الزبدة الفقهيّة - ج ٥

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٥
ISBN: 964-8220-36-0
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٦٠٠

أما رضى المحيل والمحتال (١) فموضع وفاق ، ولأن من عليه الحق (٢) مخير في جهات القضاء من ماله ، ودينه المحال به من جملتها (٣) ، والمحتال حقه ثابت في ذمة المحيل فلا يلزمه نقله إلى ذمة أخرى بغير رضاه ، وأما المحال عليه فاشتراط رضاه هو المشهور ، ولأنه (٤) أحد أركان الحوالة ، ولاختلاف الناس في الاقتضاء سهولة ، وصعوبة.

وفيه نظر. لأن المحيل (٥) قد أقام المحتال مقام نفسه في القبض بالحوالة فلا وجه للافتقار إلى رضى من عليه الحق (٦) ، كما لو وكله في القبض منه. واختلاف (٧) الناس في الاقتضاء لا يمنع من مطالبة المستحق (٨) ، ومن نصبه (٩)

______________________________________________________

وأما المحال عليه الذي اشتغلت ذمته للمديون فاشتراط رضاه هو المشهور للإجماع ، ولأنه أحد أركان الحوالة فكان كأخويه في الرضا ، ولاختلاف الناس في استيفاء ديونهم سهولة وصعوبة ، وقد كان استيفاء دينه على يد المحيل فنقله على يد المحال متوقف حينئذ على رضاه ، وفيه : أما الإجماع فموهون فقد خالف المفيد في المقنعة والشيخ في النهاية ومال إليه العلامة في المختلف وهو خيرة جماعة آخرين ومع مخالفتهم كيف يتحقق الإجماع نعم هو مشهور ، والمشهور الفتوائي لا حجة فيه.

وعن الثاني أن المحيل قد أقام المحال مقام نفسه في القبض بالحوالة فلا وجه للافتقار إلى رضا من عليه الحق وهو المحال عليه.

وعن الثالث فاختلاف الناس في الاستيفاء لا يمنع من مطالبة المستحق للدين وهو المحيل بدينه ولو من خلال من ينصبه وهو المحال.

(١) وهو المحال.

(٢) وهو المحيل فهو المديون.

(٣) أي جملة جهات القضاء.

(٤) الإتيان بالواو يفيد أن ما قبله دليل مستقل ، والتعبير عنه بالمشهور مع أن دليلهم الأول الإجماع من باب التنبيه على أن الإجماع المدعى هو من قبيل المشهور ليس إلا.

(٥) رد للدليل الثاني من أنه أحد أركان الحوالة.

(٦) وهو المحال عليه.

(٧) رد للدليل الثالث.

(٨) وهو المحيل.

(٩) وهو المحال.

١٦١

خصوصا مع اتفاق الحقين جنسا ، ووصفا ، فعدم اعتباره (١) أقوى.

نعم لو كانا مختلفين ، وكان الغرض استيفاء مثل حق المحتال توجه اعتبار رضى المحال عليه ، لأن ذلك (٢) بمنزلة المعاوضة الجديدة فلا بد من رضى المتعاوضين (٣) ، ولو رضي المحتال بأخذ جنس ما على المحال عليه زال المحذور (٤) أيضا ، وعلى تقدير اعتبار رضاه ليس هو على حد رضاهما (٥) ، لأن الحوالة عقد لازم لا يتم إلا بإيجاب وقبول ، فالايجاب من المحيل ، والقبول من المحتال.

ويعتبر فيهما (٦) ما يعتبر في غيرهما (٧) من اللفظ العربي ، والمطابقة ،

______________________________________________________

(١) أي عدم اعتبار رضا المحال عليه.

(٢) وهو استيفاء مثل حق المحال.

(٣) وهما المحال والمحال عليه.

(٤) والمحذور هو اعتبار رضا المتعاوضين في المعاملة الجديدة الشامل لرضا المحال عليه ، وزواله لأن المحال قد رضي بأخذ ما على المحال عليه عوضا عن دينه ، فلا بد من الدفع إليه من قبل المحال عليه ، لأن المحال عليه مديون للمحيل ويجب عليه الدفع لو طالبه صاحب الدين أو من نصبه ، والحاصل أنه لا يشترط رضا المحال عليه.

(٥) لا يشترط في رضا المحال عليه أن يقع عند عقد الحوالة كما يشترط في رضا المحيل والمحال ، لأن الحوالة عقد لا بدّ فيها من إيجاب وقبول ، والإيجاب من المحيل والقبول من المحال ، فرضاهما مشروط بكونه عند العقد ، بخلاف رضا المحال عليه على تقدير اعتباره ، فلا دليل على كون رضاه معتبرا عند العقد بل يكفي مطلق الرضا سواء تقدم على العقد أم تأخر فضلا عن المقارنة ، هذا ويأتي إشكال على ما قرره الشارح من أن الحوالة لو كانت قائمة بين المحيل والمحال فقط فلا معنى لتعريفها بأنها تعهد بالمال ، لأن التعهد عمل من المحال عليه ، وقد ثبت بناء على ما تقدم أن الحوالة معاملة بين شخصين لم يكن هو أحدهما.

(٦) في إيجاب الحوالة وقبولها ، هذا والحوالة معاملة بين المحيل والمحال ، لأن المحيل ينقل دين الثاني من ذمة إلى ذمة ولذا اعتبرنا رضاهما سابقا وإذا كانت معاملة فهي عقد ، والعقد مؤلف من الإيجاب والقبول.

