الزبدة الفقهيّة - ج ٥

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٥
ISBN: 964-8220-36-0
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٦٠٠

(ولا يصح اقرار السفيه بمال (١) ويصح بغيره (٢) كالنسب (٣) وإن أوجب النفقة ، وفي الانفاق عليه من ماله أو بيت المال قولان ، أجودهما الثاني ، وكالإقرار بالجناية الموجبة للقصاص وإن كان نفسا (٤) ، (ولا تصرّفه في المال (٥) وإن ناسب

______________________________________________________

(١) شروع في حجر السفيه بعد الانتهاء من حجر الصغير ، والسفيه مقابل الرشيد ، ولم يتعرض لمعنى السفيه لما تقدم من بيان معنى الرشيد الذي هو مقابله ، والحجر ثابت على السفيه لقوله تعالى : (وَلٰا تُؤْتُوا السُّفَهٰاءَ أَمْوٰالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّٰهُ لَكُمْ قِيٰاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهٰا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) (١).

والحجر عليه هو المنع من التصرفات المالية فقط لا في مطلق التصرفات لظاهر الآية حيث اقتصرت على المنع من التصرف المالي ، وإذا منع من التصرف المالي فلا يصح إقراره لأن الإقرار منه تصرف في ماله لحق الغير.

(٢) أي بالنسب.

(٣) الإقرار بالنسب إن لم يوجب النفقة فقبوله واضح بلا إشكال ، لأنه ليس تصرفا ماليا ولا يستلزم التصرف المذكور.

وإن أوجبها فقبوله مشكل لأنه مستلزم للتصرف المالي ، وفصّل الشارح في المسالك وجماعة بين قبول الإقرار بالنسب وهو ليس بمال وبين الإنفاق عليه فلا يثبت لأنه تصرف مالي وينفق على من استلحقه من بيت مال المسلمين لأنه معدّ لمصالح المسلمين.

وللشهيد قول بأنه كما يمنع من الإضرار بماله يمنع من الإضرار من بيت مال المسلمين ، بل ينفق عليه من ماله لأن المال من توابع النسب.

وفيه : إن بيت المال معدّ لمصالح المسلمين ، ونفقة من استلحق من المصالح فكيف يقال إن ذلك يضرّ بهم.

(٤) الإقرار بما يوجب القصاص مقبول إذا لم يستلزم القصاص فوات النفس ، لأنه ليس تصرفا ماليا ، وكذا إذا استلزم نفسا وقد طلب المقرّ له القصاص ، وأما لو طلب المال ففي إجابته نظر من وجوب حفظ النفس التي هي أولى من حفظ المال ، ومن أنه مفوت للغرض من الحجر لإمكان أن يتواطأ مع المقر له على ذلك ليفوّت المال ، وعلى كل فإقراره مقبول على كل حال وإن لم نوجب إجابة الطلب المالي للمقرّ له.

(٥) لما تقدم من أن السفيه محجور عليه في كل التصرفات المالية ، وإن كان في بعضها قد ناسب أفعال العقلاء.

__________________

(١) سورة النساء ، الآية : ٥.

١٢١

أفعال العقلاء ، ويصح تصرفه فيما لا يتضمن إخراج المال كالطلاق (١) ، والظهار ، والخلع (٢).

(ولا يسلّم عوض الخلع إليه) لأنه تصرف مالي ممنوع منه.

(ويجوز أن يتوكل لغيره في سائر العقود) أي في جميعها (٣). وإن كان قد ضعّف إطلاقه عليه (٤) بعض أهل العربية ، حتى عده في «درة الغواص» من أوهام الخواص ، وجعله مختصا بالباقي أخذا له من السؤر وهو البقية ، وعليه جاء قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لابن غيلان لما أسلم على عشر نسوة : أمسك عليك أربعا ، وفارق سائرهن (٥) ، لكن قد أجازه بعضهم. وإنما جاز توكيل غيره له ، لأن عبارته ليست مسلوبة مطلقا (٦) ، بل مما يقتضي التصرف في ماله (٧) (ويمتد حجر المجنون) (٨) في التصرفات المالية وغيرها (حتى يفيق) ويكمل عقله (والولاية في

______________________________________________________

(١) لأن العادة في العصور المتقدمة على كون المهر بتمامه معجلا عند إجراء عقد النكاح ، ولذا قال الشارح في المسالك عن الطلاق والظهار : (إذ ليس فيهما إلا فوات الاستمتاع) وهو ليس تصرفا ماليا.

(٢) ففيه كسب للمال فهو أولى بعدم المنع.

(٣) فسّر الشارح السائر بالجميع تبعا لبعض أهل اللغة ، مع أن السائر هو البقية كما في مصباح المنير بل هو المشهور بينهم ، قال في المصباح : (وسئر الشي‌ء سؤرا بالهمزة من باب شرب ، بقي فهو سائر قاله الأزهري ، واتفق أهل اللغة أن سائر الشي‌ء باقيه قليلا كان أو كثيرا ، قال الصنعاني : سائر الناس باقيهم ، وليس معناه جميعهم كما زعم من قصر في اللغة باعه ، وجعله بمعنى الجميع من لحن العوام) انتهى.

هذا ولو وكل الأجنبي السفيه في بيع أو هبة مثلا جاز ، لأن السفه لم يسلبه حكم عبارته ولا أهلية مطلق التصرف ، بل في ماله خاصة ، فيبقى غيره مندرجا فيما دل على الصحة كما هو واضح خلافا لبعض العامة كما في الجواهر.

(٤) أي إطلاق السائر على الجميع.

(٥) المغني لابن قدامة ج ٧ ص ٥.

(٦) في ماله أو مال غيره.

(٧) أما كسب المال لنفسه فلا حجر عليه.

(٨) شروع في السبب الثالث للحجر وهو الجنون ، وهو سبب في الحجر للأخبار.

