الزبدة الفقهيّة - ج ٥

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٥
ISBN: 964-8220-36-0
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٦٠٠

القولين ، لأن الحضور حق شرعي لا ينافيه الحلول. وقيل : لا تصح إلا مؤجلة (إلى أجل معلوم) (١) لا يحتمل الزيادة والنقصان كغيره من الآجال المشترطة ، (ويبرأ الكفيل بتسليمه) تسليما (تاما) (٢) بأن لا يكون هناك مانع من تسلّمه كمتغلب ، أو حبس ظالم ، وكونه في مكان لا يتمكن من وضع يده عليه ، لقوة المكفول ، وضعف المكفول له ، وفي المكان المعين إن بيّناه في العقد ، وبلد العقد مع الاطلاق ، (وعند الأجل) (٣) أي بعده إن كانت مؤجلة ، (أو في الحلول) متى شاء إن كانت حالة ، ونحو ذلك ، فإذا سلّمه كذلك (٤) برئ ، فإن امتنع (٥) سلّمه إلى الحاكم (٦) وبرئ أيضا ، فإن لم يمكن (٧) أشهد عدلين (٨) بإحضاره إلى المكفول له ، وامتناعه من قبضه ، وكذا يبرأ بتسليم المكفول نفسه تاما (٩) ، وإن لم يكن من

______________________________________________________

(١) لا بد أن يكون الأجل في المؤجلة معلوما ، وهو موضع رفاق بيننا ، لأن الأجل المجهول يوجب الغرر ، إذ ليس له وقت يستحق المطالبة فيه كغيره من الآجال المشترطة ، وخالف بعض العامة فاكتفى بالأجل المجهول قياسا على العارية للجامع بينهما وهو التبرع في كل منهما وهو فاسد.

(٢) المراد بالتسليم التام أن يكون في الوقت والمكان المعينين في العقد ، أو في بلد العقد عند الإطلاق ، وأن لا يكون للمكفول له مانع من تسلمه ، وإذا سلمه الكفيل كذلك فقد برئ من عهدة حضوره.

(٣) أي إذا كانت الكفالة مؤجلة وقد حلّ الأجل أو كانت الكفالة حالة وطلب المكفول له إحضاره ، فأحضره وسلّمه تسليما تاما فقد برئ بلا خلاف فيه ولا إشكال ، لأن غرض الكفالة حضور الغريم وقد أحضر.

(٤) أي تاما.

(٥) أي المكفول له عن التسلم.

(٦) لأنه ولي الممتنع ، وعن بعض أنه لا يشترط تسليمه إلى الحاكم ، لأن غاية ما يجب على الكفيل إحضار الغريم إلى المكفول له وقد تمّ ، ولا يجب عليه التسليم بل التسلم وهو الأقوى.

(٧) أي لم يمكن التسليم إلى الحاكم.

(٨) الشهادة لأجل إثبات التسليم لو أنكر المكفول له ، وإلا فلا يجب عليه الإشهاد كحكم مستقل.

(٩) بلا إشكال ، لأن غرض الكفالة حضور الغريم ، وقد حضر فيبرأ الكفيل ، وخالف العلامة في التذكرة بأنه يبرأ لو سلم الغريم نفسه من جهة الكفيل وإلا فلا ، وفيه : إنه

١٨١

الكفيل على الأقوى ، وبتسليم غيره له كذلك.

(ولو امتنع) الكفيل من تسليمه (١) ألزمه الحاكم به فإن أبى (فللمستحق)

______________________________________________________

مع حصول الغرض لا بدّ من الحكم ببراءة الكفيل والخروج عن عهدة الحضور لحصول الفرض ، وكذا يبرأ لو أحضره غير الكفيل لحصول غرض الكفالة أيضا.

(١) ما تقدم إنما كان عند امتناع المكفول له من التسلم مع بذل الكفيل ، أما لو امتنع الكفيل من الإحضار عند طلب المكفول له الإحضار كان للحاكم إجباره وإن امتنع حبسه حتى يحضره أو يؤدي الكفيل ما على المكفول للمكفول له.

أما إجبار الحاكم بالإحضار ، فلأن الإحضار حق للمكفول له ، وهو حق ثابت على الكفيل ، فللحاكم إجباره على إيصال الحق إلى صاحبه من باب تحقيق الحق وإقامة العدل والأمر بالمعروف باليد.

وأما أن للحاكم حبسه فللأخبار ، منها : خبر الأصبغ بن نباتة (قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل تكفل بنفس رجل أن يحبس ، وقال له : اطلب صاحبك) (١) ، وخبر عامر بن مروان عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (أنه أتي برجل قد كفل بنفس رجل فحبسه وقال : اطلب صاحبك) (٢).

وأما التخيير بين الحبس وبين أن يؤدي الكفيل فهو الذي ذهب إليه الشيخ في النهاية وابن إدريس في السرائر والعلامة في التحرير والإرشاد لما ورد في مرسلة الصدوق المتقدمة (الكفالة خسارة غرامة ندامة) (٣) ، ولما في خبر الرقي المتقدم (مكتوب في التوراة كفالة ندامة غرامة) (٤) ، وهي مشعرة بإلزام الكفيل بدفع ما على الغريم ولذا عبّر عنها بالخسارة وعن العلامة في التذكرة وغيره بأن نصوص الحبس دالة على عدم إلزام الكفيل بالدفع ، بل قد يكون غرض المكفول لا يتعلق بالأداء ، أو كان متعلقا بالأداء من الغريم فقط ، ولذا لا يجب على المكفول القبول لو دفع الحق الكفيل.

ثم على تقدير تمامية القول بوجوب الدفع على الكفيل تخييرا فهو واجب فيمن يمكن أخذه من الكفيل كالمال ، ولو لم يمكن كالقصاص وزوجية المرأة والدعوى بعقوبة توجب حدا أو تعزيرا فلا بد من إلزامه بالإحضار مع الإمكان ، ثم لو كان الحق مما له بدل ما لي كالدية في القتل العمدي ومهر مثل الزوجة فيجب عليه البدل بناء على هذا التقدير.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب الضمان حديث ٢ و ٤.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب الضمان حديث ٢ و ٥.

١٨٢

طلب (حبسه) من الحاكم (حتى يحضره ، أو يؤدي ما عليه) إن أمكن أداؤه عنه كالدين ، فلو لم يمكن كالقصاص ، والزوجية ، والدعوى بعقوبة توجب حدا أو تعزيرا ، ألزم باحضاره حتما مع الإمكان ، وله عقوبته عليه (١) كما في كل ممتنع من أداء الحق مع قدرته عليه ، فإن لم يمكنه الاحضار وكان له بدل كالدية في القتل وإن كان عمدا ، ومهر مثل الزوجة وجب عليه البدل.