(٧) من إيجاب وقبول العقود اللازمة ، وقد تقدم أن المشهور اشترط في العقد اللازم أن يكون باللفظ الصريح العربي وبالماضي مع عدم الفصل بين الإيجاب والقبول ، وقد تقدم أكثر من مرة أنه لا دليل عليه ، وأنه يكفي صدق العقد على ذلك عرفا وعليه فيصح الإنشاء

١٦٢

وغيرهما ، وأما رضى المحال عليه فيكفي كيف اتفق متقدما ، ومتأخرا ، ومقارنا ، ولو جوّزنا الحوالة على البري‌ء اعتبر رضاه (١) قطعا ، ويستثنى من اعتبار رضى المحيل ما لو تبرع المحال عليه بالوفاء (٢) فلا يعتبر رضى المحيل قطعا ، لأنه وفاء دينه بغير إذنه.

والعبارة عنه (٣) حينئذ (٤) أن يقول المحال عليه للمحتال : أحلتك بالدين الذي لك على فلان على نفسي فيقبل (٥) ، فيقومان (٦) بركن العقد. وحيث تتم الحوالة تلزم (٧) ، (فيتحول فيها المال) من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه (كالضمان) عندنا ، ويبرأ المحيل من حق المحال بمجردها (٨) وإن لم يبرئه المحتال ،

______________________________________________________

والقبول بكل ما يدل عليه من لفظ صريح أو مع قرينة ، أو فعل أو كتابة ، بالعربي وغيره.

(١) أي رضا المحال عليه ، لأن إلزامه بدفع مال غير مطالب به متوقف على رضاه كما هو واضح.

(٢) فلو تبرع المحال عليه بالوفاء فلا يعتبر رضا المحيل ، لأن المحال عليه بتبرعه يوفّى دين المحيل ، ويجوز وفاء دين الآخرين بغير إذنهم ، وعليه فتكون الحوالة هنا قائمة بين المحال والمحال عليه كما ذهب إليه العلامة في القواعد والشارح.

وفيه : إن ما فرض ليس حوالة ، بل هو ضمان وقد تقدم عدم اعتبار رضا المضمون عنه.

(٣) عن عقد الحوالة.

(٤) حين تبرع المحال عليه.

(٥) أي يقبل المحال.

(٦) أي يقوم كل واحد منهما.

(٧) الحوالة عقد لازم لعموم قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١) هذا من جهة ومن جهة ثانية فالحوالة تفيد نقل المال وتحويله من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه ، وهو موضع وفاق بيننا ، وخالف زفر من العامة فجعلها بمعنى الضم كالضمان عندهم ، وفيه : إن الحوالة مشتقة من التحول بخلاف الضمان فقد يشتق من الضم وإن كان الأصح أنه مشتق من الضمن كما تقدم.

(٨) أي بمجرد الحوالة سواء أبرأه المحال أم لا على المشهور للأخبار :

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية : ١.

١٦٣

لدلالة التحول عليه (١) في المشهور.

(ولا يجب) على المحتال (قبولها على الملي‌ء (٢) ، لأن الواجب أداء الدين ، والحوالة ليست أداء وإنما هي نقل له من ذمة إلى أخرى فلا يجب قبولها عندنا ، وما ورد من الأمر بقبولها على الملي‌ء على تقدير صحته محمول على الاستحباب ، (ولو ظهر إعساره) حال الحوالة (٣) بعدها (٤) (فسخ المحتال) إن شاء ، سواء شرط

______________________________________________________

منها : خبر منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن الرجل يحيل على الرجل الدراهم ، أيرجع عليه؟ قال : لا يرجع عليه أبدا ، إلا أن يكون قد أفلس قبل ذلك) (١) ، وإذا كان الخبر دالا على براءة ذمة المحيل فلا يجوز للمحال أن يطالبه سواء أبرأه أم لا ، وخبر عقبة عن أبي الحسن عليه‌السلام (سألته عن الرجل يحيل الرجل بالمال على الصيرفي ، ثم يتغير حال الصيرفي ، أيرجع على صاحبه إذا احتال ورضي؟ ـ أي يرجع المحتال ـ ، قال عليه‌السلام : لا) (٢) ومثلها غيرها.

وعن الشيخ وأبي الصلاح والقاضي وابن الجنيد اعتبار براءة المحال وإلا لا تبرأ ذمة المحيل لصحيح زرارة عن أحدهما عليه‌السلام (في الرجل يحيل الرجل بمال كان له على رجل آخر ، فيقول الذي احتال : برئت من مالي عليك ، فقال عليه‌السلام : إذا أبرأه فليس له أن يرجع عليه ، وإن لم يبرأه فله أن يرجع على الذي أحاله) (٣) ، والخبر لا يصلح لمعارضة ما تقدم على أنه يمكن حمله على نحو يقتضي الجمع بين الأخبار.

(١) على الإبراء.

(٢) إذا أحال المحيل دائنه على الغني الموسر فلا يجب على المحال قبول الحوالة ، بلا خلاف فيه ، لأن الواجب أداء الدين والحوالة ليست أداء ، بل هي نقل الدين من ذمة إلى أخرى ، ولا يجب القبول على الدائن ، وخالف داود الظاهري فقال بالوجوب للنبوي (إذا أحيل أحدكم على الملي فليحتل) (٤) وهو غير وارد من طرقنا ، ولا جابر له ، وعلى تقدير صحته فهو محمول على الاستحباب أو الإرشاد.

(٣) متعلق بالإعسار.

(٤) متعلق بقوله (ظهر) ، هذا ولو رضي المحال بالحوالة وكان المحال عليه فقيرا مع علم المحال بذلك لزمت الحوالة ، وكذا إذا كان موسرا ثم تجدد فقره بعد الحوالة ، بلا خلاف ولا إشكال ، لأن الحوالة من العقود اللازمة ، ومع رضا المحال وبقية الشرائط تنعقد

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب الضمان حديث ٣ و ٤ و ٢.

(٤) جواهر الكلام ج ٢٦ ص ١٦٦.