منها : خبر منصور بن هشام عن أبي عبد الله عليه‌السلام (انقطاع يتم اليتيم بالاحتلام وهو

١٢٢

مالهما) أي الصغير والمجنون (للأب والجد (١) له وإن علا (فيشتركان في الولاية (٢) لو اجتمعا ، فإن اتفقا (٣) على أمر نفذ ، وإن تعارضا قدم عقد السابق فإن اتفقا ففي بطلانه ، أو ترجيح الأب ، أو الجد أوجه ، (ثم الوصي) (٤) لأحدهما

______________________________________________________

أشده ، وإن احتلم ولم يؤنس منه رشده ، وكان سفيها أو ضعيفا فليمسك عنه وليّه ماله) (١) والمراد بالضعيف هو الضعيف في عقله ، والجنون فنون ولا حصر لمظاهره ، وخبر الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سألته عن المرأة المعتوهة الذاهبة العقل ، أيجوز بيعها وصدقتها؟ قال عليه‌السلام : لا) (٢) ، فضلا عن حديث القلم (أما علمت أن القلم يرفع عن ثلاثة : عن الصبي حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يفيق ، وعن النائم حتى يستيقظ) (٣).

(١) لا خلاف في كون الولاية عليهما للأب والجد له وإن علا للأخبار الواردة في النكاح (٤) وسيمر عليك بعضها في بابه.

وإنما الكلام فيمن تجدد جنونه بعد بلوغه ورشده وهو مندرج تحت ولاية الحاكم الذي هو نائب المعصوم عليه‌السلام ، وقال في المسالك لأنه لا خلاف فيه) ، وعلّل بانقطاع ولاية الأب والجد عنه بالبلوغ والرشد.

(٢) بمعنى ثبوت ولاية الجد حين ثبوت ولاية الأب ، وينفذ تصرف السابق على كل حال لأنه مقتضى ثبوت الولاية لكل منهما ، وكذا لو اتفقا على أمر نفذ لثبوت ولايتهما عليه ولم يختلفا في التصرف بلا خلاف في ذلك كله.

(٣) بحيث تصرف كل واحد منهما تصرفا مغايرا للآخر ومعارضا له وكان تصرفهما في زمن واحد ، فقيل : بترجيح الجد لثبوت ولايته على الأب في بعض الأحوال فيثبت ، في المقام بالأولوية.

وقيل : بتقديم ولاية الأب لشدة اتصاله ، وقيل : إن هذه استحسانات لا تصلح لإثبات الحكم الشرعي فالمقتضى التوقف وبطلان التصرف.

(٤) بحيث لو لم يوجد الأب ولا الجد فالوصي ، لما سيأتي في باب الوصية من أن الوصي ولي عنهما بالوصاية ، وإن عدم فالحاكم بلا خلاف ولا إشكال ، وقال الشارح في المسالك : (والمراد بالحاكم حيث يطلق في أبواب الفقه الفقيه الجامع لشرائط الفتوى إجماعا) انتهى.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب الحجر حديث ١ و ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب مقدمة العبادات حديث ١١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب أولياء العقد.

١٢٣

مع فقدهما ، (ثم الحاكم) مع فقد الوصي.

(والولاية في مال السفيه (١) الذي لم يسبق رشده كذلك) للأب والجد إلى آخر ما ذكر عملا بالاستصحاب (فإن سبق) رشده وارتفع الحجر عنه بالبلوغ معه ثم لحقه السفه (فللحاكم) الولاية دونهم لارتفاع الولاية عنه بالرشد فلا تعود إليهم إلا بدليل ، وهو منتف ، والحاكم ولي عام لا يحتاج إلى دليل وإن تخلف في بعض الموارد. وقيل : الولاية في ماله للحاكم مطلقا (٢) ، لظهور توقف الحجر عليه (٣) ، ورفعه (٤) على حكمه (٥) في كون النظر إليه ، (والعبد ممنوع) من التصرف (٦) (مطلقا)

______________________________________________________

(١) تارة يتجدد سفهه بعد البلوغ ، وأخرى يتصل السفه بالبلوغ بحيث يبلغ سفيها.

وفي الأول ولايته للحاكم بلا خلاف لانقطاع ولاية الأب والجد بالبلوغ والرشد السابقين ، وعند تجدد السفه يشك بعود ولايتهما فيستصحب العدم ، وتثبت ولاية الحاكم لأنه ولي من لا ولي له.

وفي الثاني فعن جماعة منهم المحقق أن الولاية للحاكم أيضا ، بل قيل : هو أشهر القولين ، لأن ولاية الحاكم عامة ليست بحاجة إلى دليل ، لأنه ولي من لا ولي له ، ولأن ثبوت الحجر ورفعه بيد الحاكم في السفيه فيكون الأمر إليه في التصرف في مال السفيه ، وقيل : إن بلغ سفيها فالولاية للأب أو الجد ثم الوصي ثم الحاكم كالصبي استصحابا لحكم ولايتهما الثابتة حال الصغر ، وعليه خبر منصور بن هشام عن أبي عبد الله عليه‌السلام (وإن احتلم ولم يؤنس منه رشده وكان سفيها أو ضعيفا فليمسك عنه وليّه ماله) (١) ، ولا ريب في ظهور كون الولي هو الولي قبل البلوغ.

(٢) وإن لم يسبق رشده.

(٣) على السفيه.

(٤) رفع الحجر.

(٥) أي حكم الحاكم.

(٦) ومنعه من التصرف لكونه محجورا عليه بلا خلاف فيه ، لقوله تعالى : (ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ‌ءٍ) (٢) ، وظاهره سلب أهليته في التصرف مطلقا في المال وغيره ، وللأخبار ، وسيأتي التعرض لبعضها في كتاب العتق.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب كتاب الحجر حديث ١.

(٢) سورة النحل الآية : ٧٥.

١٢٤

في المال وغيره ، سواء أحلنا ملكه أم قلنا به ، عدا الطلاق (١) فإن له إيقاعه وإن كره المولى، (والمريض ممنوع مما زاد عن الثلث (٢) إذا تبرع به ، أما لو عاوض عليه

______________________________________________________

(١) على الأشهر للأخبار.