وقيل : يتعين الزامه باحضاره (٢) إذا طلبه المستحق مطلقا (٣) ، لعدم انحصار الأغراض في أداء الحق. وهو قوي.

ثم على تقدير كون الحق مالا وأدّاه الكفيل فإن كان قد أدى بإذنه رجع عليه (٤) ، وكذا إن أدى بغير إذنه مع كفالته بإذنه ، وتعذّر احضاره (٥) ، وإلا فلا رجوع (٦).

والفرق بين الكفالة والضمان في رجوع من أدى بالإذن هنا وإن كفل بغير الإذن ، بخلاف الضمان (٧) : أن الكفالة لم تتعلق بالمال بالذات ، وحكم الكفيل

______________________________________________________

(١) أي إذا ألزم بالإحضار حتما لعدم إمكان أخذ الحق من الكفيل ، وقد امتنع الكفيل من الإحضار فللمكفول له حق العقوبة عليه بالحبس كما في كل ممتنع عن أداء الحق مع قدرته عليه.

(٢) كما هو مقتضى القول الثاني المتقدم.

(٣) سواء كان الحق مما يمكن أن يؤديه الكفيل أم لا.

(٤) الرجوع عليه لوجود الاذن في الأداء.

(٥) لما تعذر عليه الإحضار وألزم بالمال فيكون التغريم مسببا عن إذن الغريم بالكفالة ، لأن الاذن في الشي‌ء إذن في لوازمه فيرجع عليه لوجود الاذن.

(٦) لأن الكفيل متبرع بكفالته وأدائه لعدم الاذن فلا يرجع لتبرعه.

(٧) قد تقدم في باب الضمان أن الضامن لا يرجع على المضمون عنه لو أدى بإذنه إذا كان الضمان بغير إذنه ، مع أنه قد حكم هنا برجوع الكفيل على الغريم لو أدى بإذنه وإن كانت الكفالة بغير إذنه ، وعليه فما هو الفرق بينهما.

والفرق هو أن الكفالة لم تتعلق بالمال بالذات وإنما تعلقت بإحضار النفس فيكون الكفيل بالنسبة للمال أجنبيا ، فإن أداه بإذن الغريم فله حق الرجوع وإن كانت الكفالة بغير إذنه ، بخلاف الضمان فإنه قد تعلق بالمال ابتداء ولذا كان الضمان ناقلا للمال من ذمة المضمون

١٨٣

بالنسبة إليه (١) حكم الأجنبي فإذا أداه بإذن المديون فله الرجوع ، بخلاف الضامن ، لانتقال المال إلى ذمته بالضمان ، فلا ينفعه بعده (٢) الإذن في الأداء ، لأنه كإذن البري‌ء للمديون فى أداء دينه.

وأما إذنه في الكفالة إذا تعذر احضاره ، واستئذانه (٣) في الأداء فذلك من لوازم الكفالة ، والإذن فيها إذن في لوازمها.

(ولو علق الكفالة) (٤) بشرط متوقع ، أو صفة مترقبة (بطلت) الكفالة ، (وكذا الضمان والحوالة) كغيرها من العقود اللازمة (نعم لو قال : إن لم أحضره (٥)

______________________________________________________

عنه إلى ذمة الضامن فلو كان الضمان بغير إذنه لكان الضامن متبرعا ، وحال تبرعه قد انتقل المال إلى ذمته فلا يجوز له الرجوع لعدم الاذن في الضمان ، ولا ينفعه بعد ذلك الاذن في الأداء لأنه كإذن الأجنبي للمديون في أداء دينه من نفس مال المديون ، وهذا لا يجعله غير متبرعا ، والمضمون عنه بعد الضمان أجنبي عن المال المضمون.

(١) أي إلى المال.

(٢) بعد الضمان.

(٣) أي وتعذر استئذان الغريم.

(٤) علّقها على شرط متوقع أو صفة كذلك بطلت ، لأن كل عقد لازم إذا علق على شرط غير معلوم التحقق يبطل ، لاشتراط القصد في العقد ، ومع التعليق المذكور لا يتم القصد ، وبدونه يبطل العقد بلا خلاف في ذلك.

(٥) إن ذكر الجزاء أولا لزمه المال الذي شرطه على نفسه عند عدم الإحضار ، وإن ذكره أخيرا صحت الحوالة وألزم بالإحضار فقط دون المال ، والحكم فيها على المشهور لخبرين الأول خبر أبان بن عثمان عن أبي العباس البقباق (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل كفل لرجل بنفس رجل وقال : إن جئت به وإلا فعليّ خمسمائة درهم ـ كما في التهذيب وفي الكافي : إن جئت به وإلا فعليك خمسمائة درهم ـ ، قال عليه‌السلام : عليه نفسه ولا شي‌ء عليه من الدراهم ، فإن قال عليّ خمسمائة درهم إن لم أدفعه إليه ، قال عليه‌السلام : تلزمه الدراهم إن لم يدفعه إليه) (١) ، وخبر داود بن الحصين عن أبي العباس البقباق عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (سألته عن رجل تكفل بنفس الرجل إلى أجل فإن لم يأت به فعليه كذا وكذا درهما ، قال عليه‌السلام : إن جاء به إلى الأجل فليس عليه مال ، وهو كفيل بنفسه أبدا

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الضمان حديث ١.

١٨٤

إلى كذا كان عليّ كذا صحت الكفالة أبدا ولا يلزمه المال المشروط ، ولو قال : عليّ كذا إن لم أحضره لزمه ما شرطه من المال إن لم يحضره) على المشهور.

ومستند الحكمين رواية داود بن الحصين عن أبي العباس عن الصادق عليه‌السلام.

وفي الفرق بين الصيغتين من حيث التركيب العربي نظر ، ولكن المصنف والجماعة عملوا بمضمون الرواية جامدين على النص مع ضعف سنده.

وربما تكلف متكلف للفرق بما لا يسمن ولا يغني من جوع ، وإن أردت الوقوف على تحقيق الحال فراجع ما حررناه في ذلك بشرح الشرائع وغيره.

