الزبدة الفقهيّة - ج ٥

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٥
ISBN: 964-8220-36-0
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٦٠٠

اختص به الأعلى (١) ، وإن كان المرقى في دهليزه (٢) خارجا (٣) ، لم يشارك الأسفل في شي‌ء من الصحن ، إذ لا يد له على شي‌ء منها (٤) ، ولو كان المرقى في ظهره (٥) اختص صاحب السفل بالصحن والدهليز أجمع.

(و) لو تنازعا (في الدرجة (٦) يحلف العلوي) ، لاختصاصه بالتصرف فيها بالسلوك وإن كانت موضوعة في أرض صاحب السفل وكما يحكم بها للأعلى يحكم بمحلها (٧) ، (وفي الخزانة تحتها (٨) يقرع) بينهما (٩) ، لاستوائهما فيها بكونها

______________________________________________________

المصنف في الدروس ، لأن اشتراكهما في تمام الصحن مستلزم لاشتراكهما في الممر.

(١) على قول المصنف في اللمعة هنا.

(٢) قال في المسالك : (والدهليز بكسر الدال ما بين الباب والدار ، وهو فارسي معرب).

(٣) أي كان المرقى إلى الأعلى في دهليز الخان عند باب الخان ، لم يشارك الأعلى الأسفل في صحن الخان ، بل يكون تمام الصحن للأسفل لوجود يده عليه ، مع عدم وجود يد للأعلى عليه كما هو واضح.

(٤) من عرصة الصحن.

(٥) أي ظهر الخان ، فيختص صاحب الأسفل بالصحن بتمامه وبالدهليز أجمع ، لأن يده عليهما بخلاف الأعلى فلا يد له عليهما.

(٦) فيقضى بها لصاحب الأعلى مع يمينه ، لاختصاصه بالتصرف بها بالسلوك ، فهو صاحب اليد عليها ، وهي وإن كانت موضوعة في أرض الصحن التي هي للأسفل ، إلا أن مجرد الوضع لا يوجب كون الأسفل صاحب يد عليها.

(٧) للأعلى عند التنازع في محل الدرجة ، أما مع عدم المنازعة فيحكم لمن يدعيها.

إن قلت : إن الدرجة في أرض الأسفل ، لأنها في الزائد عن الممر ، والزائد للأسفل.

قلت : ما قبل وضع الدرجة كان محلها للأسفل فيده عليها فيقدم قوله مع يمينه عند التنازع ، وأما بعد البناء فبحسب الظاهر أن الأعلى هو صاحب اليد على المحل ، إذ لعله قد اشترى المحل المذكور من الأسفل.

(٨) تحت الدرجة.

(٩) لأن لكل واحد منهما شاهدا على أنه صاحب يد عليها ، فباعتبار أن الدرجة لصاحب العلو ، وإذا ملك شيئا ملك قراره إلى تخوم الأرض كما يملك عنانه إلى السماء فيكون الأعلى صاحب يد عليها ، وباعتبار أن الخزانة متصلة بملك الأسفل فهو صاحب يد كذلك ، ومع التنازع فكل منهما مدع ومنكر فيتحالفان كما عليه المحقق والفاضل والشهيد في الدروس.

٢٢١

متصلة بملك الأسفل ، بل من جملة بيوته ، وكونها هواء لملك الأعلى وهو كالقرار فيقرع.

ويشكل بما مرّ في السقف (١) ، ويقوى استواؤهما فيها مع حلف كل لصاحبه ، وهو اختياره في الدروس ، ولا عبرة بوضع الأسفل آلاته تحتها (٢).

ويشكل أيضا الحكم في الدرجة (٣) مع اختلافهما في الخزانة ، لأنه إذا قضي بالخزانة لهما (٤) ، أو حكم بها للأسفل بوجه (٥) تكون الدرجة كالسقف المتوسط بين الأعلى والأسفل ، لعين ما ذكر (٦) ، خصوصا مع الحكم بها (٧) للأسفل وحده (٨) فينبغي حينئذ (٩)

______________________________________________________

وذهب الماتن هنا إلى القرعة ، لأن تعيين الخزانة مشكل وهو مجرى القرعة ، وفيه : إن القرعة تجري إذا علمنا على نحو القطع أن الخزانة لأحدهما فقط لأن موردها فيما لو كان المتنازع لأحدهما واقعا إلا أنه مشتبه ظاهرا ، أما مع احتمال الاشتراك فلا تأتي القرعة.

(١) أي في سقف البيت في المسألة الثالثة المتقدمة ، وقد تقدم الإشكال أيضا منا هنا ، وتبين وجهه.

(٢) تحت الخزانة ، فوضع الآلات من ليزان ونحوها لا تجعل صاحب الأسفل صاحب يد على نحو الانحصار.

(٣) والحكم فيها للأعلى مع اختلافهما بالخزانة التي تحت الدرجة ، فلو حكمنا بكون الخزانة لهما كما هو مذهب جماعة ، أو بكون الخزانة للأسفل بحسب القرعة كما هو قول الماتن هنا مع أن البناء الذي هو فوق الدرجة للأعلى فتكون الدرجة كالسقف المتوسط بين البيت السفلي والغرفة الفوقية ، وعليه فكما جرى النزاع في السقف على أقوال يجب أن يجري عني النزاع في الدرجة ، مع أن الحكم في الدرجة وأنهما للأعلى بغير خلاف.

وفيه : إن قياس الدرجة على السقف غير صحيح ، لأن الدرجة مما يحتاج إليها العلوي فقط بخلاف السقف المذكور فإنهما بحاجة إليه معا.

(٤) كما هو مذهب جماعة.

(٥) وهو القرعة على مبنى الماتن هنا.

(٦) أي الخلاف في السقف يجري في الدرجة لأنهما من مورد واحد.

(٧) أي بالخزانة.

(٨) لو خرجت القرعة باسمه وهو مبنى الماتن هنا.

(٩) أي حين الحكم بكون الخزانة للأسفل وحده.

٢٢٢

أن يجري فيها (١) الخلاف السابق (٢) ومرجّحه (٣) ، ولو قضينا بالسقف للأعلى (٤) زال الإشكال هنا (٥) ، وإنما يأتي (٦) على مذهب المصنف هنا (٧) ، وفي الدروس (٨) ، فإنه (٩) لا يجامع اختصاص العلوي بها (١٠) مطلقا (١١).

(الخامسة ـ لو تنازع راكب الدابة ، وقابض لجامها) فيها (١٢) (حلف الراكب) (١٣) لقوة يده ، وشدة تصرفه بالنسبة إلى القابض.

