الزبدة الفقهيّة - ج ٥

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٥
ISBN: 964-8220-36-0
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٦٠٠

التغرير بمال المالك ، وحملا للإطلاق (١) على المتعارف وهو نقد البلد كالوكالة (٢).

وقيل : يجوز بغيره (٣) ، وبالعرض مع كونه مظنة للربح ، لأن الغرض الأقصى منها ذلك (٤) ، بخلاف الوكالة. وفيه قوة.

ولو أذن المالك في شي‌ء من ذلك خصوصا ، أو عموما كتصرف برأيك ، أو كيف شئت جاز بالعرض قطعا ، أما النقد (٥) وثمن المثل فلا يخالفهما إلا مع التصريح (٦). نعم يستثنى من ثمن المثل نقصان يتسامح به عادة.

(وليشتر بعين المال) ، لا بالذمة (٧) (إلا مع الإذن في الذمة) ولو بالإجازة ، فإن اشترى فيها بدونه (٨) ولم يذكر المالك لفظا ولا نية وقع له ، ولو ذكره لفظا

______________________________________________________

(١) دليل نقد البلد.

(٢) ولم يذكر الثالث لتقدم دليله في الشراء.

(٣) أي بغير نقد البلد ـ أي بلد البيع ، وكذا يجوز بيعه بالعرض ، قال في المسالك : (لأن الغرض الأقصى منها ـ أي المضاربة ـ تحصيل الربح ، وهو قد يكون بغير نقد البلد كالعروض ، والأقوى جوازه بها مع الغبطة) انتهى.

(٤) أي الربح.

(٥) في قبال النسيئة.

(٦) بحيث لا يدل الاذن العام على هذا التصرف ، لأن الاذن العامل يحمل على المتعارف ، والمتعارف هو التصرف المفيد لتحصيل الربح مع أن البيع نسيئة وبدون المثل مخالف لتحصيل الربح ، بخلاف العرض فإن التصرف فيه مع الغبطة مشمول للاذن العام ، لأن ليس فيه نقصان ربح.

(٧) أي لا يشتري العامل المتاع نسيئة ، وهذا قد تقدم ، وإنما أعاده تمهيدا لما بعده.

(٨) أي اشترى في الذمة بدون الاذن ولو الاذن اللاحق فتارة يذكر العامل المالك في متن العقد ، بمعنى أن الثمن في ذمة المالك ولم يجز المالك فيقع العقد باطلا لبطلان عقد الفضولي مع عدم إجازة المالك ، وأخرى يذكر المالك نية ولم يذكره في لفظ العقد ولم يجز المالك ، فالعقد لا يكون عقدا عن المالك لعدم إجازته ، ويحكم بالعقد على العامل بمعنى عليه أن يتخلص بنفسه من البائع وهو حكم بكون العقد ظاهرا عن العامل ، وإن كان واقعا باطلا لكونه عن المالك ولم يجز المالك ، ولو لم يذكر المالك لا لفظا ولا نية فالعقد واقع عن العامل واقعا وظاهرا وعليه دفع الثمن إلى البائع.

٢٦١

فهو فضولي ، ونية خاصة فهو للعامل ظاهرا ، وموقوفا باطنا ، فيجب التخلص من حق البائع.

(ولو تجاوز (١) ما حدّ له المالك) من الزمان والمكان والصنف (ضمن (٢) ، والربح على الشرط) كما مر ، أما لو تجاوز بالعين (٣) ، والمثل (٤) والنقد (٥) وقف على الإجازة فإن لم يجز بطل.

(وإنما تجوز) المضاربة (بالدراهم والدنانير) (٦) إجماعا ، وليس ثمة علة مقنعة غيره فلا تصح بالعروض (٧) ولا الفلوس (٨) ولا الدين ، وغيرها (٩) ، ولا فرق بين المعين والمشاع (١٠).

______________________________________________________

(١) أي العامل.

(٢) أي ضمن مال المضاربة ويكون الربح بينهما على ما شرط في العقد ، وقد تقدم الكلام فيه.

(٣) أي عين المال بحيث اشترى أو باع بغير نقد البلد.

(٤) بحيث اشترى المتاع بأكثر من ثمن مثله ، أو باعه بالأدون.

(٥) بحيث باعه نسيئة ، فيقف البيع في الجميع على الإجازة وإلا بطل ، لأن البيع في الثلاثة الأخيرة فضولي ، والفرق بينها وبين ما لو تجاوز ما حدّ له المالك ، أن مخالفة ما صرح به المالك قد ورد فيه النصوص بكون البيع صحيحا والربح على ما شرط مع كون الضمان على العامل وقد تقدمت ، بخلاف ما هنا فلا بد من إعمال القواعد ، وهي قاضية بما سمعت من كون البيع فضوليا لعدم الاذن فيه.

(٦) قال في المسالك : (واشتراط ذلك في المال موضع وفاق ، ونقله في التذكرة ، وهو العمدة) ، وقال في الجواهر : (بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه) ، وعلّل أيضا بأن المضاربة معاملة تشتمل على غرر ، إذ العمل مجهول والربح غير متيقن الحصول ، وإنما سوغت هذه المعاملة مع ذلك للحاجة فتختص بما تسهل التجارة به وتروج في كل حال ، وهو النقدان فقط دون غيره.

(٧) جمع عرض ، وهو المتاع وكل شي‌ء ما عدا النقدين على ما تقدم بيانه ، والدليل عليه قيام الإجماع على غيره ، وكذا بالنسبة لما بعده

(٨) جمع فلس ، وهو المسكوك من النحاس لا من الذهب ولا من الفضة.

(٩) كالذهب والفضة غير المسكوكين.

(١٠) أي لا فرق في الدراهم والدنانير التي يجوز فيها المضاربة بين المعيّنة أو المشاعة ، مثل قوله : ضارب بحصتي في هذا المال المشترك.

