الزبدة الفقهيّة - ج ٥

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٥
ISBN: 964-8220-36-0
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٦٠٠

(المطالبة بالقسمة (١) عرضا (٢) بالسكون وهو ما عدا النقدين (كان المال ، أو نقدا. والشريك أمين) (٣) على ما تحت يده من المال المشترك المأذون له في وضع يده عليه (لا يضمن إلا بتعد) (٤) وهو فعل ما لا يجوز فعله في المال ، (أو تفريط) (٥) وهو التقصير في حفظه ، وما يتم به صلاحه (ويقبل يمينه في التلف) (٦) لو

______________________________________________________

(١) الشركة بمعنييها غير لازمة ، وعليه فيجوز لكل شريك أن يطالب بالقسمة ، أما الشركة بالمعنى الأول فواضح إذ لا يجب على الإنسان مخالطة غيره في ماله ، مع أن الأصل أن يتصرف كل منهما في ماله كيف شاء ، ومن جملة التصرف إفرازه وقسمته عن غيره.

وأما الشركة بالمعنى الثاني فهي عقد ، ومرجعه إلى الاذن للغير في التصرف مع مزج المالين ، والاذن في معنى الوكالة ، فيجوز له أن يرجع في الاذن كما يرجع في وكالته.

(٢) قال في المصباح (العرض بفتحين متاع الدنيا ، والعرض بالسكون المتاع ، قالوا : والدراهم والدنانير عين وما سواهما عرض ، والجمع عروض مثل فلس وفلوس ، وقال أبو عبيد : العروض الأمتعة التي لا يدخلها كيل ولا وزن ولا تكون حيوانا ولا عقارا) انتهى ، وفي مجمع البحرين : (العرض بفتح العين جمعه عروض كفلس وفلوس ، وكل شي‌ء عرض سوى الدراهم والدنانير) وعليه فإذا كان العرض هو كل متاع سوى النقدين فالمعنى أن أحد الشريكين لو طالب بالقسمة فله المطالبة بالعين الموجودة المشتركة بينهما ، لأن حقه منحصر فيها سواء كانت العين نقدا أم عرضا ، وليس له المطالبة بأن يدفع الشريك قيمة ما للشريك الآخر من دراهم ودنانير لو كان المال المشترك عرضا ، نعم له المطالبة بالنقد إذا كان المال المشترك نقدا.

(٣) لأنه مع الاذن ـ كما عرفت ـ يكون وكيلا ، والوكيل أمين من قبل المالك ، ولا يضمن الأمين لو تلف المتاع تحت يده بغير تفريط بلا خلاف ولا إشكال ، وستمرّ عليك النصوص الكثيرة في الوديعة (١) والعارية (٢) والإجازة (٣) على أن الأمين لا يضمن.

(٤) والتعدي فعل وجودي بأن يفعل في المال ما لا يجوز فعله.

(٥) والتفريط أمر عدمي ، بأن يترك فعلا يجب فعله لحفظ المتاع ، وعلى كل فمع التعدي والتفريط يكون خائنا بسبب فعله فيضمن لعموم (على اليد ما أخذت حتى تؤدي).

(٦) لو ادعى الشريك تلف المال المشترك ، سواء ادعى التلف لسبب ظاهر كالفرق أو الحرق ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب الوديعة.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب العارية.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٨ و ٢٩ و ٣٠ ـ من أبواب الإجارة.

٢٤١

ادعاه (١) بتفريط وغيره (٢) (وإن كان (٣) السبب ظاهرا) كالحرق ، والغرق. وإنما خصّه (٤) لإمكان إقامة البينة عليه ، فربما احتمل عدم قبول قوله فيه كما ذهب إليه بعض العامة ، أما دعوى تلفه بأمر خفي كالسرق فمقبول إجماعا.

(ويكره مشاركة الذمي وإبضاعه) (٥) ، وهو أن يدفع إليه مالا يتجر فيه والربح لصاحب المال خاصة (٦) ، (وإيداعه) لقول الصادق (ع) : «لا ينبغي للرجل المسلم أن يشارك الذمي ، ولا يبضعه بضاعة ، ولا يودعه وديعة ، ولا يصافيه المودة».

______________________________________________________

أو ادعاه لسبب خفي كالسرقة ، يقبل قوله مع يمينه في دعوى التلف لأنه أمين ، والأمين مصدّق ، وخالف بعض العامة وهو الشافعي فأوجب عليه البينة في الأول وهو ضعيف.

والشريك المدعي قد جعلناه منكرا لأن شريكه لمّا لم يصدقه في دعواه فكأنه ادعى عليه الخيانة بالتفريط أو التعدي وهو ينكر فلذا قدّم قوله مع يمينه.

(١) أي ادعى التلف شريكه الآخر ، بحيث أن الآخر قد ادعى عليه التلف بتفريط ، والأول يدعي التلف لسبب ظاهر أو خفي من دون تفريط فيقدم قول الأول مع يمينه لأن الشريك أمين ، وهذا ما قد تقدم.

(٢) أي غير التفريط وهو التعدي.

(٣) لما عطف المصنف كلامه هنا ، فهو ظاهر أنه يقدم قول الأمين مع يمينه ، سواء كان السبب غير ظاهر أو ظاهرا.

(٤) أي السبب الظاهر ، فهو قد خصّه لينبه على خلاف بعض العامة ، وقد تقدم.

(٥) للأخبار.

منها : خبر ابن رئاب عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا ينبغي للرجل المسلم أن يشارك الذمي ولا يبضعه بضاعة ، ولا يودعه وديعة ، ولا يصافيه المودة) (١) ، وخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام (أن أمير المؤمنين عليه‌السلام كره مشاركة اليهودي والنصراني والمجوسي ، إلا أن تكون تجارة حاضرة لا يغيب عنها المسلم) (٢).