١٦٤

يساره أم لا ، وسواء تجدد له اليسار قبل الفسخ أم لا وإن زال الضرر عملا بالاستصحاب (١).

ولو انعكس بأن كان موسرا حالتها فتجدد إعساره فلا خيار ، لوجود الشرط.

(ويصح ترامي (٢) الحوالة) بأن يحيل المحال عليه المحتال ، على آخر ثم يحيل الآخر محتاله على ثالث ، وهكذا ويبرأ المحال عليه في كل مرتبة (٣) كالأول (٤) ، (ودورها) (٥) بأن يحيل المحال عليه في بعض المراتب على المحيل الأول ، وفي

______________________________________________________

وتلزم ، فلا يجوز فسخها فيما بعد ، ولدلالة الأخبار على ذلك كخبر منصور بن حازم وخبر عقبة المتقدمين.

وأما لو كان المحال عليه معسرا حال الحوالة ولم يطلع المحال على ذلك ثم علم بعد ذلك كان له الفسخ والعود على المحيل بلا خلاف فيه لقاعدة الضرر ولخبر منصور المتقدم بحسب ذيله.

ثم إذا ثبت الخيار وتجدد اليسار للمحال عليه فهل يرتفع خياره وجهان : من زوال الضرر فيجب أن يزول الخيار ، ومن أن الخيار قد ثبت فيستصحب عند الشك بارتفاعه.

(١) استصحاب الخيار الثابت.

(٢) إذا أحال المديون دائنه على مديونه فهذه هي الحوالة الأولى ، فيصح للمحال عليه أن يحيل المحال على رابع مشغول الذمة أو بريئها على الخلاف المتقدم ، ويصح للرابع المحال عليه أن يحيله على خامس وهكذا وهو المراد بترامي الحوالة.

والترامي لا خلاف فيه ولا إشكال ، لأن الحوالة الأولى صحيحة فالثانية وما بعدها يجب القول بصحتها لاجتماع شرائط الصحة مع عدم المانع ولعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١) وفي الترامي يتعدد المحال عليه ، مع أن المحال واحد في الجميع ، وفي الجميع أيضا تبرئ ذمة المحيل وتشتغل ذمة المحال عليه ، فإذا صار المحال عليه محيلا فتبرأ ذمته وتشتغل ذمة غيره الذي أحال عليه الدين وهكذا.

(٣) لأنه محيل.

(٤) أي كالمحيل الأول.

(٥) كما يصح الترامي يصح دورها ، والدور أن يرجع المحيل الأول أو المحيل الثاني في الرتبة

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية : ١.

١٦٥

الصورتين (١) المحتال متحد ، وإنما تعدد المحال عليه.

(وكذا الضمان) (٢) يصح تراميه بأن يضمن الضامن آخر ، ثم يضمن الآخر ثالث ، وهكذا.

ودوره بأن يضمن المضمون عنه الضامن في بعض المراتب ، ومنعه ، (٣) الشيخ

______________________________________________________

الثانية أن يرجع محالا عليه ، فلو أحال المديون زيدا الدائن على عمرو ، ثم أحال عمرو زيدا على بكر ، ثم أحال بكر زيدا على خالد ثم أحال خالد زيدا على المديون الأول ، أو على عمرو الذي هو المحيل في الرتبة الثانية لدارت الحوالة.

والدور جائز بلا خلاف فيه بعد اجتماع شرائط الصحة مع عدم المانع فيندرج تحت عموم قوله : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١).

(١) صورة ترامي الحوالة وصورة دورها.

(٢) لا خلاف ولا إشكال في ترامي الضمان بحيث لو ضمن المال ضامن ، فيصح أن يضمنه عنه آخر ، وهكذا إلى عدة ضمناء ، لتحقق شرط الضمان وهو ثبوت المال في ذمة المضمون عنه ، ويرجع كل واحد من الضمناء على المضمون عنه إذا كان الضمان بإذنه.

وكما يصح الترامي يصح دور الضمان ، بأن يضمن الأصيل وهو المضمون عنه ضامنه ، أو ضامن ضامنه وإن تعدد ، لعدم المانع ، ويسقط بذلك الضمان ويرجع الحق كما كان.

وعن الشيخ في المبسوط المنع من دور الضمان ، لصيرورة الفرع فيه أصلا والأصل فيه فرعا ، فالفرع هو الضامن والأصل هو المضمون عنه ، فلو صح الدور كان الضامن مضمونا عنه ، مع أن الضامن فرع فكيف يكون أصلا ، ولعدم الفائدة في الدور إذ يرجع الحق على ما كان.

وردّ بأن جعل الفرع أصلا والأصل فرعا ليس بمانع ، فالضامن فرع في ضمان وهو أصل في ضمان آخر ولا إشكال فيه فالاختلاف في الأصلية والفرعية لا يصلح للمانعية ، وأما الفائدة فإنه لو وجد المضمون له الأصيل الذي صار ضامنا وجده معسرا ونحو ذلك فإن له الفسخ والرجوع على الضامن السابق ، وبأن يضمن المضمون عنه الدين الثابت في ذمة الضامن بحيث يكون الضمان حالا والدين مؤجلا أو بالعكس وهذه فائدة ثانية.

(٣) أي منع الدور.

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية : ١.

١٦٦

رحمه‌الله لاستلزامه جعل الفرع أصلا ، ولعدم الفائدة ، ويضعّف بأن الاختلاف فيهما (١) غير مانع ، وقد تظهر الفائدة (٢) في ضمان الحال مؤجلا (٣) ، وبالعكس (٤) ، وفي الضمان بإذن (٥) وعدمه (٦). فكل ضامن يرجع مع الإذن على مضمونه. لا على الأصيل ، وإنما يرجع عليه (٧) الضامن الأول إن ضمن بإذنه.

