الزبدة الفقهيّة - ج ٥

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٥
ISBN: 964-8220-36-0
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٦٠٠

(ويجوز له بيع غروسه ، وأبنيته ولو على غير المالك (١) على المشهور ، لأنه (٢) مالك غير ممنوع من التصرف فيه (٣) فيبيعه ممن يشاء.

وقيل : لا يجوز بيعه على غير المعير ، لعدم استقرار ملكه (٤) برجوع المعير (٥) ، وهو (٦) غير مانع من البيع ، كما يباع المشرف على التلف ومستحق القتل قصاصا.

ثم إن كان المشتري جاهلا بحاله (٧) فله الفسخ للعيب ، لا إن كان

______________________________________________________

(١) إذا أذن المعير للمستعير بغرس الأرض المعارة أو بالبناء فيها فغرس أو بنى فهل يجوز للمستعير أن يبيع غرسه وبناءه على غير المالك أو لا ، بعد الاتفاق من دون إشكال على جواز البيع المذكور على المالك ، لوجود المقتضي مع عدم المانع ، فالأول لأن الغرس ملك للمستعير فيجوز بيعه لعموم أدلة مشروعية البيع ، والثاني من عدم المانع من البيع لكون الغرس في أرض المشتري ، فإذا اشتراها لا يمنعه أحد من الوصول إليه مع عدم توقف الوصول على التصرف في ملك الغير.

وأما البيع على غير المالك فالمشهور على الجواز ، وعن الشيخ في المبسوط العدم ، ودليله أن الغرس في معرض القلع والبناء في معرض الهدم لأن المعير له سبيل على ملكه فمع البيع من المستعير تبطل العارية ، لأن البيع منه فسخ ، ولا يوجد إذن في بقاء الغرس أو البناء بين المالك والمشتري فيجوز للمالك حينئذ مطالبة المشتري بقلع غرسه وبنائه من أرضه ، ومع احتمال القلع فيكون الغرس أو البناء في معرض التلف لعدم ماليته.

وفيه : إن احتمال قلعه لا يخرجه عن المالية المسوّغة لبيعه ، فكما جاز بيع الحيوان المشرف على التلف والعبد المستحق للقتل من باب القصاص مع أنه في معرض التلف فكذلك مقامنا ، وإذا جاز البيع لكونه مالا فهو مملوك للمستعير والمستعير غير ممنوع من التصرف فيه فيجوز له بيعه ممن شاء وهو دليل المشهور.

(٢) أي المستعير.

(٣) في البناء والغرس.

(٤) أي ملك المشتري.

(٥) ويطالبه بالقلع.

(٦) عدم استقرار ملك المشتري.

(٧) أي بكون البائع مستعيرا ، فله الفسخ لأن المبيع في غير أرض البائع مع جواز قلعه وهو عيب فيه ، فله الفسخ بخيار العيب.

٣٢١

عالما (١) بل ينزل منزلة المستعير.

ولو اتفقا على بيع ملكهما معا بثمن واحد صح (٢) ، ووزّع الثمن عليهما (٣) ، فيقسّط على أرض مشغولة به (٤) على وجه الإعارة مستحقّ القلع بالأرش (٥) ، أو الإبقاء (٦) بالأجرة ، أو التملك (٧) بالقيمة مع التراضي وعلى ما فيها مستحق القلع

______________________________________________________

(١) فلو كان عالما بالحال فلا خيار له ، لإقدامه على ذلك ، بل ينزّل المشتري منزلة المستعير ، فكما أن المستعير عند ما زرع كان يعلم بجواز فسخ المالك للعقد مع مطالبته بالقلع ويكون الضرر على المستعير لإقدامه على ذلك ، فالمشتري مثله.

(٢) لو اتفق المعير والمستعير على بيع الأرض والغرس معا بعقد واحد ، وأن يكون في قبالهما ثمن واحد ، صح البيع بلا إشكال لكون الأرض والغرس ملكا لهما ، ويجوز لهما التصرف في ملكهما ، ومن التصرف الجائز البيع.

(٣) على ملكهما ، والتوزيع مبني على كون المالك هل يجوز له فسخ العارية قبل أوان حصاد الزرع أو لا ، فعلى الأول تقوّم الأرض خالية وعلى الثاني مشغولة ، ثم إن التوزيع مبني على كون المستعير هل له الحق في مطالبة المالك بالأرش على تقدير القلع أو لا ، فعلى الأول يقوّم الزرع أنه مستحق القلع الآن بالأرش للنقصان الحاصل فيه بسبب القلع ، وعلى الثاني يقوّم الزرع بأنه مستحق القلع بدون أرش وإن نقصت قيمته بسبب القلع.

ثم على القول بدفع الأرش لا يجب على المستعير قلع زرعه عند الطلب قبل دفع الأرش من المالك ، فلو لم يدفع الأرش جاز للمستعير إبقاء زرعه إلى حين الدفع ، غير أن هذا الإبقاء مشروط بكونه بأجرة جمعا بين منفعة الأرض للمالك وبين أرش المستعير ، وعليه فيقوّم الزرع بكونه مستحق القلع الآن بالأرش إلا أن عليه أجرة الأرض.

(٤) أي بالزرع.

(٥) وهذا مبني على جواز فسخ المالك عقد الوديعة قبل أوان الحصاد لما فيه من ضرر على المستعير ، ومبني على أن المستعير يستحق الأرش لو نقص الزرع بسبب القلع.

(٦) معطوف على (بالأرش) ، والمعنى أن الثمن يقسّط على أرض مشغولة بالزرع على وجه الإعارة مع كون الزرع مستحق القلع ، باقيا بالأجرة ، وهذا القول مبني على جواز الفسخ للمالك ، وعلى أن المستعير عليه أجرة الأرض لو أبقى الزرع عند عدم دفع المالك للأرش.

(٧) عطف على قوله (الإعارة) ، والمعنى أن الثمن مقسّط على أرض مشغولة بالزرع على وجه التملك بالقيمة من قبل المالك إذا رضي المستعير بذلك ، وعلى زرع مستحق القطع إما بالأرش وإما بالأجرة ، وهو مبني على جواز الفسخ من قبل المالك قبل أوان الحصاد.