٢٦٢

(وتلزم الحصة (١) بالشرط) (٢) ، دون الأجرة ، لأنها معاملة صحيحة فيلزم مقتضاها ، وهو ما شرط للعامل من الحصة. وفي قول نادر أن اللازم أجرة المثل ، وأن المعاملة فاسدة ، لجهالة العوض ، والنصوص الصحيحة على صحتها ، بل إجماع المسلمين يدفعه.

(والعامل أمين (٣) لا يضمن إلا بتعد ، أو تفريط) (٤) ومعهما (٥) يبقى العقد ،

______________________________________________________

(١) أي الحصة من الربح للعامل.

(٢) أي الشرط المذكور في متن عقد المضاربة ، هذا ومحل النزاع أن المضاربة هل هي معاملة صحيحة أو لا ، فعلى الأول يجب الالتزام بالشرط الوارد في عقدها ، والصادر من رب المال والعامل على الربح بالنصف أو الثلث ونحوهما وعليه قول جميع العلماء على اختلاف مذاهبهم إلا قليلا من أصحابنا كما في المسالك ، وقال في الجواهر : (الموافق لما هو المشهور ، بل المجمع عليه من مشروعيتها) ، بالإضافة إلى النصوص وقد تقدم بعضها.

وعن المفيد والشيخ في النهاية أن الربح كله للمالك ، وللعامل أجرة المثل ، لأن المعاملة باطلة لجهالة العوض ، وردّ بمخالفته للنصوص الكثيرة مع أن الجهالة بالعوض لا تضرّ في الكثير من العقود كالمزارعة والمساقاة.

(٣) بالاتفاق وعليه الأخبار :

منها : صحيح الحلبي المتقدم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (المال الذي يعمل به مضاربة له من الربح وليس عليه من الوضيعة شي‌ء إلا أن يخالف أمر صاحب المال) (١).

(٤) بالاتفاق للأخبار :

منها : خبر الحلبي المتقدم ، وصحيحه الآخر عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في الرجل يعطي المال فيقول له : ائت أرض كذا وكذا ، ولا تجاوزها واشتر منها ، قال عليه‌السلام : فإن جاوزها وهلك المال فهو ضامن ، وإن اشترى متاعا فوضع فيه فهو عليه ، وإن ربح فهو بينهما) (٢) ، وهذا الخبر دال أيضا على أنه بالتجاوز لا ينفسخ العقد ولذا كان الربح بينهما ، بالإضافة إلى أن التعدي والتفريط ليسا من موجبات الفسخ.

(٥) أي مع التعدي أو التفريط.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب أحكام المضاربة حديث ٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب أحكام المضاربة حديث ٢.

٢٦٣

ويستحق (١) ما شرط له وإن ضمن المال.

(ولو فسخ المالك فللعامل أجرة مثله إلى ذلك الوقت) الذي فسخ فيه (إن لم يكن) ظهر (ربح) (٢) ، وإلا فله حصته من الربح.

وربما أشكل الحكم بالأجرة (٣) على تقدير عدم الربح بأن مقتضى العقد استحقاق الحصة إن حصلت لا غيرها ، وتسلط المالك على الفسخ من مقتضياتها (٤) فالعامل قادم على ذلك (٥) ، فلا شي‌ء له سوى ما عيّن.

ولو كان المال عروضا (٦) عند الفسخ فإن كان به ربح فللعامل بيعه إن لم

______________________________________________________

(١) أي العامل.

(٢) اعلم أن عقد المضاربة من العقود الجائزة فيصح فسخه من المالك أو العامل ، وقد ينفسخ بطرو ما يقتضي الانفساخ من موت أحد الطرفين أو جنونه ، وعلى التقادير الثلاثة فإمّا أن يكون المال كله ناضا أو يكون النضّ لقدر رأس المال دون الربح إذ الربح عروض ، أو يكون المال بجميعه عروضا أو ببعضه.

وعلى التقادير الاثني عشر إما أن يكون قد ظهر ربح أو لا ، فالصور أربع وعشرون صورة ، وقد تعرض الشهيدان لبعضها ، وعليه.

فلو فسخ المالك مع ظهور الربح فللعامل حصته من الربح على الشرط المذكور في العقد بلا خلاف ، ولو فسخ المالك مع عدم ظهور الربح ، فعن المحقق وجماعة أن للعامل أجرة المثل إلى وقت الفسخ ، لأن عمله محترم وقد صدر منه بإذن المالك ، ولم يصدر منه على وجه التبرع فله أجرته.

وعن غيرهم أنه لا شي‌ء للعامل ، لأنه أقدم على الحصة من الربح على تقدير وجودها ، ولم توجد ولا شي‌ء له غيرها مع كون المالك مسلّطا على الفسخ متى شاء.

(٣) أي أجرة المثل.

(٤) أي المضاربة.

(٥) أي على أنه مستحق للحصة من الربح على تقدير وجودها ، وأنه لا شي‌ء له غير ذلك مع علمه بتسلط المالك على الفسخ متى شاء.

(٦) أي كان مال المضاربة متاعا بالشراء ، فهو تارة قد ظهر الربح وأخرى لا ، ومع ظهور الربح في المتاع بأن زادت قيمته السوقية بعد الشراء فللعامل حصته في هذه الزيادة ، وعليه فإن رضي المالك ببيع المتاع على أن يأخذ العامل حصته من الربح فهو ، وإن لم يرض المالك بالبيع فللعامل أن يبيعه لو أراد من دون رضا المالك مع طلب من الحاكم

٢٦٤

يدفع المالك إليه حقه منه (١) ، وإلا (٢) لم يجز (٣) إلا بإذن المالك ، وإن رجى (٤) الربح حيث لا يكون بالفعل (٥).

ولو طلب المالك انضاضه (٦) ففي إجبار العامل عليه قولان أجودهما العدم.

ولو انفسخ العقد من غير المالك إما بعارض (٧) يفسد العقد الجائز أو من

______________________________________________________

ليجبره على البيع.

