الزبدة الفقهيّة - ج ٥

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٥
ISBN: 964-8220-36-0
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٦٠٠

وليس هذا (١) منه (٢) إجماعا.

(ويصح التقايل فيه (٣) ، لأنه معاوضة محضة فيقبلها (٤) كالبيع ، (ولا تبطل بموت أحدهما (٥) ، لأن ذلك من مقتضى اللزوم.

ثم إن كان الميت العامل (٦) قام وارثه مقامه في العمل ، وإلا (٧) استأجر الحاكم عليه (٨) من ماله (٩) ، أو على (١٠) ما يخرج من حصته ، وإن كان (١١) المالك بقيت (١٢) بحالها ، وعلى العامل القيام بتمام العمل ، واستثني من الأول (١٣) ما لو شرط عليه (١٤) العمل بنفسه فمات قبله (١٥).

______________________________________________________

(١) أي عقد المزارعة.

(٢) أي مما أخرجه الدليل.

(٣) أي في عقد المزارعة ، والتقايل هو إبطال العقد المستند إلى اختيار المتعاقدين ، ويصح التقايل فيه لإطلاق أدلة الإقالة ، كما ورد في الخبر (من أقال مسلما أقال الله عثرته يوم القيامة).

(٤) أي يقبل الإقالة.

(٥) كغيره من العقود اللازمة ، لأن مقتضى اللزوم عدم بطلانه ، وللاستصحاب.

(٦) إذا كان الميت صاحب الأرض انتقل حكم العقد إلى وارثه ، وإن كان العامل قام وارثه مقامه في العمل ، أو استأجر الحاكم من مال العامل أجيرا أو يستأجر من الحصة التي له من الحاصل ، نعم لو شرط المالك على العامل مباشرته للعمل فيبطل عقد المزارعة بموت العامل ، لعدم إمكان تحقق الشرط ، سواء كان موته قبل خروج الزرع أو بعده ، واستشكل الشارح في البطلان بعد خروج الزرع ، لأنه قد ملك الحصة وإن وجب عليه بقية العمل ، فخروج الحصة عن ملكه بعد ذلك بعيد ، وردّه في الجواهر بأن الملك وإن حصل لكنه متزلزل إلى حصول تمام العمل من نفس العامل ، والمفروض عدمه.

(٧) أي وإن لم يكن للعامل وارث.

(٨) أي على العمل.

(٩) أي من مال العامل.

(١٠) أي يستأجره على ما يخرج من حصة العامل.

(١١) أي الميت.

(١٢) أي المزارعة.

(١٣) فيما لو كان الميت هو العامل.

(١٤) أي على العامل.

(١٥) أي قبل إتمام العمل ليشمل ما لو باشر العمل وما لم يباشر ، والحكم ببطلان المزارعة

٣٤١

ويشكل لو مات بعده (١) خصوصا بعد ظهور الثمرة وقبل تمام العمل لأنه قد ملك الحصة.

(ولا بد من كون النماء مشاعا (٢) بينهما (تساويا فيه (٣) ، أو تفاضلا (٤) فلو شرط لأحدهما شي‌ء معين (٥) وإن كان البذر ، وللآخر الباقي ، أولهما بطل سواء كان الغالب أن يخرج منها (٦) ما يزيد على المشروط ، وعدمه ، (ولو شرط أحدهما على الآخر شيئا يضمنه (٧) مضافا إلى الحصة) من ذهب ، أو فضة ، أو غيرهما

______________________________________________________

لفوات موضوع الشرط.

(١) أي بعد الشروع في العمل.

(٢) بلا خلاف فيه للأخبار.

منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا تقبل الأرض بحنطة مسماة ، ولكن بالنصف والثلث والربع والخمس لا بأس به ، وقال : لا بأس بالمزارعة بالثلث والربع والخمس) (٢).

(٣) في النماء كمنا صفته بينهما.

(٤) لتصريح الصحيح المتقدم بالتفاضل.

(٥) كأن يشترط أن يكون للعامل حصة معينة من النماء في قبال البذر على أن يكون الباقي بينهما إشاعة فلا يجوز على المشهور لعدم تحقق الإشاعة في مجموع النماء ، ولجواز أن لا تحصل هذه الحصة المعينة.

وذهب الشيخ وابن البراج وابن ادريس والعلامة في المختلف إلى جواز استثناء حصة معينة بمقدار البذر على أن يكون الباقي على نحو الإشاعة ، لأن النصوص المتقدمة ظاهرة في صحة المزارعة بالحصة المشاعة كالثلث والربع ، وهي حاصلة هنا ، وعليه فلا تكون النصوص ظاهرة في إشاعة جميع الحاصل بينهما والأقوى المنع لظهور النصوص في إشاعة جميع الحاصل ، ومنه تعرف بطلان ما لو اشترط أحدهما حصة معينة من باب الرغبة في الاختصاص وليس من باب أنها للبذر ، وتعرف بطلان ما لو شرط لأحدهما حصة معينة والباقي للآخر.

(٦) من الأرض.

(٧) لو شرط أحدهما على الآخر بالإضافة إلى الحصة المشاعة من الحاصل أن يدفع مائة دينار أو مائة درهم أو شيئا آخر من غير النماء صح الشرط على المشهور ، لأن شرط الإشاعة

__________________

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من كتاب المزارعة والمساقاة حديث ٣.

٣٤٢

(صح) على المشهور ويكون قراره (١) مشروطا بالسلامة (٢) ، كاستثناء (٣) أرطال معلومة من الثمرة في البيع ، ولو تلف البعض سقط من الشرط (٤) بحسابه (٥) ، لأنه (٦) كالشريك (٧) ، وإن كانت حصته معينة ، مع احتمال أن لا يسقط شي‌ء

______________________________________________________

في مجموع الحاصل حاصل ، وإنما الزيادة لأحدهما في غير النماء فيندرج تحت عموم (المؤمنون عند شروطهم) (١).

وقيل : لا يصح ، وعن المسالك وغيره أنه لم يعرف القائل ، بل ولا دليله لمخالفته لعموم نفوذ الشروط من غير مخصص أو مقيّد.

وعلى المشهور فالمشروط له يملك حصة معينة من خارج النماء وحصة مشاعة من مجموع النماء ، وعليه فلو خرج النماء سليما ولم يتعرض للتلف ولا للنقصان بحسب عادته فيثبت للمشروط له ما تقدم.