٣٢٢

على أحد الوجوه (١) فلكل (٢) قسط ما يملكه (٣).

(ولو نقصت) العين المعارة (بالاستعمال لم يضمن (٤) المستعير النقص ، لاستناد التلف (٥) إلى فعل مأذون فيه ولو من جهة الإطلاق (٦) ، وتقييده بالنقص (٧) قد يفهم أنها (٨) لو تلفت به (٩) ضمنها وهو أحد (١٠) القولين في المسألة ، لعدم تناول الإذن للاستعمال المتلف عرفا (١١) وإن دخل (١٢) في الإطلاق ، فيضمنها آخر

______________________________________________________

(١) من الأرش أو الأرش مع الأجرة.

(٢) من المعير والمستعير.

(٣) فما للأرض فهو للمعير ، وما للزرع فهو للمستعير ، على أن التقويم المذكور تلحظ نسبته من الثمن فلو قوّمت الأرض بأربعين والزرع بعشرة فيقسّم الثمن أخماسا وهكذا.

(٤) لو نقصت العين المعارة أو تلفت بالاستعمال من غير تعد أو تفريط فلا ضمان على المستعير ، لأنه مأذون في الاستعمال وإن ترتب عليه النقصان أو التلف ، ولصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا غرم على مستعير العارية إذا هلكت إذا كان مأمونا) (١) ، ومثله غيره.

وقد نقل الشارح في المسالك قولا لم يعرف قائله بضمان العين لو تلفت بالاستعمال ، لأن الظاهر عدم تناول إذن المعير لهذا الاستعمال المتعقب بالتلف ، على أن يكون ضمانها في آخر حالات وجودها.

وفيه : إنه اجتهاد في قبال النص فلا يقبل مع رد دعوى انصراف الاذن عن هذا الاستعمال بعد فرض عدم التعدي أو التفريط من المستعير.

(٥) أي تلف البعض الذي هو النقصان.

(٦) أي إطلاق الاذن.

(٧) أي تقييد الاستعمال بالنقص.

(٨) أي العين المعارة.

(٩) بالاستعمال.

(١٠) وهو القول الثاني الذي لم يعرف قائله.

(١١) للانصراف.

(١٢) أي الاستعمال المتلف داخل في إطلاق الاذن.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب العارية حديث ٣.

٣٢٣

حالات التقويم (١). وقيل : لا يضمن أيضا كالنقص ، لما ذكر من الوجه (٢) وهو الوجه.

(ويضمن العارية باشتراط الضمان (٣) عملا بالشرط المأمور بالكون معه (٤) ، سواء شرط ضمان العين (٥) أم الأجزاء (٦) أم هما (٧) ، فيتبع شرطه.

(وبكونها ذهبا ، أو فضة (٨) سواء كانا دنانير ودراهم أم لا على أصح

______________________________________________________

(١) أي آخر حالات وجودها وهو حين التلف.

(٢) من كون فعله مأذونا فيه ولو من جهة إطلاق الاذن.

(٣) وقد تقدم أنه لا خلاف فيه لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا هلكت العارية عند المستعير لم يضمنها إلا أن يكون قد اشترط عليه) (١) ، ومثله غيره.

(٤) أي مع الشرط في النبوي (المؤمنون عند شروطهم) (٢).

(٥) عند التلف.

(٦) عند النقصان.

(٧) أي عند التلف أو النقصان.

(٨) فإنها مضمونة وإن لم يشترط ضمانها ، بلا خلاف في الدراهم والدنانير ، وإنما الخلاف في غيرهما من المصوغ وغيره ، وذهب إلى الاختصاص فخر المحققين والقطيفي وسيد الرياض وابن حمزة في الوسيلة لجملة من الأخبار الصريحة في الدرهم والدينار.

منها : صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا تضمن العارية إلا أن يكون قد اشترط فيها ضمان ، إلا الدنانير فإنها مضمونة وإن لم يشترط فيها ضمانا) (٣) ، وخبر عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد الله عليه‌السلام (ليس على صاحب العارية ضمان إلا أن يشترط صاحبها إلا الدراهم فإنها مضمونة ، اشترط صاحبها أو لم يشترط) (٤).

وعن الشيخ والعلامة والشهيدين ضمان مطلق الذهب والفضة للأخبار.

منها : صحيح زرارة (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : العارية مضمونة؟ فقال عليه‌السلام : جميع ما استعرت فتوى ـ أي هلك ـ فلا يلزمك تواه إلا الذهب والفضة ، فإنهما يلزمان ، إلا أن تشترط عليه أنه متى توى لم يلزمك تواه ، وكذلك جميع ما استعرت فاشترط عليك لزمك ، والذهب والفضة لازم لك وإن لم يشترط عليك) (٥) ، وموثق إسحاق بن عمار

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب العارية حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور حديث ٤.

(٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من كتاب العارية حديث ١ و ٣ و ٢.

٣٢٤

القولين ، لأن فيه جمعا بين النصوص المختلفة (١).

وقيل : يختص بالنقدين استنادا إلى الجمع (٢) أيضا ، وإلى الحكمة الباعثة على الحكم (٣) ، وهي (٤) ضعف المنفعة المطلوبة منهما (٥) بدون الانفاق ، فكانت عاريتهما موجبة بالذات لما يوجب التلف فيضمنان بهما (٦).

ويضعّف بأن الشرط الانتفاع بهما مع بقائهما (٧) ، وضعف المنفعة حينئذ لا (٧)

______________________________________________________

عن أبي عبد الله أو أبي إبراهيم عليه‌السلام (العارية ليس على مستعيرها ضمان ، إلا ما كان من ذهب أو فضة ، فإنهما مضمونان اشترطا أو لم يشترطا) (١).