منها : خبر محمد بن الفضيل عن الإمام الكاظم عليه‌السلام (طلاق العبد إذا تزوج امرأة حرة أو تزوج وليدة قوم آخرين إلى العبد ، وإن تزوج وليدة مولاه كان هو ـ أي المولى ـ الذي يفرق بينهما إن شاء ، وإن شاء نزعها منه بغير طلاق) (١) ، ولعموم النبوي (الطلاق بيد من أخذ بالساق) (٢) ، وعن جماعة منهم ابن الجنيد وابن أبي عقيل عدم ملكية العبد الطلاق للأخبار أيضا.

منها : صحيح يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سئل وأنا عنده اسمع عن طلاق العبد قال عليه‌السلام : ليس له طلاق ولا نكاح وقرأ الآية : (ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ‌ءٍ) ، ثم قال : لا يقدر على طلاق ولا نكاح إلا بإذن مواه) (٣) وللبحث تتمة في كتاب الطلاق.

(٢) أما بالنسبة للوصية فممنوع منها بما زاد عن الثلث ، بمعنى أنها لا تقع على وجه النفوذ بدون إجازة الورثة ، لا أنها تقع باطلة في نفسها ، والحاصل أن الوصية بما زاد على الثلث موقوفة على إجازة الوارث ، للأخبار :

منها : صحيح يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن الرجل يموت ما له من ماله ، فقال : ثلث ماله) (٤) ، وصحيح علي بن يقطين (سألت أبا الحسن عليه‌السلام : ما للرجل من مال عند موته ، قال : الثلث والثلث كثير) (٥) ، وصحيح أحمد بن محمد (كتب أحمد بن إسحاق إلى أبي الحسن عليه‌السلام : إن درة بنت مقاتل توفيت وتركت ضيعة أشقاصا في مواضع ، وأوصت لسيدنا في أشقاصها بما يبلغ أكثر من الثلث ، ونحن أوصياؤها وأجبنا إنهاء ذلك إلى سيدنا ، فإن أمرنا بإمضاء الوصية على وجهها أمضيناها ، وإن أمرنا بغير ذلك انتهينا إلى أمره في جميع ما يأمر به إن شاء الله.

فكتب عليه‌السلام بخطه : ليس يجب لها في تركتها إلا الثلث ، وإن تفضلتم وكنتم الورثة كان جائزا لكم إن شاء الله) (٦).

__________________

(١)

(٢)

(٣)

(٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب كتاب الوصايا حديث ٨ و ٣.

(٦) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب كتاب الوصايا حديث ١.

١٢٥

بثمن مثله نفذ ، (وإن نجز) ما تبرع به في مرضه بأن وهبه ، أو وقفه ، أو تصدق به ، أو حابى به في بيع ، أو إجارة (على الأقوى) للأخبار الكثيرة الدالة عليه منطوقا ومفهوما ، وقيل : يمضي من الأصل للأصل ، وعليه شواهد من الأخبار (ويثبت الحجر على السفيه بظهور سفهه ، وإن لم يحكم الحاكم به (١) لأن المقتضي

______________________________________________________

وعن الصدوق إجازة الوصية بجميع ماله استنادا إلى خبر عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (الرجل أحق بماله ما دام فيه الروح ، وإن أوصى به كله فهو جائز) (١) ، وهو ضعيف السند فلا يصلح لمعارضة ما تقدم.

وأما في غير الوصية فما يصدر منه حال المرض المتصل بالموت لا يخلو إما معاوضات كالبيع وإما تبرعات ، فالمعاوضات صحيحة إذا وقعت بثمن المثل وليس فيها تبرع ، ولو اشتملت على محاباة فهي من جملة التبرعات كالهبة والعتق وتزويج المرأة نفسها دون مهر المثل والإبراء ، وهذه التبرعات هل تخرج من أصل المال بحيث لا يكون المريض ممنوعا من التصرف فيها ، أو تخرج من الثلث بحيث لو زادت على الثلث لتوقفت على إجازة ، ذهب الأكثر إلى الثاني للأخبار :

منها : خبر علي بن عقبة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في رجل حضره الموت فأعتق مملوكا ليس له غيره فأبى الورثة أن يجيزوا ذلك ، كيف القضاء فيه ، قال عليه‌السلام : ما يعتق منه إلا ثلثه ، وساير ذلك الورثة أحق بذلك ولهم ما بقي) (٢) ، وخبر أبي ولّاد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن الرجل يكون لامرأته عليه دين فتبرأه منه في مرضها ، قال عليه‌السلام : بل تهبه له فتجوز هبتها له ويحسب ذلك من ثلثها إن كانت تركت شيئا) (٣).

وعن المفيد والشيخ في النهاية وابن إدريس وابن البراج أنها من الأصل فلا يمنع بما زاد عن الثلث ولا يتوقف على إجازة الوارث ، للأخبار :

منها : خبر عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (الإنسان أحق بماله ما دامت الروح في بدنه ، فإذا قال بعدي فليس له إلا الثلث) (٤) ، وهي لا تصلح لمعارضة ما تقدم.

(١) بالحجر ، ثم هل يتوقف الحجر على السفيه على حكم الحاكم أو يكتفي بظهور سفهه قولان ، وكذا اختلف في ارتفاع الحجر بزوال السفه أو توقفه على حكم الحاكم.

وجه توقف الحجر على حكم الحاكم أن الحجر حكم شرعي لا يثبت إلا بدليل شرعي

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب كتاب الوصايا حديث ٥.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب أحكام الوصايا حديث ٤ و ١١.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب كتاب الوصايا حديث ٨.

١٢٦

له (١) هو السفه ، فيجب تحققه بتحققه (٢) ، ولظاهر قوله تعالى : (فَإِنْ كٰانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً (٣)) حيث أثبت عليه الولاية بمجرده (٤).