ومع عدم ظهور الربح في المتاع فهو للمالك ، ولكن هل للعامل أن يبيعه من دون رضا المالك باحتمال أنه يربح فيه فيكون له حصة من الربح قولان :

القول الأول : عدم الجواز لكون المتاع ملكا للمالك فلا يجوز للعامل أن يتصرف فيه من دون رضا صاحبه.

القول الثاني : الجواز لتعلق حق العامل به حيث يحتمل وجود راغب في المتاع يزيد في الثمن فيحصل الربح ، وردّ بعدم تحقق الربح عند احتمال وجود الراغب في الشراء ، إلا أن يكون الراغب موجودا بالفعل ويريد الشراء بأزيد من قيمته فهو في قوة ظهور الربح ، وردّ الاستثناء أيضا بعدم صدق الربح عرفا عليه ، وبأنه لو سلم فيصير العامل شريكا ، ومع ذلك لا يسقط إذن المالك إلا عند الامتناع.

(١) من الربح ، وعند امتناع المالك عن بيعه.

(٢) أي وإن لم يكن به ربح.

(٣) أي لم يجز البيع من قبل العامل.

(٤) بحيث يحتمل العامل وجود راغب يزيد في الثمن.

(٥) وظاهره أنه لو كان الربح فعليا فيجوز البيع ، ويكون الربح فعليا عند وجود الراغب فعلا ، وقد عرفت ما فيه.

(٦) لو كان مال المضاربة عروضا وقد فسخ عقد المضاربة ، فهل للمالك إلزام العامل ببيع المتاع ـ وهذا هو معنى الانضاض ـ أولا.

فقد قيل بأنه يجب على العامل أن ينضّ المال فيجوز للمالك إلزامه بذلك ، لأن العامل قد أخذ المال نقدا فيجب عليه أن يرده كذلك لإطلاق (على اليد ما أخذت حتى تؤدي) (١).

وردّ بأن دليل الضمان لا يشمل المقام ، لأن العامل هنا مأذون فلا يضمن ، مع أن وجوب النضّ مما لا دليل عليه فمجراه البراءة عند الشك فيه.

(٧) كعروض ما يقتضي انفساخ العقد كموت أحدهما أو جنونه ، وعليه فإن لم يظهر الربح

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٦ ص ٩٠ ، كنز العمال ج ٥ ص ٢٥٧ ، حديث رقم : ٥١٩٧.

٢٦٥

قبل العامل فلا أجرة له ، بل الحصة إن ظهر ربح (١). وقيل : له الأجرة أيضا (٢)

(والقول قول العامل في قدر رأس المال) (٣) ، لأنه منكر للزائد والأصل (٤) معه.

(و) في (قدر الربح) (٥) لأنه أمين فيقبل قوله فيه.

(وينبغي أن يكون رأس المال معلوما عند العقد) (٦) لترتفع الجهالة عنه ، ولا يكتفى بمشاهدته. وقيل : تكفي المشاهدة (٧). وهو ظاهر اختياره هنا (٨) ، وهو

______________________________________________________

فلا شي‌ء للعامل من الربح لعدمه ولا من الأجرة بالاتفاق لإقدامه على أن يكون له حصته من الربح ولم تظهر ، وكذا لو فسخ العامل عند عدم ظهور الربح.

(١) فلو انفسخ العقد أو فسخه العامل فله حصته من الربح على تقدير ظهوره ، وعن العلّامة في التذكرة أن له أجرة المثل ، وهو ضعيف.

(٢) كما له أجرة عند فسخ المالك على قول المحقق وجماعة ، وهو مختار الماتن هنا ، وهذه هي الصور التي تعرض لها الشهيدان من أربع وعشرين صورة ، ومنها يعرف حكم البقية.

(٣) لو قال رب المال : أن مال المضاربة مائة ، فقال العامل : هو خمسون ، فيكون العامل منكرا للزيادة فيقدم قوله مع يمينه ، لكونه منكرا للزيادة ولموافقة قوله ظاهر الشرع لكونه أمينا شرعا فيقبل قوله.

(٤) وهو ظاهر الشرع بكونه أمينا ، أو براءة ذمة العامل من الزيادة.

(٥) فلو اختلفا في قدر الربح فقال المالك : ربحت مائة ، فقال العامل : بل ربحت خمسين ، فالعامل منكر لموافقة قوله لظاهر الشرع حيث حكم الشارع بكونه أمينا ، فيقدم قوله مع يمينه.

(٦) فيكون رأس المال معلوما بالقدر والوصف للنهي عن الغرر ، وعن الشيخ في المبسوط والعلامة في المختلف أنه تكفي المشاهدة لزوال معظم الغرر بالمشاهدة ، وردّ ببقاء الجهالة ولا ترتفع إلا مع العلم بالقدر والوصف ، وقال الشارح في المسالك : (وحكى في المختلف عن الشيخ القول بجواز المضاربة من غير تقييد بالمشاهدة ، وقواه في المختلف محتجّا بالأصل ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١) : المؤمنون عند شروطهم) انتهى.

(٧) القول الأول للشيخ والعلامة.

(٨) أي اختيار الماتن في اللمعة ، لأنه مع تعيين قدر المال لا يقع التنازع ، وعليه فلا يقع إلا

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور حديث ٢.

٢٦٦

مذهب الشيخ والعلامة في المختلف (١) ، لزوال معظم الغرر بالمشاهدة ، وللأصل (٢) ، ولقوله (ص) : «المؤمنون عند شروطهم» ، فإن قلنا به (٣) واختلفا في قدره (٤) فالقول قول العامل كما تقدم ، للأصل (٥) والأقوى المنع (٦).

(وليس للعامل أن يشتري ما فيه ضرر على المالك (٧) ، كمن ينعتق عليه) أي على المالك ، لأنه تخسير محض ، والغرض من هذه المعاملة الاسترباح فإن اشتراه بدون إذنه (٨)

______________________________________________________

مع المشاهدة ، والماتن قد فرض التنازع في قدر المال فيكون من القائلين بكفاية المشاهدة ، وفيه : إن جميع الفقهاء المشترطين للتعيين قد فرضوا التنازع فراجع كتبهم.