وصناعة الإطلاق والتقييد تقتضي حمل الذهب والفضة على الدنانير والدراهم ، وأن الحكم بالضمان مختص بهما ، غير أنّه قد ثبت في محله عدم حمل المطلق على المقيد إذا كانا مثبتين ، ولذا توقف جماعة في الحكم في غير الدينار والدرهم منهم العلامة في التذكرة.

(١) بعد عدم حمل المطلق على المقيد لأنهما مثبتان.

(٢) لتقييد المطلق بالمقيد.

(٣) وهو حكم الضمان والحاصل أن منفعة الدينار والدرهم منحصرة بالإنفاق وإذهاب العين ، وعلى فرض وجود منفعة أخرى كالتزين مثلا فهي ضعيفة بخلاف منفعة مطلق الذهب والفضة فهي غير منحصرة بالإنفاق بل لها منافع كثيرة والتزين منها ، وعليه فلما كانت منفعة الدينار والدرهم مختصة بإتلاف العين فيناسبها الحكم بالضمان ، بخلاف منفعة الذهب والفضة فيناسبها عدم الضمان لأن منفعتهما كثيرة في غير الإنفاق ، إذ يستفيد المستعير بهما ويرجعهما إلى المالك.

ويضعّف بأن هذا لا يصلح لتأسيس الحكم الشرعي لأنه مبني على الاستحسان ، ولأن إعارة الدينار والدرهم إنما تصح على تقدير بقاء عينهما ، وبقاء العين هو شرط في صحة العارية وعليه فما فرض من التعليل بإذهاب العين بالإتلاف مناف لمعنى العارية ، ولأن ضعف المنفعة وقوتها لا مدخل له في اختلاف الحكم ، كما لا يختلف حكم استعارة البعير وقطعة من الحصير.

(٤) أي الحكمة.

(٥) من الدينار والدرهم.

(٦) بعاريتهما.

(٧) هذا هو الرد الثاني المتقدم.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من كتاب العارية حديث ٤.

٣٢٥

مدخل له في اختلاف الحكم (١) ، وتقدير منفعة الانفاق (٢) حكم بغير الواقع (٣).

(ولو ادعى) المستعير (التلف حلف (٤) لأنه أمين فيقبل قوله فيه (٥) كغيره (٦) ، سواء ادعاه (٧) بأمر ظاهر (٨) أم خفي (٩) ، ولإمكان صدقه (١٠) ، فلو لم يقبل قوله لزم تخليده الحبس.

(ولو ادعى الرد حلف المالك (١١) ،

______________________________________________________

(١) وهو الرد الثالث المتقدم.

(٢) في الدينار والدرهم.

(٣) إذ يمكن إعارتهما مع عدم إنفاق عينهما.

(٤) لأنه المنكر لموافقة قوله ظاهر الشرع من حيث كونه أمينا ، وإن كان بحسب ظاهر كلامه مدعيا لأنه يدعي التلف.

(٥) في التلف.

(٦) أي كغيره من الأمناء كالودعي ومن كانت يده على العين بإذن المالك.

(٧) أي ادعى التلف.

(٨) كالتلف المسبّب عن الحرق.

(٩) كالسرق.

(١٠) تعليل ثان لقبول قوله ، فبالإضافة إلى أمانته يمكن أن يكون صادقا في دعوى التلف فلو لم يقبل قوله مع يمينه لكان مدعيا وكان المعير هو المنكر ، فلو قدم قول المعير مع يمينه لوجب على المستعير ردّ العارية وإذا نكل عن أداء حق الناس حبس ، وبما أن العين يتعذر عليه ردها لتلفها واقعا لأن المفروض صدقه فيقتضي ذلك تخليده في السجن.

(١١) فالمالك منكر إذ الأصل عدم الرد ، وأمانة المستعير لا تقتضي تصديقه في الرد ، لأن المستعير قد قبض لمصلحة نفسه بخلاف الودعي فإنه قد قبض لمصلحة المالك فالودعي محسن ولا سبيل على المحسن فكذا قبل قول الودعي في الرد دون المستعير ، إذا المستعير حينئذ ليس محسنا.

وفيه : لو كان المناط في تقديم قول الودعي هو إحسانه لجرى في الوكيل لو ادعى الرد ، لأن الوكيل محسن حيث قبضه لمصلحة الموكل مع أنه قد وقع الاتفاق على عدم قبول قول الوكيل بالرد ، وإنما القبول لقول الموكل مع يمينه ، ومن هنا يستكشف أن الأمين مطلقا إذا ادعى الرد فهو مدع بحسب ظاهر كلامه فيقدم قول صاحبه المنكر ، وأما الودعي فقد قبل قوله في الرد للنص ، وهو مرسل الصدوق عن الصادق عليه‌السلام (عن المودع إذا كان

٣٢٦

لأصالة عدمه (١) ، وقد قبضه (٢) لمصلحة نفسه فلا يقبل قوله فيه (٣) ، بخلاف الودعي.

ومعنى عدم قبول قوله فيه (٤). الحكم بضمانه (٥) للمثل ، أو القيمة حيث يتعذر العين ، لا الحكم بالعين مطلقا (٦) ، لما تقدم في دعوى التلف (٧).

(وللمستعير الاستظلال بالشجر (٨) الذي غرسه في الأرض المعارة للغرس

______________________________________________________

غير ثقة هل يقبل قوله؟ قال عليه‌السلام : نعم ولا يمين عليه) (١)

(١) عدم الرد.

(٢) أي قبض المعار.

(٣) في الرد.

(٤) أي ومعنى عدم قبول قول المستعير في الرد أنه يلزم بالرد لو حلف المعير ، فإن كانت العين موجودة عنده على تقدير كذب دعواه فهو ، وإن كانت العين غير موجودة عنده على تقدير صدقة فالحكم عليه بالرد هو الحكم بضمان مثلها أو قيمتها.

وبما أن واقع حاله غير معلوم لنا فيحكم عليه بدفع المثل أو القيمة من أجل عدم تخليده في الحبس ، لأنه مع الحكم عليه برد العين وكانت العين متعذرة لعدم وجودها عنده فيحبس لنكوله عن أداء حق الناس حتى يرد ، ومع تعذر الرد يخلّد.