(ولا يزول) الحجر عنه (إلا بحكمه) لأن زوال السفه يفتقر إلى الاجتهاد ، وقيام الأمارات ، لأنه أمر خفي فيناط بنظر الحاكم. وقيل : يتوقفان (٥) على حكمه لذلك (٦). وقيل : لا فيهما ، وهو الأقوى ، لأن المقتضي للحجر هو السفه فيجب

______________________________________________________

والسفه أمر خفي والأنظار فيه مختلفة فيناسب كونه منوطا بنظر الحاكم.

ووجه عدم التوقف أن الحجر سببه السفه فقط لقوله تعالى : (فَإِنْ كٰانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لٰا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ) (١) ، حيث أثبت الحجر عليه بمجرد السفه.

وأما بالنسبة لرفع الحجر فوجه توقف الرفع على حكم الحاكم هو أن السفه لما كان أمرا خفيا والأنظار تختلف فيه فلا يعرف رفعه فناسب أن يكون منوطا بنظر الحاكم.

ووجه عدم توقف الرفع على حكم الحاكم قوله تعالى : (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ) (٢) ، حيث علق الأمر بالدفع على إيناس الرشد ، فلو توقف معه على أمر آخر لبيّنه.

هذا والأقوال أربعة ، فعن المشهور الاحتياج إلى حكم الحاكم رفعا وثبوتا ، وعن ثاني المحققين والشهيدين عدم الاحتياج إلى حكم الحاكم رفعا وثبوتا ، والشهيد هنا في اللمعة ذهب إلى الاحتياج إلى حكم الحاكم في رفع الحجر دون ثبوته ، وعن بعض عكسه وقال في المسالك : (وقيل : إن به قائلا ولا نعلمه بالحجر ، نعم في التحرير جزم بتوقف الثبوت على حكمه وتوقف في الزوال) انتهى.

(١) للحجر.

(٢) أي يجب تحقق الحجر بتحقق السفه.

(٣) سورة البقرة ، الآية : ٢٨٢.

(٤) بمجرد السفه.

(٥) ثبوت الحجر ورفعه.

(٦) للتعليل المذكور.

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية : ٢٨٢.

(٢) سورة النساء ، الآية : ٦.

١٢٧

أن يثبت بثبوته ، ويزول بزواله ، ولظاهر قوله تعالى : (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ (١)) حيث علق الأمر بالدفع على إيناس الرشد ، فلا يتوقف على أمر آخر.

(ولو عامله العالم بحاله (٢) استعاد ماله) مع وجوده ، لبطلان المعاملة (فإن تلف فلا ضمان) لأن المعامل قد ضيّع ماله بيده ، حيث سلمه إلى من نهى الله تعالى عن إيتائه ، ولو كان جاهلا بحاله (٣) فله الرجوع مطلقا (٤) ، لعدم تقصيره.

وقيل : لا ضمان مع التلف مطلقا (٥) ، لتقصير من عامله قبل اختباره. وفصّل ثالث (٦) : فحكم بذلك (٧) مع قبض السفيه المال بإذن مالكه ، ولو كان بغير إذنه

______________________________________________________

(١) سورة النساء آية : ٦.

(٢) بطلت المعاملة لكونها صادرة من السفيه ، وهو ممنوع من ذلك شرعا بلا خلاف فيه ، ومع بطلان المعاملة يرجع الطرف الآخر بعين ماله إن وجده ، لأنه لم يتم سبب النقل والانتقال فهو باق على ملكه.

وإن كان ماله تالفا تحت يد السفيه فلا ضمان على السفيه لأن المعامل بعلمه أنه سفيه قد سلطه على إتلافه ، ووجود السفه مانع من إثبات العوض عليه حال الإتلاف وإن ارتفع الحجر فيما بعد.

(٣) فلا ضمان على السفيه لأن المعامل مقصر ، لأنه لم يختبره قبل المعاملة ، والمقصر كالعامد ، وهذا عن المبسوط والشرائع والقواعد والتحرير والتذكرة وجامع المقاصد ، وقيل كما عن التذكرة في موضع آخر أن العين مضمونة على السفيه بعد ارتفاع الحجر لعموم (على اليد ما أخذت حتى تؤدي).

(٤) سواء وجدت العين أم لا ، ومع التلف يكون الضمان على السفيه بعد الحجر كما عن التذكرة في موضع آخر.

(٥) في صورة العلم والجهل ، أما العلم فواضح وقد تقدم ، وأما الجهل فلا ضمان على السفيه لأن المعامل مقصر وهو القول الأول المتقدم.

(٦) وقد نسبه في المسالك إلى التذكرة.

(٧) أي بعدم الضمان على السفيه سواء كان المعامل عالما أم لا ، ولا ضمان لإذن المعامل للسفيه بالقبض ، وإذنه تسليط فلا يكون مشمولا لقاعدة الضمان (على اليد ما أخذت حتى تؤدي).

١٢٨

ضمنه مطلقا (١) ، لأن المعاملة الفاسدة لا يترتب عليها حكم فيكون قابضا للمال بغير إذن ، فيضمنه ، كما لو أتلف مالا ، أو غصبه بغير إذن مالكه. وهو حسن.

(وفي إيداعه (٢) ، أو إعارته ، أو إجارته فيتلف العين نظر) من تفريطه بتسليمه وقد نهى الله تعالى عنه بقوله : (وَلٰا تُؤْتُوا السُّفَهٰاءَ أَمْوٰالَكُمُ (٣)) ، فيكون بمنزلة من ألقى ماله في البحر ، ومن عدم تسليطه على الإتلاف ، لأن المال في هذه المواضع أمانة يجب حفظه ، والإتلاف حصل من السفيه بغير إذن فيضمنه كالغصب ، والحال أنه بالغ عاقل ، وهذا هو الأقوى.