والثاني مطلق يشمل الذمي والحربي ، والأول مقيّد بالذمي ، غير أن ضالة الإطلاق والتقييد لا تجري في غير الأحكام الإلزامية ، فإطلاق الخبر الثاني غير مقيد وهو دال على مطلق الكافر ، وهذا ما عليه فتوى القوم ، وقد نفى عنه الخلاف في الغنية.

(٦) على أن يكون للعامل أجرة عمله والربح والخسارة لصاحب رأس المال.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب كتاب الشركة حديث ١ و ٢.

٢٤٢

(ولو باع الشريكان سلعة صفقة (١) ، وقبض أحدهما من ثمنها شيئا شاركه الآخر) فيه (٢) على المشهور ، وبه (٣) أخبار كثيرة ، ولأن كل جزء من الثمن مشترك بينهما ، فكل ما حصل منه (٤) بينهما كذلك (٥).

______________________________________________________

(١) إذا باع الشريكان سلعة بينهما صفقة ، ثم استوفى أحدهما من المشتري شيئا من الثمن بنيّة أنه له ، شاركه الآخر فيه ، على المشهور ، لأن كل جزء من الثمن مشترك بينهما ، فما يحصل من الثمن فهو لهما ، وللأخبار.

منها : المرسل عن أبي حمزة (سئل أبو جعفر عليه‌السلام عن رجلين بينهما مال ، منه بأيديهما ومنه غائب عنهما ، فاقتسما الذي بأيديهما ، وأحال كل واحد منهما من نصيبه الغائب ، فاقتضى أحدهما ولم يقتض الآخر ، قال عليه‌السلام : ما اقتضى أحدهما فهو بينهما ، ما يذهب بماله) (١).

ووجه الاستدلال أن المال الغائب لما كان مالا مشتركا فما يحصل لأحدهما فهو بينهما ، فكذلك الثمن فهو مال مشترك لهما فما يحصل لأحدهما فهو لكليهما وخالف ابن إدريس إلى أن لكل منهما ما يقبضه ولا يشاركه الآخر فيه بدليلين :

الأول : أن لكل واحد من الشريكين أن يبرئ الغريم ـ وهو المشتري ـ من حقه ، ويهبه ويصالح على شي‌ء منه دون الآخر ، ومتى أبرأه برئ الغريم من حق الشريك المبرئ وإن بقي حق الشريك الآخر ، وكذا إذا صالح ، وعليه فكما لا يشارك الآخر الشريك المصالح والبري‌ء فكذا لا يشاركه لو استوفى.

الدليل الثاني : أن متعلق الشركة بينهما هو العين ، وقد ذهبت ولم يبق منها إلا عوضها ، وهو دين في ذمة المشتري ، فإذا أخذ أحدهما نصيبه لم يكن قد أخذ عينا من أعيان الشركة فلا يشاركه الآخر فيما أخذ ، لأن ما في الذمة لا يتعين إلا بقبض المالك أو وكيله ، والمفروض هنا أن الشريك القابض لم يقبض إلا لنفسه فكيف نحكم بكون الآخر له شي‌ء في المقبوض.

(٢) في المقبوض.

(٣) أي وبالحكم بالمشاركة.

(٤) من الثمن.

(٥) أي مشترك بينهما.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب كتاب الشركة حديث ١.

٢٤٣

وقيل : لا يشارك (١) ، لجواز أن يبرئ (٢) الغريم من حقه ، ويصالحه عليه من غير أن يسري إلى الآخر ، فكذا الاستيفاء ولأن متعلق الشركة هو العين وقد ذهبت ، والعوض أمر كلي لا يتعين إلا بقبض المالك ، أو وكيله ، ولم يتحقق (٣) هنا بالنسبة إلى الآخر ، لأنه إنما قبضه لنفسه (٤).

وعلى المشهور لا يتعين على الشريك غير القابض مشاركته (٥) ، بل يتخير (٦) بينها (٧) ، وبين مطالبة الغريم بحقه (٨) ، ويكون قدر حصة الشريك في يد القابض كقبض الفضولي ، إن أجازه (٩) ملكه (١٠) ويتبعه النماء ، وإن رده ملكه القابض ، ويكون (١١) مضمونا عليه (١٢)

______________________________________________________

(١) أي لا يشارك الآخر.

(٢) أي لجواز أن يبرئ الشريك الغريم من حقه.

(٣) أي القبض.

(٤) كما هو المفروض.

(٥) أي مشاركة الشريك القابض.

(٦) أي الشريك غير القابض.

(٧) بين المشاركة.

(٨) وسبب التخيير أن المال الكلي في الذمة وهو عوض العين قد طلب الشريك الأول منه شيئا فإذا قبضه تعيّن أن يكون له ، لما مرّ من أنه يتعين بالقبض ، وعليه فإذا أجاز الشريك الثاني هذا القبض فيكون القبض عنهما وهو لهما ، وإن لم يجز فيبقى حقه في ذمة الغريم يطالبه.

وفيه : إن هذا مخالف لما تقدم أن كل جزء من الثمن مشترك ولذا كان ما قبضه أحدهما فهو لهما معا.

وعلى كل فعلى التخيير فتكون حصة الشريك غير القابض عند الشريك القابض كالمتاع تحت يد الفضولي ، فإن أجاز الشريك غير القابض هذا القبض فالمقبوض لهما ، والنماء تابع للأصل فيكون النماء لهما أيضا.

(٩) أي أجاز الشريك غير القابض قبض الشريك الآخر.

(١٠) أي ملك المجيز قدر حصته الموجود تحت يد القابض.

(١١) أي المقبوض.

(١٢) على القابض.

٢٤٤

على التقديرين (١) ، ولو أراد (٢) الاختصاص بالمقبوض بغير إشكال (٣) فليبع حقه للمديون (٤) على وجه يسلم من الربا بثمن معين فيختص به ، وأولى منه (٥) الصلح عليه ، أو يبرئه من حقه ويستوهب عوضه (٦) ، أو يحيل به على المديون (٧) ، أو يضمنه له ضامن (٨).