ولو تلف بعض النماء أو نقص بحسب عادته فقد ذهب الشارح إلى سقوط نسبة التالف من الحصة المعينة أيضا ، فلو كانت الحصة المعينة مثلا مائة دينار ، وكان الحاصل بحسب العادة مائة من فنقص إلى الخمسين فتنقص الحصة المعينة إلى الخمسين أيضا ، لأن الشرط جعل الحصة المعينة من الخارج كالشريك معهما ، فإن دخل النقص على الشريكين فيدخل النقص على الشريك الثالث.

وفيه : إنه على خلاف عموم أدلة صحة الشرط أو إطلاقها ، فلا يسقط من الشرط شي‌ء ولو تلف جميع الحاصل فضلا عن تلف بعضه.

(١) أي قرار الشرط.

(٢) أي سلامة جميع النماء من التلف أو النقصان.

(٣) تشبيه لكون قرار الشرط مشروطا بالسلامة ، فلو باع جميع الثمرة ما عدا أرطال معلومة منها ، فالاستثناء لازم بشرط سلامة المبيع من التلف أو النقصان.

(٤) المتعلق بالحصة المعينة.

(٥) أي بحساب التالف ونسبته.

(٦) أي الشرط بالحصة المعينة.

(٧) أي كالشريك معهما فإن دخل النقص على الشريكين فيدخل على الثالث ، وإن كان الثالث حصه معينة.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور حديث ٤.

٣٤٣

بذلك عملا بإطلاق الشرط.

(ولو مضت المدة والزرع باق (١) فعلى العامل الأجرة (٢) لما بقي من المدة ، (وللمالك قلعه (٣) إذ لا حق للزارع بعدها ، فيتخير المالك بين القلع ، والإبقاء بالأجرة إن رضي العامل بها ، وإلا (٤) قلع ، ولا أجرة للمالك على ما مضى من المدة لو لم ينتفع بالمقلوع (٥) ، لأن مقتضى العقد قصر الحق على الحصة ، مع احتمال (٦) وجوبها على الزارع لو كان التأخير بتفريطه ، لتضييعه منفعة الأرض

______________________________________________________

(١) يشترط في عقد المزارعة تعيين المدة ، بلا خلاف فيه ، فإن شرطت مدة معينة فهو ، ولو لم تشترط المدة بل وقع عقد المزارعة على زرع الحنطة مثلا فقط فهل يصح العقد لأن للزرع أمدا بحسب العادة فيبنى العقد عليه ويكتفي بذلك عن ذكر المدة وهذا ما عليه جماعة ، أو يحكم ببطلان العقد كما عليه المشهور ، لأن أمد الزرع غير مضبوط فلا بد من التعيين دفعا للضرر.

وعلى كل فلو عينت مدة معينة وقد مضت والزرع باق فهل للمالك إزالته أو لا؟ ذهب المشهور إلى ذلك ، لأن العامل يستحق التبقية في المدة ، وبعدها يكون المالك مسلطا على ملكه كيف شاء ، ولأنه لاحق للعامل في إبقائه بعد المدة فلو أبقاه بدون رضا المالك يكون ظلما.

وعن بعضهم أنه ليس له الإزالة ، لأن الزرع قد حصل في الأرض بحق فلا يكون للمالك قلعه ، ولأن للزرع أمدا معينا غير دائم الثبات فإذا اتفق الخلل لا يسقط حق الزارع كما لو استأجر الأرض مدة معينة للزرع وانقضت قبل إدراك الزرع.

وعن العلامة في القواعد بأن للمالك القلع مع الأرش ، هذا وقال الشارح في المسالك : (نعم لو اتفقا على إبقائه بعوض أو غيره صح ، لأن الحق لا يعدوهما ، ولكن لا يجبر أحدهما عليه) انتهى.

(٢) إن اتفق على إبقائه بعوض كما سيأتي.

(٣) هذا هو القول الأول وهو المشهور.

(٤) وإن لم يرض العامل بالأجرة قلع المالك.

(٥) لأن مقتضى عقد المزارعة قصر حق المالك على الحصة إن سلمت ، وقد رضي بذلك وعليه أقدم.

(٦) أي مع احتمال وجوب الأجرة على الزارع إن كان التأخير بتفريطه لا بسبب طبيعي ، ومع تفريطه يكون قد ضيّع منفعة الأرض على المالك في تلك المدة فيضمن الأجرة.

٣٤٤

بتأخيره ، ولا فرق في كون المقلوع بينهما (١) بين كون البذر من مالك الأرض ، أو الزارع.

وهل يستحق المالك قلعه بالأرش ، أو مجانا قولان (٢) ، وظاهر العبارة ككثير عدمه ، وعلى القول به (٣) ، فطريق معرفته أن يقوّم الزرع قائما بالأجرة إلى أوان حصاده ومقلوعا.

(ولا بدّ من إمكان الانتفاع بالأرض (٤) في الزراعة المقصودة منها (٥) ، أو في نوع منها مع الاطلاق (٦) (بأن يكون لها (٧) ماء من نهر ، أو بئر ، أو مصنع (٨) ، أو تسقيها الغيوث غالبا) ، أو الزيادة (٩) كالنيل. والضابط إمكان الانتفاع بزرعها

______________________________________________________

(١) أي فإن جاز للمالك القلع ، فالمقلوع بينهما على ما اشترطا من الحصة سواء كان البذر من المالك أم من الزارع ، لأن تعيين الحصة قد تم بالعقد ولم يستثن البذر ، بل لو استثنى البذر من الحاصل لكان مبطلا على القول المشهور وقد تقدم.

(٢) قول المشهور أن له القلع بدون الأرش ، وقول العلامة أن له القلع مع الأرش جمعا بين الحقين ، وقد تقدما.

(٣) أي بالأرش فطريق معرفة الأرش أن يقوّم الزرع قائما في الأرض بالأجرة إلى أوان حصاده ، وكونه بالأجرة لأنه لا يستحق على المالك الإبقاء ، وأن يقوّم الزرع مقلوعا ، والتفاوت بينهما هو الأرش.

(٤) يعتبر في عقد المزارعة أن تكون الأرض مما يمكن الانتفاع بها عادة ، بأن تكون من الأراضي الزراعية وأن يكون لها ماء ولو تقديرا ، إما من نهر أو بئر أو عين أو غير ذلك ، حتى المطر بحيث يكون هذا الماء كافيا لسقي الزرع غالبا ، بلا خلاف في ذلك ، لمنافاة عدم إمكان الانتفاع بها لمقتضى العقد ، إذ العقد ينصرف إلى ما يمكن حصول المقصود من الزراعة ، وهو لا يتحقق إلا في الأرض التي يمكن الانتفاع بها على التفصيل المتقدم.

