الزبدة الفقهيّة - ج ٥

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٥
ISBN: 964-8220-36-0
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٦٠٠

به (١) ، في الرابع.

نعم لو كان الحلف (٢) برد الضامن ثبت ما حلف (٣) ، عليه (٤).

(و) كذا (لا) يشترط علمه (٥) (بالغريم) وهو المضمون عنه (٦) ، لأنه وفاء دين عنه وهو جائز عن كل مديون.

ويمكن أن يريد به الأعم (٧) منه ، ومن المضمون له ، ويريد بالعلم به (٨): الإحاطة بمعرفة حاله من نسب أو وصف ، لسهولة (٩) الاقتضاء ، وما شاكله ، لأن الغرض (١٠) إيفاؤه الدين ، وذلك (١١) لا يتوقف على معرفته كذلك (١٢) ، (بل تميزهما) (١٣) أي المستحق والغريم ليمكن توجه القصد إليهما ، أما الحق فليمكن

______________________________________________________

(١) أي ما يقر المضمون عنه به.

(٢) أي لو كانت الدعوى بين المضمون له وبين الضامن بحيث كان المضمون عنه ميتا أو غائبا أو لم تجر المنازعة وهو طرف فيها ، فالمضمون له يدعي المائة والضامن خمسون ، فيقوم قول الضامن مع عيينة لأنه منكر ، فإن لم يحلف ورد اليمين على المدعي هنا وهو المضمون له ، وقد حلف اليمين المردودة ، فيلزم الضامن حينئذ بدفع المائة كما هو واضح لأن الدعوى عليه.

(٣) أي ما حلف به المضمون له.

(٤) على الضامن.

(٥) أي علم الضامن.

(٦) وقد تقدم الكلام فيه سابقا.

(٧) أي ويمكن أن يريد بالغريم الأعم من المضمون له والمضمون عنه بناء على كون المستحق مبنيا للمجهول.

(٨) عند قول الماتن (ولا يشترط علمه بالمستحق ولا بالغريم بل تميزها) بحيث يكون العلم المنفي هو العلم بمعرفة حاله من نسب أو اسم ووصف كما تقدم.

(٩) علة للمنفي ، أي العلم المذكور لسهولة الاقتضاء.

(١٠) علة للنفي ، وهو عدم اشتراط العلم المذكور.

(١١) أي إيفاء الدين.

(١٢) أي على معرفة حاله من نسب أو اسم أو وصف.

(١٣) أي تميز المستحق والغريم ، وعلى التفسير الأول للمستحق بكونه مبنيا للمعلوم على وزن اسم الفاعل وهو المضمون له ، فيشترط تميز المضمون له والمضمون عنه ، وعلى التفسير الثاني للمستحق بكونه منهيا للمجهول على وزن اسم المفعول وهو الحق المضمون ،

١٤١

أداؤه ، وأما المضمون له فليمكن إيفاؤه ، وأما المضمون عنه فليمكن القصد إليه.

ويشكل بأن المعتبر القصد إلى الضمان وهو التزام المال الذي يذكره المضمون له ، وذلك غير متوقف على معرفة من عليه الدين. فلو قال شخص : إني استحق في ذمة آخر مائة درهم مثلا فقال آخر : ضمنتها لك كان قاصدا إلى عقد الضمان عمن كان عليه الدين مطلقا (١) ، ولا دليل على اعتبار العلم بخصوصه.

(ولا بد له من إيجاب وقبول مخصوصين (٢) ، لأنه من العقود اللازمة الناقلة للمال من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن ، (والإيجاب ضمنت ، وشبهه) ،

______________________________________________________

فيشترط تميز الحق والمضمون عنه والمضمون له ، لأن الغريم أعم منهما كما تقدم ، واعتبار تميز الحق والمضمون عنه والمضمون له ناشئ من أن الضمان عقد فلا بدّ من القصد فيه ، والقصد المذكور متوقف على قصد الحق لأنه لا بد من قصد أدائه ، ومتوقف على قصد المضمون له لأنه لا بد أن يقصد إيفائه ، ومتوقف على قصد المضمون عنه ليتمكن من قصد عمن عليه الدين عند الإيفاء.

وفيه كما في المسالك : إن المعتبر هو القصد إلى الضمان ، والقصد هو الالتزام بالمال الذي يذكره المضمون له مثلا في الذمة ، وذلك غير متوقف على معرفة من عليه الدين الذي هو المضمون عنه فلو قال شخص : إني استحق في ذمة شخص مائة درهم فقال له الآخر : ضمنتها لك ، كان قاصدا إلى الضمان مع عدم معرفة المضمون عنه.

(١) وإن لم يعرفه ولو إجمالا.

(٢) وقع الخلاف بينهم في اشتراط رضا المضمون له في الضمان ، والمشهور على الاشتراط ، لأن حقه سيتحول من ذمة غريمه إلى ذمة الضامن ، والناس تختلف في حسن المعاملة وسهولة الاقتضاء ، فربما كان المضمون له لا يرضى بإبدال غريمه بالضامن ، فلو لم يعتبر رضاه للزم الضرر عليه ، ولصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في الرجل يموت وعليه دين ، فيضمنه الضامن للغرماء ، فقال عليه‌السلام : إذا رضي به الغرماء فقد برئت ذمة الميت) (١).

وللشيخ قول بعدم الاشتراط لأن أمير المؤمنين عليه‌السلام وأبا قتادة قد ضمنا الدين ولم يسأل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن رضا المضمون له كما في خبري أبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله المتقدمين (٢).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الضمان حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب الضمان حديث ٢ و ٣.

١٤٢

ويتميز عن مطلق الكفالة بجعل متعلقها المال (١) (وتقبلت وشبهة) من الألفاظ الدالة عليه (٢) صريحا ، (ولو قال ما لك عندي ، أو علي (٣) ، أو ما عليه علي فليس بصريح) ، لجواز إرادته (٤) أن للغريم (٥) تحت يده مالا (٦) ، وأنه قادر على تخليصه ،

______________________________________________________

وأجيب بأنهما قضية في واقعة لا عموم فيهما ، أو أن غرماء الميت كانوا حاضرين وقد حصل منهم الرضا كما عن سيد الرياض.