(وتحصل الكفالة) أي حكم الكفالة (بإطلاق الغريم (١) من المستحق قهرا)

______________________________________________________

إلا أن يبدأ بالدراهم ، فإن بدأ بالدراهم فهو لها ضامن من أنه إن لم يأت به إلى الأجل الذي أجّله) (١) ، وأشكل على الحكم بأنه أي فرق بين الشقين حتى يختلف الحكم ، لأن مجرد تقديم الجزاء أو تأخيره لا مدخل له في اختلاف الحكم ، لأن الشرط وإن تأخر فهو في حكم المتقدم مع أن سند الروايتين غير سليم ففي الأولى أحمد بن الحسن الميثمي وهو واقفي لم يوثق ، وفي الثانية داود بن الحصين وهو واقفي غير أنه ثقة كما عن النجاشي ، والإنصاف إن الإشكال في السند في غير محله لأن الثانية إما صحيحة وإما موثقة كما اعترف بذلك في الجواهر ، وإنما الاستناد إلى هاتين الروايتين في الحكم المذكور المخالف للقواعد العربية المقررة في غاية الإشكال ، ولذا ذكروا وجوها خمسة لرفع الإشكال يطول نقلها فراجعها في المسالك والجواهر.

(١) من أطلق غريما من يد صاحبه أو من يد وكيله قهرا ضمن إحضاره ، أو أداء ما عليه بلا خلاف فيه ، أما ضمان إحضاره فلقاعدة نفي الضرر والضرار (٢) ، ولأنه غاصب بإطلاق الغريم قهرا والغاصب يضمن ما غصبه ، وفي الثاني ضعف لعدم صدق الغاصب عليه عرفا وهو غير داخل تحت استيلائه.

وأما أداء الحق فلأنه بالإطلاق قد فوّت مال الغير عليه فيضمن ، ويدل على الحكم بكلا شقيه ما ورد في تفويت القاتل وسيأتي.

ثم قال في الجواهر : (ثم لا يخفى عليك أن الحكم المزبور لما كان ذلك لازم الكفالة ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الضمان حديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الخيار.

١٨٥

فيلزمه إحضاره ، أو أداء ما عليه إن أمكن (١) وعلى ما اخترناه (٢) مع تعذر احضاره (٣) لكن هنا حيث يؤخذ منه المال لا رجوع له (٤) على الغريم إذا لم يأمره (٥) بدفعه ، إذ لم يحصل من الإطلاق (٦) ما يقتضي الرجوع ، (فلو كان) الغريم (قاتلا) (٧) عمدا كان أم شبهه (٨) (لزمه احضاره ، أو الدية (٩) ، ولا يقتص منه (١٠) في العمد لأنه لا يجب على غير المباشر.

______________________________________________________

أطلق عليه اسمها ، وإلا فهو ليس من الكفالة المصطلحة قطعا ضرورة عدم العقد فيه) انتهى.

(١) أي أمكن الأداء فيما لو كان الحق قابلا لصدوره من المطلق.

(٢) أي ما اختاره في الكفالة سابقا من كون الكفيل مخيرا بين إحضار الغريم وبين أداء ما عليه في قبال قول من ألزمه بالإحضار فقط.

(٣) أي وهنا في الإطلاق إذا تعذر الإحضار فعليه أدى ما عليه حتما.

(٤) أي لا رجوع للمخلّص إذا أدى ما على الغريم لعدم صدور الأذن من الغريم ، إذ غاية ما وقع هو التخليص وهو لا إذن فيه من الغريم بالرجوع بخلاف الكفالة المصطلحة فمع إذن الغريم يرجع الكفيل عليه عند الأداء.

(٥) أي لم يأمر الغريم المخلّص.

(٦) أي التخليص.

(٧) لو كان المخلّص قاتلا عمدا لزم المخلص إحضاره أو رفع الدية عند تعذر إحضاره ، بلا خلاف فيه لصحيح حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن رجل قتل رجلا عمدا فرفع إلى الوالي ، فدفعه الوالي إلى أولياء المقتول ليقتلوه ، فوثب عليهم قوم فخلّصوا القاتل من أيدي الأولياء ، فقال عليه‌السلام : أرى أن يحبس الذين خلّصوا القاتل من أيدي الأولياء حتى يأتوا بالقاتل ، قيل : فإن مات القاتل وهم في السجن ، قال عليه‌السلام : فإن مات فعليهم الدية يؤدونها جميعا إلى أولياء المقتول) (١).

(٨) قال في المسالك : (لا فرق في ذلك بين كون القتل عمدا أو غيره إذ القصاص لا يجب إلا على المباشر فإذا تعذر استيفاؤه وجبت الدية) انتهى.

(٩) ظاهره التخيير مع أن الخبر صريح بالإحضار أولا ، ومع التعذر فالدية ولعله يريد الشارح الترتيب لا التخيير.

(١٠) من المخلّص.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الضمان حديث ١.

١٨٦

ثم إن استمر القاتل هاربا (١) ذهب المال على المخلّص وإن تمكن الولي منه (٢) في العمد وجب عليه رد الدية إلى الغارم ، وإن لم يقتص من القاتل ، لأنها (٣) وجبت لمكان الحيلولة وقد زالت (٤) ، وعدم القتل الآن (٥) مستند إلى اختيار المستحق (٦) ، ولو كان تخليص الغريم من يد كفيله (٧) وتعذر استيفاء الحق من قصاص ، أو مال ، وأخذ الحق من الكفيل كان له الرجوع على الذي خلّصه ، كتخليصه من يد المستحق.

(ولو غاب المكفول) غيبة يعرف موضعه (انظر) الكفيل (٨) بعد مطالبة

______________________________________________________

(١) قد تقدم أنه يجب على المخلّص الإحضار ، ومع التعذر فالدية ، والتعذر يتم فيما لو مات القاتل كما هو صريح الخبر المتقدم أو ما لو استمر هربه ، ثم لو تمكن الولي من القاتل بعد دفع المخلّص للدية وجب على الولي ، رد الدية على الغارم وإن لم يقتص الولي من القاتل بل لو عفا ، لأن الدية قد وجبت لمكان الحيلولة باعتبار أن المخلّص قد حال بين الولي وغريمه ، وإذا زالت الحيلولة فلا شي‌ء على المخلّص ، وبالجملة فعدم القتل بعد تمكن الولي منه مستند إلى اختيار الولي لا إلى تقصير المخلّص ، بخلاف وقت الهروب فعدم القتل مستند إلى تخليص المخلّص فلذا ألزم بالدية.

(٢) من الغريم.

(٣) أي الدية.

(٤) أي الحيلولة.

(٥) حين تمكن الولي من الغريم.

(٦) وهو الولي.

(٧) وقد رجع على الكفيل بأخذ الحق فيجوز للكفيل أن يرجع على المخلّص لأنه سبب تغريم الكفيل.