(١) ولهما قول آخر وهو المجازفة من غير تعيين ولا مشاهدة.

(٢) أي أصالة عدم التعيين.

(٣) بالاكتفاء بالمشاهدة.

(٤) قدر المال.

(٥) أي أصالة عدم الزيادة فيكون العامل منكرا.

(٦) أي المنع من الاكتفاء بالمشاهدة.

(٧) قال في المسالك : (لما كان مبنى عقد القراض على طلب الربح فكل تصرف ينافيه يكون باطلا ، ومن جملته شراء من ينعتق على المالك ، لأنه تخسير محض ، فضلا عن عدم اشتماله على الغرض المقصود من العقد) انتهى ، والغرض المقصود من العقد هو الربح.

(٨) شراء من ينعتق على المالك تارة بغير إذن المالك وأخرى بإذنه ، وعلى الأول فتارة يكون العامل عالما بنسب من يشتريه وعالما بكونه ينعتق على المالك وأخرى يكون جاهلا بهما وثالثة بأحدهما.

فلو اشتراه بغير الاذن مع العلم بالنسب والانعتاق فيكون الشراء عن المالك شراء فضوليا ، ويتوقف على إجازة المالك ككل عقد فضولي ، فإن أجاز فيكون كمثل ما لو اشتراه بإذن المالك وسيأتي الكلام فيه عند التعرض للشق الثاني ، وإن لم يجز بطل الشراء وكأنه لم يقع.

ولو اشتراه بغير الاذن مع جهله بهما أو بأحدهما فنظر ، وقال الشارح في المسالك : (فيحتمل كونه كذلك ـ أي فضوليا ـ لأن الاذن في هذا الباب إنما ينصرف إلى ما يمكن بيعه وتقليبه في التجارة للاسترباح ولا يتناول غير ذلك ، فلا يكون ما سواه مأذونا فيه ، والتباس الأمر ظاهرا ـ على العامل ـ لا يقتضي الاذن ، غايته أنه غير آثم لجهله.

٢٦٧

كان فضوليا مع علمه بالنسب (١) والحكم (٢) أما مع جهله بهما ، أو بأحدهما ففي صحته وعتقه عن المالك ، أو إلحاقه بالعالم وجهان ، مأخذهما : انصراف (٣) الإذن إلى ما يمكن بيعه والاسترباح به فلا يدخل هذا (٤) فيه (٥) مطلقا (٦) ، ومن كون (٧) الشرط (٨) بحسب الظاهر (٩) ، لاستحالة توجه الخطاب إلى الغافل كما لو اشترى معيبا لا يعلم بعيبه فتلف به (١٠) ، (و) كذا (لا يشتري من رب المال شيئا) (١١) ، لأن المال له ، ولا يشتري مال الإنسان بماله.

(ولو أذن في شراء أبيه) (١٢) وغيره ممن ينعتق عليه (صح وانعتق) كما لو

______________________________________________________

ويحتمل صحة البيع ويحكم بعتقه على المالك قهرا ولا ضمان على العامل ، لأن العقد المذكور إنما يقتضي شراء ما ذكر بحسب الظاهر ، لا في نفس الأمر ، لاستحالة توجه الخطاب إلى الغافل ، لاستلزامه تكليف ما لا يطاق ، وكما لو اشترى معيبا لم يعلم بعيبه فتلف بذلك العيب) انتهى.

(١) بنسب من يشتريه وأنه أب المالك.

(٢) وهو الانعتاق.

(٣) دليل إلحاقه بالعالم وأن العقد فضولي.

(٤) أي شراء من ينعتق على المالك مع جهل العامل بنسبه أو بالانعتاق.

(٥) أي في الاذن المنصرف إلى ما يمكن بيعه والاسترباح به.

(٦) سواء كان جاهلا بهما أو بأحدهما.

(٧) دليل صحة الشراء وصحة العتق عن المالك ولو قهرا.

(٨) أي الاذن المنصرف ، وهو شرط ضمني في العقد.

(٩) شرط بحسب ظاهر العامل فلا يشمل الغافل.

(١٠) أي فتلف بالعيب.

(١١) لأن البيع فيه نقل وانتقال ، وهو غير متحقق عند الشراء من رب المال ، لأن مال المضاربة ماله ولا يشترى مال الإنسان

بماله ، ولأن الاذن في المضاربة للاسترباح ، وهو محمول عرفا على الاسترباح من غير المالك فلا يكون العامل مأذونا بالاسترباح من نفس المالك.

(١٢) هذا هو الشق الثاني من المسألة السابقة ، وعليه فإذا أذن المالك بشراء أبيه من مال المضاربة صح الشراء بلا إشكال ، كما لو اشترى نفس المالك أباه ، أو اشتراه وكيله ؛ وينعتق على المالك لما سيأتي في باب العتق من عدم تملك الإنسان أحد أبويه.

ومع الانعتاق فإن كان ثمنه تمام مال المضاربة بطلت المضاربة ، لأن الاذن من المالك بالشراء المذكور يكون فسخا لها ، وإن كان الثمن بعضا من مال المضاربة فتبطل المضاربة

٢٦٨

اشتراه بنفسه أو وكيله ، وبطلت المضاربة في ثمنه ، لأنه بمنزلة التالف ، وصار الباقي رأس المال إن كان (وللعامل الأجرة) (١) سواء ظهر فيه ربح أم لا ، أما مع عدمه فظاهر إلا على الاحتمال (٢) السابق فيما لو فسخ المالك بنفسه ، وأما مع ظهوره (٣) فلبطلان المضاربة بهذا الشراء (٤) ، لعدم كونه (٥) من متعلق الإذن (٦) ، لأن

______________________________________________________

في البعض لأنه فسخ كما تقدم ، وتبقى صحيحة في الباقي لوجود الاذن مع عدم صدور فسخ بالنسبة للباقي.