ثم على القول باشتراط الرضا فهل المعتبر مجرد رضاه كيف اتفق ولو مع التراضي أو لا بدّ من القبول اللفظي قولان ، ذهب إلى الأول فخر المحققين في الإيضاح والأردبيلى للخبرين المتقدمين المتضمنين لضمان أمير المؤمنين عليه‌السلام وأبي قتادة ، باعتبار اكتفاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بضمانهما من دون قبول لفظي من غرماء الميت ، ولأصالة عدم الاشتراط ، ولمخالفة الضمان لغيره من العقود المملّكة ، لأن الضمان لا يثبت ملكا جديدا ، وإنما يتوثق به الدين الذي كان مملوكا للمضمون له.

وذهبت جماعة إلى القبول اللفظي لأن الضمان بعد اشتراط الرضا هو معاملة بين شخصين فهو عقد ، فلا بدّ فيه من القبول اللفظي لأنه من العقود اللازمة ، ولأصالة عدم انتقال حق المضمون له إلا أن يتحقق المزيل وهو القبول.

بل إذا كان الضمان من العقود اللازمة فيشترط فيه جميع ما اشترط في العقد اللازم من كون بلفظ الماضي واللفظ العربي وعدم الفصل بين الإيجاب والقبول.

وفيه : لو قلنا بكونه من العقود اللازمة فقد تقدم أنه يكفي في إيجابه وقبوله كل ما يدل على إنشائهما سواء كان اللفظ صريحا أم لا ، وسواء كان بالعربي وبالماضي أم لا ، بل يصح إنشاؤه بالفعل والكتابة كما عليه العرف لصدق العقد على كل ذلك ، هذا مع أن اشتراط رضا المضمون له كما هو الظاهر لا يستلزم كون الضمان عقدا ، لأن الضمان تعهد بإيفاء الدين وغاية ما يستلزم الرضا وليس القبول.

(١) فقيد المال مخرج للكفالة ، لأنها ضمان نفس ، وضمير في (متعلقها) راجع إلى الألفاظ التي ذكرها الماتن.

(٢) على الإيجاب.

(٣) أي ما لك عليّ.

(٤) أي لجواز إرادة الضامن الذي صدرت منه الألفاظ السابقة.

(٥) وهو المضمون عنه.

(٦) لقوله الأول : لو قال : ما لك عندي ، فيحتمل أن يكون الضامن أراد إخبار المضمون له بأنه للغريم مال تحت يده فلا يكون منشئا للضمان بالجملة المتقدمة.

١٤٣

أو أن عليه السعي ، أو المساعدة ، ونحوه.

وقيل إن «عليّ» (١) ضمان ، لاقتضاء عليّ الالتزام ، ومثله في ذمتي (٢) وهو متجه ، أما ضمانه عليّ (٣) فكاف ، لانتفاء الاحتمال ، مع تصريحه بالمال (٤) (فيقبل المستحق) (٥) وهو المضمون له.

(وقيل : يكفي رضاه (٦) بالضمان وإن لم يصرح بالقبول ، لأن حقه يتحول من ذمة إلى أخرى ، والناس يختلفون في حسن المعاملة ، وسهولة القضاء ، فلا بد من رضاه به (٧) ولكن لا يعتبر القبول ، للأصل ، لأنه وفاء دين (٨).

والأقوى الأول (٩) ، لأنه عقد لازم فلا بد له من إيجاب وقبول لفظين صريحين متطابقين عربيين ، فعلى ما اختاره من اشتراطه يعتبر فيه ما يعتبر في العقود اللازمة.

وعلى القول الآخر (١٠) (فلا يشترط فورية القبول) ، للأصل ، وحصول الغرض. وقيل : لا يشترط رضاه مطلقا (١١) ، لما روي من ضمان علي عليه الصلاة

______________________________________________________

أو أراد إخباره بأنه قادر على تخصيص ماله عند قوله : ما لك عليّ ، أو أراد إخباره بأنه عليه السعي في تحصيل ماله عند قوله : ما عليه عليّ.

(١) فيما لو قال : ما لك عليّ أو ما عليه عليّ ، فهو ضمان لكون ظاهره الالتزام لا الإخبار ، ولم أجد من قال به.

(٢) أي لو قال : مالك في ذمتي ، أو ما عليه في ذمتي فهو ظاهر في التزام الضمان أيضا لا الإخبار.

(٣) أي لو قال : ضمانه عليّ ، فهو نص في الضمان من دون احتمال الإخبار ، بخلاف ما سبق فهو ظاهر في الالتزام.

(٤) أي لو قال : ضمان مالك عليّ فهو مخرج للكفالة ونص في الضمان المصطلح.

(٥) كما هو القول الثاني المتقدم.

(٦) كما هو القول الأول المتقدم.

(٧) أي رضا المضمون له بالضمان ، وهو دليل اشتراط الرضا كما عليه المشهور ، وقد تقدم.

(٨) كما استظهرناه.

(٩) أي اشتراط القبول.

(١٠) من كفاية الرضا.

(١١) كما هو قول الشيخ وقد تقدم ، والإطلاق للفظ والقلب.

١٤٤

والسلام دين الميت الذي امتنع النبي (ص) من الصلاة عليه ، لمكان دينه.