(٥) أي الزراعة المقصودة من المزارعة ، والمراد من المزارعة هو عقدها.

(٦) أي مع إطلاق عقد المزارعة فيصح للعامل أن يزرع الحنطة مثلا التي هي نوع من الزراعة المقصودة ، فيجب أن تكون الأرض قابلة للانتفاع في هذه الزراعة.

(٧) للأرض.

(٨) قال في مصباح المنير : (والمصنع ما يصنع لجمع الماء نحو البركة والصهريج).

(٩) عطف على الغيوث ، والمعنى أن تسقيها الزيادة الحاصلة من ماء نهر كالزيادة الحاصلة من نهر النيل عند فيضانه.

٣٤٥

المقصود عادة ، فإن لم يمكن (١) بطلت (٢) المزارعة وإن رضي العامل (٣) ، (ولو انقطع) الماء (في جميع المدة (٤) مع كونه معتادا لها قبل ذلك (انفسخت) المزارعة ، (وفي الأثناء (٥) يتخير العامل) (٦) لطرو العيب (٧) ، ولا يبطل العقد (٨) ، لسبق الحكم بصحته فيستصحب والضرر يندفع بالخيار ، (فإن فسخ (٩) فعليه) من الأجرة (بنسبة ما سلف) من المدة ، لانتفاعه (١٠) بأرض الغير بعوض (١١) لم يسلم له (١٢) ،

______________________________________________________

(١) أي الانتفاع.

(٢) لعدم تحقق الشرط من الانتفاع.

(٣) لأن رضاه لا يجعل الأرض قابلة للانتفاع مع أن العقد يقتضي أن تكون قابلة لذلك.

(٤) ابتداء واستدامة فتنفسخ المزارعة لفوات الشرط ، وإن كان نزوله معتادا قبل ذلك.

(٥) بحيث كان الماء موجودا عند العقد ثم انقطع فيما بعد ، وبانقطاعه تخرج الأرض عن القابلية ، قال الشارح في المسالك : (قد عرفت أن إمكان الزرع شرط صحة المزارعة ، فإذا وجد الشرط في الابتداء ثم تجدد انقطاع الماء فمقتضى القاعدة بطلان العقد لفوات الشرط لباقي المدة ، ولكن المصنف ـ أي المحقق ـ والعلامة أطلقا القول بعدم البطلان ، بل حكما بتسلطه ـ أي العامل ـ على الفسخ ، وكأنهما نظرا إلى صحة العقد ابتداء فيستصحب ، والضرر اللاحق للزارع بانقطاع الماء يجبر بتسليطه على الفسخ) انتهى.

(٦) بين الفسخ والإمضاء.

(٧) وهو خروج الأرض عن الانتفاع بسبب انقطاع الماء.

(٨) كما عن المحقق والعلامة ، وإلا فمقتضى القواعد البطلان.

(٩) أي العامل فعليه أجرة الأرض للمدة السابقة كما عن العلامة في الإرشاد والشهيد ، لأن العامل قد انتفع بالأرض في هذه المدة في قبال عوض للمالك على أن يكون العوض حصة من الحاصل ، ولم يسلم هذا العوض للمالك لاختيار العامل الفسخ ، فالعامل بالفسخ قد فوّت على المالك عوض الأرض المسمى فيثبت له الأجرة حينئذ.

وفيه : إن فسخ العامل من أجل عدم الانتفاع بالأرض فإلزامه بالعقد ضرر عليه ولذا جوزنا له الفسخ ، فلم يكن الفسخ لإضرار الغير بل لرفع الضرر عنه هذا من جهة ومن جهة أخرى فعمل العامل في أرض الغير في المدة مشروط بالحصة لا بالأجرة ، وإذا فاتت الحصة لا بسبب اختيار العامل فلا شي‌ء عليه حينئذ.

(١٠) أي العامل.

(١١) وهو الحصة من الحاصل.

(١٢) أي للغير الذي هو صاحب الأرض.

٣٤٦

وزواله (١) باختياره (٢) الفسخ.

ويشكل بأن فسخه (٣) لعدم إمكان الإكمال (٤) ، وعمله الماضي مشروط بالحصة ، لا بالأجرة ، فإذا فاتت بالانقطاع ينبغي أن لا يلزمه شي‌ء آخر. نعم لو كان قد استأجرها للزراعة توجه ذلك (٥).

(وإذا أطلق المزارعة (٦) زرع) العامل (ما شاء) إن كان البذر منه كما هو الغالب ، أو بذل المالك ما شاء (٧) أن شرط عليه (٨) ، وإنما تخير مع الإطلاق ،

______________________________________________________

(١) أي زوال العوض.

(٢) أي بسبب اختيار العامل.

(٣) أي فسخ العامل.

(٤) ففسخه لرفع الضرر عنه لا لإضرار الغير.

(٥) لأن عقد الإجارة قد وقع على عوض معين في قبال استيفاء منافع الأرض في مدة معينة ، فلو خرجت الأرض عن الانتفاع في أثناء المدة لبطل عقد الإجارة ، ويثبت على العامل أجرة الأرض لما سلف من المدة ، لأن المالك لم يقدم على إجارتها بحصة من حاصلها ، وإنما بعوض معين لمدة معينة ، فإن لم تسلم المدة المعينة للعامل قسطت الأجرة على ما مضى وأخذ المالك النسبة.

(٦) هل تعيين نوع الزرع شرط في صحة عقد المزارعة ، ذهب المشهور إلى العدم ، وذهب العلامة في التذكرة إلى وجوب التعيين لتفاوت ضرر الأرض باختلاف جنس المزروعات ، فيلزم بتركه الضرر ، وردّ بأن المالك قد دخل على أضرّ الأنواع إذا أطلق ، وبإطلاقه يصح للعامل أن يزرع أيّ نوع ولو كان أضرّها ، وعليه فالإطلاق هنا كما لو عمم المالك لأن بالتعميم دخل كل فرد من أفراد الماهية باللفظ ، والإطلاق قد دل على الماهية من حيث هي ، وكل فرد متضمن لهذه الماهية فيكون الأمر بها أمرا بكل فرد من أفرادها حينئذ.