(٨) لو غاب الغريم غيبة وعلم مكانه ولم ينقطع خبره وكانت الكفالة حالة وقد طلب المكفول له إحضاره ، أنظر الكفيل بمقدار ما يمكنه الذهاب إليه والعود به ، وكذا لو كانت الكفالة مؤجلة وطلبه منه بعد حلولها بلا خلاف في شي‌ء من ذلك ، لأن إحضاره متوقف على إمهاله مدة الذهاب والعود ، وإذا وجب الإحضار وهو ذو المقدمة فيجب إمهاله مدة الذهاب والعود وهو المقدمة.

ثم لا فرق في وجوب الإمهال بين أن تكون محلة الغريم تتجاوز مسافة التقصير أو لا ، خلافا لبعض العامة فلم يوجب الإمهال إذا كانت المحلة أقل من مسافة القصر وهو ضعيف لما سمعت.

١٨٧

المكفول له باحضاره ، (وبعد الحلول) إن كانت مؤجلة (بمقدار الذهاب) إليه (والإياب) فإن مضت ولم يحضره حبس وألزم ما تقدم ، ولو لم يعرف موضعه (١) لم يكلّف إحضاره ، لعدم إمكانه ولا شي‌ء عليه ، لأنه لم يكفل المال ، ولم يقصر في الاحضار.

(وينصرف الاطلاق إلى التسليم في موضع العقد (٢) ، لأنه المفهوم عند الاطلاق.

ويشكل لو كانا في برّية ، أو بلد غربة قصدهما مفارقته سريعا لكنهم لم يذكروا هنا خلافا كالسلم (٣) ، والإشكال يندفع بالتعيين ، (ولو عين غيره) أي غير موضع العقد (لزم) ما شرط (٤) ، وحيث يعين (٥) ، أو يطلق ويحضره في غير ما عين شرعا لا يجب تسلمه وإن انتفى الضرر ، ولو قال الكفيل : لا حق لك على المكفول حالة الكفالة (٦) فلا يلزمني إحضاره فالقول قول المكفول له ، لرجوع

______________________________________________________

(١) فإذا لم يعرف موضع الغريم وقد انقطع خبره فعن المسالك والتذكرة ومجمع البرهان أن لا يكلّف بالإحضار لعدم إمكانه ، ولا شي‌ء عليه لأنه لم يكفل المال ، وهو على إطلاقه مشكل إذ لا بد من تقييده فيما لا يمكن أداؤه ولا بدل له كحق البضع وحقوق التعزير ، أما فيما يمكن أداؤه أوله البدل فلا محالة يكون الكفيل مكلفا بالأداء ، لأنه من مقتضى لوازم الكفالة على ما تقدم.

(٢) أطلق المحقق وجماعة انصراف إطلاق الكفالة إلى بلد العقد ، لأنه المفهوم عند الإطلاق ، وهو يتم لو كان محل العقد هو بلد المكفول له ، أو بلد قد استوطنه كل من المكفول له والكفيل ، أما لو كان محل العقد هو البرية أو بلد غربة بالنسبة إليهما بحيث هما قاصدان ، لمفارقته سريعا ، فالقرائن الحالية تدل على عدم إرادته من العقد.

(٣) فقد ذكروا فيه خلافا.

(٤) للزوم الوفاء بالشرط.

(٥) أي إذا عيّن موطن التسليم بالتعيين ، أو أطلق موضع التسليم وبالانصراف تعيّن بلد العقد ، فلو سلّم الكفيل الغريم في غير الموطن الذي وجب شرعا تسليمه فيه فلا يجب على المكفول له تسلمه وإن انتفى الضرر ، لأنه ليس تسليما تاما ، وخالف الشيخ فحكم بوجوب التسلم عليه لو انتفى الضرر عليه.

(٦) بعد اتفاق الكفيل والمكفول له على وقوع الكفالة قال الكفيل : لا حق لك على المكفول حالة الكفالة ، وقال المكفول له : لي حق عليه حين الكفالة ، قدّم قول المكفول له بلا خلاف فيه ، لأن اعتراف الكفيل بوقوع الكفالة يستدعي ثبوت حق للمكفول له على

١٨٨

الدعوى إلى صحة الكفالة ، وفسادها فيقدم قول مدعي الصحة ، (وحلف المستحق) وهو المكفول له ولزمه إحضاره ، فإن تعذر لم يثبت الحق بحلفه السابق ، لأنه (١) لإثبات حق يصحح الكفالة ، ويكفي فيه (٢) توجه الدعوى ، نعم لو أقام بينة بالحق وأثبته (٣) عند الحاكم الزمه به (٤) كما مر (٥) ، ولا يرجع به (٦) على المكفول ، لاعترافه (٧) ببراءة ذمته ، وزعمه بأنه مظلوم.

(وكذا لو قال) الكفيل للمكفول له : (أبرأته) (٨) من الحق ، أو أوفاكه ، لأصالة بقائه (٩).

______________________________________________________

المكفول ، ولأن دعواه فيما بعد بأنه لا حق له مستلزم لفساد الحوالة إذ لا معنى لكفالة الغريم وهو بري‌ء بالنسبة للمكفول له بخلاف دعوى المكفول له فإنها دعوى بصحة الحوالة ، ولا ريب أن القول قول مدعي الصحة ، ويقدم قول مع يمينه لأنه منكر.

وعليه فإذا حلف المكفول له وقد تعذر على الكفيل إحضار الغريم فهل يجب عليه أداء المال من غير بينة ، قاله في التذكرة والمسالك احتمالا ، والأقرب عدم الوجوب لأن الكفالة تستدعي إحضار الغريم للمكفول له ، وهو أعم من ثبوت المال على الغريم.

نعم لو أقام المكفول له البينة على ثبوت المال ، وأغرم الكفيل لم يرجع على الغريم ، لاعتراف الكفيل ببراءته عند دعواه السابقة بأن المكفول له لا حق له على المكفول حالة الكفالة ، وأن الكفيل مظلوم بالدفع.

(١) أي الحلف السابق.

(٢) أي في الحق الذي ثبت بالحلف السابق ، وقد يكون الحق هو توجه الدعوى وهذا كاف في صحة الحوالة ولكنه لا يثبت المال.

(٣) أي أثبت الحق.

(٤) أي ألزم المكفول له الكفيل بالحق.

(٥) في كتاب القضاء.

(٦) أي لا يرجع الكفيل بالحق.

(٧) أي اعتراف الكفيل.