(ولا عبرة بالغريم) (١) وهو المضمون عنه ، لما ذكرناه من أنه وفاء عنه ، وهو غير متوقف على إذنه.(نعم لا يرجع عليه مع عدم إذنه (٢) في الضمان وإن أذن في الأداء ، لأنه متبرع ، والضمان هو الناقل للمال من الذمة ، (ولو أذن) له في الضمان (رجع) عليه (بأقل الأمرين مما أداه ، ومن الحق (٣) فإن أدى أزيد منه كان متبرعا بالزائد ، وأن أدى أقل لم يرجع بغيره ، سواء أسقط الزائد عنه بصلح أم إبراء ، ولو وهبه بعد ما أدى الجميع البعض ، أو الجميع (٤) جاز رجوعه به ، ولو

______________________________________________________

(١) لا عبرة برضا المديون الذي هو المضمون عنه في صحة الضمان بلا خلاف فيه ، لأن الضمان كالقضاء فكما يجوز أداء الدين بغير إذنه فكذا الالتزام بأداء الدين بالضمان ، ولصحة الضمان عن الميت في الخبرين (١) اللذين تضمنا ضمان أمير المؤمنين عليه‌السلام وأبي قتادة.

(٢) يرجع الضامن على المضمون منه بما أداه إن كان الضمان بإذنه ، بلا خلاف فيه ، لأن الضامن هنا غير متبرع فماله محترم فيجوز له الرجوع لمكان الاذن ، ولو كان الضمان بغير إذن المضمون عنه لا يرجع وإن كان الأداء بإذنه بلا خلاف فيه لأنه متبرع بالضمان لا يجوز له الرجوع ، والاذن بالأداء ليس إذنا بأصل الضمان.

(٣) أما لو كان الحق المضمون أقل من الذي دفعه ، بحيث دفع الضامن اكثر منه وقت الأداء فلا يستحق الزائد على المضمون عنه لأنه متبرع ، ولم يقع إذن من المضمون عنه بالزائد ، وإنما الاذن في أصل الضمان بمقدار الحق.

وأما لو كان الذي دفعه أقل من الحق المضمون عنه بحيث وقع الضامن أقل منه ، فلا يرجع إلا بما دفع للأخبار :

منها : خبر عمرو بن يزيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن رجل ضمن عن رجل ضمانا ثم صالح عليه ، قال عليه‌السلام : ليس له إلا الذي صالح عليه) (٢) ، وقال الشارح في المسالك : (ولا فرق عندنا في رجوعه ـ أي الضامن ـ بالبعض الذي أداه بين كون الزائد سقط عنه بإبراء المضمون له وغيره ، خلافا لبعض العامة حيث جوّز له الرجوع بالجميع لو أبرئ منه أو من بعضه ، لأنه هبة ومسامحة من رب الدين للضامن خاصة) انتهى.

(٤) لو أدى الضامن جميع ما عليه ثم وهبه المضمون له جميع ما قدمه أو بعضه جاز للضامن

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب الضمان حديث ٢ و ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من كتاب الضمان حديث ١.

١٤٥

أدى عرضا (١) رجع بأقل الأمرين من قيمته ومن الحق ، سواء رضي المضمون له به عن الحق من غير عقد ، أو بصلح.

(ويشترط فيه) أي في الضامن (الملاءة) (٢) بأن يكون مالكا لما يوفي به الحق المضمون ، فاضلا عن المستثنيات في وفاء الدين ، (أو علم المستحق بإعساره) حين الضمان ، فلو لم يعلم به حتى ضمن تخير المضمون له في الفسخ. وإنما تعتبر الملاءة في الابتداء ، لا الاستدامة ، فلو تجدد إعساره بعد الضمان لم يكن له

______________________________________________________

أن يرجع بجميع ما دفع لصدق الأداء ، والهبة فيما بعد لا مدخلية لها في صدق الأوامر وعدمه.

(١) لو أدى الضامن عرضا من متاع وغيره في مقام الأداء أيضا يرجع بأقل الأمرين من قيمة العرض ومن الدين ، بلا فرق بين أن يكون قد رضي المضمون له بالعرض عن دينه بغير عقد ، وبين أن يصالحه الضامن بالعرض عن دينه ، فلو كان الثوب يساوي مائة ، وقد صالحه به على الدين المساوي لمائتين لم يرجع إلا بقيمة الثوب.

(٢) يشترط في الضامن الملاءة وهو شرط في لزوم الضمان ، لأن الضمان عقد لازم بين المضمون له والضامن ، أما الضامن فلا يجوز له الفسخ لعموم الوفاء بالعقود ، ولأن فيه تضييع حق المضمون له ، لأنه إذا فسخ لا يمكن للمضمون له الرجوع عليه للفسخ ولا على المضمون عنه لانتقال الحق من ذمته بالضمان إلى ذمة الضامن.

وأما المضمون له فلا يجوز له الفسخ كذلك لعموم الوفاء بالعقود ، ولأن الحق قد انتقل من ذمة المضمون منه إلى ذمة الضامن فكيف يجوز للمضمون له الفسخ والرجوع على المضمون عنه وقد برئت ذمته من الحق.

إذا تقرر ذلك فإن كان الضامن مليّا وقت الضمان أو علم المضمون له بإعساره ورضي به لزم الضمان على المضمون له بلا خلاف فيه لما تقدم من الأدلة على اللزوم ، وأما لو كان الضامن معسرا وقت الضمان ولم يعلم بذلك المضمون له كان للمضمون له فسخ الضمان والعود على المضمون عنه لأن الضمان عقد مبني على تسهيل الأمر والقصد منه استيفاء الدين من الضامن ، وإنما يكون الاستيفاء إذا كان الضامن موسرا ، ولما كانت طبيعة الضمان ما ذكرناه وأقدم المضمون له على الرضا به بما له من المعنى المذكور فيكون إيسار الضامن شرطا ضمنيا في العقد ، وعليه فإذا تبين فيما بعد أن الشرط المذكور لم يكن متحققا ثبت له خيار الفسخ.

هذا واشتراط اليسار ابتدائي وليس استدامة ، لأن الشرط الضمني معتبر وقت الضمان فقط وقد تحقق بحسب الفرض.

١٤٦

الفسخ ، لتحقق الشرط حالته (١) ، وكما لا يقدح تجدد إعساره فكذا تعذر الاستيفاء منه بوجه آخر (٢).