وقيل : يستويان في الدعوى ، لاشتراكهما في اليد ، وقوتها لا مدخل له في الترجيح ، ولهذا لم تؤثر في ثوب بيد أحدهما أكثره كما سيأتي ، وما مع الراكب

______________________________________________________

(١) في الدرجة.

(٢) المتقدم في السقف.

(٣) والشارح قد رجح الاشتراك فيه مع التحالف فراجع.

(٤) كما هو القول الثاني المتقدم في شرحنا في المسألة الثالثة.

(٥) حيث تكون الدرجة هنا للعلوي ، وهذا ما حكم به الجميع هنا من دون مخالف.

(٦) أي يأتي الإشكال.

(٧) أي في اللمعة حيث حكم في السقف بالقرعة بينهما ، فلو خرجت باسم الأسفل لكان مناقضا للحكم بكون الدرجة للعلوي ، لأن الدرجة والسقف متحدان الحكم.

(٨) أي يأتي الإشكال حيث جعل السقف مشتركا فلا يكون العلوي مختصا به فكيف كان العلوي مختصا بالدرجة ، مع أن حكمها حكم السقف.

(٩) أي حكم المصنف في السقف في اللمعة والدروس.

(١٠) بالدرجة.

(١١) في كل الأحوال.

(١٢) في الدابة.

(١٣) ذهب الشيخ في المبسوط إلى أنه يقدم قول الراكب مع يمينه ، لأن يد كل منهما على الدابة ، إلا أن يد الراكب على الدابة أقوى من يد قابض اللجام ، وتصرف الراكب أشدّ من تصرف الآخر ، وزيادة اليد وشدة التصرف تجعل الراكب هو صاحب اليد دون قابض اللجام.

وذهب الشيخ في الخلاف وابن إدريس في السرائر وغيرهما إلى أنهما سواء في الدعوى ، لثبوت يد كل منهما عليها ، وزيادة التصرف للراكب لم تثبت أنها مرجح ، كما أن قوة يد الراكب لا مدخل لها في الترجيح بعد ثبوت يد الآخر ، فيتحالفان ، وهي لهما.

٢٢٣

من زيادة نوع التصرف لم يثبت شرعا كونه مرجحا ، وتعريف المدعي والمنكر منطبق عليهما (١) ، وهو قوي فيحلف كل منهما لصاحبه إن لم يكن بينة ، وأما اللجام فيقضي به لمن هو في يده (٢) ، والسرج لراكبه (٣).

(ولو تنازعا ثوبا في يد أحدهما أكثره فهما سواء (٤) ، لاشتراكهما) في اليد ولا ترجيح لقوتها ، والتصرف هنا وإن اختلف كثرة وقلة لكنه من واد واحد (٥) ، بخلاف الركوب وقبض اللجام. نعم لو كان أحدهما ممسكا له ، والآخر لابسا (٦) فكمسألة الراكب والقابض ، لزيادة تصرف اللابس على اليد المشتركة.

(وكذا) لو تنازعا (في العبد وعليه ثياب لأحدهما (٧) ويدهما (عليه) فلا

______________________________________________________

(١) فقد عرف المدعى بأنه إذا ترك ترك ، وعرف بأن قوله مخالف للأصل ، وعرّف بأن قوله مخالف للظاهر ، وعرّف المنكر بأنه إذا ترك ترك ، وبأن قوله موافق للأصل ، وبأن قوله موافق للظاهر.

فالراكب لو ترك الدابة لتركه قابض اللجام وكذا العكس ، والراكب لو تركه قابض اللجام على الدابة لانتفت الدعوى ، وكذا العكس.

والراكب قوله مخالف للأصل ، إذ الأصل عدم كون الدابة له ، وكذا يجري في قابض اللجام ، والراكب قوله مخالف للظاهر ، لأن الظاهر وهو العرف يرى أن الدابة لقابض لجامها عند انفراده ، وكذا العكس لأن العرف يرى أن الدابة لراكبها عند انفراده.

(٢) لأن يد القابض عليه دون الراكب ، فالأول منكر فيقدم قوله مع يمينه.

(٣) لثبوت يده عليه دون قابض اللجام.

(٤) لاشتراكهما في مسمى اليد ، ولا ترجيح لزيادة اليد ، إذ لم يثبت أنها دليل شرعي ، وعليه فكل منهما مدع ومنكر فيتحالفان.

(٥) لأن العرف يرى أن كلا منهما متصرف بالثوب بدون الترجيح بقلته أو كثرته ، بخلاف مسألة الراكب وقابض اللجام حيث يرى العرف أن الراكب متصرف بالدابة أكثر من تصرف الآخر.

(٦) فيد كل منهما على الثوب ، إلا أن اللابس يده أقوى وتصرفه أشد وأكثر فيجزي هنا ما يجري في مسألة الراكب والقابض في الدابة ، إلا أن يقال كما في المسالك : (وربما قيل هنا بتقديم اللابس ، لأن الظاهر أنه لم يتمكن من لبسه إلا وهو غالب على الثوب مستقل اليد) انتهى.

(٧) مع فرض ثبوت أيديهما عليه ، فهما فيه سواء ، وثياب أحدهما لا مدخلية لهما لزيادة الملك ، إذ قد يلبسها بغير إذن مالكها أو بالعارية ، فهي ليست يدا عرفا.

٢٢٤

يرجح صاحب الثياب كما يرجح الراكب بزيادة ذلك على يده (١) إذ لا دخل للبس في الملك ، بخلاف الركوب ، فإنه قد يلبسها بغير إذن مالكها ، أو بقوله ، أو بالعارية ، ولا يرد مثله في الركوب ، لأن الراكب ذو يد (٢) بخلاف العبد فإن اليد للمدعي ، لا له (٣). ويتفرع عليه (٤) ما لو كان لأحدهما عليه (٥) ، يد وللآخر ثياب خاصة فالعبرة بصاحب اليد.

(ويرجح صاحب الحمل في دعوى البهيمة الحاملة (٦) وإن كان للآخر عليها يد أيضا بقبض زمام ، ونحوه ، لدلالة الحمل على كمال استيلاء مالكه عليها فيرجح. وفي الدروس سوى بين الراكب ، ولابس الثوب ، وذي الحمل في لحكم. وهو حسن ، (و) كذا يرجح (صاحب البيت في) دعوى (الغرفة) الكائنة (عليه وإن كان بابها مفتوحا) إلى المدعي الآخر (٧) ، لأنها موضوعة في ملكه وهو

______________________________________________________

(١) أي كما يرجح الراكب بزيادة وصف الركوب على يده المشتركة مع يد الآخر ، ومن هنا وقع الترجيح بالركوب دون الترجيح باللبس.