(ولا يرتفع الحجر عنه ببلوغه خمسا وعشرين سنة (٤) إجماعا منا لوجود المقتضى للحجر ، وعدم صلاحية هذا السن لرفعه. ونبه بذلك ، على خلاف بعض العامة ، حيث زعم أنه متى بلغ خمسا وعشرين سنة يفك حجره به وإن كان سفيها ، (ولا يمنع من الحج الواجب (٥) مطلقا) ، سواء زادت نفقته عن نفقة الحضر

______________________________________________________

(١) أي ضمن السفيه التلف سواء كان المعامل عالما أم لا.

(٢) لو أودع رجل وديعة عند السفيه مع علمه بالحجر فأتلفها فهل يضمن السفيه أو لا.

فعن الإرشاد للفاضل عدم الضمان لأصل البراءة ، ولتفريط المعامل بالإيداع بعد نهي الله تعالى عن إيتاء السفيه المال.

وعن التذكرة للعلامة والمحقق الثاني الضمان ، لأن أصل البراءة مقطوع بأدلة الضمان ومنها عموم (على اليد ما أخذت حتى تؤدي) ، والإيداع ليس فيه إذن بالإتلاف ليكون منافيا لأدلّة الضمان ، فيكون الإتلاف هنا كالغصب لأنه بغير إذن المالك.

وفي حكم الوديعة العارية والإجارة من ناحية الضمان وعدمه عند التلف.

(٣) سورة النساء ، آية : ٤.

(٤) لا يرتفع الحجر عن السفيه ببلوغه هذا العمر المذكور بلا خلاف فيه بيننا لإطلاق الأدلة.

وعن أبي حنيفة الحكم برفع الحجر عن السفيه إذا بلغ العمر المذكور وإن كان سفيها ، وهو ضعيف لعدم الدليل عليه.

(٥) حكم السفيه في العبادات الواجبة المالية والبدنية حكم الرشيد ، لإطلاق أدلة الواجبات فتشمله ، بلا خلاف فيه ولا إشكال.

ثم مع وجوب الحج عليه فلا اعتراض للولي عليه سواء زادت نفقته سفرا عن نفقته حضرا أم لا ، ولكن يتولى الولي النفقة إن حج معه ، أو يوكل من يسافر معه من الرفقة

١٢٩

أم لا ، وسواء وجب بالأصل أم بالعارض كالمنذور قبل السفه ، لتعينه عليه ، ولكن لا يسلّم النفقة ، بل يتولاها الولي ، أو وكيله ، (ولا) من الحج (المندوب (١) إذا استوت نفقته) حضرا وسفرا ، وفي حكم استواء النفقة ما لو تمكن في السفر من كسب يجبر الزائد بحيث لا يمكن فعله في الحضر.

(وتنعقد يمينه) لو حلف (٢) ، (ويكفّر بالصوم) لو حنث ، لمنعه من التصرف المالي ، ومثله العهد والنذر ، وإنما ينعقد ذلك (٣) حيث لا يكون متعلقه المال ليمكن الحكم بالصحة ، فلو حلف أو نذر أن يتصدق بمال لم ينعقد نذره ، لأنه تصرف مالي.

هذا مع تعينه (٤) ، أما لو كان مطلقا لم يبعد أن يراعى في إنفاذه الرشد (وله)

______________________________________________________

ويمنع السفيه من التصرف في ماله لعموم قوله تعالى : (وَلٰا تُؤْتُوا السُّفَهٰاءَ أَمْوٰالَكُمُ) (١).

ثم لا فرق في الحج الواجب بين كونه وجوبه بالأصل أو بالعارض كما لو وجب بالنذر قبل الحجر.

(١) فإن استوت نفقته سفرا وحضرا لم يمنع بلا خلاف فيه كما في الجواهر لعدم الضرر بذلك ، وعدم التصرف الزائد حتى يمنع منه.

ومع التفاوت بالنفقة ، بأن زادت سفرا فيمنع للضرر بماله ، بلا خلاف فيه إلا من الأردبيلي فلم يمنعه وإن زادت النفقة ، وردّ كما في الجواهر بأنه مناف لحكمة الحجر.

أما لو تفاوتت النفقة وأمكنه تكسب ما يحتاج إليه في السفر لم يمنع لعدم الضرر بماله أبدا ، وأشكل عليه أنه باكتسابه قد حصّل مالا جديدا وهو من جملة ماله ، فيجب الحجر عليه فيه كالمال السابق عنده ، وردّ أن هذا الاكتساب لا يحصل بالحضر بل في السفر فكانت مئونة سفره في قبال غنمه.

(٢) بلا خلاف فيه لأنه بالغ عاقل مكلف فلو حلف لانعقدت يمينه ، وإنما هو ممنوع من خصوص التصرف المالي ، وهو غير مانع من انعقاد اليمين. نعم لو حنث فعن الفاضل والشيخ يكفّر بالصوم ويمنع أن يكفر بالإطعام أو العتق ، لأنهما تصرف مالي ، وعن المحقق الاستشكال فيه ، لأن الكفارة بعد الحنث واجبة ، والفرض أنه مالك فتخرج الكفارة من حاله كبقية الواجبات المالية كالحج ونحوه.

(٣) من اليمين والعهد والنذر.

(٤) أي تعين المال حيث قال الشارح في المسالك : (أما لو كان متعلق النذر نفس المال ، بأن

__________________

(١) سورة النساء ، الآية : ٤.

١٣٠

العفو عن القصاص) (١) ، لأنه ليس بمالي ، (لا الدية) (٢) ، لأنه تصرف مالي ، وله الصلح عن القصاص على مال ، لكن لا يسلّم إليه.

______________________________________________________

نذر أن يتصدق بمال مثلا فإن معينا بطل النذر ، وإن كان في الذمة صح وروعي في إنفاذه الرشد) انتهى.

وصح النذر إذا كان المال في الذمة لوجود المقتضي لعدم سلب أهلية التصرف عنه ، وعدم المانع إذ المانع هو التصرف في المال الذي تحت يده وأما في غيره فلا مانع.