وعن المحقق الثاني التفريق بين التعميم والإطلاق فمع التعميم يجوز زرع الفرد الأشدّ ضررا بخلاف الإطلاق فلا يجوز ، لأن الإطلاق تجويز للقدر المشترك بين الأفراد ، ولا يلزم من الرضا بالقدر المشترك الرضا بالأشد ضررا ، وضعفه ظاهر لأن المطلق دال على الماهية من حيث هي وهي محققة في كل فرد حتى الفرد الأشد ضررا منه ، أما لو كان البذر من المالك كما سيأتي في بعض الصور فالتخيير حينئذ للمالك وهذا واضح.

وعلى الإطلاق من قبل المالك يجوز للعامل أن يزرع ما شاء بشرط كون البذر.

(٧) أي ما شاء المالك.

(٨) أي شرط البذر على المالك.

٣٤٧

لدلالة المطلق على الماهية من حيث هي ، وكل فرد من أفراد الزرع يصلح أن يوجد المطلق في ضمنه (١) ، وأولى منه لو عمم الإذن ، لدلالته (٢) على كل فرد فرد.

وربما فرق بين الإطلاق ، والتعميم ، بناء على أن الإطلاق إنما يقتضي تجويز القدر المشترك بين الأفراد ، ولا يلزم من الرضا بالقدر المشترك الرضا بالأقوى (٣) ، بخلاف التعميم. ومما ذكرناه يظهر ضعفه.

(ولو عين) شيئا من الزرع (لم يتجاوز ما عيّن له (٤) ، سواء كان المعين شخصيا كهذا الحب أم صنفيا كالحنطة الفلانية (٥) ، أم نوعيا (٦) أم غيره (٧) ، لاختلاف الأغراض باختلافه (٨) فيتعين ما تعلق به ، (فلو) خالف و (زرع الأضر (٩)

______________________________________________________

(١) أي ضمن كل فرد.

(٢) لدلالة العموم لفظا.

(٣) أي الأشد ضررا.

(٤) لو عيّن المالك شيئا من الزرع لم يتجاوز العامل ما عيّن له ، بلا خلاف فيه لعموم (المؤمنون عند شروطهم) (١).

(٥) كالحنطة ذات الحب الكبير مثلا.

(٦) كمطلق الحنطة مثلا.

(٧) كمطلق الحبوب في قبال عدم زرع غير الحبوب من الخضراوات.

(٨) أي باختلاف الزرع.

(٩) فلا تجوز المخالفة بلا خلاف فيه لعدم وجود مفهوم الموافقة ، ولو خالف كان المالك بالخيار إن شاء فسخ وله أجرة المثل ، وإن شاء أمضى العقد وله الحصة المسماة مع الأرش لما تضررت به الأرض من زرع الأشدّ ضررا ، كما ذهب إليه العلامة والمحقق ، أما جواز الفسخ للمالك لعدم وفاء العامل بالشرط ، وإن فسخ المالك كان المزروع بتمامه ـ وهو الأشد ضررا ـ غير مأذون فيه فيثبت على العامل أجرة المثل أعني أجرة الأرض.

وإن أمضى المالك العقد فهو إمضاء لما أذن به سابقا في المعين ، غير أن هناك ضررا زائدا على المعين غير مأذون فيه العامل فيثبت عليه الأرش لهذا الزائد فقط ، فالمالك له الحصة في قبال المأذون ، وله الأرش في قبال الزائد.

وأشكل المحقق والشهيد الثانيان وغيرهما كصاحب الرياض بأن الحصة المسماة قد وقعت

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور حديث ٤.

٣٤٨

(قيل : تخير المالك بين الفسخ فله أجرة المثل) عما زرعه ، (وبين الإبقاء ، فله المسمّى مع الأرش).

ووجه التخيير : أن مقدار المنفعة المعقود عليها قد استوفي بزيادة في ضمن زرع الأضر ، فيتخير بين الفسخ لذلك (١) فيأخذ الأجرة لما زرع ، لوقوعه أجمع بغير إذنه (٢) ، لأنه (٣) غير المعقود عليه ، وبين أخذ المسمى (٤) في مقابلة مقدار المنفعة المعينة مع أخذ الأرش في مقابلة الزائد الموجب للضرر.

ويشكل (٥) بأن الحصة المسماة إنما وقعت في مقابلة الزرع المعين ولم يحصل ، والذي زرع لم يتناوله العقد ، ولا الإذن ، فلا وجه لاستحقاق المالك فيه (٦) الحصة ، ومن ثمّ نسبه إلى القيل تنبيها على تمريضه.

والأقوى وجوب أجرة المثل خاصة.

(ولو كان) المزروع (أقل ضررا) من المعين (جاز) (٧)

______________________________________________________

في قبال المعين ولم يحصل ، والذي حصل هو زرع الأشد وهو غير مأذون فيه فلا استحقاق للمالك شيئا من الحصة فوجوب أجرة المثل للأرض في كل المدة عن الزرع الأشد هو الأقوى.

(١) أي لمخالفة المعين إلى الأشد.

(٢) في صورة الفسخ.

(٣) أي المزروع.

(٤) في صورة الإبقاء وعدم الفسخ.

(٥) الإشكال على ما لو أبقى المالك العقد.

(٦) في الذي زرع.

(٧) لو عين المالك نوعا من الزرع فهل يجوز للعامل الانتقال إلى الأقل ضررا ، فعن جماعة أنه يجوز التعدي لمفهوم الموافقة ، وعن المحقق والشهيد الثانيين عدم الجواز ، قال الشارح في المسالك : (وغرض مالك الأرض ليس منحصرا فيما يتعلق بمصلحة الأرض ، بل القصد الذاتي له إنما هو الانتفاع بالزرع ، ومصلحة الأرض تابعة لا مقصودة بالذات ، فلا شك أن الأغراض مختلفة في أنواع المزروع ، فربما كان غرضه في الأشد ضررا من حيث نفعه والحاجة إليه وإن حصل للأرض ضرر ، ولا يتعلق غرضه بالأخف وإن انتفعت الأرض ، ألا ترى أن الأرض لو انتفعت بترك الزرع رأسا لم يكن ذلك كافيا في جواز ترك المزارع

٣٤٩

فيستحق (١) ما سمّاه من الحصة ، ولا أرش (٢) ، ولا خيار (٣) ، لعدم الضرر.

ويشكل بأنه (٤) غير معقود عليه أيضا (٥) فكيف يستحق فيه (٦) شيئا ، مع أنه (٧) نماء بذر العامل الذي لا دليل على انتقاله عن ملكه.

والأقوى ثبوت أجرة المثل أيضا كالسابق.