(ويجوز الضمان (٣) حالا ، ومؤجلا ، عن حال ومؤجل) ، سواء تساوي المؤجلان في الأجل أم تفاوتا ، للأصل.

ثم إن كان الدين حالا (٤) رجع مع الأداء مطلقا (٥) ، وإن كان مؤجلا (٦) فلا

______________________________________________________

(١) أي حالة الضمان.

(٢) أي وكذلك لو تعذر الاستيفاء من الضامن لوجه غير وجه الإعسار ، وهو ما لو مات أو فرّ أو استعان بظالم ، فعقد الضمان لازم لتحقق شرطه وقت الضمان فلا يجوز للمضمون له الفسخ حينئذ.

(٣) الضامن تارة يضمن دينا مؤجلا وأخرى دينا حالا ، وعلى التقديرين إما أن يكون ضمانه حالا بأن يدفع الآن وإما أن يكون مؤجلا بأن يؤدي بعد مدة فالصور أربعة ، أن يكون الدين حالا والضمان حال ، وأن يكون الدين حالا والضمان مؤجل ، وأن يكون الدين مؤجلا والضمان حال ، وأن يكون الدين مؤجلا والضمان مؤجل.

والصورة الرابعة إما أن يكون الأجل في الضمان مساويا للأجل في الدين أو أزيد أو أنقص فالصور ستة ، وعلى التقادير الستة إما أن يكون الضمان تبرعا أو بسؤال المضمون عنه.

والصورة الرابعة بشقوقها الثلاثة جائزة بالاتفاق للعمومات السالمة عن المعارض ، والصور الثلاثة الأول أيضا جائزة لنفس هذه العمومات ، نعم نسب الخلاف إلى المقنعة والنهاية بأن الضمان يشترط بأجل وأوّلت عبارتهما بما لا يخالف ، ولذا قال في المسالك : (وكلها ـ أي الصور ـ جائزة على الأقوى إلا أن موضع الخلاف فيها غير محرّر) انتهى.

(٤) إن كان الدين حالا فالضامن لا يرجع على المضمون عنه إلا بعد الأداء سواء كان الأداء حالا لأن الضمان حال ، أو كان مؤجلا لأن الضمان مؤجل ، بلا خلاف فيه ولا إشكال ، لأن رجوع الضامن على المضمون عنه لا يكون إلا بعد اشتغال ذمة المضمون عنه للضامن بالمال ، ولا تشتغل إلا بأداء الضامن للدين.

(٥) سواء كان الضمان حالا أم مؤجلا.

(٦) أي وإن كان الدين مؤجلا فلا رجوع للضامن حينئذ إلا إذا حل الأجل وقد أدى الدين ، والوجه أنه إذا كان الدين مؤجلا وضمن مؤجلا فواضح ، فلا تشتغل ذمة المضمون عنه إلا بعد الأداء ، والأداء بحسب الفرض إنما يكون بعد أحل الضمان.

وإذا كان الدين مؤجلا والضمان حال فذمة المضمون عنه لا تشتغل بمجرد الأداء ، لأن

١٤٧

رجوع عليه (١) إلا بعد حلوله (٢) وأدائه مطلقا (٣) (والمال المضمون : ما جاز أخذ الرهن عليه (٤) وهو المال الثابت في الذمة وإن كان متزلزلا ، (ولو ضمن للمشتري عهدة الثمن (٥) أي دركه على تقدير الاحتياج إلى رده (٦) (لزمه) ضمانه

______________________________________________________

دينه مؤجل ، والحلول بالنسبة إلى الضامن إنما هو تبرع له من قبل المضمون له فلا يسري إلى المضمون عنه.

(١) أي فلا رجوع للضامن على المضمون عنه.

(٢) أي حلول الدين.

(٣) سواء كان الضمان حالا أم مؤجلا.

(٤) عرّف المال المضمون عند الفقهاء بأنه كل مال ثابت في الذمة ، وهذا التعريف متضمن للمالية وللثبوت في الذمة ، أما الأول فلا إشكال فيه ولا خلاف ، وأما الثاني فيشمل ما لو كان ثبوته في الذمة ثبوتا مستقرا أو غير مستقر كالثمن في مدة الخيار والمهر قبل الدخول ، وهما ثابتان في ذمة المشتري والزوج ثبوتا فتزلزلا ، وهذا الشرط الثاني في القدر المتيقن من أدلة الضمان ، ولأن انتقال الدين من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن بالضمان فرع ثبوته في ذمة المضمون عنه ، وإلا فلو لم يكن ثابتا فكيف ينتقل.

والشهيد هنا في اللمعة عرّفه بأنه ما جاز أخذ الرهن عليه ، ولا تنافي بين التعريفين لأن ما يجوز أخذ الرهن عليه هو المال الثابت في الذمة كما تقدم في كتاب الرهن وعلى كل فلو ضمن ما لم يجب في الذمة كأن يقول : مهما أعطيت فلانا فهو عليّ ، لم يصح لأنه ضمان لمال غير ثابت في الذمة.

(٥) وهو المعبّر عنه بضمان العهدة وضمان الدرك والدرك التبعة كما في الصحاح ، وقيل : سمي ضمان الدرك لالتزامه الغرامة عنه إدراك المستحق عين ماله ، وفي التذكرة : (سمي ضمان العهدة لالتزام الضامن ما في عهدة البائع رده) ، وذلك فيما لو وقع البيع على عين مخصوصة وقد دفع المشتري الثمن ، فلو تبين أن المبيع مستحق للغير ولم يجز المالك العقد الفضولي فيبطل البيع من رأس ويردّ المبيع إلى مالكه ، ويطالب المشتري البائع بالثمن المدفوع فيصح ضمان الثمن للمشتري من حين البيع حينئذ ، لأنه مال للمشتري ثبت له في ذمة البائع من حين العقد ، وكذا يجري الكلام فيما لو وقع البيع على الثمن المخصوص فيصح الضمان للبائع عن عهدة المثمن.