(١) العامل إذا اشترى من ينعتق على المالك فتارة يبحث في صحة الشراء والانعتاق مع إذن المالك بالشراء وعدمه ، وهذا ما قد تقدم ، وأخرى يبحث عما للعامل في المبيع على تقدير إذن المالك بالشراء ، لأنه مع عدم الاذن فيكون عمله تبرعيا فلا أجرة له ، ولا شي‌ء غيرها.

وعليه فلو أذن المالك للعامل بشراء من ينعتق على المالك فتارة يظهر ربح حين الشراء بأن زادت قيمته السوقية وأخرى لا يظهر فيه ربح وعلى الأول فالمحكي عن بعض أن رب المال يضمن للعامل حصته من الربح ، لتحقق ملك العامل عند ظهور الربح ولا يقدح العتق القهري بإذن المالك ، الذي مرجعه استرداد طائفة من ماله بعد ظهور الربح وإتلافها ، وكما يضمن في الأخير يضمن في المقام.

وفيه : أن العامل يملك حصته من الربح عند الظهور إن لم يكن عقد المضاربة قد بطل بهذا الشراء ، مع أن عقد المضاربة قد بطل فلا حصة للعامل من الربح ، لأن الاذن في المضاربة هو إذن لما اقتضى التقلب والاسترباح ، ومع الاذن بشراء من ينعتق على المالك كما هو المفروض فلا يكون إذنا بالمضاربة ، بل يكون فسخا لها ورجوعا عنها ، نعم وإن لم يثبت له شي‌ء من الربح إلا أن له أجرة المثل لأن عمله محترم غير متبرع به.

وعلى الثاني عند عدم ظهور الربح فلا شي‌ء للعامل من الربح لعدم ظهوره ، ولكن له أجرة المثل لأنه غير متبرع به.

(٢) والاحتمال السابق هو كون العامل عالما بتسلط المالك على الفسخ متى شاء ، وقد أقدم على العمل بأن له حصة من الربح على تقدير ظهوره فليس له إلا هذه الحصة إذا ظهر الربح ، والمفروض عدم الظهور فلا شي‌ء له من الربح ولا من أجرة المثل.

(٣) أي ظهور الربح.

(٤) أي بسبب هذا.

(٥) أي لعدم كون هذا الشراء.

(٦) أي إذن المضاربة.

٢٦٩

متعلقه (١) ما فيه ربح ولو بالمظنة (٢) ، وهو (٣) منفي هنا (٤) ، لكونه (٥) مستعقبا للعتق فإذا صرف الثمن فيه (٦) بطلت (٧).

ويحتمل ثبوت الحصة إن قلنا بملكها بالظهور (٨) لتحققه (٩) ولا يقدح عتقه (١٠) القهري ، لصدوره (١١) بإذن المالك ، كما لو استرد طائفة من المال بعد ظهوره (١٢) وحينئذ (١٣) فيسري (١٤) على العامل مع يسار المالك إن قلنا بالسراية في العتق القهري ، أو مع اختيار الشريك السبب.

(ولو اشترى) العامل (أبا نفسه) ، وغيره ممن ينعتق عليه (صح) (١٥) إذ لا ضرر على المالك (فإن ظهر فيه ربح) حال الشراء ، أو بعده (انعتق نصيبه) أي

______________________________________________________

(١) أي متعلق إذن المضاربة.

(٢) لأنه إذن يقتضي التقلب.

(٣) أي الاذن الذي يقتضي التقلب.

(٤) في شراء من ينعتق على المالك.

(٥) أي كون الشراء.

(٦) في شراء من ينعتق على المالك.

(٧) أي المضاربة.

(٨) أي عند ظهور الربح.

(٩) أي تحقق ظهور الربح ، لأنه مفروض هذا الفرع.

(١٠) أي عتق من تحقق فيه ظهور الربح.

(١١) أي صدور الشراء.

(١٢) أي بعد ظهور الربح.

(١٣) أي وحين ظهور الربح.

(١٤) أي يسري العتق القهري إلى حصة العامل ، والسريان إما ليسار المالك وإما لأن المالك الذي هو شريك العامل قد اختار السبب وهو الشراء ، واختيار السبب اختيار للمسبب الذي هو العتق هنا.

(١٥) أي صح الشراء وكان من مال المضاربة ، ولا يخلو إما أن يكون فيه ربح حين الشراء أو لا.

وعلى الأول مع كون العامل يملك حصته عند ظهور الربح فينعتق نصيبه من الربح ، ويسري العتق في الباقي ، ولكن ليس على العامل بل يسعى المعتق في باقي قيمته ، سواء

٢٧٠

نصيب العامل ، لاختياره السبب المفضي إليه (١) كما لو اشتراه بماله ، (ويسعى المعتق) وهو الأب (في الباقي) وإن كان الولد موسرا ، لصحيحة محمد بن أبي عمير عن الصادق (ع) الحاكمة باستسعائه (٢) عن غير استفصال.

وقيل : يسري على العامل مع يساره ، لاختياره السبب (٣) وهو موجب لها (٤) كما سيأتي إن شاء الله تعالى ، وحملت الرواية على إعساره جمعا بين الأدلة.

وربما فرق بين ظهور الربح حالة الشراء ، وتجدده (٥) ، فيسري في الأول (٦) دون الثاني (٧) ويمكن حمل الرواية عليه (٨) أيضا.

______________________________________________________

كان العامل موسرا أم معسرا ، بلا خلاف فيه كما في الجواهر لصحيح ابن أبي عمير عن محمد بن قيس عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة ، فاشترى أباه وهو لا يعلم ، قال عليه‌السلام : يقوم فإن زاد درهما واحدا أعتق واستسعى في مال الرجل) (١) ، وترك الاستفصال في جواب السؤال ينزل منزلة العموم في المقال ، وعليه سواء كان العامل موسرا أم معسرا فيسعى المعتق في الباقي.