(١) لا خلاف ولا إشكال أنه لو وجب له القصاص جاز له العفو على غير مال فضلا عنه.

بناء على أن الواجب في العمد هو القصاص خاصة لقوله تعالى : (فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ) (١) ، وهو ليس بمال ، وإنما يثبت المال بالصلح والتراضي.

هذا وعن بعض العامة أن الثابت في العمد أحد أمرين من القصاص والمال فلا يصح عفوه ، وهو ضعيف لما تقدم.

(٢) لو وجبت له دية أو أرش لم يجز العفو له ، بلا خلاف ولا إشكال لأنه من التصرف الممنوع منه شرعا.

__________________

(١) سورة البقرة الآية : ١٩٥.

١٣١
١٣٢

كتاب الضمان

١٣٣
١٣٤

(كتاب الضمان (١)

والمراد به الضمان بالمعنى الأخص قسيم الحوالة والكفالة ، لا الأعم الشامل لهما (وهو التعهد بالمال) أي الالتزام به (من البري‌ء) (٢) من مال مماثل لما ضمنه

______________________________________________________

(١) الضمان مشتق من الضمن ، لأنه ينقل ما كان في ذمة المضمون عنه من مال إلى ذمة الضامن ، فتكون ذمة الضامن متضمنة أو تتضمن الحق ، فالنون فيه أصلية ، وهذا متفق عليه عندنا.

وعن أكثر العامة أن الضمان غير ناقل ، وإنما يفيد اشتراك الذمتين ، ذمة المضمون عنه وذمة الضامن ، لأن الضمان مشتق من الضم فالنون فيه زائدة ، ويتخير المضمون له في المطالبة.

ويرده تصريح أهل اللغة بكون النون أصلية ، قال في مصباح المنير : (ضمنت المال وبه ضمانا فأنا ضامن وضمين ، التزمته ، ويتعدى بالتضعيف ، فيقال : ضمّنته المال ، ألزمته إياه ، قال بعض الفقهاء : الضمان مأخوذ من الضم ، وهو غلط من جهة الاشتقاق ، لأن نون الضمان أصلية ، والضم ليس فيه نون ، فهما مادتان مختلفتان) انتهى.

والضمان تعهّد بمال أو نفس ، والثاني الكفالة ، والأول إما أن يتعهد بمال وهو ليس عليه مال فهو الضمان المصطلح ، وإما أن يتعهد بمال وهو عليه مال فهو الحوالة.

فالضمان بالمعنى الأعم أعني مطلق التعهد منقسم إلى الكفالة والضمان والحوالة ، والضمان بالمعنى الأخص هو قسيم الحوالة والكفالة.

(٢) عرّف الضمان بالمعنى الأخص بأنه تعهد للمال ممن ليس عليه مال للمضمون عنه ، والتعهد هو الالتزام كما في المصباح ، وبقيد المال خرجت الكفالة لأنها تعهد بنفس ، وممن ليس عليه مال للمضمون عنه أي أنه بري‌ء للمضمون عنه ، وهو قيد لإخراج الحوالة ، لأن المحال عليه مديون للمحيل فلا يكون بريئا.

١٣٥

للمضمون عنه. وبقيد المال خرجت الكفالة فإنها تعهّد بالنفس ، وبالبري‌ء الحوالة بناء على اشتراطها بشغل ذمة المحال عليه للمحيل بما أحال به.

(ويشترط كماله (١) أي كمال الضامن المدلول عليه بالمصدر (٢) ، أو اسم الفاعل (٣) ، أو المقام (٤) ، (وحرّيته) (٥) فلا يصح ضمان العبد في المشهور ، لأنه لا

______________________________________________________

(١) أي كمال الضامن بأن يكون بالغا تحاملا ، لما تقدم سابقا من أن الصبي والمجنون مسلوبا العبارة شرعا.

(٢) وهو الضمان.

(٣) وهو البري‌ء.

(٤) لأن الكلام في الضمان.

(٥) والبحث فيه من جهتين : الجهة الأولى : هل يصح ضمان العبد بغير إذن سيده؟ قولان أحدهما عدم الصحة ، لأن العبد لا يقدر على شي‌ء ، قال تعالى : (عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ‌ءٍ) (١) ، وذمته مملوكة للمولى فلا يملك إثبات شي‌ء فيها إلا بإذنه ، وهو المنقول من جماعة منهم الشيخ ، ثانيهما الصحة ، لعمومات (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٢) السالمة عن المعارض ، إذ لا يتصور مانع إلا حق المولى ، وهو غير مانع هنا ، لأنه على تقدير الصحة يتبع به بعد العتق ، وهو غير مناف لشي‌ء من حقوق المولى ، وهو المنقول عن العلامة في التذكرة.

الجهة الثانية من البحث أنه لو وقع ضمان العبد بإذن سيده فهل يتعلق بذمته أو بكسبه ، فعلى الأول الضمان على العبد ، وعلى الثاني الضمان من مال المولى ، لأن كسب العبد مال للمولى.

ذهب جماعة منهم المحقق إلى أنه يتعلق بذمة العبد ويتبع به بعد العتق ، لأن إطلاق الضمان المأذون أعم من كل منهما ، أعني من كون الضمان في ذمته أو كسبه ، والعام لا يدل على الخاص ليتعين كون الضمان من الكسب ، ولم يقع من المولى ما يدل على التزامه في ملكه الذي هو كسب العبد هنا.

وعن جماعة منهم المحقق الثاني أنه في كسب العبد فيكون الضمان من مال المولى ، لأن إطلاق الضمان محمول على المعهود ، والمعهود هو الضمان الذي يستعقب الأداء ، والذي

__________________

(١) سورة النحل ، الآية : ٧٥.

(٢) سورة المائدة ، الآية : ١.