(٦) إلى رد الثمن إلى المشتري بعد قبض البائع له فيما لو كان البيع على عين شخصية وقد ظهرت مستحقة للغير ولم يجز المالك العقد الفضولي.

١٤٨

(في كل موضع يبطل فيه البيع من رأس كالاستحقاق) للمبيع المعين ولم يجز المالك البيع ، أو أجازه ولم يجز قبض البائع الثمن (١) ، ومثله تبيّن خلل في البيع (٢) اقتضى فساده من رأس ، كتخلف شرط ، أو اقتران شرط فاسد ، لا ما تجدد فيه البطلان كالفسخ بالتقايل والمجلس ، والحيوان ، والشرط وتلف المبيع قبل القبض ، لعدم اشتغال ذمة (٣) المضمون عنه حين الضمان على تقدير طروء الانفساخ بخلاف الباطل من أصله ولو في نفس الأمر (٤).

(ولو ضمن له) (٥) أي للمشتري ضامن عن البائع (درك ما يحدثه) المشتري

______________________________________________________

(١) بحيث أجاز المالك العقد الفضولي الواقع على ماله المعيّن ولم يجز ما وقع من قبض البائع للثمن بل يريد قبضه بيده فكذلك هو لم يجز البيع الواقع بل المعيّن لأن قبض البائع للثمن من مستلزمات البيع المذكور فلو لم يجز لازمه فهو عدم إجازة للبيع بجميع لوازمه ، فيبطل من رأس.

(٢) بحيث أوجب فسخ العقد من رأس ، كتخلف بعض شرائط العوضين كتخلف وصف المعلومية أو اقترن البيع بشرط فاسد ، والشرط الفاسد مفسد للبيع من أصله.

(٣) فلو كان الفسخ موجبا لفسخ العقد من حينه فلم يكن البيع حال الضمان فاسدا مع العلم أن الضمان قد وقع عند البيع ، ومع عدم فساده عند الضمان فضمانه ضمان لما لم يجب فلا يصح.

(٤) ولكن لم يكن معلوم البطلان.

(٥) لو اشتري المشتري أرضا وأراد أن يضع فيها غرسا أو يبني بناء فلو ظهرت الأرض مستحقة للغير فهل يجوز أن يضمن ضامن حال عقد البيع للمشتري على تقدير ظهور كونها مستحقة وأن المالك الأصلي أراد قلع ما غرسه المشتري أو بناه ، فليضمن له التفاوت الحاصل في البناء والغرس بين قيمته ثابتا وبين قيمته مقلوعا.

قيل : لا يصح الضمان كما عن جماعة منهم المحقق بل ظاهرهم أنه المشهور ، لأنه ضمان ما لم يجب ، لأن المشتري لم يجب له الأرش حال الضمان ضرورة عدم استحقاق المشتري ذلك على البائع قبل البناء والغرس ولا بعد البناء والغرس ، وإنما يستحقه على البائع بعد القلع ، فلو كان الضمان من حين البيع فهو ضمان ما لم يجب ، وذهب بعض العامة ـ كما في المسالك ـ والشهيد في اللمعة إلى أن الضمان يصح ، لأن سبب ضمان الأرش هو استحقاق الأرض لغير البائع وهو موجود حال البيع ، والضمان مصاحب له زمنا.

فالأقوى عدم الصحة كما عليه المشهور ، غايته أن غالبهم صرحوا بعدم الصحة سواء كان الضمان ـ من أجنبي أم من نفس البائع لوجود العلة من أنه ضمان ما لم يجب ، وخالفهم

١٤٩

في الأرض (من بناء ، أو غرس) على تقدير ظهورها (١) مستحقة لغير البائع ، وقلعه (٢) لها (٣) ، أو أخذه أجرة الأرض (فالأقوى جوازه) لوجود سبب الضمان حالة العقد ، وهو كون الأرض مستحقة للغير.

وقيل : لا يصح الضمان هنا ، لأنه ضمان ما لم يجب ، لعدم استحقاق المشتري الأرش على البائع حينئذ (٤) ، وإنما استحقه بعد القلع.

وقيل : إنما يصح هذا الضمان من البائع ، لأنه ثابت عليه بنفس العقد (٥) وإن لم يضمن ، فيكون ضمانه تأكيدا.

وهو ضعيف (٦) ، لأنه (٧) لا يلزم من ضمانه (٨) لكونه بائعا مسلّطا على الانتفاع مجانا ، ضمانه (٩) بعقده (١٠) مع عدم اجتماع شرائطه التي من جملتها كونه ثابتا حال الضمان.

______________________________________________________

المحقق في أن عدم صحة الضمان فيما لو كان من أجنبي ، وأما لو كان من نفس البائع فيصح الضمان ، لأن الأرش الذي يستحقه المشتري على البائع إنما يستحقه بنفس عقد البيع فالضمان منه يكون تأكيدا لما هو ثابت عليه.

(١) ظهور الأرض.

(٢) أي وقلع غير البائع الذي هو المالك الأصلي.

(٣) للمذكورات مما يحدثه المشتري.

(٤) أي حين البيع قبل البناء والغرس.

(٥) أي عقد البيع.

(٦) وحاصله أن البائع ضامن للأرش بعقد البيع لأنه قد سلّطه على المبيع للانتفاع به مجانا بعد دفع الثمن ، فلو كان الانتفاع في المبيع موجبا لنقصان ماله أو بذل أجرة فيضمن البائع.

ولكن ضمانه بسبب البيع لا يستلزم ضمانه بعقد الضمان مع عدم اجتماع شرائط عقد الضمان ، لأن من جملتها كونه ثابتا حال الضمان والمفروض أن الأرش غير ثابت للمشتري على البائع من حين البيع وإنما يثبت بعد القلع فالأقوى عدم صحة الضمان.

(٧) أي البائع.