(٢) أي أن الراكب له يد على الدابة ، وقد تقوّت بالركوب ، وهنا صاحب الثياب وإن كان له يد على العبد لكن لم تتقو باللبس ، لأن الثياب وإن كانت تحت يد العبد ، إلا أن العبد لا يد له فالثياب ليست تحت يد العبد ، بل تحت يد المدعي من رأس ، فلم يسلم للمدعي إلا يده على العبد دون اللبس.

(٣) أي لا للعبد.

(٤) أي على كون اللبس ليس يدا.

(٥) على العبد.

(٦) لو اختلف اثنان في ملكية البهيمة الحاملة. فهنا فرعان :

الأول : أن لا يكون لأحدهما يد على البهيمة إلا حمل أحدهما عليها فيقدم قوله مع يمينه ، لأنه يستفاد من وجود الحمل عليها كونه مستقلا بها وصاحب يد عليها.

الفرع الثاني : أن يكون لأحدهما حمل عليها وللثاني يد ككونه ممسكا بزمامها ، فهي كمسألة الراكب وقابض اللجام ، إلا أن هناك قد وقع الخلاف بخلاف هنا حيث لا خلاف في تقديم صاحب الحمل لكونه أشدّ تصرفا وأشدّ يدا ، قال الشارح في المسالك : (إلا أن مسألة الحمل أقوى ، ولهذا لم يذكر فيها خلافا ، ووجهه أن الحمل أقوى دليلا على كمال الاستيلاء ، فإن الركوب أسهل تعلقا من الحمل ، وفي الدروس جعل الراكب ولابس الثوب وذا الحمل سواء في الحكم ، وهو كذلك) انتهى.

(٧) لو تداعيا غرفة على بيت أحدهما غير أن بابها إلى غرفة الآخر ، كان الرجحان لدعوى

٢٢٥

هواء بيته ، ومجرد فتح الباب إلى الغير لا يفيد اليد.

هذا إذا لم يكن من إليه الباب متصرفا فيها بسكنى وغيرها ، وإلا قدم ، لأن يده عليها بالذات ، لاقتضاء التصرف له ، ويد مالك الهواء بالتبعية ، والذاتية أقوى ، مع احتمال التساوي ، لثبوت اليد من الجانبين في الجملة ، وعدم تأثير قوة اليد (١).

(السادسة ـ لو تداعيا جدارا غير متصل ببناء أحدهما (٢) ، أو متصلا ببنائهما) معا (٣) اتصال ترصيف ، وهو تداخل الأحجار ونحوها على وجه يبعد كونه محدثا بعد وضع الحائط المتصل به (فإن حلفا ، أو نكلا فهو لهما ، وإلا) فإن حلف أحدهما ، ونكل الآخر (فهو للحالف ، ولو اتصل بأحدهما) خاصة (٤) (حلف) وقضي له به.

ومثله ما لو كان لأحدهما عليه قبة (٥) ، أو غرفة ، أو سترة لصيرورته بجميع ذلك ذا يد فعليه اليمين مع فقد البينة.

______________________________________________________

صاحب البيت قطعا ، لكونها في ملكه الذي هو عنان بيته ، وهذا العنان تابع للقرار ، ومجرد فتح الباب إلى الغير لا يفيد يدا عرفا.

نعم لو فرض كون الآخر ـ مع كون باب الغرفة مفتوحا إلى غرفته ـ متصرفا فيها بسكنى وغيره ، فيقدم قول الساكن مع يمينه ، لأنه صاحب يد بالتصرف ، والآخر وإن كان صاحب يد أيضا إلا أن الساكن يده أصلية فعلية لأنه متصرف بالغرفة ، والثاني يده تبعية لأنه مالك للقرار فيكون مالكا لمحل الغرفة لأنه عنان لذلك القرار ، واليد الفعلية أولى وأقوى من التبعية.

(١) لأنه لم تثبت كونها مرجحة لليد.

(٢) لكنه كان بين أرضيهما ، فأيديهما عليه فيتحالفان ويكون الجدار بينهما على التنصيف.

(٣) اتصال ترصيف وهو تداخل الأحجار واللبن على وجه يبعد كونه محدثا بعد البناء ، وهذا الاتصال المذكور دال على أيديهما معا على الجدار ، فيحلفان ويكون لهما بالتنصيف.

(٤) بحيث اتصل الجدار ببناء أحدهما اتصال ترصيف ، فالاتصال المذكور يقتضي كون صاحب البناء المتصل ذا يد على الجدار فيقدم قوله مع يمينه لأنه منكر.

(٥) أي ومثل الترصيف الكاشف عن اليد ما لو كان لأحدهما قبّة أو غرفة أو سترة ـ بالضم كل ما يستر الشي‌ء ـ فصاحبها هو ذو يد على الجدار فيقدم قوله مع يمينه ، لأنه منكر.

٢٢٦

(وكذا لو كان) لأحدهما خاصة (عليه جذع) (١) فإنه يقضى له به بيمينه (٢) ، أولهما فلهما ، ولو اتصل بأحدهما وكان للآخر عليه جذع تساويا على الأقوى (٣) ، وكذا لو كان لأحدهما واحدة من المرجحات ، ومع الآخر الباقية (٤) ، إذ لا أثر لزيادة اليد كما سلف (أما الخوارج) (٥) من أحد الجانبين أو منهما من نقش ، أو وتد ، أو رف ونحوهما (والروازن) كالطاقات (فلا ترجيح بها) ، لإمكان إحداثها من جهة واضعها من غير شعور الآخر (إلا معاقد القمط) (٦) بالكسر وهو الحبل

______________________________________________________

(١) ذهب الشيخ إلى أنه لا يقضى لصاحب الجذع بأنه ذو يد ، لجريان العادة بالتسامح للجار في ذلك ، ولدلالة كون الجدار بين ملكيهما على ثبوت اليد لهما ، فوضع الجذع من أحدهما مزيد انتفاع فقط ، وزيادة التصرف لا تقتضي الترجيح لإحدى اليدين على الأخرى.

وفيه منع ظاهر ، لأن وضعه بين الملكين دال على ثبوت اليدين لو كان مجردا ، وأما مع وضع الجذع لأحدهما فيكون صاحب اليد هو الواضع دون الآخر ، فيقدم قول صاحب الجذع مع يمينه لأنه منكر ، وهذا ما عليه المشهور.

(٢) على القول المشهور ، وكذا ما بعده.