وقيل ـ وكما في الجواهر أنه احتمل ـ إنه مع سريان العتق فالباقي على العامل إذا كان موسرا مع حمل الرواية على ما لو كان معسرا جمعا بين الرواية وبين ما سيأتي في باب العتق أن الذي يختار السبب يلزم بالمسبّب ، والعامل قد اختار سبب العتق وهو الشراء فالانعتاق بتمامه عليه.

(١) أي إلى العتق.

(٢) أي باستسعاء المعتق.

(٣) وهو الشراء.

(٤) أي للسراية فيلزم العامل بتمامها.

(٥) أي تجدد الربح بعد الشراء.

(٦) وهو ظهور الربح حالة الشراء.

(٧) أي التجدد ، بناء على أن الربح إذا تجدد بعد الشراء لا يكون الشراء مجموع السبب حتى يقال : إنه اختار السبب الموجب للسراية ، بل السبب هو الشراء مع ارتفاع قيمة السوق الذي لا اختيار للعامل فيه ، بل ارتفاع القيمة هو السبب القريب فلا يلزم العامل بالقيمة لعدم اختياره.

(٨) على الثاني.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب أحكام المضاربة حديث ١.

٢٧١

وفي وجه ثالث بطلان (١) البيع ، لأنه (٢) مناف لمقصود القراض ، إذ الغرض (٣) هو السعي للتجارة التي تقبل التقليب للاسترباح ، والشراء المتعقب للعتق ينافيه (٤) ، والوسط (٥) قوي لو لا معارضة إطلاق النص الصحيح.

______________________________________________________

(١) وهو احتمال ومفاده أن الشراء المذكور مناف لمقصود القراض ، إذ الغرض منه هو السعي للتجارة التي تقتضي التقلب والاسترباح ، وهذا الشراء المتعقب بالعتق مناف لذلك فلا يكون مأذونا فيه ، فيكون موقوف على الإجازة.

وهذا احتمال احتمله المحقق والشهيد الثانيين كما في الجواهر وأنه اجتهاد في مقابل النص الذي هو صحيح ابن أبي عمير المتقدم.

(٢) أي شراء من ينعتق على العامل.

(٣) من القراض.

(٤) أي ينافي غرض القراض.

(٥) وهو القول الثاني من أن العتق يسري ويكون على العامل الموسر ، وأنه على المعتق إذا كان العامل معسرا.

٢٧٢

كتاب الوديعة

٢٧٣
٢٧٤

(كتاب الوديعة (١)

(وهي استنابة في الحفظ) أي استنابة فيه (٢)

______________________________________________________

(١) لا خلاف في مشروعيتها ، قال تعالى : (إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِلىٰ أَهْلِهٰا) (١) وقوله تعالى : (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمٰانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللّٰهَ رَبَّهُ) (٢) ، والنبوي (ردّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك) (٣) ومثله غيره.

ثم إن الوديعة تطلق على دفع المال للغير قال في المصباح : (وأودعت زيدا مالا دفعته إليه ليكون عنده وديعة ، جمعها ودائع).

ولكن قد وقع النزاع بين الفقهاء أن ألفاظ العقود كالبيع والإجارة والوديعة والصلح هل هي أسماء للعقود أو لما يترتب عليها ، وعليه فمن عرّف الوديعة بأنها الاستنابة في الحفظ فيكون قد ذهب إلى أن اسم الوديعة يطلق على نفس عقدها.

هذا وأشكل على هذا التعريف بإشكالات.

منها : أن العقد مفتقر إلى إيجاب وقبول ، والتعريف المتقدم من الاستنابة متضمن لمعنى الإيجاب فقط ، فلا بد من ضميمة القبول إليه فيقال : الوديعة هي الاستنابة وقبولها.

منها : أن التعريف شامل للوكالة فلا يكون مانعا للأغيار ، لأن الوكالة تقتضي الاستنابة في حفظ ما وكّل في بيعه وغيره ، وردّ بأن حقيقة الوكالة ليست هي الاستنابة في الحفظ ، بل حقيقتها الاذن فيما وكّل فيه ، والحفظ تابع من توابع هذا الاذن ، بخلاف الوديعة فحقيقتها الاستنابة ، والتعريف إنما يكون لذات الشي‌ء لا للوازمه وتوابعه.

(٢) في الحفظ.

__________________

(١) سورة النساء ، الآية : ٥٨.

(٢) سورة البقرة ، الآية : ٢٨٣.

(٣) مستدرك الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب كتاب الوديعة حديث ١٢.

٢٧٥

بالذات ، فلا يرد (١) مثل الوكالة في بيع شي‌ء ، أو شرائه مع إثبات اليد عليه ، فإنها (٢) تستلزم الاستنابة فيه (٣) إلا أنها بالعرض ، والقصد بالذات (٤) الإذن فيما وكل فيه.

ثم الاستنابة (٥) إنما تكون من المودع (٦) ، والوديعة لا تتم إلا بالمتعاقدين فلا تكون الوديعة هي الاستنابة ، بل هي وقبولها ، وإن اكتفينا بالقبول الفعلي.

وكأنّ التعريف ، لما كان لعقدها كما علم من مذهب المصنف (٧) وكان المعتبر منه (٨) الإيجاب تسامح في إطلاقها عليه (٩) ، أو لأن الاستنابة تستلزم قبولها فإنها لو تجردت عنه (١٠) لم تؤثر (١١).

(وتفتقر إلى إيجاب وقبول (١٢) كغيرها من العقود ، (ولا حصر في الألفاظ)

______________________________________________________

(١) تعرض للإشكال الثاني.

(٢) أي الوكالة.

(٣) في الحفظ.

(٤) أي والقصد الذاتي من الوكالة.

(٥) تعرض للإشكال الأول.

(٦) وعليه فالاستنابة هي معنى الإيجاب فأين القبول؟

(٧) حيث ذهب إلى أن أسماء المعاملات هي أسماء للعقود لا لما يترتب عليها.

(٨) أي من العقد.