(٨) أي ضمان الأرش.

(٩) ضمان الأرش.

(١٠) بعقد الضمان.

١٥٠

وتظهر الفائدة (١) فيما لو أسقط المشتري عنه حق الرجوع بسبب البيع ، فيبقى له الرجوع بسبب الضمان لو قلنا بصحته ، كما لو كان له خياران فأسقط أحدهما ، ونظير ضمان غير البائع درك الغرس ضمانه (٢) عهدة المبيع لو ظهر معيبا فيطالب المشتري بالأرش ، لأنه جزء من الثمن ثابت وقت الضمان ، ووجه العدم هنا أن الاستحقاق له (٣) إنما حصل بعد العلم بالعيب ، واختيار أخذ الأرش. والموجود من العيب حالة العقد ما كان يلزمه (٤) تعين الأرش (٥) ، بل التخيير بينه وبين الرد فلم يتعين الأرش إلا بعد الضمان.

والحق أنه (٦) أحد الفردين الثابتين تخييرا حالة البيع ، فيوصف بالثبوت قبل اختياره كأفراد الواجب المخير.

(ولو أنكر المستحق القبض) من الضامن (٧) (فشهد عليه الغريم) وهو

______________________________________________________

(١) أي الفائدة بين الضمانين ، وهي ما لو أسقط المشتري عن البائع الأرش الناشئ بسبب البيع فيبقى له الرجوع بالأرش بسبب الضمان لو قلنا بصحته.

(٢) أي ضمان غير البائع ، فكما وقع الخلاف في الضمان للمشتري لدرك الغرس كذلك وقع الخلاف في ضمان عهدة المبيع ، وذلك لو اشترى إنسان عينا ثم ظهر أنها معيوبة بعيب فيثبت للمشتري خيار العيب فلو لم يفسخ فله حق أرش العيب فهل يجوز ضمانه للمشتري أو لا ، فعن العلامة في القواعد أنه يصح الضمان ، لأن الأرش جزء من الثمن وهو ثابت من حين عقد البيع فيكون ضمانه ضمانا لما ثبت ، وعنه في التحرير وعن جماعة العدم ، لأن استحقاقه للأرش إنما حصل بعد العلم بالعيب ، والعلم بالعيب قد حصل بعد عقد البيع ، ولأن الأرش لم يكن ثابتا حال العقد لأن الثابت حالته هو العيب ، والعيب يوجب التخيير بين الأرش والرد ، فلا يتعين الأرش إلا بالاختيار ، وهو لا يكون إلا بعد العقد فضمانه حال البيع ضمان لما لم يجب.

(٣) للأرش.

(٤) أي لم يكن يلزمه.

(٥) لأن الثابت هو العيب ، وهو موجب للتخيير بين الأرش والرد.

(٦) أي إلى الأرش.

(٧) لو أنكر المضمون له القبض وقد ادعاه الضامن ، فالقول قول المضمون له مع يمينه ، لأنه

١٥١

المضمون عنه (قبل) ، لأنه إن كان آمرا بالضمان ، فشهادته عليه شهادة على نفسه باستحقاق الرجوع عليه ، وشهادة لغيره فتسمع ، وإن كان الضامن متبرعا عنه فهو أجنبي فلا مانع من قبولها لبراءته من الدين أدّى أم لم يؤد.

لكن إنما تقبل (مع عدم التهمة) (١) بأن تفيده (٢) الشهادة فائدة زائدة على ما يغرمه (٣) لو لم يثبت الأداء فتردّ.

______________________________________________________

منكر لموافقة قوله لأصالة عدم القبض ، هذا إذا لم يأت الضامن المدعي للقبض بالبينة.

ولو أتى بالبينة وكان أحد الشاهدين نفس المضمون عنه تقبل ، سواء كان الضمان بإذن المضمون عنه أم عدمه ، أما مع عدم إذنه بالضمان فواضح ، لأن المضمون عنه قد برئت ذمته من الدين وشهادته للضامن بالدفع ليس فيها نفع له ، لأن الضامن سواء كان دافعا أم سيدفع فيما بعد لا يرجع على المضمون عنه لعدم الاذن بالضمان ، وأما مع إذنه بالضمان فشهادته على أن الضامن قد وقع هي شهادة على نفسه باستحقاق الضامن للرجوع عليه ، وهي شهادة على غيره بأنه قد أوصل الحق إلى المضمون له ، وهي في كلا شقيها لا نفع له فيها فتقبل.

(١) عدم التهمة شرط في كل شهادة حتى تقبل ، ولكن الكلام في المواطن التي يتهم فيها المضمون عنه لو شهد ، وقد فرضوا التهمة في صور.

منها : أن يكون الضامن قد صالح على أقل من الحق فيكون رجوع الضامن بما صالح وهو أقل من الحق ، وعليه الشهادة المضمون عنه للضامن حينئذ تجر نفعا لنفسه ، لأن الصلح لو لم يثبت لبقي مجموع الدين في ذمة الضامن ، وفيه : إنه يكفي في سقوط الزائد عن المضمون عنه اعتراف الضامن بذلك ، ولا حاجة إلى الثبوت بالبينة ، والحاصل إن اعتراف الضامن بأنه أدى أقل من الحق إقرار منه على نفسه فلا يرجع على المضمون عنه إلا بما اعترف به حينئذ ، ويسقط الزائد عن المضمون عنه من دون حاجة إلى البينة فتندفع التهمة ولا بدّ من قبول الشهادة حينئذ.

ومنها : أن يكون الضامن معسرا ولم يعلم المضمون له بإعساره ، فإن له الفسخ حيث لا يثبت الأداء ويرجع على المضمون عنه ، فيدفع المضمون عنه بشهادته عود الحق إلى ذمته.

ومنها : أن يكون الضامن قد تجدد عليه الحجر للفلس ، وللمضمون عنه عليه دين ، فإنه يوفّر بشهادته مال الضامن فيزداد ما يضرب به.