١٣٦

يقدر على شي‌ء. وقيل : يصح ويتبع به بعد العتق (إلا أن يأذن المولى فيثبت) المال (في ذمة العبد) ، لا في مال المولى لأن إطلاق الضمان أعم من كل منهما فلا يدل على الخاص ، وقيل : يتعلق بكسبه حملا على المعهود من الضمان الذي يستعقب الأداء وربما قيل بتعلقه بمال المولى مطلقا (١) ، كما لو أمره بالاستدانة ، وهو متجه ، (إلا أن يشترط كونه من مال المولى (٢) فيلزم بحسب ما شرط ويكون حينئذ كالوكيل ، ولو شرطه من كسبه فهو كما لو شرطه من مال المولى ، لأنه (٣) من جملته (٤) ، ثم إن وفّى الكسب بالحق المضمون (٥) وإلا ضاع ما قصر ، ولو أعتق

______________________________________________________

يتعقبه الأداء هو كونه من مال المولى ، لأن الأداء من غير مال السيد ممتنع ، ومن العبد لا يكون عقيب الضمان بل عقيب العتق.

إن قلت : لو كان الضمان من مال المولى فلم خص الضمان بكسب العبد دون بقية الأموال.

قلت : لو كان الضمان في جميع أموال المولى لكان المولى هو الضامن وهو الذي صدرت الصيغة وهو على خلاف الفرض فيلزم أن يكون في خصوص كسب العبد ، وقال الشارح في المسالك : (والبحث في ذلك ـ أي في كون الضمان من كسب العبد ـ قريب مما لو أذن له في الاستدانة ، فينبغي ترتب قول ثالث ، وهو أن الضمان يتعلق بمال المولى ولا يختص بكسب العبد ولعله أقوى) انتهى.

(١) سواء كان من كسب العبد أم لا.

(٢) فيكون الضمان على المولى للزوم الوفاء بالشرط ، ويكون العبد كالوكيل في إجراء الصيغة كما هو واضح.

(٣) أي لأن كسب العبد.

(٤) أي جملة مال المولى ، لكن الضمان بفرد معيّن منه.

(٥) قال الشارح في المسالك : (فإن وفّى كسبه بمال الضمان فقد تم للمضمون له حقه ، وإلا ضاع عليه ما قصر ، فلو أعتق العبد قبل إمكان تجدد شي‌ء من الكسب فهل يبقى التعلق به أم يبطل الضمان لفوات المحل المعيّن لأداء المال ، لانصراف الإطلاق إلى الكسب الذي هو ملك المولى وقد فات ، الظاهر من كلامهم الأول ، فإن ذلك هو معنى الكسب ، فإذا أعتق صار كسبه وما في يده سواء ، ومع ذلك لا يسمى في اصطلاح الشرع كسبا وإن أطلق عليه لغة) انتهى. وحاصل كلامه أن الضمان يبطل لفوات المحل كما هو الوجه الثاني ، وأن متعلق الضمان الكسب وهو لغة يطلق على كسب العبد بعد العتق وإن لم يطلق عليه شرعا كما هو الوجه الأول.

١٣٧

العبد قبل إمكان تجدد شي‌ء من الكسب ففي بطلان الضمان ، أو بقاء التعلق به وجهان.

(ولا يشترط علمه بالمستحق (١) للمال المضمون ، وهو المضمون ، له بنسبه

______________________________________________________

(١) على صيغة الفاعل ، والمعنى لا يشترط علم الضامن باسم المضمون له ونسبه ، ولا المضمون عنه كذلك كما عليه الأكثر ، لأن الضمان وفاء دين ، وهو جائز عن كل مديون فلا يشترط العلم بالمضمون عنه ، وأما المضمون له فإن اعتبرنا قبوله لفظا كما هو مقتضى العقد اللازم عند المشهور اقتضى ذلك تميزه ، ولا يعتبر الأزيد من ذلك ، وإن لم نشترط قبوله اللفظي لم يعتبر العلم به بوجه ، لعمومات (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١) السالمة عن المعارض ، ولأخبار.

منها : خبر الفضيل عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لما حضر محمد بن أسامة الموت دخل عليه بنو هاشم ، فقال لهم : قد عرفتم قرابتي ومنزلتي منكم وعليّ دين ، فأحب أن تقضوه عني ، فقال علي بن الحسين عليه‌السلام : ثلث دينك عليّ ، ثم سكت وسكتوا ، فقال علي بن الحسين عليه‌السلام : عليّ دينك كله ، ثم قال عليه‌السلام : أما إنه لم يمنعني أن أضمنه أولا إلا كراهة أن يقولوا سبقنا) (٢) وهو ظاهر في عدم معرفة المضمون له.

وما رواه الشيخ في الخلاف عن أبي سعيد الخدري (قال : كنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في جنازة فلما وضعت ، قال : هل على صاحبكم دين؟ قالوا : نعم درهمان ، فقال : صلّوا على صاحبكم ، فقال علي عليه‌السلام : هما عليّ يا رسول الله ، وأنا لهما ضامن ، فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فصلى عليه ، ثم أقبل على عليّ فقال : جزاك الله عن الإسلام خيرا وفك رهانك كما فككت رهان أخيك) (٣) ، وخبر جابر بن عبد الله (أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان لا يصلي على رجل عليه دين ، فأتي بجنازة فقال : هل على صاحبكم دين ، فقالوا : نعم ديناران ، فقال : صلّوا على صاحبكم ، فقال أبو قتادة : هما عليّ يا رسول الله ، قال : فصلّى عليه فلما فتح الله على رسوله قال : أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فمن ترك مالا فلورثته ، ومن ترك دينا فعليّ) (٤) ، وهما ظاهران في عدم اشتراط العلم بالمضمون له.

وعن الشيخ في المبسوط والمقداد في التنقيح اشتراط العلم بالمضمون له والمضمون عنه ، أما اشتراط العلم بالأول ليعرف هل هو سهل المعاملة أو لا ، واشتراط العلم بالثاني لينظر هل يستحق بذلك عليه أو لا.

