثاني : حمل الإطلاق على المتعارف من ثمن المثل عند عدم وجود باذل للأزيد ، وإلا لو

٤٦٠