(ويجوز أن يكون من أحدهما الأرض حسب ، ومن الآخر البذر والعمل والعوامل (٨)

______________________________________________________

العمل نظرا إلى مصلحة الأرض ، وحينئذ فالأقوى عدم التعدي لما عيّن مطلقا) انتهى.

هذا وإن جاز التعدي وقد تعدى العامل فلا يستحق المالك الفسخ لعدم تخلف الشرط ، لأن الاذن بالمعين إذن بالأقل ، ولا أرش للمالك لعدم زيادة ضرر على الأرض بحسب الغرض ، نعم يستحق المالك الحصة.

وإن لم يجز التعدي وقد تعدى العامل فقد حكم العلامة بكون المالك بالخيار بين الفسخ لتخلف الشرط وبين الإبقاء ، ومع الفسخ فله أجرة المثل عن الأرض في المدة ، ومع الإبقاء فله الحصة المسماة من دون أرش لأنه لا زيادة ضرر على المالك بحسب الفرض.

وأشكل عليه بأن المالك لو أبقى العقد فالحصة للمعيّن ولم يحصل ، وما حصل غير مأذون فيه لأنه حسب الفرض لا يجوز التعدي فالأقوى أجرة المثل.

(١) أي المالك.

(٢) لعدم زيادة ضرر.

(٣) لأن الاذن بالمعين أذن بالأقل بناء على جواز التعدي.

(٤) أي بأن المزروع.

(٥) وفيه : إن الاذن بالمعين اذن بالأقل المزروع فيشمله العقد ، نعم إشكاله جار بناء على عدم جواز التعدي مع الحكم بثبوت الحصة للمالك عند الإبقاء كما هو مختار العلامة.

(٦) في المزروع.

(٧) أي أن المزروع.

(٨) الزرع بحاجة إلى أربعة أمور : الأرض والبذر والعمل وآلات العمل وهي العوامل ، والأصل في المزارعة أن يقدم المالك الأرض ، والعامل البقية مع الالتفات إلى أنه لا يمكن تقديم الأربعة من أحدهما والآخر لا يقدم شيئا ، لأن الثاني لا يسمى مزارعا ولا يتحقق موضوع العقد والمعاملة حينئذ ، ثم إما أن يقدم أحدهما شيئا من الأربعة والأخر

٣٥٠

وهذا هو الأصل في المزارعة ، ويجوز جعل اثنين (١) من أحدهما ، والباقي من الآخر ، وكذا (٢) واحد وبعض الآخر ، ويتشعب من الأركان الأربعة صور كثيرة لا حصر لها (٣) بحسب شرط بعضها (٤) من أحدهما ، والباقي من الآخر.

(وكل واحدة من الصور الممكنة جائزة) متى كان من أحدهما بعضها ولو جزء من الأربعة ، ومن الآخر الباقي ، مع ضبط ما على كل واحد (٥) ، (ولو اختلفا في المدة حلف (٦) منكر الزيادة) ، لأصالة عدمها ، فإن بقي الزرع بعد ما ثبت منها (٧) فكما سبق (٨) ، (و) لو اختلفا (في الحصة) حلف (صاحب البذر) (٩) ، لأن النماء تابع له (١٠) ، فيقدم قول مالكه (١١) في حصة الآخر ، لأصالة عدم خروج ما

______________________________________________________

الباقي ، وإما أن يقدم شيئين من الأربعة والباقي من الأخر ، ولا ثالث ، والصور الناتجة يمكن حصرها ، وكذا يمكن تقديم بعض الشي‌ء من أحد الأمور الأربعة كنصف البذر ونصف العمل ونصف آلات العمل والباقي من الأخر وعلى الثاني لا يمكن حصر الصور لعدم حصر الجزء.

وعلى كل فالصور كلها جائزة بلا خلاف فيه نظرا إلى إطلاق أخبار المزارعة أو عمومها.

(١) من الأربعة التي يحتاجها الزرع.

(٢) عطف على الاثنين والمعنى يجوز جعل واحد من الأربعة وبعض الآخر من أحدهما والباقي من الأخر.

(٣) إن لوحظ جزء الواحد من الأركان الأربعة.

(٤) كأن يكون جزءا من الأربعة.

(٥) من المتعاقدين.

(٦) فالقول قول منكر الزيادة لأصالة عدمها مع يمينه سواء كان العامل أو المالك ، وإن كان الأصل أن يدعي العامل زيادة المدة والمالك ينكرها.

(٧) من المدة بحسب قول المنكر.

(٨) من جواز قلعه للمالك مع الأرش أو بالمجّان على الخلاف المتقدم.

(٩) لما كان الحاصل تابعا للبذر لأنه نماؤه ، فإذا اختلفا في قدر الحصة فيقدم قول صاحب البذر في حصة الآخر مع يمينه ، لأصالة عدم خروجها عن ملكه ، نعم يثبت للآخر ما يعترف به صاحب البذر أنه له ، وبالاعتراف يرفع اليد عن الأصل المذكور.

(١٠) للبذر.

(١١) مالك البذر مع يمينه.

٣٥١

زاد (١) عن ملكه ، وعدم استحقاق الآخر له (٢) ، واتفاقهما (٣) على عقد تضمّن حصة إنّما نقل (٤) عنه (٥) في أصل الحصة ، لا في الحصة المعينة فيبقى حكم إنكار الزائد بحاله لم يخرج عن الأصل.

(ولو أقاما بينة قدمت بينة الآخر (٦) في المسألتين (٧) ، وهو (٨) العامل في الأولى (٩) ، لأن مالك الأرض يدعي تقليل المدة فيكون القول قوله ، والبينة بينة

______________________________________________________

(١) والزائد هو الفارق بين قوليهما ، فلو كان البذر من العامل وادعى المالك أن حصّته النصف فادعى العامل أن حصته الربع ، كان للمالك الربع مع يمين العامل لأصالة عدم خروج الربع الثاني عن ملكه ، لأن الحاصل تابع للبذر ، وهو ملك العامل.

(٢) أي للزائد.

(٣) دفع توهم ، وحاصل الوهم أنهما متفقان على وقوع عقد متضمن لحصة المالك من النماء باعتبار كون البذر من العامل ، ومع هذا الاتفاق فالحصة للمالك تخرج عن ملك العامل قطعا ، ومع الخروج القطعي فلا أصل بيد العامل حتى نقدم قوله مع يمينه.