وموضع الخلاف (٩) مع حلول الحقين فلو كان أحدهما مؤجلا لم يشارك فيما قبضه الآخر قبل حلول الأجل ، واحترز ببيعهما صفقة (١٠) عما لو باع كل واحد

______________________________________________________

(١) أي تقدير الإجازة وتقدير الرد ، هذا والمراد أن الضمان على القابض فيما قبضه قبل اختيار الشريك ، سواء اختار فيما بعد الإجازة أو الرد ، وليس المراد الضمان بعد الإجازة أو الرد ، لأنه مع الإجازة فلا ضمان لأنه أمين ، ومع الرد فلا ضمان لاختصاص المال بالقابض.

(٢) أي القابض.

(٣) أي من دون أن يكون للشريك الآخر حق المشاركة.

(٤) بحيث يبيع الشريك حقه من الثمن للمشتري المديون بثمن معين على وجه يسلم من الربا ، فيختص الشريك حينئذ بالثمن المعين المقبوض ، وكذا لو صالح عن حقه بثمن معين على وجه يسلم من الربا.

(٥) وجه الأولوية أن الربا يجري في البيع بالاتفاق بخلاف الصلح فإن فيه خلافا.

(٦) كأن يقول الشريك للمشتري : أبرأتك من حقي من ثمن المتاع بشرط أن تهبني عوضا معينا.

(٧) أي أن يحيل الشريك بالحق الذي له ثالثا على المشتري المديون ، وتكون الإحالة كالقبض.

(٨) أي يضمن للشريك حقه ضامن عن المشتري ، وبالضمان ينتقل حق الشريك إلى ذمة الضامن.

(٩) أي الخلاف في أصل المسألة فيما لو باع الشريكان سلعة وكان حقهما معا حالا ، أما لو كان أحدهما قد باع حصته من السلعة حالا ، والآخر مؤجلا ، أو كان كل منهما قد باع بمؤجل إلا أن أجل أحدهما أقل من أجل الآخر ، وعند حلول الأجل القليل أو في الحال مع كون الآخر مؤجلا قبض الشريك حصته فتتعين له ، لأن حصة الآخر مؤجلة بحسب القرض ولم يستحق شيئا حين قبض الأول.

(١٠) وهي العقد الواحد وهو احتراز عما لو باع كل واحد نصيبه بعقد ، وإن كان العقدان لواحد ، أي كان المشتري منهما واحدا ، فإنهما لا يشتركان فيما يقبضه أحدهما ، بلا خلاف فيه ، لأن الثمن المعين المقبوض لأحدهما قد تعين بالعقد الصادر من القابض فلا حصة للآخر فيه.

٢٤٥

نصيبه بعقد وإن كان (١) لواحد ، كما لا فرق في الصفقة (٢) بين كون المشتري واحدا ، ومتعددا ، لأن الموجب للشركة هو العقد الواحد على المال المشترك ، وفي حكم الصفقة ما اتحد سبب شركته كالميراث (٣) ، والإتلاف (٤) ، والاقتراض (٥) من المشترك.

(ولو ادعى المشتري من المشتركين) (٦) المأذونين (شراء شي‌ء لنفسه ، أولهما

______________________________________________________

(١) أي البيع.

(٢) لا فرق بين أن يبيع الشريكان السلعة صفقة لمشتر واحد أو مشتريين ، لأن الموجب للشركة هو العقد الواحد على المال المشترك ، فيكون الثمن من الاثنين مالا مشتركا ، ويجري فيه النزاع السابق عند قبض أحدهما بعضه.

(٣) وذلك فيما لو ورثا مالا واحدا من مورثهم ، فهم شركاء قبل القسمة فلو قبض أحدهما بعضه فهما شريكان فيه على المشهور.

(٤) كما لو أتلف ثالث مال الشريكين ، فقيمة المتلف مال مشترك ، فلو قبض أحدهما بعضها فيجري فيه النزاع المتقدم.

(٥) كأن يقترض ثالث مال الشريكين ، فما يدفعه أداء فهو شركة فلو قبض أحدهما بعضه فيجري فيه النزاع المتقدم.

(٦) فهنا فرعان :

الأول : ما لو اشترى أحد الشريكين شيئا فادعى الآخر أنه اشتراه لهما وأنكر المشترك المشتري وقال : إني اشتريته لنفسي ، فالقول قول المشتري مع يمينه ، لأن المشتري وإن كان شريكا وهو وكيل عن شريكه إلا أنه لا يتعين عليه العمل بمقتضى الوكالة ، لأنها ليست لازمة ، فإذا نوى الشراء لنفسه صح ووقع له ، غير أن الآخر يدعي أنه وقع الشراء لهما والمشتري ينكر ذلك فالمشتري منكر فلذا قدم قوله مع يمينه. يبقى أن المدعي يدعي على الآخر شيئا لا يملك له أن يطلع عليه ، لأنه يدعي على الآخر أنه نوى عنهما ، والنية من الأمور الباطنية لا يمكن أن يطلع عليها إلا صاحبها ، ولازمه أن لا تكون الدعوى مسموعة فيقدم قول المشتري بغير يمين ، إلا أن المدعي وإن لم يمكن الاطلاع له عليها بنفسه إلا أنه يحتمل أن يطلع علتهما لو أقر الآخر بها ، فلذا على المدعي إذا أراد أن تكون دعواه مسموعة فعليه أن يجعلها دعوى بالإقرار بحيث يدعى أن الآخر أقرّ بالشراء لهما ، ولذا قال الشارح في المسالك : (وإنما يتوجه دعوى الشريك عليه إذا جعلها على وجه مسموع ، بأن يدعي إقراره بذلك ونحوه ، أما لو ادعى الاطلاع على نية ذلك لم يكن مسموعا ، لأنه محال ، فلا يمكن معرفته إلا من قبله) انتهى.