(٥) أي ضمان المستعير.

(٦) سواء تعذر الرد أم لا ، ويتعذر على تقدير صدقه ، وينتفي التعذر على تقدير كذبه.

(٧) وهو الدليل الثاني على قبول قول المستعير في دعوى التلف.

(٨) إذا استعار أرضا للغرس فغرسها فهل يجوز للمعير دخول الأرض والاستظلال بالشجر أو لا ، لا إشكال في جواز الدخول إلى الأرض لأنها ملكه فله الدخول إليها في أي وقت شاء ، ويجوز له أن يستظل بشجرها وإن كان الشجر ملكا لغيره ، لأنه حال الاستظلال جالس في ملكه كما لو جلس في أملاكه الأخرى غير المعارة واتفق له التظليل بشجر غيره ، أو جلس في أرض مباحة واتفق له التظليل بشجر غيره. ثم هل يجوز للمستعير دخول الأرض والاستظلال أو لا ، لا إشكال في جواز دخول المستعير إلى الأرض ، لأن الشجر ملكه فله الدخول لأجل الشجر بأن يسقيه ويحرسه ويهذبه ونحو ذلك وليس له أن يدخل لغرض آخر غير ما يتعلق بمصلحة الشجر والثمر كالتفرج ، لأن الاستعارة وقعت لمنفعة معينة فلا يتعداها.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب الوديعة حديث ٧.

٣٢٧

وإن استلزم التصرف في الأرض بغير الغرس ، لقضاء العادة به (١). كما يجوز له الدخول إليها لسقيه ، وحرثه ، وحراسته ، وغيرها ، وليس له الدخول لغير غرض يتعلق بالشجر كالتفرج ، (وكذا) يجوز (للمعير) الاستظلال بالشجر المذكور وإن كان ملكا لغيره ، لأنه جالس في ملكه كما لو جلس في غيره من أملاكه فاتفق له التظلل بشجر غيره ، أو في المباح كذلك (٢) ، وكذا يجوز له الانتفاع بكل ما لا يستلزم التصرف في الشجر.

(ولا يجوز) للمستعير (إعارة العين المستعارة إلا بأذن المالك (٣) ، لأن الإعارة إنما تناولت الإذن له خاصة. نعم يجوز له استيفاء المنفعة بنفسه ، ووكيله ، لكن لا يعد ذلك إعارة ، لعود المنفعة إليه ، لا إلى الوكيل.

وحيث يعير (٤) يضمن العين والمنفعة (٥) ، ويرجع المالك على من شاء منهما ،

______________________________________________________

وأما الاستظلال فإن جاز الدخول لمصلحة الشجر فيجوز له الاستظلال حال كون الدخول جائزا ، وإن كان الدخول ممنوعا كما لو كان للتفرج فلا يجوز له الاستظلال لأنه تصرف منهي عنه.

هذا وقال الشارح في المسالك : (تنبيه : يعلم من قولهم إن المستعير ليس له الدخول للتفرج أنه لا يجوز لأحد الدخول إلى أرض غيره للتفرج بطريق أولى إلا بإذن المالك) انتهى.

(١) بالتصرف بغير الغرس.

(٢) واتفق له التظليل بشجر غيره.

(٣) بلا إشكال ولا خلاف ضرورة اقتضاء عقد العارية إباحة المنافع لخصوص المستعير ، لا تمليكه إياها حتى يتملكها ثم يعيرها إلى غيره ، نعم يجوز للمستعير أن يستوفي المنفعة بنفسه أو وكيله ، ولا يعدّ ذلك إعارة الوكيل ، لأن المنفعة عائدة إلى المستعير لا إلى الوكيل.

(٤) أي وحيث يعير المستعير بغير إذن المالك فقد تعدى فيضمن العين لو تلفت لعدوانه ، وكذا يضمن المستعير الثاني العين لو تلفت تحت يده لعدم الاذن له من قبل المالك.

ويرجع المالك على أيهما شاء بأجرة المثل عن مدة الإعارة الثانية ، لضمان كل منهما منافع المعين المستوفاة وغير المستوفاة ، لمالية المنفعة مطلقا وقد فوّتت على المالك فيضمنها الأول لعدوانه ، والثاني لعدم إذن المالك له.

(٥) مطلقا المستوفاة منها وغيرها.

٣٢٨

فإن رجع (١) على المستعير الأول لم يرجع (٢) على الثاني الجاهل ، إلا أن تكون العارية مضمونة (٣) فيرجع عليه (٤) ببدل العين خاصة (٥) ، ولو كان (٦) عالما استقر الضمان عليه (٧) كالغاصب (٨) ، وإن رجع (٩) على الثاني رجع (١٠) على الأول بما لا يرجع عليه به (١١) لو رجع عليه (١٢) ،

______________________________________________________

(١) أي لو رجع المالك على المستعير الأول بأجرة المثل ويبدل العين لو تلفت فلا يرجع الأول على الثاني ، إن كان الثاني جاهلا بكونها عارية إلا إذا كانت العارية مضمونة عليه على كل حال كعارية الذهب والفضة فيرجع الأول عليه حينئذ ، لأن الثاني ضامن لها على كل حال.

وإن كان الثاني عالما بكونها عارية من غير إذن مالكها فيرجع الأول عليه ، لأن الضمان يستقر على من تلفت العين تحت يده ، والمفروض أنها تلفت تحت يد الثاني ، وتكون المسألة حينئذ كتعاقب الأيدي الغاصبة على العين مع استقرار الضمان على من تلفت العين عنده.

(٢) أي المستعير الأول.

(٣) كعارية الذهب والفضة.

(٤) فيرجع الأول على الثاني الجاهل.

(٥) ولا يرجع الأول على الثاني ببدل المنافع الذي هو أجرة المثل لتسليط الأول للثاني عليها فكيف يرجع ببدلها.

(٦) أي المستعير الثاني.

(٧) على الثاني لتلف العين تحت يده فيرجع الأول عليه.