ودفعه أن ما وقع عليه الاتفاق يفيد خروج أصل الحصة للمالك عن الأصل المتقدم ، أما مقدار الحصة فلا يدل نفس العقد عليه ، فتكون الزيادة باقية تحت الأصل الدال على أن النماء تابع للبذر الذي هو ملك للعامل ، فيقدم قول العامل مع يمينه فيه.

(٤) أي الاتفاق.

(٥) عن الأصل.

(٦) الأصل في القضاء أن البينة على المدعي واليمين على من أنكر ، وأنه لا تسمع بينة المنكر لأن وظيفته اليمين فقط ولذا لو قدّم كل منهما بينة فلا تسمع إلا بنية المدعي فقط لأنها وظيفته ، وقد تقدم تسمية المدعي بالخارج والمنكر بالداخل ، أما أن المنكر داخل لكونه صاحب يد أو صاحب أصل أو صاحب ظاهر ومنه تعرف وجه تسمية المدعى بالخارج وعليه ففي المسألتين السابقتين من النزاع في قدر المدة وقدر الحصة لو أتى المدعى بالبينة فلا تقبل يمين المنكر هذا من جهة ولا تقبل بنية المنكر أيضا لأنه داخل ، فلو أقام كل منهما بينة فتقدم بنية الخارج ، وهو العامل في الصورة الأولى لأن المنكر لزيادة المدة هو المالك على ما تقدم.

وهو من ليس له البذر في الصورة الثانية ، لأن المنكر هو صاحب البذر على ما تقدم.

(٧) عند التنازع في المدة وفي الحصة.

(٨) أي الآخر الذي قدمت بنيته.

(٩) أي الصورة الأولى عند التنازع في قدر المدة.

٣٥٢

غريمه العامل ، ومن ليس له بذر في الثانية (١) من العامل ، ومالك الأرض ، لأنه (٢) الخارج (٣) بالنظر إلى الباذر حيث قدم قوله (٤) مع عدم البينة.

(وقيل : يقرع) (٥) ، لأنها لكل أمر مشكل.

ويشكل بأنه لا إشكال هنا فإن من كان القول قوله فالبينة بينة صاحبه فالقول بتقديم بينة المدعي فيهما (٦) أقوى ،

(وللمزارع أن يزارع غيره أو يشارك غيره) (٧) ،

______________________________________________________

(١) أي الصورة الثانية عند التنازع في قدر الحصة.

(٢) أي من ليس له البذر.

(٣) أي المدعي.

(٤) قول الباذر لأنه منكر.

(٥) ولم يعرف قائله ، لأن القرعة لكل أمر مشكل ، وفيه : إنه لا إشكال مع العموم الوارد في القضاء أن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر ، والتفصيل قاطع للشركة.

(٦) في المسألتين.

(٧) أي يجوز للعامل أن يزارع ثالثا أو يشاركه في بعض حصته ولا يتوقف ذلك على إذن المالك بلا خلاف فيه ، لأن المزارعة من العقود اللازمة الموجبة لنقل منفعة الأرض إلى العامل في قبال حصة من الحاصل للمالك ، وإذا تملك العامل منفعة الأرض كان له نقلها إلى غيره في المزارعة ، ومشاركة غيره عليها لأن الناس مسلطون على أموالهم ، ولا يتوقف ذلك على إذن مالكها إذ لا حق له في المنفعة بحسب الفرض لخروجها عن ملكه في قبال الحصة المخصوصة ، ومما يدل على جواز المزارعة المذكورة موثق سماعة (قلت : الرجل يبذر في الأرض مائة جريب أو أقل أو أكثر طعاما أو غيره فيأتيه رجل فيقول له : مني نصف هذا البذر الذي زرعته في الأرض ونصف نفقتك عليّ وأشركني فيه ، فقال : لا بأس) (١).

ومما تقدم تعرف أن مزارعة الغير من قبل العامل أن يعقد عقد مزارعة بينه وبين ثالث غير المالك ليكون من الثالث بعض ما على العامل في قبال شي‌ء من حصة العامل.

وتعرف أن مشاركة الغير من قبل العامل أن يبيع العامل بعض حصته من الزرع بعوض معلوم لغير المالك.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب المزارعة حديث ١.

٣٥٣

لأنه (١) يملك منفعة الأرض بالعقد اللازم فيجوز له نقلها (٢) ، ومشاركة غيره عليها (٣) ، لأن الناس مسلطون على أموالهم. نعم لا يجوز له (٤) تسليم الأرض (٥) إلا بإذن مالكها (٦).

وربما اشترط (٧) كون البذر منه (٨) ليكون تمليك الحصة (٩) منوطا ، به (١٠) وبه (١١)

______________________________________________________

(١) أي المزارع.

(٢) أي نقل المنفعة وظاهره جواز مزارعة العامل للغير على تمام ماله من الحصة في قبال تمام منفعة الأرض وهو أيضا جائز لما تقدم.

(٣) على منفعة الأرض بأن يبيع شيئا من الحصة المشاعة بعوض معلوم غير أنه يشترط في المشاركة شرائط البيع من ظهور الزرع ونحو ذلك.

(٤) للمزارع.

(٥) للغير الذي زارعه أو شاركه.

(٦) لأن المالك قد أذن للمزارع الأول أن يضع يده على الأرض ليستوفي منفعتها ، وإذن المالك له بالتسلم للعين لا يعني إذنا له بالتسليم للغير.

(٧) أي اشترط في صحة مزارعة العامل لغيره أو مشاركته ، ولم يعرف القائل.

(٨) من المزارع ، لأن البذر إذا كان من المالك فالحاصل له تبعا للبذر إلا من أذن له ، ولم يأذن إلا للعامل بتملك الحصة فلا يجوز للعامل حينئذ أن يشارك أو يزارع غيره على ملك المالك.

بخلاف ما لو كان البذر من العامل فالحاصل له تبعا للبذر ، وإذا كان الحاصل له فهو قد أذن بتملك المالك لحصة منه على أن يكون الباقي للعامل ، فيجوز له أن يشارك أو يزارع الغير حينئذ.

وردّ بأن هذا يجري في المزارعة لا المشاركة ، لأن العامل ـ بعد ما ظهر النماء ـ يتملك حصة منه إذا كان البذر من المالك ، ومع ملكه لهذه الحصة فلا مانع بأن يتسلط على بيعها أو بيع بعضها كيف شاء بخلاف ما لو لم يظهر الحاصل فهو لا يملك شيئا ، وهو مأذون بالعمل فقط فلا يجوز له أن يأذن لغيره بالعمل فلذا لا تجوز المزارعة.