(٩) أي تسامح في إطلاق الوديعة كعقد على خصوص الإيجاب ، قال الشارح في المسالك : (إن القبول هنا بالقول ليس بشرط ، بل يقوم الفعل مقامه ، فكأن التوقف عليه العقد هو الإيجاب خاصة ، وإن كانت الوديعة لا تتم إلا بهما) انتهى.

(١٠) عن القبول.

(١١) فلذا اقتصر في تعريف الوديعة على الاستنابة ، غايته يكون المراد منها هو الاستنابة التامة المستلزمة للقبول.

(١٢) لأن الوديعة معاملة بين شخصين فلا بد من الإيجاب والقبول فيها ، ويدل عليه خبر مروان بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (اعلم أن ضارب علي عليه‌السلام بالسيف وقاتله لو ائتمنني على سيف أو استنصحني واستشارني ، ثم قبلت ذلك منه لأديت إليه الأمانة) (١).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الوديعة حديث ٨.

٢٧٦

(الدالة عليها) كما هو شأن العقود الجائزة من الطرفين ، فيكفي كل لفظ دل عليها ، بل التلويح والإشارة المفهمة لمعناها (١) اختيارا.

(ويكفي في القبول الفعل (٢) ، لأن الغرض منه (٣) الرضا بها (٤) ، وربما كان الفعل وهو قبضها أقوى من القول ، باعتبار دخولها (٥) في ضمانه ، والتزامه بحفظها بواسطة القبض وإن لم يحصل الإيجاب فيه (٦) أولى (٧) ، إلا أن

______________________________________________________

وهي من العقود الجائزة بالاتفاق ، لأن الاستنابة في الحفظ توكيل فيه ، والوكالة جائزة ، ومقتضى جواز عقدها من الطرفين عدم انحصار ألفاظ إيجابها وقبولها بلفظ خاص صريح ، بل يصح إنشاؤهما بكل لفظ دال على ذلك كما هو المشهور على ما تقدم ، وقد عرفت جواز ذلك في العقود اللازمة ، بل وكفاية الكتابة والفعل الدالين على الإنشاء.

(١) أي لمعنى الوديعة ، وذلك للتوسع في العقد الجائز دون اللازم.

(٢) قال الشارح في المسالك : (أطلق المصنف وجماعة هنا أنه يكفي القبول بالفعل ، مع اعترافهم بكونها عقدا ، نظرا إلى أن الغاية منها إنما هو الرضا بالاستنابة ، وربما كان الفعل أقوى فيه ـ أي في الرضا بالاستنابة ـ عن القول باعتبار التزامه به ودخوله في ضمانه حينئذ لو قصّر بخلاف القبول الفعلي ، فإنه وإن لزمه ذلك شرعا إلا أنه ليس صريحا في الالتزام من حيث إنه عقد جائز ، فإذا فسخه ولم يكن قبضه لم يظهر أثره ، واليد توجب الحفظ إلى أن ترده إلى مالكه لعموم على اليد ما أخذت حتى تؤدي ، وهذا أحسن إلا أن فيه بعض الخروج عن حقيقة العقد.

ومن ثمّ ذهب بعض العلماء إلى أنها إذن ـ أي الوديعة ـ لا عقد ، وفرّع عليه عدم اعتبار القبول القولي ، وآخرون إلى أن الإيجاب إن كان بلفظ أودعتك وشبهه مما هو على صيغ العقود وجب القبول لفظا ، وإن قال : احفظه ونحوه ـ مما هو على غير صيغ العقود ـ لم يفتقر إلى القبول اللفظي كالوكالة وهو كلام موجه) انتهى.

وفي الرياض عن الأخير (ووجهه غير واضح).

(٣) أي من القبول.

(٤) بالاستنابة.

(٥) أي دخول الوديعة في ضمانه عند وضع اليد عليها المحقق للقبول الفعلي.

(٦) في هذا القبض.

(٧) أي هو ملتزم بحفظها عند قبضها وإن لم يحصل الإيجاب ، فمع حصول الإيجاب أولى أو أن القبول الفعلي أولى من القبول اللفظي ، لأن في الفعلي تدخل الوديعة في ضمانه ويجب عليه أن يلتزم بحفظها لعموم (على اليد) بخلاف القبول القولي عند عدم القبض ، فلو

٢٧٧

فيه (١) خروجا عن باب العقود التي لا تتم بصيغة (٢) من الطرفين. ومن ثمّ قيل : إنها (٣) إذن مجرد ، لا عقد ، وكيف كان لا تجب مقارنة القبول للإيجاب (٤) قوليا كان (٥) ، أم فعليا.

(ولو طرحها عنده (٦)

______________________________________________________

فسخ قبل تحقق القبض فلا يظهر أثر لهذا القبول ، وهذا ما صرّح به الشارح في المسالك ، فيكون المعنى الثاني أولى.

(١) أي في الاكتفاء بالقبول الفعلي.

(٢) أي صيغة واحدة ، بل لا بد من صيغتين.

(٣) أي الوديعة.

(٤) قال في الرياض : (بلا خلاف يظهر ، وبه صرّح في المفاتيح ، وأنه لا ريب فيه ولا شبهة ، حيث يكون القبول فعليا ، ولو كان قوليا ففيه نوع مناقشة لو لا حكاية عدم الخلاف التي هي حجة عامة) انتهى.

(٥) أي القبول.

(٦) الإيجاب منحصر باللفظ أو بالإشارة والتلويح عند الشارح ، والقبول قد يتحقق بالقول وقد يتحقق بالفعل وعليه فهنا صور :

الأولى : أن يضع المال عنده ولم يحصل من صاحب المال ما يدل على الاستنابة في الحفظ من قول أو إشارة أو تلويح ، فقبله قولا ، فالودعي لا يجب عليه الحفظ ولا ضمان عليه ، أما أنه لا يجب عليه الحفظ لعدم تحقق عقد الوديعة لاشتراط القول أو الإشارة في الإيجاب ولم يحصل كل منهما ، ومع عدم الإيجاب فلا عقد ، وأما أنه لا يجب عليه الضمان ، لأن المال لم يدخل تحت يده ، لأنه لم يقبض يحسب الفرض وإن قبل قولا.