(٢) بيان للشهادة التي فيها التهمة ، والضمير في (تفيده) راجع إلى المضمون عنه.

(٣) أي ما يغرمه الضامن لو لم يثبت الأداء.

١٥٢

وللتهمة صور : منها أن يكون الضامن معسرا ولم يعلم المضمون له بإعساره ، فإنّ له الفسخ حيث لا يثبت الأداء ، ويرجع على المضمون عنه فيدفع بشهادته عود الحق إلى ذمته.

ومنها أن يكون الضامن قد تجدد عليه الحجر للفلس ، وللمضمون عنه عليه دين فإنه يوفّر بشهادته مال المفلس فيزداد ما يضرب به.

ولا فرق في هاتين (١) بين كون الضامن متبرعا ، وبسؤال ، لأن فسخ الضمان (٢) يوجب العود على المديون على التقديرين (٣) ، ومع الإفلاس (٤) ظاهر (٥)

وجعل بعضهم من صور التهمة : أن يكون الضامن قد صالح على أقل من الحق فيكون رجوعه (٦) على تقدير كونه بسؤال إنما هو بالمدفوع (٧) ، فتجر شهادة المضمون عنه تهمة بتخفيف الدين عنه (٨).

وفيه نظر ، لأنه يكفي في سقوط الزائد عن المضمون عنه اعتراف الضامن بذلك (٩) ، فلا يرجع به (١٠) وإن لم يثبته (١١) فتندفع التهمة وتقبل الشهادة كما نبه

______________________________________________________

(١) أي هاتين الصورتين.

(٢) في الصورة الأولى ، ويجوز له الفسخ لعدم العلم بإعساره.

(٣) وهما الضمان بسؤال أو بتبرع ، ومع العود على التقديرين تكون شهادة المضمون عنه للضامن بالأداء دفع لعود الدين عليه فتثبت التهمة.

(٤) في الصورة الثانية.

(٥) لأن المضمون له سيضرب مع الغرماء على تقدير عدم الأداء ، وبشهادة المضمون عنه للضامن بالأداء فلا يجوز للمضمون له أن يضرب مع الغرماء ويزداد ما يضرب به المضمون عنه لأنه دائن بحسب الفرض فتثبت التهمة.

(٦) أي رجوع الضامن.

(٧) وهو مقدار ما صالح عليه.

(٨) لسقوط الزائد عنه حينئذ.

(٩) بالصلح على أقل من قدر الحق.

(١٠) أي فلا يرجع الضامن بالزائد.

(١١) أي وإن لم يثبت المضمون عنه أن الضامن قد دفع ما صولح عليه.

١٥٣

عليه المصنف بقوله : (ومع عدم قبول قوله (١) للتهمة ، أو لعدم العدالة (لو غرم الضامن رجع) على المضمون عنه (في موضع الرجوع) وهو (٢) ما لو كان ضامنا بإذنه (بما أداه (٣) أولا (٤) لتصادقهما (٥) على كونه (٦) هو المستحق في ذمة المضمون عنه ، واعترافه (٧) بأن المضمون له ظالم بالأخذ ثانيا ، هذا (٨) مع مساواة الأول (٩) للحق ، أو قصوره ، وإلا (١٠) رجع عليه بأقل الأمرين منه (١١) ومن الحق (١٢) ، لأنه لا يستحق الرجوع بالزائد عليه (١٣)

______________________________________________________

(١) قول المضمون عنه.

(٢) أي موضع الرجوع.

(٣) أي بما دفعه الضامن من قدر الصلح.

(٤) توصيفه بالأول ، لأنه لو لم يستطع الضامن إثبات دعواه بالدفع وإن كان الدفع واقعا فسيدفع ثانيا لو حلف المضمون له على نفي مدعاه.

والحكم للمضمون له بناء على رد الشهادة إما للتهمة في المضمون عنه وإما لعدم العدالة ، ومع الحكم للمضمون له فعلى الضامن أن يدفع ثانية ، والأولى قد دفعها بحسب دعواه ، وحينئذ فلو أراد أن يرجع على المضمون عنه حيث يجوز له الرجوع فيرجع بما دفعه أولا ، لا بما دفعه ثانيا ، لأن ما دفعه ثانيا ـ باعتراف الضامن والمضمون عنه ـ ظلم.

(٥) أي تصادق الضامن والمضمون عنه على كون ما أداه أولا هو أداء الدين ، فهو الثابت في الذمة.

(٦) أي كون ما دفعه أولا.

(٧) أي اعتراف الضامن بأن ما أخذه المضمون له ثانيا ظلم فكيف يرجع به على المضمون عنه.

(٨) أي بالرجوع بما أداه.

(٩) أي ما أداه أولا ، فمع المساواة فيرجع بما أدى ، وأما مع القصور فيكون قد دفع أقل من الحق فلا يرجع إلا بالأقل كما تقدم بيانه سابقا.

(١٠) أي وإن لم يكن مساويا أو أقل ، بل كان ما أداه أولا أكثر من الحق فلا يرجع إلا بالحق لأن الزائد متبرع بدفعه فلا يرجع به كما تقدم أيضا.

(١١) مما أداه أولا.

(١٢) فيكون الرجوع بالحق حينئذ ، ولو قال الشارح (وإلا رجع عليه بالحق) لكان أولى وأخصر.

(١٣) أي بالزائد على الحق.

١٥٤

ومثله ما لو صدّقه (١) على الدفع وإن لم يشهد ، ويمكن دخوله (٢) في عدم قبول قوله (٣).

(ولو لم يصدقه (٤) على الدفع) الذي ادعاه (رجع) عليه (بالأقل) مما ادعى أداءه أولا واداءه أخيرا ، لأن الأقل إن كان هو الأول فهو يعترف بأنه لا يستحق سواه ، وأن المضمون له ظلمه في الثاني وإن كان الثاني فلم يثبت ظاهرا سواه.