٢٤٦

حلف) وقبل بيمينه ، لأن مرجع ذلك (١) إلى قصده وهو أعلم به. والاشتراك لا يعين التصرف بدون القصد ، وإنما لزمه الحلف مع أن القصد من الأمور الباطنة التي لا تعلم إلا من قبله لإمكان الاطلاع عليه بإقراره.

______________________________________________________

الفرع الثاني : أن يشتري أحد الشريكين شيئا فيدعي المشتري أنه اشتراه لهما وينكر الآخر ، فيقدم قول المشتري مع يمينه بلا خلاف أيضا ، لأن المشتري وكيل أمين ، فقوله مقبول في الفعل الموكل فيه فدعواه مسموعة من غير بينة ، إلا أن الآخر بإنكاره يدعي عدم وقوع الشراء لهما والأول ينكر ذلك بدعواه المتقدمة ، فيقدم قول المنكر مع يمينه.

وأيضا على الشريك الآخر هنا أن يجعل الدعوى اللازمة لإنكاره مسموعة ، بأن تكون الدعوى على الإقرار بالشراء لهما ، لا

على الاطلاع على نيته ، لأنه محال.

(١) من كون الشراء لهما أو لنفسه.

٢٤٧
٢٤٨

كتاب المضاربة

٢٤٩
٢٥٠

(كتاب المضاربة (١)

(وهي أن يدفع مالا إلى غيره ليعمل فيه بحصة معينة من ربحه) مأخوذة من الضرب (٢) في الأرض ، لأن العامل يضرب فيها (٣) للسعي على التجارة وابتغاء

______________________________________________________

(١) المضاربة معاملة بين شخصين على أن يدفع أحدهما مالا للآخر ليعمل به ، على أن يكون للعامل حصة معينة من الربح كالنصف أو الثلث أو الربع ، ويدل على مشروعيتها النصوص الكثيرة.

منها : خبر الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (المال الذي يعمل به مضاربة ، له من الربح وليس عليه من الوضيعة شي‌ء ، إلا أن يخالف أمر صاحب المال) (١).

(٢) فهي مأخوذة من الضرب ، والضرب إما الضرب في الأرض ، لأن العامل يضرب فيها للسعي في التجارة ولابتغاء الربح بطلب صاحب المال ، فكان الضرب مسبّبا عنهما ، وإما الضرب في الربح لكل منهما بسهم ، أو للضرب في المال لما في المضاربة من ضرب المال وتقليبه ، هذا ويقال للعامل مضارب بكسر الراء ، لأنه الذي يضرب في الأرض وهو الذي يقلّب المال ، ولم يشتق أهل اللغة لرب المال اسما من المضاربة ، وأهل الحجاز يسمونها قراضا ، إما من القرض وهو القطع ، ومنه المقراض لأنه يقرض به ، فكأن صاحب المال اقتطع من ماله قطعة وسلّمها للعامل أو اقتطع له قطعة من الربح ، وإما أن يكون القراض من المقارضة وهي المساواة والموازنة يقال : تقارض الشاعران إذا وازن كل منهما الآخر بشعره ، ووجهه أن المال هنا من المالك والعمل من العامل فقد تساويا في قوام العقد ، لتساويهما في أصل استحقاق الربح وإن اختلفا في كميته ، ويقال هنا للمالك معارض بالكسر ، وللعامل معارض بالفتح.

(٣) في الارض.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب المضاربة حديث ٤.

٢٥١

الربح بطلب صاحب المال ، فكأن الضرب مسبب عنهما ، فتحققت المفاعلة لذلك ، أو من ضرب كل منهما في الربح بسهم ، أو لما فيه من الضرب بالمال وتقليبه.

وأهل الحجاز يسمونها قراضا من القرض وهو القطع ، كأن صاحب المال اقتطع منه قطعة وسلمها إلى العامل ، أو اقتطع له قطعة من الربح في مقابلة عمله ، أو من المقارضة وهي المساواة ، ومنه : «قارض الناس ما قارضوك فإن تركتهم لم يتركوك» (١).

ووجه التساوي هنا (٢) أن المال من جهة ، والعمل من أخرى ، والربح في مقابلهما فقد تساويا في قوام العقد ، أو أصل استحقاق الربح وإن اختلفا في كميته (٣).

(وهي جائزة من الطرفين) (٤) سواء نض المال (٥) أم كان به عروض ، يجوز

______________________________________________________

(١) قاله أبو الدرداء من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ما قيل ، ومعناه ساواهم ما داموا مساوين لك ، فإن تركت مساواتهم لم يتركوا مساواتك ، أو عارض الناس بالسوء ما داموا متعرضين لك بالسوء ولو كان معارضتك لهم من باب دفع سوئهم عن نفسك ، فإن تركتهم ولم تقابلهم بالسوء لم يتركوك ، والثاني أولى.

(٢) في المضاربة.

(٣) قال الشارح في المسالك تبعا للتذكرة : (واعلم أن من دفع إلى غيره مالا ليتجر به فلا يخلو إما أن يشترطا كون الربح بينهما أو لأحدهما أولا يشترطا شيئا ، فإن شرطا بينهما فهو قراض ـ مضاربة ـ وإن شرطاه للعامل فهو قرض ، وإن شرطاه للمالك فهو بضاعة ، وإن لم يشترطا شيئا فكذلك ـ أي بضاعة ـ ويكون الربح للمالك تبعا للمال إلا أن للعامل أجرة المثل) انتهى. وله فائدة أخرى وهي : أن عقد المضاربة يقتضي أن يكون العامل ودعيا أمينا مع صحة العقد وعدم ظهور الربح ، وهو شريك مع ظهور الربح ، ومع التعدي غاصب ، وفي تصرفه وكيل ، ومع فساد العقد أجير له أجرة المثل ، ومن الواضح أن ليس المراد إنشاء هذه العقود بإنشاء عقد المضاربة ، بل المراد أنه يتبعها أحكام هذه العقود حينئذ.