(٨) أي كمسألة تعاقب الأيدي الغاصبة على العين مع تلفها تحت يد أحدهم.

(٩) أي ولو رجع المالك على المستعير الثاني فإن كان عالما لا يرجع على المستعير الأول لاستقرار الضمان عليه ، إذ لو رجع لكان قد أتلف العين بدون عوض ، وإن كان جاهلا رجع على الأول ، لأن الأول قد غرّه بأن العارية له ، والمغرور يرجع على من غرّه ، إلا أن تكون العارية مضمونة فلا يرجع الثاني على الأول وإن كان الثاني جاهلا لأنها مضمونة عليه على كل حال مع علمه بأنها عارية وإن جهل بأنها لغير المستعير الأول.

(١٠) أي الثاني.

(١١) أي بما لا يرجع الأول على الثاني به.

(١٢) أي لو رجع المالك على الأول ، وهذا لا يكون إلا في صورة جهل الثاني حال كون العارية غير مضمونة.

٣٢٩

لغروره (١) ، (ولو شرط سقوط الضمان في الذهب والفضة صح (٢) عملا بالشرط.

(ولو شرط سقوطه (٣) مع التعدي أو التفريط احتمل الجواز (٤) لأنه (٥) في قوة الإذن له (٦) في الإتلاف فلا يستعقب الضمان (كما لو أمره بإلقاء متاعه في البحر).

ويحتمل عدم صحة الشرط ، لأنهما (٧) من أسباب الضمان فلا يعقل إسقاطه (٨) قبل وقوعه (٩) ، لأنه (١٠) كالبراءة مما لم يجب ، والأول أقوى (١١).

______________________________________________________

(١) تعليل لعدم رجوع الأول على الثاني.

(٢) أي صح شرط الإسقاط لعموم (المؤمنون عند شروطهم) (١) ، ولخصوص صحيح زرارة (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : العارية مضمونة؟ فقال عليه‌السلام : جميع ما استعرت فتوى فلا يلزمك تواه ، إلا الذهب والفضة ، فإنهما يلزمان إلا أن تشترط عليه أنه متى توى لم يلزمك تواه) (٢).

(٣) أي سقوط الضمان.

(٤) قيل : يصح الشرط لعموم (المؤمنون عند شروطهم) (٣) ، ولأن معنى شرط سقوط الضمان عند التعدي هو الاذن في إتلافه ، وإذا أذن في التلف لا يضمن التالف كما لو أمره بإلقاء ماله في البحر.

وقيل : لا يصح الشرط باعتبار إنه إسقاط للواجب قبل وجوبه ، إذ الضمان مسبّب عن التعدي أو التفريط لا قبلهما فكيف يسقط قبل حصول سببه ، فإسقاط الضمان بمعنى الإبراء ولا يصح الإبراء مما لم يجب.

(٥) أي شرط سقوط الضمان.

(٦) للمستعير.

(٧) أي التعدي والتفريط.

(٨) أي إسقاط الضمان.

(٩) أي قبل وقوع سبب الضمان.

(١٠) أي إسقاط الضمان.

(١١) لأن الشرط بمعنى الاذن أولى من كونه بمعنى الإبراء.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور حديث ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من كتاب العارية حديث ٢.

٣٣٠

(ولو قال الراكب : أعرتنيها ، وقال المالك : آجرتكها حلف الراكب (١) ، لاتفاقهما على أن تلف المنافع وقع على ملك المستعير (٢) ، وإنما يختلفان في الأجرة ، والأصل براءة ذمته منها (٣).

(وقيل) : يحلف (المالك) (٤) ، لأن المنافع أموال كالأعيان فهي بالأصالة لمالك العين فادعاء الراكب ملكيتها بغير عوض على خلاف الأصل ، وأصالة براءة ذمته (٥) إنما تصح من خصوص ما ادعاه المالك (٦) ، لا من مطلق الحق (٧) بعد استيفائه منفعة ملك غيره.(وهو أقوى) ولكن لا يقبل قوله (٨) فيما يدعيه من الأجرة ، لأنه فيها مدع ، كما أن الراكب بالنسبة إلى العارية مدع ، بل يحلف (٩)

______________________________________________________

(١) فالقول قول الراكب مع يمينه كما عن الشيخ وابن زهرة وأول الشهيدين والأردبيلي ، لأن المالك مدع للأجرة والراكب ينكرها ، والأصل عدم اشتغال ذمة الراكب بالأجرة.

(٢) فالمالك يزعم أنه ملك المنافع بالإجارة ، والمستعير يزعم أنه ملكها بالإعارة.

(٣) أي والأصل براءة ذمة مدعي العارية من الأجرة.

(٤) على المشهور ، لأن المنافع مال للمالك كالعين فالأصل ملكية المالك للمنافع والراكب يدعي ملكيتها بغير عوض ، وهو على خلاف الأصل المتقدم ، فهو المدعي والمالك منكر فيقدم قول المالك مع يمينه.

وقول الراكب الموافق لأصالة عدم اشتغال ذمته بالأجرة لا يجعله منكرا مطلقا ، بل يجعله منكرا بالنسبة إلى القيمة التي يدعيها المالك فقط ، ولا يجعله منكرا مطلقا لأنه معترف باستيفاء منافع الغير.

وعليه فإذا حلف المالك سقطت دعوى الراكب بالإعارة وتثبت دعوى المالك بأنها مستأجرة ، ولكن لا تثبت أجرة المسمى من قبل المالك ، لأن المالك بخصوصها مدع والراكب ينفيها بدعواه العارية ، ولا يمكن الأخذ بقول الراكب فتنتفي أجرة المسمى وتثبت أجرة المثل.

(٥) أي ذمة الراكب.

(٦) من أجرة المسمى.

(٧) وأنه قد استوفى منافع الغير.

(٨) أي قول المالك في أجرة المسمى.