(٨) أي بعد اتفاق الكفيل والمكفول له قال الكفيل : أبرأت المكفول ، أو دفع الحق إليك ، ولازمه عدم إحضار المكفول ، فأنكر المكفول له الإبراء أو الدفع ، كان القول قول المكفول له مع يمينه ، لأنه منكر لموافقة قوله لأصالة بقاء اشتغال ذمة المكفول ، وهذا عند عدم البينة للكفيل على الإبراء أو الدفع.

(٩) أي بقاء الحق في ذمة المكفول.

١٨٩

ثم إن حلف المكفول له على بقاء الحق بري‌ء (١) من دعوى الكفيل ، ولزمه (٢) إحضاره (٣) ، فإن جاء بالمكفول فادعى البراءة (٤) أيضا لم يكتف باليمين التي حلفها للكفيل ، لأنها كانت لإثبات الكفالة ، وهذه دعوى أخرى وإن لزمت (٥) تلك بالعرض ، (فلو لم يحلف (٦) ورد اليمين عليه) أي على الكفيل فحلف (برئ من الكفالة والمال بحاله) لا يبرأ المكفول منه ، لاختلاف الدعويين كما مر ، ولأنه لا يبرأ بيمين غيره.

نعم لو حلف المكفول اليمين المردودة على البراءة (٧) برئا معا (٨) ، لسقوط

______________________________________________________

(١) أي المكفول له.

(٢) أي لزم الكفيل.

(٣) أي إحضار الغريم.

(٤) أي بعد دعوى الكفيل الإبراء وبعد تقديم قول المكفول له مع يمينه ، وبعد حلف المكفول له فقام الكفيل وأحضر الغريم ثم ادعى براءة ذمة المكفول لأنه قد دفع أو أبرأه المكفول له فأنكر المكفول له ذلك ، كان القول قول المكفول له مع يمينه لأنه منكر أيضا ، ولا يكتفى باليمين السابقة ، بل على المكفول له يمين أخرى لأن هذه الدعوى مستقلة ومغايرة للدعوى السابقة ، لأن السابقة إنما كانت من الكفيل لبراءة نفسه من وجوب إحضار الغريم ولازمها دعوى براءة ذمة المكفول ، وهذه دعوى لبراءة ذمة الغريم من دون التلازم المذكور.

(٥) أي لزمت الدعوى الثانية للأولى.

(٦) أي لم يحلف المكفول له في الدعوى الأولى وردّ اليمين على الكفيل ، وقد حلف الكفيل اليمين المردودة برئ من الكفالة ومن وجوب الإحضار ، ولا يبرأ المكفول من المال ، لما ذكرنا من أن براءته من المال مغاير لدعوى الأولى من إبراء الكفيل من وجوب إحضار الغريم ، ولأن الإنسان لا يبرأ من الحق بيمين غيره.

(٧) فيما لو كانت الدعوى بين المكفول والمكفول له ، بحيث ادعى المكفول الإبراء وأنكره المكفول له ، كان القول قول المكفول له مع يمينه ، فلو نكل عن اليمين ، وقام المكفول وحلف اليمين المردودة عليه برئ المكفول من الحق ، ومع حصول الإبراء تسقط الكفالة ويبرأ الكفيل ، وكذا لو حلف المكفول في هذه المسألة يمين النكول لا يمين الرد فكذلك نفس الحكم المتقدم.

(٨) أي الكفيل والمكفول.

١٩٠

الكفالة بسقوط الحق ، كما لو أداه ، وكذا لو نكل المكفول له عن يمين المكفول فحلف برئا معا.

(ولو تكفل اثنان بواحد كفى تسليم أحدهما (١) إياه تاما ، لحصول الغرض ، كما لو سلم نفسه ، أو سلّمه أجنبي.

وهل يشترط تسليمه عنه وعن شريكه ، أم يكفي الإطلاق؟ قولان (٢) أجودهما الثاني ، وهو الذي يقتضيه إطلاق العبارة. وكذا القول في تسليم نفسه ، وتسليم الأجنبي له (٣).

وقيل : لا يبرأ (٤) مطلقا (٥) ، لتغاير الحقين (٦). وضعفه ظاهر.

______________________________________________________

(١) إذا تكفل رجلان ـ دفعة أو مرتبا ـ برجل فسلّمه أحدهما لم يبرأ الآخر كما عن الشيخ وابن حمزة والقاضي للأصل وهو عدم براءة ذمة الثاني بعد الشغل ، ولكون الكفيلين كالرهنين اللذين إذا فكّ أحدهما لم يفك الآخر ، وعليه فلو هرب الغريم بعد تسليم أحدهما جاز للمكفول له الرجوع على الثاني.

وعن غيرهم أنه لو سلمه أحدهما يبرأ الآخر ، لأن المقصود من الكفالة تسلمه وقد حصل ، بل لو سلّم نفسه أو سلّمه الأجنبي يبرأ الكفيل فلو سلّمه الكفيل فيبرأ شريكه بالكفالة من باب أولى ، ومعه لا يبقى مجال للأصل للقطع ببراءة ذمة الآخر ، وكونهما كالرهنين قياس مع الفارق ، وعلى القول الثاني فلو هرب الغريم بعد تسليم الكفيل الأول لا يجوز للمكفول له الرجوع على الكفيل الثاني لأنه بري‌ء.

ثم على القول الثاني فهل يشترط في الكفيل المسلّم أن ينوي بالتسليم تسليمه عنه وعن شريكه أم يكفي الإطلاق في التسليم ، قال في المسالك : (وجهان) ، وجه الاشتراط أن المكفول له لا يجب عليه قبول الحق ممن ليس عليه بذله إلا إذا نوى بالتسليم عنه وعن شريكه فيكون التسليم من جهتهما فيجب القبول ، ووجه الإطلاق حصول الغرض وهو التسليم ولا يشترط أن يكون من جهة الكفيل الثاني.

(٢) وقد سمعت أنهما وجهان.

(٣) فيجري فيهما الوجهان السابقان بحيث لو سلّم المكفول نفسه فهل يجب عليه أن ينوي أنه عن الكفيل أو يكفي الإطلاق وكذا لو سلّمه الأجنبي للمكفول له.

(٤) أي لا يبرأ الكفيل الآخر كما هو مقتضى القول الأول في أصل المسألة.

(٥) سواء كان المسلّم قد نوى التسليم عنه وعن شريكه أم أطلق.

(٦) لأن ما على الكفيل الثاني مغاير لما على الكفيل الأول كالرهنين ، وضعفه ظاهر إذ هو قياس مع الفارق لما تقدم من جواز تسليم الأجنبي فتسليم الشريك أولى.