(٤) بلا خلاف فيه بل ادعى عليه الإجماع كما عن جماعة ، وهو الحجة للخروج عن قاعدة اللزوم في العقود ، ولأن المضاربة وكالة في الابتداء ثم قد تصير شركة عند ظهور الربح ، والوكالة والشركة جائزان فلا محالة تكون المضاربة جائزة.

(٥) قال الفيومي في مصباح المنير : (وأهل الحجاز يسمون الدراهم والدنانير نضّا وناضّا ، قال

٢٥٢

لكل منهما فسخها ، ومن لوازم جوازها منهما وقوع العقد بكل لفظ يدل عليه (١).

وفي اشتراط وقوع قبوله لفظيا ، أو جوازه (٢) بالفعل أيضا (٣) قولان (٤) ، لا يخلو ثانيهما من قوة.

(ولا يصح اشتراط اللزوم ، أو الأجل فيها) (٥) بمعنى أنه لا يجب الوفاء

______________________________________________________

أبو عبيد : إنما يسمونه ناضا إذا تحول عينا بعد أن كان متاعا) انتهى ، ولذا قال الشارح في المسالك : (والمراد بانضاض المال صيرورته دراهم أو دنانير كما كان).

والمعنى أن المضاربة يجوز فسخها سواء كان المال الذي دفعه صاحبه إلى العامل عروضا ـ أي متاعا ـ أو ناضا ، والمراد بالعروض هو المتاع وذلك عند ما يشتري العامل المتاع بالمال المدفوع من صاحبه ، والمراء بالنض رجوع الدراهم والدنانير كما كانت بحيث قد دفع رب المال الدراهم أو الدنانير وقد اشترى بها العامل أمتعة ثم باعها فيقال حينئذ نضّ المال.

هذا وسكت عن صورة وهي : ما لو كان العامل لم يشتر شيئا بالمال المدفوع إليه ، وعلى جميع الصور فيجوز فسخ المضاربة من الطرفين لما تقدم من الأدلة.

(١) أي بدل على العقد ، وصحة إنشاء العقد الجائز بكل لفظ دال عليه مبني على مشهور القدماء حيث التزموا بذلك في قبال العقد اللازم فاشترطوا في إنشائه خصوص اللفظ الصريح ، وقد عرفت في كتاب البيع كفاية الإنشاء بكل لفظ سواء كان العقد جائز أم لازما ، بل جواز الإنشاء بالفعل الدال عليه كالكتابة والمعاطاة.

(٢) أي جواز وقوع القبول.

(٣) كجواز وقوعه باللفظ.

(٤) فعن العلّامة في التذكرة والمحقق الثاني في جامع المقاصد الاكتفاء بالفعل ، بل في الرياض نسبته إلى عدم الخلاف ، وظاهر الشارح هنا التفريق بين القبول والإيجاب ، بحيث يصح وقوع القبول باللفظ والفعل بخلاف الإيجاب فينحصر وقوعه باللفظ دون الفعل ، وهذا ما ذهب إليه العلامة في جملة من كتبه ، وأشكل صاحب الجواهر بأن التفرقة بين الإيجاب والقبول مع عدم الدليل عليها مشكل.

(٥) ليس ذكر الأجل في المضاربة مفسدا لها ، بل لو ذكر الأجل في عقد المضاربة لا يصير العقد لازما ، بل يجوز فسخها قبله ولا يجب الوفاء بهذا الشرط بلا خلاف فيه ، للأصل ، لأن أصل المضاربة جائزة فلا يكون الشرط المثبت فيها على خلاف أصلها ، ولذا قال سيد

٢٥٣

بالشرط (١) ، ولا تصير لازمة بذلك ، ولا في الأجل بل يجوز فسخها فيه (١) عملابالأصل (٣) ، (ولكن) اشتراط الأجل (يثمر المنع من التصرف بعد الأجل إلا بإذن جديد) ، لأن التصرف تابع للإذن ولا إذن بعده (٤) ، وكذا لو أجل بعض التصرفات كالبيع ، أو الشراء خاصة ، أو نوعا خاصا (٥).

ويفهم من تشريكه (٦) بين اشتراط اللزوم والأجل ، تساويهما في الصحة ، وعدم لزوم الشرط.

والمشهور أن اشتراط اللزوم مبطل (٧) ، لأنه مناف لمقتضى العقد فإذا فسد الشرط تبعه العقد ، بخلاف شرط الأجل ، فإن مرجعه إلى تقييد التصرف بوقت خاص وهو غير مناف ، ويمكن أن يريد المصنف ذلك (٨) وإنما شرّك بينهما في

______________________________________________________

الرياض : (لجواز أصله بلا خلاف كما مضى ، فلأن يكون الشرط المثبت فيه جائزا بطريق أولى) انتهى.

وإذا تقرر عدم وجوب الوفاء بشرط الأجل لو ذكر الأجل ، فذكر الأجل في متن العقد يفيد أن الاذن بالتصرف من رب المال للعامل مقيّد بمدة الأجل ، فيمنع العامل من التصرف بعد هذه المدة ، لأن التصرف من العامل تابع للاذن ولا إذن بعد الأجل.

وأما اشتراط اللزوم في عقد المضاربة فهو شرط باطل ، لأنه شرط على خلاف مقتضى العقد ، وعلى المشهور أن الشرط الفاسد مفسد فيبطل عقد المضاربة حينئذ ، وعليه فتكون عبارة الماتن في عدم صحة اشتراط اللزوم على ظاهرها.

(١) أي شرط اللزوم ، وهو ظاهر في صحة العقد وإن بطل الشرط ، وهو مبني على أن الشرط الفاسد غير مفسد.

(٢) في الأجل.

(٣) أي بالأصل المتحقق في المضاربة وهو الجواز.

(٤) بعد الأجل.

(٥) كالبيع بخيار ، قال الشارح في المسالك : (لا خلاف عندنا في جواز هذه الشروط ولزومها ، وإن ضاقت لسبب هذه ـ أي الشروط ـ التجارة) انتهى ، لأن التصرف من العامل تابع للاذن ، والاذن مقيّد.