(٩) أي المالك ، والمعنى فيمين المالك لا تثبت إلا نفي العارية فقط ، أما مقدار الأجرة فهو شي‌ء آخر لا يثبت بيمينه لأنه مدع به والآخر منكر ، غير أن هذا المنكر ـ وهو الراكب ـ

٣٣١

على نفي العارية ، (ويثبت له (١) أجرة المثل) ، لثبوت أن الراكب تصرف في ملك غيره بغير تبرع منه (٢) ، (إلا أن تزيد) أجرة المثل (على ما ادعاه) المالك (من المسمى) فيثبت المسمى ، لاعترافه (٣) بعدم استحقاقه سواه (٤).

ويشكل (٥) بأن المالك يدعي الزائد من الأجرة (٦) على تقدير زيادة ما يدعيه عن أجرة المثل ، والراكب ينفيه فلا بد من وجه شرعي يقتضي نفيه (٧) ، وحلفه (٨) على نفي الإعارة لم يدل على نفي الإجارة ، كما لم يدل على إثباتها (٩) ، وإثبات أقل

______________________________________________________

لمّا لم يؤخذ بقوله في دعوى العارية لا يؤخذ بقوله بنفي مقدار الأجرة مطلقا ، فضلا عن اعترافه باستيفاء المنافع في ملك الغير فتثبت أجرة المثل دون أجرة المسمى.

(١) أي للمالك.

(٢) من الغير.

(٣) أي اعتراف المالك.

(٤) سوى المسمى ، وهو اختيار العلامة في القواعد أيضا.

(٥) أي ويشكل نفي الزائد من أجرة المسمى عن أجرة المثل ، ووجه الإشكال أن أجرة المثل ثابتة على الراكب لاعترافه باستيفاء منافع ملك الغير ، فهي ثابتة عليه سواء حلف المالك أم لا ، وأما نفي الزائد عنها من أجرة المسمى فلا دليل عليه ، لأن يمين المالك إنما هي على نفي العارية وليست على إثبات الأجرة أو نفيها ، فلا يصح نفي الزائد المذكور إلا بحلف الراكب ، لأنه المنكر للأجرة مطلقا ، مع أن المشهور لم يلزموا الراكب بيمين على نفيه كما ألزموا المالك بيمين على نفي العارية.

وبهذا يضعف قول المشهور ، وأن الأقوى أنهما يتحالفان ، لأن كلا منهما مدع ومنكر ، فالمالك مدع للإجارة ومنكر للإعارة والراكب بالعكس ، وهذا مورد التحالف ، فيحلف المالك على نفي العارية ويحلف الراكب على نفي الأجرة المدعاة من قبل المالك ، وتثبت أجرة المثل لاعتراف الراكب باستيفاء منافع ملك الغير ، إلا أن تكون أجرة المسمى أقل ، فيثبت الأقل لاعتراف المالك بعدم استحقاقه سوى المسمى ، وهذا ما عليه العلامة في المختلف والشهيد في بعض تحقيقاته وتبعهما جماعة عليه.

(٦) أي أجرة المسمى.

(٧) نفي الزائد.

(٨) أي حلف المالك.

(٩) أي إثبات الإجارة مع لوازم أجرتها المسماة.

٣٣٢

الأمرين (١) باليمين (٢) مسلم (٣) ، لكن يبقى النزاع في الزائد (٤) على تقديره لا يندفع (٥) إلا بحلف الراكب على نفي الإجارة ، أو نكوله (٦) فيحلف المالك عليها (٧) ، ويأخذ الزيادة.

فالأقوى حينئذ أنهما يتحالفان لأن كلا منهما مدع ومدعى عليه فيحلف المالك على نفي الإعارة ، والراكب على نفي الإجارة ويثبت أقل الأمرين (٨) ، لانتفاء الزائد من المسمى (٩) بيمين المستعير ، والزائد عن أجرة المثل (١٠) باعتراف المالك (١١). وهذا هو الذي اختاره المصنف في بعض تحقيقاته.

هذا إذا وقع الاختلاف بعد انقضاء مدة لها أجرة عادة ، أو ما يدعي (١١)

______________________________________________________

(١) من أجرة المثل وأجرة المسمى ، على تقدير كون أجرة المثل أقل.

(٢) أي باليمين من قبل المالك.

(٣) وفيه : إن الأقل وهو أجرة المثل في المثال المفروض قد ثبتت لاعتراف الراكب باستيفاء منافع ملك الغير ، ولم تثبت ليمين المالك ، لأن يمينه على نفي الإعارة.

(٤) وهو الزائد من أجرة المسمى عن أجرة المثل.

(٥) أي لا ينتفي.

(٦) أي نكول الراكب عن اليمين مع حلف المالك اليمين المردودة عليه فيثبت الزائد ، غير أنه قد ثبت بيمينين من قبل المالك ، يمين المنكر حال كونه نافيا للعارية ، ويمين المدعي المردودة ، حال كونه قد ادعى الأجرة ، هذا مع أن المشهور قد اكتفى بيمين واحدة من المالك وأنها يمين المنكر في مقام نفي الزائد ولم يتعرضوا لمقام إثباته.

(٧) على الإجارة.

(٨) من أجرة المثل ومن أجرة المسمى ، فلو كانت أجرة المثل هي الأقل فهي ثابتة لاعتراف الراكب بالاستيفاء كما تقدم ، ولو كانت أجرة المسمى هي الأقل فهي ثابتة لاعتراف المالك بعدم استحقاق سواها.

(٩) إذا كانت أجرة المثل أقل.

(١٠) إذا كانت أجرة المسمى أقل.

(١١) وهو اعترافه بعدم استحقاقه سوى المسمى.

(١٢) أي المالك ، والمعنى ما تقدم يجري فيما لو وقع الاختلاف بعد انقضاء مدة يدعي المالك كونها مدة الإجارة ، أو وقع الاختلاف بعد مضي مدة لها أجرة عادة.

٣٣٣

كونها مدة الإجارة ، أما قبله (١) فالقول قول الراكب في نفي الإجارة ، وتستردّ العين (٢).