١٩١

وتظهر الفائدة (١) لو هرب بعد تسليم الأول (٢).

(ولو تكفل بواحد لاثنين فلا بد من تسليمه إليهما (٣) معا ، لأن العقد الواحد هنا بمنزلة عقدين ، كما لو تكفل لكل واحد على انفراده ، أو ضمن دينين لشخصين فأدى دين أحدهما فإنه لا يبرأ من دين الآخر ، بخلاف السابق ، فإن الغرض من كفالتهما للواحد إحضاره وقد حصل.

(ويصح التعبير) في عقد الكفالة (بالبدن (٤) ، والرأس ، والوجه (٥) فيقول : كفلت لك بدن فلان ، أو رأسه ، أو وجهه ، لأنه يعبر بذلك عن الجملة (٦) ، بل

______________________________________________________

(١) بين القولين السابقين.

(٢) فعلى القول الأول المتقدم في المتن لا يرجع المكفول له على الثاني ، وعلى القول الثاني يرجع.

(٣) بأن قال شخص لرجلين : أتكفل بإحضار الغريم إليكما ، ولم يعقد مع كل شخص كفالة مستقلة ، وهنا لا بد من التسليم إليهما معا ، لأن العقد مع الاثنين بمنزلة عقدين ، فهو كما لو تكفل لكل واحد منهما على انفراده ، وكما لو ضمن دينين لشخصين ، وقد أدى دين أحدهما فإنه لا يبرأ من دين الآخر ، وهذا هو الفارق بين هذه المسألة وبين ما تقدم ، حيث كان الفرض في السابق هو كفالتهما له بإحضاره وقد حصل من أحدهما فيبرأ الآخر ، وهنا كانت الكفالة منه لشخصين فلا بد من إحضاره لهما معا.

(٤) الأصل في الكفالة أن تتعلق بذات الغريم بأن يقول : كفلت لك فلانا ، وأنا كفيل به أو بإحضاره ، وفي حكم ذاته نفسه وبدنه ، لأنهما بمعنى واحد في العرف العام.

(٥) المراد منهما بحسب الوضع هو الجزء المخصوص من البدن ، إلا أنهما قد يطلقان عرفا على جملة البدن فيقال يبقى رأسه ووجهه ، ويراد به ذاته وجملة بدنه ، ولهذا الإطلاق العرفي صحح المشهور الكفالة لو تعلقت بالرأس أو الوجه ، واستشكل ثاني المحققين والشهيدين بأن الرأس والوجه وإن أطلقا على الجملة عرفا إلا أن إطلاقهما على أنفسهما خاصة شائع متعارف إن لم يكن أشهر ، وحمل اللفظ المحتمل لمعنيين على الوجه المصحح للكفالة وهو الذات أو جملة البدن في غير محله ، نعم لو صرح بإرادة جملة البدن من لفظي الرأس والوجه اتجهت الصحة.

وفيه : إن الأصحاب قد ذكروا الرأس والوجه باعتبار قابلية اللفظ للدلالة على جملة البدن ، فلذا حكموا بصحة الكفالة لو تعلقت بهما ، مع التسليم بأن حملهما على جملة البدن بحاجة إلى قرينة ولو حالية.

(٦) أي جملة البدن.

١٩٢

عن الذات (١) عرفا ، وألحق به (٢) الكبد ، والقلب ، وغيرهما من الأجزاء التي لا تبقى الحياة بدونها ، والجزء الشائع فيه (٣) كثلثه ، وربعه ، استنادا إلى أنه لا يمكن إحضار المكفول إلا بإحضاره أجمع.

وفي غير البدن نظر. أما الوجه والرأس فإنهما وإن أطلقا على الجملة لكن يطلقان على أنفسهما إطلاقا شائعا متعارفا ، إن لم يكن أشهر (٤) من إطلاقهما على الجملة. وحمل اللفظ المحتمل للمعنيين (٥) على الوجه المصحح (٦) مع الشك في حصوله (٧) ، وأصالة البراءة (٨) من مقتضى العقد غير جيد.

______________________________________________________

(١) أي ذات الإنسان وهي النفس.

(٢) أي بالبدن ، ألحق الفاضل في التذكرة والتحرير القلب والكبد ونحوهما من الأعضاء التي لا يمكن الحياة بدونها ، والجزء المشاع كالثلث والربع وغيرهما ، لأنه لا يمكن إحضار هذه الأجزاء إلا بإحضار المكفول كله.

وفيه : إن إحضار الجزء الذي لا يعيش بدونه وما في حكمه وإن كان غير ممكن إلا بإحضار الذات إلا أن ذلك لا يقتضي صحة العقد ، لأن الإحضار فرع الكفالة ، والكفالة الصحيحة فيما لو تعلقت بالمجموع أو ما يطلق عليه ، وأما إذا تعلقت ببعضه فلا دليل على صحته ، وقال في المسالك : (ولو جاز إطلاق هذه الأجزاء على الجملة مجازا لم يكن ذلك كافيا لكونه غير متعارف ، مع أنه في المتعارف ـ أي الرأس والوجه ـ ما قد سمعت وحينئذ فالقول بعدم الصحة أوضح) انتهى.

وفيه : إنه إذا كان الإطلاق على الجملة مجازا مع وجود قرينة فتصح الكفالة حينئذ وإن كان غير متعارف ، لأن الإطلاق المتعارف قد يغني عن القرينة إن كان مشهورا ، ومع فرض وجود القرينة لا داعي لتقييد الإطلاق بالمتعارف.

(٣) في البدن.

(٤) ففي الأشهر زيادة شهرة على المشهور ، وهذه الزيادة هي القرينة على إرادة المعنى الأشهر وهو نفس العضو ، ومعه كيف نحمل اللفظ على جملة البدن الذي هو مشهور فقط ، وفيه : ما تقدم أن النزاع في قابلية إرادة الجملة من لفظ العضو ، وليس النزاع في محل لفظ العضو على الجملة من دون قرينة.

(٥) من نفس العضو ومن جملة البدن.

(٦) أي وحمل لفظ الرأس أو الوجه على جملة البدن الذي تصح الكفالة فيه حينئذ مع أنه محتمل لإرادة نفس العضو من دون قرينة غير جيد.

(٧) أي مع الشك في قصد المعنى المصحح للكفالة ، والأصل عدم قصده.