(٦) أي تشريك المصنف.

(٧) أما إنه باطل فهو لا خلاف فيه.

(٨) أي البطلان في شرط اللزوم وعدم وجوب الوفاء في شرط الأجل.

٢٥٤

عدم صحة (١) الشرط مطلقا (٢) وإن افترقا في أمر آخر (٣).

(ويقتصر العامل من التصرف على ما أذن المالك له) من نوع (٤) التجارة ، ومكانها ، وزمانها ، ومن يشتري منه ، ويبيع عليه ، وغير ذلك (٥) فإن خالف ما عين له ضمن المال (٦) ، لكن لو ربح كان بينهما بمقتضى الشرط للأخبار الصحيحة ، ولولاها (٧) لكان التصرف باطلا ، أو موقوفا على الإجازة.

(ولو أطلق) له الإذن (٨) (تصرف بالاسترباح) في كل ما يظن فيه حصول

______________________________________________________

(١) أي لا يجب الوفاء بهما.

(٢) سواء كان الشرط للزوم أو للأجل.

(٣) وهو البطلان وعدمه.

(٤) كتجارة الخشب أو الثوب ، ويمكن أن يريد به من مرابحة ومساومة ونحو ذلك.

(٥) بلا خلاف فيه ، لأن التصرف من العامل تبعا لاذن المالك ، والاذن مقيّد فالتصرف لا محالة يكون مقيّدا.

(٦) للأخبار :

منها : صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليه‌السلام (عن الرجل يعطي المال ، وينهى أن يخرج به فخرج ، قال عليه‌السلام : يضمن المال ، والربح بينهما) (١) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في الرجل يعطي الرجل المال فيقول له : ائت أرض كذا وكذا ولا تجاوزها واشتر منها ، قال عليه‌السلام : فإن جاوزها وهلك المال فهو ضامن ، وإن اشترى متاعا فوضع فيه فهو عليه ، وإن ربح فهو بينهما) (٢) ومثلها غيرها.

(٧) أي ولو لا الأخبار لكان التصرف بمقتضى القواعد باطلا ، بمعنى أن الربح بتمامه لصاحب المال ، والعامل لا أجرة له ولا ربح ، أما عدم الربح فلأنه ليس بمضاربة لعدم الاذن ، وأما عدم الأجرة فلأنه عمل تبرعي أو موقوفا على الإجازة.

(٨) قال المحقق في الشرائع : (وإذا أذن له في التصرف تولى بإطلاق الاذن ما يتولاه المالك) ، وقال الشارح في المسالك عقيب ذلك : (المراد بالاذن في التصرف هنا إطلاق عقد المضاربة ، إذ لا يفتقر العامل معها ـ أي مع المضاربة ـ في جواز التصرف إلى إذن آخر ، وكان حقه أن يقول : ولو أطلق العقد تولى العامل بالإطلاق ما ذكر ، وحاصل ذلك أن المضاربة لما كانت معاملة على المال للاسترباح ، كان إطلاق العقد مقتضيا لفعل ما يتولاه

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب كتاب المضاربة حديث ١ و ٢.

٢٥٥

الربح من غير أن يتقيد بنوع ، أو زمان ، أو مكان ، ويتولى أيضا بالإطلاق ما يتولاه المالك في التجارة بنفسه من عرض القماش على المشتري ، ونشره ، وطيّه ، وإحرازه ، وبيعه ، وقبض ثمنه ، ولا أجرة (١) له على مثل ذلك ، حملا للإطلاق على المتعارف ، وله الاستئجار على ما جرت العادة به (٢) كالدلالة ، ووزن الأمتعة الثقيلة التي لم تجر عادته بمباشرة مثلها.

(وينفق في السفر كمال نفقته من أصل المال) (٣) والمراد بالنفقة ما يحتاج

______________________________________________________

المالك في التجارة بنفسه من عرض القماش ونشره وطيّه وإحرازه وبيعه وقبض ثمنه وإيداعه الصندوق ونحو ذلك.

وهذا النوع لو استأجر عليه فالأجرة عليه ـ أي على العامل ـ خاصة حملا للإطلاق على المعتاد ـ أي أن المعتاد أن هذا من عمل التاجر فكذلك يكون من عمل المأذون العامل ـ أما ما جرت العادة بالاستئجار عليه كالدلالة والحمل ووزن الأمتعة الثقيلة التي لم تجر عادة التاجر بمباشرتها بحسب حال تلك التجارة من مثل ذلك التاجر فله ـ أي العامل ـ الاستئجار عليه حملا على المعتاد أيضا ، ولو عمل هذا النوع بنفسه ـ أي العامل ـ لم يستحق أجرة لأنه متبرع في ذلك) انتهى. وكلامه متين وبه يتم شرح عبارة الشهيدين هنا ، نعم إطلاق العقد في المضاربة يحمل على كل تصرف بالمال من أجل ما يظن فيه الربح من غير أن يتقيد التصرف بمكان أو زمان أو تجارة ، بل يحمل الإطلاق على كل تصرف يتولاه المالك فيجوز للمأذون العامل أن يفعله عملا بالعرف الذي هو الضابط في ذلك.

(١) أي للعامل.

(٢) بالاستئجار وكان من العادة عدم مباشرة التاجر له بنفسه.

(٣) اختلف فيه على ثلاثة أقوال.

القول الأول : وهو المشهور أن جميع ما ينفقه العامل في السفر من مأكل ومشرب وملبس ومسكن ونحو ذلك مما هو داخل في نفقته حال السفر فيكون من أصل المال ، للأخبار :

منها : صحيح علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن عليه‌السلام (في المضارب ما أنفق في سفره فهو من جميع المال ، فإذا قدم بلده فما أنفق فمن نصيبه) (١) وما موصولة عامة تشمل كل نفقة في حال السفر.

القول الثاني : أن القدر الزائد عن نفقة الحضر من أصل المال ، بدليل أن نفقة الحضر على

__________________

(١) لوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب كتاب المضاربة حديث ١.