______________________________________________________

(١) أي قبل الانقضاء بحيث وقع الاختلاف بعد العقد ولم يقع من الراكب استيفاء للمنافع أبدا ، فلا إشكال ولا خلاف ـ كما في الجواهر ـ في تقديم قول الراكب مع يمينه في عدم الإجارة ، لأن المالك يدعي ثبوت الأجرة عليه والأصل عدم اشتغال ذمته بالأجرة.

ولم يدع الراكب هنا استيفاء المنافع بغير عوض حتى يعارض بالأصل من أن المنافع للمالك ، لأنه لا استيفاء أبدا ، وهذا هو الفارق بين فرعنا وبين الفرع المتقدم.

(٢) لأن الإجارة باطلة بيمين الراكب ، والعارية باطلة لدعوى المالك للإجارة ، لأن بدعواه المذكورة ينفي العارية ، ونفيه لها فسخ منه لها على تقدير ثبوتها واقعا لأنها من العقود الجائزة وهذا النفي كاف في فسخها ، فلا بدّ من رد العين إلى مالكها حينئذ لعدم إذن من المالك بوضعها تحت يد الراكب لا بالإجارة ولا بالعارية.

٣٣٤

كتاب المزارعة

٣٣٥
٣٣٦

(كتاب المزارعة (١)

(وهي) لغة مفاعلة من الزرع ، وهي تقتضي وقوعه منهما

______________________________________________________

(١) لا إشكال في مشروعيتها ، لأنها معاملة عقلائية لم يردع عنها الشارع ، ولجملة من الأخبار المتعرضة لإحكامها وسيأتي التعرض لها ، بل إنها مستحبة ففي خبر الواسطي (سألت جعفر بن محمد عليه‌السلام عن الفلاحين قال : هم الزارعون كنوز الله في أرضه ، وما في الأعمال شي‌ء أحب إلى الله من الزراعة ، وما بعث الله نبيا إلا زارعا إلا إدريس عليه‌السلام فإنه كان خياطا) (١) ، وفي خبر ثان (إن الله جعل أرزاق أنبيائه في الزرع والضرع كيلا يكرهوا شيئا من قطر السماء) (٢) ، وفي ثالث (الكيمياء الأكبر الزراعة) (٣) ، وفي رابع (الزارعون كنز الأنام يزرعون طيبا ، أخرجه الله ، وهم يوم القيامة أحسن الناس مقاما وأقربهم منزلة ، يدعون المباركين) (٤) ، وفي خامس (سئل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أي الأعمال خير؟ قال : زرع يزرعه صاحبه وأصلحه وأدى حقه يوم حصاده ، قال : فأي الأعمال بعد الزرع؟ قال : رجل في غنم له قد تبع بها مواضع القطر ، يقيم الصلاة ويؤتى الزكاة ، قال : فأي المال بعد الغنم خير؟ قال : البقر يغدو بخير ويروح بخير ، قال : فأي المال بعد البقر خير؟ قال : الراسيات في الوحل المطعمات في المحل ، نعم المال النخل ، من باعها فإنما ثمنه بمنزلة رماد على رأس شاهق ، اشتدت به الريح في يوم عاصف إلا أن يخلف مكانها ، قيل : يا رسول الله : فأي المال بعد النخل خير فسكت ، فقام إليه رجل

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب مقدمات التجارة حديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من كتاب المزارعة والمساقاة حديث ٢.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٢٦١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من كتاب المزارعة والمساقاة حديث ٧.

٣٣٧

معا (١) ، لكنها في الشرع صارت (معاملة على الأرض بحصة من حاصلها (٢) إلى أجل معلوم) ، ونسب الفعل (٣) إليهما (٤) بفعل (٥) أحدهما مع طلب الآخر (٦)

______________________________________________________

فقال له : فأين الابل؟ قال : فيها الشقاء والجفاء والعناء وبعد الدار ، تغدو مدبرة وتروح مدبرة ، لا يأتي خيرها إلا من جانبها الأشأم ، أما إنها لا تعدم الأشقياء الفجرة) (١) ، وتسمى بالمخابرة ولعله من الخبرة بمعنى النصيب أو من الخبارة بمعنى الأرض الرخوة.

(١) المزارعة مفاعلة من الزرع ، والمفاعلة لغة تقتضي وقوع الزرع منهما ، غير أن المزارعة في الاصطلاح بأنها معاملة على الأرض بحصة من حاصلها ، بحيث يوقع صاحب الأرض والعامل معاملة على الأرض ليزرعها العامل ويكون للمالك حصة من الزرع ، وهذا يفيد أن الزرع لم يقع إلا من العامل فقط. وقد يجاب تحقيقا للمعنى اللغوي القاضي بوقوع الزرع منهما أن صاحب الأرض بإيقاعه المعاملة مع العامل قد أمر العامل بالزرع ويطلق على الآمر بالزرع لفظ الزارع نظرا إلى سببيّة الأمر في وقوع الزرع كالمضاربة فالعامل فيها قد وقع منه الضرب إلا أن رب المال لما أمر فيقال له مضارب أيضا.

(٢) عرّف الأكثر بأنها معاملة على الأرض بحصة من حاصلها ، والمعاملة جنس تشمل إجارة الأرض وبيعها والمساقاة وبقيد (على الأرض) تخرج المساقاة لأنها معاملة على الأصول القائمة لسقيها بحصة من ثمرها ، وبقيد (بحصة من حاصلها) تخرج الإجارة والبيع ، لأنهما معاملة على الأرض بعوض معيّن ، بل لو كان هذا العوض من حصة الحاصل لبطلت الإجارة والبيع ، لأن العوض المعيّن يجب أن يكون متحققا والحصة من الحاصل قد لا تتحقق عند عدم نتاج الأرض شيئا من الزرع.

هذا وزاد المصنف وجماعة على التعريف (إلى أجل معلوم) ، وهذا القيد من جملة شروط المزارعة ، فذكره في التعريف إما لبيان الواقع من أنها لا تصح إلا بهذا الشرط ، وإما لإخراج المزارعة الفاسدة لأن مجهولية الأجل توجب فساد المزارعة ، وإما للاستطراد في ذكر هذا الشرط من باب الكشف عن الماهية بذكر بعض شروطها ، وهذا الكشف استطرادي هنا ، لأن الكشف في التعريف إنما يكون في الأركان وهي الأجزاء من جنس وفصل ، ولا يتم بذكر الشروط.