(٣) فالاتصال الترصيفي يعطي أنه أحدهما صاحب يد ، ووضع الجذع يفيد أن الآخر صاحب يد ، وعليه فهو لهما مع التحالف خلافا للشيخ حيث حكم بكون وضع الجذع لا يفيد اليد للتسامح به في العادة.

(٤) بحيث كان لأحدهما الاتصال وللآخر غرفة أو قبة أو سترة فيتساويان ، إذ لا أثر لزيادة اليد كما سلف.

(٥) قال في المسالك : (المراد بالخوارج كلما خرج عن وجه الحائط من نقش أو وتد ورف ونحو ذلك ، فإنه لا يفيد الترجيح لمالكه ، لإمكان إحداثه له من جهته من غير شعور صاحب الجدار ، ومثله الدواخل فيه ، كالطاقات غير النافذة والرزان النافذة) انتهى.

(٦) أصل المسألة أنه لو اختلفا في خصّ ، قضي لمن إليه معاقد القمط ، والخصّ على ما في المسالك : (الخصّ بالضم البيت ، يعمل من القصب) ، ويؤيده ما في المصباح المنير حيث قال : (الخص البيت من القصب) ، ويؤيده ما في المصباح المنير حيث القصب شبه الجدار حاجزا بين الملكين) انتهى.

وأما القمط ، فإن كانت بالضم فهي جمع قماط ، وهي شداد الخصّ من ليف أو خوص أو نحوهما ، وإن كانت بالكسر فهي حبل يشدّ به الخصّ ، وعليه فلو تنازعا في شبه الجدار المبني من القصب بين الملكين ، أو في البيت المبني من القصب وهو بين الملكين ،

٢٢٧

الذي يشد به الخص وبالضم جمع قماط وهي شداد الخص من ليف وخوص وغيرها فإنه يقضى بها فيرجح من إليه معاقد القمط لو تنازعا (في الخص) بالضم وهو البيت الذي يعمل من القصب ، ونحوه على المشهور بين الأصحاب ، ومنهم من جعل حكم الخص كالجدار بين الملكين ، وهو الموافق للأصل (١).

______________________________________________________

قضي لمن إليه الحبل الذي يشدّ به الخصّ ، على المشهور لصحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سألته عن خصّ بين دارين ، فذكر أن عليا عليه‌السلام قضى به لصاحب الدار الذي من قبله القمط) (١) ، ولخبر عمر بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام (أنه قضى في رجلين اختصما إليه في خصّ فقال : إن الخصّ للذي إليه القماط) (٢) ، وعن أبي حنيفة عدم الترجيح بمعاقد القمط ، وكذا عن المحقق في النافع ، مع همل الخبرين المتقدمين على أنهما قضية في واقعة فلا يتعدى الحكم فيها ، ويكون حكم الخصّ حكم الجدار بين الملكين.

(١) لأن الخصّ كالجدار.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من كتاب الصلح حديث ١ و ٢.

٢٢٨

كتاب الشركة

٢٢٩
٢٣٠

كتاب الشركة)

الشركة بفتح الشين فكسر الراء (١) ، وحكي فيها كسر الشين فسكون الراء (وسببها (٢) قد يكون إرثا) لعين ، أو منفعة ، أو حق بأن يرثا مالا أو منفعة دار

______________________________________________________

(١) قال في المصباح المنير : (وشركة وزان كلم وكلمة ، بفتح الأول وكسر الثاني ـ إلى أن قال ـ ثم خفّف المصدر بكسر الأول وسكون الثاني ، واستعمال المخفّف أغلب فيقال : شرك وشركة ، كما يقال : كلم وكلمة على التخفيف ، نقله الحجة في التفسير وإسماعيل بن هبة الله الموصلي على ألفاظ المهذب ، ونصّ عليه صاحب المحكم وابن القطاع) انتهى.

(٢) اعلم أن الشركة تطلق على معنيين :

الأول : هو اجتماع حق مالكين فصاعدا في الشي‌ء الواحد على سبيل الشياع ، وهذا المعنى هو المتبادر من معنى الشركة لغة وعرفا ، قال في المسالك : (إلا أنه لا مدخل له في الحكم الشرعي ـ من الصحة والبطلان ـ المترتب على الشركة من كونها من جملة العقود المفتقرة إلى الإيجاب والقبول ، والحكم عليها بالصحة والبطلان ، فإن هذا الاجتماع يحصل بعقد وغيره ، بل بغيره أكثر ، حتى لو تعدى أحدهما ومزج ماله بمال الآخر قهرا ، بحيث لا يتميزان تحققت الشركة بهذا المعنى) انتهى.

المعنى الثاني : عقد ثمرته جواز تصرف الملّاك بالشي‌ء الواحد على سبيل الشياع فيه ، وهذا المعنى للشركة هو الذي أوجب إدراجها في جملة العقود ، وبهذا المعنى يلحقها حكم الصحة والبطلان.

والشركة بالمعنى الأول قد تكون بسبب إرث وقد تكون بسبب عقد وقد تكون بسبب حيازة وقد تكون بسبب المزج وعلى كل التقادير فالمشترك قد يكون عينا وقد يكون منفعة وقد يكون حقا ، ومثال ما لو كان سبب الشركة إرثا هو : كأن يرث ثلاثة من الأخوة دارا لمورثهم أو يرثون منفعة دار قد استأجرها مورثهم أو يرثون حق الخيار الثابت

٢٣١

استأجرها مورثهم ، أو حق شفعة ، وخيار ، (وعقدا) (١) بأن يشتريا دارا بعقد واحد ، أو يشتري كل واحد منهما جزء مشاعا منها ولو على التعاقب ، أو يستأجراها (٢) ، أو يشتريا بخيار لهما (٣) ، (وحيازة) (٤) لبعض المباحات (دفعة) بأن يشتركا في نصب حبالة ، ورمي سهم مثبت فيشتركا في ملك الصيد ، ولو حاز كل واحد شيئا من المباح منفردا عن صاحبه اختص كل بما حازه (٥) إن لم يكن عمل كل واحد بنية الوكالة عن صاحبه (٦) في تملك نصف ما يحوزه ، وإلا اشتركا أيضا على الأقوى ، فالحيازة قد توجب الاشتراك مع التعاقب (٧) وقد لا توجبه في الدفعة (٨) ، (ومزجا) (٩) لأحد ماليهما بالآخر بحيث (لا يتميز) كل منهما عن

______________________________________________________

لمورثهم ، وعلى مثل هذا فقس بقية الأمثلة ، وسيذكر الشارح البقية الواقعة ، وإلا فبعض الصور المتقدمة لا صغرى لها كما سيأتي التنبيه عليها.