٢٥٦

فيه (١) إليه من مأكول ، وملبوس ، ومشروب ، ومركوب ، وآلات ذلك ، وأجرة المسكن ، ونحوها ، ويراعي فيها ما يليق به عادة مقتصدا ، فإن أسرف حسب عليه ، وإن قتر لم يحسب له. وإذا عاد من السفر فما بقي من أعيانها ولو من الزاد

______________________________________________________

العامل بالاتفاق ، فما ساواه في السفر يحتسب عليه أيضا ، والزائد يكون من مال المضاربة فيكون ما يحصل بسبب السفر هو الزيادة ليس إلا ، وأما غيرها فسواء كان مسافرا أم حاضرا فلا بد منه فلا يكون السفر علة فيه.

القول الثالث : أن جميع نفقة السفر على العامل كنفقة الحضر ، لأن المبيع مال المالك ، والأصل أن لا يتصرف العامل فيه إلا بما دلّ عليه الاذن ، ولم يدل الاذن إلا على حصة من الربح فلا يستحق العامل سواها وتكون النفقة عليه حضرا أو سفرا ، وكلا القولين غير معروفي القائل ، مع أن القول الثالث هو الموافق للقواعد ، ولكن النصوص دالة على الأول وهو المتّبع ، هذا ولا بدّ من التنبيه على أمور :

التنبيه الأول : المراد بالنفقة كل ما يحتاج إليه العامل في السفر بما هو مضارب من مأكول وملبوس ومركوب ونحو ذلك ، ويراعى فيها ما يليق بحاله عادة على وجه الاقتصاد ، فلو أسرف حسب عليه لعدم إذن الشارع بالإسراف ، وعليه فما فيه إسراف فهو على العامل ، ولو قتّر على نفسه لم يحسب له ، لعدم النفقة الفعلية مع أن المستثنى في الخبر النفقة الفعلية لحمل كل لفظ على الفعلية لا على القوة والشأنية والتقدير كما هو الأصل في ذلك عرفا.

ثم إذا عاد من السفر فما بقي من أعيان النفقة ولو من المأكول يجب رده إلى مال المضاربة ، لأنه مع البقاء المذكور قد تبين عدم وقوع الباقي نفقة للعامل حال سفره ، أو يتركه وديعة أن يسافر إذا كان العامل ممن يتكرر سفره لنفس ذلك المال.

التنبيه الثاني : المراد من السفر هو السفر العرفي لا الشرعي ، والمراد بالثاني ما يجب فيه التقصير ، ويحمل على العرفي حملا للفظ السفر الوارد في صحيح علي بن جعفر وغيره على المعنى العرفي ، للقطع بعدم إرادة الشرعي هنا للانصراف ، وعليه فلو كان السفر قصيرا دون المسافة أو كان طويلا وأتم الصلاة فيه للإقامة فنفقة العامل تلك المدة على أصل مال المضاربة.

التنبيه الثالث : إن نفقة العامل في السفر من مال المضاربة وإن لم يظهر ربح بعد للإطلاق في الخبر المتقدم ، ولذا عبّر الفقهاء بكون النفقة من أصل المال للإشعار بذلك.

(١) أي في السفر.

٢٥٧

يجب رده إلى التجارة ، أو تركه (١) إلى أن يسافر إن كان (٢) ممن يعود إليه قبل فساده (٣).

ولو شرط عدمها (٤) لزم ، ولو أذن له بعده فهو تبرع محض (٥) ، ولو شرطها فهو تأكيد (٦). ويشترط حينئذ (٧) تعيينها (٨) لئلا يتجهل الشرط ، بخلاف ما ثبت بأصل الشرع ، ولا يعتبر في ثبوتها حصول ربح ، بل ينفق ولو من الأصل إن لم يربح ، وإلا كانت منه (٩).

______________________________________________________

(١) أي ترك ما بقي من الأعيان بطريق الوديعة.

(٢) أي كان العامل ممن يعود إلى السفر.

(٣) أي فساد ما بقي من أعيان النفقة.

(٤) أي لو شرط المالك عدم النفقة بمعنى أن لا تكون من أصل مال المضاربة للزم الشرط ، لأن الشرط جائز لأنه غير مناف لمقتضى عقد المضاربة ، فيلزم لعموم (المؤمنون عند شروطهم).

(٥) أي لو أذن المالك للعامل بعد شرط العدم السابق بأن تكون النفقة من أصل المال ، فهو تبرع من المالك ، لأنه غير لازم عليه لا بمقتضى النص للخروج عنه بالشرط ، ولا بالشرط لأن الشرط يقتضي العدم ، وعليه فإذا كان تبرعا فيجوز للمالك الرجوع فيه متى شاء.

(٦) أي لو شرط المالك أن تكون النفقة من مال المضاربة ، فهو تأكيد ، لأن عقد المضاربة تقتضي ذلك للنص المتقدم ، فشرطه تأكيد لمقتضى العقد ، نعم هو شرط لازم لا تأكيدي على القولين الآخرين.

(٧) أي حال كون الشرط تأكيديا.

(٨) أي تعيين النفقة ، قال في المسالك : (وهل يشترط تعيينها حينئذ وجه قوي حذرا من الجهالة في الشرط ، الذي هو جزء العقد ، بخلاف ما تناوله إطلاق العقد بإذن الشارع) ، وقال في الجواهر : (بل ربما قيل بعدم وجوب ضبطها حتى على الأول ـ أي على القول الأول بكون شرطها تأكيديا ـ لكونها ثابتة بأصل الشرع فلا يزيد الاشتراط على الثابت بالأصل) انتهى.

(٩) أي ولو كان ربح لكانت النفقة من الربح ، هذا وفي التذكرة والمسالك أنها من الربح مقدمة على حق العامل ضرورة كون ذلك كالخسارة اللاحقة للمال التي يجب جبرها بما يتجدد من الربح ، وفي الرياض إن إطلاق النص والفتوى يقتضي كون النفقة من أصل المال حتى مع وجود الربح.