وعلى ما بيناه (٥) يرجع بالأقل منهما (٦) ، ومن الحق.

______________________________________________________

(١) أي الأحكام السابقة المقررة في شهادة المضمون عنه هي عينها في ما لو صدّق المضمون عنه الضامن بالدفع وإن لم يشهد.

(٢) أي دخول التصديق.

(٣) لأن عدم قبول قوله سالبة ، والسالبة صادقة حتى مع انتفاء موضوعها ، لأنه لو لم يشهد يصدق أنه لم يقبل قوله.

(٤) أي لو لم يصدق المضمون عنه الضامن على الدفع الذي ادعاه الضامن ، فعن المحقق أن الضامن يرجع بما أداه أخيرا لكونه لم يثبت سواه بظاهر الشرع ، وعن غيره أن الضامن يرجع بأقل الأمرين مما أداه أولا ومما أداه ثانيا كما علّله الشارح هنا.

(٥) أي على ما بينه سابقا من أنه يرجع بأقل الأمرين من المدفوع ومن الحق.

(٦) مما دفعه أولا ومما دفعه ثانيا.

١٥٥
١٥٦

كتاب الحوالة

١٥٧
١٥٨

(كتاب الحوالة (١)

(الحوالة وهي التعهد بالمال من المشغول بمثله (٢) للمحيل (٣). هذا هو القدر

______________________________________________________

(١) قال في المصباح (وحوّلت الرداء نقلت كل طرف إلى موضع الآخر ، والحوالة بالفتح مأخوذة من هذا ، فأحلته بدينه نقلته إلى ذمة غير ذمتك) ، والنصوص الآتية الدالة على أحكامها تدل على مشروعيتها بالالتزام.

(٢) عرّفت كما في الشرائع بأنها (عقد شرّع لتحويل المال من ذمة إلى ذمة مشغولة بمثله) وتحويل المال يفيد أنها ناقلة للمال من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه ، ومنه سميت حوالة ، وقيد (مشغولة بمثله) صفة للذمة المتحول إليها المال ، وهي ذمة المحال عليه ، وعليه فيشترط في الحوالة أن يكون المحال عليه مديونا للمحيل بمثل ما أحال ، وعليه فتخرج الحوالة على البري‌ء. هذا مع أن الحوالة على البري‌ء عند البعض حوالة بل هو المشهور كما ستسمع ومع ذلك عرّفها بما سمعت فحاول دفع الإشكال بأحد طريقين:

الأول بأننا نعرّف الحوالة المتفق عليها لا المختلف فيها ، الثاني أن الحوالة على البري‌ء أشبه بالضمان ، فهذا المصداق كأنه من غير مصاديق الحوالة ، فلا يأتي الإشكال بأن التعريف غير جامع ، وردّه في المسالك : (ولا ينفعه حكمه بكونها بالضمان أشبه ، فإن رجحان الشبه لا يخرجها عن كونها حوالة في الجملة).

هذا والماتن هنا عرّفها بما سمعت والمعنى أنها تعهد بمال من المحال عليه الذي ذمته مشغولة بمثل ما تعهد ، وذمته مشغولة للمحيل ، وتخرج الحوالة على البري‌ء أيضا من هذا التعريف ، ويأتي أحد الطريقين لإدخالها.

(٣) أي المديون الذي له في ذمة المحال عليه دين.

١٥٩

المتفق عليه من الحوالة (١) ، وإلا فالأقوى جوازها على البري‌ء (٢) ، للأصل ، لكنه (٣) يكون أشبه بالضمان ، لاقتضائه (٤) نقل المال من ذمة مشغولة إلى ذمة بريئة ، فكأن المحال عليه بقبوله لها (٥) ضامن لدين المحتال (٦) على المحيل (٧) ، ولكنها (٨) لا تخرج بهذا الشبه عن أصل الحوالة (٩) فتلحقها أحكامها.

(ويشترط فيها رضى الثلاثة (١٠)

______________________________________________________

(١) هذا الطريق الأول لحل إشكال خروج الحوالة على البري‌ء من التعريف.

(٢) على المشهور ، لعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١) ، ولأصالة عدم اشتراط كونه مديونا للمحيل ، وللشيخ قول بالبطلان وتبعه القاضي وابن حمزة لأصالة عدم ترتب الأثر على الحوالة على البري‌ء ، وعن جامع المقاصد والشهيدين أن الخلاف هنا مبني على الخلاف في أن الحوالة هل هي استيفاء أو استيعاض ، فعلى الأول تجوز ، كما جاز الضمان من البري‌ء لأنه وفاء دين ، وعلى الثاني لا تجوز ، لأن العوض متوقف على كون المحال عليه مشغول الذمة للمحيل حتى يجوز للمحال الذي هو الدائن أن يأخذ عوض دينه من المحال عليه.

وعن الفاضل الجواد في مفتاح الكرامة أن هذا من تخريجات الشافعية ، وإنما هي أصل برأسه وعقد منفرد كما صرح بذلك جماعة.

(٣) أي المذكور من الحوالة على البري‌ء ، وهذا هو الطريق الثاني لحل الإشكال السابق.

(٤) أي الضمان.

(٥) للحوالة.

(٦) أي المحال الذي هو الدائن.

(٧) متعلق بالدين.

(٨) أي الحوالة على البري‌ء.

(٩) رد للطريق الثاني.

(١٠) وهم المحيل وهو المديون ، والمحال وهو الدائن ، والمحال عليه وهو الذي اشتغلت ذمته للمديون بمثل ما أحال عليه.

واعتبار رضا المحيل والمحال موضع وفاق ، لأن المحيل قبل الإحالة مديون وهو مخيّر في جهات القضاء فلا يتعين عليه بعض الجهات قهرا فيتعين رضاه ، ولأن المحال قبل الإحالة دائن ، وحقه ثابت في ذمة المحيل فلا يلزم بالنقل إلى ذمة أخرى إلا برضاه.

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية : ١.

١٦٠