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية : ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب الضمان حديث ١.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب الضمان حديث ٢ و ٣.

١٣٨

أو وصفه ، لأن الغرض إيفاؤه الدين ، وهو (١) لا يتوقف على ذلك (٢) ، وكذا لا يشترط معرفة قدر الحق (٣) المضمون ، ولم يذكره المصنف ، ويمكن إرادته من العبارة بجعل المستحق مبنيا للمجهول ، فلو ضمن ما في ذمته صح على أصح القولين ، للأصل (٤) ، وإطلاق النص (٥) ولأن الضمان لا ينافيه الغرر ، لأنه ليس معاوضة ، لجوازه من المتبرع. هذا إذا أمكن العلم به بعد ذلك (٦) كالمثال (٧) ، فلو

______________________________________________________

وعن العلامة في المختلف اعتبار العلم بالمضمون عنه دون المضمون له ، أما اشتراط العلم بالأول لأنه لا بد من تميّزه عند الضامن ليقع الضمان عنه ، وعدم اشتراط العلم بالثاني للخبرين السابقين.

(١) أي إيفاء الدين.

(٢) على العلم بالمضمون له.

(٣) ذهب المشهور إلى عدم اشتراط العلم بالحق المضمون لخبر الفضيل المتقدم (١) ، الظاهر في أن الدين كان مجهولا ، ولخبر عطا عن أبي جعفر عليه‌السلام (قلت له : جعلت فداك : إن عليّ دينا ، إذا ذكرته فسد عليّ ما أنا فيه ، فقال عليه‌السلام : سبحان الله ، أو ما بلغك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يقول في خطبته : من ترك ضياعا (٢) فعليّ ضياعه ، ومن ترك دينا فعليّ دينه ، ومن ترك مالا فهو لوارثه ، وكفالة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ميتا ككفالته حيا ، وكفالته حيا ككفالته ميتا ، فقال الرجل : نفّست عني ، جعلني الله فداك) (٣) ، وعموم النبوي (الزعيم غارم) (٤).

وعن الشيخ في المبسوط والخلاف والقاضي في المهذب وابن إدريس في السرائر عدم الجواز ، وهو ضعيف بما سمعت.

(٤) أي أصالة الصحة أو أصالة عدم اشتراط التعيين ، أو أصالة عدم منع الجهالة وعدم منع الغرر.

(٥) وهو النبوي المتقدم.

(٦) بعد الضمان.

(٧) وهو ما لو ضمن ما في ذمته.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب الضمان حديث ١.

(٢) الضياع هو العيال.

(٣) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب الدين حديث ٥.

(٤) مستدرك الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب الضمان حديث ٢.

١٣٩

لم يمكن كضمنت لك شيئا مما في ذمته لم يصح قطعا (١) ، وعلى تقدير الصحة (٢) يلزمه ما تقوم به البينة أنه كان لازما للمضمون عنه وقت الضمان ، لا ما يتجدد ، أو يوجد في دفتر ، أو يقر به المضمون عنه ، أو يحلف عليه المضمون له برد اليمين من المضمون عنه ، لعدم دخول الأول (٣) في الضمان ، وعدم ثبوت الثاني (٤) ، وعدم نفوذ الإقرار في الثالث (٥) على الغير ، وكون الخصومة حينئذ (٦) مع الضامن والمضمون عنه (٧) فلا يلزمه (٨) ما يثبت بمنازعة غيره (٩) ، كما لا يثبت ما يقرّ

______________________________________________________

(١) قال الشارح في المسالك : (وموضع الخلاف في صورة يمكن العلم فيها بعد ذلك ، كما لو ضمن الدين الذي عليه ، أو ثمن ما باع من فلان ، أما لو لم يمكن الاستعلام لم يصح الضمان قولا واحدا ، كما لو قال : ضمنت شيئا مما لك على فلان ، لصدق الشي‌ء على القليل والكثير) انتهى ، وعدم جواز الضمان للزوم الإبهام والجهالة في الواقع.

(٢) أي على تقدير عدم العلم بالحق المضمون وقت الضمان يلزم الضامن ما ثبت بالبينة أنه كان لازما للمضمون منه وقت الضمان ، لا ما يتجدد لأنه لم يتعلق به الضمان ، ولا ما يوجد في كتاب أو دفتر ، لأنه ليس طريقا مثبتا لما في الذمة ، ولا ما يقرّ به المضمون عنه لأن إقراره إنما ينفذ على نفسه لا على غيره ولا على ما يحلف عليه المضمون له عنده واليمين عليه من قبل المضمون عنه ، وذلك عند اختلاف المديون الذي هو المضمون عنه مع الدائن الذي هو المضمون له في مقدار الدين ، فيقول الدائن : مائة ، ويقول المديون : خمسون فالمديون هو المنكر فيقدم قوله مع يمينه ، فلو لم يحلف وردّ اليمين على المدعي وحلف يثبت أن الدين مائة ، ولكن لا يثبت أن الحق المضمون هو المائة ، لأن حلف المدعي اليمين المردودة يثبت الحق للمضمون له الحالف في قبال تنازعه مع المضمون عنه ، فلا يلزم الضامن بما ثبت بمنازعة المضمون له عنه وبالجملة فكما لا يثبت على الضامن ما أقره المضمون عنه فكذلك لا يثبت على الضامن ما يوجبه اليمين المردود من المضمون عليه.

(٣) وهو المتجدد بعد وقت الضمان.

(٤) وهو الموجود في دفتر ، لأنه ليس من وسائل الإثبات في الذمة والضمان إنما هو للثابت في الذمة.

(٥) وهو إقرار المضمون عنه ، فإنه نافذ في حقه لا في حق غيره.

(٦) أي حين كونها بين المضمون له وبين المضمون عنه.

(٧) فهي بين المضمون له وبين المضمون عنه والضامن.

(٨) للضامن.

(٩) أي بمنازعة غير الضامن الذي هو المضمون عنه مع المضمون له.

١٤٠