(٨) أي ومع الشك في قصد المتكلم للمعنى المصحح للكفالة وهو جملة البدن فنشك في

١٩٣

نعم لو صرح بإرادة الجملة من الجزءين اتجهت الصحة كإرادة أحد معنيي المشترك ، كما أنه لو قصد الجزء بعينه (١) فكقصد الجزء الذي لا يمكن الحياة بدونه ، وأما ما لا (٢) تبقى الحياة بدونه مع عدم إطلاق اسم الجملة عليه (٣) حقيقة فغايته أن إطلاقه عليها مجاز ، وهو (٤) ، غير كاف في إثبات الأحكام الشرعية (٥) ، ويلزم مثله (٦) في كل جزء من البدن (٧) ، والمنع في الجميع أوجه (٨) ، أو إلحاق الرأس والوجه (٩) مع قصد الجملة بهما.

(دون اليد والرجل (١٠)

______________________________________________________

حصول الكفالة ، ومع الشك في حصولها نشك في وجوب الإحضار ، ومع الشك في الوجوب تجري أصالة البراءة ، وعليه فحاصل المعنى : أن حمل اللفظ على أحد معنييه بدون قرينة غير جيد مع الشك في قصد المتكلم له والأصل عدم قصده ، ومع كون هذا المعنى مستلزما لوجوب الإحضار ، وأصالة البراءة تنفيه.

(١) أي قصد نفس العضو عند إطلاق لفظ الرأس أو الوجه فيأتي فيه الكلام المتقدم من ذكر الأجزاء التي لا يعيش الإنسان بدونها كالقلب والكبد ، فعن المشهور عدم الصحة وعن العلامة الصحة.

(٢) شروع في مناقشة قول العلامة وقد تقدمت منا في الشرح.

(٣) ظاهره أن الكل لا يطلق على الجزء ، وهذا ما لا ربط له في المقام ، إذ ما له الربط هو عدم إطلاق الجزء على الكل ولذا نقل عن الشيخ حسن ولد الشارح أنه علّق على نسخة الأصل بقوله : (كان الظاهر أن يقال : إنه مع عدم إطلاق اسمه على الجملة) انتهى.

(٤) أي الإطلاق المجازي.

(٥) وفيه : إنه كاف مع وجود القرينة للقطع بإرادة الجملة حينئذ ، ومع إرادة الجملة تصح الكفالة سواء عبّر عنها بلفظها أم بلفظ آخر.

(٦) مثل الإطلاق المجازي.

(٧) وإن كان الجزء مما يمكن الحياة بدونه ، وفيه : إنه لا خير فيه مع صحة المجاز المحتف بالقرينة الدالة على إرادة جملة البدن.

(٨) أي في جميع ما ذكر إلا البدن ، وهو قول للشارح تبعا للمحقق الثاني.

(٩) إلحاقهما بالبدن كما عليه المشهور ، والمنع في بقية الأجزاء.

(١٠) من الأجزاء التي تبقى الحياة بدونها ، ولا يطلق على الجملة ، وعليه فإذا قلنا بعدم صحة الكفالة في الأجزاء التي لا تبقى الحياة بدونها كما عليه المشهور فالقول بعدم الصحة هنا أولى.

١٩٤

وإن قصدها (١) بهما (٢) مجازا ، لأن المطلوب شرعا كفالة المجموع باللفظ الصريح الصحيح كغيره من العقود اللازمة (٣) ، والتعليل بعدم إمكان إحضار الجزء المكفول (٤) بدون الجملة فكان في قوة كفالة الجملة ضعيف ، لأن المطلوب لما كان كفالة المجموع لم يكن البعض (٥) كافيا في صحته (٦) وإن توقف إحضاره عليه (٧) ، لأن الكلام ليس في مجرد الإحضار ، بل على وجه الكفالة الصحيحة ، وهو منتف.

(ولو مات المكفول) قبل إحضاره (بطلت) (٨) ، (لفوات متعلقها) وهو

______________________________________________________

وعلى مبنى العلامة قد يقال بالصحة هنا أيضا ، لأن إحضار الجزء المكفول هنا يستدعي إحضار الذات أيضا ، ولذا قال في المسالك : (ولا يبعد القول بالصحة فيه ـ أي في الجزء الذي يمكن الحياة بدونه ـ لمن يقول بها فيما سبق) انتهى ، هذا وقد عرفت أنه مع إرادة الجملة تصح الكفالة سواء عبّر بلفظها أم بلفظ آخر ، فالمدار على صحة المجاز لو أطلق لفظ العضو وأريد به جملة الذات ، وليس المدار على إرادة الجملة من لفظ العضو بلا قرينة كما يفهم من بعض عبارات الشارح ، وليس المدار أيضا على كون الجزء مما يتوقف إحضاره على إحضار الجملة أو لا كما يفهم من تعليل العلامة عند إلحاق القلب والكبد بالبدن.

(١) أي جملة البدن.

(٢) باليد والرجل.

(٣) كما هو مبنى المشهور وقد عرفت أكثر من مرة أنه لا دليل عليه ، ولو سلم فاشتراط اللفظ الصريح في العقد اللازم إنما هو في الألفاظ التي يتم بها إنشاء الإيجاب والقبول فقط ، دون الألفاظ التي تدل على متعلقات العقد ومتمماته.

(٤) وإن كانت الحياة تبقى بدونه.

(٥) أي ذكر لفظ البعض وإرادة نفس عضوه.

(٦) أي صحة المجموع.

(٧) أي وإن توقف إحضار البعض على المجموع.

(٨) أي الكفالة بلا خلاف فيه ، لأن متعلق الكفالة الكفالة إحضار النفس وقد فاتت بالموت ، ولأن المنصرف من الكفالة إنما هو الإحضار في حال حياة الغريم ، ولأن المكفول له لو أراد من المكفول حقوقا بدنية كحق البضع والتقاص فقد فات الغرض بالموت ، لأن هذه الحقوق لا يمكن إجراؤها على بدن الميت.

١٩٥

النفس ، وفوات الغرض لو أريد البدن.

ويمكن الفرق بين التعبير بكفلت فلانا ، وكفلت بدنه (١) ، فيجيب إحضاره مع طلبه في الثاني ، دون الأول ، بناء على ما اختاره المحققون من أن الإنسان ليس هو الهيكل المحسوس (٢).

ويضعف (٣) بأن مثل ذلك منزل على المتعارف ، لا على المحقق عند الأقل فلا يجب على التقديرين (٤) ، (إلا في الشهادة على عينه (٥) ليحكم عليه (بإتلافه ، أو المعاملة) له (٦) إذا كان قد شهد عليه من لا يعرف نسبه ، بل شهد على صورته فيجب إحضاره ميتا حيث يمكن الشهادة عليه بأن لا يكون قد تغير بحيث لا يعرف (٧). ولا فرق حينئذ (٨) بين كونه قد دفن وعدمه ، لأن ذلك (٩) مستثنى من تحريم نبشه.