٢٥٨

ومئونة المرض في السفر على العامل (١) ، وكذا سفر لم يؤذن فيه (٢) وإن استحق الحصة ، والمراد بالسفر : العرفي ، لا الشرعي وهو (٣) ما اشتمل على المسافة فينفق (٤) وإن كان قصيرا أو أتم الصلاة (٥) إلا أن يخرج عن اسم المسافر (٦) ، أو يزيد (٧) عما تحتاج التجارة إليه فينفق من ماله إلى أن يصدق الوصف.

واحترز بكمال النفقة عن القدر الزائد عن نفقة الحضر ، فقد قيل (٨) : إنه لا ينفق فيه سواه (٩) ، ونبه بأصل المال على أنه لا يشترط حصول ربح (١٠) كما مر (١١).

(وليشتر نقدا بنقد البلد (١٢) ، بثمن المثل فما دون) فلو اشترى نسيئة أو بغير

______________________________________________________

(١) وكذا مئونة الموت على العامل خاصة ، لأن مئونة المرض والموت لم تتعلق بالتجارة.

(٢) أي لم يؤذن العامل في هذا السفر فنفقته عليه حينئذ ، لأن إطلاق النفقة في الصحيح المتقدم منصرف إلى السفر المأذون من قبل المالك ، وغير المأذون إما بتجاوز المأذون أو بالتوجه إلى غير جهة المأذون ، فلا تكون النفقة حينئذ من مال المضاربة ، نعم لو حصل الربح فله حصة منه للشرط في ذلك.

(٣) أي الشرعي.

(٤) من مال المضاربة.

(٥) إما بالإقامة وإما لكونه كثير السفر ففي الموردين تكون النفقة من مال المضاربة مع صدق السفر العرفي.

(٦) كأن تكون المسافة قصيرة جدا بحيث قصيرة جدا بحيث لا يصدق معها أنه مسافر ، فنفقته كونه حاضرا على نفسه.

(٧) أي يزيد بسفره عما تحتاج إليه التجارة ، فالنفقة من مال العامل حتى يصدق عليه الوصف بأنه مسافر في التجارة.

(٨) وهو القول الثاني.

(٩) أي لا ينفق في السفر سوى الزائد ، فيكون الزائد من مال المضاربة ، وأما الباقي فعلى العامل.

(١٠) وذلك كون الأصل معتبرا في الإنفاق سواء ظهر الربح أم لا.

(١١) عند قول الشارح (بل ينفق ولو من الأصل إن لم يربح).

(١٢) عامل المضاربة إما أن يشتري بمال المضاربة متاعا وإما أن يبيع هذا المتاع ، وهنا تعرض للأول ، فإذا أراد شراء متاع بمال المضاربة فعليه أن يشتريه حالا لا نسيئة ، بمعنى أن لا

٢٥٩

نقد البلد ، أو بأزيد من ثمن المثل كان فضوليا ، فإن أجازه المالك صح ، وإلا بطل ، لما في النسيئة من احتمال الضرر بتلف رأس المال فيبقى عهدة الثمن متعلقة بالمالك (١) ، وقد لا يقدر عليه (٢) ، أو لا يكون له غرض في غير ما دفع (٣) ، وحملا في الأخيرين (٤) على المتعارف. وما فيه الغبطة (٥) كالوكيل.

(وليبع كذلك) (٦) بنقد البلد نقدا (٧) (بثمن المثل فما فوقه) لما في النسيئة من

______________________________________________________

يدفع العامل من مال المالك فيما بعد ، فالنسيئة غير جائزة ، لأن إطلاق عقد المضاربة يقتضي أن يشتري العامل بعين المال لأنه المتيقن من المضاربة ، ولأن قد يتلف هذا المال تحت يد العامل فعلى المالك أن يدفع ثمن المتاع من غير مال المضاربة ، والتصرف في غير مال المضاربة غير مأذون فيه العامل.

ثم على العامل أن يشتري المتاع بنقد البلد ، لأن إطلاق العقد يقتضيه ، فلا يجوز له الشراء بنقد غير البلد ، كالإطلاق في الوكالة.

وعلى العامل أن يشتري المتاع بثمن المثل فما دون ، ولا يجوز شراء المتاع بالأزيد عن ثمن المثل ، للتضييع مع القدرة على المحافظة على مال المالك ، كالوكيل أيضا ، وعليه فيشترط في تصرفات العامل في مال المالك الغبطة أي ما فيه المصلحة فلو خالف لكان شراؤه فضوليا ، لأنه غير مأذون فيه.

(١) وعليه فربح هذا المتاع الذي تعلق ثمنه في الذمة لا يسمى ربح مضاربة ، لأن المضاربة عرفا تنصرف إلى المال الذي تحت يد العامل ، لا ما في ذمة المالك.

(٢) أي لا يقدر المالك على أداء ما في ذمته ، فلا يكون مأذونا فيه ، لأن المالك لم يأذن إلا فيما هو القادر عليه.

(٣) أي نستكشف عدم الاذن من عدم الغرض ، إذ قد يتعلق غرضه فيما دفعه فقط.

(٤) في نقد البلد وثمن المثل.

(٥) لأن المقصود من العقد الاسترباح.

(٦) أي ليبع بغير نسيئة وليبع بنقد البلد ، وليبع بثمن المثل فما فوقه ، وهنا تعرض للمورد الثاني وهو بيعه للمتاع الذي اشتراه بمال المضاربة ، ثم كون البيع بغير نسيئة لما في بيع النسيئة من التغرير بمال المالك ، وكون البيع بنقد البلد لإطلاق عقد المضاربة كالإطلاق في الوكالة ، وكون البيع بثمن المثل فما فوق للتضييع لو باعه بأدون من ثمن المثل مع القدرة على تحصيل الزائد.

(٧) أي ليس نسيئة.

٢٦٠