وأما الكفالة فيصح تراميها (٨) ، دون دورها (٩) لأن حضور المكفول الأول يبطل ما تأخر منها.

______________________________________________________

(١) في الأصلية والفرعية.

(٢) فائدة الدور.

(٣) بحيث كانت ذمة المضمون عنه مشغولة بدين حال فضمنه الضامن بضمان حال ، ثم قام المضمون عنه وضمنه بضمان مؤجل ، فهو غير مطالب بالدفع إلا بعد الأجل ، مع أن الدين قبل الضمان كان حالا.

(٤) بحيث كانت ذمة المضمون عنه مشغولة بدين مؤجل فضمنه ضامن بضمان مؤجل ، ثم قام المضمون عنه وضمنه بضمان حال ، فهو مطالب بالدفع الآن ، مع أن الدين قبل الضمان كان مؤجلا.

(٥) يجوز للضامن أن يرجع على المضمون عنه إن وقع الضمان بإذنه على ما تقدم ، وعليه فلو ترامى الضمان ، فالضامن الأول يرجع على المضمون عنه ، والضامن الثاني يرجع على الأول وهكذا ، فلو كان الضامن الثالث هو نفس المضمون عنه الأصيل فيجوز له أن يرجع على الضامن الثاني بما دفع ، مع أنه لو قلنا باستحالة الدور فسيرجع عليه الضامن الأول ويغرّم من دون أن يرجع على أحد وهذه فائدة الدور مع الاذن.

(٦) قد تقدم عدم جواز رجوع الضامن على المضمون عنه إن كان الضمان بغير إذن ، لأنه متبرع ، وعليه فالضامن الأول لا يرجع على المضمون عنه ، ولا الثاني على الأول ، ولا الثالث على الثاني ، فلو كان الضامن الثالث هو نفس المضمون عنه الأصيل فلا يجوز له أن يرجع على الضامن الثاني على الضامن الثاني ، مع أنه قبل الدور لن يغرّم المضمون عنه بشي‌ء لأن الضامن الأول لا يجوز له الرجوع.

(٧) أي على الأصيل.

(٨) بلا خلاف ولا إشكال لوجود المقتضى مع عدم المانع ، أما المقتضي فهو التعهد بإحضار نفس ويصح أن يتعهد الثاني عن الأول بإحضار الغريم كما صح للأول التعهد بإحضاره وهكذا ، ولا يتصور هنا مانع.

(٩) الدور أن يتكفل المكفول الأول الكفيل الأخير ، والمعنى أن يتعهد الأول بإحضار زيد ، ثم

١٦٧

(و) كذا تصح (الحوالة بغير جنس الحق (١) الذي للمحتال على المحيل بأن يكون له عليه (٢) دراهم فيحيله على آخر بدنانير (٣) ، سواء جعلنا الحوالة استيفاء أم اعتياضا ، لأن إيفاء الدين بغير جنسه جائز مع التراضي (٤). وكذا المعاوضة على الدراهم بالدنانير.

ولو انعكس (٥)

______________________________________________________

تكفل الثاني عن الأول بإحضار زيد ، ثم الثالث عن الثاني وهكذا ، وهذا هو الترامي ، فلو أتى نفس زيد المكفول إلى المكفول له وتعهد بإحضار نفسه عن الكفيل الأخير بطلت الكفالات السابقة ، لأن نفس حضوره يوجب براءة من تكفل بإحضاره سابقا.

(١) بحيث يكون على المحيل مائة درهم ، وله عشرة دنانير على المحال عليه فلو أحال المحال بالدنانير التي له في ذمة

المحال عليه فلا إشكال من ناحية المحال عليه ، لأنه يجب عليه دفع الدنانير العشرة ، فدفعها إلى المحال جائز لأنه دفع إلى وكيل الدائن كما هو واضح.

وإنما الكلام في أن المحال له في ذمة المحيل مائة درهم فكيف أحاله بعشرة دنانير مع أن الحوالة قائمة على الإحالة بنفس الدين الثابت في ذمة المحيل ، وهو مندفع لأن الحوالة إما استيفاء وإما اعتياض ، وعلى الأول فيجوز للمحيل أن يفي دينه بغير جنسه مع التراضي مع المحال الدائن ، وعلى الثاني فيجوز المعاوضة على الدين الذي هو دراهم بالدنانير.

(٢) أي للمحال على المحيل مائة درهم.

(٣) متعلق بقوله (فيحيله).

(٤) بين المحيل والمحال على ما تقدم بيانه.

(٥) بأن أحال المحال بالدراهم التي له على المحال عليه الذي اشتغلت ذمته بالدنانير ، فهي إحالة الدراهم على الدنانير ، فقد ذهب الشيخ في أول باب الحوالة من مبسوطه وابنا زهرة وحمزة والقاضي إلى أنه يشترط تساوي المالين في صحة الحوالة ، والتساوي هو وحدة الجنس والنوع والصفة ، بل عن التذكرة أنه من مشاهير الفقهاء وجوب التساوي بين الدينين ، ودليلهم التفصي من التسلط على المحال عليه بما لم تشتغل ذمته به ، إذ لا يجب عليه أن يدفع إلا ما عليه ، وجواز دفع شي‌ء من جنس غير جنس الدين الثابت عليه معاوضة مستقلة لا تقتضيها نفس الحوالة.

وعن الشيخ في موضع آخر من باب الحوالة في المبسوط والعلامة في التذكرة والتحرير والفاضل المقداد في التنقيح وثاني المحققين والشهيدين الجواز ، لأن الحوالة إما أن يشترط فيها رضا المحال عليه أو لا ، وعلى الأول فالمحال عليه قد رضي بدفع مثل ما عليه وإن لم يكن من جنس ما عليه فيتعين الجواز سواء قلنا بأن الحوالة استيفاء أم اعتياض.