______________________________________________________

(١) وقال الشارح في المسالك : (ويمكن الفرق بين أن يكون قد قال في عقد الكفالة : كفلت لك حضور بدنه أو حضور نفسه ، فيجب على الأول إحضاره ميتا إن طلبه منه ، وإلا فلا ، ويبين الثاني على أن الإنسان ما هو؟ ، فإن كان الهيكل المحسوس فكذلك ـ أي يجب إحضاره ـ ، وإلا فلا ، إلا أن هذا يضعّف بانتفاء الفائدة في إحضار الميت) انتهى.

(٢) بل نفس الإنسان ، هذا والهيكل اسم أعجمي بمعنى الصورة.

(٣) أي التفريق باعتبار أنه لو قال كفلت بدنه فيحمل على ما هو المتعارف من الكفالة بإحضاره حيا وعليه فلا فرق بين التعبيرين في عدم وجوب الإحضار بعد الموت.

(٤) سواء قال : كفلت نفسه أم كفلت بدنه.

(٥) أي على شخصه ، بحيث لو ادعى عليه المكفول له بأنه قد أتلف له شيئا أو عامله بمعاملة ، وأراد إثبات الدعوى عليه بالبينة ، والبينة لا تعرف المكفول بنسبه بل بصورته ، فلا بد من إحضاره لتقع الشهادة على شخصه.

(٦) للمكفول له.

(٧) ومع عدم المعرفة المسبّبة عن تغيره لا تنفع الشهادة على شخصه فلا معنى لإحضاره حينئذ.

(٨) أي حين وجوب إحضاره.

(٩) أي إحضاره بعد الدفن.

١٩٦

كتاب الصلح

١٩٧
١٩٨

(كتاب الصلح (١)

(وهو جائز مع الإقرار (٢) والإنكار (٣)

______________________________________________________

(١) وهو مشروع بالاتفاق لقوله تعالى : (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) (١) ، وللأخبار ، منها : خبر حفص عن أبي عبد الله عليه‌السلام (الصلح جائز بين المسلمين) (٢) ، ومرسل الصدوق (الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحلّ حراما أو حرّم حلالا) (٣).

هذا والصلح عقد لقطع المنازعة السابقة أو المتوقعة لإطلاق الأخبار المتقدمة ، وعن بعض العامة تخصيصه بقطع المنازعة السابقة فقط وهو ضعيف.

(٢) بحيث أقر شخص بمال عليه لآخر ثم يصالحه عليه بمال آخر أو ببعض المدعى به أو بغير ذلك من منفعة ونحوها ، وهو جائز لعموم الأخبار المتقدمة.

(٣) بحيث ادعى شخص على غيره دينا أو مالا فأنكر المدعى عليه فتقع المصالحة بينهما إما بمال آخر أو ببعض المدعى أو بمنفعة ونحوها ، وهو صحيح عندنا أيضا لعموم الأخبار المتقدمة ، وخالف في ذلك الشافعي حيث منعه مع الإنكار نظرا إلى أن المدعى قد عاوض على ما لم يثبت له فلا تصح المعاوضة كما لو باع مال غيره.

هذا ومراد الأصحاب من الصحة هنا هي الصحة الظاهرية ، وأما بحسب الأمر فلا يستبيح كل منهما ما وصل إليه بالصلح إذا كان غير محق واقعا ، فإذا أنكر المدعى عليه المدعى به ظاهرا وهو يعلم أنه غير محق واقعا وصولح على بعض ما عليه في الواقع أو بمال آخر فلا يجوز للمنكر أن يستبيح ما بقي من مال المدعى عينا أو دينا ، فلو صالح

__________________

(١) سورة النساء ، الآية : ١٢٨.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب أحكام الصلح حديث ١ و ٢.

١٩٩

عندنا مع سبق نزاع ولا معه (١) ثم إن كان المدعي محقا استباح ما دفع إليه المنكر صلحا (٢) وإلا (٣) فهو حرام باطنا (٤) ، عينا كان (٥) أم دينا ، حتى لو صالح عن العين بمال فهي بأجمعها حرام ، ولا يستثنى له (٦) منها (٧) مقدار ما دفع من العوض ، لفساد المعاوضة في نفس الأمر. نعم لو استندت الدعوى إلى قرينة كما لو وجد بخط مورّثه أن له حقا على أحد فأنكر ، وصالحه (٨) على إسقاطها بمال فالمتجه صحة الصلح.

ومثله ما لو توجهت الدعوى بالتهمة ، لأن اليمين حق يصح الصلح على إسقاطها.

(إلا ما أحلّ حراما ، أو حرّم حلالا (٩) كذا ورد في الحديث النبويصلى‌الله‌عليه‌وسلم

______________________________________________________

على العين بمال آخر فهي بأجمعها في يده مغصوبة ولا يستثنى له منها مقدار ما دفع لعدم صحة المعاوضة في نفس الأمر.

(١) أي ولا مع سبق نزاع ، بل لدفع نزاع متوقع.

(٢) لا إشكال في صحة الصلح في صورة علم المصالح بأنه محق ، فالمال له فكل ما وصل إليه من المنكر منه فهو حقه فيجوز حينئذ الصلح.

(٣) أي وإن لم يكن المدعي محقا بل كان يعلم بعدم أحقيته حرم عليه ما يأخذه من المنكر صلحا ، وكذا العكس لو كان المنكر غير محق في إنكاره حرم عليه ما يأخذه من المدعي.

(٤) لا ظاهرا ، ولذا قلنا سابقا بكون المراد من الصحة هو الصحة الظاهرية ، وقد صح الصلح ظاهرا لاشتباه المحق من المبطل.

(٥) أي المدعى به.

(٦) أي للمدعي غير المحق.

(٧) من العين.

(٨) أي صالح المنكر المدعي على إسقاط الدعوى ، والمصالحة على إسقاط الدعوى مصالحة على إسقاط المدعي لليمين ، لأن اليمين حق للمدعي على المنكر بعد فتح الدعوى عند الحاكم ، وكذا ما لو توجهت الدعوى بالتهمة فيتوجه على المنكر اليمين ، ولا يمكن رده فيمكن هنا للمنكر المصالحة على إسقاط اليمين المتوجه إليه.

(٩) بلا خلاف فيه في صورتي الاستثناء للأخبار ، منها : مرسل الصدوق عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحلّ

٢٠٠