(١) كأن يشتري ثلاثة من الملاك دارا ، أو يستأجرون منفعة دار ، أو يصالحون على حق تحجير ، فيكون الحق لهم ، فالعقد الموجب للشركة قد يوجبها في عين أو منفعة أو حق.

(٢) مثال للمنفعة.

(٣) فيكون حق الخيار لهما.

(٤) عطف على العقد والارث ، وهو في مقام بيان الباب الشركة ، والحيازة تتحقق فيما لو اشتركا في نصب حبالة الصيد المشتركة بينهما ، أو يشتركان في رمي السهم المشترك لهما ، فيحوزان بالنصب أو الرمي طيرا فهو لهما شراكة ، وقد تتحقق فيما لو اقتلعا شجرة أو اغترفا ماء ، ولصدور العمل منهما فتكون الشجرة أو الماء شراكة ، هذا والحيازة تكون سببا في الشراكة في الأعيان فقط كما هو واضح.

(٥) لما سيأتي من أن الحيازة سبب للملك ، فإذا حاز أحدهما شجرة فتكون ملكا له ، ولا تكون موردا للشركة إلا إذا جوّزنا شركة الأبدان على ما سيأتي من أنهما يشتركان بعقد على أن يكون عمل أحدهما ملكا لهما ، وسيأتي أنها باطلة إلا من الإسكافي.

(٦) سيأتي أنه هل تتحقق الوكالة في الحيازة أو لا ، فعلى القول بالجواز لو نوى بالحيازة عنه وعن موكله فيكون كل منهما قد جاز النصف فهي لهما ، وعلى القول بالعدم فالوكالة لا تقع ونيته لا معنى لها ، فالحيازة للأول والملك له فقط بدون اشتراك.

(٧) كما لو نوى كل منهما عن الآخر حال كون نية أحدهما متقدمة.

(٨) كما لو حاز كل منهما عن نفسه لا عن وكيله.

(٩) عطف على الحيازة والعقد والارث ، وهو السبب الرابع للشركة ، كأن يمتزج مال أحدهما

٢٣٢

الآخر بأن يكونا متفقين جنسا ووصفا ، فلو امتزجا بحيث يمكن التمييز وإن عسر كالحنطة بالشعير ، أو الحمراء من الحنطة بغيرها ، أو الكبيرة الحب بالصغيرة ، ونحو ذلك فلا اشتراك. ولا فرق هنا بين وقوعه اختيارا ، أو اتفاقا.

(والشركة قد تكون عينا) أي في عين كما لو اتفق الاشتراك بأحد الوجوه السابقة (١) في شي‌ء من أعيان الأموال ، (ومنفعة) كالاشتراك في منفعة دار استأجراها ، أو عبد ، أوصي لهما بخدمته ، (وحقا) كشفعة ، وخيار ، ورهن ، وهذه الثلاثة (٢) تجري في الأولين (٣) وأما الأخيران (٤) فلا يتحققان إلا في العين ، ويمكن فرض الامتزاج في المنفعة بأن يستأجر كل منهما دراهم للتزين بها ، حيث نجوزه (٥) متميزة (٦) ثم امتزجت بحيث لا تتميز.

(والمعتبر) من الشركة شرعا عندنا (شركة العنان) (٧) بكسر العين وهي شركة

______________________________________________________

بمال الآخر بحيث لا يتميزان ، سواء كان المزج بسبب فعل أحدهما أو بفعلهما أو بسبب ثالث ، والمزج قد يتحقق في العين لمزج الزيت بالزيت ، إلا أنه لا يجري في المنفعة ، نعم بعضهم فرض مثالا للمزج بالمنفعة كما لو استأجر شخص دراهم للتزين بها بناء على جواز ذلك ثم مزجت الدراهم بغيرها حيث كان لكل درهم خصوصية فيتحقق المزج بمنافع الدراهم المستأجرة.

(١) من الارث والعقد والحيازة والمزج.

(٢) من كون المشترك عينا أو منفعة أو حقا.

(٣) أي في الأولين من أسباب الشركة ، وهما الارث والعقد.

(٤) وهما الحيازة والمزج.

(٥) لأنه يشكل على صحة استئجار الدراهم لمنفعة التزين مع أن الأصل عدمها.

(٦) صفة للدراهم.

(٧) وهي شركة الأموال ، بمعنى أن يكون لكل منهما مال ، فيمزج كل مع الآخر ، ويشترطان العمل به بأبدانهما ، ويتساوبان في الربح والخسران مع تساوي المالين ، ولا يجوز لأحد الشريكين التصرف في المال المشترك إلا بإذن شريكه.

وهذه الشركة لا بد فيها مع اشتراك المالين من صيغة عقدية من إيجاب وقبول على أن يعملا بالمال المشترك ليكون الربح لهما والخسارة عليهما ، وهذا هو المعنى الثاني للشركة ، وبهذا المعنى صح إدراجها في باب مستقل من أبواب الفقه ، وهي بهذا المعنى يلحقها الحكم الشرعي من الصحة والبطلان ، فإذن الشركة عقد على التكسب بالمال المشترك ، فإن

٢٣٣

الأموال ، نسبت إلى العنان وهو سير (١) اللجام الذي يمسك به الدابة ، لاستواء الشريكين (٢) في ولاية الفسخ ، والتصرف ، واستحقاق الربح على قدر رأس المال

______________________________________________________

كان المال مشتركا قبل المعاملة فهو وإلا لا بد من مزجه ليصير مشتركا ، وهذه الشركة تصح عندنا بلا خلاف فيه ، بل عليه الإجماع بقسميه كما في الجواهر. وهذه الشركة تسمى بشركة العنان ، والعنان بالكسر هو سير اللجام الذي يمسك به الدابة ، والسير هو ما يقدّ من الجلد بل هو (قدّة من الجلد مستطيلة) ، وإذا تقرر ذلك فقد اختلفوا فيما أخذت منه كلمة شركة العنان.

فقيل من عنان الدابة ، ولذا قال في المصباح المنير : (وقال بعضهم : مأخوذة من عنان الفرس ، لأنه يملك بها ـ أي بشركة العنان ـ التصرف في مال الغير كما يملك التصرف في الفرس بعنانه) انتهى.

أو يقال : إنها مأخوذة من عنان الدابة لاستواء الشريكين في ولاية الفسخ والتصرف واستحقاق الربح على قدر رأس المال كاستواء طرفي العنان.