١٦٨

فأحاله (١) بحقه (٢) على من عليه مخالف (٣) صح أيضا بناء على اشتراط رضى المحال عليه ، سواء جعلناها استيفاء أم اعتياضا بتقريب التقرير (٤) ، ولا يعتبر التقابض في المجلس حيث تكون (٥) صرفا ، لأن المعاوضة على هذا الوجه (٦) ليست بيعا ، ولو لم يعتبر رضى المحال عليه صح الأول (٧) ، دون الثاني (٨) ، إذ لا يجب على المديون الأداء من غير جنس ما عليه ، وخالف الشيخ رحمه‌الله وجماعة فيهما (٩) فاشترطوا تساوي المحال به وعليه (١٠) جنسا ووصفا ، استنادا إلى أن الحوالة تحويل ما في ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه ، فإذا كان على المحيل دراهم مثلا وله على المحال دنانير كيف يصير حق المحتال على المحال عليه دراهم (١١) ولم يقع عقد يوجب ذلك ،

______________________________________________________

وعلى الثاني فمع عدم رضا المحال عليه فهو متوقف على صحة الحوالة على البري‌ء ، فإن قلنا بالجواز هناك نقول به هنا وإلا فلا إذ لا يجب على المحال عليه إلا دفع الدنانير فكيف يجب عليه دفع الدراهم.

(١) أي أحال المحيل المحال.

(٢) أي بالدراهم.

(٣) وهو الدنانير.

(٤) أي التقرير الوارد في الصورة السابقة بحيث لو كانت الحوالة استيفاء فوفاء الدين من غير الجنس مع التراضي جائز ، إلا أن التراضي هنا بين المحال والمحال عليه ، ولو كانت اعتياضا فالمعاوضة على الدنانير الثابتة في ذمة المحال عليه بدفع دراهم بدلا عنها جائز أيضا مع التراضي بين المحال والمحال عليه.

(٥) الحوالة بناء على أنها معاوضة.

(٦) وهو الحوالة.

(٧) أي الصورة السابقة ، لأن المحال عليه سيدفع الدنانير الذي في ذمته على كل حال ، فدفعها إلى المحال من دون رضاه جائز ، لأن المحال بمنزلة وكيل الدائن في القبض.

(٨) أي العكس ، لأن المحال عليه لا يجب عليه دفع إلا ما اشتغلت به ذمته ، وهو مطالب هنا بدفع الدراهم وذمته مشغولة بالدنانير ، فلا يجب دفع الدراهم مع عدم رضاه.

(٩) أي في الصورة السابقة وعكسها ، وقد عرفت أن النزاع مع الشيخ وجماعة في خصوص العكس ، ويشهد له نفس أدلته التي أوردها الشارح هنا.

(١٠) أي والمحال عليه من المال.

(١١) وهذا لا يتم إلا إذا كانت الحوالة بالدراهم على الدنانير وهي عين العكس المتقدم.

١٦٩

لأنا (١) إن جعلناها استيفاء كان المحتال بمنزلة من استوفى دينه وأقرضه المحال عليه وحقه (٢) الدراهم ، لا الدنانير (٣) ، وإن كانت معاوضة فليست (٤) على حقيقة المعاوضات التي يقصد بها تحصيل ما ليس بحاصل (٥) من جنس مال ، أو زيادة قدر ، أو صفة ، وإنما هي معاوضة ارفاق ، ومسامحة للحاجة ، فاعتبر فيها (٦) التجانس والتساوي (٧) ، وجوابه يظهر مما ذكرناه (٨).

(وكذا) تصح (الحوالة (٩)

______________________________________________________

(١) من تتمة استدلال الشيخ ، وحاصله أن الحوالة لا تخلو من أحد الأمرين وكلاهما باطل.

(٢) أي حق المحال.

(٣) فكيف تتحول دراهم المحال إلى الدنانير ، مع أن الثابت في ذمة المحال عليه دنانير فقط.

(٤) أي الحوالة.

(٥) المعاوضة بين جنسين مبنية على أن كل طرف يريد تحصيل ما ليس بحاصل عنده ، ولذا يبدّل ما عنده بما عند الآخر ، وتحصيل ما ليس عنده إنما يكون لتحصيل جنس المال أو زيادة قدره أو صفة غير موجودة في ماله.

(٦) في الحوالة.

(٧) في القدر والصفة.

(٨) بناء على اشتراط رضا المحال ، فمع رضاه يجوز دفع مثل ما عليه ، ومع عدم الرضا تصح بناء على صحة الحوالة على البري‌ء.

(٩) تحرير المسألة متوقف على مقدمة ، وهي أن الضمان عندنا ناقل للمحال من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن كما تقدم ، وليس الضمان ضاما ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه كما عليه مخالفونا هذا من جهة ومن جهة أخرى لو كان لشخص على اثنين دين بمقدار ألف درهم مثلا ، فعلى كل واحد خمسمائة ، فإذا ضمن كل واحد منهما صاحبه فإما أن يقترنا وإما أن يتلاحقا ، وعلى الأول ينتقل ما في ذمة كل واحد منها إلى الآخر ويبقى الأمر على ما هو عليه من ثبوت خمسمائة في ذمة كل واحد منهما ، وعلى الثاني يجتمع الدين بتمامه في ذمة الأخير ، لأن نصفه ثابت في ذمة الآخر بالدين والنصف الآخر قد ثبت بالضمان ، وبعد ثبوت الجميع في ذمة الآخر ينتقل الجميع إلى ذمة الضامن الثاني لتأخر ضمانه إذا تقرر ذلك فلو أحال صاحب الألف ثالثا عليهما بالألف في صورة ضمانهما مقترنين ، فالمحال يأخذ من كل واحد منهما خمسمائة لعدم تأثير الضمان من هذه الحيثية كما تقدم.