(٩) تمليكها من العامل للغير مزارعة أو مشاركة.

(١٠) أي بكون البذر منه.

(١١) أي بكون البذر من العامل يفرّق بين عامل المزارعة وعامل المساقاة ، فعامل المزارعة يجوز له المزارعة أو المشاركة لأنه يملك الحاصل بتمامه لأن البذر منه ، بخلاف عامل المساقاة فلا يجوز له أن يساقي غيره لأنه لا يملك الأشجار ولا الأصول القائمة.

٣٥٤

يفرق بينه وبين عامل المساقاة حيث لم يجز له أن يساقي غيره. وهو (١) يتم في مزارعة غيره ، لا في مشاركته. ويمكن الفرق بينهما (٢) بأن عمل الأصول (٣) في المساقاة مقصود بالذات (٤) كالثمرة (٥) فلا يتسلط عليه (٦) من لا يسلطه المالك ، بخلاف الأرض في المزارعة ، فإن الغرض فيها (٧) ليس إلا الحصة (٨) فلمالكها (٩) أن ينقلها (١٠) إلى من شاء.

(إلا أن يشترط عليه (١١) المالك الزرع بنفسه) فلا يجوز له (١٣) ادخال غيره مطلقا (١٣) ، عملا بمقتضى الشرط (١٤).

______________________________________________________

بالإضافة إلى أن المقصود من عقد المساقاة هو سقي الشجر من نفس العامل ولذا لا يجوز له أن يساقي غيره بخلاف عقد المزارعة فالغرض منها هو تمليك حصة للمالك في قبال تمليك العامل منفعة الأرض مع تمام الحاصل إذا كان البذر منه ، وإذا تملك العامل تمام الحصة فيجوز له المشاركة ، وإذا تملك تمام منفعة الأرض فيجوز له أن يزارع غيره.

(١) أي اشتراط بعضهم لكون البذر من العامل.

(٢) بين عقد المزارعة وعقد المساقاة ، حيث يجوز للعامل في الأولى مزارعة غيره أو مشاركته بخلاف ذلك في الثانية.

(٣) وعمل الأصول هو السقي.

(٤) أي مقصود ذاتي من العقد على أن يكون من نفس العامل.

(٥) فهي مقصود ذاتي من العقد على أن تكون للعامل في قبال سقيه.

(٦) على عمل الأصول.

(٧) في المزارعة ، مع عدم شرط المالك على أن يكون العمل من نفس العامل.

(٨) للمالك.

(٩) أي مالك منافع الأرض وهو العامل.

(١٠) بالمزارعة أو المشاركة.

(١١) على العامل.

(١٢) للعامل.

(١٣) بالمزارعة أو المشاركة.

(١٤) لعموم (المؤمنون عند شروطهم) (١).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور حديث ٤.

٣٥٥

(والخراج على المالك) (١) ، لأنه موضوع على الأرض ابتداء ، لا على الزرع ، (إلا مع الشرط) (٢) فيتّبع شرطه في جميعه (٣) ، وبعضه (٤) ، مع العلم بقدره ، أو شرط قدر معين منه (٥) ، ولو شرط الخراج على العامل فزاد السلطان فيه زيادة فهي (٦) على صاحب (٧) الأرض ، لأن الشرط لم يتناولها.

(وإذا بطلت المزارعة فالحاصل لصاحب البذر وعليه (٨) الأجرة) للباقي (٩) ، فإن كان البذر من صاحب الأرض فعليه أجرة مثل العامل والعوامل (١٠) ، ولو كان (١١) من الزارع فعليه (١٢) لصاحب الأرض أجرة مثلها ، ولما شرط عليه (١٣) من

______________________________________________________

(١) الخراج هو ما يأخذه السلطان عن الأراضي المفتوحة عنوة ، وهي التي تملك تبعا لتملك الآثار الموجودة فيها ، وهذا الخراج على المالك لا على العامل ، لأنه موضوع على الأرض ، ولأصالة براءة ذمة العامل منه.

(٢) فيكون على العامل عملا بمقتضى الشرط.

(٣) أي جميع الخراج.

(٤) أي بعض الخراج مع العلم بقدره ، كأن يشترط على العامل أن يدفع مائة دينار للخراج.

(٥) من الخراج ، كأن يشترط عليه دفع نصف الخراج أو ربعه مثلا ، وكان الخراج معلوما بتمامه بحسب العادة ، ومع العلم بالقدر فلا جهالة.

(٦) أي الزيادة.

(٧) فلو كان الخراج بحسب العادة على هذه الأرض مائة ، وقد شرط على العامل ، فزاد السلطان خمسين فوق المائة ، فالزيادة على صاحب الأرض ، لأن الشرط لم يتناول الزيادة ، وإنما تناول الخراج بحسب عادته.

(٨) لأن الحاصل نماؤه ، فهو مملوك له تبعا لمملوكية البذر ، وعليه فإن كان البذر من الزارع فالحاصل له وعليه أجرة المثل عن الأرض لصاحبها ، وإن كان البذر من المالك فالحاصل له ، وعليه أجرة المثل عن العمل للعامل ، وما قدمه العامل أيضا إذا شرط عليه شي‌ء من بقية الأركان الأربعة.

(٩) إذا كان الآخر قد قدّم الباقي من الأركان الأربعة.

(١٠) للعامل ، لأنه مع فرض كون صاحب الأرض قد قدّم البذر فلم يبق من الأركان الأربعة إلا العمل والعوامل من الآخر.

(١١) أي البذر.

(١٢) أي على الزارع.

(١٣) على صاحب الأرض.

٣٥٦

الآخرين (١) ، ولو كان البذر منهما فالحاصل بينهما (٢) ، ولكل منهما على الآخر أجرة مثل ما يخصه من الأرض ، وباقي الأعمال (٣).

(ويجوز لصاحب الأرض الخرص على الزارع) (٤) بأن يقدّر ما يخصه من

______________________________________________________

(١) بالتثنية ، أي الآخرين من الأركان الأربعة ، إذ ربما قد شرط على المالك العوامل ، وعلى ثالث العمل.

(٢) وهو واضح.

(٣) فلو كان البذر مناصفة فصاحب الأرض قد زرع نصف أرضه ببذره ولا معنى لأن يدفع أجرة المثل عن هذا النصف لنفسه ولا للعامل ، لكن على العامل أن يدفع أجرة نصف الأرض ، فصاحب الأرض له على العامل أجرة الأرض التي تخصه بحسب حصة العامل وكان على الشارح أنه يأتي بالقيد الأخير وهو : (بحسب حصة الآخر).