أو إنها مأخوذة من عنان الدابة لتساوي الفارسين إذا استويا على فرسيهما وتساويا في السير ، فيكونان سواء ، لكون كل منهما قابضا على دابته بالعنان يسيرها كيف شاء ، فكذلك الشريكان يستويان في التصرف في المال المشترك.

أو إنها مأخوذة من عنان الدابة ، لأن كل واحد منهما يمنع الآخر من التصرف كما يشتهي ويريد كما يمنع العنان الدابة.

أو إنها مأخوذة من عنان الدابة ، لأن الأخذ بعنان الدابة حبس لإحدى يديه على العنان مع أن يده الأخرى مطلقة يستعملها كيف شاء ، وكذلك الشريك يمنع بالشركة نفسه عن التصرف في المال المشترك كما يشتهي ، وهو مطلق التصرف في سائر أمواله.

أو إنها مأخوذة من (عنّ) إذا ظهر ، إما لأنه ظهر لكل منهما مال لصحابه ، وإما لأنها أظهر أنواع الشركة ولذلك أجمع على صحتها.

أو أنها مأخوذة من (المعانّة) وهي المعارضة ، فكل واحد منهما عارض بما أخرجه ما أخرجه الآخر ، وهذا ما قاله الزمخشري ، وقد جعله مرددا بين هذا المعنى وبين معنى ثان ، وهو أن العنان مؤلف من طاقين مستويين ، وبشركة الأموال يكون الشريكان مستويين في التصرف.

(١) بفتح الأول وسكون الثاني.

(٢) أي إذا كانت شركة العنان مأخوذة من عنان الدابة ، فالأخذ إما لاستواء الشريكين وإما لتساوي الفارسين ، وإما لكون كل منهما يمنع الآخر كما يمنع العنان الدابة ، وإما لأن الأخذ بالعنان حبس لإحدى يديه مع إطلاق الأخرى فالجهات أربعة.

٢٣٤

كاستواء طرفي العنان ، أو تساوي الفارسين فيه إذا تساويا في السير ، أو لأن كل واحد منهما يمنع الآخر من التصرف حيث يشاء كما يمنع العنان الدابة ، أو لأن الأخذ بعنانها يحبس إحدى يديه عليه ويطلق الأخرى كالشريك يحبس يده عن التصرف في المشترك مع انطلاق يده في سائر ماله.

وقيل : من عنّ إذا ظهر ، لظهور مال كل من الشريكين لصاحبه أو لأنها أظهر أنواع الشركة. وقيل : من المعانّة وهي المعارضة ، لمعارضة كل منهما بما أخرجه الآخر.

(لا شركة الأعمال) (١) بان يتعاقدا على أن يعمل كل منهما بنفسه ، ويشتركا في الحاصل ، سواء اتفق عملهما قدرا ونوعا (٢) أم اختلف فيهما (٣) أم في أحدهما ، وسواء عملا في مال مملوك (٤) أم في تحصيل مباح (٥) ، لأن كل واحد

______________________________________________________

(١) وهي المسماة بشركة الأبدان ، بأن يقع العقد بين اثنين على أن يكون أجرة عمل كل منهما مشتركا بينهما ، سواء اتفقا في العمل كخياطين ، أم اختلفا كالخياط مع النّساج ، وكذلك تحصل الشركة المذكورة فيما لو وقع العقد بينهما على أن ما يحصله أحدهما كالحيازة فهو لهما على نحو الاشتراك.

فهذه الشركة باطلة ويختص كل منهما بأجرته وبما حازه ، بلا خلاف في ذلك إلا من ابن الجنيد ، ودليلهم الإجماع بعد عدم الدليل الخاص على الجواز من الكتاب والسنة ، هذا فضلا عن عدم تحقق موضوع الشركة هنا ، إذ موضوعها المال المشترك وفي هذه الشركة لم يتحقق مزج ماليهما بل كل ما يحصله أحدهما متميزا عما يحصله الآخر فيكون لصاحبه ، لا له ولشريكه.

نعم ما أورده العلامة في التذكرة (من شركة سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر فيما يغنمونه ، فأتى سعد بأسيرين ولم يأتيا بشي‌ء ، فأقرهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وشركهم جميعا) غير ثابت من طرقنا ولا يوجد له جابر.

(٢) كأن يكون أجرة كل منهما بقدر أجرة الآخر مع كونهما خياطين

(٣) كأن يكون أحدهما خياطا والآخر نساجا ، وكان أجرة أحدهما أكثر من الآخر ، وهذا كله إشارة إلى خلاف بعض العامة ، فمنهم من منع من صحتها مطلقا موافقا للإمامية ، ومنهم من أجازها مطلقا مع اتفاق الصيغتين لا مع اختلافها ، ومنهم من أجازها في غير اكتساب المباح.

(٤) وكان مملوكا للغير كالخياط والنساج.

(٥) كالحيازة.

٢٣٥

منهما متميز ببدنه وعمله فيختص بفوائده ، كما لو اشتركا في مالين وهما (١) متميزان.

(ولا) شركة (المفاوضة) (٢) وهي أن يشترك شخصان فصاعدا بعقد لفظي على أن يكون بينهما ما يكتسبان ، ويربحان ، ويلتزمان من غرم ويحصل لهما من غنم ، فيلتزم كل منهما للآخر مثل ما يلتزمه (٣) من أرش جناية ، وضمان غصب ، وقيمة متلف ، وغرامة ضمان وكفالة ، ويقاسمه فيما يحصل له من ميراث ، أو يجده من ركاز (٤) ، ولقطة ، ويكتسبه في تجارة ، ونحو ذلك.

ولا يستثنيان من ذلك إلا قوت اليوم ، وثياب البدن ، وجارية يتسرى بها ، فإن الآخر لا يشارك فيها. وكذا يستثنى في هذه الشركة من الغرم : الجناية على الحر ، وبذل الخلع (٥) ، والصداق إذا لزم أحدهما (٦).

______________________________________________________

(١) أي المالان.

(٢) قال الشارح في المسالك : (وهي أن يشترك شخصان فصاعدا على أن يكون بينهما ما يكتسبان ويربحان ، ويلتزمان من غرم ويحصل لهما من غنم ، فيلزم كل واحد منهما ما يلزم الآخر من أرش جناية وضمان غصب وقيمة متلف وغرامة الضمان والكفالة ، ومقاسمة ما يحصل له من الميراث ويجده من ركاز ولقطة ويكتسبه في تجارته بماله المختص به ، ولا يستثنى من ذلك إلا قوت يومه وثياب بدنه وجارية يتسراها ، فإنه لا يشاركه ، وكذا يستثنى من الغرم الجناية على الحر وبذل الخلع والصداق إذا ألزم أحدهما.