ومنع الشيخ في المبسوط هذه الحوالة ، لأن فيها زيادة ارتفاق ، حيث إن المحال مخيّر

١٧٠

بدين عليه لواحد (١) على دين (٢) للمحيل على اثنين (٣) (متكافلين) أي (٤) قد ضمن كل منهما ما في ذمة صاحبه دفعة واحدة ، أو متلاحقين مع إرادة الثاني ضمان ما في ذمة الأول في الأصل (٥) ، لا مطلقا (٦) ، لئلا يصير المالان في ذمة الثاني (٧) ، ووجه جواز الحوالة عليهما ظاهر ، لوجود المقتضي (٨) للصحة ، وانتفاء المانع ، إذ ليس (٩) إلا كونهما متكافلين ، وذلك (١٠) لا يصلح مانعا (١١) ، ونبّه بذلك على

______________________________________________________

بالرجوع بالألف على كل واحد منهما ، بعد ثبوت الألف في ذمة كل واحد منهما ، نصفه بالدين ونصفه بالضمان ، وهذا التخيير في الرجوع ارتفاق لم يكن من قبل الحوالة ، فلا تصح لأنه يشترط في الحوالة مساواة الدينين قدرا وجنسا ووصفا فمن ناحية الوصف فالمحال كان دينه على واحد وقد أصبح دينه على اثنين مخيرا بينهما ، وهذا زيادة في الصفة.

وفيه : إن الرجوع بالألف على كل واحد من الضامنين مبني على كون الضمان بمعنى الضم ، وهو مذهب مخالفينا ، وأما على كون الضمان ناقلا للمال من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن فلم يثبت في ذمة كل واحد من الضامنين إلا الخمسمائة كما لو كان الأمر قبل الضمان ، فلا ارتفاق.

ولو سلم ذلك فليس مطلق الارتفاق مانعا من الحوالة وإلا لما جازت الحوالة على من هو أملى منه وأحسن وفاء.

(١) متعلق بقوله (بدين عليه) وهذا الواحد هو المحال.

(٢) متعلق بقوله (تصح الحوالة).

(٣) متعلق بقوله (على دين).

(٤) تفسير للتكافل.

(٥) دون ما تحول إليه بسبب الضمان.

(٦) أي الأعم من الأصل وما بالضمان.

(٧) ويصير المالان في ذمة الثاني إذا ضمن ما في الأصل وما بالضمان ، وكان ضمانه متأخرا عن ضمان الأول.

(٨) من ثبوت المال المحال به في ذمة المحال عليه.

(٩) أي إذ ليس المانع.

(١٠) أي وكونهما متكافلين.

(١١) لأن التكافل مقترنين يبقي الأمر على ما هو عليه من ثبوت خمسمائة في ذمة كل واحد منهما.

١٧١

خلاف الشيخ رحمه‌الله حيث منع منه (١) ، محتجا باستلزامها (٢) زيادة الارتفاق ، وهو (٣) ممتنع في الحوالة ، لوجوب موافقة الحق المحال به للمحال عليه من غير زيادة ولا نقصان قدرا ووصفا (٤).

وهذا التعليل إنما يتوجه على مذهب من يجعل الضمان ضم ذمة إلى ذمة ، فيتخير حينئذ (٥) في مطالبة كل منهما بمجموع الحق ، أما على مذهب أصحابنا من أنه ناقل للمال من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه فلا ارتفاق ، بل غايته انتقال ما على كل منهما إلى ذمة صاحبه فيبقى الأمر كما كان ، ومع تسليمه (٦) لا يصلح للمانعية ، لأن مطلق الارتفاق بها (٧) غير مانع إجماعا ، كما لو أحاله على أملى منه وأحسن وفاء.

(ولو أدى المحال عليه (٨) فطلب الرجوع) بما أداه على المحيل

______________________________________________________

(١) من جواز الحوالة على المتكافلين.

(٢) أي باستلزام الحوالة على المتكافلين.

(٣) أي زيادة الارتفاق.

(٤) ففي الحوالة عند الشيخ يكون المحال مخيرا بالرجوع بالألف على كل واحد من المتكافلين مع أنه قبل الحوالة كان له الرجوع على واحد وهو المحيل صاحب الألف فاختلفت الصفة بين المالين.

(٥) أي حين القول يكون الضمان ضاما.

(٦) أي تسليم كون الحوالة مستلزمة لزيادة الارتفاق بناء على أن الضمان بمعنى الضم كما عليه مخالفونا.

(٧) أي بالحوالة.

(٨) قد تقدم صحة الحوالة على البري‌ء كما هو المشهور ، وعليه فالحوالة لا تدل على ثبوت دين للمحيل على المحال عليه ، لأن الأعم لا يدل على الأخص ، وعليه أيضا لو صدرت الحوالة على زيد ، فقام المحال عليه وأدى ما حوّل عليه ثم طالب المحيل بما دفع منكرا لثبوت دين للمحيل عليه ، فأنكر المحيل ذلك وقال : إنما حوّلته عليك لثبوت دين لي عليك حينئذ.

فالقول قول المحال عليه مع يمينه ، لأن المحيل يدعي الدين على المحال عليه ، والمحال عليه ينكره ، والأصل براءة ذمة المحال عليه من دين المحيل.