(٤) الخرص هو التخمين ، والحاصل أن المالك يجوز له أن يشتري حصة العامل بعد تخمينها في قبال حب من نفس الجنس بل ومن نفس حصة العامل ، ووقت الخرص بعد بلوغ القلة وانعقاد الحب قبل أوان الحصاد ، وهذا الشراء بحاجة إلى رضا العامل ، وهو مما لا شك فيه.

ولزوم العوض على المالك إنما يكون إذا خرج الحاصل من حصة العامل بالسلامة ، فإن تلفت أو بعضها فسيأتي حكمه ، وهذا الخرص جائز على المشهور ، وهو جائز لكل من المالك والعامل للأخبار.

منها : صحيح أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه‌السلام (أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما افتتح خيبر تركها في أيديهم على النصف ، فلما أدركت الثمرة بعث عبد الله بن رواحة إليهم فخرص عليهم ، فجاءوا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقالوا : إنه قد زاد علينا ، فأرسل إلى عبد الله بن رواحة فقال : ما يقول هؤلاء؟ قال : خرصت عليهم بشي‌ء ، فإن شاءوا يأخذون بما خرصت وإن شاءوا أخذنا) (١) ، ومرسل محمد بن عيسى (قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : إن لنا أكرة فنزارعهم فيجيئون فيقولون : إنا قد حرزنا هذا الزرع بكذا وكذا ، فاعطوناه ونحن نضمن لكم أن نعطيكم حصتكم على هذا الحرز ، قال : وقد بلغ؟ قلت : نعم ، قال عليه‌السلام : لا بأس بهذا ، قلت : إنه يجي‌ء بعد ذلك فيقول : إن الحرز لم يجي‌ء كما حرزت قد نقص ، قال عليه‌السلام : فإذا زاد يردّ عليكم؟ قلت : لا ، قال عليه‌السلام : فلكم أن تأخذوه بتمام الحرز ، كما أنه إذا زاد كان له ، كذلك إذا نقص كان عليه) (١).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب بيع الثمار حديث ٣.

(١) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب بيع الثمار حديث ٤.

٣٥٧

الحصة تخمينا ويقبّله به (١) بحب ولو منه (٢) بما خرصه به (مع الرضا) (٣). وهذه معاملة خاصة مستثناة من المحاقلة (٤) إن كانت بيعا ، أو صلحا (فيستقر) ما اتفقا عليه (بالسلامة (٥) ، فلو تلف الزرع) أجمع من قبل الله تعالى (فلا شي‌ء) على الزراع ، ولو تلف البعض سقط منه بالنسبة ، ولو أتلفه متلف ضامن لم تتغير المعاملة ، وطالب المتقبل المتلف بالعوض ، ولو زاد فالزائد للمتقبل ، ولو نقص بسبب الخرص لم يسقط بسببه شي‌ء. هذا إذا وقعت المعاملة بالتقبيل (٦) ، ولو

______________________________________________________

وأشكل عليهم ابن إدريس بأن الخرص إن كان بيعا فهو مماثلة ومزابنة ، وهي أن يشتري حمل النخل بتمر والزرع بحنطة ، وقد مضى حرمتهما في كتاب البيع ، وإن كان صلحا فهو لازم وإن لم يخرج الحاصل بالسلامة ، هذا إذا كان العوض من غير الحاصل ، ولو كان من الحاصل فهو باطل لاتحاد العوض والمعوض وردّ بأن هذا الخرص لو كان بيعا فهو مستثنى من المماثلة للأخبار المتقدمة ، ولو كان صلحا فلا يضره اتحاد العوض والمعوض مع ورود الأخبار به.

هذا مع أن هذه المعاملة هي المسماة عندهم بالقبالة ، وقد تقدم ذكر ما في كتاب البيع على أن يكون إيجابها (أتقبل حصتك بكذا وكذا) فيقبل الآخر.

(١) أي بالخرص على أن تجري صيغة القبالة من المشتري وهو المالك.

(٢) أي من نفس الزرع المقدّر.

(٣) من العامل.

(٤) بيع الزرع يحب منه.

(٥) أي بشرط سلامة الحاصل ، ولا دليل على هذا الشرط وقد تقدم الكلام فيه في مسألة القبالة في بيع الثمار ، قال في المسالك : (والمشهور أن لزوم العوض فيه مشروط بالسلامة ، فإن تلفت الغلة أجمع بآفة من قبل الله تعالى فلا شي‌ء على الزارع ، ولو تلف البعض سقط بالنسبة ، ولو أتلفها متلف ضامن فهي بحالها ، ويطالب المتقبل المتلف بالعوض ، والحكم بذلك هو المشهور بين الأصحاب ، ومستنده غير واضح ، وحكمه لا يخلو من إشكال إن لم يكن انعقد عليه الإجماع ، وأنّى لهم به ، وإنما هو شي‌ء ذكره الشيخ في بعض كتبه ، وتبعه عليه الباقون معترفين بعدم النص ظاهرا على هذه اللوازم ، ولو كان النقصان بسبب الخطأ لم يسقط من المال شي‌ء عملا بالأصل ، وهو مروي عن الكاظم عليه‌السلام مرسلا) انتهى.

(٦) وتكون عقدا مستقلا في قبال البيع والصلح.

٣٥٨

وقعت بلفظ البيع اشترط فيه شرائطه (١) ، مع احتمال كونه كذلك (٢) ، ولو وقع بلفظ الصلح فالظاهر أنه (٣) كالبيع (٤) وقوفا فيما خالف الأصل على موضع اليقين ، وقد تقدم الكلام على هذه القبالة في البيع (٥).

______________________________________________________

(١) من تغاير العوض والمعوض ، مع معلومية كل منهما ، وهذا يلزم منه أن يكون العوض من غير الحاصل.

(٢) أي مع احتمال كون البيع كالقبالة ، فلا يشترط فيه شرائط البيع ، لإطلاق الأخبار المتقدمة.

(٣) أي الصلح.

(٤) فيشترط فيه شرائطه.

(٥) في المسألة الثالثة من بيع الثمار ، وقد قال الشارح هناك : (والحق أن أصلها ثابت ، ولزومها مقتضى العقد ، وباقي فروعها لا دليل عليه) انتهى.

٣٥٩
٣٦٠