وقال صاحب إصلاح المنطق : شركة المفاوضة أن تكون مالهما من كل شي‌ء يملكانه بينهما ، وهو مخصوص بما ذكرناه ، لاستثناء القائل بها بذلك ، وهي باطلة إلا عند أبي حنيفة ومن شذّ) انتهى.

وعلى كل فهي باطلة بلا خلاف فيه بيننا لعدم الدليل على جوازها من كتاب أو سنة ، ولأن هذه الشركة لا توجب المزج بين المالين ، بل يكون كل مال متميزا عن الآخر ، فكما أن الغنم له فالغرم عليه ، ولا دليل على أن الغرم أو بعضه على الآخر.

(٣) أي ما يلتزمه الآخر.

(٤) قال في المصباح المنير إنه (المال المدفون في الجاهلية ، وهو قول أهل الحجاز ، ويقال هو : المعدن) انتهى.

(٥) بالنسبة للمرأة إذا كانت أحد الشريكين.

(٦) أي أحد الشريكين.

٢٣٦

(و) لا شركة (الوجوه) (١) وهي أن يشترك اثنان وجيهان (٢) لا مال لهما بعقد لفظي ليبتاعا في الذمة على أن ما يبتاعه كل منهما يكون بينهما فيبيعان ويؤديان الأثمان ، وما فضل فهو بينهما ، أو أن يبتاع وجيه في الذمة ويفوض بيعه إلى خامل على أن يكون الربح بينهما ، أو أن يشترك وجيه لا مال له ، وخامل ذو مال ليكون العمل من الوجيه والمال من الخامل ، ويكون المال في يده لا يسلّمه إلى الوجيه ، والربح بينهما ، أو أن يبيع الوجيه مال الخامل بزيادة ربح ليكون بعضه (٣) له ، وهذه الثلاثة (٤) بمعانيها (٥) عندنا باطلة.

(و) المشتركان شركة العنان (يتساويان في الربح والخسران مع تساوي المالين ، ولو اختلفا) في مقدار المال (اختلف الربح) بحسبه (٦).

______________________________________________________

(١) قال الشارح في المسالك : (لشركة الوجوه تفسيرات ، أشهرها أن يشترك اثنان وجيهان عند الناس لا مال لهما بعقد لفظي ليبتاعا في الذمة إلى أجل على أن ما يبتاعه كل واحد منهما يكون بينهما ، فيبيعان ويؤديان الأثمان ، وما فضل بينهما.

وقيل : أن يبتاع وجيه في الذمة ويفوّض بيعه إلى خامل ، ويشترط أن يكون الربح بينهما.

وقيل : أن يشترك وجيه لا مال له وخامل ذو مال ، ويكون العمل من الوجيه والمال من الخامل ، ويكون المال في يده لا يسلّمه إلى الوجيه والربح بينهما.

وقيل : أن يبيع الوجيه مال الخامل بزيادة ربح ليكون بعض الربح له ، والكل عندنا باطل خلافا لابن الجنيد ، فإنه جوّزها بالمعنى الأول ، ولأبي حنيفة مطلقا) انتهى.

وبطلانها للإجماع المدعى ولأنه لا دليل على جوازها ، ولأنه لم يتحقق المزج بين المالين فلا يتحقق موضوع الشركة.

(٢) أي معتبران عند الناس.

(٣) أي بعض الربح.

(٤) من شركة الأعمال وشركة المفاوضة وشركة الوجوه.

(٥) أي بالتفسيرات كلها الواردة في شرح الثلاثة.

(٦) أي بحسب مقدار المال ، وكذا عليه من الخسارة بحسب ماله ولم يذكر الماتن الخسارة واقتصر على الربح ، لتقدم الربح على الخسارة مع أنه إذا ذكر الربح فيكون حكم الخسارة معروفا حينئذ ، بلا خلاف في ذلك ، لأن الربح تابع للمال لأنه نماؤه ، فإذا كان مال أحدهما مساويا لمال الآخر كان الربح بينهما بالتنصيف ، والخسارة على المال لأن من له

٢٣٧

والضابط أن الربح بينهما على نسبة المال متساويا ومتفاوتا ، فلو عبر به (١) لكان أخصر وأدل على المقصود ، إذ لا يلزم من اختلاف الربح مع اختلاف المالين كونه على النسبة ، (ولو شرطا غيرهما) (٢) أي غير التساوي في الربح على تقدير

______________________________________________________

الغنم فعليه الغرم ، فلو كان أحد المالين كالآخر كان الغرم عليهما بالتنصيف ، ومنه يعرف حكم الربح والخسارة ، عند اختلاف مقدار المالين.

(١) أي بكون الربح على نسبة المال ، لكان أخصر من عبارة المصنف ، لأن المصنف قد ذكر نسبة الربح عند التساوي ونسبته عند اختلاف المالين ، ولكان أول لأن عبارة الشارح تفيد أن الاختلاف في الربح مسبب عن اختلاف المالين ، أما عبارة المصنف فلا تدل على أن سبب الاختلاف في الربح هو الاختلاف في المالين ، وذلك لو كان لأحدهما ثلثا المال وللآخر الثلث الباقي فيجب أن يكون الربح على مقدار نسبة المالين ، ولكن لو شرط بجعل الربح بينهما على أن يكون لصاحب الثلثين ثلاثة أرباع الربح ولصاحب الثلث ربع لصدق اختلاف الربح عند اختلاف المالين كما هو مقتضى عبارة الماتن ، مع أن المصنف لا يريد هذه الصورة من عبارته السابقة.

(٢) أي شرطا زيادة الربح مع تساوي المالين ، أو شرطا تساوي الربح والخسران مع تفاوت المالين ، وقد وقع الخلاف فيه على أقوال :

الأول : الصحة وإليه ذهب المرتضى مدعيا عليه الإجماع وتبعه عليه جماعة منهم العلامة وولده لعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١) ، ولعموم (المؤمنون عند شروطهم) (٢) ، ولأصالة الصحة في العقود ، وبناء الشركة على الإرفاق لكل منهما ، ومن جملته موضع النزاع.