وأما لو قلنا بانحصار الحوالة على مشغول الذمة ثم اختلف المحال عليه والمحيل بما

١٧٢

(لإنكاره (١) الدين) وزعمه أن الحوالة على البري‌ء بناء على جواز الحوالة عليه (٢) (وادعاه (٣) المحيل ، تعارض الأصل (٤) وهو براءة ذمة المحال عليه من دين المحيل (والظاهر) (٥) وهو كونه (٦) مشغول الذمة ، إذ الظاهر أنه لو لا اشتغال ذمته لما أحيل عليه (٧) (والأول) وهو الأصل (أرجح) (٨) من الثاني حيث يتعارضان غالبا ، وإنما يتخلف في مواضع نادرة (٩) (فيحلف) المحال عليه على أنه بري‌ء من دين المحيل ، (ويرجع) عليه (١٠) بما غرم ، (سواء كان) العقد الواقع بينهما (بلفظ الحوالة ، أو الضمان (١١) لأن الحوالة على البري‌ء أشبه بالضمان فتصح بلفظه.

______________________________________________________

سمعت ، لم يقبل قول المحال عليه في نفي الدين لاقتضاء الحوالة هنا ثبوته ، فالمحال عليه ينكر الدين ويوافقه الأصل من براءة ذمته من دين المحيل إلا أنه يدعي فساد الحوالة التي صدرت ، حيث يدعي أنها حوالة على البري‌ء ، وهي باطلة لاشتراط الحوالة على مشغول الذمة كما هو الفرض ، والمحيل يدعي الدين ويوافقه الظاهر من صحة الحوالة حيث يدعي أنها حوالة على مشغول الذمة ، ومدعي الصحة مقدم.

(١) أي إنكار المحال عليه.

(٢) أي على البري‌ء ، وهذا هو الشق الأول المتقدم.

(٣) أي ادعى الدين.

(٤) الموافق لقول المحال عليه.

(٥) الموافق لقول المحيل.

(٦) أي كون المحال عليه.

(٧) وفيه : إنه لا ظاهر هنا لأن الكلام مبني على جواز الحوالة على البري‌ء ، فالحوالة غير ظاهرة في كون المحال عليه مشغول الذمة ، فيجب تقديم الأصل من دون معارضة الظاهر له على ما تقدم شرحه.

(٨) بل هو متعين هنا لعدم وجود الظاهر كما عرفت.

(٩) بسبب الدليل الخاص.

(١٠) أي ويرجع المحال عليه على المحيل.

(١١) فلو كان العقد بلفظ الحوالة فواضح ، لأن العقد عقد لها ، ولو كان بلفظ الضمان فيصح إرادة الحوالة على البري‌ء من لفظ الضمان ، لأنها أشبه بالضمان على ما تقدم ، بل غير المشهور قد جعلها من مصاريف الضمان.

١٧٣

وأيضا فهو (١) يطلق على ما يشملهما (٢) بالمعنى الأعم (٣) فيصح التعبير به عنها (٤).

ويحتمل الفرق (٥) بين الصيغتين فيقبل مع التعبير بالضمان ، دون الحوالة عملا بالظاهر ، ولو اشترطنا في الحوالة اشتغال ذمة المحال عليه بمثل الحق (٦) تعارض أصل الصحة (٧) والبراءة (٨) فيتساقطان ، ويبقى مع المحال عليه أداء دين المحيل بإذنه (٩) فيرجع عليه (١٠) ، ولا يمنع وقوع الإذن في ضمن الحوالة الباطلة

______________________________________________________

(١) أي الضمان.

(٢) أي يشمل الحوالة والضمان.

(٣) وهو إرادة مطلق التعهد لمطلق المال.

(٤) أي فيصح التعبير بالضمان عن الحوالة على البري‌ء.

(٥) بحيث يقبل قول المحال عليه لو كان العقد بلفظ الضمان ، لحمل الضمان على المعهود منه ، لأن المحال عليه حينئذ ضامن والضامن أعم من مشغول الذمة وبريئها.

بخلاف ما لو كان العقد بلفظ الحوالة بعد حمل الحوالة على المعهود منها ، وظاهرها حينئذ أنها على مشغول الذمة فلا يقبل قول المحال عليه ، بل يقدم قول المحيل مع يمينه لموافقته لهذا الظاهر.

وفيه : إن الحوالة بناء على ما هو المفروض من صحتها على البري‌ء لا تدل بظاهرها على أنها محل مشغول الذمة.

(٦) وهذا هو الشق الثاني من المسألة.

(٧) الموافق لقول المحيل.

(٨) الموافق لقول المحال عليه ، وقد عرفت أنه يقدم الظاهر حينئذ لتقديم مدعي الصحة ، وهذا ما صرح به في المسالك ، نعم قال عقيب ذلك (ويمكن على هذا أن يقال تساقط الأصلان ، وبقي مع المحال عليه أنه أدى دين المحيل بإذنه ، فيرجع عليه على التقديرين ، وهو حسن ، فإن قيل : الاذن في الأداء إنما وقع في ضمن الحوالة فإذا لم يحكم بصحتها لا يبقى الاذن مجردا ، لأنه تابع فيستحيل بقاؤه بدون متبوعه ، قلنا : الاذن وإن كان في ضمن الحوالة إلا أنه أمر يتفقان على وقوعه ، وإنما يختلفان في أمر آخر ، فإذا لم يثبت لا ينتفي ما قد وقع الاتفاق منهما عليه) انتهى.

(٩) أي بإذن المحيل.

(١٠) أي فيرجع المحال عليه على المحيل.

١٧٤

المقتضي بطلانها لبطلان تابعها (١) ، لاتفاقهما على الإذن ، وإنما اختلفا في أمر آخر (٢) ، فإذا لم يثبت (٣) يبقى ما اتفقا عليه من الإذن في الوفاء (٤) المقتضي للرجوع ، ويحتمل عدم الرجوع (٥) ترجيحا للصحة المستلزمة لشغل الذمة.

______________________________________________________

(١) وهو الاذن.