(٣) وهو الزرع.

(٤) إلى العامل ورب الأرض.

(٥) أي بسبب فعل أحدهما ، وهو زرع العامل.

(٦) أي طلب الزرع من رب الأرض.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب أحكام الدواب حديث ١.

٣٣٨

فكأنه (١) لذلك فاعل (٢) كالمضاربة ، وخرج بالمعاملة على الأرض المساقاة ، فإنها (٣) بالذات على الأصول (٤) ، وبالحصة (٥) إجارة الأرض للزراعة ، أو الأعم (٦) ، إذ لا تصح (٧) بحصة من الحاصل. وقيد الأجل (٨) لبيان الواقع (٩) ، أو تخصيص للصحيحة (١٠) ، أو استطراد لبعض الشرائط التي يحصل بها (١١) الكشف عن الماهية (١٢) ، وإن لم يكن ذكرها (١٣) من وظائف التعريف (١٤).

(وعبارتها (١٥) : زارعتك ، أو عاملتك ، أو سلمتها إليك ، وشبهه) كقبّلتك

______________________________________________________

(١) أي فكأن رب الأرض لطلبه الزرع.

(٢) أي زراع.

(٣) أي المساقاة.

(٤) أي الشجر القائم.

(٥) أي وخرج بالحصة.

(٦) أي إجارتها للأعم من الزراعة وغيرها.

(٧) أي إجارة الأرض.

(٨) الذي ذكره المصنف.

(٩) من أنه شرط فيها.

(١٠) أي تخصيص للتعريف بالصحيحة مع إخراج المزارعة الفاسدة.

(١١) بهذه الشرائط.

(١٢) أي ماهية المزارعة.

(١٣) أي ذكر الشرائط.

(١٤) إذ وظيفته الاقتصار على الأجزاء في مقام الكشف عن الماهية.

(١٥) المزارعة معاملة بين رب الأرض والعامل ، فهي عقد مؤلف من الإيجاب والقبول ، وهو عقد لازم بلا خلاف في ذلك ، ويقتضيه الأمر بالوفاء بالعقود إلا ما خرج بالدليل ، ولا دليل على إخراج المزارعة. وعلى مبنى مشهور القدماء لما كانت المزارعة من العقود اللازمة فيشترط في إيجابها وقبولها كل لفظ صريح ، فلا ريب في الاجتزاء حينئذ في الإيجاب بلفظ (زارعتك ، وسلّمت إليك ، وقبّلتك الأرض ، وعاملتك على الأرض بحصة من حاصلها) ، ونحوها من صيغ الماضي الدالة على الإنشاء صريحا ، وكذا القبول ، وقد اختار العلامة في القواعد الاكتفاء بالقبول الفعلي ، وقال عنه في الجواهر : (وما اختاره العلامة في القواعد في غير محله).

٣٣٩

هذه الأرض ، ونحوه من صيغ الماضي الدالة على إنشاء العقد صريحا.

والمشهور جوازها بصيغة ازرع (١) هذه الأرض ، استنادا إلى رواية قاصرة الدلالة عن إخراج هذا العقد اللازم عن نظائره (٢) ، فالمنع أوجه (فيقبل) الزارع (لفظا) على الأقوى (٣) كغيره (٤).

(وعقدها لازم (٥) ، لعموم الأمر بالوفاء بالعقود (٦) ، إلا ما أخرجه الدليل.

______________________________________________________

هذا وقد عرفت أنه يكفي صدق العقد ، وهو صادق عرفا على كل لفظ دال على إنشاء الإيجاب والقبول ، وإن لم يكن صريحا ، بل تكفي المعاطاة والكتابة ونحو ذلك من الدوالى العرفية على إنشاء الإيجاب والقبول.

نعم لا يصح إنشاء الإيجاب بلفظ الأمر ، لعدم تحقق الإنشاء به عرفا ، إلا أن المشهور أجازوا ذلك استنادا إلى خبر أبي الربيع الشامي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سئل عن الرجل يزرع الأرض رجل آخر ، فيشترط عليه ثلثا للبذر وثلثا للبقر ، فقال : لا ينبغي أن يسمّي بذرا ولا بقرا ، ولكن يقول لصاحب الأرض : أزرع في أرضك ولك منها كذا وكذا نصفا وثلثا وما كان من شرط ، ولا يسمّي بذرا ولا بقرا) (١) وإلى خبر النضر بن سويد عن عبد الله بن سنان (أنه قال : في الرجل يزارع فيزرع أرض غيره فيقول : ثلث للبقر وثلث للبذر وثلث للأرض ، قال : لا يسمّى شيئا من الحب والبقر ، ولكن يقول : ازرع فيها كذا وكذا ، إن شئت نصفا وإن شئت ثلثا) (٢).

والوارد فيهما صيغة المضارع كما في الوسائل والجواهر وغيرهما.

وردّ المشهور بأن الرواية لا تدل على الأمر بل على المضارع ، وبأن الرواية لا تدل على وقوع الإيجاب بهذه الصيغة من المضارع وإلا لوجب ذكر القبول ، مع أنه غير مذكور ، وهذا كاشف عن أن هذا المذكور في الرواية من جملة القول الذي يكون بين المتعاقدين قبل العقد ليتقرر الأمر بينهما.

(١) كفعل أمر.

(٢) لأن العقد اللازم لا يصح إنشاؤه إلا بلفظ الماضي عند المشهور.

(٣) في قبال مخالفة العلامة.

(٤) أي كغيره من العقود اللازمة.

(٥) قد تقدم الكلام فيه.

(٦) في قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٣).

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من كتاب المزارعة والمساقاة حديث ١٠ و ٥.

(٣) سورة المائدة ، الآية : ١.

٣٤٠