الثاني : البطلان للشرط مع بطلان عقد الشركة ، وذهب إليه الشيخ وابن إدريس والمحقق والقاضي بل نسب إلى الأكثر ، لانتفاء دليل الصحة ، ولأنه أكل للمال بالباطل لأن الزيادة ليس في مقابلها عوض لأن الفرض أنه ليس في قبال الزيادة عمل ، ولم يقع اشتراط الزيادة في عقد معاوضة كالنبيع ليضم شرط زيادتها إلى أحد العوضين ، ولا اقتضى تملكها عقد هبة ، مع أن الأسباب المثمرة للملك معدودة وليس هذا واحدا منها ، فيكون اشتراط الزيادة اشتراطا لتملك شخص مال غيره بغير سبب ناقل للملك ، وإذا بطل الشرط بطل العقد المشروط ، إذ لم يقع التراضي بالشركة ولا الاذن في التصرف إلا على ذلك التقدير ، وقد تبيّن فساده فلا يندرج تحت عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٣) ولا تحت

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية : ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور حديث ٤.

(٣) سورة المائدة ، الآية : ١.

٢٣٨

تساوي المالين بأن شرطا فيه (١) تفاوتا حينئذ (٢) ، أو غير اختلاف استحقاقهما في الربح مع اختلاف المالين كمية (فالأظهر البطلان) أي بطلان الشرط ، ويتبعه بطلان الشركة (٣) بمعنى الإذن في التصرف ، فإن عملا كذلك (٤) فالربح تابع للمال وإن خالف الشرط ، ويكون لكل منهما أجرة عمله بعد وضع ما قابل عمله في ماله (٥).

ووجه البطلان بهذا الشرط أن الزيادة الحاصلة في الربح لأحدهما ليس في مقابلها عوض ، ولا وقع اشتراطها في عقد معاوضة لتضم إلى أحد العوضين ، ولا اقتضى تملكها عقد هبة ، والأسباب المثمرة للملك معدودة ، وليس هذا أحدها فيبطل الشرط ويتبعه العقد المتضمن للإذن في التصرف ، لعدم تراضيهما إلا على ذلك التقدير ولم يحصل. وينبغي تقييده (٦) بعدم زيادة عمل ممن شرطت له الزيادة ، وإلا (٧) اتجه الجواز.

وقيل (٨) : يجوز مطلقا (٩) لعموم الأمر بالوفاء بالعقود ، والمؤمنون عند

______________________________________________________

بقية العمومات الواردة في دليل القول الأول ، والإجماع المدعى من قبل السيد المرتضى على القول الأول معارض بالإجماع المدعى على القول الثاني من ابن إدريس ، ومع الغض عن المعارضة فإجماع السيد موهون لذهاب الأكثر إلى خلافه.

الثالث : صحة عقد الشركة دون الشرط ، وهو قول أبي الصلاح الحلبي ، وهو مبني على أن الشرط الفاسد غير مفسد.

(١) في الربح.

(٢) أي حين تساوي المالين.

(٣) وهو القول الثاني المتقدم ، هذا والمراد من بطلان الشركة بطلان عقدها ، أما نفس الشركة من مزج المالين فلا يملك بطلانها لتحقق المزج في الخارج ، ولما كان المراد من الشركة هو عقدها لذا قال الشارح عقيب ذلك : (بمعنى الاذن في التصرف).

(٤) أي مع بطلان الشركة والشرط.

(٥) أي ما قابل عمله واستلزم من إنفاق يجعل في ماله وله أجرة عمله.

(٦) أي تقييد البطلان.

(٧) أي وإن شرطت الزيادة في الربح لمن له زيادة عمل فهو جائز بلا خلاف فيه ولا إشكال ، بل ظاهر التذكرة الإجماع عليه.

(٨) وهو القول الأول المتقدم.

(٩) من عقد وشرط.

٢٣٩

شروطهم ، وأصالة الإباحة ، وبناء الشركة على الإرفاق ، ومنه موضع النزاع.

(وليس لأحد الشركاء التصرف) في المال المشترك (إلا بإذن الجميع) (١) لقبح التصرف في مال الغير بغير إذنه عقلا وشرعا ، (ويقتصر من التصرف على المأذون) (٢) على تقدير حصول الإذن (فإن تعدى) المأذون (ضمن) (٣).

واعلم أن الشركة كما تطلق على اجتماع حقوق الملّاك في المال الواحد على أحد الوجوه السابقة (٤) ، كذلك تطلق على العقد المثمر جواز تصرف الملّاك في المال المشترك ، وبهذا المعنى (٥) اندرجت الشركة في قسم العقود ، وقبلت الحكم بالصحة والفساد ، لا بالمعنى الأول. والمصنف رحمه‌الله أشار إلى المعنى الأول بما افتتح به من الأقسام ، وإلى الثاني بالإذن المبحوث عنه هنا (٦) ، (ولكل) من الشركاء

______________________________________________________

(١) بما أن الشركة على معنيين ، فالأول هو اجتماع حق الملّاك في الواحد على سبيل الشياع بسبب الارث أو العقد أو الحيازة أو المزج ، وهذه الشركة لو تمت فلا يجوز لأحد الشريكين التصرف في المال المشترك إلا مع إذن بقية الشركاء ، لحرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه ، ومجرد اشتراك المال لا يدل على الاذن ، سواء كان الاشتراك باختيار الشركاء أم لا ، لأن الاذن بالتصرف أمر زائد على مفهوم الشركة بهذا المعنى.

والمعنى الثاني للشركة هو عقد ثمرته جواز التصرف في المال المشترك لتحصيل الربح على أن يكون الربح لهما والخسران عليهما بنسبة المال ، والشركة بهذا المعنى تدل على الاذن بالفحوى ، لأن العقد هنا لا بد أن يدل على عملهما بالمال المشترك ، ودلالته على العمل دلالة على إذن كل منهما بالتصرف للآخر.

(٢) فإن أطلق الاذن تصرف كيف شاء من وجوه التجارة والاسترباح ، مرابحة ومساومة وتولية ، وإن قيّد الاذن تصرف على مقدار خصوص الاذن كما هو واضح.

(٣) لقاعدة اليد (على اليد ما أخذت حتى تؤدي) ، لأنه متصرف في مال الغير بغير إذنه ، وهو مما لا إشكال فيه.

(٤) من المزج والحيازة والعقد والارث.

(٥) أي الثاني.

(٦) وفيه : إن المصنف قد أشار إلى القسم الثاني عند تعرضه لشركة العنان ، بل هو بيان لتمام القسم الثاني من الشركة حينئذ ، وأما الاذن المبحوث عنه هنا فهو إشارة إلى المعنى الأول ، لأن المعنى الثاني مما يجوز للشريك التصرف في المشترك لتحقق الاذن ، فنفي التصرف للشريك إلا بعد إحراز الاذن كما هو عبارة الماتن هنا إنما يجري في المعنى الأول كما هو واضح.

٢٤٠