(٢) وهو اشتغال ذمة المحال عليه بدين للمحيل.

(٣) أي لم يثبت ما اختلفا فيه.

(٤) أي وفاء المحال عليه لدين المحيل.

(٥) أي عدم رجوع المحال عليه على المحيل ، وعدم رجوعه لعدم سماع قوله ترجيحا لمدعى الصحة وهو قول المحيل ، وهو الذي جزم به في المسالك ، وجعل الأول احتمالا.

١٧٥
١٧٦

كتاب الكفالة

١٧٧
١٧٨

(كتاب الكفالة (١)

(وهي التعهد بالنفس (٢) أي التزام احضار المكفول متى طلبه المكفول له ، وشرطها رضى الكفيل والمكفول له ، دون المكفول (٣) ، لوجوب الحضور

______________________________________________________

(١) كفلت كفلا والاسم الكفالة بالفتح ، وهي بحسب اللغة أعم من التعهد بالمال أو النفس ، والمعروف في تعريفها شرعا أنها عقد شرّع للتعهد بالنفس ، وقد ادعى في التذكرة أنها مشروعة عند عامة أهل العلم ، لكنها مكروهة ، لمرسل الصدوق عن أبي عبد الله عليه‌السلام (الكفالة خسارة غرامة ندامة) (١) ، ولخبر الرقي عنه عليه‌السلام (مكتوب في التوراة : كفالة ندامة غرامة) (٢) ، ولخبر أبي العباس عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال عليه‌السلام له : ما منعك من الحج ، قال : كفالة تكفلت بها ، قال عليه‌السلام : وما لك وللكفالات ، أما علمت أن الكفالة هي التي أهلكت القرون الأولى) (٣).

ثم إن الكفالة معاملة بين الكفيل والمكفول له فهي عقد مؤلف من إيجاب وقبول ، فيصح إنشاؤهما بكل ما يدل عليهما ولو بالفعل أو الكتابة ، وعن المشهور اشتراط اللفظ الصريح وبالماضي مع عدم الفصل لأنه عقد لازم ، وقد عرفت أنه لا دليل عليه.

(٢) التي يستحق عليها الحضور في مجلس الحكم ولو من أجل دعوى المكفول له ، نعم لا تصح الكفالة في حد للنبوي (لا كفالة في حد) (٤).

(٣) قوام الكفالة على ثلاثة : الكفيل وهو هنا بمعنى الفاعل ، والمكفول له وهو صاحب الحق

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب الضمان حديث ٢ و ٥ و ٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب أحكام الضمان حديث ١ و ٢.

١٧٩

عليه (١) متى طلبه صاحب الحق ولو بالدعوى (٢) ، بنفسه أو وكيله ، والكفيل بمنزلة الوكيل حيث يأمره به (٣) ، ويفتقر إلى إيجاب وقبول بين الأولين (٤) صادرين على الوجه المعتبر في العقد اللازم.

(وتصح حالّة ومؤجلة (٥) أما الثاني فموضع وفاق ، وأما الأول فأصح

______________________________________________________

أو الدعوى ، والمكفول وهو من عليه الحق أو الدعوى ، ولا بد من رضا الكفيل لأن الحق لا يلزمه إلا برضاه ، وكذا رضا المكفول له ، لأنه صاحب الحق فلا يجوز إلزامه بشي‌ء بغير رضاه ، وبهما يتم عقد الكفالة.

وأما المكفول فعلى المشهور لا يعتبر رضاه لوجوب الحضور عليه متى طلبه صاحب الحق بنفسه أو وكيله ، والكفيل هنا بمنزلة الوكيل حيث يطلب المكفول له إحضاره ، وعن الشيخ والقاضي والحلي اعتبار رضاه ، وقواه العلامة في التحرير وصاحب الجواهر لأنه إذا لم يرض المكفول بالكفالة لا يلزمه الحضور مع الكفيل ، وعليه فلا يتمكن الكفيل من إحضاره ، فلا تصح كفالته لأنها بغير المقدور ، ولا تقاس بالضمان لإمكان وفاء دينه من مال غيره بغير إذنه ، ولا يمكن أن ينوب الكفيل هنا عنه في الحضور.

وفيه : منع عدم وجوب الحضور مع الكفيل بدون رضاه ، لأن صاحب الحق متى طلبه وجب عليه الحضور ولو لم يكن مكفولا ، فمع الكفالة فيجب الحضور لأنه طلبه بواسطة وكيله ، ثم لو قيل باعتبار رضاه ، فهو ليس على حد رضا الكفيل والمكفول له ، لأنه لا بد من اقتران رضاهما للعقد ، بخلاف رضاه فيصح كيفما وقع ، كرضا المحال عليه ورضا المضمون عنه.

(١) على المكفول.

(٢) أي ولو كان الحق هو الدعوى.

(٣) أي حيث يأمر المكفول له الكفيل بإحضاره.

(٤) أي بين الكفيل والمكفول له ، والإيجاب من الأول والقبول من الثاني.

(٥) أما المؤجلة فلا خلاف فيها ، وأما الحالة فعلى المشهور لأصالة عدم اشتراط التأجيل فيها ، ولأن الحضور حق شرعي فلا يمنعه الحلول ، وعن جماعة منهم الشيخ والمفيد وسلّار وابن حمزة عدم جواز الحالة فيشترط في الكفالة الأجل ، وليس لهم دليل سوى الاقتصار على القدر المتيقن من صحة الحوالة المؤجلة ، ولعدم الفائدة في الحالة ، وردّ بأن لها دليل الأصل فلا داعي للاقتصار على المتيقن ، ولأن فائدتها مطالبة الكفيل بالإحضار وقت الفراغ من صيغة الكفالة إذ لم يكن المكفول حاضرا.

١٨٠