الثانية : أن يضع المال عنده من غير إيجاب فقبله فعلا ، فلا يتحقق عقد الوديعة لعدم الإيجاب ، إلا أن الودعي يضمن ، لأن المال داخل تحت يده فيندرج تحت عموم (على اليد ما أخذت حتى تؤدي) (١).

الثالثة : أن يتلفظ المالك بالإيجاب مع الطرح فيقبل الآخر قبولا قوليا ، وبه يتم عقد الوديعة ، فيجب عليه الحفظ ولا يضمن إلا مع التقصير.

الرابعة : نفس الصورة الثالثة إلا أنه يقبل قبولا فعليا ، فيتم عقد الوديعة إلى آخر ما ذكر في الثالثة.

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٦ ص ٩٠ ، كنز العمال ج ٥ ص ٢٥٧ حديث رقم : ٥٩١٧.

٢٧٨

ولم يحصل منه (١) ما يدل على الرضا ، ولا قبضها (٢) ، (أو أكرهه على قبضها (٣) لم تصر وديعة) ، لانتفاء القبول الشرعي فيهما (٤).

وأما الإيجاب فقد يحصل بالطرح بأن يضم إليه قولا ، أو ما في حكمه (٥) يفيده (٦) ، وقد لا يحصل بأن يقتصر على مجرد الطرح ، وفي الثاني (٧) لا تصير وديعة وإن قبل قولا أو فعلا لكن في الثاني (٨) يجب عليه الحفظ لليد ، لا للوديعة ، وفي الأول (٩) تتم بالقبول بهما (١٠) فيجب عليه الحفظ.

______________________________________________________

الخامسة : أن يصدر الطرح من المالك سواء تقارن الطرح مع الإيجاب من قول أو إشارة أم لا ، والودعي لم يقبلها قولا ولا فعلا ، فلم يتم عقد الوديعة فلا يجب عليه حفظها من باب الوديعة ، ولا ضمان عليه لعدم تحقق القبض.

وفي المسالك أنه يأثم إذا تلفت بعد غياب المالك ، لأنه يجب عليه الحفظ من باب المعاونة على البر وإعانة المحتاج ، فلو تلفت فلا يضمن وإنما يأثم ، وردّ بأن المعاونة مستحبة وليست بواجبة.

السادسة : ما لو أكره على قبض الوديعة فلا وديعة لعموم رفع (ما استكرهوا عليه) (١) ، فلا قبول شرعا وليست يده بيد حينئذ ، فلا يجب الحفظ ولا يضمن عند التلف.

(١) من الودعي.

(٢) فلم يصدر منه قبول ، لا بالقول ولا بالفعل ، وهذه هي الصورة الخامسة.

(٣) هذه هي الصورة السادسة.

(٤) في هاتين الصورتين ، غايته ففي السادسة قد صدر القبول إلا أنه ليس بشرعي للإكراه.

(٥) كالإشارة.

(٦) أي يفيد معنى الإيجاب.

(٧) أي في الطرح المجرد فلا وديعة لعدم الإيجاب وإن قبل الودعي قولا أو فعلا وهذه هي الصورة الأولى والثانية.

(٨) أي ما لو قبل الودعي فعلا وهي الصورة الثانية فيضمن لعموم على اليد.

(٩) أي الطرح الذي انضم إليه القول أو الإشارة المفهمة لمعنى الإيجاب وعليه فسواء قبل الودعي قولا أو فعلا فيتم عقد الوديعة ، وهذه هي الصورة الثالثة والرابعة.

(١٠) أي بالقول أو بالفعل.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب جهاد النفس حديث ١.

٢٧٩

وحيث لا يجب (١) لعدم القبول (٢) قد يجب لأمر آخر كما لو غاب المالك وتركها وخيف عليها الذهاب (٣) فيجب من باب المعاونة على البر كفاية لكن لا ضمان بتركه (٤).

وأما مع الإكراه (فلا يجب حفظها مطلقا (٥) ، بل يجوز تركها وإن قبضها به (٦) في حضور المالك وغيبته ، إلا أن يكون المكره ، مضطرا إلى الإيداع فيجب إعانته عليه كالسابق.

فقوله : «فلا يجب حفظها» مطلق في الثاني (٧) من حيث الوديعة ، ومع عدم القبول ، أو القبض (٨) في الأول (٩) على ما فصل.

(ولو قبل) الوديعة قولا ، أو فعلا (وجب) عليه (الحفظ) (١٠) ما دام

______________________________________________________

(١) أي لا يجب الحفظ.

(٢) أي عدم القبول من الودعي فلا عقد للوديعة ولكن يجب عليه الحفظ من باب المعاونة كما في الصورة الخامسة.

(٣) أي التلف.

(٤) أي بترك الحفظ ، فلا ضمان لعدم اليد ولكنه آثم لمخالفته الواجب وقد عرفت عدم الوجوب.

(٥) سواء قبض أم لا.

(٦) بالإكراه ، فلا يجب الحفظ لعدم تحقق القبول الشرعي.

(٧) أي في الإكراه.

(٨) أي عدم القبض.

(٩) أي في الطرح.

(١٠) فيجب على الودعي بلا خلاف فيه ، لأن الحفظ من مقتضيات الوديعة فلو لم يجب حفظها لم يجب أداؤها ، مع أن الودعي مما يجب عليه رد الوديعة للأخبار :

منها : النبوي (ردّ الودعية إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك) (١) ، لو جاز له إهمالها وعدم حفظها فكيف يترتب عليه وجوب الأداء ، وللأخبار الآتية والدالة على الضمان عند عدم الحفظ ، فلو لم يكن الحفظ واجبا لم يكن وجه للضمان عند تركه.

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب كتاب الوديعة حديث ١٢.

٢٨٠